عرض مشاركة واحدة
قديم 16-12-2009, 02:16 AM
المشاركة 10

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


المبحث الأول: توحيد الربوبية




معناه الاعتقاد الجازم بأن الله وحده رب كل شيء ومليكه، لا شريك له، وهو الخالق
وحده وهو مدبر العالم والمتصرف فيه، وأنه خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومميتهم
والإيمان بقضاء الله وقدره وبوحدانيته في ذاته، وخلاصته هو: توحيد الله تعالى بأفعاله.
وقد قامت الأدلة الشرعية على وجوب الإيمان بربوبيته سبحانه وتعالى، كما في قوله:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1].
وقوله:{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29].
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].
وهذا النوع من التوحيد لم يخالف فيه كفار قريش، وأكثر أصحاب الملل والديانات؛
فكلهم يعتقدون أن خالق العالم هو الله وحده، قال الله تبارك وتعالى عنهم:
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25].
وقال: {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ
قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
} [المؤمنون: 84-90].
وذلك لأن قلوب العباد مفطورة على الإقرار بربوبيته سبحانه وتعالى ولذا فلا يصبح
معتقده موحداً؛ حتى يلتزم بالنوع الثاني من أنواع التوحيد، توحيد الألوهية

الوجيز في عقيدة السلف الصالح لعبد الحميد الأثري - ص55



التوحيد العملي الخبري الاعتقادي (المتضمن إثبات صفات الكمال لله عز وجل
وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل و تنزيهه عن صفات النقص وهو توحيد الربوبية
والأسماء والصفات
) وهو (إثبات) بالرفع بدل بعض من قولنا (نوعان) أي الأول
منهما (إثبات ذات الرب جل وعلا) فإن هذه العوالم العلويات والسفليات لا بد لها
من موجد أوجدها ويتصرف فيها ويدبرها. ومحال أن توجد بدون موجد, ومحال أن
توجد أنفسها. قال الله تبارك وتعالى في مقام إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية:
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ
} [الطور: 35-37].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} أي من غير رب .
ومعناه أخلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق, وذلك مما لا يجوز أن
يكون لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم فلا بد له من خالق فإن أنكروا
الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق. {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} لأنفسهم وذلك في البطلان
أشد لأن ما لا وجود له كيف يخلق فإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم
خالقا فليؤمنوا بـه {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وهذا في البطلان أشد وأشد
فإن المسبوق بالعدم يستحيل أن يوجد نفسه فضلا عن أن يكون موجدا لغيره
وهذا إنكار عليهم في شركهم بالله عز وجل وهم يعلمون أنه الخالق لا شريك له
{بَل لاَّ يُوقِنُونَ} أي ولكن عدم إيقانهم هو الذي يحملهم على ذلك. وعن جبير
بن مطعم رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في
المغرب بالطور, فلما بلغ هذه الآية:

{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ}
[الطور: 35-36] كاد قلبي أن يطير)) .وكثيرا ما يرشد الله تبارك وتعالى عباده إلى
الاستدلال على معرفته بآياته الظاهرة من المخلوقات العلوية والسفلية
كما قال تعالى: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20] أي: فيها من الآيات
الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة, مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات
والحيوانات والمهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار واختلاف ألسنة الناس وألوانهم
وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى وما بينهم من التفاوت في العقول والفهم
والحركات والسعادة والشقاوة وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من
أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه, ولهذا قال عز وجل:



{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]، قال قتادة: من تفكر في خلق نفسه
علم أنه إنما لينت مفاصله للعبادة , وكذا ما في ابتداء الإنسان من الآيات العظيمة
إذ كانت نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما إلى أن نفخ فيه الروح. وقال تعالى:
{وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ
خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
} [الذاريات: 47-49] يقول تعالى منبها على خلق العالم
العلوي والسفلي: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا} أي جعلناها سقفا رفيعا {بِأَيْدٍ} أي بقوة قاله
ابن عباس ومجاهد وقتادة والثوري وغير واحد , {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} قال ابن عباس
رضي الله عنهما: لقادرون. وعنه أيضا: لموسعون الرزق على خلقنا. وقيل:
ذو وسعة . وقال ابن كثير: أي قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد حتى استقلت
كما هي . {وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} أي جعلناها فراشا للمخلوقات {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}
الباسطون نحن. قال ابن عباس: نعم ما وطَّأت لعبادي .
{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} صنفين ونوعين كالسماء والأرض, والشمس والقمر
والليل والنهار, والبر والبحر, والسهل والجبل, والشتاء والصيف, والجن والإنس
والذكر والأنثى, والنور والظلمة, والإيمان والكفر, والسعادة والشقاوة, والجنة والنار
الحق والباطل, والحلو والمر, والدنيا والآخرة, والموت والحياة والجامد والنامي
والمتحرك والساكن, والحر والبرد وغير ذلك {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي لتعلموا أن الخالق
واحد فرد لا شريك له.اهـ. ابن كثير والبغوي .



وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي
تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء
وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
} [البقرة: 164] وقال أبو الضحى: لما نزلت
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] قال المشركون إن
كان هكذا فليأتنا بآية, فأنزل الله عز وجل {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} تلك
في ارتفاعها ولطافتها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها, وهذه
الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها
من المنافع {وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} هذا يجئ ثم يذهب ويخلفه الآخر. ويعقبه
ولا يتأخر عنه لحظة كما قال تعالى:
{لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}
[يس: 40] وتارة يطول هذا ويقصر هذا وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتعاوضان
كما قال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد: 6]
أي يزيد من هذا في هذا ومن هذا في هذا {وَالفُلْكَ تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاس}
أي في تسخير البحر بحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس والانتفاع
بما عند أهل ذلك الإقليم ونقل هذا إلى هؤلاء
{وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها} كما قال تعالى:
{وَآيَةً لَهُمْ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا ِمْنَها حَبَاً فَمِنْهُ يَأْكُلُون} [يس: 33]
إلى قوله {وَمِمَّا لا يَعْلَمُون}. {وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّة}
على اختلاف أشكالها وأنواعها
ومنافعها وصغرها وكبرها وهو يعلم ذلك كله ويرزقه لا يخفى عليه شيء من ذلك
كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِين
}. {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاح} فتارة تأتي بالرحمة وتارة
تأتي بالعذاب وهي الريح, وتارة تأتي مبشرات بين يدي السحاب, وتارة تسوقها
وتارة تجمعه, وتارة تفرقه, وتارة تصرفه, ثم تارة تأتي من الشمال وهي الشامية
وتارة تأتي من ناحية اليمن, وتارة صبا وهي الشرقية, وتارة دبور وهي غربية
وغير ذلك والله أعلم. {وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض} أي سائر بين
السماء والأرض مسخر إلى ما يشاء الله من الأراضي والأماكن كما يصرفه تعالى



{لآيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} أي في هذه الأشياء دلالات بينة على وحدانية الله تعالى
{لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} فيعلمون أن لهذه الأشياء خالقا وصانعا وكل ما سواه عاجز لا قدرة
له إلا بما أقدره، متصف بجميع صفات الكمال, وكل ما سواه فلازمه النقص وليس
الكمال المطلق إلا له وهو الله تبارك وتعالى. وقال تبارك وتعالى:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُون. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة, إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يتفكرون
} [الروم:20-25]. يقول تعالى {وَمِنْ آيَاتِه} الدالة على عظمته
وكمال قدرته أنه خلق أباكم آدم من تراب {ثُمَّ أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُون}
فأصلكم من تراب ثم من ماء مهين, ثم تصور فكان علقة ثم مضغة ثم صار عظاما
شكله شكل إنسان ثم كسا الله تعالى العظام لحما ثم نفخ فيه الروح فإذا هو
سميع بصير, ثم أخرج من بطن أمه صغيرا ضعيف القوى والحركة ثم كلما طال
عمره تكاملت قواه وحركاته حتى آل به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحصون
ويسافر في أقطار الأقاليم ويركب متن البحور, ويدور أقطار الأرض ويكتسب ويجمع
الأموال وله فكر وغور ودهاء ومكر, ورأي وعلم, واتساع في أمور الدنيا والآخرة كل بحسبه
فسبحان من أقدرهم وسيرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب
وفاوت بينهم في العلوم والفكر والحسن والقبح والغنى والفقر والسعادة والشقاوة.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر
الأرض, جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك, والخبيث والطيب والسهل
والحزن وغير ذلك
)) . {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} أي خلق لكم
من جنسكم إناثا تكون لكم أزواجا {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} كما قال تعالى:
{هُوَ الذِّي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]
يعني بذلك حواء خلقها الله تعالى من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر, ولو أنه تعالى
جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم إما من جان أو
حيوان لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج, بل كانت تحصل نفرة لو كانت
الأزواج من غير الجنس, ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل الأزواج من جنسهم
{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّة} وهي المحبة {وَرَحْمَة} وهي الرأفة, فإن الرجل يمسك المرأة
إما لمحبة لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو الألفة
بينهما وغير ذلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٌ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} في عظمة الله وقدرته {وَمِنْ آيَاتِه}
الدالة على قدرته العظيمة {خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} أي خلق السموات في ارتفاعها
واتساعها وشفوف أجرامها وزهارة كواكبها ونجومها الثوابت والسيارات, وخلق الأرض
في انخفاضها وكثافتها وما فيها من جبال وأودية وبحار وقفار وحيوان وأشجار
{وَاخْتِلافِ أَلْسِنَتِكُمْ} يعني اللغات, فهؤلاء بلغة العرب, وهؤلاء تتر لهم لغة خاصة



وهؤلاء كرج , وهؤلاء روم, وهؤلاء إفرنج, وهؤلاء بربر, وهؤلاء حبشة, وهؤلاء هنود
وهؤلاء فرس, وهؤلاء صقالبة, وهؤلاء خزر, وهؤلاء أرمن, وهؤلاء أكراد, إلى غير ذلك
مما لا يعلمه إلا الله عز وجل من اختلاف لغات بني آدم {وَأَلْوَانِكُم} أي اختلاف ألوانكم
أبيض وأسود وأحمر, وأنتم أولاد رجل واحد وامرأة واحدة, وغير ذلك من اختلاف الصفات
والحلى, فجميع أهل الأرض بل أهل الدنيا منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة كل له
عينان وحاجبان وأنف وجبين وفم وخدان وليس يشبه واحد منهم الآخر, بل لابد أن
يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام ظاهرا كان أو خفيا يظهر عند التأمل
كل وجه منهم أسلوب بذاته وهيئة لا تشبه أخرى, ولو توافق جماعة في صفة
من جمال أو قبح لا بد من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ للعَالَمِين. وَمِنْ آيَاتِه مَنَاُمُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاءُكُمْ مِنْ فَضْلِه
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاٍت لِقَوْمٍ يَسْمَعُون
} [الروم:22-23] أي ومن الآيات ما جعل الله من
صفة النوم في الليل فإن فيه تحصل الراحة وسكون الحركة وذهاب الكلال والتعب
وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار وهذا ضد النوم,
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاٍت لِقَوْمٍ يَسْمَعُون} سماع تدبر واعتبار {وَمِنْ آيَاتِه} الدالة على عظمته
أنه {يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعا} [الروم:24] أي تارة تخافون مما يحدث بعده من أمطار
مزعجة وصواعق متلفة, وتارة ترجون وميضه وما يأتي بعده من المطر المحتاج إليه
ولهذا قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها}
أي بعدما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الَماَء اهْتَزَّتَ وَرَبَتْ
وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج
} [الحج: 5] وفي ذلك عبرة ودلالة واضحة على المعاد وقيام
الساعة, ولهذا قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرَضْ بِأَمْرِه
} [الروم: 25-26] كقوله تعالى:
{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِه} [الحج: 65] وقوله تعالى:
{إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِه}
[فاطر: 41] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اجتهد في اليمين قال:
(والذي قامت السموات والأرض بأمره) أي هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره
إياها, ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض والسموات, وخرجت الأموات
من قبورها أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم, ولهذا قال تعالى:



{ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوُةً مِنَ الأَرْضِ إَذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُون} أي: من الأرض كما قال تعالى:
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 52]
وقال تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 13-14]
وقال تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُون} [يس: 53].
والآيات في هذا الكتاب العظيم من الاستدلال بالمخلوقات على وجود خالقها
وقدرته وعظمته أكثر من أن تحصى وأجل من أن تستقصى, وفيما ذكرنا كفاية
وغنى يغني عن خرط المناطقة ومقدماتهم ونتائجهم وتناقضاتهم فيها, والله تبارك
وتعالى أعلى وأكبر وأجل وأعظم من أن يحتاج في معرفة وجوده إلى شواهد
واستدلالات, فذات المخلوق نفسه شاهدة بوجود خالقه حيث أوجده ولم يكن
من قبل شيئا, فلم يذهب يستدل بغيره وفي نفسه الآية الكبرى والبرهان الأعظم
وشأن الله تعالى أكبر من ذلك, ولم يجحد وجوده تعالى من جحده من أعدائه إلا
على سبيل المكابرة, ولهذا قال تعالى في كفرهم بآياته:
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوا} [النمل: 14] فكيف بوجود الخالق تبارك
وتعالى. ولهذا لما قال أعداء الله لرسله على سبيل المكابرة لما جاءوهم بالبينات
فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا:
{إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ
شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
} [إبراهيم: 9-10]. وهذا يحتمل شيئين: أحدهما:
أفي وجوده تعالى شك, فإن الفطر شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به, فإن
الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة ولكن قد يعرض لغيرها شك واضطراب وأكثر
من ذلك على سبيل المكابرة والاستهزاء, فيجب إقامة الحجة عليهم للإعذار إليهم,
ولهذا قالت لهم رسلهم ترشدهم إلى طريق معرفته فقالوا: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}
الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سابق, فإن شواهد الحدوث والخلق
والتسخير ظاهرة عليهما فلا بد لهما من خالق وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق
كل شيء وإلهه ومليكه. والمعنى الثاني: في قولهم {أَفِي اللّهِ شَكٌّ}
أي أفي إلهيته وتفرده بوجود العبادة له شك وهو خالق لجميع الموجودات ولا يستحق
العبادة إلا هو وحده لا شريك له, فإن غالب الأمم كانت مقرة بالخالق ولكن تعبد معه
غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم, والجواب لهذا الاستفهام على
كلا المعنيين: لا, أي لا شك فيه .

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص122



توحيد الربوبية: هو إفراد الله - عز وجل - بالخلق، والملك، والتدبير. فإفراده بالخلق:
أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ
الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
} [الأعراف: 54]، فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم
الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى:



{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} [فاطر: 3]؛ فهذه الآية تفيد
اختصاص الخلق بالله، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي.فإفراده بالخلق:
أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى: {ألا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]،
فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر،
وقال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} [فاطر: 3]؛
فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي.
أما ما ورد من إثبات خلق غير الله؛ كقوله تعالى: {فتبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}
[المؤمنون: 14]، وكقوله صلى الله عليه وسلم في المصورين:
((يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)) . فهذا ليس خلقاً حقيقة، وليس إيجاداً بعد عدم
بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال، وأيضاً ليس شاملاً، بل محصور بما يتمكن
الإنسان منه، ومحصور بدائرة ضيقة؛ فلا ينافي قولنا: إفراد الله بالخلق.
إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى:
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ
} [يونس: 31].
وأما تدبير الإنسان؛ فمحصور بما تحت يده، ومحصور بما أذن له فيه شرعاً.
وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول..
صلى الله عليه وسلم، بل كانوا مقرين به، قال تعالى:



{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}
[الزخرف: 9]، فهم يقرون بأن الله هو الذي يدبر الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات
والأرض، ولم ينكره أحد معلوم من بني آدم؛ فلم يقل أحد من المخلوقين:
إن للعالم خالقين متساويين.
فلم يجحد أحد توحيد الربوبية، لا على سبيل التعطيل ولا على سبيل التشريك
إلا ما حصل من فرعون؛ فإنه أنكره على سبيل التعطيل مكابرة؛ فإنه عطل الله
من ربوبيته وأنكر وجوده، قال تعالى حكاية عنه: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}
[النازعات: 24]، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}
[القصص: 38]. وهذا مكابرة منه لأنه يعلم أن الرب غيره؛ كما قال تعالى:
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}
[النمل: 14]، وقال تعالى حكاية عن موسى وهو يناظره:
{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا}
[الإسراء: 102]؛ فهو في نفسه مقر بأن الرب هو الله عز وجل.
وأنكر توحيد الربوبية على سبيل التشريك المجوس، حيث قالوا: إن للعالم خالقين
هما الظلمة والنور، ومع ذلك لم يجعلوا هذين الخالقين متساويين، فهم يقولون:
إن النور خير من الظلمة؛ لأنه يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، والذي يخلق
الخير خير من الذي يخلق الشر.
وأيضاً؛ فإن الظلمة عدم لا يضيء، والنور وجود يضيء؛ فهو أكمل في ذاته.
ويقولون أيضاً بفرق ثالث، وهو: أن النور قديم على اصطلاح الفلاسفة، واختلفوا في
الظلمة، هل هي قديمة، أو محدثة؟ على قولين

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/11






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..