قديم 10-03-2016, 05:40 PM
المشاركة 18
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
يــا الله
يــا الله :
يــا الله ﴿ يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ﴾ : إذا اضطرب البحر ، وهاج الموج ، وهبت الريح ، نادى أصحاب السفينة : يا الله. إذا ضل الحادي في الصحراء ومال الركب عن الطريق ، وحارت القافلة في السير ، نادوا : يا الله. إذا وقعت المصيبة ، وحلت النكبة وجثمت الكارثة ، نادى المصاب المنكوب : يا الله. إذا أوصدت الأبواب أمام الطالبين ، وأسدلت الستور في وجوه السائلين ، صاحوا : يا الله .
إذا بارت الحيل :
إذا بارت الحيل وضاقت السبل وانتهت الآمال وتقطعت الحبال ، نادوا : يا الله. إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت ، فاهتف: يا الله. إليه يصعد الكلم الطيب ، والدعاء الخالص ، والهاتف الصادق ، والدمع البريء ، والتفجع الواله . إليه تمد الأكف في الأسحار ، والأيادي في الحاجات ، والأعين في الملمات ، والأسئلة في الحوادث.
باسمه تشدو الألسن :
باسمه تشدو الألسن وتستغيث وتلهج وتنادي،وبذكره تطمئن القلوب وتسكن الأرواح ، وتهدأ المشاعر وتبرد الأعصاب ، ويثوب الرشد ، ويستقر اليقين، ﴿ الله لطيف بعباده ﴾ الله : أحسن الأسماء وأجمل الحروف ، وأصدق العبارات ، وأثمن الكلمات، ﴿ هل تعلم له سميا ﴾ ؟! . الله : فإذا الغنى والبقاء ، والقوة والنصرة ، والعز والقدرة والحكمة ، ﴿ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ﴾ . الله : فإذا اللطف والعناية ، والغوث والمدد ، والود والإحسان ، ﴿ وما بكم من نعمة فمن الله ﴾ .
من وطن قلبه عند ربه :
من وطن قلبه عند ربه سكن واستراح، ومن أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق‏.‏ لا تدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا إلا كما يدخل الجمل في سم الإبرة‏.‏ إذا أحب الله عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه لمحبته واستخلصه لعبادته فشغل همته بخدمته‏.‏
قال إبراهيم الجنيد رحمه الله :
" كان يقال من علامة المحب لله دوام الذكر بالقلب واللسان، وقلما ولع المرء بذكر الله إلا أفاد منه حب الله. "
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - :
من أعجب الأشياء أن تعرف ربك ثم لا تحبه وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الاجابة وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعمل غيره وان تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته .
قال رجل لطاوس:
أوصني قال أوصيك أن تحب الله حبًا حتى لا يكون شيء أحب إليك منه، وخفه خوفًا حتى لا يكون شيء أخوف إليك منه، وارج الله رجاء يحول بينك وبين ذلك الخوف وارض للناس ما ترضى لنفسك.
قَـال ابن القَيم رَحمهُ الله:
مَن دعَا إلـى مـَحَـبّـة الله أَحـَـبَّـه الله.
قال فتح الموصلى:
«المحب لا يجد مع حب الله عز وجل للدنيا لذة ولا يغفل عن ذكر الله طرفة».
محبة الله عز وجل هي حياة القلوب، وغذاء الأرواح، وليس للقلب لذة ولا فلاح ولا حياة إلا بها، وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذن إذا فقدت سمعها، بل فساد القلب إذا خلا من محبة فاطره وبارئه وإلهه الحق أعظم من فساد البدن إذا خلا من الروح، وهذا الأمر لا يصدق به إلا من فيه حياة.

قديم 10-03-2016, 05:40 PM
المشاركة 19
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
الرجاء وإحسان الظن بالله :
قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه : والذي لا إله غيره ما أعطي عبد شيئا خير من حسن الظن بالله، والذي لا إله غيره ما يحسن عبد الظن بالله إلا أعطاه الله ظنه ذلك، فإن الخير في يده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/94].
الرجاء وإحسان الظن بالله :
مرض أعرابي، فقيل له: إنك تموت، قال: إلى أين يُذهب بي؟ قال: إلى الله، قال: فما كراهتي أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه؟.
[موسوعة ابن أبي الدنيا 5/309].
الرجاء وإحسان الظن بالله :
عن مجاهد رحمه الله قال: يؤمر بالعبد إلى النار يوم القيامة فيقول: ما كان هذا ظني! فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تغفر لي، فيقول: خلوا سبيله.
[الحلية (تهذيبه) 2 / 12].
الرجاء وإحسان الظن بالله :
قال عمرو بن ميمون رحمه الله: ما يسرني أن أمري يوم القيامة إلى أبوي (لعلمه رحمه الله أن الله تبارك وتعالى أرحم وألطف وأبر وأكرم به من والديه).
[الحلية (تهذيبه) 2 / 72].
الرجاء وإحسان الظن بالله :
قال سهيل القطعي قال: رأيت مالك بن دينار رحمه الله في منامي فقلت: يا أبا يحيى بماذا قدمت به على الله - عزَّ وجلَّ ؟ فقال: قدمت بذنوب كثيرة محاها عني حسن الظن بالله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/51].
الرجاء وإحسان الظن بالله :
عن عبد الله بن المبارك قال: كنت آتي سفيان الثوري رحمه الله عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فبكيت، فالتفت إلي فقال: ما شأنك؟ فقلت: من أسوء أهل الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم.
[موسوعة ابن أبي الدنيا 1/89، 90].

قديم 10-03-2016, 05:40 PM
المشاركة 20
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
محبة العبد لله ومحبة الله للعبد وأسباب ذلك :
عن عامر بن عبد قيس رحمه الله قال : أحببت الله - عزَّ وجلَّ - حبًا سهل عليَّ كل مصيبة، ورضاني في كل قضية، فما أبالي مع حبي إياه، ما أصبحت عليه. [الحلية (تهذيبه) 1 / 302].
محبة العبد لله ومحبة الله للعبد وأسباب ذلك :
قال مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله: إن أحب عباد الله إلى الله الشكور الصابر الذي إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر. [الزهد للإمام أحمد / 413].
محبة العبد لله ومحبة الله للعبد وأسباب ذلك :
عن أبي يزيد البسْطامي رحمه الله قال: هذا فرحي بك وأنا أخافك، فكيف فرحي بك إذا أمِنتُكَ؟ ليس العَجَبُ من حبي لك، وأنا عبدٌ فقير، إنما العَجَبُ من حُبّك لي، وأنت مِلكٌ قدير. [السير(تهذيبه)].
قال الربيع ابن أنس:
علامة حب الله كثرة ذكره والشوق إلى لقائه فمن أحب شيئاً أكثرمن ذكره وأحب لقائه .
الأسباب الجالبة للمحبة الموجبة لها :
التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل بعد الفرائض كما قال تعالى في الحديث القدسي: «وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» [البخاري].

قديم 10-03-2016, 05:41 PM
المشاركة 21
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
كيف تزيد رصيدك؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر الميامين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففما لا شك فيه أن الإنسان مهما تعمر في هذه الدنيا من السنين فإنه سيأتي يوم يفارق في هذه الحياة الدنيا، ويستقبل الآخرة: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} سورة الرحمن (26) (27).
ومن المعلوم أن أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم قصيرة جداً بالنسبة لأعمار بقية الأمم، فغالب أعمار هذه الأمة ما بين ستين سنة إلى سبعين؛ كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين وأقلهم من يجوز ذلك)1. هذا هو الغالب ونادر من يزيد عن ذلك أو ينقص عنه.
وبما أن أعمار هذه الأمة قصيرة فإن من كرم الله وفضله وجوده وإحسانه على هذه الأمة ونبيها أن جعل لهم مواسم فاضلة إذا استغلوها في طاعة الله؛ فإن الله يأجرهم على العمل القليل الأجر الكثير، وكذلك جعل الله لهم أعمالاً إذا فعلوها بارك الله لهم في عمرهم، وضاعف الحسنات، فمن هذه الأعمال: شهر رمضان، فالأعمال الصالحة فيه مضاعفة، وهي أعظم ما تكون في العشر الأواخر، وخاصة من وفقه الله لقيام ليلة القدر، فمن وفق لها فقد حاز على خيري الدنيا والآخرة: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} سورة القدر(3). قال العلماء: أن من وفق لهذه الليلة فكأنما عبد الله في ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، هذا في السنة الواحدة، فكيف لو وفق لذلك أكثر من سنة، بل كيف لو وفق لذلك في كل سنة -نسأل الله أن يوفقنا لليلة القدر-.. هذا مثال واحد على أن هناك مواسم يضاعف الله فيها لهذه الأمة ثواب أعمالها.
كما أن هناك أعمالاً صالحة تزيد في عمر الإنسان، فمن ذلك صلة الرحم لما جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي -صلى الله عليه - قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه)، وفي الحديث الصحيح: (صلة الرحم تزيد العمر).
ومن الأعمال الصالحة التي جعل الله لها أجوراً عظيمة: الصلاة في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى؛ فقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام). وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)2.
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن أن لا يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا أو قال خير من الدنيا وما فيها)3. قال ابن القيم رحمه الله: "وقد روي في بيت المقدس التفضيل بخمسمائة وهو أشبه"4..
ومن الأعمال التي يزيد الإنسان بها رصيده من الحسنات: المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد فإن لها أجراً كبيراً؛ لما جاء في الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ -المنفرد- بسبع وعشرين درجة).
ومنها كذلك: أداء النافلة في البيت؛ فإن ذلك من السنة، وأفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة؛ وقد جاء في الحديث الصحيح: (صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا وعشرين)5.
وكذلك: حضور الجمعة والتحلي بآدابها؛ ففي الحديث الصحيح: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها)6، ففضل الله عظيم على عباده، فلو مشيت ألف خطوة كأنك عشت ألف سنة تصوم النهار، وتقوم الليل، هذا في جمعة واحدة فما بالك لو حافظت على ذلك عشر سنين، وكيف لو حافظت على ذلك حياتك؟!.
إنها أجور عظيمة، ومنح ربانية، فينبغي للمسلم أن يستغلها، وأن يحرص عليها، وأن يكون مسابقاً إليها.. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وحسنه الألباني.
2 رواه ابن ماجه، وقال الألباني: "صحيح"؛ كما في صحيح ابن ماجه، رقم(1155).
3 رواه الحاكم في المستدرك، وقال: "وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وصححه الذهبي تلخيص الحبير.
4 المنار المنيف(93).
5 قال الألباني: "صحيح"؛ كما في صحيح الجامع، رقم(3821).
6 رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: "صحيح"؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(333).

قديم 10-03-2016, 05:41 PM
المشاركة 22
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
أذكار وأدعية ورد فيها أجور عظيمة
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على إمام الموحِّدين وقائد المجاهدين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين، وبعد؛
فيا إخواني المسلمين، إنَّ عضلة اللسان هي مِن أقوى عضلات الجسم، وهذه العضلة قد تكون سببًا في أن نكون من أهل الجنة في عليِّين؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبِّئكُم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخير لكم مِن أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟) قالوا: بلى، قال: (ذكر الله تعالى)، قال معاذ بن جبل: "ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله"؛ رواه الترمذي وصحّحه الألباني.
وقد تكون عضلة اللسان سببًا في أن نكون من أهل النار - نسأل الله العافية - فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم)؛ رواه الترمذي بسند صحيح.
فيجب علينا أن نستخدم هذه العضلة لتكون سببًا في أن يَرضى الله عنا ويَرحمنا ويُدخلنا الجنة، كما أنه يجب علينا أن نحذَر مِن أن تكون هذه العضلة سببًا لسخط الله علينا وإدخالنا النار.
وطمعًا في رضا الله ورحمته نبيِّن هذه المجموعة من الأذكار والأدعية التي ورَد فيها أجور عظيمة، ونسأل الله تعالى أن يَرضى عنا وعن جميع مَن يقرأ هذه الأذكار والأدعية:
أولاً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)؛ رواه البخاري.
ثانيًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مَن سبَّح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لهُ الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير - غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحْر)؛ رواه مسلم.
ثالثًا:
مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هريرة رضي الله عنه وهو يغرس غرسًا فقال:
(يا أبا هريرة، ما الذي تَغرسُ؟) قلتُ: غراسًا لي، قال:
(ألا أدلُّك على غراس خير لك من هذا؟) قال: بلى يا رسول الله، قال:
(قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يُغرَس لك بكل واحدة شجرة في الجنة)؛ رواه ابن ماجه وصحَّحه الألباني.
رابعًا:
عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خرَج من عندها بكرةً حين صلَّى الصبح، وهي في مسجدها، ثمَّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال:
(ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟) قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد قلتُ بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وُزنَتْ بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهنَّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقِه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)؛ رواه مسلم.
خامسًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(كلمتان خفيفَتان على اللسان، ثقيلَتان في الميزان، حبيبَتان إلى الرحمن: سُبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)؛ متفق عليه.
سادسًا:
عن أبي ذرٍّ الغفاريِّ رضي الله عنه قال: كنتُ أمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أبا ذرٍّ، ألا أدلُّك على كنز من كنوز الجنة؟) قلت: بلى يا رسول الله، فقال: (لا حول ولا قوة إلا بالله)؛ رواه ابن حبان في صحيحه.
سابعًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
(مَن قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة - كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيَت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثَرَ مِن ذلك)؛ متفق عليه.
ثامنًا:
عن عمرو بن ميمون رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير - عشر مرات - كان كمَن أعتق أربعة أنفُسٍ مِن ولد إسماعيل)؛ رواه مسلم.
تاسعًا:
عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(سيِّد الاستغفار أن تقول: (اللهمَّ أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتَني وأنا عبدُك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: ومَن قالها من النهار موقنًا بها، فمات من يومه قبل أن يُمسي فهو مِن أهل الجنَّة، ومَن قالها من الليل وهو مُوقن بها، فماتَ قبْل أن يُصبح، فهو مِن أهل الجنَّة)؛ رواه البخاري.
عاشرًا:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن تعارَّ مِن الليل[*] فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهمَّ اغفر لي، أو دعا، استُجيب له، فإنْ توضَّأ وصلى قُبلت صلاته)؛ رواه البخاري.
إخواني المسلمين،
فلنعمَل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا يَزال لسانُك رطبًا من ذكر الله).
اللهمَّ أعنَّا على ذِكرك وشُكرِك وحُسْن عبادتك، اللهمَّ حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا مِن الراشدين.
[*] تعار من الليل: أي استيقظ من نومه في الليل.

قديم 10-03-2016, 05:42 PM
المشاركة 23
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
التفكر والتدبر في مخلوقات الله
الخطبة الأولى
الحمد لله أمر بالتفكر والاعتبار، يقلب الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد القهار، وأشهد أنْ محمداً عبدُه ورسوله، المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، وتفكروا في آياته ومخلوقاته لتدلكم على وحدانيته ووجوب عبادته قال الله سبحانه وتعالى: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ*وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ*وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، في الأرض آيات أي: دلالات واضحة على قدرة الله سبحانه وتعالى، فإن الله جلَّ وعلا مدَّ الأرض وفرشها ومهدها وأوسعها لعباده يتقلبون فيها لمصالحهم ومعايشهم ويعبدون ربهم، ثم إذا ماتوا يودعون فيها إلى الأجل الذي قدره الله لهم ثم يخرجون منها: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)، وما في الأرض من الجبال الشامخة والبحار والأنهار والأشجار وما فيها من النباتات المختلفة: (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ)، وما فيها من المخلوقات المبثوثة مخلوقات المختلفة من الآدميين والبهائم وما دون ذلك من ما دب ودرج على وجه الأرض، وكل قد تكفل الله برزقه: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا)، في هذه الأرض من العبر والعظات ما لا يحيط به واصف، ولا يحصيه قلم حاسب، ولكن حسب الإنسان أن ينظر فيما يدركه منها ويعتبر به نظر اعتبار في أن الله ما خلقها عبثا سبحانه وتعالى وإنما خلقها لأمر عظيم، سخرها لعباده، وسخر ما فيها لعباده بني آدم لأجل أن يستعينوا بها على طاعته سبحانه وعبادته، فالواجب على المسلم أن يتفكر في هذه المخلوقات وينظر فيها نظر اعتبار لا نظر نزهة كما يحصل من بعض الناس أو كثير من الناس ينزهون فيها ينزهوا أبصارهم ونفوسهم ويتسلون ولكنهم لا يعتبرون بما وراء ذلك، ولماذا خلقت؟ لا يعتبرون بذلك، ليس لهم حظ منها إلا النزهة وسرور النفس وما أشبه ذلك مما لا يجدي شيئاً، كذلك مما في الأرض آثار السابقين الذي مضوا من قبلنا وعمروها أكثر مما عمرنها وساروا فيها وبنو فيها مساكنهم وديارهم، ثم هلكوا وبقية آثارهم تدل عليهم ليعتبر من جاء بعدهم بهذه الآثار حتى يعبد ربه على بصيرة، وحتى لا يعمل مثل ما عمل الكفرة من الأمم السابقة الذين حل بهم الدمار وبقية ديارهم شاهدةً عليهم (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا) (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً) (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ*أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، يفتخرون الآن بالآثار القديمة وأنها تدل على عظمة من بناها ويعجبون بمن بناها دون أن ينظروا في حالهم وما حل بهم لما عصوا الله سبحانه وتعالى، فهذه الآثار عبرة أبقاها الله عبرة لنعتبر بها لا لنغتر بها و نفتخر بها أو ننزهه أنفسنا وأبصارنا برؤيتها ولهذا لما مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بديار ثمود في طريقه إلى تبوك في غزوة تبوك قال لأصحابه: "لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ" لأن بيوتهم شارعه في الجبال منحوتة "إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ"، فالمسلم يعتبر بذلكولا يعتبر هذه الآثار مفخرة للسابقين تدل على حضارتهم وعلى رقيهم وعلى وعلى... لا هذه أبقاها الله لنا عبرة ودرساً نستفيد منه لئلا يصيبنا ما أصابهم فنهلك مثلهم (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)، ثم قال (وَفِي أَنفُسِكُمْ) أقرب شيء إليك نفسك قد لا تذهب في الأرض قد لا تسافر، أنظر إلى نفسك يا أخي؟ ماذا فيها من عجائب الصنعة ودلائل القدرة الربانية؟ هذا الجسم المبني في أحسن تقويم جسمك (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، أنظر إلى جسمك وما فيه من الأعضاء الدقيقة والغليظة، وما فيه من العروق والمفاصل، وما فيه من الحواس، وما فيه من السمعِ والبصرِ والعقل، في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلا كما في الحديث، لأجل مصلحة هذا الجسم ليقوم ويقعد ويتحرك ويعمل في هذه المفاصل منها المفاصل الكبيرة والدقيقة والتي لا ترى إلا بالمناظير، واسألوا علماء التشريح عن جسم الإنسان وما فيه من العجائب وما لم يدركوه أكثر (وَفِي أَنفُسِكُمْ) في أنفسكم آيات (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) لا تبصرون في أنفسكم، ثم هذه الروح التي تحل في هذا الجسم يتحرك ويمشي ويأكل ويشرب، ثم تسل منه هذه الروح ويبقى جثة هامدة لا حراك فيها هذا من أكبر العبر والعظات لمن يتعظ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) فليتدبر الإنسان في نفسه أقرب شيء ويتدبر في مخلوقات الله المبثوثة يقول الشاعر:
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ
يا سبحان الله لا نعتبر ولا نتعظ يعني مثل البهائم سوا بهائم تأكل وتشرب وتعرف مصالحها ونحن مثلها لا نعتبر البهائم ليس لها حساب ليس لها بعث إلا أنها تبعث لأجل القصاص بينها ثم يقال لها كوني تراباً فهي ليس لها آخرة ولا جنة ولا نار لكنها خلقت لمصالح العباد، أما نحن فخلقنا لما وراء الدنيا خلقنا للآخرة أمامنا الآخرة، وما فيها من الحساب، وما فيها من النعيم والعذاب، وما فيها من الأهوال، فهل نتدبر؟ هل نتفكر في أحوالنا؟ (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ*وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) لما ذكر ما في الأرض ذكر ما في السماء (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ) من المطر الذي ينزل من عند الله سبحانه وتعالى وتدبيره وأمره سبحانه وتعالى، (وَمَا تُوعَدُونَ) وهو الجنة، الجنة في السماء (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ) أي: المطر(وَمَا تُوعَدُونَ) وهو الجنة، فلنتذكر هذه الأمور ولا نعيش في هذه الدنيا عيشة البهائم التي لا هم لها إلا ملؤوا بطونها وهي غير ملومة ليس لها آخره ليس لها حساب تعذب وتنعم لا تبعث إلا بقدر ما يقتص لبعضها من بعض (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) ثم يقول الله لها كوني تراباً فتكون تراباً.
فاتقوا الله، عباد الله، وفكروا في أنفسكم، فكروا فيما حولكم (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً) (فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)،إن في إحياء الأرض بعد موتها بالجذب في أحياءها بالمطر إذا نزل وأنبتت دليل، إن في ذلك دليلا على البعث فالذي أحي الأرض بعد موتها يحيينا بعد موتنا إذا شاء سبحانه وتعالى (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)، فعلينا أن نتدبر وأن نتفكر لا ننشغل ذلك بملذات الدنيا شهواتها لا ننشغل بذلك بالأخبار والأباطيل التي يروجها الأعداء في وسائل الإعلام تشغلنا ليلا ونهارا، علينا أن نتدبر لأنفسنا، ونعتبر في مصيرنا، ولنتأمل فيما أمامنا قال صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى"، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ*وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكرِ الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، وكما يجب علينا أن نتفكر في آيات الله الكونية، فكذلك يجب علينا أن نتفكر في آياته القرآنية، يجب علينا أن نتدبر القرآن وأن نتفكر بما فيه من المعاني والمقاصد الإلهية والأوامر والنواهي، فإن القرآن أعظم حجة لله جلَّ وعلا على عباده ما أنزل من أجل أن نتغنى به فقط أو نحسن أصواتنا بتلاوته ونلذذ أسماعنا ونلذذ الآخرين بالتلاوة، إنما أنزل لتتدبر والعمل بما فيه وهو حجة لنا إذا عملنا به، أو حجة علينا إذا أهملناه ولم نلتفت إليه.
فاتقوا الله، عباد الله، تدبروا آياته القرآنية كما أنكم تتفكرون في آياته الكونية أمامكم نوعان من الآيات: آيات كونية في خلق السموات والأرض، وآيات قرآنية وهي الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فليكن لنا مع هذه الآيات يكن لنا منها انتفاع وتبصر ونعمل بها ونستقيم على طاعة الله سبحانه وتعالى هذا هو المقصود من خلق الإنسان (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، فالله ما خلقنا من أجل أن يتقوى بنا، أو من أجل أن ننفعه، أو نرزقه سبحانه: (هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) فهو الرزاق سبحانه الذي يرزق عباده، يرزق كل مخلوق من الأحياء يرزق الإنسان، يرزق الحيوان، يرزق الحشرات، يرزق كل ما على وجه الأرض، قائم بأرزاقها سبحانه وتعالى كلها، فهو لم يخلقنا من أجل أن نجلب له نفعا أو ندفع عنه ضررا لأنه هو (الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)، وإنما خلقنا لمصلحتنا نحن لنعبده وعبادته نفعه لنا أما الله جل وعلا لا ينتفع بعبادتنا ولا يتضرر بمعصيتنا، وإنما نفع العبادة وضرر المعصية يرجعان إلينا نحن.
فلنتقي الله يا عباد الله ، نتبصر لأنفسنا ولا نغفل مع الغافلين، المغفلات اليوم كثيرة والملهيات اليوم كثيرة، والشواغل كثيرة وقلّ من ينظر إلى الآخرة، قلّ من يتفكر، قلّ من يتبصر في مصيره ومرجعه ويستعد لذلك إلا من رحم الله.
فاتقوا الله، عباد الله،واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين عامة يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ أدفع شر الفتن، اللَّهُمَّ قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت(أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً)، على الله توكلنا (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، ونجينا برحمتك من القوم الكافرين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا وأصلح سلطاننا، وولي علينا خيارنا، وكفنا شر شرارنا يا رب العالمين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، عاجلاً غير آجل، اللَّهُمَّ أغثنا غيثا مباركاً هنيئاً مريئاً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أسقنا وأغثنا، اللَّهُمَّ أسقي عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله،(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروا نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ صالح الفوزان

قديم 10-03-2016, 05:42 PM
المشاركة 24
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
مظاهر الأدب مع الله
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، منزلة الأدب من أعظم المنازل والمقامات، وأعظمها شأننا وأكبرها قدرا، إذ هي جامعة لخصال الخير من كل قول وفعل حسن، وأعظم الأدب وأجله، الأدب مع ربنا جل وعلا، وكل أدب دونه فالأمر يسير، وإذا خلى العبد من التأدب مع الله لم يكن له أدب صحيح نافع في أي مجال من المجالات، فالأدب مع الله أصل كل خير وأساسه، ولهذا الأب فضائل عديدة، فمن تأمل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رأى لهذا الأدب منزلة في الإسلام.
فأعظم فضائل الأدب مع الله: تجد التوحيد له جل وعلا بأن تفرده بجميع العبادة وتعتقد حقا أن الله وحده المعبود بحق وأن كل ما سواه بالباطل عبد: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) وأن لا تجعل معه شريكا في عبادته لأنه لا شريك له في خلقه فلا شريك له في عبادته: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ).
ومن مظاهر توحيده: إيمانك الحق بكل اسم سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم أو كل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم تثبت ذلك حقا على ما يليق بجلال الله من غير تكييف ولا تمثيل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).
ومن مظاهر أدبك مع الله: محبتك لله جل وعلا المحبة الصادق بأعماق قلبك وذلك أن تتصور أن الله جل وعلا أنعم عليك بنعم عظيمة أوجدك من العدم، ورباك بالنعم وأحسن خلقك فجعلك في أحسن تقويم وأمدك بالسمع والبصر والفؤاد وأصبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنه فكلما تدبرت نعم الله عليك وإفضاله وإحسانه ازددت حبا لله جل وعلا قال جل وعلا: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) فهم يحبون الله محبة من أعماق قلوبهم يقول صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بهن حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا"، ومن لازم هذه المحبة أن تحب أنبياءه ورسوله فتحب جميع الرسل وتحب محمدا صلى الله عليه وسلم محبة صادقة لحب الله قال جل وعلا: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ)، تحب أولياء الله وعلى طاعته، تحب أوامر الله فتمتثلها وتكره نواهي الله وتجتنبها كل ذلك من محبتك لربك جل وعلا.
ومن مظاهر أدبك مع الله: أن تخلص لله العبادات كلها فمن صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك من الأعمال الصالحة تؤديها خالصة لله تبتغي بها وجه الله والدار الآخرة لعلمك أن غير الله لا يصرف شيء من ذلك، فتصلي لله، فتصدق لله، تعمل صالحا لله، ترجوا بكل عمل ثواب الله فتخلص العمل لله لأن الله يقول: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: "قال الله أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" وفي لفظ: "وأَنَا مِنْهُ بَرِىءٌ".
ومن مظاهر أدبك مع الله: أن تعظم شعائر الله وحرمات الله قال الله جل وعلا: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)، وقال: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) فتعظم الأزمنة والأمكنة والأشخاص الذين أمرت بتعظيمهم تعظم الأشهر الحرم، تعظم رمضان، تعظم يوم الجمعة، تعظم أماكن العبادة، تعظم الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى تعظيما لله لها، فتعظم ما عظم الله، ولهذا تعظم شرع الله ودينه وتعظم أولياء الله، تعظم الكبير والتقدير والإحسان إليه كل ذلك من تعظيم حرمات الله.
ومن مظاهر أدبك مع الله: أن تستلم للنصوص الكتاب والسنة وتنقاد لها دون أي اعتراض على ذلك أو الشك في ذلك، بل تعلم أن ما قضاء به محمد صلى الله عليه وسلم فحق وعدل ورحمة وإحسان فلا اعتراض؛ ولكن قبول وتسليم قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
ومن مظاهر أدبك مع الله: أن لا تقول في شرع الله إلا بما تعلم فلا تفتي برأي أو ظن أو تخلص قال الله جل وعلا: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، وقال: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) فكل من أفتى بغير علم فقد كذب على الله ولم يتأدب مع الله، فأدب المسلم مع ربه أن لا يفتي في دينه إلا بما هو عالم به وبدليله ليكون بذلك على بصيرة من أمره.
ومن مظاهر أدبك مع الله: أن تشكر الله جل وعلا على عموم نعمه التي أنعم بها عليك ظاهرا وباطنا، تشكره على عظيم نعمه وامتنانه وتثني عليه، تشكره بقلبك فتعتقد أن هذه النعم فصلا من الله عليك لا بحولك ولا بقوتك، تشكره بلسانك فتثني عليه وتعظمه وتحمده على كل نعمة، إن الله يرضى عن العبد يأكل الأكل فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها، تشكره بجوارحك وتؤدي ما أوجبه الله عليك شكرا لله على نعمته قال جل وعلا عن نبيه سليمان لما أنعم عليه من النعم: (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)، ومحمد صلى الله عليه وسلم قام الليل حتى تفطرت قدماه فقيل له فقال: "أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا".
ومن مظاهر أدبك مع الله: مراقبتك لأمر الله وعلمك الحق أن الله مراقب أعمالك وأقوالك، لا يخفى عليه شيء من حالك حضورك وغيبتك، راءك الناس أم غابوا عنك: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) فتراقب الله وتعلم أن الله مطلع عليك في كل أحوالك: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ* إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
ومن مظاهر أدبك مع الله: حياءك من الله وخجلك من الله، حياءك أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك، تستحي من ربك لعلمك باطلاعك عليك وعظيم آلاءه وستره عليك فتستحي منه فتتوب إليه وتنوب إليه يقول صلى الله عليه وسلم لما سأل الرجل يا رسول عوراتنا ما نأتي منها وما نذر، قال: "احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ" قال يا رسول الله الرجل يكون خاليا، قال: "اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْ الناس".
ومن مظاهر أدبك مع الله: توبتك إليه، وإنابتك إليه عندما تزل القدم وتقع في المخالفات تنوب إلى ربك وتتوب وتعتذر وتستعتب وتتوب إليه جل وعلا: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ)، (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) وقال عن أولياءه المتقين: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ).
ومن مظاهر أدبك مع الله: خوفك من الله وإشفاقا من الله قال الله جل وعلا: (إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ* أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ* أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
ومن مظاهر أدبك مع الله: الرغبة فيما عند الله والرهبة والخشوع له قال جل وعلا في وصف بعض أنبياءه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
ومن مظاهر أدبك مع الله جل وعلا: إخلاصك الدعاء لله بأن تدعوا الله جل وعلا مخلصا موقننا بالإجابة مدرك أن الله سميع عليم قادر بأن يجيب دعوتك قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقال: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ)، وأخبرنا أنه قريب يجيب دعوة الداعي قال الله جل وعلا: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فتدعوا الله وترجوه في أدب واحترام وذل وخضوع لله من غير رفع صوت وإنما بينك وبين الله سمع النبي أصحابه يكبرون ويهللون قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، أقرب إلى أحدكم من شراك نعله".
أيها المسلم، ومن مظاهر أدبك مع الله: تسليمك للقضاء والقدر وإيمانك بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، تؤمن بقدر الله الذي قدره خيره وشره، فاعلموا أن الله علم الأشياء ثم كتب ذلك العلم قبل أن يخلق الخليقة بخمسين ألف سنة وشاءه وقدره تؤمن بهذا حق الإيمان.
ومن مظاهر أدبك مع الله: حسن ظنك بربك فتعتقد أن قضاء الله وقدره مبنين على حكمة الرب وكمال عدل الرب وكمال رحمته، وكمال علمه ورحمته وعدله، ترضى بذلك لا تسوء الظن به يفقر من يشاء ويغني من يشاء يعز من يشاء يذل من يشاء كل ذلك على كمال الحكمة والعدل: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ) ليس لسفه ولا لباطل ولكنه حق وعدل: (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، أحسن الظن بربك فيما قضاء وقدر، واعلم أنه حكيم عليم لا اعتراض عليه: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ).
ومن مظاهر أدبك مع الله: إتيانك الصلاة على أحسن آية في ظهورها ولباسك وحسن ذلك: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
ومن مظاهر أدبك مع الله: خشوعك في صلاتك وسكونك فيها وإتيانها بأركانها وواجباتها ومستحباتها على أحسن حال مع الإخلاص لله في ذلك.
ومن مظاهر أدبك مع الله: إمساك اللسان عن الأقوال البذيئة والأقوال الساقطة تبتعد عنها طاعة لله فإنك مسئول عن كل ألفاظك: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، فاحذر أخي المسلم من مذلات اللسان فإنها خطيرة جدا في الأثر: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه، فتأدب مع الله في الأقوال والأفعال هذا الواجب علينا، نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، أقولٌ قولي هذا، واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها الناس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، إن من سوء الأدب مع الله ما يجري على بعض ألسنت الناس من سخرية بهذه الشريعة واستهزاء بها وبأحكامها ومن المتمسكين بها وإساءة الظن بذلك تلك من أخلاق المنافقين الذين تفوت ألسنتهم بمن انطوت عليه قلوبهم من الخبث قال الله جل وعلا: (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)، وقد حذر من الناس فقال: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ* وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فالسخرية بهذا الدين والاستنقاص منه والتشكيك في عموم الشريعة وشمولها وكمالها أو اعتقاد أنها غير صالحة وغير مواكبة للعصر وضرورياته كل هذا من الاستهزاء بالدين، والسخرية به، والنظر إليه نظرة الدون كل هؤلاء من النفاق نسأل الله السلامة والعافية.
ومن سوء الأدب مع الله: السخرية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومناهج التعاليم الإسلامية والحط من قدرها أو التشكيك في حفظة القرآن أو المناهج الإسلامية الطيبة والدعوة إلى ما يبعد الناس عن تعاليم دينهم وشريعتهم.
ومن سوء الأدب مع الله: أن تستمر في طغيانك وتلج في هواك وضلالاتك من غير خوف من الله قال جل وعلا: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) ذلك أوقعهم في الطغيان والمعاصي فلو كمل علمهم بإطلاع الله عليهم وأن الله لا يخفى عليه شيء من أعمالهم: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)، (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ).
ومن سوء الأدب: ظلم الناس في أموالهم وأعراضهم ودماءهم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة في الحديث: "إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قوله: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)".
فعلينا جميعا التأدب مع الله ومع نبيه ومع دينه، وتلقي ذلك بالسمع والطاعة والقبول، أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه وأن يتوفنا وإياكم مسلمين إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين الأئمة المهدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بن عبدالعزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله ومنحه الصحة والسلامة والعافية إنك على كل شيء قدير، اللَّهمّ ووفق ولي عهده لما يرضيك، والنائب الثاني وجعلهم جميعا على البر والتقوى إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ
مفتي المملكة

قديم 10-03-2016, 05:43 PM
المشاركة 25
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
اسم الله الرزاق
خطبة جمعة بتاريخ / 15-2-1429 هـ
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
معاشر المؤمنين عباد الله :
اتقوا الله تعالى ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
ثم اعلموا - رعاكم الله - أن أعظم أبواب المعرفة والعلم والإيمان معرفة الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180] ، وقال جل وعلا: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر:24] ، وقال جل وعلا: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه:8] .
عباد الله : وإن مما تمس الحاجة إليه في هذه الأزمان معرفة الله تبارك وتعالى بأنه الرزاق ، مع أن الحاجة ماسة في كل زمان وأوان لمعرفة أسماء الله الحسنى جميعها وتدبرها كلها في ضوء كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عباد الله :
إن من أسماء الله الحسنى العظيمة الرزاق ، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات:58] ، وقال جل وعلا: ﴿وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [المائدة:114] ، وقال جل وعلا: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الحج:58] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
عباد الله :
والرزاق هو الذي بيده أرزاق العباد وأقواتهم ، وهو جل وعلا الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، الذي بيده أزمة الأمور ومقاليد السموات والأرض ، قال الله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود:6] ، وقال جل وعلا: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت:60] ، وقال جل وعلا: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ [الإسراء:30] ، وقال جل وعلا: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [النور:38] . فالأرزاق - عباد الله - كلها بيد الله ، أقوات العباد ، طعامهم ، شرابهم ، غذاؤهم ، جميع أمورهم ، كلُّ ذلك بيد الله جل وعلا، فهو المعطي المانع ، القابض الباسط ، الخافض الرافع ، المعِزّ المذل ، الذي بيده أزمة الأمور ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.
عباد الله :
ولقد جاء في القرآن الكريم حديثٌ واسع وبيان وافر لهذا الأمر العظيم ألا وهو : أن الرزق بيد الله تبارك وتعالى ، وأنه جل وعلا هو الرزاق ذو القوة المتين ، وقد جاء حديث القرآن في بيان هذا الأمر العظيم في مقامين :
المقام الأول: مقام التفضل والإنعام ، والعطاء والإكرام ؛ وهذا جاء منه آيات كثيرة في كتاب الله تبارك وتعالى، منها قول الله جل وعلا : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:70] .
والمقام الثاني - عباد الله - : مقام الدعوة إلى عبادة الله وطاعته سبحانه وتحقيق التوحيد له والقيام بطاعته جلَّ وعلا كما أمر ، وفي هذا المعنى وردت آيات كثيرة في كتاب الله ، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:21-22] ، أي: لا تجعلوا لله شركاء في العبادة وأنتم تعلمون أنه لا خالق لكم ولا رازق لكم غير الله تبارك وتعالى . وقال جل وعلا في مقام إبطال الشرك وبيان سفَه أهله وغيّهم وضلالهم ، قال الله جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ﴾ [فاطر:3] .
عباد الله : إن الرزق بيد الله جل وعلا ؛ فالعطاء عطاؤه ، والمنُّ مَنُّه ، والجود جوده ، والكرم كرمه ، وكل ذلك بيده جل وعلا ، ورزقه جل وعلا لعباده على نوعين :
رزق عام يشمل البر والفاجر والمؤمن والكافر كما تقدم معنا في قوله تبارك وتعالى : ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ ، وهذا عطاء عام لا يختص به أحد دون أحد ، قال الله جل وعلا: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ﴾ أي: المؤمنين والكفار والأبرار والفجار ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾[الإسراء:20-21]. هذا عطاء عام ، وهو عطاء للطعام والشراب والغذاء والملبس والمسكن ونحو ذلك ، وهذا النوع من العطاء - عباد الله - لا يدل على رضا الله تبارك وتعالى عمن أعطاه ؛ فإنه جل وعلا يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، وأما الآخرة فإنه جل وعلا لا يعطيها إلا من أحب، وتأمل في هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ(15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾[الفجر:15-16] قال جل وعلا: ﴿كَلَّا﴾ أي: ليس الأمر كذلك ، ليس الأمر أنَّ الإنسان إذا أعطي وأكرم في الدنيا دليل على إكرام الله له ورضاه عنه ، وليس أيضا التضييق على الإنسان في طعامه ورزقه دليل على عدم رضا الله عنه وإهانته له ، ﴿كَلَّا﴾ أي: ليس الأمر كذلك ، فإنه جل وعلا يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب . والعطاء في الدنيا من الإنعام والملبس والمسكن ليس دليلاً على الرضا ، وكذلك التضييق في ذلك ليس دليلا على مهانة الله لعبده ؛ فالعطاء في الدنيا والمنع - عباد الله - كل ذلكم ابتلاء من الله تبارك وتعالى لعباده ، فهو جل وعلا يبتلي عباد بالغنى كما يبتليهم بالفقر ، ويبتليهم بالصحة كما يبتليهم بالمرض ، ويبتليهم بالرخاء كما يبتليهم بالشدة ، فالدنيا دار امتحانٍ وابتلاءٍ واختبار.
عباد الله :
والواجب على عبد الله المؤمن الذي عرف أن الأرزاق بيد الله تبارك وتعالى أن لا يلجأ في شيء منها إلا إلى الله تبارك وتعالى ، سواء منها الرزق العام أو الرزق الخاص الذي خصَّ به عباده المؤمنين ، وهو رَزق الإيمان ، والهداية إلى الطاعة ، والتثبيت على التوحيد ، والحفظ الوقاية والتسديد، وغير ذلك من الأرزاق التي خص بها عباده المؤمنين وأولياءه المتقين ، فعبد الله المؤمن يلجأ إلى الله في كل أموره وفي جميع أرزاقه، وجميع شؤونه، يلجأ إلى الله تبارك وتعالى وحده ولا يلجأ لأحدٍ سواه .
وإن من أعظم ما يُطلب به رزق الله ومنّه سبحانه تقوى الله والإيمان ، فهذا أساس كل خير وأساس كل فضيلة ، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:2-3] ، وقال جل وعلا: ﴿فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الحج:50] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
عباد الله :
وخلاصة القول أن الواجب علينا في هذا الباب - في باب طلب الرزق والوقاية من عُسره - أن نلجأ إلى الله جل وعلا صادقين كما تقدَّم معنا في قوله: ﴿وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ ، وأن نتجنَّب - عباد الله- الذنوب والمعاصي ، فإن الذنوب - عباد الله - سبب لزوال النعم والأرزاق ، وسبب لحلول النقم ، فما حلت نقمة ولا رُفعت نعمة إلا بذنب كما قال علي رضي الله عنه وأرضاه: "ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة" ، قال تعالى: ﴿ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ [نوح:25] أي: بسبب خطيئاتهم، وقال جل وعلا : ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت:40] ، وقال جل وعلا: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [الروم:41] . فالواجب علينا - عباد الله - أن نتوب إلى الله توبة نصوحا من كل ذنبٍ وخطيئة، وأن نقبِل على الله تبارك وتعالى طائعين منيبين ، مؤمنين مخبتين، والله تبارك وتعالى يتولى عباده الصالحين بمنّه وكرمه، وجوده وعطائه، وأفضاله وأرزاقه ، وهو جل وعلا خير الرازقين .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتولانا أجمعين بتوفيقه ، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما ، وأن يرزقنا فهو تبارك وتعالى خير الرازقين . أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى .
عباد الله :
إنَّ من آمن بأن الله هو الرزاق ، وأن الأرزاق بيده جل وعلا، وأنه ما من نفس تموت إلا وقد استتمت رزقها وحصّلت ما كتب الله تبارك وتعالى لها ؛ إن من كان بهذا الإيمان فإنه بعيد أشد البعد عن القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله ، بل لا يزال دائما وأبدا يرجو الله تبارك وتعالى ويطمع في نواله ويرجو منه ورزقه وكرمه سبحانه ، ولا يزال - عباد الله - يمد يدي الرجاء إلى الله ، والتوجه الصادق إليه سبحانه وهو واثق بالله أنه لا يخيب عبداً دعاه ولا يرد مؤمنا ناجاه ، يسأله أن يرزقه تبارك وتعالى من غير قنوطٍ ولا يأس ، بل بأمل واثق ورجاء تام فيما عند الله تبارك وتعالى.
فأحسِنوا - عباد الله - رجاءكم بالله ، وثقتكم به، وحسن توجهكم إليه، وأملكم فيما عنده، فإنه جل وعلا واسع النوال عظيم العطاء جزيل المن جل وعلا ، لا يخيب من دعاه ، ولا يرد من ناداه ، وهو القائل جل وعلا: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:186] .وفي هذا المقام - عباد الله - لا بد من بذل الأسباب والجد والاجتهاد في طلب الأرزاق ووجوه المكاسب المباحة التي أباحها الله تبارك وتعالى لعباده كما قال جل وعلا: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [الملك:15] ، ومع بذل الأسباب لابد من طلب الرزق من الله جل وعلا ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت:17] .
اللهم أصلح أحوالنا أجمعين ، اللهم أصلح أحوالنا أجمعين ، اللهم أصلح لنا أحوالنا أجمعين ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شرّ ، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والمحن كلها ، والزلازل والفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأقواتنا وأزواجنا وذرياتنا واجعلنا مباركين أينما كنا ، اللهم أعنا ولا تعن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا ، اللهم اجعلنا لك شاكرين ، لك ذاكرين ، إليك أواهين منيبين ، إليك مخبتين ، لك مطيعين ، اللهم اهد قلوبنا، وأجب دعوتنا ، وتقبل توبتنا ، وثبت قلوبنا ، واسلل سخيمة صدورنا ، اللهم اهدنا إليك صراطا مستقيما ، اللهم وفقنا لما تحب وترضى ، اللهم جنِّبنا كل أمر يسخطك وتأباه يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ، دقه وجله ، أوله وآخره ، سره وعلنه ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا رزاق يا منان يا واسع الجود والعطاء والإحسان اللهم إنا نتوجه إليك باسمك الرزاق وبأسمائك الحسنى كلها وصفاتك العليا أن ترزقنا وأنت خير الرازقين ، اللهم ابسط علينا من أبواب جودك ومنّك وكرمك وعطائك من حيث لا نحتسب ، اللهم ارزقنا ، اللهم ارزقنا ، اللهم ارزقنا.
اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا ، هنيئاً مريئا، سحاً طبقا، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم يا رزاق نسألك سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق ، اللهم يا رزاق أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقصنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، اللهم إنا نسألك الغيث فلا تجعلنا من القانطين ، اللهم إنا نسألك الغيث فلا تجعلنا من اليائسين ، اللهم يا رزاق نسألك يا واسع المن أن تنزّل علينا من بركات السماء ، وأن تُخرج لنا من بركات الأرض ، وأن ترضى عنا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم وارض عن أصحاب نبيِّك أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الشيخ عبدالرزاق البدر

قديم 10-03-2016, 05:44 PM
المشاركة 26
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
تقوى الله
الحمد لله رب العالمين أغنانا بحلاله عن حرامه وكفانا بفضله عما سواه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثير أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا فإن تقوى الله هي التي تقربكم إلى الله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فتقوى الله لها فوائد عظيمة ولذلك أوصى الله بها الأولين والآخرين، فقال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ)، وتقوى الله التقوى كلمة جامعة لكل خصال الخير كلها تدخل تحت تقوى الله عز وجل، وتقوى الله فيها خيرات كثيرة ورتب الله عليها نتائج عظيمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ)، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)، (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، والجنة أعدها الله للمتقين فهي دار المتقين فهذه الكلمة كلمة التقوى كلمة جامعة، ولهذا سمى الله لا إله إلا الله كلمة التقوى لأن من قالها عالما بمعناها عاملا بمقتضاها ظاهرا وباطنا فقد اتقى الله سبحانه وتعالى وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وذلك أن يطاع فلا يعصى أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر هذا معنى قوله حق تقاته عند سلف هذه الأمة، وعند المفسرين، وهل أحد يستطيع أن يتقي الله حق تقاته، الله جل وعلا بين ذلك في آية أخرى فقال سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وقال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، فمن اتقى الله بحسب استطاعته وسعته فقد اتقى الله حق تقاته فعلى المسلم أن يتقي الله دائما وأبدا وفي أي مكان، يتقي الله في عسره ويسره يتقي الله في حال وجوده مع الناس ويتقي الله في حال خلوته عن الناس كما قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيث ما كنت"، أما من يتقي الله في الظاهر وعند الناس فإذا خلا يبارز الله بالمعاصي فهذه طريقة المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، فالمؤمن يتقي الله دائما وأبدا في حال الشدة وفي حال الرخاء وفي أي مكان يراقب الله ويتقيه هذا هو المتقي لله حق فلازموا التقوى بارك الله فيكم، والتقوى أمرنا الله أن نتقيه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)، أي اتقوا الأرحام أيضا فلا تقطعوها، اتقوا القطيعة قطيعة الأرحام فالواجب على المسلم أن يتقي الله في كل أمر يأتيه، الله أمرنا أن نتقي النار (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، قوا أنفسكم جنبوا أنفسكم هذه النار وجنبوا أولادكم هذه النار كيف تجنب نفسك وأولادك هذه النار، بأن تتجنب أسباب دخولها أسباب دخولها أن تتجنبها فهي لها لدخولها أسباب وهي المعاصي والشرور والمنكرات وحفت بالشهوات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فأتق النار وابتعد عنها بفعل الأسباب الواقية منها وأبعد أولادك ومن تحت يدك فإنك مكلف بوقايتهم وحمايتهم من النار، وكذلك ليتقي الإنسان الفتن، (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فيتقي الفتن ويبتعد عنها ويحذر منها ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هذا اتقاء الفتن تجعل بينك وبين النار وقاية تجعل بينك وبين الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه وبطاعته فلا يقيك إلا طاعة الله سبحانه وتعالى ومن الفتن التي تتقى وهي شديدة وخطيرة فتنة النساء قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت من بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، وقال عليه الصلاة والسلام: "واتقوا النساء فإن فتنة بني اسرائيل كانت في النساء"، فحافظوا على نسائكم حافظوا عليهن من كل فتنة ومن كل شر لا يختلطن بالرجال في المكاتب أو في الشوارع أو في أي مكان اختلاط يثير الشهوة ويسبب الفتنة امنعوا نسائكم من الخلوة مع الرجال فلا تخلوا امرأة مع رجل إلا كان ثالثهما الشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ألزموا نسائكم بالحجاب الساتر فإن هذا مما تتقى به الفتنة أما إذا تركت المرأة لهواها فإنها تتبرك وتتزين وتخرج على الناس بفتنتها وزينتها فلا بد من الأخذ على يدها والذي يأخذ على يدها أن كل من ولاه الله على امرأة أو نساء يلزمه أن يأخذ على أيديهن وإلا فإنه مسؤول عنهن أمام الله سبحانه وتعالى فأتقوا النساء فإن فتنة بني اسرائيل كانت في النساء، والنساء ضعيفات إذا تركن بدون قيم وبدون راع فإنهن يسرحن ويمرحن ويتخبطن في الشبهات وتعاطي الزينة والمظاهر الفاتنة اقتداءا بالشقيات من النساء من الكافرات والفاسقات وما يشاهدنه في الشاشات وفي الحفلات أخطر شيء اليوم الحفلات حفلات النساء تحضرها النساء كاسيات عاريات كاشفات لصدورهن وظهورهن وأعضدهن وسيقانهن يحضرن الحفلات بهذه الصورة الشيطانية وهن بناتكم وأخواتكم وزوجاتكم وأنتم المسؤولون عنهن أمام الله سبحانه وتعالى فحافظوا على نسائكم فإنهن أشد فتنة في المجتمع وأشد ما وقع في بني اسرائيل من الفتن هي النساء لما تركوا نساءهم تبرجن وتزين فحصلت الفواحش ونزلت عليهم العقوبة والعياذ بالله، نزلت عليهم الأمراض والأوبئة نزلت فيهم العقوبات الكثيرة مما ذكره الله وذكره الرسول صلى الله عليه وسلم وذكره التاريخ عنهم فأمر النساء خطير جدا، إذا لم يكن هناك حماية لهن من دعاة الشر وداعيات الشر والفتنة فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على تقوى الله سبحانه في كل حين وفي كل حال، الله أمرنا أن نتقيه وأمرنا أن نتقي النار (وَاتَّقُوا النَّارَ)، وأمرنا أن نتقي النساء وأمرنا أن نتقي الفتن كلها فعلينا أن نحذر لأننا في هذه الدنيا ما دمنا على قيد الحياة فنحن معرضون للفتن والشرور ولا سيما إذا تأخر الزمان فإنها تكثر الفتن ويكثر دعاة الشر دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها، فلنتق الله ولنعرف مواقفنا في هذه الحياة مع أنفسنا ومع ذرارينا ومع مجتمع المسلمين عموما، فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على حرمات الله عز وجل أن تقعوا فيها أو يقع فيها من تملكون منعه منها فإن هذا ضمانة من للنجاة من النار ومن غضب الجبار (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولي جميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنهُ هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكرهُ على توفيقهِ وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابهِ وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس،، ومن أعظم تقوى الله أن الإنسان إذا وقع في معصية أو مخالفة فإنه لا ييأس من رحمة الله بل يبادر في التوبة يبادر بالتوبة والاستغفار والله يتوب على من تاب ويغفر لمن استغفره (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، فإن كثير من الناس قد يأتيهم الشيطان ويقول لهم ليس لكم توبة أو أنهم يتكاسلون عن التوبة أو ييأسون من رحمة الله سبحانه وتعالى أو لا يبالون بما حصل منهم ويعتادون ذلك فلا يبادرون في التوبة فيهلكون لأن السيئات إذا لم تمنع تتابع وتكثر ويجر بعضها بعض ولها دعاة ولها قدوات سيئة في المجتمعات فعلى المسلم أن يحذر من ذلك أن يحذر من ترك نفسه مع الذنوب بدون توبة صادقة وبدون استغفار صحيح يبادر بتوبة وإلا ليس هناك أحد معصوم من الوقوع بالأخطاء والمعاصي إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فنحن معرضون ولكن الحمد لله باب التوبة مفتوح ونحن مدعوون بأن نتوب ونبادر بذلك (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً).
واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ احم بلادنا من كل عدو وكافر وملحد وزنديق ومن كل منافق وشرير، اللهم احم هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من كيد الكفار وشر الأشرار وعذاب النار يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا اللهم اجعلهم هداة مهتدين اللهم اصلح شأنهم اللهم اجمع كلمتهم على الحق وأيدهم بنصرك وتوفيقك وحمايتك يا رب العالمين، اللهم أعنهم على الحق، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم إنك على كل شيء قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغث بلادنا، اللهم أغث ديارنا، اللهم أغث مزارعنا وآبارنا وأشجارنا، اللهم اغثنا غيثا مغيثا، اللهم أحيي بلدك الميت، اللهم أحي بلدك الميت، اللهم أحي بلدك الميت بالغيث المبارك يا رب العالمين (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ صالح الفوزان

قديم 10-03-2016, 05:45 PM
المشاركة 27
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
حسن الظن بالله
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، حسن الظن بالله شعبة من شعب الإيمان، وخصلة من خصال التوحيد، ولا يكمل إيمان عبدٍ حتى يكون محسن الظن بربه، فأحسنوا الظن بربكم يقول الله جل وعلا: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فسرها سفيان رحمه الله: بحسن الظن بالله، يقول صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ"، وفي الحديث القدسي يقول الله جل وعلا: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي" الحديث، وفيه أيضا: "من ظن بي خيرا وجده ومن ظن بي سواء ذلك وجده".
وحسن الظن بالله: أن تطن بالله البر والإحسان والعطاء والمعاملة الحسنة في الدنيا والآخرة.
أيها المسلم، وحسن الظن بالله يكون في أمور:
فأولا: دعاء الله جل وعلا، فقد أمرك الله بدعائه، ووعدك بالإجابة فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وتهدد المعرضين عن دعائه بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) أي: عن دعاءي (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، وقال جل جلاله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقال جل وعلا: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) فأنت إذا دعوة ربك وطلبت حاجة من ربك فأحسن الظن بربك، وكن موقنا بأنه القادر على إجابة الدعاء يقول الله جل وعلا: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) ويقول صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ" وقد تتأخر الإجابة فلا تستعجل فإن ربك أرحم بك من نفسك ومن رحمة أبويك بك.
أيها المسلم،
أدعوا الله وأطلبه وألح في الدعاء فإنك تسأل غنيا حميدا قادرا جوادا كريما ولا تستبطئ الإجابة وقد لا تجاوب تلك الدعوة لأن الله يعلم أن في إجابتها ضررا عليك ومصائب عليك وقد يصرف هذا دعاءك إلى أن تعطى خير من مسألتك أو يصرف عتك من السوء ما لا تعلم أو يدخر لك في الآخرة، المهم أحسن الظن بالله في دعاءك فإن الله يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فدعوا ربك وألح في الدعاء فإذا وفقت في الدعاء أخفت قلبك لربك وخضت له وأنبت إليه، وسمع دعاء أنبياءه عليهم السلام قال جل وعلا: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) قال الله: ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وقال: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) أحسن الظن بربك في دعاءك واعلم أن الاستجابة قد يكون سببها غفلت قلبك وكثرت المعاصي وأكل الحرام فإن هذه معوقات للدعاء فإذا أقبلت على الله بدعائك واثقا بربك مصدقا لوعده فإما أن يتحقق المطلوب لك وإلا فإقبالك على الله وتضرعك بين يديه من أعظم الخيرات والحسنات.
أيها المسلم،
كلما أظلمت أمامك الدنيا وكلما أحاطت بك الهموم والأحزان فلجأ إلى الله وتضرع بين يديه: (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ)، دعاء الكرب: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" فدعوا الله وأنت موقن بالإجابة فإن الله يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم سرك وعلانيتك.
ومن حسن الطن بالله:
أن تحسن الظن بربك، أن أعمالك الصالحة التي أخلصتها لله وعملتها على وفق ما دل الكتاب والسنة عليه أن ثوابها مدخر لك ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا قال الله جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً*) وقال جل وعلا: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) وقال جل وعلا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فكن واثقا بربك وأن أعمالك الصالحة مدخرة لك أحوج ما تكون إليه، أصلح العمل وأخلص لله وأبشر كل خير يقول جل وعلا: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً).
ومن إحسان الظن بالله جل وعلا:
أن تكون مصدقا بوعده وما وعد به عباده المؤمنين بجنات النعم، ما أخبر به من ذلك النعيم المقيم، فكن صادقا في حسن ظنك بربك وأمل وقوي رجاءك بربك فذلك خير لك.
ومن حسن الظن بالله:
أن تظن به خيرا، وإنك تلاقيه إن شاء الله وسيستر عليك وسيعاملك بالعفو فإنه يحاسب عباده ويخلو بعبده المؤمن فيضع كنفه عليه ويذكره أعماله السيئة فيقول الله: سترتها عليك في الدنيا وأن أغفرها لك اليوم.
أيها المسلم،
ومن حسن الطن بالله أنك إذا وقعت في الصائب والبلايا وأحاطت بك الهموم والغموم فعلم أن هذه المصائب سبيلها الفرج والتسهيل يقول صلى الله عليه وسلم: "وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" يقول الله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).
أيها المسلم،
فالمؤمن يحسن الظن بربه في كل أحواله، وغير المؤمن يسيء الظن بربه لضعف إيمانه وقلة يقينه قال الله جل وعلا: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً).
سوء الظن بالله:
أن تظن من دعا الله ولتجئ إليه أن الله يخيب رجاءه ولا يحقق مطلوبة، وكل هذا من الجهل والضلال أو تعتقد أن الله جل وعلا يسوي بينه وبين أعداءه، وأن ما عنده من الخير ينادي بالمعاصي كما ينال بالطاعات وهذا أمر خطير فإن الله جل وعلا أخبر أنه فرق بين أهل طاعة وأعداءه: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، وقال جل وعلا: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).
ومن سوء الطن بالله أن :
تسوى ظنك بقضاء الله وقدره وما ترى من تفاوت الخلق في أرزاقهم وأخلاقهم كل ذلك لحكمة الرب جل وعلا العظيمة، فإن قضاء الله وقدره مبنيين على كمال الرب وعلى كمال حكمة الرب، وعلى كمال عدل الرب، وعلى كمال رحمته، فين قضاء الله وقدره من كمال العلم والحكمة والرحمة والعدل ما يجعل المؤمن يوقفن بهذا كله.
أيها المسلم،
ولحسن الظن آثار في الدنيا والآخرة:
فأثره في الحياة: أن المؤمن مطمئن القلب منشرح صدره بقضاء الله وقدره، يعلم أن الله أحكم الحاكمين، يرى هذا غنيا وهذا فقيرا وهذا عالما وهذا جاهلا وهذا رئيسا وهذا مرؤوسا ويقين بأن الله حكيم عليم، في قسمه الأخلاق والأرزاق بالعباد: "إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاَقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ" فيعلم أن هذا بحكمة الرب جل وعلا فيطمئن نفسه ويرضى بقضاء الله، ولهذا أمرنا أن ننظر إلى من دوننا في الخلق والرزق لا إلى من فوقنا فإن إن نظرنا إلى من فوقنا ربما احتقرنا شأننا، وإلى نظرنا إلى من دوننا علمنا فضل الله وسعت كرمه وجوده علينا.
أيها المسلم،
وإن بين حسن الظن بالله والعمل الصالح الارتباط الوثيق فالذي يحسن الظن بربه هو الذي يعمل ويجد في العمل ويخلص لله فإن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فحسن الظن بالله إنما يكون عند حسن العمل، فالمؤمن يحسن الظن بربه فأحسن العمل، وغير المؤمن ساء الظن بربه فساء عمله والعياذ بالله.
ومن سوء الطن بالله:
أن تظن أن ما يجري في الكون عبدا غير كمال فهذا كله من الخطأ فالله يقول: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ)، وقال جل وعلا: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ)، فأحسن الظن ربك في قضاءه وقدره وتفضيله بعض العباد على بعض، كلها لحكمة يعلمها جل وعلا، فهو القادر على كل شيء لكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه حكيم عليم قال جل وعلا: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) فضل بعض العباد: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).
أيها المسلم،
وحسن الظن بالناس أيضا مطلوب أن تحسن الظن بالآخرين وتحمل على الخير ما وجدته سبيلا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، فأحسن الظن بأصحابك ما لم يأتي بخلاف ذلك، فالأصل إحسان الظن إلا أن يأتي ما يخالف ذلك، فحسن الظن يريحك ويجعل صدرك سليما مطمئنا مرتاح البال.
أيها المسلم،
أحذر الوشاة والمفرقين بين الناس الناقل النميمة المفرق بين الأحبة فإنهم يملئون قلبك حقدا وحسدا على إخوانك وأصحابك فتفارقهم من أجل نميمة هذا وبهتان هذا وكذب هذا: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ).
فمن كمال راحة القلب استراحته من سوء الظن وثقته بالله واطمئنانه وأن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به.
ومن حسن الظن أيضا
ما يكون بين الزوجين، فالزوجان إذا اتفقا واصطلحا وتوافقا عمر البيت ونشأت الأسرة على أحسن حال واتفاق؛ ولكن عند اختلاف الزوجين وسوء الظن بعضهما ببعض يكون سببا لهدم البيت وحصول الطلاق وتشتت الأسر، فإن حسن الظن بين الزوجين من أسباب استقامة الحال، ولهذا لا يجوز للزوج ولا للزوجة أن يسوء الظن كل بصاحبه، فإن الوساوس والشكوك والأوهام من أسباب الفرقة.
أيها الزوج الكريم، أيتها الزوجة الكريمة،
أحسن الطن بزوجك، ويحسن الزوج الظن بامرأته ولنبتعد عما يثير ذلك وفي الحديث: "لعن الله مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا"، وكما أدت الاتصالات الحديثة إلى إحداث بلبلة ونشر رسالة مكذوبة من زوج إلى زوجته أو من الزوجة إلى زوجها أدت تلك الرسائل المكذوبة إلى الفرقة بين الزوجين وشك أحدهما بالآخر، الغيرة مطلوبة من الرجل لكن غيرة مبنية على قواعد شرعية لا غيرة مبنية على الوساوس والأوهام، والشكوك المتبادلة.
أيها الزوج الكريم،
اتقي الله في نفسك، فكلما صلحت سيرتك واستقامة أخلاقك وعف فرجك ترك آثرا على امرأتك في استقامتها وصلاحها وفي الأثر: عفوا تعف نساءكم، فسوء الظن يصدر أحيانا من تصرف بعض الأزواج وبعض الرجال وتصرفاتهم الخاطئة واتصالاتهم المشبوهة.
فلنتقي الله في أنفسنا وليحسن الظن بعضنا ببعض، ولنرتقي إلى مستوى المسئولية فيما بيننا.
إن المجتمع لا تنتظم حياته ولا تستقيم أموره إلا إذا كنا بين الراعي والرعية تبادل حسن الظن بينهم، فالراعي يهتم برعيته، ولا يحمل إلى على الخير يحسن الظن بهم ويسعى في مصالحهم ولا يبني على سوء الظن إلا إذا قام دليل واضح على ما أدى بعضهم إلى المخالفات الشرعية، الرعية يحسون الظن بقادتهم وأنهم ساعون في مصالحهم وما يضعون من أنظمة ولوائح كلها تهدف إصلاح المجتمع واجتماع الكلمة وبث الخير في المسلمين.
أطياف المجتمع من علماء ومفكرين ومثقفين وتربويين واقتصاديين وإعلاميين ولو لتصرفات خاصة يجب أن يكون بين الجميع حسن ظن بعضنا ببعض في النهوض لمجتمعنا وحرصه على سلامته ووحدة صفه، إن في زمن نحتاج فيه إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة وتراصي الأمور لأننا في زمن التحديات والأفكار السيئة فلا يجوز لأحد أن يسعى في نشر أراجيف وإشاعات باطلة يزعزع بها أمن المجتمع ويبغض الثقة بعضنا ببعض كل هذه من الأخلاط، يجب أن يكون الجميع هدفهم نصرة هذا الدين ثم هدفهم إصلاح المجتمع والبقاء على كيان متماسكا مترابطا قويا لا يبدله الإشاعات والأراجيف والأكاذيب التي تلقيها بعض وكالات الأنباء وبعض الصحف المأجورة وتبث الدعايات المظللة، فالواجب الحذر من هذه كله والارتقاء بمستوى المسئولية والتناصح مع كل بحسبه، فأطياف المجتمع كلها يجب أن تلقي الخلافات الجانبية جانبا وأن يسعى الجميع في اتحاد الكلمة ولم الشعب ورص الصفوف والوقوف صفا واحدا أما كل التحديات التي تواجه الأمة اليوم، فإنها تحديات كثيرة فمن أعظم أسبابها الوقوف صفا واحدا واجتماع الكلمة وتآلف القلوب وحسن الظن والصدق في كل المعاملات يقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وقال: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)، إذا فأطياف المجتمع على اختلافها واجبها أن تكون صفا واحدا ويدا واحدة وبنيان متراص يسعى الجميع في نصرة هذا الدين والدعوة إلى الخير وإلى إصلاح المجتمع وحمايته، وحماية كيانه والاستقامة وشكر الله على نعمة هذا الأمن والرخاء لأن في ذلك تحديات كثيرة فما يوقظ أعداءنا سوى وقوفنا صفا واحدا أمام كل التحديات ولتحامنا مع قيادتنا على ما يحقق الخير والصلاح للأمة بحاضرها ومستقبلها، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا، واستغفرُ الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها المسلمون، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، إن الله جل وعلا كفل هذا الدين النصر والتمكين قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، وقال جل وعلا: (إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ* كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، يتسأل البعض عن هذه المصائب والفتن التي حلت بالمسلمين سفك فيها الدماء وانتهكت فيها الأعراض ونهبت فيها الأموال وضيعت الأخلاق والأعراض هذه المصائب العظيمة هل لها حل؟
نعم إنها مصائب وبلايا لكن ليعلم المسلم أن دين الله منصور ولابد وأن هذا الدين باقين وأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، إن من يشاهد هذه الأمور كلما فرجت كربة حدثت كربة أخرى؛ لكن هذه أمور بقضاء الله وقدره وأسبابها ذنوب العباد: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)؛ لكن الله ناصر دينه ومعلن كلمته، فعلينا جميعا أن نكون واثقين بالله مطمئنين ساعين إلى ما يحقق الخير والصلاح في ديننا وأمتنا، إن هذا الدين منصور ولابد ومهما عظمت الخصوم وتوالت الفتن فلابد لهذا الدين من ظهور وقوة، لقد مر بالعالم الإسلامي أمور كثيرة، ارتد العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليل ما زال الصديق بهم يقاتلهم ويدافع حتى عادته إلى ملة الإسلام، وكم عان المسلمون من الحروب الصليبية والمغولية ما عانوا ومع هذا فالدين لا يزال قويا باقيا عزيزا إذا وجد من يرفع لواءه ويعلي شأنه، فنسأل الله أن ينصر دينه وأن يجعلنا وإياكم من أنصار هذا الدين، وأن يوفق قادتنا وولي أمرنا لنصرة هذا الدين والقيام بواجبه إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، ومنحه الصحة والسلامة والعافية إنك على كل شيء قدير، اللَّهمَّ وفق ولي عهده سلمان بن عبدالعزيز، سدده في أقواله وأعماله ووفق النائب الثاني وأعنهم جميعا على الخير والتقوى إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
خطبة الجمعة 27-12-1434هـ
الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ
مفتي المملكة

قديم 10-03-2016, 05:46 PM
المشاركة 28
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ


خطبة جمعة بتاريخ / 4-6-1435 هـ
إنَّ الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضلَّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ وصفيُّه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنين عباد الله :
اتقوا الله تعالى ؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه . وتقوى الله جلَّ وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنونعباد الله: إن من مقصود الخلْق وإيجاد الناس ؛ أن يعرف الناس ربهم بعظمته وجلاله ، وكبريائه وكماله، وشمول علمه ، ونفوذ مشيئته ، وكمال قدرته ، وأنه الرب لا شريك له ، والخالق لا ندَّ له ، والملِك لا نظير له ، المتصرف في الخلق عطاءً ومنعا ، وخفضًا ورفعا ، وقبضًا وبسطا ، وعزًا وذلّا ، وحياةً وموتا ، يقول الله تبارك وتعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }[الطلاق:12] .
أيها المؤمنون عباد الله : إن الواجب على كل مسلم أن يعرف ربه سبحانه بالعظمة والجلال ، والكمال والكبرياء ، وسعة العلم والاطلاع ، وعموم القدرة وشمولها ، ونفوذ المشيئة ، وأنه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن . علينا عباد الله أن نعرف ربنا سبحانه بعلمه الشمل المحيط ؛ فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء . وأن نعرفه سبحانه بالإرادة الكاملة ؛ فلا راد لحكمه ولا معقِّب لقضائه . وأن نعرفه سبحانه بنفوذ مشيئته؛ فما شاء الله كان في الوقت الذي يشاء على الوجه الذي يشاء . وأن نعرفه سبحانه بقدرته على كل شيء وأنه جل وعلا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء . وأن نعرفه سبحانه بالحكمة البالغة ؛ فلم يخلق الخلق عبثا ولا أوجدهم سدًى وهملا .
أيها المؤمنون عباد الله :
من عرف الله سبحانه وتعالى معرفةً صحيحة مستمدة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم عظُمت صلته بالله ، وحسُن إقباله عليه جل في علاه .
أيها المؤمنون عباد الله :
وفي القرآن الكريم ما يزيد على الأربعمائة آية فيها ربط الأمور كلها بمشيئة الله جل وعلا ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، لا معطي لما منع ولا مانع لما أعطى ، ولا قابض لما بسط ولا باسط لما قبض، ولا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى ، ولا مباعد لمن قرَّب ولا مقرِّب لمن باعد ، الخلْق خلْقُه والأمر أمْره يعطي ويمنع ، يخفضُ ويرفع ، ويعزُّ ويذل ، ويحيي ويميت ، ويهدي ويضل ، له الأمر سبحانه وتعالى ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
في القرآن آيات كثيرات تقرِّر هذا الأصل العظيم والأساس المتين :
%فالهداية -معاشر المؤمنين- أمرها بيد الله تبارك وتعالى ، يقول الله عز وجل: { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}[السجدة:13] ، ويقول جل وعلا: { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }[البقرة:172] ، ويقول الله جل وعلا: { وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }[النور:46] .
%والفضل كله والرزق بيد الله ؛ قال الله تعالى: { وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:29]، وقال الله تعالى: { وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }[النور:38] ، وقال الله تعالى: { اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ }[الرعد:26] .
%والتوبة بيد الله ؛ فمن شاء الله شرح صده لها ومنَّ عليه بها ، يقول الله تعالى: { وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}[التوبة:15] .
%والصلاح -عباد الله- وزكاء القلوب واستقامتها على طاعة الله أمرٌ بيد الله جل في علاه ، قال الله تعالى : {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ }[النساء:49] ، وقال الله تبارك وتعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ }[النور:21] .
%والملك كله بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ، قال الله تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }[آل عمران:26-27] .
% أيها المؤمنون عباد الله :
%والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ في كتاب الله عز وجل ، ومن ذلكم : أن صورة العباد من أسمر وأحمر وطويلٍ أو قصير وجميلٍ أو ذميم أو غير ذلك كل ذلكم بيد الله تبارك وتعالى؛ { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}[آل عمران:6] .
%تناسل العباد ووجود الذرية ؛ فمنهم من له بنين ، ومنهم من هو عقيم ، وأمْر ذلك كله بيد الله تبارك وتعالى ، قال الله عز وجل: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }[الشورى:49-50] .
إلى غير ذلكم عباد الله من الآيات البينات والدلائل الظاهرات على كمال قدرة الرب جل في علاه ونفوذ مشيئته وأن الأمر أمره والملك ملكه والخلق خلقه سبحانه وتعالى ؛ عطاءً ومنعا ، خفضًا ورفعا ، قبضًا وبسطا ، عزًا وذلا ، حياةً وموتا ، صحةً ومرضا ، الأمر كله بيد الله جل في علاه .
عباد الله :
وهذه العقيدة العظيمة إذا ثبتت في القلوب تحققت آثارها العظيمة في العبد استقامةً على طاعة الله ، وحُسن توكلٍ على الله جل وعلا ، ودوام إلحاحٍ عليه بالدعاء وسؤالٍ للثبات والتوفيق ، وحُسن إقبال على الله بالعبادة ، وبُعدًا عن العُجب والاغترار ، ورضًا بالقضاء ، وصبرًا على ما قدره الله جل وعلا وقضاه ، وبُعدًا عن الجزع والتسخط ، إلى غير ذلك من الآثار الإيمانية والعوائد الحميدة التي تعود على العبد استقامةً وطاعةً وعبادةً لله وحُسن توكل على الله جل في علاه .
اللهم يا رب العالمين أصلح عقائدنا ، وقوِّ إيماننا ، وأصلح أعمالنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، تعلم عجزنا وضعفنا وقلة حيلتنا وأنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك ، اللهم يا ربنا اهدنا جميعًا إليك صراطًا مستقيما ، وأصلح لنا شأننا كله ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أمَّا بعد عباد الله : اتّقوا الله تعالى .
روى البخاري ومسلم في صحيحيها عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ؟)) قُلْتُ: «بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ» ، قَالَ: ((قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ )) . وجاء في المسند وغيره الأمْر بالإكثار من هذه الكلمة العظيمة ، وهي -معاشر المؤمنين- كلمة استعانة بالله وتوكلٍ على الله وإظهارٌ من العبد لعجزه وافتقاره إلى الله ، وبراءةٌ من العبد من حوله وقوته وأنه لا حول له في قيامٍ بطاعة وثباتٍ على إيمان ودوامٍ على صلاح إلا بإذن الله تبارك وتعالى ، ولا قوة له على أداء أيِّ أمرٍ من الأمور من مصالحه الدينية والدنيوية إلا بإذن الله تبارك وتعالى ؛ فالعبد فقيرٌ إلى الله جل وعلا من كلِّ وجه ، والله عز وجل غنيٌ عن العباد وعن أعمالهم من كل وجه ، وهو القائل جل في علاه: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ }[فاطر:15-17] .
هذا ؛ وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديِّين ؛ أبي بكرٍ الصديق ، وعمرَ الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك يا رب العالمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا ، اللهم يا ربنا احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم .
اللهم لك الحمد ؛ لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا هادي لمن أضللت ، ولا مضل لمن هديت ، ولا مقرِّب لمن باعدت ، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت ؛ أن تصلح قلوبنا أجمعين ، وأن تمنَّ علينا بالاستقامة على طاعتك يا عظيم ، وأن لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، اللهم إنك تعلم ضعفنا وعجزنا وضعفنا وقلة حيلتنا ، اللهم لا تكلنا إلا إليك ، اللهم إنك إن تكلنا إلى أنفسنا تكِلنا إلى ضعفٍ وعجزٍ وقلة حيلة ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر . اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، ونسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ، ونسألك شكر نعمتك وحُسن عبادتك ، ونسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقا ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .
اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال ، اللهم وفِّقه يا رب العالمين وولي عهده وولي ولي العهد يا رب العالمين لما تحب وترضى يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام . اللهم ولِّ على المسلمين أينما كانوا خيارهم ، واصرف عنهم شرارهم يا عظيم .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الشيخ عبدالرزاق البدر

قديم 10-03-2016, 05:46 PM
المشاركة 29
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
ذكر الله تعالى
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، أعد الله للذاكرين الله كثيرا والذاكرات أجراً عظيما، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم ما في السموات وما في الأرض، ويعلم ما كانا وما يكون وكفى به عليما، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله، أنزل عليه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، قال الله سبحانه وتعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)، قال سبحانه وتعالى(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِعباد الله، إن ذكر الله مطردة للشيطان، ومنجاة من النار، وسبب لدخول الجنة، فتقوا الله، وأكثروا من ذكره وشكره، وذكر الله يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالأعمال قال سبحانه وتعالى(أَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)، وقال سبحانه وتعالى(وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، ذكر الله يكون بالقلب كما قال الله جلَّ وعلا في الحديث القدسي:"أنا مع عبدي إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملئي ذكرته في ملأ خير منهم"، ذكر الله يكون بالأعمال من صلاة وزكاة وحج وعمرة، وكل أنواع الطاعات قولينا أول فعليتاً أو مالية فإنه ذكر لله سبحانه وتعالى، ذكر الله تطمأن به القلوب كما قال سبحانه وتعالى(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، ذكر الله يعمر البيوت قال صلى الله عليه وسلم:"مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت"، فأكثروا من ذكر الله، ذكر الله يطرد الشيطان، ويحصن الإنسان قال صلى الله عليه وسلم:"وآمركم بذكر الله فإن مثل ذلك من خرج العدو في طلبه مسرعين فأووا إلى حصن حصين فمنعه الله منهم"، فالمسلم يلجأ إلى ذكر الله دائماً وأبداً ويتحصن به من أعدائه، فيتحصن به من عذاب النار، ومن جميع المكارة.
عباد الله، وأفضل أنواع الذكر لا إله إلا الله، وهي كلمة الإخلاص، وهي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى، وهي الكلمة الطيبة(أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)، فالكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله كما جاء في التفسير، فأكثروا من هذه الكلمة أحيوا بها قلوبكم واعمروا بها بيوتكم ونوروا بها أوقاتكم، لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنة قال:"لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله"، فعودوا ألسنتكم ذكر الله دائماً وأبداً، ولا تنسوا ذكر الله فإن من نسي ذكر الله نسيه الله وستولى عليه الشيطان، كلمة لا إله إلا الله كلمة خفيفة لكنها ثقيلة خفيفة على اللسان ولكنها ثقيلة عند الله، في الحديث:"أن موسى عليه السلام قال:يا ربي علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال:قل يا موسى لا إله إلا الله، قال:يا ربي كل عبادك يقولون هذا، قال:يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهم غيري، والأرضيين السبع وعامرهم في كفه، ولا إله إلا الله في كفه، مالت بهن لا إله إلا الله"، يؤتى يوم القيامة برجل معه تسع وتسعون سجلا من السيئات والأعمال السيئة مملؤه بالأعمال السيئة، كل سجل منها مد البصر، فيقال له هل لك من حسنة؟ فيستحي ويقول:لا يا ربي، فيقال له:بلى إن لك عندنا حسنة وأنك لا تظلم، فيؤتى ببطاقة يعني:ورقة صغيرة مكتوب فيها لا إله إلا الله فتوضع لا إله إلا الله في كفه وتوضع السجلات التسع والتسعين، كل سجل مد البصر توضع في كفه فترجح بهن لا إله إلا الله فيدخل بذلك الجنة، فهي كلمة عظيمة لها وزنها عند الله، ولكنها ليست لفظاً يقال باللسان فقط، وإنما هي كلمة لها معنى، ولها مقتضى لابد من معرفة معناها، ولابد من العمل بمقتضاها، فلا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلى الله، وكل معبود سواه فهو باطل، كما قال سبحانه وتعالى(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)، لا إله إلا الله أرسلت بها الرسل كما قال الله سبحانه(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)، كلمة لا إله إلا الله لها معنى لابد أن يعرفه المسلم ولابد أن يعمل به فهي تنفي جميع الشرك وجميع المعبودات وتثبت العبادة لله وحده فـ(ـلا إله) نفي لجميع ما يعبد من دون الله وإبطال له(إلا الله) إثبات للعبادة لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، لابد أن يقولها الإنسان من القلب كما في الحديث لما سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم:"من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه"، لا يقولها بلسانه فقط، وفي الحديث الآخر:"فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" لا يقولها بلسانه، المنافقون يقولون لا إله إلا الله وهم في الدرك الأسفل من النار، ولن تجد لهم نصيرا، لأنهم يقولونها بألسنتهم ولا يعتقدونها في قلوبهم، ولما قال صلى الله عليه وسلم للمشركين قولوا:لا إله إلا الله تفلحوا قال( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداًإِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)، (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ* وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ)، فأهل الجاهلية أبوا أن يقولها لأنها تبطل أصنامهم كلها تبطل عبادتها للأصنام ومهم لا يردون أن يتركوا عبادة الأصنام، بل يردون أن يتمسكوا بها، وكثير من القبوريين اليوم يعبدون القبور ويستغيثون بها، ويذبحون لها، وينذرون لها، هم يقولون:لا إله إلا الله يقولون:لا إله إلا الله بكثرة ولكنهم لا يعملون بمقتضاها، فلا يتكون عبادة غير الله، لا يخلصون العبادة لله وحده لا شريك له، فكفار قريش أفهم من هؤلاء بمعنى لا إله إلا الله، فلنعرف هذا فإن هذه الكلمة ليست مجرد لفظٍ يقال باللسان فهي كلمة عظيمة لأن لها معناً عظيم ومقتضاً كريم كما قال صلى الله عليه سلم:"أفضل الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، فهي أفضل الذكر، وأعظم الذكر، وهي أخف أنواع الذكر على اللسان كلمة خفيفة لا تأخذ وقت من حياة الإنسان، وفيها الفضل العظيم لكن لمن يعرف معناها، ويعمل بمقتضاها.
فتقوا الله عباد الله، وأكثروا من ذكر الله، ولاسيما كلمة لا إله إلا الله حتى الميت المحتضر يلقن هذه الكلمة قال صلى الله عليه وسلم:"لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإن من كان آخر كلمه لا إله إلا الله دخل الجنة"، يختم بها حياته ويخرج من هذه الدنيا بكلمة عظيمة معتقداً لها مؤمناً بها فيدخل بذلك الجنة، إن لا إله إلا الله تقتضي أن يعمل الإنسان بكل ما أمر الله به، ويترك ما نهاه الله عنه، يترك أولا عبادة غير الله، يترك المعاصي والسيئات، يكثر من الأعمال الصالحة والحسنات، فإن لا إله إلا الله هي مفتاح الجنة، هي مفتاح دار السلام، ولهذا لما قال لوهب بن منبه رحمه الله أليست لا إله إلا الله مفتاح الجنة، قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان فإن جيتا بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك، معناه أن لا إله إلا الله لا يكفي مجرد لفظها كما لا يكفي مجرد المفتاح بدون أسنان بل لابد من الأعمال الصالحة فأسنانها هي الأعمال الصالحة وفي مقدمة ذلك الفرائض.
فتقوا الله عباد الله، وأكثروا من ذكر الله، وأكثروا من لا إله إلا الله، ولا تغفلون عن ذكر الله (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاًبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،أما بعد:
عباد الله، فإن ذكر الله يخالط أعمال المسلم، بل هو روح الأعمال الصالحة ولهذا أمر الله بذكره بعد الصلوات(فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)،فالله جلَّ وعلا أمر بذكره بعد أداء الصلوات المفروضة، وأن يداوم الإنسان على ذكر الله في المسجد وفي خارج المسجد، وقال في الجمعة(فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ونهى أن تولهينا الأموال الأولاد عن ذكر الله قال سبحانه وتعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ)، وقال سبحانه في المساجد(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، فعليكم بالإكثار من ذكر الله في جميع (اذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمأذكروا الله ماشيين وجالسين، أذكروا الله في دكانيكم، ومحلات أعمالكم، أذكروا الله في دوائركم، أذكروا الله في بيوتكم، وأكثروا من ذكر الله دائماً وأبدا لينوره الله قلوبكم ويصلح أعمالكم.
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ادفع عنا الغلا والوبا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ أصلح إمامنا وولي أمرنا، اللَّهُمَّ دله على الخير والرشاد، اللَّهُمَّ رده إليك رداً جميلا، اللَّهُمَّ أصلح بطانته وقرب إليه أهل الخير والصلاح، وأبعد عنه أهل الشر، اللَّهُمَّ أبعد عنه بطانة السوء والمفسدين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمور المسلمين عامة يا رب العالمين (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله،(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)،فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ صالح الفوزان

قديم 10-03-2016, 05:47 PM
المشاركة 30
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
مظاهر تعظيم الله عز وجل
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، إن تعظيم الله أعظم العبادات القلبية التي يجب تحقيقها، والقيام بها، وتربية النفوس على ذلك، إذ شريعة الله مبنيةٌ على تعظيم الله، فتوحيد الله الذي هو أساس الملة والدين هو من تعظيم الله، فالله أجلَّ وأعظم من أن يعبد معه غيره، والشرك منافياً للتوحيد يقول صلى الله عليه وسلم: "قال الله: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِى فِيهِ غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" وقال نوح عليه السلام لقومه لما وقعوا في الشرك بالله: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً) أي مالكم لا تعظمون الله، مالكم لا تقدرون الله حق قدره؛ لأن من عبد غيره فليس بمعظم له ولا بمقدر له حق قدره، وأخبر تعالى أن عظيم المخلوقات السماوات والأرض والجبال أنه قال: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً*لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً*تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً*أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً).
أيها المسلم، إن لتعظيم الله مظاهره ومعالم فمن أعظمها، فمن مظاهر تعظيم الله أن تؤمن بأسماء الله وصفاته، تؤمن بصفات الله الذي وصف بها نفسه ووصف بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وتسمي الله بما سماء به نفسه أو سمائه به رسوله صلى الله عليه وسلم، إيماناً بلا تعطيل وتنزيها بلا تشبيه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ*هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ*هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فمن أسمائه المجيد والكبير والعظيم والجبار، وهو جلَّ وعلا موصفٌ بالكبرياء والعظمة والعزة والجلال، فهو اكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل من كل شيء تعالى وتقدس علواً كبيرا، ومن مظاهر تعظيم الله أن تؤمن بالأثر المترتب على إيمانك بأسماء الله وصفاته، فأنت تعلم أن الله سميعٌ بصير أثر ذلك العلم أن تعلم أن الله يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم سرك وعلانيتك (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، فيدعو كذلك إلى تعظيمه وطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه، ومن مظاهر تعظيمك لربك كمال محبتك له، وتعلق قلبك به، وشوقك إلا لقائه، ومن مظاهر تعظيم ربك خشيته والخوف منه من عقوبته وغضبه وانتقامه (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)، وتؤمن به حق الإيمان مع الطمع في رحمة الله وفضله (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، ومن تعظيمك لربك أن تكون متعلق القلب به تدعوه وترجوه وتضطر إليه دائما في رخاءك وشددتك، وقوتك وضعفك؛ لأنه يقضي الحاجات ويفرج الكربات ويغيث الهفات (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وقال جلَّ وعلا: (مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، ومن أثر تعظيمك لله الإكثار من ذكره والثناء عليه يقول الله جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فلا أحد أحق من الله من ذلك مدح نفسه وأثناء على نفسه، مدح نفسه بخلق السماوات والأرض: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)، أثنى على نفسه بأنه هو الذي أنزل الكتاب العظيم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا)، أثنى على نفسه بأنه جلَّ وعلا أنه لم يتخذ وليِّ من الذل: (وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)، أثنى على نفسه إذا قضاء بعدله بين خلقه قال جلَّ وعلا: (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ومن مظاهر تعظيمك لربك أن تعمل بما أوجب عليك من عبادات التي شرعها لك من واجب ومستحب إخلاصاً لله جلَّ وعلا، بأن تصلي وتزكي وتصوم وتحج وتبر الوالدين وتصل الرحم وتلزم الأخلاق الفاضلة طاعةً لله وقربى تتقرب بها إلى الله، قال بعض السلف: وقد سئل عن قوله: (اتقوا الله) ما حقيقة التقوى؟ قال: حقيقة التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو بذلك ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، ومن أثار تعظيمك لربك معرفتك بقدر نعمه عليك، فأنت تعلم عظيم نعم الله عليك فتتفكر في نفسك: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)، تذكر نعم الله عليك خلقك بأحسن تقويم، صورك فأحسن صورك، أمدك بالسمع والبصر والفؤاد، سخر لك الأبوين، سخر لك ما في السماوات وما نعم منه، نعمه عليك تترا، لا تستطيع أن تحصيها: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، ومن مظاهر تعظيمك لربك أن تتفكر في عظيم مخلوقاته، وكبيرها وجلالها لتعلم عظمة من خلقها (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)، هذه السماوات السبع تفكر في عظيم خلقها وسعتها وكبرها وارتفاعها ودقة صنعتها (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ*ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ)، أنظر إلى الأرض التي جعلها الله ذللها الله لنا (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) جعل الأرض مهادا، وأرساها بالجبال أن لا تميد بنا، ثم أنظر إلى الدواب في السموات والأرض: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ)، فالسماوات على عظمتها يقول صلى الله عليه وسلم: "ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيها ملك قائم لله راكع أو ساجد يدخل البيت المعمور كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم إلى يوم القيامة"، ثم تفكر في الأرض وما فيها من الدواب على اختلافها أجناسها وأنواعها النافع منها والمؤذي منها، لينتفع الناس من النافع ويعلم قدر ضعف أنفسهم أمام قوة تلك المخلوقات ليعلموا بها عظمة من خالقها، هذا الليل والنهار يتعقبان من دقيق (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ)، الشمس والقمر منذ خلقهم الله (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ثم قال: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) كلها عظات وعبر ودلالة على عظم خالق هذا الكون، ليكون في القلب تعظيم لله وإجلال لله، وإخلاص العبادة لله، وتعلق القلوب لله، في كل أحوالنا، في صحتنا ومرضنا، في قوتنا وضعفنا "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ" كلما تعرف المؤمن هذه المخلوقات العظيمة عرف قدر خالقها وعظمة خالقها واستدل على كمال عظمته، وكمال كبرياءه وجلاله؛ وأنه مستحق أن يعبد ويخضع له ويذل له ويطاع فلا يعصى، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المعتبرين: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، إن من تعظيم الله تعظيم شرعه ودينه، بأن تعظم كتاب الله وتعظم سنة محمد صلى الله عليه وسلم تعظمهما التعظيم اللائق بهما؛ بأن تقبل نصوص القرآن وتقبل نصوص السنة بالسمع والطاعة والاستجابة المطلقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، لابد للمسلم أن يعظم شرع الله فإن تعظيمك لأوامر لله بالامتثال، وتعظيمك لنواهي الله بالاجتناب، دليل على تعظيمك بما أمرك ودليل على تعظيمك لما نهاك عن ذلك، ولتعظيم شرع الله معالم فأول ذلك: الاستسلام التام لشرع الله وألا يقع في نفسك حرج من ذلك ولا اختيار لك بل السمع والطاعة واجبان عليك قال جلَّ وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)، ومن مظاهر تعظيم شرع الله ألا يكون في نفسك حرج عند تطبيق أحكام الشريعة بل تقبل وينشرح صدرك بذلك قال الله جلَّ وعلا: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي: ينقادوا ويرضوا بذلك، ومن مظاهر تعظيم الله أن لا يتطول بالبحث عن الحكم، فالحكم إن وجد إن علمتها فالحمد لله، وإلا فأنت على يقين بأن شرع الله مبنيٌ على كمال حكمة الرب وكمال علمه وكمال رحمته وعدله، فقد تستدرج أحيانا وقد تخفى عنك أحيان لكن عليك بالسمع والطاعة والاستجابة التامة، ومن مظاهر تعظيمك لشرع لله أن تمسك لسانك عن الخوض فيما لا تعلمه ولا تتكلم في الشرع إلا بعلم ويقين (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فقول على الله بلا علم دليل الجهل وضعف الإيمان وقلة البصيرة، فالمسلم المعظم لله لا يتكلم بشرع الله إلا بعلم يعلمه، وأما من الذي لا علم عنده فيمسك عما لا يعنيه فذلك أفضل له من أن يخوض بجهل ويقول باطلا ويفتي بخلاف الحق فيرتكب الإثم والعدوان، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفرٌ الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها الناس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، إن المتأمل في كثير من أحوال المسلمين يجد أن هناك أموراً تنافي تعظيم الرب، أموراً تنافي تعظيم الرب وتقديره،أن هناك أموراً تنافي تعظيم الرب جلَّ وعلا ولا تقدر الله حق قدره، هذه المظاهر السيئة مبنيةٌ غالباً على أمور بدعوى الانفتاح، دعوى الحرية الرأي دعوى الحوار المفتوح في الأمور، هذه الأشياء يراد بها الاستهزاء والاستخفاف والسخرية والتنقص لشرع الله؛ بل الطعن في الذات الإلهية ومقام نبينا صلى الله عليه وسلم، الاعتراض على شرع الله، والقدح في أوامر الله ونواهيه، وكأن أولئك ينصبون أنفسهم بأنهم مشرعون العباد (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، والمصيبة أن قضايا الأمة المصيرية في معتقدها وأخلاقها وسلوكها يطرحها البعض من خلال القنوات الفضائية أو الانترنت أو نحو ذلك يطرحونها على بساط البحث فيتكلم جاهلٌ ويتكلم سفيٌ ويتكلم منافقٌ، ويقول من يقول في شرع الله ودينه فيما أحل وفيما حرم، وفيما أمر وفيما نهى، ثم يأتي من يقول إن لكل إنسان حقاً أن يعترض على الله في تشريعه أو يعترض على رسوله بتشريعه أو يناقش الشرع فيقبل ما يوافق عقله ويرفض سواء ذلك، أهاذي الألفاظ ، أهاذي تصدر من قلب ذاق طعم الإيمان إن المؤمن حقاً سماع مطيع لله فيما أمره ونهوه عنه، كونه يعصي، كونه يرتكب المحرم لكن كونه يعترض على الله بما أحل وحرم ويقول هذه أمور انتهاء دورها ومحرمات مضى زمانها ونحن زمان التقدم والرقي المادي والصناعي، يجب أن نلغي بعض المحرمات ونبيح بعض المحرمات ونرفض التقيد بهذه الشريعة ونعترض عليها بأهوائنا وعقولنا كل ذلك منافي للإيمان الصحيح، اسمع الله يقول عن المنافقين هؤلاء المنافقين عن رسول الله وهم منافقو هذا العصر: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ*وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ*أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)ثم قال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) لما أنزل الله على نبيه: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) أشفق الصحابة من عموم هذه الآية، وأتوا رسول الله فجلسوا على الركب وقالوا يا رسول الله: كلفنا من الأعمال من نطيق الصلاة والصيام، وقد جاءت آية لا طاقة لنا بها، قال: "وما هي"، قالوا: قول الله: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) قال: "أتريدون أن تقولوا سمعنا وعصينا، قولوا سمعنا وأطعنا ثم أنزل الله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فلما قراءها القوم ودلت بهم ألسنتهم قال الله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لي عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ يتكلموا بها أَوْ يعملوا ".
فلنتقي الله، معاشر المسلمين يا كتاب الإسلام ويا رجال الإعلام ويا رجال الثقافة والفكر لنتقي الله في أنفسنا، ولنجعل أنفسنا أنصاراً لشرع الله، دعاةً لدين الله، حماةً لهذه العقيدة ولهذه الأخلاق والفضائل، إياكم أن تزل اللسان بما يندم العبد عليه يوم القيامة "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه"، إياكم والاعتراض على شرع الله، وتنقص هذه الشريعة، آمنوا بها حق الإيمان؛ فإن العبد لا يقوي إيمانه حتى يرضى بالله ربا، ويرضى بالإسلام دينا، ويرضى بمحمد نبياً رسولا، سنسأل عن ذلك عندما نضع في ألحادنا ويتخلى عنا أهلونا وأموالنا، فيسأل كل من ما ربك؟ ما دينك؟ ما علمك بهذا الرجل؟، فلنتقي الله في إسلامنا، ولنتقي الله في شريعة رمزنا صلى الله عليه وسلم، ولنحذر من الألسنة البذيئة، والكلمة الوقحة، ولنتأدب في ألفاظنا، فكم ألفاظ يدلي بها بعض الناس؟ لو محصت الحق حقا وحملتها على ظهرها لرأيتها قد تحكم على قائلها بخروجها عن الإسلام؛ ولأنه اعترض على الله ولم يقبل شرع الله، الله جلَّ وعلا حينما ذكر شبه المعترضين ذكرها ذا من لها منتقص لها، لما قال القائل: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا) قال الله: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) ذكرها ذا من لها ولأهلها لا مادح لها ولا آمناً فيها، فإن الواجب علينا أن نسمع ونطيع لما قال ربنا ولما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن نخضع كل أمورنا لتوافق المنهج القويم الذي رضاه الله لنا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)، فنسأل الله الثبات على الحق، والاستقامة على الهدى (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)، نسال الله الثبات على الحق، والاستقامة على الهدى، وأن يطهر قلوبنا من النفاق والضلال، وألسنتنا من الفحش والبذاءة إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلكم ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهدين الذين قضوا بالحق وبه قائمون، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، واجعل هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا وأصلح ولاة أمور المسلمين عامة إنك علة كل شيء قدير، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير سدده في أقواله وأعماله، ومنحه الصحة والعافية، اللَّهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مسئوليته إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله،(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ( مفتي المملكة )




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 02:41 AM.