عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2009, 01:39 AM
المشاركة 29

  • غير متواجد
رد: مِنْ وَصآيا الرَسُولُ آلكَريمْ ~!{ 55 وَصيّة} (( متجدد )

باب الزهد
ويأتي صلى الله عليه وسلم إلى الزهد، والناس في الزهد بين غال وجاف ..
وأحسن من عرفه -فيما أعلم-شيخ الإسلام ابن تيمية :
لأن بعض الناس قال: أن تزهد في الحرام..
إذا: فما زهدت إذا لم تزهد إلا في الحرام،
لأن الدنيا أكثرها حلال إذاً: فابتن ما شئت،
واسكن فيما شئت،
وكل ما شئت، والهى بما شئت،
فإذا لم يكن الزهد إلا في ترك الحرام فلا زهد في الدنيا ..،
وقال غيرهم: الزهد في المباحات وأخطئوا، وقال غيرهم:
الزهد ألا يكون عندك شيء، وهؤلاء هم غلاة الصوفية الذين يتربع
أحدهم إلى تلاميذه، فيقول:
الحمد لله أصبحنا وأصبح الملك لله، قالوا:ماذا حدث؟
قال: تذكرت البارحة ما أكلت رطباً من أربعين سنة!!
ومن أحرمك الرطب من أربعين سنة،،
والرسول صلى الله عليه وسلم ..!
أكل الرطب..
وأكل اللحم..
وتزوج النساء..
ونام، وقام، وأكل الحلوى والعسل
..
فهل أنت أفضل منه!
يقول الذهبي لما قال رجل من غلاة الصوفية :
لقد جعت ثلاثة أيام، فرأيت صوراً غريبة عجيبة أمام عيني
فاستبشرت بذلك!!
قال الذهبي معلقاً:
والله ما كانت صوراً ولكن عقلك خاش وفاش من الجوع
فتصور لك الشيطان، إنهم يخيسون من الجوع
فيأتون بوساوس ويقولون:
إلهامات، حتى ما بقي عليهم إلا أن يقولوا نزل عليهم جبريل عليه السلام..،
فأوحى إليهم وحياً، وإنما نزل عليهم ما نزل على مسيلمة الكذاب في اليمامة
يوم أن أخرج الوساوس من رأسه سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه.
حقيقة الزهد عند ابن تيمية
يقول ابن تيمية الزهد هو:
ترك ما لا ينفع في الآخرة، جملَّ الله حالك، وبيض وجهك..
وهل التأليف إلا هذا!
وهل الكلام إلا مثل هذا! هو ترك ما لا ينفع في الدار الآخرة،
أما ما ينفع فالزهد فيه حمق وجنون وسفه، فكل ما ينفعك فلا تزهد فيه،
لأنه يقربك من الله..
ويقول ابن الجوزي في صيد الخاطر :
تركت أكلات كنت آكلها عجيبة طرية شهية -
يسيل معها اللعاب، هذه من كيسي ليست من كيسه-
فما استطعت أن أقوم الليل، ولا أن أقرأ القرآن،
فعدت إلى مألوفي في الطعام، فقرأت خمسة أجزاء في كل يوم.
إن بعض الطعام والمنام والملبس والمسكن والمركب يعينك على تقوى الله
فتركه ليس من الزهد، وأبواب الزهد التي طرقها صلى الله عليه وسلم
ما يقارب أربعة أبواب:
زهد في الدنيا وفي الحطام..
وزهد في الإمارة والشهرة..
وزهد في الناس وما أدراك ما الناس؟
وهي الخلطة التي يكسب منها الرياء والسمعة..
ثم زهد الملهيات والمضيعات..

الزهد في الدنيا
أما أروع حديث في الزهد فهو لـابن عمر في البخاري ، يقول:
كنت في السوق، فأخذ صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال:
{يا عبد الله ! كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل }
فارتسمت هذه الكلمة في ذهن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه،
نسي كلام الناس إلا هذه الكلمة
{كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل }
فكان غريباً بمعنى الكلمة، ترك كل شيء بمعنى الغربة...
التي يريدها صلى الله عليه وسلم، حتى كان يسجد في الحرم ويمرغ
وجهه وهو يبكي ويقول:
[[اللهم إنك تعلم أني ما تركت الخلافة لقريش إلا من مخافتك ]]
إي والله، وإلا فباستطاعته أن ينال الخلافة
فإنه ابن عمر بن الخطاب :


نسب كأن عليه من شمس الضحى = نوراً ومن فلق الصباح عمودا

فترك هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له:
{كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل }
فكان دائماً غريباً في ملبسه وخلطته وكلامه، وبيته، وكان غريباً في منهجه
يقول: ما شبعت منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر سنة،
يأكل دون الشبع وفوق الجوع، أورد ذلك ابن رجب في جامع العلوم والحكم .
ولذلك أتاه رجل من أهل العراق ، فما وجد هدية إلا جوارش،
والجوارش حبوب تحبب الأكل إلى الإنسان ليأكل أضعاف ما كان يأكله
لئلا يبقي شيئاً في الصحفة ولا في القدر..
فأتى لـابن عمر رضي الله عنه وقال:
هذه جوارش يا عبد الله قال ابن عمر :
وما الجوارش؟ قال: حبوب تحبب لك الأكل، وتضريك على الطعام،
قال: والله ما شبعت منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتريدني أن أشبع الآن؟ فلسنا في هذا الكلام، ولا في هذا المنهج،
ولكن انظر كيف وجهه صلى الله عليه وسلم إلى الزهد في الدنيا عامة.

الزهد فيما عند الناس

عند ابن ماجة بسند حسن، عن سهل بن سعد قال:
{أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس
}
إن السؤال يدل على السائل، ولذلك تكتشف عقل الرجل ونباهته ويقظته
من سؤاله وإيراده، وبعض الناس يبهر بالمظهر،
فإذا تكلم فإذا هو ليس بذاك، فيعود إلى تقويمه وإلى وزنه:


لسان الفتى نصف ونصف فؤاده = فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

جاء رجل إلى أبي حنيفة ، فإذا عليه لباس ما شاء الله تبارك الله
طول وجسامة وثياب براقة لماعة، وعمامة مكورة
فجلس أمام أبي حنيفة وكان أبو حنيفة ماداً رجله اليمنى
فردها متأدباً مع هذا الرجل الداهية، فطال المجلس،
وأبو حنيفة مستحٍ متوقر خجول، فالتفت إلى الرجل فقال:
ألك حاجة؟ قال: الرجل سؤال يا أبا حنيفة
سؤال أكربه وأسهره في الليل
قال: ما هو سؤالك؟ قال: متى يفطر الصائم؟
قال: إذا غربت الشمس
قال: فإذا لم تغرب الشمس إلا نصف الليل فمتى يفطر؟
فمد رجليه وقال: آن لـأبي حنيفة أن يمد رجليه كلتيهما، ليست رجلاً واحدة.
وهل يأتي الليل إلا بعد غروب الشمس، فالرجل من عقله وحصافته يقول:
{دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس؟
قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس
}
كأن السؤال على وزن الجواب، لا زيادة ولا نقص
لكنه أعظم وأنفع وأبرك وأنور
فهذه وصاياه عليه الصلاة والسلام في الزهد في الدنيا.

الزهد في الإمارة

وأما في الإمارة فالرسول صلى الله عليه وسلم
كان يتطلع في الصحابة، ومن غرائز الناس حب الشهرة،
وحب الظهور، وحب الترأس، نسأل الله العافية والسلامة.
ذكر الذهبي في ترجمة عبد الله بن الزبير :
أنه رحمه الله ورضي عنه كان يحب أن يتقدم ويتصدر،
حتى أرسله أبو بكر رضي الله عنه بسارق ليؤدبه هو وشباب معه
من المدينة ، فذهبوا به إلى ضاحية،
فقال: من أميركم في هذه الرحلة؟
يريد أن يقولوا: أنت،
فقالوا: أنت فأخذ يأمر فيهم وينهى من المدينة حتى عاد إلى المدينة .

فالمقصود:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلمح في وجوه أصحابه هذه الغرائز،
فكان يعالجها ويداويها عليه الصلاة والسلام،
أتى له عبد الرحمن بن سمرة العبسي القرشي الشهير،
كما في الصحيحين فقال صلى الله عليه وسلم وهو يوصيه:
{يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة -احذر- فإنك إن أعطيتها عن مسألة
وكلت إلى نفسك، وإن أعطيتها بلا سؤال أعنت عليها
}
فكان يقول صلى الله عليه وسلم:
احذر الترأس، احذر التصدر وازهد، وبالفعل كان هذا الرجل لا يحرص
على الإمارة، وأخذ بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم،
فرزقه الله عز وجل الإنابة، وكان أميراً وهو الذي فتح سجستان ،
فاسألوا عن سجستان ، واسألوا كابول ،
واسألوا عن الذين عفروا وجوههم هناك سجداً لله،
وسكبوا دماءهم هناك لتشهد لهم عند الله،
من هم إلا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم:


ومن الذي باع الحياة رخيصة = ورأى رضاك أعز شيء فاشترى
ومن رمى نار المجوس فأطفأت = وأبان وجه الصبح أبيض نيراً

فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعند الترمذي وغيره من أهل السنن قال:
{قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ -
ما هو الأمر الذي ينجيني من عذاب الله-
فقال عليه الصلاة والسلام:
كف عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك
}
وكانت من أعظم الوصايا له وأرضاها،
فأوصاه بقلة الخلطة التي لا تنفع، وتضيع الوقت،
يوم لا وقت عند المسلمين إلا في الهراء، والغيبة والنميمة،
وشهادة الزور، الوقت الذي أصبح أرخص سوق له هو السوق عند المسلمين،
وأصبحوا يتعاملون بالوقت أرخص من الدراهم والدنانير، ونسوا قوله تبارك وتعالى:
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ *
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ
[المؤمنون:115-116].

فأين الوقت يا أمة الوقت؟
وأين الساعات الطويلة التي كل ساعة كفيلة بأن ينتج فيها العالم كتاباً،
والداعية دعوة، والتاجر تجارة رابحة، والمعلم مهنة طيبة،
أين هذه؟
إنها ساعات رخيصة، إ
إن شيخ الإسلام ابن تيمية -كما تعلمون-
ألف كتاب التدمرية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر،
وجئنا لندرسه فأخذنا فيه سنة وما فهمناه التدمرية :
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25].

هذا الوقت الصغير القصير لا يتحمل إلا قيلولة عند المترفين منا،
ويضيع الوقت من صلاة العصر إلى صلاة المغرب في شرب الشاي،
وأما من المغرب إلى العشاء ففي الجولات والصولات التي لا تنفع في
دنيا ولا في آخرة، وأما من بعد العشاء، ففي السهرات وما أدراك
ما السهرات وما السمرات في أعراض الأحياء والأموات!!
ولا تنفع هذه الأوقات إلا أن تؤهل بتأهيل الله عز وجل،
يقول عليه الصلاة والسلام:
{لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع }
وذكر العمر والشبابا.


نروح ونغدو لحاجاتنا =وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته =وتبقى له حاجة ما بقي

يقولون -كما تعرفون ذلك-:
إن ابن عقيل الحنبلي ألف كتاب الفنون ثمانمائة مجلد في وقت الراحات،
ولذلك كان هذا الكتاب عجباً من العجب، ما ألفه إلا في أوقات الراحة،
فهل نستطيع أن نقرأ ثمانمائة مجلد.






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..