عرض مشاركة واحدة
قديم 21-04-2013, 04:03 PM
المشاركة 3

  • غير متواجد
رد: سلْسلة الدّار الآخرة - الحديث عن الجنة ( 26)







أعظم نعيم الجنة النظر إلى وجه الله الكريم
وكان الصحابي الجليل سيدنا نعيمان بن عبد الله يحب الضحك، والصحابة كان فيهم مرح، لكنه مرح محدود، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجد نعيمان قاعداً مع عدة نساء أمام عتبة داره، فلما رأى نعيمان الحبيب..
عليه الصلاة والسلام وهو جالس بين النساء ولم يكن محارم له فسأله عن سبب جلوسه فقال: أفتل حبلاً لبعير لي شرد، فيريد أن يستعذر من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أي كلام. وكلما لقيه الحبيب عليه الصلاة والسلام
قال له: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان ؟ فكان نعيمان يختبئ من الرسول، وفي يوم من الأيام..
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن نعيمان ويسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله! إنه يصلي في آخر الصف،
ويخرج قبل أن تراه، وهذا من شدة الإحراج والخجل الذي كان في الصحابة، ليس مثل بعض الناس يكلم أحد المشايخ ويعبث بخاتمة في يده، والسيجارة في فمه ينفخ في وجهه، فالتدخين حرام. المهم أن سيدنا الحبيب دخل المسجد في وقت لا يتعود الدخول فيه فوجد سيدنا نعيمان يصلي، فلمح الحبيب وشم ريحته الزكية من جنبه، فأطال في
الصلاة فعرف الرسول منه ذلك، فقال له: ( يا نعيمان لو أطلت إلى يوم القيامة لانتظرتك).
أي: أنا أعزك، فهذه طريقة تربية الحبيب لأصحابه، فقد كان شفيقاً، ولم يقل له: والله لن تفلح، وكان كله حنان ..
صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى نعيمان من صلاته اتجه إلى الحبيب وقبل يده ورجله، فقال له صلى الله عليه وسلم: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان ؟ فقال: ما شرد منذ أن أسلمت يا رسول الله، فكان قصد نعيمان ليس
البعير، وإنما صاحب البعير، فيقال: إن نعيمان عمر ولم ينحرف ولا ارتكب فاحشة ولا غلط منذ أن أسلم، فوضع
الرسول يده على صدره وقال: (اللهم حصن فرجه، واغفر ذنبه، ويسر أمره) .
فكان نعيمان يصلي بعد ذلك في الصف الأول خلف رسول الله.
فهذه هي طريقة التربية العظيمة. ولما جاء ابن عمه السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف وكان شبيهاً به صلى الله عليه وسلم، وجيء به أسيراً في غزوة أحد، وكان عنيفاً على الإسلام والمسلمين، فنظر
الرسول في الأسرى إلى أن وصل إليه فقال: (أطلقوا أخي، فإنه أشبه خلقي) .
أي: أنه يشبه النبي عليه الصلاة والسلام في خلقه وشكله.
وهذا رد على الإخوة الذين يقولون: عيب أن تقول:
الإخوة المسيحيون، فهذا حرم، ويرد عليهم بأن الرسول قال للسائب : أخي، فما كان من الرجل إلا أن بكى وقال:
جزاك الله عن عشيرة وعن أهل يا رسول الله! وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
هكذا كانت الدعوة، فالدعوة ليست بتقطيب الوجه، ولا بكثرة الكلام، قال صلى الله عليه وسلم:
(لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن ببسط الوجه وحسن الخلق) .
اللهم ابسط وجوهنا، واشرح صدورنا، وحسن أخلاقنا كما حسنت خِلقتنا يا رب العالمين.


فضل عبد الله بن حرام الأنصاري وتنعمه بالنظر إلى وجه الله
روى البخاري و مسلم عن جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري رضي الله عنهما أن أباه كان أعرج وكان عنده
من الأبناء أربعة، وكان يريد المشاركة في غزوة أحد فمنعه أبناؤه، فقال له الرسول:
(يا عبد الله ليس عليك شيء، فقال: والله يا رسول الله! إني أحب أن أرزق الشهادة فأطأ بعرجتي هذه في
الجنة، وأبنائي يريدون منعي) أي: يقولون له: ابق أنت، ونحن الأربعة سنقاتل بدلاً عنك، فأنت رجل أعرج
لا تستطيع القتال. فـعبد الله بن حرام الأنصاري من أسيادنا، مثل سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال:
( أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا) وهذا من أدب عمر بن الخطاب ، وبعض السادة العلماء يقولون:
لا تقولوا: سيدنا محمد، وهذا غير صحيح، نعم في الصلاة لا يجوز، لأنه لا سيد مع الله في داخل الصلاة،
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فلا يشرع أن يقول في التشهد:
اللهم صل على سيدنا محمد فنقول: اللهم صل على محمد في داخل الصلاة، وفي خارج الصلاة نقول:
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه. فالرسول قال: (يا جابر -وهو ابنه الكبير- أشرك أباك
أي: في الشهادة، فدخل عبد الله أرض المعركة فرزق الشهادة، وسيدنا جابر نظر إلى أبيه وهو مجندل
والتراب قد ملأ عينيه ووجهه، فتغير وجه سيدنا جابر لما رأى أباه شهيداً، فهذه نفس إنسانية وهذا أبوه
فقال صلى الله عليه وسلم: (يا جابر أراك وجدت على استشهاد أبيك) .
يعني: حزنت، فسكت سيدنا جابر ولم يرد بشيء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
(يا جابر ! والذي بعثني بالحق نبياً، ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، إلا أباك فقد كلمه الله كفاحاً من دون
حجاب، وقال له -أي: بعد أن صعدت روحه إليه- عبدي تمن علي
).
تخيل العلي القدير القادر، الحكيم العزيز، القهار الجبار القوي، المعز المذل، الرزاق، يقول لعبد من عباده:
تمن علي يا عبد الله.. واسمع الأماني.
(قال: يا رب! أتمنى منك أن تعيدني إلى الحياة فأقتل فيك مرة أخرى
أي: أنا أريد أن أرجع إلى الدنيا مرة أخرى، ليس من أجل أن يوزع التركة، أو يقسم الأموال أو يشتري للأولاد
ولكن من أجل أن يقتل مرة ثانية؛ لما رأى عند الله عز وجل من النعيم المقيم. قال النبي عليه الصلاة والسلام
لـجابر : (ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب إلا أباك يا جابر فقد كلمه الله كفاحاً بدون حجاب، وقال له:
عبدي تمن علي، قال: يا رب أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى..
قال: قد كتبت وما يبدل القول لدي: وأنهم إليها لا يرجعون، وإنما أبيح لك وجهي تنظر إليه بكرة وعشياً

وهذه أعلى درجة في الجنة مع أبي بكر ومع الصفوة الكرام البررة، وإذا كان يقال: هذا النادي يدخل فيه
الصفوة، وهذا المكان فيه الصفوة، وهذا المجلس فيه الصفوة، فالجنة أيضاً فيها درجات، وأعلى درجة هي
الفردوس الأعلى، فمن كان في هذه الدرجة فإنه يباح له أن ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشياً.
اللهم اجعلنا منهم يا رب، وأدخلنا في زمرتهم عملاً في الدنيا وجزاء في الآخرة، يا رب العالمين.
والرسول صلى الله عليه وسلم حكى للصحابة أن الملائكة أتوا إليه، فقد كان يحكي لهم أي شيء يخص
الدين، فلا يوجد شيء اسمه: الجماعة الدراويش الذين يتبعون التصوف، فالتصوف شيء جميل وحلو، لكن
بصورة الدروشة فلا، فلو خرج علماء التصوف أو أبو الحسن الشاذلي و الجنيد وهؤلاء العظماء من قبورهم
لتبرءوا من هؤلاء المهلهلين في العقيدة الذين يعتقدون أن مع الله فاعلاً آخر، وهو ألا يصل الإنسان إلى الله
إلا عن طريق الولي أو عن طريق الميت، فهذا شرك بالله عز وجل، فالمسلم لا يصل به الأمر أن يقول للناس:
إن أناساً قد رفع عنهم التكليف، فهذه قلة أدب مع الله، فإنه لم يرفع التكليف إلا عن الميت، فلم يرفع عن
رسول الله وهو أقرب الناس إلى الله. فلا يوجد شخص رفع عنه التكليف، إنما يرفع التكليف عن المجنون،
وعن النائم، وعن الصغير، وعن الميت، أما ما عدا ذلك فهم مكلفون حتى الذي عمل عملية ومشدود إلى
السرير فيجب عليه أن يصلي فيذكر الله في قلبه ما دامت روحه بين جنبيه ويستطيع أن يميز، فالمهم أنه
لا تسقط الصلاة إلا عن الميت، ولا يسقط التكليف إلا عن الميت، فالعودة إلى الحق خير من التمادي في
الباطل. يذكرون عن عالم من السلف -وهو بريء من هذه الحكايات الغريبة- أنه أتى له شخص وقال له:
فلان من مريديك مات، فقال: إنه لم يمت، قال: مات، وقد غسلناه وسيصلى عليه الجنازة الآن، قال:
إن ملك الموت لا يقبض روح أحد من المريدين الذين عندي حتى يستأذنني.
فهذا الكلام لا يقال على المنابر، ولو كانت هناك دولة ناصحة لأدخلت هذا الضال السجن؛ لأنه يشوش على
الناس عقيدتهم، ويضع السم في العسل.


تفسير رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام
وقد جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم:
العين نائمة والقلب يقظان بدليل أن الوحي إليه أمر من الله، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة أحد
رؤيا، فقال: (رأيت بقراً تذبح، ورأيت ثلمة في سيفي، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة)
فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: أتأذن لي في تأويلها يا رسول الله؟
فقال له: (أول يا أبا بكر قال: أما البقر التي تذبح فبعض من أصحابك يرزقون الشهادة، وأما الثلمة التي في سيفك فرجل من أهل بيتك يقتل، وأما إدخالك يدك في درع حصينة فعودتك إلى المدينة سالماً إن شاء الله،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا فسرها لي جبريل
). اللهم ارض عن صحابة رسول الله، اللهم لا تحرمنا مجالستهم في الجنة يا رب العالمين، ونسأل ربنا أن يكرمنا ويعوضنا عن ذل الدنيا وابتلاءاتها بنعيم مقيم، اللهم
حسن أعمالنا وحسن خاتمتنا، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب يا رب العالمين!
فقوله: (أن العين نائمة والقلب يقظان) يعني: أن عينه نائمة، لكن قلبه يقظان مع ربه. وفي رواية أخرى للإمام
الترمذي ( نزل جبريل فقال: إن عين محمد نائمة، ولكن القلب يقظان مع ربه)؛ لأنه في إحدى المرات حين جاء ثلاثة
من الصحابة إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم .
فنظروا إلى عبادتهم فتقالوها يعني: وجدوها أعمالاً قليلة، فقالوا: إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ونحن الذين امتلأنا خطايا وذنوباً وسيئات، فقال أحدهم: أنا سوف أقوم الليل فلا أنام أبداً، وقال الآخر:
وأنا سوف أصوم ولا أفطر أبداً، يعني: أنه يصوم الدهر، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء؛
أي: لأنهن يشغلن، ويجلبن المشاكل. فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم مقالتهم، فقال:
(إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) إذاً: هو نائم، ولكن في وضع آخر. وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي، وبعض المنافقين كانوا يأتون آخر الناس ويمشون أول الناس مستعجلين، فكانوا يرفعون قبل
أن يرفع الإمام ويسجدون قبل أن يسجد، ومن رفع رأسه قبل الإمام جيء به يوم القيامة ووجهه وجه حمار؛
لأنه لا يعرف النظام، فالذي يرفع قبل الإمام بطلت صلاته. قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(لا ترفعوا رءوسكم قبلي، ولا تسجدوا قبلي، قالوا: أو ترانا يا رسول الله؟ قال: أتظنون أن قبلتي بين عيني، إني
أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي
) أي: بما أراه ربه.
وعندما تكلمت حفصة وعائشة في موضوع أخبره جبريل بالأمر، فرجع وعرف بعضه وأعرض عن بعض، فذكر لهما عناوين يعرفهما أنه كان موجوداً، فهما لبشريتهما وللعقل المحدود لهما سألتاه عن ذلك..
قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم:3].
(فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً،
فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة
، فقالوا:
أولوها له - يعني: فسروها- يفقهها، فقالوا: أما الدار فالجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع
محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله
).
يعني: كأن الله عز وجل هو صاحب الدار، والدار هي الجنة، والمأدبة هي النعيم الذي في الجنة، أكبر نعيم في
الجنة شيئان: الشيء الأول: رؤية وجه الله الكريم سبحانه. الشيء الثاني: لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:108].
فالمتعة في الدنيا زائلة، والغنى في الدنيا ليس سبب السعادة، ففي سويسرا والسويد ينتحر في السنة
ما يقرب من ثلاثين إلى أربعين ألف رجل وامرأة، مع أن أعلى دخل للفرد في العالم هناك، فكل شيء ميسر له،
فالجو جميل، والصحة والرياضة موجودتان، والدولة لا تنكد عليه، ولا توجد شوارع ومجار مكسرة، ولا ماء متقطع
ولا نور ينطفئ. أما مستشفيات الأمراض العقلية فهي بكثرة في السويد وسويسرا وأمريكا وغيرها من البلدان الغربية الكافرة. وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من سأل ربنا الجنة سبع مرات، واستعاذ بالله من النار
سبع مرات، تقول النار: يا رب! عبدك فلان استجار بك مني، اللهم أجره مني، والجنة تقول: يا رب!
عبدك فلان طلب أن يدخل الجنة، اللهم لا تحرمه مني ولا تحرمني منه، وكان الصحابة يسألون الله الزحزحة عن النار، ودخول الجنة، والزواج من الحور العين. وسيدنا عمر رضي الله عنه دخل المسجد ووجد أعرابياً يصلي ركعتين ثم
سلم، ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم زوجني من الحور العين، فنظر إليه سيدنا عمر وقال له: يا أخا الإسلام! هذا مهر قليل، أي: فالذي يريد أن يتزوج امرأة فإنه يحتاج إلى مهر وتوابعه فكيف الزواج بالحور العين؟ ورجل مخبول
في زمن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وكان عبد الملك إماماً يصلي بالناس، وكان الأمراء هم أعلم الناس فيتقدمون للصلاة. فبعد أن انتهى الرجل من الصلاة قال: اللهم امسخني حوراً من الحور العين، وزوجني من عمر
بن الخطاب ، فقال له شخص: ولم لا تطلب أن تتزوج من الرسول؟ قال: لا أريد أن أكون ضرة لـعائشة!! ربنا يسعدنا وإياكم بالتقوى، وبدخول الجنة، وبالزحزحة عن النار، ويختم لنا ولكم بالإسلام وبالإيمان، ويخرجنا من الدنيا على خير.


وصف الجنة
قال أبو هريرة رضي الله عنه:
(يا رسول الله! صف لنا الجنة، قال: لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر)
أي: أن الأسمنت الذي يلحم بين لبنة الفضة والذهب من المسك، فالجنة فيها طوبة فضة وطوبة ذهب،
والملاط الذي هو الأسمنت من مسك. فإذا كانت الفنادق الراقية مصممة تصميماً رائعاً فما بالك بما
صممه رب البشر للبشر؟ فلذلك فإن الرسول لخص نعيم الجنة بهذه العبارة الموجزة فقال:
(فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
والله عز وجل يذكر لنا أن الجنة فيها عسل مصفى وخمرة لذة للشاربين وماء غير آسن وأنواع من الفواكه
ذكرها بأسمائها، وهذه الأشياء وإن كانت في الدنيا فإن خمر الآخرة غير خمر الدنيا، وفواكه الجنة غير
فواكه الدنيا وهكذا فنعيم الجنة لا يشبه نعيم الدنيا إلا بالأسماء فقط، وسوق الجنة غير السوق الذي
في الدنيا الذي يباع فيه ويشترى، وثمرة الجنة تنقسم نصفين، نصف يخرج منه حلة جميلة..
والنصف الثاني: يخرج منه حوراء لو تفلت في البحر الملح الأجاج لحولته عذباً فراتا، فهل هناك شجرة في
الدنيا هكذا؟ والشجرة التي تجلس تحتها تصبح لك، كما قيل في المثل الدارج:
(جئت أدعي عليه فلقيت الحائط مائلاً عليه) وقال صلى الله عليه وسلم في وصف الجنة:
(وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران)
أي: أن الأرض التي تمشي عليها من لؤلؤ وياقوت. وقال صلى الله عليه وسلم:
(من قال في الدنيا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر غرست له الملائكة شجرة في الجنة)
فشجرك في الجنة على قدر ذكرك في الدنيا، فلا يضيع أجرك أبداً عند الله عز وجل. ولذلك فإن قلة الأكل
تجعلك يقظاً لكتاب الله وللصلاة، وكما قيل إن أشعب كان يحب الأكل، فقالوا له:
يا أشعب ! أنت لحقت أبا حنيفة وبعض التابعين، فحدثنا حديثاً عنهم فقال: سأقول لكم حديثاً، حدثني فلان
عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: قال صلى الله عليه وسلم:
(خصلتان من فعلهما دخل الجنة ...)
ثم قال: نسي سالم واحدة، ونسيت أنا الثانية..
إذاً: لا توجد فائدة. فحصباء الجنة لؤلؤ وياقوت، وترابها زعفران، وزعفران الجنة غير الزعفران الموجود عند
الناس. وقال صلى الله عليه وسلم: (من دخلها ينعم فلا يبأس) .
يعني: لا تجد في الجنة شخصاً مكشراً، فإذا كان الإنسان يغضب في الدنيا من البلاوي، والهموم، والدين،
والمضايقات من ضيق ذات اليد، والذنوب؛ لأن من ثمرات الذنوب أنها تضيق الصدر، فإن الطاعة تعمل على
انشراح الصدر والرضا، اللهم اجعلنا من أهل الطاعة يا رب. ثم قال:
(من دخلها ينعم فلا يبأس أبداً، ويخلد فلا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم)
أي: تبقى الثياب متجددة كل يوم، ويبقى شبابهم دائماً وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، كلٌ على سن عيسى
عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق
والمغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل المرسلين لا يبلغها غيرهم؟
قال: والذي نفسي بيده! رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين
) .
يعني: أن أهل الجنة أنفسهم ينظرون إلى من فوقهم مثلما ننظر إلى الكوكب الدري الغابر، وهذه المنزلة
جعلها الله لرجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
والإيمان أركان ثلاثة: قول باللسان، وعمل بالأركان، وتصديق بالجنان. فما دام أنك لم تظلم أحداً، وقلت
بلسانك، وصدقت بجنانك، وعملت الأوامر وابتعدت عن النواهي، فلم تظلم أحداً مظلمة مادية ولا مظلمة
معنوية، فأنت مؤمن. وجاء في مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أيضاً:
(وفي الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم) لأن أقل ملك في الجنة،..
كما قال صلى الله عليه وسلم: (يسير الراكب في ملكه ألفي سنة).
أي: يظل يمشي في ملكه ألفي سنة، ولا يزال ملكه لم ينته، فكيف بأعلى منزلة؟
قال صلى الله عليه وسلم: (من يتطلع إلى وجه ربه بكرة وعشياً، قالوا: مثل من يا رسول الله؟
فنظر إلى أبي بكر وقال: مثل هذا
) وكان دائماً يرافقه أبو بكر و عمر رضي الله عنهما وكان يقول:
(هكذا يدخل ثلاثتنا الجنة). اللهم لا تحرمنا الأنس بهم يا رب العالمين!
وفي مرة من المرات ألقيت محاضرة في إحدى القواعد العسكرية فقال قائد المعسكر:
إذا أكرمنا ربنا وأدخلنا الجنة فأنا أحب أن أقابل خالد بن الوليد وأكلمه في الخطط العسكرية.
وروى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ..
عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول إلا في: حي على الصلاة، حي على الفلاح فقولوا:
لا حول ولا قوة إلا بالله ثم صلوا علي
).
وإخواننا الدراويش في بعض المساجد، يزيدون ألفاظاً في الصلوات على النبي بعد الأذان فيقولون:
الصلاة والسلام عليك يا كحيل العينين، ويا أسود الشعر، ويا شفيعنا يوم الدين، فهذه بدعة من البدع
والعياذ بالله. وقد كان صلاح الدين الأيوبي قبل دخوله معركة حطين ألغى المذهب الشيعي الذي كان
يدرس في الأزهر أيام الفاطميين، فـصلاح الدين الأيوبي لكي ينتصر على العدو لا بد أن يصحح عقيدة
الناس، فألغى المذهب الشيعي، وأتى الحاكم الذي بعده فقال:
يظن المصريون أننا ضد أهل البيت، ولا نحب أهل البيت، ونحن نحب أهل البيت، فأمر المؤذن أن ينادي بعد
العشاء ليلة الجمعة بصوت عالٍ بالصلاة على رسول الله، فالبلاوي تبتدئ هكذا، فنادى الرجل بهذه الكيفية
من الصلاة والسلام على رسول الله شهراً أو شهرين، ثم بعد ذلك جعلوها في الظهر في وسط النهار،
إلى أن بقت في الظهر والعصر والعشاء، فسبحان الله! فكل من استن سنة سيئة في الإسلام فعليه
وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً.
فالرسول يقول: (فقولوا مثلما يقول المؤذن ثم صلوا علي)، فـ(ثم) تفيد الترتيب مع التراخي.











عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..