عرض مشاركة واحدة
قديم 16-12-2009, 02:47 AM
المشاركة 37

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


(د) الترجيح



بعد هذا العرض التفصيلي لأدلة الفريقين واستدلالاتهم ومناقشتها، يظهر أن أدلة
القائلين بتكفير تارك الصلاة أصح وأقوى. إلا أن الراجح – في نظري – ولعله القول
الوسط بين الطرفين، وبه تجتمع الكثير من أدلة الفريقين، وهو أن يقال: إن ضابط
ترك الصلاة الذي يعد كفراً – ها هنا – هو الترك المطلق الذي هو بمعنى ترك الصلاة
من حيث الجملة الذي يتحقق بترك الصلاة بالكلية، أو بالإصرار على عدم إقامتها
أو بتركها في الأعم الأغلب، وليس مناط التكفير – ها هنا – مطلق الترك للصلاة
بحيث يلزم أن نكفر كل من ترك صلاة واحدة أو بعض صلوات
ويشهد لذلك جملة من الأدلة، منها ما يلي: -




1- قوله تعـالى: -

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}
[مريم: 59]فالمراد من تضييع الصلاة – هاهنا – تركها بالكلية كما قاله محمد بن
كعب القرظي وزيد بن أسلم والسدي واختاره ابن جرير.
2 - وقوله صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم -:
((خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليها كان له
عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد
إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة
)) فهذا الحديث صريح في الفرق بين الترك
المطلق، وبين مطلق الترك.. يقول ابن تيمية رحمه الله: -
"فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها
لا من ترك، ونفي المحافظة يقتضي أنهم صلوا ولم يحافظوا عليها... ثم قال:
" فإن كثيراً من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على
الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحياناً ويدعون أحياناً
فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة...
ويقول في موضع آخر: - " فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على
هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة
فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث
الذي في السنن حديث عبادة بن الصامت – ثم ساق الحديث المذكور -
3- قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن أتمها،
وإلا نظر هل له من تطوع، فإن كان له تطوع، أكملت الفريضة من تطوعه
))
والانتقاص هنا عام يتناول ترك الأداء لبعض الصلوات... وهذا من مطلق الترك الذي
لا يعد كفراً، ومن ثم صارت مقبولة، وأكملت بالتطوع، والله أعلم.

نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف – ص457

الخلاف في كفر تارك الصلاة كسلاً أيضاً ليس مقصودنا، حكاية الأقوال والترجيح
وإنما الإشارة إلى حالات يظن أنها داخلة في الترك كسلاً وهي ليست كذلك
والإشارة- أيضاً- إلى علاقة هذا الموضوع بمذهب المرجئة في الإيمان، وقبل بيان
هاتين المسألتين نشير إلى مدى الخلاف في هذه المسألة.
قال الإمام ابن قدامة المقدسي- رحمه الله-:



(...واختلفت الرواية هل يقتل لكفره أو حداً، فروي أنه يقتل لكفره كالمرتد، فلا يغسل
ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين، ولا يرثه أحد ولا يرث أحداًً، اختارها أبو إسحاق
بن شاقلا وابن حامد، وهو مذهب الحسن والشعبي وأيوب السختياني والأوزاعي
وابن المبارك وحماد بن زيد وإسحاق ومحمد بن الحسن...والرواية الثانية: يقتل حداً
مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة وأنكر قول
من قال: إنه يكفر، وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافاً فيه، وهذا
قول أكثر الفقهاء، وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي) .وقال الإمام النووي- رحمه الله-:
(فرع في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا
المشهور ما سبق أنه يقتل حداً ولا يكفر وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف
وقالت طائفة: يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شيء، وهو مروي عن
علي بن أبي طالب، وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين
عند أحمد، وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا...وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه
وجماعة من أهل الكوفة والمزني، لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي)
.وحكى الإمام محمد بن نصر المروزي خلاف أهل الحديث في هذه المسألة فقال-
رحمه الله-...وقد حكينا مقالة هؤلاء الذين أكفروا تارك الصلاة متعمداً وحكينا جملة
ما احتجوا به، وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث، وقد خالفهم جماعة أخرى من
أصحاب الحديث فأبوا أن يكفروا تارك الصلاة، إلا أن يتركها جحوداً أو إباء...)
وذكر منهم الإمام الشافعي، وأصحابه وأبا ثور وغيره، وأبا عبيد في موافقيهم ) .
بعد هذه الإشارة السريعة للخلاف في المسألة يمكن أن نستنتج ما يلي:
1- أن الخلاف في حكم تارك الصلاة كسلاً من حيث التكفير وعدمه، خلاف قديم
معروف عند السلف المتقدمين، فقد قال بعدم التكفير أئمة أعلام من أصحاب الحديث
كالإمام الشافعي ومالك، وأبي حنيفة والثوري وأبي عبيد..الخ.
2- لذلك ينبغي أن نعلم بأن الترجيح بين الأقوال في هذه المسألة لا علاقة له
بمذهب الإرجاء، فمن رجح عدم تكفير التارك كسلاً لا يلزم أن يكون متأثراً بمذهب
المرجئة هذا من حيث الأصل، وهناك حالات معينة قد يكون لرأي المرجئة في الإيمان
أثر في الترجيح فيها ومنها:



أ- ما حكاه بعض الأئمة من علاقة بين مذهب المرجئة وهذه المسألة كما قال
الإمام ابن عبد البر- رحمه الله- مبيناً الفرق بين ترجيح بعض أهل السنة عدم
تكفير تارك الصلاة كسلاً وبين مذهب المرجئة، قال بعدما حكى أدلة من قال بعدم
التكفير: (...هذا قول قد قال به جماعة من الأئمة ممن يقولون: الإيمان قول وعمل
وقالت به المرجئة أيضاً، إلا أن المرجئة تقول: المؤمن المقر مستكمل الإيمان
وقد ذكرنا اختلاف أئمة أهل السنة والجماعة في تارك الصلاة، فأما أهل البدع، فإن
المرجئة قالت: تارك الصلاة مؤمن مستكمل الإيمان، إذا كان مقراً غير جاحد، ومصدقاً
غير مستكبر، وحكيت هذه المقالة عن أبي حنيفة وسائر المرجئة...)
فلعل ترجيح بعض مرجئة الفقهاء قد استند إلى مذهبهم في الإيمان.
هذا جانب، والجانب الآخر أن أئمة السلف الذين لم يكفروا تارك الصلاة كسلاً، لم
يقولوا أنه مستكمل الإيمان، بل قالوا: إن ذلك ينقص إيمانه كحال تارك الطاعة
وفاعل المعصية، وقالوا بأنه معرض للعقوبة الأخروية والدنيوية، وقال كثير منهم
بقتله حداً للأحاديث الواردة في ذلك.ب- خلط بعض متأخري الفقهاء بين ترك الصلاة
كسلاً مع اعتقاد، وجوبها وبين الإصرار والامتناع عن أدائها حتى يقتل، قال شيخ
الإسلام- رحمه الله-: (ولهذا فرض متأخروا الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها وهو أن الرجل
إذا كان مقراً بوجوب الصلاة فدعي إليها وامتنع واستتيب ثلاثاً مع تهديده بالقتل
فلم يصل حتى قتل، هل يموت كافراً أو فاسقاً؟ على قولين: وهذا الفرض باطل
فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأنه يعاقبه على
تركها، ويصبر على القتل ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله
بشر قط، بل ولا يضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة إلا صلى، ولا ينتهي الأمر به إلى
القتل، وسبب ذلك أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه إنسان، إلا لأمر عظيم مثل
لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك فيصبر عليه حتى يقتل، وسواء كان الدين
حقاً أو باطلاً، أما مع اعتقاده أن الفعل يجب عليه باطناً فلا يكون فعل الصلاة
أصعب عليه من احتمال القتل قط...)

.وقال في موضع آخر:



(...ولا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه، مقراً، بأن الله أوجب عليه
الصلاة، ملتزماً لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، يأمره ولي الأمر
بالصلاة فيمتنع حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمناً في الباطن، وقد لا يكون إلا كافراً
ولو قال: أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه...
فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في
هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل
لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه، فإنه قد دخلت عليه الشبهة التي دخلت على
المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة
لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء
بنوه على قولهم في "مسألة الإيمان"، وأن الأعمال ليست من الإيمان، وقد
تقدم أن جنس الأعمال من لوازم القلب، وأن، إيمان القلب التام، بدون شيء
من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزء من
الإيمان كما تقدم بيانه ) .إذاً هناك فرق بين من يمتنع عن الفعل حتى يقتل
وبين من يتركها كسلاً مع اعتقاد الوجوب (ومن أطلق من الفقهاء أنه لا يكفر إلا
من يجحد وجوبها، فيكون الجحد عنده متناولاً للتكذيب بالإيجاب، ومتناولاً للامتناع
عن الإقرار والالتزام
...) .
فهذا الكلام من شيخ الإسلام- رحمه الله- يجيب على تساؤل مهم، يرد على أذهان
بعض أهل العلم، وهو ظنهم: أن القول بإجماع أهل السنة بكفر تارك جنس العمل
يلزم منه تكفير من المسلمين ممن حاله التفريط في الفرائض، وفعل المحرمات
وهذا الظن فاسد من وجوه:



أولها: أن كلامنا عن منزلة العمل من الإيمان، وحكم التولي والإعراض عنه، وهو
كلام يجب الإيمان به واعتقاده كسائر الأمور الاعتقادية عند أهل السنة، بغض
النظر عن ما ينبني على ذلك من أحكام وآثار عملية تتعلق بأعيان العباد.
الثاني: عند الحكم على المعين لابد من إقامة الحجة، والاستتابة لإزالة كل جهل
أو تأول ونحوه ولا يحكم عليه بالكفر قبل ذلك- إلا في استثناءات خاصة- ذكرت في
مبحث ضوابط التكفير.
الثالث: أن المعين، ممن يترك الأركان، إذا أقيمت عليه الحجة، واستتيب فلا يخلو
أمر حينئذ من حالين، الأول: أن يلتزم أداء ما فرض الله عليه- وخاصة الصلاة- فعند
ذلك نحكم بإسلامه، ونكل سريرته إلى الله- عز وجل-، فإن كان صادقاً في الباطن
نفعه ذلك عند المولى سبحانه.الثاني: أن يأبى التزام ذلك ويعرض عليه السيف
حتى يقتل، وهو مصر لا يؤدي من فرائض الله شيئاً، فهذا كافر ظاهرا وباطنا،
وهذا الذي بينه شيخ الإسلام، وبين أن من قال إنه يقتل مع إسلامه فقد دخلت
عليه شبه المرجئة ، حيث حصروا بالجحود وتكذيب القلب.
من كل ما سبق يتبين لنا علاقة هذا المبحث، بمفهوم الإيمان عند أهل السنة
وأنه قول وعمل، لا يغني أحدهما عن الآخر، وأن ترك العمل بالكلية ناقض لأصل
الإيمان، لمناقضته لعمل القلب، إذ لا يتصور أن يوجد لدى المرء عمل القلب من
القدرة، هذا ممتنع.
إذاً إذا وجد الإعراض عن الطاعة بالكلية فذلك لفقدان عمل القلب الذي هو شرط
لصحة الإيمان، والله اعلم.

نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي
الوهيبي – 2/119

ليس مناط التكفير في ترك الصلاة هو مطلق الترك لها، بحيث يلزم أن كفر كل من
ترك صلاة واحدة أو بعض صلوات، وإنما مناط التكفير هو الترك المطلق، الذي
هو بمعنى ترك الصلاة من حيث الجملة، الذي يتحقق بترك الصلاة بالكلية، أو
بالإصرار على عدم إقامتها، أو بتركها في الأعم الأغلب، بحيث يصدق على من
تركها أن يقال إنه قد ضيع الصلاة وتولى عن إقامتها.
وبهذا يكون ترك الصلاة من حيث الجملة مناقضاً لتحقيق الالتزام بها، مع أنه قد
يتحقق الالتزام الإجمالي بها مع ترك بعضها.وفي بيان حقيقة الترك المكفر وأن
المقصود بالترك المكفر ما كان متعلقاً بجنس الصلاة لا بمجرد بعض الصلوات يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن كثيراً من الناس، بل أكثرهم، في كثير
من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة
بل قد يصلون أحياناً ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم
أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام فإن هذه الأحكام
إذا جرت على المنافق المحض كابن أبي وأمثاله من المنافقين، فلأن تجري
على هؤلاء أولى وأحرى
) .
وفي نفس المعنى يقول الشيخ ابن عثيمين:



(قال بعض العلماء: يكفر بترك فريضة واحدة، ومنهم من قال بفريضتين. ومنهم من
قال بترك فريضتين إن كانت الثانية تجمع إلى الأولى، وعليه فإذا ترك الفجر فإنه
يكفر بخروج وقتها، وإن ترك الظهر فإنه يكفر بخروج وقت العصر.والذي يظهر من
الأدلة أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائماً. فإن كان يصلي فرضاً أو فرضين فإنه لا يكفر
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:



((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) فهذا ترك صلاة لا الصلاة، ولأن
الأصل بقـاء الإسلام، فلا نخرجه منه إلا بيقين، لأن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين
فأصل هذا الرجل المعين مسلم) .
ولهذا كان الصحيح في معنى قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ}
الآية [مريم: 59]. أنه تركها الترك المجمل، لا مطلق الترك.يقول الإمام ابن كثير
رحمه الله: (وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة هاهنا، فقال قائلون: المراد
بإضاعتها تركها بالكلية، قاله محمد بن كعب القرظي وابن زيد بن أسلم والسدي
واختاره ابن جرير، ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة، كما هو
المشهور عن الإمام أحمد وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة
..) .
ثم ذكر رحمه الله القول الثاني في المراد بإضاعة الصلاة، وهو أن المقصود تأخيرها
عن وقتها مع الأداء.وقد ذكر الإمام ابن جرير رحمه الله القولين ثم قال:
(وأولى التأويلين في ذلك عندي بتأويل الآية قول من قال: إضاعتهموها تركهم
إياهم، لدلالة قول الله تعالى ذكره بعده على أن ذلك كذلك. وذلك قوله جل ثناؤه:
{إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [الفرقان: 70]. فلو كان الذين وصفهم بأنهم
ضيعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن وهم مؤمنون. ولكنهم كانوا كفاراً
لا يصلون لله، ولا يؤدون له فريضة..) .
ومما يدل أيضاً على أن المراد بترك الصلاة الذي هو مناط الكفر الترك المجمل لها
لا مطلق الترك، ولا مجرد عدم المحافظة على وقتها مع الأداء لها قول الله تعالى:
{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31-32] فجعل التولي هو مناط
الكفر، ومعلوم أنه ليس كل من ترك صلاة أو بعض صلوات يكون متولياً عن أداء
الصلاة من حيث الجملة.ومما يدل على أن من ترك بعض الصلوات لا يكون كافراً
بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة
من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته: انظروا في صلاة عبدي
أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال:
انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من
تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك
)) .والانتقاص هنا عام لترك الأداء لبعض الصلوات
ولعدم أدائها على الكمال ولو أديت، لا يخص بأحد المعنيين دون الآخر.
وعلى هذا الحديث – وغيره كما سيأتي – اعتمد من يقول بعدم تكفير تارك
الصلاة.
يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله في ذلك:



(ووجه الاستدلال بالحديث المذكور على عدم كفر تارك الصلاة: أن نقصان الصلوات
المكتوبة وإتمامها من النوافل يتناول بعمومه ترك بعضها عمداً، كما يقتضيه ظاهر
اللفظ كما ترى
) .
والحقيقة أن أصل اللبس في حكم تارك الصلاة هو عدم التفريق بين الترك المطلق
ومطلق الترك.فمن قال بأن تارك الصلاة لا يكفر فهم أنه إذا التزم بذلك فلابد أن يكفر
بمطلق الترك. يقول الإمام الشوكاني رحمه الله: (الترك الذي جعل الكفر معلقاً به
مطلق عن التقييد، وهو يصدق بمرة، لوجود ماهية الترك في ضمنها
) .
إذا فهم هذا فإنه لا يتصور من الأئمة الذين قالوا بعدم تكفير تارك الصلاة القول بأن
الإصرار على تركها أو تركها من حيث الجملة ليس كفراً، لأنهم إذا قيدوا عدم الحكم
بتكفير تارك الصلاة بترك صلاة واحدة لم يلزم أن يقولوا إن من ترك الصلاة بالكلية فإن
حكمه كذلك.ومما يدل على لزوم التفريق بين الترك المطلق ومطلق الترك، وعلى
أن المراد بالانتقاص في الحديث السابق العموم الذي يشمل ترك أداء بعض الصلوات
الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأنه سمع الرسول ..
صلى الله عليه وسلم يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد.
فمن جاء بهن، لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن
يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء
أدخله الجنة
)) .
فالحديث صريح في الدلالة على أن الانتقاص من الصلاة بعدم الإتيان ببعضها مع
الالتزام بها في الجملة ليس كفراً، وأن من تحقق منه ذلك فهو تحت المشيئة
ومن كان كذلك لا يكون كافراً، لأن الكافر محكوم عليه بالخلود في النار.وفي بيان
معنى هذا الحديث وعدم معارضته للقول بتكفير تارك الصلاة يقول الإمام محمد
بن نصر المروزي رحمه الله: (من أتى بهن، لم يتركهن، وقد انتقص من حقوقهن
شيئاً فهو الذي لا عهد له عند الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فهذا بعيد
الشبه من الذي يتركها أصلاً لا يصليها .وفي نفس المعنى يقول الإمام ابن
تيمية رحمه الله: (من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا
الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة
فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد وهم الذين جاء فيهم الحديث
الذي في السنن من حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((خمس صلوات …)) .
ومعلوم أن الوعيد في الحديث بدخول الجنة متعلق بالإتيان بالصلاة. وعدم تضييع
شيء منها على جهة التعمد، وأن من ضيع شيئاً من الصلاة بأن ترك بعضها أو
لم يؤدها على كمالها وإن أداها، فليس من أهل الوعد بدخول الجنة. ولا يقال
بإمكان دخول تارك الصلاة بالكلية تحت المشيئة، لأن سياق الحديث في التضييع
المتضمن عدم كمال المحافظة عليها، لا تضييعها بمعنى تركها جملة.

ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني – ص216






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..