بيان شدة حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد كان هوى الصحابة تبعاً لهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم:
(
لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
وقد قال سيدنا عمر للعباس لما من الله عليه بالإسلام: والله يا عم رسول الله! لإسلامك أحب إلى قلبي
من إسلام الخطاب أبي.
قال: لأن إسلام أبي يدخل السرور على قلبي، وإسلامك يدخل السرور على قلب رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم، وسرور الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من سروري، فانظر إلى الإيمان بالله،
فهو يريد أن يدخل السرور على قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم
ويقول: إسلام العباس يفرح به الحبيب صلى الله عليه وسلم جداً، حتى قال أبو بكر :
وددت أن يسلم أبو طالب ولا يسلم أبو قحافة .
وهذا نفس المنطق، وانظر إلى هذا الكلام، وهذه مشاعر عالية جداً، نسأل الله سبحانه وتعالى
أن يجمعنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
مكانتك عند الله على قدر عملك
قال أهل العلم: إن أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك. أي: إذا أردت أن تعرف مكانتك
عند الله فانظر فيما أقامك، يعني: إن أقامك كل يوم في الخمس الصلوات في المسجد فهذه نقطة
جيدة، وإن أقامك لتخرج زكاة مالك وتفرج الكرب عن المسلمين وتبتسم مع الناس وتلين لهم الكلام،
وتقوم الليل ولو قليلاً بقراءة القرآن فهذا جيد. وقد أقامك الله فيما يريد وفيما يحب،
فأنت مقامك عند الله كبير. ولكن الذي يقوم يطبل وراء رقاصة فهذا قد أقامه الله في شر مقام، واحد
ربنا أقامه يخرج في حفلات ليلية، فأقامه في شر مقام.
الأدب مع الله عز وجل
والجن كانوا مؤدبين في قولهم:
وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10] وأنا أريدك
أن تفهم وتتدبر كلام الله عز وجل هنا، فأريد مبني للمجهول، وكأنما خاف الجن أن ينسبوا الشر لله عز وجل،
فقالوا:
وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10]،
ولما أتوا بالرشد ذكروا الله عز وجل، فانظر إلى الأدب في الكلام. وقد تعلمنا من الخليل الأدب، فقد قال:
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ [الشعراء:78-80]، ولم يقل:
والذي إذاأمرضني، وهذا من الأدب.
وانظر إلى الرجل الصالح صاحب سيدنا موسى عليه السلام الذي علمه فقال:
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:79] فقال: (
أردت أن أعيبها) ففي العيب أتى بالإرادة ونسبها إلى
نفسه، وفي اليتيمين قال:
فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الكهف:82]، فالخير
نسبه إلى الله، والشر نسبه إلى نفسه، وهكذا المؤمن مؤدب وسيدنا أبو بكر استفتي في فتوى فقال:
أقول فيها برأيي، فإن كان حسناً فمن الله، وإن كان غير ذلك فمن الشيطان ومن نفسي، وهذا من الأدب. ومن
الأدب في الدعاء: يا رب! إن عذبتني فبعدلك، وإن رحمتني فبفضلك.
اللهم عاملني بفضلك ولا تعاملني بعدلك.
وهكذا كان الصاحون يدعون، وربنا لا يظلم، وحاش لله أن يظلم،
وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، فإن عذبتني
فهذا بمحض العدل؛ لأنك عادل، وأنت الحكم العدل، وإن رحمتني فبفضلك، فعاملني بفضلك ولا تعاملني بعدلك.
بيان عظم نعم الله علينا
ودروس العلم سواء في الدار
الآخرة أو في غيرها هي من أعظم الهدايا والنعم التي أنعم الله بها علينا،
وأعظم نعمة أنعم الله علينا بها هو أن أخذ بأيدينا إلى طريق الخير، ولنفرض جدلاً أن حاكماً من الحكام
أو مسئولاً من المسئولين أهدى لك هدية.
فهذه الهدية أنت تنظر لها من ثلاث زوايا:
أولاً: من ناحية الهدية في ذاتها: أنها على قدر حال المهدي، فحين أهدي لك طاقية أو سواكاً أو قلماً
تكتب به فهذا على قدر حالي، وهو الذي أستطيعه، ولكن الواحد من كبار المسئولين يعطيك على
قدر حاله، فقد يعطيك قلم ذهب بخمسمائة جنيه، فكل هدية على قدر مهديها.
وثانياً: أنه فكر فيك ولم ينسك، وأهدى لك لأنه يحبك، وهذه نعمة ثانية.
وثالثاً: تقول: والله بقي أن أكتب له بهذا القلم جواب شكر، فأنت تريد أن تشعر نفسك بالمنة، فتكتب
له جواب شكر بالقلم، ولله المثل الأعلى.
فالبشر يهديك حطاماً من حطام الدنيا، وأما الله فيهديك أعظم هدية وهي الهداية نفسها، فيهديك
إلى درس العلم، وإلى سورة تحفظها من القرآن، وإذا حفظ الرجل القرآن وظن أن أحداً أعطي خيراً منه،
فقد استقل نعمة الله عليه.
وفي إحدى البلاد القريبة للقاهرة كان هناك مسيحي نصراني ثري، فجلس مسلم يكلمه عن الإسلام
وحلاوته وعظمته، وجمال القرآن وحلاوته وسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فتفتحت أذنه
وانقطع عن الكنيسة، فبعثوا له ثلاثة من القساوسة، فجاءوا إليه وقالوا له: ما الذي أغضبك منا؟
فقال: بصراحة الإنجيل هذا فيه حاجات لا تعجبني، فقالوا: كيف؟ هذا لا يعقل، هذا كتاب الرب.
فقال: هاتوه، فأتوا بالأنجيل، ففتحه وقال: هذه الحكاية لا تعجبني فاشطبوها، فشطبوها، فقلب الصفحة
الذي بعدها وقال: هذه الآية أيضاً نشطبها، فجلسوا يشطبون؛
فقال: انتظروا، وخرج إلى رجل مقرئ لا يؤبه له، فدعاه ليقرأ سورة مريم ، فخاف وهو يرى القساوسة
أمامه، فقال له: اقرأ يا أخي! يمكن ربنا يهدينا، فقرأ:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
بسم الله الرحمن الرحيم: كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم:1-2]،
حتى وصل إلى قوله تعالى:
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [مريم:34].
فقال الرجل: هذه الآية:
قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [مريم:34] لا تعجبني، فقال القارئ: يعني ماذا؟
فقال له: نشطبها ونعطيك خمسين ألف جنيه، فقال القارئ: امشوا من هنا. وهذه القصة حصلت والله،
ودخل في دين الله. فقارئ القرآن لا يقدر أن يفرط في القرآن ولا في آية ولا حتى في حرف؛ لأن هذا مثال
مصداق لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
لأن الصحابة هؤلاء كانوا متمسكين بالقرآن والسنة بأيديهم وأسنانهم، لا يزحزحهم عن كتاب الله عز وجل
شيء. إذاً: إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر فيما أقامك، فإن كانت أغلب أوقاتك لله رب العالمين
فاعرف أنك على الحق، فإن لقيت أوقاتك قد ضاعت في غير ما يرضي الله ولقيت أحب الناس يعرض عنك
بعد أن كان حبك قد تسرب إلى قلوب الناس فابحث لك عن قلب فإنه لا قلب لك.
اللهم أحي موات قلوبنا يا رب العالمين! اللهم لا تحرمنا من
دخول الجنة يا رب العالمين!
اللهم اجعلنا من أصحابها يا رب!