قديم 20-12-2009, 10:03 PM
المشاركة 48

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
يوشك أن يرحل

لقد أصبح هزيلا .. بعد أن كان سمينا
لقد رَقّ عظمه !
وضعُف بدنه !
ولم يتبقّ منه إلاّ مثل الصَّـبَابة
باتت أيامه معدودة
وأوشك على الرحيل
أتُراه في الـنَّزْع ؟!
لا ..
أتظنه يلفظ أنفاسه ؟!
ليس بعد ..
إلاّ أنه يوشك على الرحيل .. ويُؤذِن بالوداع
فأي شيء عَمِلْت لِوداعه ؟
وأي زادٍ هيأت لِرحيله ؟
أيرحل وأن تَنظُر ، ولا تُحرِّك ساكنا ؟
أيودِّعك وأنت عنه لاهٍ ؟!

ما هذا وَداع من أطلت مُعاشرته
كلا .. ولا ذاك بتوديع الصاحب

ذلكم هو العام الذي أنت فيه ..
وتلك كانت صِفات التقويم الذي طويته أو تكاد تكويه !
أما كنت أمس في أوّل شهر الله الْمُحرَّم ؟
أمَا كان التقويم أوّل العام مليئا بالأوراق ؟
أمَا نَزعته ورقة ورقة ؟
أيا صاح ! إنما كُنت تَنْتَزِع أيام عُمُرك
وتطوي سِنِيّ حياتك
هَذا التقويم قد انتهى
والعام قد انصرم
فماذا أودعته ؟
وأي شيء استودعته ؟

أيا صاح ! أتُراه شاهدا لك أو عليك ؟
أكُنت غافلا فيه أم كُنت يَقِظًا ؟

أأودعته إحسانا أو إساءة ؟

أودّعته بتوبة واستغفار .. أو بِزيادة ذنوب وآثام ؟
لقد تصرّمت أيام عُمرك

قال عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رَضي الله عنه في خُطْبته : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا ، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لا زَوَالَ لَهَا ، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ . رواه مُسلم .

يا مَن يعد غداً لتوبته ... أعلى يَقين من بلوغ غَدِ ؟
المرء في زللٍ على أمل ... ومَنية الإنسان بالرَّصَدِ
أيام عمرك كلها عدد ... ولعل يومك آخر العددِ

الرياض 16/11/1428 هـ


تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 06:23 PM
المشاركة 49

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
نفحات ولفحات

حينما تهب النفحات
وتتابع مواسم الخيرات
فإن المؤمن مأمور باستغلال تلك المواسم ، والتعرض لتلك النفحات ..

قال عليه الصلاة والسلام : اطلبوا الخير دَهْرَكم كُلّه ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحَات الله عز وجل ، فإن لله نَفَحَات مِن رحمته يُصيب بها من يشاء من عباده ، وسَلوه أن يستر عوراتكم ويُؤمِّن روعاتكم . رواه الطبراني والبيهقي في شُعب الإيمان وابن عبد البر في التمهيد والاستذكار ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني وإسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البكير وهو ثقة . وقال الألباني : حَسَن .

إلاَّ أن طائفة مُوغِلة في الغِواية .. ومُتَرَدِّيَة في حَمْـأة الشهوات .. تأبى تلك الطائفة إلاَّ أن تُجَافِي تلك النفحات .. بينما تسير حافية القَدَمين في حَمَّارَة القيظ !
وتَبْرُز في هاجِرة الصيف تتعرض لـ " لفحات " تُسَوِّد الوجوه ، ويبقى أثرها على الوَجَنَات والْجِبَاه !
وتلك علامة الشقاء أن تُهْجَر الظلال الوارفة والثمار اليانعة - إلى لَفَحات السموم الحارة دون حاجة !
وإن تَعْجَب فاعْجَب لِحَال أُنَاس جاءتهم النفحات الرمضانية وهم لا زالوا في هاجرة المعاصي وحَرّ الذنوب .. لم تُغْسَل بَعْد بالماء والثلج والبَرَد !

لا زلت أتَذَكّر موقف بعض الواقفين في صحراء الذنوب القاحلة ، وهاجرة المعاصي الحارقة ، وقد اجتمع مجموعة من الشباب في محل تسجيلات أغاني يختارون من أسباب الشقاء وفُنونه ، وكان ذلك في ليلة السابع والعشرين من رمضان في عام مضى ..
ففتحت عليهم الباب وقلت لهم كلمة واحدة :
أتدرون أي ليلة هذه ؟!

هذا أنموذج ، والنماذج كثيرة
فَـتِّش في أجهزة الجوال ، أو في أجهزة الحاسب المحمولة ، أو في بعض الشُّـنَط !
وقبل أن تفتش حَاذِر مِن لَفحات الْهَاجِرَة !
وضَع يدك على أنفك ! فإن ثَمَّة عَفَن سَوف يعصف بأنْفِك !!
عَفَن صُور فاضِحة ، ومَقَاطِع مُخْزِية
صور فاضحة ربما استحيا إبليس أن ينظر إليها !
ألا إن تلك الصور الفاضحة والمقاطع الآثمة ما هي إلاّ عبارة عن جبال من السيئات .. ومجاري من القاذورات !
وهي داعية الفواحش وصَوت الإفساد .
وقد تكون تلك الصور لِمَا وَقع فيه الشخص في أوحال الرذيلة .. ولِمَا ولغ فيه مِن قاذورات الأخلاق !

هل سمعت بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الجرائم ؟


قال عليه الصلاة والسلام : اجتنبوا هذه القاذورات التي نَهى الله عنها ، فمن ألَمَّ فليستتر بِسِتر الله ، ولْـيَـتُب إلى الله ، فإنه من يُبـْـدِ لنا صَفْحته نُقِم عليه كتاب الله عز وجل . رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ، ورواه غيره ، وصححه الألباني .

فكيف إذا انضاف إلى ذلك هَتك السِّتر الذي بين العبد وبين رَبِّـه ؟

فإذا ما عَرض عَارِض صُورًا إباحية أو مَقَاطع مُخْزِية لِقَاذورات تَلَطَّخ بها ، فإنما يجمع السوءات ، وذلك بِعَرْض الصور الفاضحة وفَضيحة نفسه ، وقد بَات يستره ربُّـه ..
وهذا المعنى سبقت الإشارة إلى هذا المعنى في مقال بعنوان :
كل أمة محمد بخير إلا أنت .. !
وهو هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/234.htm

فإيّـاك إيّـاك .. أن تَـهُبّ عليك النفحات .. ثم لا يُرى عليك إلاّ آثار اللَفَحَات ..
فتأتي يوم القيامة وقد سوّدت وجهك .. كما سَوَّدْت صحائفك ..
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) ..
كيف لو مُتّ وهذه الصور في حافظاتك ؟؟ أو في بيتك ؟؟ أو في جيوبك ؟؟
وكيف إذا وُقِفْت بين يدي الله .. ؟ هل يسرّك أن تكون تلك الصور في صحائف أعمالك ؟!

يا مُدْمن اللذَّات ناسٍ غَدْرَها = اذْكُر تَهَجُّم هَادِم اللذاتِ
يا حسرة العاصين يوم معادهم = ولو أنهم سيقوا إلى الجناتِ
لو لم يكن إلا الحياء من الذي = سَتَر الذنوب لأكثروا الحسراتِ

ويُذكِّرك ابن الجوزي فيقول :

يا عظيم الجرأة يا كثير الانبساط .. ما تَخَاف عَواقب هذا الإفْراط ؟
للفائدة :
* في لسان العرب : حَمَّارَة القيظ : بتشديد الراء وحَمَارَته : شِدّة حَـرِّه .

الرياض 9/9/1428 هـ ..

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 06:25 PM
المشاركة 50

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
حصول المرغوب واندفاع المرهوب

ما الذي يُريده الناس في هذه الحياة ؟
كل إنسان في هذه الدنيا يَتمنّى حُصُول مَطْلوبه .. وانْدِفاع مَرْهوبه !
أن يتحقق له ما يُريد .. وأن يُصرف عنه كل سوء ومكروه ..

أليس كذلك ؟
بلى

وهذا مُتحقِّق للمؤمن إذا حَقَّق الإسلام ..
فإذا ما أسْلَمَتْ جوارِح المؤمن لله رب العالمين .. وكانت مُنقادَة لله .. فقد تحقق له ما يصبو إليه .. واندفع عنه ما يَرهبه ويخافه ..

إذا تَقَرّب المؤمن إلى ربّه شِبْرًا تَقَرّب الله إليه ذِراعا ..
وإذا تَقرّب المؤمن إلى ربِّـه تبارك وتعالى بالفرائض .. فقد أبرأ ذِمَّـتَه , وأرضى ربَّـه ..
ولا يَزال المؤمن يتقلّب بين الطاعات .. ويتقرّب إلى رب الأرض والسماوات .. يتقرّب بِنوافِل الطاعات .. مِن نوافل الصلاة ، ونوافل الزكاة ، ونوافل الصِّيَام ، ونوافل الحجّ والعُمرة ..

ولسان حاله :
ركضا إلى الله بغير زاد *** إلا التقى وعمل المعاد
وكل زادٍ عُرْضَة للنفاد *** غير التقى والبر والرشاد

ولسان مَقَالِه : وعَجِلْتُ إليك ربّي لِترضى ..

لم يَكْتفِ بالفَرائض حتى أدَّى النوافل ..
حين يشعر المؤمن بِتقصيره في حقّ ربِّـه .. يدفعه إلى ذلك مَعرفة بِما يَجب لِربِّـه .
وحين يعترِف بِذَنْبه ..
فإن ذلك يَحْمِله على زِيادة القُرُبات .. والازْدياد مِن الطَّاعات ..
لم يَسْتَثْقِل الفرائض .. بل بَادَر إلى النوافل .. وسارع في الخيرات وإلى الخيرات .

وهذا سبب لِنَيْل محبة الله ، والفوز بِرضاه ..

يَقُول الله تَعالى في الحديث القُدْسي : وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ . رواه البخاري .

فإذا أحبّه ربّ العِزّة جاءته الْمَكرُمات .. وفاز بِعلُوّ الدَّرَجات ..
مَن أحبّه رب العالمين جازاه أحسن الجزاء .. في الدنيا والآخرة ..

ما جزاء هذا الذي تقرّب بالنوافل بعد أن تقرّب بالفرائض ؟
يقول تعالى في الحديث القدسي :
فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا . رواه البخاري .

تلك هي أول الْمَكرُمات .. أن تُسلِم جَوَارِحه لله .. فلا تَعمل إلاَّ بطاعة الله ..
إن أعطى .. فـ لله .. وإن مَنَع .. فـ لله ..
إن أحبّ .. فـ لله .. وإن أبْغَض .. فَفِي لله ..
إن مَشَى فَفِي طاعة الله ..
وإن بِطَش فَفِي ذَات الله .. جِهَادًا في سبيل الله .. أو إقامة لِحَدّ مِن حُدود الله .. أوْ أمْرًا بالمعروف ونَهْـيًا عن الْمُنكر ..
وما عَدا ذلك فَقد سَلِم الْخَلْق مِن يَده وَرِجْلِه ولِسَانه ..

فَـيَا لِفَوز العَابِد ..
مَسْألَته مُتحقّقة ..
إن لَجَأ إلى الله في دَفْع مَكُروه دُفِع ..
وإن تَذلل لِرَفع شَدائد وكُروب رُفِع ..

إن اسْتَعَاذ بِالله أُعِيذ ..

يَقُول الله تَعالى في الحديث القُدْسي :
وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ . رواه البخاري .

أي : ذلك الذي تَحَقَّقَتْ فيه تلك الصِّفَات .. ولَزِمَ تلك الطاعات .. مِن نَفْلها وفَرْضِها .. إن سأل الله أعطاه سُؤلَه .. وإن اسْتَعَاذ بالله أعَاذَه مِمَّا يَخاف ويَحْذَر ..

المؤمن لا يَخِيب سَعْيه .. ولا يَنقطِع أمَلُه ..
حَـبْل رَجَائه مَوصُول بالله ..

إن سأل .. سأل مَن بِيدِه خزائن السماوات والأرض ..
وإن اسْتعاذ اسْتَعَاذ بِمن له مقاليد الأمور .. إذ لا يَخرُج شيء عن حُكمه ومُلكِه وسُلطانه ..
فالكلّ في قَبْضَتِه .. لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ..

فمن لم يتحقق له مطلوب .. أو لَم يندفع عنه مرهوب .. فَلْـيَعُد على نفسه بالـتُّهة .. وليَرْجِع عليها باللوم ..
فَمِن قِبَل نفسه أُتِي ..
وكما يقول ابن القيم :
فهو الْجَانِي على نَفْسِه ، وقد قَعَد تَحْت الْمَثَل السَّائر : يَدَاك أوْكَتَا وَفُوك نَفَخ !

وربّ العِزَّة سبحانه وتعالى يُنادي عباده ..
يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ . رواه مسلم .

وسبق في هذا المعنى :
إسـلام الجـوارح
http://saaid.net/Doat/assuhaim/135.htm

الرياض
ليلة السبت 6/2/1428 هـ


تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 06:28 PM
المشاركة 51

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
لا تَغْتَرُّوا

إنّ مِن نِعَمِ الله على هذه الأمَّـة أن تتوالَى عليها مواسِم الْخَيْرَات ، وتتابَع عليها مِنَح العبَادات
وللعِبَادة أهميَّة في حياة الإنسان عموما ، فالإنسان مُحتاج إلى الصِّلَة بِرَبِّـه مَع كُلّ نَفَس ..

وتَكْمُن أهمية العَمَل الصَّالِح في مسائل كثيرة ، منها :


1 – عُلُوّ المنازل في الجنة .. وإنما تَعْلُو مَنَازل المؤمنين في الْجَنَّـة بِقَدْر أعمالهم .. (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ..
قال القرطبي في تفسيره : أي : وَرِثْتُم مَنَازِلَها بِعَمَلِكُم ، ودُخُولُكم إيّاها بِرَحْمَة الله وفَضْلِه .

وقال ابن كثير في تفسيره : أي : بِسَبَبِ أعْمَالِكم نَالَتْكُم الرَّحْمَة فَدَخَلْتُم الْجَنَّة ، وتَبَوّأتُم مَنَازِلَكُم بِحَسَب أعْمِالِكم ، وإنّمَا وَجَبَ الْحَمْل عَلى هَذا لِمَا ثَبَت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : واعْلَمُوا أنّ أحَدَكم لَن يُدْخِله عَمَلُه الْجَنَّة . قَالوا : ولا أنْت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلاَّ أن يَتَغَمَّدَني الله بِرَحْمَةٍ مِنه وفَضْل .
وقال في قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : أي : أعْمَالُكم الصَّالِحَة كانت سَبَبًا لِشُمُول رَحْمَة الله إياكم ، فإنه لا يُدْخِل أحَدًا عَمَلُه الْجَنَّة ، ولَكِن بِفضلٍ مِن الله ورَحْمَته ، وإنّمَا الدَّرَجَات تَفَاوتها بَحَسَب عَمَل الصَّالِحَات . اهـ .
وفي الحديث : إنَّ أهْل الْجَنَّة يَتَرَاءَون أهْل الغُرُف مِن فَوْقِهم كَمَا تَتَرَاءَون الكَوْكَب الدُّرِّي الغَابِر في الأُفُق مِن الْمَشْرِق أوْ الْمَغْرِب ، لِتَفَاضُل مَا بينهم . قالوا: يا رسول الله تلك مَنازل الأنبياء لا يَبْلُغُها غَيرهم ؟ قال : بلى والذي نفسي بيده ، رجال آمَنوا بالله وصَدَّقُوا الْمُرْسَلِين . رواه البخاري ومسلم .

2 –
الدُّخُول تَحْت رَحْمَة أرْحَم الرَّاحِمِين .. (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)
3 –
النَّجَاة مِن الْخُسْرَان الْمُبِين .. تأمّل سورة العصر .. (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ) . تَجِد أنّ الله عَلَّق الفَلاح على الإيمان به وعلى العمل الصالح ..

والعَمَل الصَّالِح سَبَب في النَّجاة في الدّنيا قبل الآخِرَة .. ولعلّك على ذِكْرٍ مِن قِصَّة الثلاثة الذين آواهم الْمَبِيتُ إلى غار .. فَدَعَوا الله بِصالِح أعمالِهم فَفَرَّج الله عنهم . والقصّة مُخرَّجة في الصحيحين .

4-
الرِّفْعَة في الدُّنيا وفي الآخرة بالعمل الصَّالِح ..
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
وقال عليه الصلاة والسلام : إنَّ الله يَرْفع بهذا الكتاب أقْوامًا ، ويَضَع بِه آخَرِين . رواه مسلم .

والعناية بالعَمَل الصَّالِح أمْـرٌ قد أهَـمّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ..
فقد كان السؤال عمّا يُبَاعِد مِن النار ، ويُقرِّب مِن الجنة
قال النبي صلى الله عليه وسلم لِرَبِيعَة بن كَعْب الأسلمي : سَل . قال : فقلت : أسْألك مُرَافَقَتك في الجنة . قال : أوْ غَير ذَلك ؟ قلت : هو ذاك . قال : فأعِنِّي على نَفْسِك بِكَثْرَة السُّجُود . رواه مسلم .

وثمّة أمْرٌ آخر أهمّ الصَّالِحين .. ربما أكْثَر مِن العَمَل
ألا وهو قَبُول العَمَل ..
لَمّا نَزَل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)
قالت عائشة : يا رسول الله ! أهُو الذي يَسْرِق ويَزْنِي ويَشْرَب الْخَمْر ، وهو يَخَاف الله ؟ قال : لا يا بِنْت الصِّدِّيق . ولكنه الذي يُصَلي ويَصُوم ويَتَصَدَّق ، وهو يَخَاف الله عز وجل . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .
وفي رواية للترمذي : ولكنهم الذين يَصُومُون ويُصَلُّون ويَتَصَدَّقُون ، وهم يَخَافُون أن لا يُقْبَل مِنهم (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) .

ولَمَّا جاء سائل إلى ابن عمر ، فقال ابن عمر لابنه : أعْطِه دِينارًا . فأعْطَاه ثم قال له ابنه : تَقَبَّل الله مِنك يا أبتاه . فقال : لو عَلِمْتُ أنَّ الله تَقَبَّل مِنِّي سَجْدة واحِدَة ، أوْ صَدَقة دِرْهم واحِد لم يَكُن غَائب أحَبّ إليّ مِن الْمَوْت . أتَدْرِي مِمَّن يَتَقَبَّل الله ؟ (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .

وكان فُضَالة بن عُبيد يقول : لأن أكُون أعْلَم أنَّ الله تَقَبَّل مِنِّي مِثْقَال حَبَّة مِن خَرْدَل أحَبّ إليَّ مِن الدّنيا ومَا فيها ؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى يَقول : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .
وبَكى عَامِر بن عبد الله في مَرَضِه الذي مات فيه بُكَاءً شَدِيدًا ، فقيل له : ما يُبْكِيك يا أبا عبد الله؟ قال : آيَةٌ في كِتاب الله : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .
وكان مُطَرِّف بن عبد الله يَقُول : اللهم تَقَبَّل مِنِّي صَلاة يَوْم . اللهم تَقَبَّل مِنِّي صَوْم يَوم . اللهم اكْتُب لي حَسَنة ، ثم يقول : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .

قال ابن رجب في قوله تعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) : لهذا كانت هذه الآية يَشْتَدّ مِنها خَوْف السَّلَف على نُفُوسِهم ، فَخَافُوا أن لا يَكُونوا مِن الْمُتَّقِين الذين يَتَقَبَّل الله منهم .

إذا عُلِم هذا فليُعْلَم أنَّه لا يَكفِي مُجرَّد العَمَل ، فالْمُحْبِطَات كثيرة ، وهي إمَّا أن تَكُون قَبْل العَمَل ، أو تَكون في أثْنَاء العَمَل ، أو تَكُون بَعْد العَمَل .
وبعضُها إما أن تُضعِف حَسَنات العَمَل ، أو تَذْهَب بِها بالكُلِّـيَّة ..
فقبْل العَمَل ، كالذي لا يُحسِن التَّطَهُّر للصَّلاة
وفي أثناء العَمَل ، كالذي لا يُتقِن العمل ولا يُحسِنه ، أو يُرائي فيه .
دخل رجل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ ، فقام يصلي ويَنْقُر في سجوده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو مَات هذا على حَالِه هذه ، مَات على غَير مِلّة مُحمد صلى الله عليه وسلم يَنْقُر صَلاته كَمَا يَنْقُر الغُرَاب ! رواه أحمد وابن خزيمة .
وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : إنَّ الرجل ليصلي ستين سنة وما تُقبَلُ له صلاة ، لعله يُتِمّ الرُّكُوع ولا يُتِمّ السُّجُود ، ويُتِم السُّجُود ولا يُتِمّ الرُّكُوع . رواه أبو القاسم الأصبهاني ، وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا صَلاةَ لِمَن لا يُقِيمُ صُلبَه في الركوع .
وعن أبي وائل أن حذيفة رأى رَجُلاً لا يُتِمّ رُكُوعه ولا سُجُوده ، فلما قَضَى صَلاته قال له حذيفة: مَا صَلَّيْتَ ، قال : وأحْسَبُه قال : لو مُتّ مُتّ على غير سُنة محمد صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري .

وبعد العَمَل إما أن يُسمِّع بِعَمَلِه ، أو يُعجَب بِعَمَله ، أو يأتي بِما يُحبِطه مِن الشِّرْك .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : مَن سَمَّع سَمَّع الله به ، ومَن رَاءَى رَاءَى الله بِه . رواه البخاري ومسلم .
قال العِزّ بنُ عبدِ السَّلام : الرِّياء أن يَعْمَل لِغَيْر الله ، والسُّمْعَـة أن يُخْفِي عَمَلَه لله ، ثم يُحَدِّث بِه الناس .

أو يَكون ذَهَاب الْحَسَنات بِظُلْم الناس ، وظُلْم النَّاس سَبَب لِذَهَاب الحسنات في الآخِرة .
ولو كان ذلك الظُّلْم مِن والِدٍ على وَلَدِه ، أو مِن زَوج على زَوْجَتِه .. فقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : يُؤخَذ بِيَدِ العَبْد أوْ الأمَة يَوْم القِيَامَة فيُنْصَب على رُؤوس الأوَّلِين والآخِرِين ، ثم يُنادِي مُنَادٍ : هذا فُلان بن فُلان ، مَن كَان لَه حَقّ فَلْيَأتِ إلى حَقِّه ؛ فَتَفْرَح الْمَرْأة أن يَدُور لَهَا الْحَقّ عَلى أبِيهَا ، أوْ عَلى زَوْجِهَا ، أوْ عَلى أخِيهَا ، أوْ على ابْنِهَا ، ثُمّ قَرأ ابنُ مَسْعُود : (فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ).

ولَو كان الظُّلْم أو الأذى باللسَان .. لَكان مُذْهِبًا للحَسَنَات
روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم – وصحَّحه – مِن حديث أبي هريرة أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنَّ فُلانة تَصُوم النهار ، وتَقُوم الليل ، وتَفعل ، وتَصَّدَّق ، وتُؤذي جِيرانها بِلِسَانِها . فقال : لا خَير فيها ، هي في النار . قيل : فإنَّ فَلانة تُصَلي المكتوبة ، وتَصوم رمضان ، وتَتَصَدَّق بأثْوارٍ مِن أقِط ، ولا تؤذي أحَدًا بِلِسَانِها . قال : هي في الجنة .

وكما في حديث الْمُفْلِس .. وهو في صحيح مسلم ، وفيه :
إنَّ الْمُفْلِس مِن أُمَّتِي يأتي يوم القيامة بِصَلاة وصِيام وزَكاة ، ويأتي قَد شَتَم هذا ، وقَذَف هذا ، وأكَلَ مَالَ هذا ، وسَفَك دَم هذا ، وضَرَب هذا ؛ فَـيُعْطَى هَذا مِن حَسَنَاتِه ، وهذا مِن حَسَنَاتِه ، فإن فَنِيَتْ حَسَنَاتُه قَبْل أن يُقْضَى مَا عَليه أُخِذ مِن خَطاياهم ، فَطُرِحَتْ عَليه ، ثم طُرِح في النار .
وعلى المسلم أن يَكون خائفا مِن عَدَم قَبُول العمل ، فلا يُدِلُّ على الله بِعَمَله ، ولا يَمْتَنّ به ..
بل يَعمَل العَمَل وهو خائف وَجِل أن لا يُتقبَّل منه .

ففي حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
مَن توضأ مثل هذا الوضوء ثم أتى الْمَسْجِد فَرَكَعَ ركعتين ثم جَلس غُفِرَ لَه مَا تَقَدَّم مِن ذَنْبه . قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تَغْتَرُّوا .
قال ابن حجر : قد يَصِحّ العَمَل ويتخلف القبول لِمَانِع . اهـ .

وعلى المسلِم أيضا أن لا يَقْنَط مِن رَحْمَة الله .. بل يُحسِن العمل ، ويسأل الله القبول ، وهو مع ذلك يُحسِن الظّن بِربِّـه .

قال الحسن البصري : إنَّ الْمُؤمِن جَمَع إحْسَانًا وشَفَقَة ، وإنَّ الْمُنَافِق جَمَع إسَاءة وأمْنًا . يَعْنِي إسَاءةً في العَمل وأمْناً مِن مَكْرِ الله .

المؤمن يَعمل الصَّالِحات ويجتهد في طَلَب رِضا ربّ الأرض والسَّماوات .. وهو مع ذلك يَخَاف مِن ذُنُوبه أن تُوبِقه ..
قال ابن مسعود رضي الله عنه : إنَّ المؤمن يَرى ذُنُوبَه كأنه قَاعِد تَحْت جَبل يَخَاف أن يَقَع عليه ، وإن الفَاجِر يَرى ذُنُوبَه كَذُبَابٍ مَـرّ على أنْفه ، فقال بِه هَكذا . رواه البخاري .
وفي خَبَر الذي قال لِصاحِبه : والله لا يَغفر الله لك ، أوْ لا يُدْخِلك الْجَنَّة أبْدًا . فقال الله للمُذْنِب : اذهب فادْخُلِ الْجَنَّة بِرحمتي ، وقال للآخَر : أكُنْتَ عَالِمًا ؟ أكُنْتَ على مَا في يَدي قَادِرًا ؟ اذْهَبُوا بِه إلى النَّار . قال أبو هريرة : والذي نَفْسي بِيَدِه إنه لَتَكَلَّم بِكَلِمَة أوْبَقَتْ دُنْيَاه وآخِرَتِه . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

فالعَمَل الصَّالِح بالِغ الأهميّة في حَياة الْمُسْلِم ، وأهّم مِنه أن يُحْسِن العَمَل ، وأن يُحَافِظ على حَسَنَات العَمَل الصَّالِح وإن قَلّ .

فالْهَج بِدُعَاء الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام : (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ..

ولا تَنْس أنه دَعَا بذلك الدعاء حينما كان يَعمل ذلك العَمَل العظيم (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) ..

قرأ وُهيب بن الوَرد : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا) ثم بَكى وقال : يا خليل الرحمن ! تَرْفَع قوائم بَيْت الرَّحمن وأنت مُشْفِق أن لا يُتَقَبَّل مِنْك .

الرياض – 5/10/1427 هـ .

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 06:34 PM
المشاركة 52

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
لقد بكى أُبَـيّ .. فما الذي أبكاه ؟

قال أنس رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبيّ بن كعب : إن الله أمرني أن أقرأ عليك (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال : وسماني لك ؟ قال : نعم . قال : فبكى ! رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأُبيّ : إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك . قال : آلله سمّاني لك ؟ قال : الله سمّاك لي . فَجَعَلَ أُبيّ يبكي .

إنا لنفرح حتى نكاد نطير فَرَحـاً حينما ينمي إلى أسماعنا أن فلانا ذَكَرَنا بخير ، وربما بَكينا

طَفَحَ السرور عليّ حتى إنه = من عِظم ما قد سرّني أبكاني
ونبتهج إذا قيل لنا إن الناس تُثني علينا
وترتاح نفوسنا لعبارات الثناء والشكر

والشكر مطلوب بذلُه وقبوله ، ومن هذا الباب الثناء على الْمُحسِن ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : مَنْ صَنَعَ إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعُوا له حتى تُروا أنكم قد كافأتموه . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي .

ماذا لو أثنى عليك عالِم أو وزير أو حاكِم ؟!

ربما يطير بعض الناس فرحاً ، وربما لا تسعه الأرض !
ولعله يَلْهج بذلك طيلة حياته
أو يَجْعله وساماً على صدره ! بكثرة ذِكره

قف هنا .. وتأمل ما هو أعظم من ذلك

هل تخيّلت الثناء الرباني عليك ؟
هل تصوّرت أن يُثنَى عليك في الملأ الأعلى ؟


لقد بكى أُبـيّ بن كعب لما علِم أن الله ذَكَره في الملأ الأعلى

فهل مرّ بخاطرك هذا الذِّكر ؟

تأمل هذا الحديث :
روى البخاري ومسلم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى :
أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة .

ألا تغتبط :

أن يَذكُرَكَ ملك الملوك ؟
أن يَذكُرَكِ من بيده النفع والضرّ ؟
أن يَذكُرَكَ من بيده ملكوت كل شيء ؟


وهو يُجير ولا يُجار عليه
فلا إله إلا الله
وسبحان الله
ما أعظمه من ذِكـر
وما أعطره من ثناء

وأكْثِر ذِكْرَه في الأرض دأبا = لِـتُذكر في السماء إذا ذَكَرتا
وأصدق منه وأبلغ قول ربنا سبحانه وتعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)
وشتان بين ذِكر الناس وبين ذِكر الله لك
الناس يذكرونك بما يعلمون من ظاهرك
والله يذكرك بما يعلم سبحانه وتعالى من حقيقة أمرك
الناس لا يملكون لك شيئا (وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا)
والله بيده النفع والضر
وهو يُحيي ويُميت
ويعلم السرّ وأخفى

جمادى الأولى - 1425 هـ

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 07:27 PM
المشاركة 53

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
وموت العابدِ القوّام ليلاً

إذا ما مات ذو علم وتقوى *** فقد ثُلِمت من الإسلام ثُلمة
وموتُ الحاكم العدلِ المولّى *** بحكم الشرع منقصةٌ ونقمة
وموت العابدِ القـوّام ليـلاً *** يُناجي ربّه في كـل ظلمـة
وموتُ فتىً كثير الجود محـلٌ *** فإن بقاءه خصـبٌ ونعمـة
وموتُ الفارس الضرغام هدمٌ *** فكم شهِدتْ له بالنصر عزمة
فحسبُك خمسةٌ يُبكى عليهم *** وباقي الناس تخفيف ورحمـة
وباقي الناس همـجٌ رعـاعٌ ** وفي إيجادِهـم لله حكمـة

قال ابن القيم رحمه الله :
والمقصود بهذا كما قال عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه : الناسُ ثلاثة : فعالمٌ ربانيّ ، ومتعلّمٌ على سبيل نجاة ، وهمجٌ رَعَاع أتباعَ كلِّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق .

قبل أسبوعين ( وقت كتابة المقال ) ، وبالتحديد آخر جمعة من شهر الله المحرّم انتقل إلى الرفيق الأعلى عابد من عبّاد المدينة النبوية

وقد وُصِف بأنه عمود من عُمد المسجد النبوي
وحُق له ذلك الوصف

فقد أمضى قرابة ثلاثين سنة في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم

عرفته منذ أكثر من عشر سنوات
فعرفت فيه العابد الزاهد الصادق - فيما أحسب -
عرفت فيه الرجل الذاكر الصائم القائم

يخرج قبيل صلاة العصر من بيته إلى المسجد النبوي وغالبا لا يعود إلا بعد صلاة العشاء
إن وجد من يقوم بإيصاله إلى المسجد النبوي وإلا مشى على أقدامه رغم بعد المسافة

وقبل صلاة الفجر يخرج من بيته إلى المسجد النبوي
فهو صاحب صلاة ، وهو أيضا - كما عرفته - صوّام .

تراه فلا ترى سوى الجلد يكسو العظام الـنّـُحَّـل !

تُحبه بمجرّد أن تسمع عنه ، وإذا رأيته لا يستأذن قلبك للدخول بل يدخل إلى شغاف قلبك
رآه ابن أخي قبل سنوات فأحبه من أول لقاء !

فكان ابن أخي في الأعياد يطلب مني مرافقته للمدينة لزيارة هذا العابد الصوّام القوّام .

عجيب هذا الرجل !

منذ أن كان قبل ثلاثين سنة تقريبا وهو في حفر الباطن كان يُكثر التحدّث عن سُكنى المدينة النبوية ، فأكثر ذِكرها حتى سكنها ، فلما سكنها كان قلّما يُغادرها ، وإن غادرها فسُرعان ما يعود إليها .

مرض في آخر حياته ، فكان لا يرضى أن يُصلي لوحده ، رغم شدة المرض

يطلب من أحد أبنائه أن يأتي للمستشفى ليُصلي معه جماعة ، فتكون له جماعة ولابنه نافلة ، ثم يأمر ابنه أن يُدرك الجماعة !

حدثني ابنه الذي صلى معه آخر صلاة ، وهي صلاة الفجر من يوم الجمعة 28 / 1 / 1425 هـ

قال : صليت معه صلاة الفجر ، فلما قضينا الصلاة قال لي : أدرك الجماعة !
يقول : فانصرفت ، وبقيت بحيث أراه ولا يراني فإذا هو يسجد ويُكرر السجود حتى قُبِض !

سبحان الله !
مَن عامَل الله نجـا
ومَن عامَل الله فاز وأفلح
ومن عامَل الله فلن يخيب

قُبِض بعد أن أدى صلاة الفجر ، ولم يرضَ أن يُصلي لوحده رغم وجوده في المستشفى
وقُبِض صبيحة يوم الجمعة
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر . رواه الإمام أحمد والترمذي .

نحسبه صدق الله فصَدَقَه الله .

وعمود آخر من أعمدة المسجد النبوي – وُصِف بذلك أيضا –

هو رجل من أهل مدينة عنيزة

أمضى قريبا من ثلاثين عاما في المسجد النبوي
مكانه خلف الإمام ، يفتح على الإمام ( يردّ عليه )
وربما صلّى بالجماعة

وفي آخر أيامه
زار محافظة عنيزة
وكان ينوي أن يُقيم بها أسبوعا

وفجأة قال لأحد أولاده : أريد أن أعود إلى المدينة !
هكذا دون سابق إنذار !
فعاد إلى الأرض التي أحب
وإلى البقعة التي طالما أحبها
فعاد إلى المدينة النبوية
وهناك أدى الصلاة في المسجد النبوي ثم مات وهو يُصلي .
فرحمه الله

عامَل الله بصدق – فيما نحسب – فعامله الله بصدق
لم يمت إلا حيث أحب أن يموت
ولم يُدفن إلا حيث كانت رغبته أن يُدفن
يخرج من المدينة في زيارة قصيرة
ولكنه قطع تلك الزيارة
وكأنه يُساق إلى أجله حيث كانت رغبته

فرحم الله هؤلاء العُـبَّـاد

--------------

قلتُ هذا وكتبته شحذاً للهمم
وتسلية للنفوس أن الأرض لم ولن تخلو من عباد لله فُطنا طلّقوا الدنيا وخافوا الفِتنا .

فإلى من نظر إلى فساد أهل الزمان
وإلى من نظر إلى السوء في إبداء السوءات
ها هو الخبر اليقين
أنقله إليك عن العابِدِين

أما الأول فهو : عبد الرحمن بن أحمد التركي
وأما الثاني فهو : عبد العزيز بن علي الشبل

رحم الله الجميع برحمته الواسعة .



تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 07:30 PM
المشاركة 54

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
720

720 ساعة مرت من عمرك
720 ساعة مضت من عامك
720 ساعة مرّت بحلوها ومُرّهـا
720 ساعة مرّت على السجين أطول من عام
720 ساعة قضاها المريض على فراش المرض أثقل من دهر
720 ساعة أمضاها الأسير في القيد ، وكأن القيد جبل
720 ساعة مرّت كلمحة بصر
720 ساعة مرّت عليك وأنت تنعم في صحة وعافية
720 ساعة هي شهرك هذا الذي انقضى
720 ساعة هو شهر الله المحرّم وقد انتهى
720 ساعة هي من عُمرك الذي سوف تُسأل عنه
720 ساعة فرّط فيها المفرِّط
720 ساعة أضاعها الضائع
720 ساعة ماذا أودعتها ؟

720 ساعة كم قرأت فيها من جـزء ؟
720 ساعة كم أدّيت فيها مِن طاعة ؟

720 ساعة كم وصلت فيها من قَرابَة ؟
720 ساعة كم فاتك فيها من صلاة ؟

720 ساعة لها وزنها في موازين العقلاء
720 ساعة لها ثُقلها عند الحكماء
720 ساعة شاهدة عليك بما أودعتها

لا أقل من أن تكون قرأت القرآن في شهرك هذا
ولا أقل من أن تكون صِمت من شهرك أيضا
ولا أقل من أن تكون تصدّقت فيه بصدقة

لا تقل : لا أجـد مالاً فأتصدّق

كُـن في همِّـك وهمّتِك كرجل من عامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فـ " عُلْبة بن زيد " لما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة خرج من الليل فصلى وبكى وقال : اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه ، ولم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك صلى الله عليه وسلم ، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في جسد أو عرض .

أعجزت أن تُشغل لسانك بذكر الله ؟

فـ نبيّ الرحمة صلى الله عليه وسلم قال : من ضنّ بالمال أن ينفقه ، وبالليل أن يكابده ، فعليه بـ " سبحان الله وبحمده " .
( ضن يعني بَخِل )

أعجزت أن تتصدّق على نفسك مِن نفسك ؟

قال أبو ذر : يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟
قال : تكفّ شَرك عن الناس ، فإنها صدقة منك على نفسك . رواه البخاري ومسلم .

فلا تدع شهور السنة تمرّ بك عجلى كما مر بك شهر الله المحرّم دون أن تودعه من الأعمال ما تدّخره عند الله تبارك وتعالى .

أيامك تمر ساعة في إثر ساعة ، فاعمرها بطاعة تلو طاعة

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 07:32 PM
المشاركة 55

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
كل أمة محمد بخير إلا أنت ..!!

أترضى أن تكون كذلك ؟
أترضى أن تكون أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها بخير إلا أنت ؟!
أترضى أن تكون أمة كاملة بعافية إلا أنت ؟

تأمل في قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم : كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يُصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ! وقد بات يستره ربه ، ويُصبح يكشف ستر الله عنه . رواه البخاري .

فهل رضيت بهذا أيها العاصي ؟

إلى كل صاحب معصية ظاهرة
وإلى من جاهَرَ بمعصيته
وإلى من تبجّح بالمعايب ، وادّعى الحُريّـة
إلى من نفث دخان سيجارته أمام الناس
إلى من أسمع الحيّ والشارع الذي يمرّ به أصوات الموسيقى الصاخبة ، أو الأغاني الماجنة
إلى من باع المُحرّمات جهاراً نهاراً
إلى من ساهَم بالحرام بيعا أو شراء أو مساهمة

إلى من تبرّجت وأظهرت محاسنها
إلى من لبست الضيق والقصير أمام الناس – رجالا أو نساءا –
إلى من غيّرت خلق الله ، بنمص أو وشم أو بِتَفلّج أو وصل شعر
إلى من وقفت على قارعة الطريق أو في السوق تُكلّم هذا أو تُحادِث ذاك

إلى هذا وإلى تلك

إليهم جميعاً

قبل أن تُجاهِروا بمعاصيكم قفوا ألف مرّة ، وسائلوا أنفسكم :

أَمِن العقل أن تكون أمة الإسلام بخير ما عدانا ؟
أمْ مِن الحكمة أن نكون من شرّ الناس ؟
أمْ مِن الوعي أن نكون دعاة على أبواب جهنم – ربما – بأفعالنا ؟

وليست المجاهرة في صورتها الظاهرة الواضحة فحسب ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يُصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ! وقد بات يستره ربه ، ويُصبح يكشف ستر الله عنه .

هذا نوع من أنواع المجاهرة ، ولون من ألوان الوقاحة ، وصورة من صور نزع الحياء

لا يكتفي العاصي بأن تجرأ على معصية من لا يُعجِزه شيء في الأرض ولا في السماء ، حتى أصبح يُعلن بسوءاته أمام الناس ، ويفتخر بقاذوراته أمام الملأ ، ويُظهر معايبه على أنها مفاخر !

ما حيلتي فيمن يرى = أن القبيح هو الحسن
وقول ربنا أصدق وأبلغ :
( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا ) ؟

فيا من جاهَر بالمعصية لا تظنّ أن هذه المجاهرة تعود عليك وحدك
أو أنها لا تضر إلا بك
أو أنك تملك مُطلق الحريّة في ممارسة ما تُريد

ولكنك بفعلك هذا هوّنت من شأن المعصية
وزيّنتها للآخرِين
وجرأت غيرك عليها
فتحمل وزرهم مع أوزارك

فاستتر بستر الله سترك الله فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العَرض .

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 07:37 PM
المشاركة 56

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
إذا مـسّ بالسراءِ عـمَّ سرورُها

نِعَم الله تترى على العباد في كل لحظة ، بل مع كل نَفَس ( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )

وواجب العبد نحو نِعمِ ربِّه أن يَشْكرَهـا ولا يكفرها.

لأن النِّعم إنما تدوم وتُستدرّ بالشُّكر .

فما هو الشُّـكُـر ؟

وكيف يكون ؟

الشُّكر هو : الثناء على المحسن بذِكرِ إحسانه بما أولاكه من المعروف .

وقيل : هو تصورُ النعمةِ وإظهارُها .

قال سهل بن عبد الله :
الشكر :
الاجتهاد في ذل الطاعة ، مع اجتناب المعصية في السر والعلانية .

وقال الجُنيد :
الشكر
ألاّ يُعصى اللهَ بِنِعَمِه .

وقال الشِّبلي :
الشكر :
التواضع ، والمحافظة على الحسنات ، ومخالفة الشهوات ، وبذل الطاعات ، ومراقبة جبار الأرض والسماوات . ( ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله ) .

وهل هناك أكثرُ إحساناً عليك وإنْعاماً ممن رزقك وأنت في بطن أمك ؟ وسوّغ لك الطعامَ والشراب ؟ وألبسك لباسَ الصحة والعافية ؟ وأعطاك المال والأهل والولد ؟

وذكّرك مولاك بنعمته فقال :
( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )

قال مجاهدٌ وغيره : هذه نِعمٌ من اللهِ متظاهرة يُقرِّرُكَ بـها كيما تشكر .

وقال ابن مسعود في قوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) : قال :

حقّ تقاته :
أن يُطاع فلا يُعصى ، وأن يُذكر فلا يُنسى ، وأن يُشكر فلا يُكفر .

فالشُّكر إذاً من لوازم التقوى . ودخول الجنة مرتبط بتقوى الله ، وكذلك قبول العمل والدخول في رحمة أرحم الراحمين .

والشكر وصف ممدوح ووصف جليل ووصف محبوب

وقد وصف الله نبيّه نوحا بأنه
( كَانَ عَبْدًا شَكُورًا )


وامتدح الله عبده لقمان بأنْ آتاه الله الحكمة ورزقه الشكر ، فقال :
( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) .

والشُّكر مما أهمّ الأنبياء كيفية أدائه

يُروى أن موسى عليه الصلاة والسلام قال يوم الطور : يا رب إن أنا صليت فَمِنْ قِبلك ، وإن أنا تصدقت فَمنْ قِبلك ، وإن أنا بلغت رسالتك فَمِنْ قِبلك ، فكيف أشكرك ؟ قال : الآن شكرتني .

والشُّكرُ يكون في ثلاثة مواضع :

بالقلب وباللسان وبالجوارح .

فبالقلب اعتقاداً أن الله وحدَه هو المنعمُ المتفضّلُ بـهذه النِّعم لقوله تبارك وتعالى : ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ )

وأن من سوى الله من الخلق إنما هم سببٌ لجريان شيء مِن النِّعم على أيديهم .

وفي الحديث : لا يَشكرِ اللهَ من لا يشكرِ الناس . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

وفي الحديث الآخر : إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس . رواه الإمام أحمد .

وقال عليه الصلاة والسلام : من صنع إليكم معروفاً فكافئوه .

فهذا كلّه يدلُّ على شكرِ الناس لا على نسبةِ النعمة إليهم

وشكر الناس أمرٌ مطلوب ، كما قال الله تعالى :
( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ )

قال الحسن : قال موسى عليه السلام : يا رب كيف يستطيعُ ابن آدم أن يؤدي شكر ما صنعت إليه ؛ خلقته بيدك ، ونفخت فيه من روحك ، وأسكنته جنتك ، وأمرت الملائكة فسجدوا له ؟ فقال : يا موسى عَلِمَ أن ذلك مني ، فَحَمِدَنِي عليه ، فكان ذلك شكرا لما صنعته . رواه هناد في الزهد .

وقال صلى الله عليه وسلم : ما أنعم الله على عبد ، فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة . رواه الطبراني وغيره ، وصححه الألباني .

قال سليمان التيمي : إن الله أنعمَ على العباد على قدْرِه ، وكّلّفَهُم الشكرَ على قدْرِهم ، حتى رضيَ منهم من الشكر بالاعترافِ بقلوبهم بِنِعَمِهِ ، وبالحمد بألسنتِهم عليها .

ويكون الشكر
باللسان لقوله تعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )

فيتحدّث العبدُ بنعمة ربِّه عليه اعترافاً بـها ، وقبولاً لها ، وشكراً لمن أسداها ، وأنعمَ عليه بـها.

لو كلَّ جارحة منِّي لهـا لغـةٌ *** تثني عليك بما أوليتَ من حسنِ
لكان ما زان شكري إذا أشرتُ به *** إليك أجمل في الإحسان والمنن
فيتحدث العبد بنعمة الله عليه بلسان مقاله ، وبلسان حاله .

وفي صحيح البخاري من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : سيدُ الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدُك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ،أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليّ ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .

فتضمّنَ الحديثُ الاعترافَ بنعمةِ اللهِ عليه .

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الطعام قال : الحمد لله الذي أطعم وسقى ، وسوّغه وجعل له مَخْرَجا . رواه أبو داودَ والترمذي .

وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأَكْلَةَ فيحمدَه عليها ، أو يشربَ الشّرْبَةَ فيحمدَه عليها .

قال بكر بن عبد الله : ما قال عبدٌ قط : الحمدُ لله مرةً ، إلا وجبت عليه نعمةٌ بقوله : الحمدُ لله ، فما جزاء تلك النعمة ؟ جزاؤها أن يقولَ : الحمد لله ، فجاءت نعمـةٌ أخرى فلا تنفد نعماءُ الله . رواه ابن أبي الدنيا في الشكر .

فكلُّ نعمةٍ فمن الله وحدَه حتى الشكر فإنه نعمةٌ وهي مِنْـهُ سبحانَه ، فلا يطيقُ أحدٌ أن يشكرَه إلا بنعمته ، وشكرُه نعمةٌ مِنْهُ عليه ، كما قال داود عليه الصلاة والسلام : يا رب كيف أشكرُك وشكري لك نعمةٌ من نعمك عليّ تستوجبُ شكراً آخر ؟ فقال : الآن شكرتني يا داود . ذكره الإمام أحمد في الزهد .

وذَكَرَ عن الحسن أنه قال : قال داود : إلهي لو أن لكل شعرة من شعري لسانين يذكرانك بالليل والنهار والدهرَ كلَّه لما أدّوا مالَكَ عليّ من حقِّ نعمةٍ واحدة .

إذا كان شكري نِعْمَةَ الله نعمةً *** عليَّ له في مثلها يجبُ الشكرُ
فكيف وقوعُ الشكر إلا بفضله *** وإن طالت الأيامُ واتصل العمر
إذا مس بالسراءِ عمَّ سرورُها *** وإن مسَّ بالضراءِ أعقبها الأجر
وما منهما إلاّ لـه فيه مِنّـةٌ *** تضيقُ بها الأوهامُ والبـرُّ والبحر
وكتب ابن السماك إلى محمد بن الحسن – حين وَلِيَ القضاء – : أما بعد فلتكن التقوى من بالك على كلِّ حال ، وخفِ الله من كل نعمةٍ أنعم بـها عليك من قِلّةِ الشكر عليها مع المعصية بـها ، فإن في النعم حُجـةٌ ، وفيها تَبِعَةٌ ؛ فأما الحجةُ بـها فالمعصيةُ بـها ، وأما التبعةُ فيها فقلّة الشكر عليها ، فعفى الله عنك كلما ضيعت مِـنْ شكر ، أو ركبت من ذنب ، أو قصرت من حق .

هذا تحـدّثٌ بالنعمة بلسان المقال

وأما بلسان الحال ففي لباس الإنسان ولباس أولاده وحالهم لقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يُحب أن يُرى أثـرُ نعمتِه على عبده . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .

وفرق بين أن يَرى الخلق أثـر النعمة وبين الإسراف .

لقوله عليه الصلاة والسلام : كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة . رواه البخاري تعليقا ، رواه الإمام أحمد والنسائي .

وقال ابن عباس : كل ما شئت والبس واشرب ما شئت ، ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة . علّقه البخاري ، ورواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق موصولا .

وفي المسند وغيرِه عن أبي الأحوص الجُشَميّ عن أبيه قال : رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعليّ أطمارٌ ، فقال : هل لك مال ؟

قلت : نعم .

قال : من أي المال ؟

قلت : من كل المال قد آتاني اللهُ عز وجل ؛ من الإبل والرقيق والخيل والغنم .

قال : فلتُرَ نِعَمُ اللهِ وكرامتُه عليك .

أي ليرى الناس أثر نعمة الله عليك ، فهذا من شُكرها بلسان الحال .

ويكونُ الشكرُ عَمَلاً
بالجوارح بأن لا تعملِ الجوارحُ إلا بما يُرضي مولاها سبحانه .

فيعمل العبدُ بطاعة ربِّه ، خِدمةً لسيِّدِه ، لا يرى أنه صاحب معروفٍ بعمله ، بل ينظر إلى أعماله كلِّها على أنـها قطرةٌ في بحر جودِ مولاه جل جلاله ، وأنه مهما عمِلَ من عملٍ فإنه لا يؤدّي شُكرَ أقلَّ نعمةٍ يتقلّبُ بـها
( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )

وقد أنعم الله عز وجل على العبد بالجوارح والأعضاء التي لا تُقدّر بثمن ، ولو كانت تُباع أو تُتشرى لكان الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال أكثر الناس تمتعاً بالصّحة !

جاء رجلٌ إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله قائلاً : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبدُ الله : ألك امرأةٌ تأوي إليها ؟ قال : نعم . قال : ألك مسكنٌ تسكنُه ؟ قال : نعم . قال : فأنت من الأغنياء . قال الرجل : فإن لي خادماً . قال : فأنت من الملوك ! رواه مسلم .

وشكا رجل ضيقَ حالِه إلى يونسَ بنِ عبيد ، فقال له يونس : أيسرُّك أن لك ببصرك هذا الذي تُبصرُ به مائةَ ألفَ درهم ؟ قال الرجل : لا . قال : فَبِيَدِكَ مائةَ ألفَ درهم ؟ قال : لا . قال : فَبِرجليك ؟ قال : لا . قال فذكّـره نعمَ اللهِ عليه ، فقال يونس : أرى عندك مئين ألوفٍ وأنت تشكو الحاجة . رواه أبو نعيم .

قال ابن القيم رحمه الله :
ويكفي أن النَّفَـسَ من أدنى نِعَمِهِ التي لا يكادُون يعدّونها ، وهو أربعةٌ وعشرون ألفَ نَفَس في كل يوم وليلة . فـ لِلّه على العبد في النَّفَس خاصةً أربعةٌ وعشرون ألفَ نعمة كلَّ يوم وليلة . دع ما عدا ذلك من أصناف نِعَمِهِ على العبد ، ولكل نعمةٍ من هذه النعم حقٌّ من الشكر يستدعيه ويقتضيه . اهـ .

جسدك هذا الذي تتمتّع به ومتّعه الله بالصحة سوف تُسأل عنه

قال عليه الصلاة والسلام : إن أولَ ما يُسألُ العبدُ عنه يومَ القيامة من النعيم أن يُقالَ له : ألم نُصحِّ لك جسمَك ، ونُرويك من الماء البارد ؟ حديث صحيح رواه الترمذي وغيره .

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد عَـدّ الماء البارد من النعيم الذي سوف نُسأل عنه ، قال جابر ابن عبد الله : جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، فأطعمناهم رطبا وسقيناهم من الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا من النعيم الذي تسألون عنه . رواه أحمد وغيره وهو صحيح

قال ابن مسعودٍ : النعيم : الأمن والصحة .

قال أبو الدرداء :
كم من نعمةٍ لله في عرقٍ ساكن .

وقد ذكّر الله عز وجل بهذه الجوارح فقال :
( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )

وامتن الله عز وجل على العباد بالجوارح فقال :
( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

وما ذلك إلا لأن هذه الجوارح المذكورة هي وسائل المعرفة والإدراك ، فأيُّ عملٍ عَمِلَتَ بها ؟

وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى الآيات التي ورد فيها السمع والبصر والفؤاد ثم قال :

وهذا كثير جدا في القرآن ؛ لأن تأثره بما يراه ويسمعه أعظم من تأثره بما يلمسه ويذوقه ويشمه ، ولأن هذه الثلاثة هي طرق العلم وهي : السمع والبصر والعقل ، وتعلّق القلب بالسمع وارتباطه به أشدّ من تعلقه بالبصر وارتباطه به ، ولهذا يتأثر بما يسمعه من الملذوذات أعظم مما يتأثر بما يراه من المستحسنات ، وكذلك في المكروهات سماعا ورؤية ، ولهذا كان الصحيح من القولين أن حاسة السمع أفضل من حاسة البصر لشدّة تعلقها بالقلب وعظم حاجته إليها ، وتوقف كماله عليها ووصول العلوم إليه بها ، وتوقف الهدى على سلامتها . اهـ .

ثم إن العبد إذا شكر كان هو المستفيد على كل حال ، وذلك لعدّة أمور :

الأول : أن الشكر عبادة يُثاب عليها الشّاكر .

الثاني : أن الله وعد بالمزيد لمن شكـر .
فاشكروا الله على نِعَمِهِ يَزِدْكُـم ، فإن الله تبارك وتعالى وعـد الشاكرين بالمزيد ، وتوعّد الكافرين بالعذاب الشديد ، فقال : (
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )

قال الربيعُ بنُ أنس : إن الله ذاكرٌ من ذكره ، وزائدٌ من شكره ، ومعذبٌ من كفره .

الثالث : أن العبد إذاعَمِلَ بشكر الله واتّقاه في هذه الجوارح ، فإن الله يحفظ عليه جوارحه ، وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله ، فوثب يوما وثبة شديدة ، فعوتب في ذلك ، فقال : هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر .

ولا يكفي الاعتراف بالنّعمة فحسب بل لا بدّ من شكر الله عليها ، مهما دقّت وصغُرت .

ثم لا يتصور العبد أن الله أنعم عليه بـهذه النِّعم لكونه أهلاً لها .

قال ابن القيم في قوله تعالى :
( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) قال :

فهو قد اعترف بأن ربَّـه هو الذي آتاه ذلك ، ولكن ظن أنه لكرامته عليه فالآيةُ تتضمن ذم من أضاف النِّعـم إلى نفسه وعِلْمِه وقوَّتِه ، ولم يضفها إلى فضل الله وإحسانه ، وذلك محض الكفر بـها . فإن رأسَ الشكر الاعترافُ بالنعمة ، وأنـها من المنعم وحدَه ، فإذا أضيفت إلى غيره كان جَحْداً لها ، فإذا قال أوتيته على ما عندي من العلم والخُبرة التي حصّلت بـها ذلك ، فقد أضافها إلى نفسه وأُعجب بـها ، كما أضافها إلى قدرته الذين قالوا من أشد منا قوة ؟! فهؤلاء اغتروا بقوّتـهم ، وهذا اغتر بعلمه فما أغنى عن هؤلاء قوتُـهم ، ولا عن هذا علمُه .

[ وتضمنت الآية ] ذمّ من اعتقد أن أنعام الله عليه لكونه أهلا ومستَحِقّـاً لها ، فقد جعل سبب النعمة ما قام به من الصفات التي يستحق بـها على الله أن ينعم عليه ، وأن تلك النعمة جـزاءٌ له على إحسانه وخيره ، فقد جعل سبَبَها ما اتصف به هو لا ما قام بربِّه من الجود والإحسان والفضل والمنة ، ولم يعلم أن ذلك ابتلاء واختبار له أيشكرُ أم يكفر . اهـ .

وأركان النعمة ثلاثة يجمعها قوله عليه الصلاة والسلام :

من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا . رواه الترمذي وابن ماجه .

والشكر العملي أبلغ من الشكر بالقول

فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورّمتْ وتفطّرتْ قدماه ، فيُقال له : قد غفرَ الله لك ما تقدّم من ذنبكَ وما تأخّر ، فيقولُ : أفلا أكونُ عبداً شكورا . متفق عليه .

ولما قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ فقالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فنحن أحقّ وأولى بموسى منكم ، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه . متفق عليه .

هذا هو شأن الأنبياء كلما تجددت لهم نعمة جددوا لله شكراً ، قال سبحانه عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس بين يديه :
( هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )

وقد أمر الله بشكره فقال :
( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )

والشّكر أعم من أن يكون في مقابلة نعمة ظاهرة أو متجددة

ولذا قال الله عز وجل :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ) ؟

ولما ذكر الله تبارك وتعالى كفارة الأيمان قال بعدها :
( ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

فهذه نعمة تستوجب الشكر .

ماذا لو لم يكن للعبد فسحة في يمين عقدها ؟

ماذا لو لم يكن ثمّ كفارة ؟

وليحذر العبد استدراج الله في النِّـعَـم .

فقد روى الإمام أحمد وغيره عن عقبةَ بنِ عامرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتَ اللهَ يعطي العبدَ من الدنيا ما يُحبُّ وهو مقيمٌ على معاصيه فإنما هو استدراج ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) حديث حسن .

ثم ليُعلم أن شُكـر النعم يُقابلُه كفـرانُ النِّعـَم

وقد ضرب الله لنا مثلا بقرية آمنة وادعة مطمئنة فلما غيّرت غُيّر عليها !

( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ )

فتلك قريةٌ كانت آمنةً أكثرَ ما يكون الأمان ، وادعةً هادئة ، والنِّعمُ أوفرُ ما تكون ، فكفرت بأنعم الله فأصابتها سُنّةٌ ربانية لا تتبدّل ولا تتخلّف ، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما صنعوا ، وبما كَسَبَتْ أيديهم .

قال ابن كثيرٍ – رحمه الله – :
( يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا ) أي هنيئا سهلا من كل مكان ، فكفرت بأنعم الله ، أي جحدت آلاءَ الله عليها … كما قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) ولهذا بدلهم الله بحاليهم الأوّلين خلافَهما ، فقال : فأذاقها الله لباس الجوع والخوف أي ألبسها ، وأذاقها الجوع بعد أن كان يُجبى إليهم ثمرات كل شيء ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان .اهـ .

وكفرانُ النِّعم له صورٌ منها :

* أن يعتقد أن الذي أنعـم عليه بتلك النِّعمة فـلان من الناس ، لا أن يَشكُرَه عليها ، ففرق بين شكر الناس وبين نسبة النّعمة إليهـم ، فالأول محمود ، والثاني مذموم .

* أو ينسب النعمـة إلى غير المنعـم الحقيقي ، فينسب النّعمـة إلى غير رب العزّةِ سبحانه . كأن يقول هذا من خير فلان وما شابه ذلك . والخيرُ كلُّه بيدِ الله وحدَه .

* أو لا يقبل تلك النعمة ، بأن يردّها أو يحتقرها ، كما قال الشاعر الملحد - قـبّحه الله – حيث قال : أنا أرفض الإحسان من يدِ خالقي ..

* أو يرى أنه أحقُّ بالنّعمة ممن أُنعِم عليه ، فيتّهمَ ربَّه بعدم الحكمة أو الجَـوْر

* أو يزدري ويحتقر نِعمة الله عليه إذا ما قارنـها بما أنعمَ الله به على غيره ، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّلَ عليه في المال والخَلْق فلينظر إلى من هو أسفلَ منه . متفق عليه .

وفي رواية لمسلم : انظروا إلى من أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فَوقَكُم ، فهو أجدرُ أن لا تزدروا نعمةَ الله عليكم .

* أو يعتقدَ أن إنعامَ الله عليه لكونِهِ أهلا ومستَحِقّـاً لتلك النِّعمة .د

* أو يستعينَ بنِعم الله على معاصيه ، وهذا قبيحٌ لو كان في حقِّ آحـادِ الناس ، فكيف وهو في حقِّ المنعم المتفضِّل سبحانه ومن بيده الخيرُ أجمع ؟

* أو يُسرفْ في مأكله ومشربه وملبسه .

فكلُّ هذا يُنافي شُكرَ النعم . فمن أظلمُ ممن قابل الإحسانَ بالإساءة .

وقد دلّنا وأرشدنا رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم إلى أدبٍ من آداب الإسلام مع الطعام بقوله صلى الله عليه وسلم : إذا وقعت لقمةُ أحدِكم فليأخذْها فَلْيُمِطْ ما كان بها من أذى ، ولْيأكلها ، ولا يَدَعْها للشيطان . رواه الإمام مسلم عن جابر .

فهذا يدلُّ على شكرِ النِّعْمَة .

وكان من هديِه صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه . كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

بل إنه عليه الصلاة والسلام وَجَدَ تمرةً ملقاة في الطريق فقال : لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها . متفق عليه .

قال رجل عند عمر : اللهم أجعلني من القليل . فقال عمر : ما هذا الذي تدعو بـه ؟ فقال : إني سمعت الله يقول :

( َوَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اجعلني لك شكّارا . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .

ومعنى " شكّارا " أي كثير الشُّكر .

واعلم أن الشكر مع الإيمان أمان من عذاب الله ، لقوله تبارك وتعالى :
( مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا )

و النِّعم إذا شُكرت قـرّت ، وإذا كُفِرت فَـرّت .

إذا كنت في نعمة فارْعَها *** فإن المعاصي تُزيلُ النعم
وحُطها بطاعة ربِّ العباد *** فربُّ العبادِ سريعُ النِّقم
وقد أوصى أحدُ الحُكماءِ ابنه ، فقال : يا بُنيّ إذا مَـرَّ بك يومٌ وليلة قد سَلِمَ فيها دينك وجسمك ومالك وعيالك ، فأكثِر الشكرَ لله تعالى ، فكم من مسلوبٍ دينه ، ومنـزوع ملكه ، ومهتوك ستره ، ومقصوم ظهره في ذلك اليوم وأنت في عافية . وقال : اعتبر بما لم تَـرَهُ من الدنيا بما قد رأيتَه ، وبما لم تسمعه بما قد سمعتَه ، وبما لم يصبك بما قد أصابك ، وبما بقي من عُمُرِك بما قد فني ، وبما لم يَبْلَ منك بما قد بَلِي .

فهذه أركانُ النِّعمة ( الأمن في الأوطان - والصحة في الأبدان - وملك قوت يوم ) مَنْ رُزِقَهَا فقد رُزِقَ خيراً كثيراً .

ولا تتم النّعمة إلا بتمام هذه الأركان الثلاثة .

قال ابن القيم – رحمه الله – :

مبنى الدين على قاعدتين : الذكر والشكر .

قال تعالى :
( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : والله إني لأحبك ، فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة : اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .

وليس المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان بل الذكر القلبي واللساني ، وذِكره يتضمن ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه ، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح ، وذلك لا يتم إلا بتوحيده ، فذكره الحقيقي يستلزم ذلك كله ، ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه .

وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب إليه بأنواع محابِّه ظاهرا وباطنا ، وهذان الأمران [ الذِّكر والشكر ] هما جماع الدِّين ؛ فذِكْرُه مستلزم لمعرفته ، وشكره متضمن لطاعته ، وهذان هما الغاية التي خَلَقَ لأجلها الجن والإنس والسماوات والأرض ، ووضَعَ لأجلها الثواب والعقاب ، وأنْزَلَ الكتب ، وأرسل الرسل ، وهى الحق الذي به خلقت السماوات والأرض وما بينهما ، وضدها هو الباطل والعبث الذي يتعالى ويتقدس عنه وهو ظن أعدائه به ... فغاية الخلق والأمر أن يذكر وأن يشكر ، يذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ، وهو سبحانه ذاكر لمن ذكره ، شاكر لمن شكره ، فذكره سبب لذكره ، وشكره سبب لزيادته من فضله ، فالذكر للقلب واللسان والشكر للقلب محبة وإنابة وللسان ثناء وحمد وللجوارح طاعة وخدمة . انتهى كلامه – رحمه الله – .

فإذا تأملت في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ألا يدع في دبر كلِّ صلاة أن يقول : اللهم أعني على ذِكرك وشُكرِك وحسن عبادتك . علمت أنه لا قيام للعبد بـهذه الأشياء - مِن ذكره وشكره وحسن عبادته سبحانه - إلا بإعانته سبحانه عليها ، وهذا يستلزم من العبد ويُحتّم عليه أن يجتهد في سؤال الله هذه المسألة العظيمة ، وأن يجعلها في صلاته .

وقال ابن القيم – رحمه الله – :
فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سببا لزوالها ... فما حرس العبد نعمة الله تعالى عليه بمثل شكرها ، ولا عرّضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله ، وهو كفران النعمة ، وهو باب إلى كفران المنعم ، فالمحسن المتصدق يستخدم جندا وعسكرا يُقاتلون عنه وهو نائم على فراشه . ( بدائع الفوائد 2/467 ) اهـ .

فائدة :

الفرق بين الحمد والشّكر

أما الحمد فهو أعم من الشكر ، وبينهما عموم وخصوص .

فالحمد هو الثناء الجميل من جهة التعظيم من نعمة وغيرها .

وقيل : هو الثناء على المحمود بما هو أهله .

وذكر ابن القيم فروقا بين الحمد والشكر ( بدائع الفوائد 2/467 ) فقال :

الشكر عبارة عما يُكافأ به المنعم من ثناء أو فعل ، وكذلك نقيضه وهو الكفر عبارة عما يقابل به المنعم من جحد وقبح . اهـ .

فالشكر يكون لله ويكون لغيره ، وأما الحمد فلا يكون إلا لله وحده .

قال ابن الملقن رحمه الله : وقد أكثر الناس في الحمد والشكر وأيهما أخصّ ؟

والتحقيق أن بينهما عموم وخصوص من وجه فيجتمعان في ثناءٍ في مقابلة نعمة ، ويوجد الحمد بدون الشكر في ثناء ولا مقابل نعمة .

والشكر بدون الحمد في فعل مقابل لنعمة ، فليس كل حمدٍ شكراً ، ولا كل شكرٍ حـمداً .

نعم متعلّق الحمد وهو المحمود عليه أعمّ من متعلق الشكر ، فكل ما يصحّ الشكر عليه يصح الحمد عليه ، ولا ينعكس . اهـ .

ومِن محامده عليه الصلاة والسلام - إذا قام من الليل يتهجد - :

اللهم لك الحمد أنت قـيّم السماوات والأرض ومن فيهن .

ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن .

ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن .

ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض .

ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق ، والساعة حق .

اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخّرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخِّر ، لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك . رواه البخاري ومسلم .

ومن دعائه عليه الصلاة والسلام :
رب اعني ولا تُعن عليّ ، وانصرني ولا تنصر عليّ ، وامكر لي ولا تمكر عليّ ، واهدني ويسر الهدي لي ، وانصرني على من بغى عليّ ، رب اجعلني لك شكّـارا ، لك ذكّـارا ، لك رهّابا ، لك مطواعا ، إليك مخبتا ، لك أوّاها منيبا ، رب تقبل دعوتي ، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبت حجتي ، واهد قلبي ، وسدد لساني ، واسلل سخيمة قلبي . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 07:44 PM
المشاركة 57

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
اخلع ثوبك !

قال أبو إسرائيل :
لا زلت أذكر موقف أبي عبد الرحمن العراقي وهيئة جلسته وهو يشدّ خيط حذائه وقد الْتَفَتَ إلى بعض إخوانه مبتسماً ابتسامة الواثق وهو يقول :
أنا ألبس حذائي وأشدّه ، وأنتم سوف تخلعونه إن شاء الله
وكان ذلك في جلال أباد
وأحسب أنه صدق الله فصَدَقَه الله
ووفّى لله فوفّاه الله وآواه – أحسبه كذلك – انتهى .

فهل تذكرت كم مرة في اليوم خلعت ثيابك لتستبدلها بغيرها ؟
وهل تذكرتِ ذلك أنتِ أيضا ؟

كم مرة لبسنا أحذيتنا ثم خلعناها ؟
وكم مرة نلبسها ونخلعها في اليوم والليلة ؟

ولكن هل دار في خواطرنا أو خطر ببال أحد مِنّـا أنه ربما لبس هذا الثوب فلم يخلعه بل خُلع عنه ؟

أو أنه لبس هذا الحذاء فكانت هذه هي اللبسة الأخيرة ؟

وهل تذكرنا جميعا فضل الله علينا ونعمته التي أنعم بها علينا قديما وحديثا صغاراً وكِباراً يوم مكّننا من لبس ثيابنا وأحذيتنا دون مُساعِد ؟

حدّثني رجل وقع له حادث سير شنيع بقي حبيس سرير المستشفى ستة أشهر بلا حِراك ، فقال : بعد ستة أشهر استطعت أن ألبس حذائي دون مساعدة من أحد
وبشّرت أول زائر بأنني تمكّنت من لبس حذائي بنفسي !

فقلت : يا رب عفوك
أليست هذه وحدها نعمة تستوجب الشكر ؟
يا رب عفوك لا تأخذ بزلّتنا = واغفر أيا رب ذنباً قد جنيناه
ونحن في اليوم والليلة نلبس أحذيتنا دون الحاجة إلى مُعين
ونحن نرتدي ثيابنا دون مُساعدة من أحد

لمن المِـنّـة في ذلك كلّه ؟
للمنعم المتفضّل

ومع هذا يُبارز بالعصيان
ويُقابَل بالجحود

إن كثرة المساس تُذهب الإحساس ، كما يُقال
فالشمس تطلع في صبيحة كل يوم ، وتغرب مساء كل يوم
فما الجديد في ذلك ؟!
لا جديد !
ولكن هذا الفُلك الدائر ، وهذا الكون العامر يسير وفق نظام رباني بديع دقيق
ولكن مع تعاقب الليل والنهار لا تتحرّك مشاعر الإنسان ولا يتفكّر في قدرة الواحد الديّان
ولكن في يوم من الأيام سوف يختلف هذا النظام بما يبهر الأنام

قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر حين غربت الشمس : تدري أين تذهب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، يُقال لها : ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) رواه البخاري .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون ، فذلك حين ( لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) رواه البخاري ومسلم .

وقال : ثلاث إذا خرجن ( لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض . رواه مسلم .

هكذا عندما يتغيّر ما اعتاده الناس
وعندما يختلف هذا النظام الذي ألِفوه

وهكذا في كل ما ألِفته نفوسنا وتعوّدت عليه لا يُحرّك فيها ساكنا ، ولا يُغيّر فيها شيئا .

ولقد كان سلف هذه الأمة يتذكّرون الآخرة وهول المطلع في كثير من المواقف في حياتهم

فإن مرّوا بنار تذكروا نار الآخرة
وأن جلسوا في ظلمة تذكّروا ظلمة القبر

وهكذا تتحرّك قلوبهم مع المشاهد اليومية التي قد تكون لدينا مشاهد مألوفة .

فهل نعتبر ونتذكّر ؟

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 07:49 PM
المشاركة 58

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
قولوا لأبي عبد الله وجدنا ما وعدت حقـا

قال إمام أهل السنة أبو عبد الله الإمام أحمد بن حنبل : قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز .

قال الإمام الحافظ أبن كثير رحمه الله :
وقال الدارقطني : سمعت أبا سهل بن زياد سمعت عبد الله بن أحمد يقول : سمعت أبي يقول : قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز حين تمرّ . وقد صدّق الله قول أحمد في هذا ، فإنه كان إمام السنة في زمانه ، وعيون مخالفيه أحمد بن أبي داؤد وهو قاضي قضاة الدنيا لم يحتفل أحد بموته ولم يلتفت إليه ، ولما مات ما شيعه إلا قليل من أعوان السلطان ، وكذلك الحارث بن أسد المحاسبي مع زهده وورعه وتنقيره ومحاسبته نفسه في خطراته وحركاته لم يُصلّ عليه إلا ثلاثة أو أربعة من الناس ، وكذلك بشر بن غياث المريسي لم يصل عليه إلا طائفة يسيرة جدا ، فلله الأمر من قبل ومن بعد . اهـ .

وفي تاريخ دمشق أن الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بعث عشرين رجلا فحزروا كم صلى على أحمد بن حنبل ، فحزروا فبلغ ألف ألف وثمانين ألفا ، سوى من كان في السفن في الماء .

وقال ابن كثير أيضا :
ولا شك أن جنازة أحمد بن حنبل كانت هائلة عظيمة بسبب كثرة أهل بلده واجتماعهم لذلك وتعظيمهم له ، وأن الدولة كانت تحبّه ، والشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله توفي ببلدة دمشق وأهلها لا يعشرون أهل بغداد حينئذ كثرة ، ولكنهم اجتمعوا لجنازته اجتماعا لو جمعهم سلطان قاهر وديوان حاصر لما بلغوا هذه الكثرة التي اجتمعوها في جنازته وانتهوا إليها ، هذا مع أن الرجل مات بالقلعة محبوسا من جهة السلطان ، وكثير من الفقهاء والفقراء يذكرون عنه للناس أشياء كثيرة مما ينفر منها طباع أهل الأديان فضلا عن أهل الإسلام وهذه كانت جنازته . اهـ .

ولا شك أن جنائز أهل العِلم لـتُوحي بقدرهم في نفوس الناس .
وتُشعر بقدر ما حملوه وما بذلوه .
يتجمّع الناس وتزدحم الجموع غير رغبة في دنيا ولا رهبة من سلطان .
يودّعون علما غزيراً وتواضعا جـمّـاً بل ويدفنون رجلاً طالما أحبّـته القلوب .

ولقد قضى الله وقدّر وأنـزل قدره المحتوم بالعالم الجليل والشيخ المجاهد الشيخ العلاّمة عبد الرحمن آل فريان رحمه الله في هذا اليوم الخميس السابع من شهر رجب من عام 1424 من الهجرة النبوية .

وفي هذا اليوم وصلني الخبر المؤلم وعلِمت بالخطْب الجلل
فذهبت للصلاة على الشيخ رحمه الله ووصلت مع أذان العصر ، وإذا أفواج المصلين تؤمّ المسجد الجامع
بل قد ازدحم المدخل المؤدي للجامع قبل أن أصِل إليه
توافد الناس وفاء للشيخ رحمه الله
وما أن وصلت المسجد الجامع حتى فوجئت بازدحامه حتى لم أجد لي مكاناً سوى في مؤخرة الجامع بل عند الباب ، ولو تأخرت لحظة واحدة لم أجد لي مكاناً
وتدافع الناس ووقفوا فأطالوا الوقوف
لا يجد الواحد منهم مكانا يُصلي فيه رغم اتّساع الجامع
ثم أُقيمت الصلاة وتدافعت جموع المصلين داخل المسجد حتى قيل لهم : ارجعوا لا مكان لكم
فرجعوا
وصلى الناس خارج المسجد وفي الطرقات ، وفي الظل والشمس
ولما وقفنا لصلاة الجنازة سُمع النشيج من خارج المسجد

عندها تذكرت مقولة الإمام أحمد رحمه الله : قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز .

وخَطَرَ ببالي قول معاوية لابنه – وقد رأى ابن عمر رضي الله عنهما يُسأل عن مسائل مِن العِلم ويلتف الناس حوله - : هذا والله الشرف .

وتبادر إلى ذهني قول أم ولد لهارون الرشيد وقد انجفل الناس إلى ابن المبارك عند قدوم هارون الرشيد الرَّقة فتقطّعت النعال وارتفعت الغَبَرَة ، فلما رأتِ الناس قالت : ما هذا ؟ قالوا : عالمٌ من أهل خراسان قدم الرَّقة يُقال له عبدُ الله بنُ المبارك ، فقالت : هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان .

هذا يا إخوتي المُلك وهذا يا أحبتي الشرف
ولكن ما أزهد الناس في هذا الشرف وأرغَبهم عن هذا المُلك

فنسأل الله أن يرحم الشيخ برحمته الواسعة وأن يُسكنه فسيح جناته
وأن يجزيه عنّا خير ما جزى عالماً على علمه
لقد قضى الشيخ عمره في العلم والتعليم ، والدعوة إلى الله في القرى والهجر والمناطق النائية
بل لقد أجرى الله على يديه الخير في تأسيس الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم
وها هي اليوم يتزايد عدد طلابها على مائة ألف
وعُرف الشيخ رحمه الله بالقوة في الحق فلا تأخذه في الله لومة لائم

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 07:51 PM
المشاركة 59

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
أمَـا آن لهذه أن تُـعتَـق ؟!

تهتف به : أرجوك أعتقني
لا تقتلني
لا تستأصلني

لم يلتفت إلى ندائها ولا إلى استغاثاتها

تستجديه :

لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم = أُذنِب وإن كثرت فيَّ الأقاويل !

ثم تصرخ به : يا هذا ! أنا وصية نبيِّـك
أما آن لك أن تُكرمني ؟

أكرمني طاعة لنبيِّـك عليه الصلاة والسلام
أعفِني كما أعفاني نبيّـك صلى الله عليه وسلم

ارفع عني يد العذاب
وسيف الاستئصال

أنا زينتك
أنا وقارك
أنا سِـرّ تميّـزّك

استيقظ على صوت ضميره

وتردد في صداه قول نبيِّـه عليه الصلاة والسلام :
خالفوا المشركين ، وفروا اللحى ، وأحفوا الشوارب . رواه البخاري ومسلم .
وأمره عليه الصلاة والسلام :
خالفوا المشركين ، أحفوا الشوارب ، وأوفوا اللحى . رواه مسلم .

وتأكيده عليه الصلاة والسلام :
جزوا الشوارب ، وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس . رواه مسلم .

وتذكر قوله عليه الصلاة والسلام :
أعفوا اللحى ، وحفوا الشوارب . رواه الإمام أحمد .

فعفا عنها ورفع عنها يد العذاب وسيف الاستئصال

أعفاها ووفرها طاعة لنبيِّـه صلى الله عليه وسلم
واقتداء به عليه الصلاة والسلام
ومخالفة لأعدائه من المجوس وسائر المشركين

أفما آن لك أن تُعتقها – إن لم تكن أعتقتها - ؟

إنها زين لك ووقار

طول اللحى زين القضاة وفخرهم = وتميز عن غلمة سفهاء
لو كان في قصر بها فخر لها = لم يُرو فيها سنة الإعفـاء
يا هذا ..

أما علمت أنها مِن سُنن الأنبياء ؟
ألم يقل هارون لموسى
( يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي ) ؟

فيا عجبا في زاهد في هدي الأنبياء ! مُعرِضاً عن طاعة خاتم الأنبياء !


تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 21-12-2009, 07:56 PM
المشاركة 60

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأحاديث النبوية الشريفة( كل يوم حديث) إن شاء الله تعبت أسافر ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 170 27-06-2009 01:39 PM
عقيدة اهل السنة والجماعة N.S.A ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 16 12-10-2008 11:01 PM
نبذة يسيرة عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...ارجو التثبيت.. الزهراني ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 7 27-07-2008 02:15 AM
°•¤[ ســنــن مــنــســيــة ]¤•° .. ×عاشقة نفسها× ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 16 07-05-2008 03:56 PM
صفات الرسول صلى الله عليه وسلم fai9al ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 17 22-11-2007 03:19 PM

Bookmark and Share



الساعة الآن 09:11 AM.