عرض مشاركة واحدة
احصائياتى

الردود
9

المشاهدات
1232
 
راكان بن حثلين
عضو أمتعنا وجوده

راكان بن حثلين will become famous soon enoughراكان بن حثلين will become famous soon enoughراكان بن حثلين will become famous soon enoughراكان بن حثلين will become famous soon enough

    غير متواجد

المشاركات
102

+التقييم
0.02

تاريخ التسجيل
Oct 2010

الاقامة

نظام التشغيل
لعب كورة القدم والسباحة وركوب الخيل بالأخص الفرس حقتي (العنود)

رقم العضوية
38904
24-11-2010, 11:49 AM
المشاركة 1
24-11-2010, 11:49 AM
المشاركة 1
حديث في الطائرة
كنتُ ساعتها لم أنم خلال اليومين الماضيين سوى خمس ساعاتٍ أو أقلّ , فأخذ منّي التعب و الإرهاق نصيبه الأكبر .. ولجتُ الطائرة بعد طول انتظارٍ في المطار ثم ارتميتُ فى مقعدي مجهداً و احتضنت كتابي في يديّ و رحت أقلّب صفحاته قليلاً .. رغم الإرهاق و التعب لكنّي مولعٌ بشدّةٍ بالسفر إن جوّاً أو برّاً و أجدها فرصةً كبيرةً لأحلّق في كلّ شيءٍ و أيّ شيءٍ و ربّما شدّني المنظر البسيط الذي لا تأبه له العيون و أدهشني ما لا تحفل به النفوس , و قد أُملّل مرافقي بكثرة السؤال عمّا حولنا إن كان سبق له المجيء , في الطائرة أحبّ مراقبة الأرض من العلوّ و أرقب الفضاء من حولها و أبتسم حين تلوح لي الأرض من أسفل , فكأنّ منظرها و هي بهذا الصغر يعطيني دافعاً أن لا شيء يستحقّ أن أحزن لأجله أو أنه لا قيمة للفرح إن لم نعش الحياة بكلّ تفاصيلها , في الطائرة كلّ شيءٍ من الممكن أن تصنع منه أداة دهشةٍ أو سؤال , الناس من حولي هناك لهم حالاتٌ خاصّةٌ و مختلفةٌ و ربّما غريبة .. فذاك الرجل ذو النظارات السميكة و الذي غزا الشيب شاربه فاختلط أسوده بأبيضه و شفتيه اللتان قارب لونهما إلى السواد كإشارةٍ إلى أنه مدخنٌ شرِهٌ يقرأ كتاباً بانهماكٍ تامٍّ جداً , و آخر يتصفّح جريدةً بتململٍ واضحٍ و يرفع كل لحظةٍ نظره للأمام , و أخرى تمسك بيد زوجها و تهمس له و هو يبتسم و يخيّل إليّ أنهما عريسان جديدان .. تتشبّع نفسك بهذه المناظر الجديدة للحظاتٍ و لكن ينطفئ بعدها واهج الدهشة فأنت في مقعدك مستسلمٌ لما حولك فقط .. شعرتُ بعدها بتململٍ شديدٍ فعدتُ إلى كتابي الذي بين يديّ , هذا الكتاب الذي جلبته معي كان خياراً بين عشرات الخيارات من الكتب .. أقرأ سطرين و أرحل بعيداً عنهما , أحاول أن أنغمس في الكتاب فلا أستطيع ربّما أني أفضّل التأمّل على القراءة كثيراً , في المقعد المجاور لي طفلٌ ربمّا هو في الخامسة من عمره عيناه كانتا تسترقان النظر إلىّ بين الحين و الآخر فأبتسم فيبتسم , هو طفلٌ جميلٌ حقّاً .. عيناه سوداء واسعتان و بياضه متوسّطٌ و تسريحة شعره جذّابةٌ و هندامه مرتّبٌ جداً و أيضاً جماله في أنه لطيفٌ و لبقّ , ينساق إلى نفسك شعورٌ من منظره أنّ من يعتني به كلّ هذا الإعتناء لا بدّ أنّه بذات اللطافة و اللباقة , كانت روح الطفولة حاضرةً فيه بكلّ معانيها تصرفاته العفوية كانت تأخذ بلبّك و تُشعل في نفسك مودّة تقبيله , كان في مقعدٍ يفصلني عن المرأة المرافقة له و اتّضح لي لاحقاً أنها أمه .. بعد هذه الأثناء وضعت يدي على خدّي وأغمضتُ عيناي كمحاولةٍ بائسةٍ للاستسلام منّي للنوم والتي أعرف أنها محاولةً فاشلةٌ فلست أنا الذي أنام في مثل هذه الظروف و لكنّي خدعتُ الطفل المجاور لي من دون قصدٍ و هو ما دعاه لأن يقترب أكثر فأكثر من وجهي ويلاحظ الكتاب الذي بين يديّ ففتحتُ عينيّ متنبّهاً فارتعب هو و عاد إلى كرسيه و نظرتُ إليه بنظرةٍ حانيةٍ متبسّماً و نطقت الصامتة بجواره و قالت : " ايش اللقافة هذي طالع قدامك و خلّي الرجال بحاله " , كانت لهجتها بيضاء مطعّمةً بكلماتٍ حجازيةٍ و هذا ما ظننته و هو ما دعاني إلى أن أقول بأريحيّةٍ تامّةٍ و أنا أنظر إلى الطفل بذات النظرة الحانية : دعيه يمارس طفولته , و أيضاً بان لي من كلامها السابق مدى لطفها و هو ما شجعني أن أضع يدي على رأسه و أنا أقول : إنت بطل , فتبسّم بخجلٍ لطيفٍ شابكاً بين أصابع يديه بحركةٍ عكسيةٍ تعبيراً عن الخجل المفعم بالبراءة .
أمسكت الكتاب ثانيةً و كأني أقرأ و بعد مضيّ دقائق بسيطةٍ أعدته مغلقاً و كأني تململت و لاحظت هذه المرأة تململي و قالت بعد أن سقت نظري بعفويةٍ تجاهها و كانت تنظر إلى الكتاب - و كأني بها تعرف الكتاب و لكن تريد التأكّد - : الكتاب هذا ايش اسمه , قلت : " فتوّة العطوف لـ نجيب محفوظ " , قالت : نجيب محفوظ رائع جداً و الكتاب هذا حلو قريته قبل كذا - و كانت تظنّ أني أتململ من قراءته و تريد أن تبيّن لي متعته - قلت لها : نعم قرأت منه بعض الشيء و كان جميلاً هذا الكتاب و قرأت لنجيب محفوظ سابقاً يعجبني قليلاً ..
ليس من عادتي دائماً فتح المواضيع مع الآخرين للحديث فأدع هذه الفرصة لهم , و تبيّنت من هذه المرأة أنها تريد الحديث و الاسترسال فصمتّ و قالت هي : يعجبني هذا الكاتب لولا أنّه يغالي في بعض كتاباته .
كيف ؟
يعني أنّه يصوّر لنا الدنيا في بعض الأحيان أنّها سوداء و كأن علينا العيش بحذر , فالظروف نحن من يصنعها و نحن من يتكيّف معها و نحن باستطاعتنا أن نشكّل مانريد إن أردنا فعلاً أن نعيش بسعادة .
حقيقةً برغم اختلافي معها في تصورّها قليلاً تجاه الكاتب لكنّي أعجبتُ بحديثها و كأنّي أمام قارئةٍ من الدرجة الأولى , فدقّتها في وصف ماتريد مذهلةٌ و تجعلك منصتاً لكلّ حرف ..
كان الطفل ينظر إليّ بحماسٍ أثناء حديثي و بعد أن صمتنا من الحديث وضعت يدي على رأسه متبسّماً و قلت : الله يحفظه لكم يارب ماشاء الله حوله و حواليه شكله مؤدّب جداً و خلوق و لبق .
ردّت : آمين و لكن قلبه ضعيف .
صمتّ لأستجلي ما تقصد , نظرت إليه و ظلّت صامتةً و كأني بها تريد أن أسأل .
قلبه ضعيف ؟ سلامات ! .
نعم قلبه ضعيف منذ أن قدمتُ به إلى هذه الدنيا و هو يشكو عيباً في قلبه و راحت تتحدّث بشؤونٍ طبيةٍ خاصّةٍ لم أتبيّن منها سوى ما يعانيه هذا الطفل , و أكملت : كنت أتردّد به كثيراً على المستشفيات و كانوا جميعاً يقولون أنّ الأمل بإذن الله كبير لكنّه يحتاج إلى رعايةٍ صحّيةٍ خاصّة و لا زلت أحرص على ذلك و لا أفارقه ساعةً واحدةً فهو مرافقي أنّى ذهبت و ارتحلت و أنيسي في كلّ مكانٍ و قد وهبت له حياتي كلّها فصداقاتي محدودةٌ جداً و معرفتي بالآخرين قليلةٌ .. كان حديثها المسترسل يستبعد المثنّى فيه و كأن لا رجل في حياتها و كنتُ من اللباقة أن لم أسألها رغم أنّ الفضول قتلني لذلك , و أردفت قائلةً : طبعاً أمي كثيراً ما تشاركني رعايته , و هو ما أكّد لي هذا الظنّ الذي يخالجني .
كأني بهذه المرأة و هي تتحدّث عن طفلها و المشاكل الصحية التي تلمّ به أني أمام طبيبٍ مختصٍّ أو عالمٍ يتابع علماً محدّداً ليله و نهاره كلّه , و كانت في نفس الوقت مطّلعةً بشوؤن أخرى بشكلٍ يندر أن تجده في من هنّ في مثل هذا الوضع .
كان شعورٌ من الحزن و الإشفاق على هذا الطفل و أمه يسري في وجداني , فكلّ هذه الطفولة و البراءة في عينيه و هو يشكو هذا المرض .. قبّلت رأس الطفل كتعبيرٍ عن هذه المشاعر في داخلي و لكنّي أردت إيصالها كشعور مودّةٍ لطفلٍ عاديٍّ و لم أبيّن إشفاقي و حزني , و هي قبلةٌ أيضاً على رأسه إكباراً لهذه الأمّ و المرأة التي أثبتت أنّه لا عائق يقف في طريق الإنسان إذا امتلأ قلبه إيماناً و ثقةً برغم تحدّي الظروف .
حطت طائرتنا في أرض المطار و بدأت حشود المسافرين بالتوافد على باب الطائرة للنزول و مضت محدّثتي و طفلها بعد أن أنهينا الحديث إلى حيث يمضي الناس و كانت عيون الطفل ترقبني منذ نزولنا و حتى وصولنا الصالة الداخلية و قد أحسست بشيءٍ يُنتزع من صدري فهي لحظاتٌ قليلةٌ و لكّنها عمرٌ من المشاعر تجاهه , شيئاً فشيئاً غابا عن ناظري و تفرّد بي الفكر الذي عصف بي ساخطاً و تمخّض بسؤال الإنسان البائس الفرِح بعقله : أهذا الطفل يستحقّ كلّ هذا يارب ؟! , لكن ما إن هبّت نسائم الإيمان حتى اقتلعت هذه العنجهية و الاعتداد الزائف بالعقل فسبحانك يارب يا من تفرّدت بآيات الحكمة و قصرت عنّا نحن البشر مضامينها .. يارب برحمتك ارحم كلّ ضعيفٍ , يارب يا من له الثناء و له الفضل ارأف بقلب هذا الطفل و أمّه , يارب .

و يا ربّ من أجل الطفولة وحدها أفض بركات السلم شرقاً و مغربا
و ردّ الأذى عن كلّ شعبٍ و إن يكن كفوراً و أحببه و إن كان مذنبا
و صن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا
ملائك لا الجنّات أنجبن مثلهم و لا خلدها _ أستغفر الله _ أنجبا
و يا ربّ حبّب كلّ طفلٍ فلا يرى و إن لجّ في الإعنات وجهاً مقطّبا
و هيّئ له في كلّ قلبٍ صبابةً و في كلّ لقيا مرحباً ثمّ مرحبا
و يا ربّ : إنّ القلب ملكك إن تشأ رددت محيل القلب ريّان مخصبا



* نهاية :

لا زالت تلوح في أفق ذاكرتي ذكرىً كانت في المرحلة الابتدائية حيث صورة تلك المرأة التي كانت تأتي إلى مدرستنا كلّ صباحٍ مرافقةً لابنيها و مجيئها بعد الظهر لأخذهما , كانت تمشي مسافةً ليست بالهينة من بيتها إلى المدرسة , و كانا برغم ذك كلّه و برغم فقرهما الواضح و مكوثهما طوال الفسح في فصليهما من المتفوّقين و ممّن يشار إليهم بالبنان ! .
لكم الله أيّها الصابرون المكافحون ..

الموضوع الأصلي: حديث في الطائرة || الكاتب: راكان بن حثلين || المصدر: منتديات الأماكن

كلمات البحث

الأماكن , الاماكن , منتديات الأماكن , اسلاميات , صور اسلامية , سياحة , سفر , المرآه , سيارات , فيديوهات اسلامية , برامج , صور , عالم الحيوان , جوالات , اتصالات





p]de td hg'hzvm