منتديات الأماكن

منتديات الأماكن (https://www.al-amakn.com/vb//index.php)
-   ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ (https://www.al-amakn.com/vb//forumdisplay.php?f=6)
-   -   أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ (https://www.al-amakn.com/vb//showthread.php?t=90989)

تعبت أسافر 10-03-2016 05:51 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
الذبح لغير الله شرك
التقرب بذبح الخرفان في أضرحة الأولياء الصالحين ما زال موجود في عشيرتي . . نهيت عنه ، لكنهم لم يزدادوا إلا عنادا قلت لهم : إنه شرك بالله ، قالوا : نحن نعبد الله حق عبادته ، لكن ما ذنبنا إن زرنا أولياءه وقلنا لله في تضرعاتنا: (بحق وليك الصالح فلان اشفنا أو أبعد عنا الكرب الفلاني . .) قلت: ليس ديننا دين واسطة قالوا : اتركنا وحالنا .
ما الحل الذي تراه صالحا لعلاج هؤلاء ؟
ماذا أعمل تجاههم ؟ وكيف أحارب البدعة ؟ وشكرا
من المعلوم بالأدلة من الكتاب والسنة أن التقرب بالذبح لغير الله من الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المخلوقات شرك بالله ومن أعمال الجاهلية والمشركين قال الله عز وجل (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[1]، والنسك هو الذبح وبين سبحانه في هذه الآية أن الذبح لغير الله شرك بالله كالصلاة لغير الله. وقال تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[2] أمر الله سبحانه نبيه في هذه السورة الكريمة أن يصلي لربه وينحر له خلافا لأهل الشرك الذين يسجدون لغير الله ويذبحون لغيره، وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ)[3]، وقال سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)[4]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، والذبح من العبادة فيجب إخلاصه لله وحده، وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله من ذبح لغير الله)).
وأما قول القائل :
أسأل الله بحق أوليائه أو بجاه أوليائه أو بحق النبي أو بجاه النبي فهذا ليس من الشرك ولكنه بدعة عند جمهور أهل العلم ومن وسائل الشرك لأن الدعاء عبادة وكيفيته من الأمور التوقيفية ولم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما يدل على شرعية أو إباحة التوسل بحق أو جاه أحد من الخلق فلا يجوز للمسلم أن يحدث توسلا لم يشرعه الله سبحانه وتعالى لقول الله عز وجل: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )[5]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري في صحيحه جازما بها: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))، ومعنى قوله: ((فهو رد)) أي مردود على صاحبه لا يقبل، فالواجب على أهل الإسلام التقيد بما شرعه الله والحذر مما أحدثه الناس من البدع، أما التوسل المشروع فهو التوسل بأسماء الله وصفاته وبتوحيده وبالأعمال الصالحات والإيمان بالله ورسوله ومحبة الله ورسوله ونحو ذلك من أعمال البر والخير، والله ولي التوفيق.
[1] سورة الأنعام الآية 162.
[2] سورة الكوثر الآية 1-2.
[3] سورة الإسراء الآية 23.
[4] سورة البينة الآية 5.
[5] سورة الشورى الآية 21.
الشيخ عبدالعزيز بن باز

تعبت أسافر 10-03-2016 05:51 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
زيارة القبور والتوسل بالأضرحة وأخذ أموال التوسل
من جمهورية مصر العربية يقول فيه: ما حكم الدين الإسلامي في زيارة القبور والتوسل بالأضرحة وأخذ خروف وأموال للتوسل بها كزيارة السيد البدوي والحسين والسيدة زينب أفيدونا أفادكم الله.
زيارة القبور نوعان:
أحدهما:
مشروع ومطلوب لأجل الدعاء للأموات والترحم عليهم ولأجل تذكر الموت والإعداد للآخرة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)) وكان يزورها صلى الله عليه وسلم، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم، وهذا الفرع للرجال خاصة لا للنساء، أما النساء فلا يشرع لهن زيارة القبور بل يجب نهيهن عن ذلك. لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور من النساء، ولأن زيارتهن للقبور قد يحصل بها فتنة لهن أو بهن مع قلة الصبر وكثرة الجزع الذي يغلب عليهن، وهكذا لا يشرع لهن اتباع الجنائز إلى المقبرة. لما ثبت في الصحيح عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) فدل ذلك على أنهن ممنوعات من اتباع الجنائز إلى المقبرة لما يخشى في ذلك من الفتنة لهن وبهن، وقلة الصبر، والأصل في النهي: التحريم لقول الله سبحانه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[1]، أما الصلاة على الميت فمشروعة للرجال والنساء كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، أما قول أم عطية رضي الله عنها: (لم يعزم علينا)، فهذا لا يدل على جواز اتباع الجنائز للنساء؛ لأن صدور النهي عنه صلى الله عليه وسلم كاف في المنع، وأما قولها: (لم يعزم علينا) فهو مبني على اجتهادها وظنها، واجتهادها لا يعارض به السنة.
النوع الثاني:
بدعي وهو:
زيارة القبور لدعاء أهلها والاستغاثة بهم أو للذبح لهم أو للنذر لهم، وهذا منكر وشرك أكبر نسأل الله العافية، ويلتحق بذلك أن يزوروها للدعاء عندها والصلاة عندها والقراءة عندها، وهذا بدعة غير مشروع ومن وسائل الشرك، فصارت في الحقيقة ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
مشروع، وهو أن يزوروها للدعاء لأهلها أو لتذكر الآخرة.
الثاني:
أن تزار للقراءة عندها أو للصلاة عندها أو للذبح عندها فهذه بدعة ومن وسائل الشرك.
الثالث:
أن يزوروها للذبح للميت والتقرب إليه بذلك، أو لدعاء الميت من دون الله أو لطلب المدد منه أو الغوث أو النصر فهذا شرك أكبر نسأل الله العافية، فيجب الحذر من هذه الزيارات المبتدعة، ولا فرق بين كون المدعو نبيا أو صالحا أو غيرهما، ويدخل في ذلك ما يفعله بعض الجهال عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم من دعائه والاستغاثة به، أو عند قبر الحسين أو البدوي أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهم، والله المستعان.
[1] سورة الحشر الآية 7
الشيخ عبدالعزيز بن باز

تعبت أسافر 10-03-2016 05:51 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
حكم طلب المدد من الرسول
نسمع أقواما ينادون: مدد يا رسول الله، أو مدد يا نبي، فما الحكم في ذلك؟
هذا الكلام من الشرك الأكبر، ومعناه طلب الغوث من النبي- صلى الله عليه وسلم-وقد أجمع العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم- وأتباعهم من علماء السنة على أن الاستغاثة بالأموات من الأنبياء وغيرهم، أو الغائبين من الملائكة أو الجن وغيرهم، أو بالأصنام والأحجار والأشجار أو بالكواكب ونحوها من الشرك الأكبر، لقول الله عز وجل:
( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[1]،
وقوله سبحانه: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير)ٍ[2].
وقول الله عز وجل:
(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)[3]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهذا العمل هو دين المشركين الأولين من كفار قريش وغيرهم، وقد بعث الله الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب بإنكاره والتحذير منه، كما قال الله سبحانه:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[4]،
وقال سبحانه( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[5]، وقال عز وجل( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ)[6]، وقال سبحانه( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)[7]، فأوضح سبحانه في هذه الآيات أنه أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده لا شريك له بأنواع العبادة من: الدعاء والاستغاثة والخوف والرجاء والصلاة والصوم والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة، وأخبر أن المشركين من قريش وغيرهم يقولون للرسل ولغيرهم من دعاة الحق ما نعبدهم - يعنون الأولياء- إلا ليقربونا إلى الله زلفى، والمعنى أنهم عبدوهم ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم، لا لأنهم يخلقون ويرزقون ويتصرفون في الكون، فأكذبهم الله وكفرهم بذلك فقال سبحانه( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )فبين سبحانه أنهم كذبة في قولهم: إن الأولياء المعبودين من دون الله يقربونهم إلى الله زلفى، وحكم عليهم أنهم كفار بذلك، فقال سبحانه( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) وبين سبحانه في آية أخرى من سورة يونس أنهم يقولون في معبوديهم من دون الله إنهم شفعاء عند الله، وذلك في قوله سبحانه( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)[8] فأكذبهم سبحانه فقال:
(قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[9].
وبين عز وجل في سورة الذاريات أنه خلق الثقلين الجن والإنس ليعبدوه وحده دون كل ما سواه، فقال عز وجل(
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ )
[10]فالواجب على جميع الجن والإنس أن يعبدوا الله وحده وأن يخلصوا له العبادة، وأن يحذروا عبادة ما سواه من الأنبياء وغيرهم، لا بطلب المدد ولا بغير ذلك من أنواع العبادة، عملا بالآيات المذكورات وما جاء في معناها، وعملا بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وعن غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام أنهم دعوا الناس إلى توحيد الله وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه، ونهوهم عن الشرك به وعبادة غيره، وهذا هو أصل دين الإسلام الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب وخلق من أجله الثقلين، فمن استغاث بالأنبياء أو غيرهم، أو طلب منهم المدد أو تقرب إليهم بشيء من العبادة، فقد أشرك بالله وعبد معه سواه، ودخل في قوله تعالى( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[11]، وفي قوله عز وجل( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[12]، وقوله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[13]، وقوله سبحانه( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[14]، ولا يستثنى من هذه الأدلة إلا من لم تبلغه الدعوة ممن كان بعيدا عن بلاد المسلمين، فلم يبلغه القرآن ولا السنة، فهذا أمره إلى الله سبحانه، والصحيح من أقوال أهل العلم في شأنه أنه يمتحن يوم القيامة، فإن أطاع الأمر دخل الجنة، وإن عصى دخل النار، وهكذا أولاد المشركين الذين ماتوا قبل البلوغ، فإن الصحيح فيهم قولان: أحدهما أنهم يمتحنون يوم القيامة، فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار. لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) متفق على صحته. فإذا امتحنوا يوم القيامة ظهر علم الله فيهم، والقول الثاني: أنهم من أهل الجنة؛ لأنهم ماتوا على الفطرة قبل التكليف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل مولود يولد على الفطرة))، وفي رواية: ((على هذه الملة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في روضة من رياض الجنة وعنده أطفال المسلمين وأطفال المشركين. وهذا القول هو أصح الأقوال في أطفال المشركين للأدلة المذكورة، ولقوله سبحانه: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)[15] ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله، في [الفتح] جـ 3 ص 347 في شرح باب: ما قيل في أولاد المشركين من كتاب الجنائز: إن هذا القول هو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون، انتهى المقصود.
ويستثنى من ذلك أيضا دعاء الحي الحاضر، فيما يقدر عليه، فإن ذلك ليس من الشرك لقول الله عز وجل في قصة موسى مع القبطي: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)
[16] ولأن كل إنسان يحتاج إلى إعانة إخوانه فيما يحتاج إليه في الجهاد وفي غيره مما يقدرون عليه، فليس ذلك من الشرك، بل ذلك من الأمور المباحة، وقد يكون ذلك التعاون مسنونا، وقد يكون واجبا على حسب الأدلة الشرعية. والله ولي التوفيق.
[1] سورة الجن الآية 18.
[2] سورة فاطر الآيتان 13 – 14.
[3] سورة المؤمنون الآية 117.
[4] سورة النحل الآية 36.
[5] سورة الأنبياء الآية 25.
[6] سورة هود الآيتان 1 – 2.
[7] سورة الزمر الآيات 1 – 3.
[8] سورة يونس الآية 18.
[9] سورة يونس الآية 18.
[10] سورة الذاريات الآية 56.
[11] سورة الأنعام الآية 88.
[12] سورة الزمر الآية 65.
[13] سورة النساء الآية 48.
[14] سورة المائدة الآية 72.
[15] سورة الإسراء الآية 15.
[16] سورة القصص الآية 15.
الشيخ عبدالعزيز بن باز

تعبت أسافر 10-03-2016 05:52 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
الجمع بين حديثين متعلقين بالرقى والتمائم والتولة
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك))، وعن جابر رضي الله عنه قال: كان لي خال يرقي من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، قال فأتاه فقال: يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى وأنا أرقي من العقرب فقال: ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل))، ما هو الجمع بين أحاديث المنع والجواز في موضوع الرقى؟ وما حكم تعليق الرقى من القرآن على صدر المبتلى؟ ع. س. ف من الرياض.
الرقى المنهي عنها هي:
الرقى التي فيها شرك، أو توسل بغير الله، أو ألفاظ مجهولة لا يعرف معناها:
أما الرقى السليمة من ذلك فهي مشروعة ومن أعظم أسباب الشفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا))،وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه))خرجهما مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا رقية إلا من عين أو حمة))ومعناه لا رقية أولى وأشفى من الرقية من هذين الأمرين، وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورقي.
أما تعليق الرقى على المرضى أو الأطفال فذلك لا يجوز، وتسمى الرقى المعلقة: التمائم وتسمى الحروز والجوامع؛ والصواب فيها أنها محرمة ومن أنواع الشرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلق تميمة فقد أشرك))،وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)).
واختلف العلماء في التمائم إذا كانت من القرآن أو من الدعوات المباحة هل هي محرمة أم لا ؟ والصواب تحريمها لوجهين:
أحدهما:
عموم الأحاديث المذكورة، فإنها تعم التمائم من القرآن وغير القرآن.
والوجه الثاني:
سد ذريعة الشرك فإنها إذا أبيحت التمائم من القرآن اختلطت بالتمائم الأخرى واشتبه الأمر وانفتح باب الشرك بتعليق التمائم كلها، ومعلوم أن سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي من أعظم القواعد الشرعية. والله ولي التوفيق.
الشيخ عبدالعزيز بن باز

تعبت أسافر 10-03-2016 05:52 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
حكم سؤال السحرة والمشعوذين
الأخ ص. ع. ب من الرياض يقول في سؤاله: يوجد في بعض جهات اليمن أناس يسمون (السادة) وهؤلاء يأتون بأشياء منافية للدين مثل الشعوذة وغيرها، ويدعون أنهم يقدرون على شفاء الناس من الأمراض المستعصية ويبرهنون على ذلك بطعن أنفسهم بالخناجر أو قطع ألسنتهم ثم إعادتها دون ضرر يلحق بهم، وهؤلاء منهم من يصلي ومنهم من لا يصلي. وكذلك يحلون لأنفسهم الزواج من غير فصيلتهم ولا يحلون لأحد الزواج من فصيلتهم، وعند دعائهم للمرضى يقولون (يا الله يا فلان) أحد أجدادهم.
وفي القديم كان الناس يكبرونهم ويعتبرونهم أناسا غير عاديين وأنهم مقربون إلى الله، بل يسمونهم رجال الله، والآن انقسم الناس فيهم: فمنهم من يعارضهم وهم فئة الشباب وبعض المتعلمين، ومنهم من لا يزال متمسكا بهم وهم كبار السن وغير المتعلمين. نرجو من فضيلتكم بيان الحقيقة في هذا الموضوع؟
هؤلاء وأشباههم من جملة المتصوفة الذين لهم أعمال منكرة وتصرفات باطلة، وهم أيضا من جملة العرافين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) وذلك بدعواهم علم الغيب وخدمتهم للجن وعبادتهم إياهم، وتلبيسهم على الناس بما يفعلون من أنواع السحر الذي قال الله فيه في قصة موسى وفرعون: (قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)[1] فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم لهذا الحديث الشريف، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))، وفي لفظ آخر: ((من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)).
وأما دعاؤهم غير الله واستغاثتهم بغير الله، أو زعمهم أن آباءهم وأسلافهم يتصرفون في الكون أو يشفون المرضى أو يجيبون الدعاء مع موتهم أو غيبتهم فهذا كله من الكفر بالله عز وجل، ومن الشرك الأكبر، فالواجب الإنكار عليهم وعدم إتيانهم، وعدم سؤالهم، وعدم تصديقهم؛ لأنهم قد جمعوا في هذه الأعمال بين عمل الكهنة والعرافين وبين عمل المشركين عباد غير الله والمستغيثين بغير الله، والمستعينين بغير الله من الجن والأموات وغيرهم ممن ينتسبون إليهم، ويزعمون أنهم آباؤهم وأسلافهم، أو من أناس آخرون يزعمون أن لهم ولاية أو لهم كرامة، بل كل هذا من أعمال الشعوذة، ومن أعمال الكهانة والعرافة المنكرة في الشرع المطهر.
وأما ما يقع منهم من التصرفات المنكرة من طعنهم أنفسهم بالخناجر، أو قطعهم ألسنتهم فكل هذا تمويه على الناس، وكله من أنواع السحر المحرم الذي جاءت النصوص من الكتاب والسنة بتحريمه والتحذير منه كما تقدم، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بذلك، وهذا من جنس ما قاله الله سبحانه وتعالى عن سحرة فرعون:
( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)[2]، فهؤلاء قد جمعوا بين السحر وبين الشعوذة والكهانة والعرافة وبين الشرك الأكبر. والاستعانة بغير الله والاستغاثة بغير الله وبين دعوى علم الغيب والتصرف في علم الكون، وهذه أنواع كثيرة من الشرك الأكبر والكفر البواح، ومن أعمال الشعوذة التي حرمها الله عز وجل، ومن دعوى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؛ كما قال سبحانه:
( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ)[3].
فالواجب على جميع المسلمين العارفين بحالهم الإنكار عليهم، وبيان سوء تصرفاتهم، وأنها منكرة، ورفع أمرهم إلى ولاة الأمور إذا كانوا في بلاد إسلامية حتى يعاقبوهم بما يستحقون شرعاً حسماً لشرهم وحماية للمسلمين من أباطيلهم وتلبيسهم. والله ولي التوفيق.
[1] سورة الأعراف الآية 116.
[2] سورة طه الآية 66.
[3] سورة النمل الآية 65.
الشيخ عبدالعزيز بن باز

تعبت أسافر 10-03-2016 05:52 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
ما حكم من مات على الشرك، وهو لا يعلم أنه من الشرك؟
من مات على الشرك فهو على خطر عظيم؛ لقول الله سبحانه:
(وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[1]،
وقال تعالى( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ)[2]،
وقال تعالى( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)[3]،
وقال سبحانه( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[4]، فهذا وعيدهم ومصيرهم كسائر الكفرة الكفر الأكبر، وحكمهم في الدنيا أنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين، أما إن كان أحد منهم لم تبلغه الدعوة - أعني القرآن والسنة - فهذا أمره إلى الله سبحانه يوم القيامة كسائر أهل الفترة،والأرجح عند أهل العلم في ذلك في حكمهم أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
وقد بسط الكلام في ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه "في طريق الهجرتين". حيث قال: (المذهب الثامن: أنهم يمتحنون في عرصات القيامة ويرسل إليهم هناك رسول وإلى كل من لم تبلغه الدعوة، فمن أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه أدخله النار، وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة وبعضهم في النار، وبهذا يتألف شمل الأدلة كلها).
أما إن كان أحد منهم عنده جهل فيما وقع فيه من الشرك فأمره إلى الله جل وعلا، والحكم على الظاهر، فمن كان ظاهره الشرك حكمه حكم المشركين وأمره إلى الله جل وعلا الذي يعلم كل شيء سبحانه وتعالى.
[1] سورة الأنعام من الآية 88.
[2] سورة التوبة الآية 17.
[3] سورة الفرقان الآية 23.
[4] سورة النساء الآية 48.
الشيخ عبدالعزيز بن باز

تعبت أسافر 10-03-2016 05:52 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
لطائف قرآنية :
"القرآن: كلام الله تعالى المعجز، المنَزَّل على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبَّد بتلاوته، المبدوء بسورة الحمد، المختوم بسورة الناس".
ولأن القرآن كلامه سبحانه وتعالى كان لزاماً علينا أن نُخصص بعض ردود هذا الموضوع لهذا القرآن العظيم .
لطائف قرآنية :
فما أشدها من حسرة وما أعظمها من غبنة على من أفنى أوقاته في طلب العلم ثم يخرج من الدنيا وما فهم حقائق القرآن ولا باشر قلبه أسراره ومعانيه فالله المستعان .
ابن القيم ـ بدائع الفوائد .
قال تعالى في سورة الواقعة عن نار الدنيا :
( نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين )

فأخبر سبحانه أنها تذكرة تذكر بنار الآخرة ومنفعة للنازلين بالقواء وهم المسافرون .
والسؤال لماذا خص الله المقوين بالذكر مع أن منفعتها عامة للمسافرين والمقيمين ؟
تنبيها ً لعباده والله أعلم بمراده من كلامه على أنهم كلهم مسافرون وأنهم في هذه الدار على جناح سفر ليسوا مقيمين ولا مستوطنين .

ابن القيم ـ طريق الهجرتين .
قال تعالى :
( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون )
فتأمل كمال طاعتها وحسن ائتمارها لأمر ربها تعالى كيف اتخذت بيوتها في الجبال وفي الشجر وفي بيوت الناس حيث يعرشون أي يبنون العروش وهي البيوت فلا يرى للنحل بيت غير هذه الثلاثة البتة .
وتأمل كيف أن أكثر بيوتها في الجبال وهو البيت المقدم في الآية ثم الأشجار وهو من أكثر بيوتها وأقل بيوتها بينهم حيث يعرشون .
ابن القيم ـ مفتاح دار السعادة .
قال تعالى في سورة الطور ( والبيت المعمور )
وهذا البيت هو كعبة أهل السماء ولهذا وجد ابراهيم الخليل عليه السلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور لأنه باني الكعبة الأرضية والجزاء من جنس العمل .

ابن كثير ـ تفسير القرءان العظيم .
لطائف قرآنية :
إني لأعجب ممن قرأ القرءان ولم يعلم تأويله كيف يلتذ بقراءته ! !
ابن جرير الطبري ـ معجم الأدباء .
قال تعالى : ( إنما المشركون نجس )
نجاسة المشرك عينية ولهذا جعل سبحانه المشرك نَجَساً بفتح الجيم ولم يقل إنما المشركون نجِِس بالكسر فإن النَجَس عين النجاسة والنجِس ( بالكسر ) هو المتنجس فأنجس النجاسة الشرك كما أنه أظلم الظلم .
ابن القيم ـ إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان .
قال تعالى في قصة ابني آدم ( فبعث الله غراباً يبحث في الأرض )
تأمل الحكمة في إرسال الله تعالى لابن آدم الغراب المؤذن اسمه بغربة القاتل من أخيه وغربته هو من رحمة الله وغربته من أبيه وأهله واستيحاشه منهم واستيحاشهم منه .
ابن القيم ـ مفتاح دار السعادة .


قال بعض أهل الفضل من المفسرين :
الغراب أحد الفواسق الخمسة وفعل ابن آدم وهو القتل من أعظم الفسق فناسب مابعث إليه هذا الفعل والله أعلم بمراد كتابه .
ذكر الله جل وعلا في سورة التحريم عن امرأة فرعون قولها :
( رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة )
فطلبت كون البيت عنده قبل طلبها أن يكون في الجنة فإن الجار قبل الدار .
ابن القيم ـ بدائع الفوائد .



قال تعالى : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا )
ويشبه أن يكون تحت هذا الخطاب نوع من العتاب لطيف عجيب !
وهو أني عاديت إبليس إذ لم يسجد لأبيكم آدم مع ملائكتي فكانت معاداته لأجلكم ثم كان عاقبة هذه المعاداة أن عقدتم بينكم وبينه عقد المصالحة ! ! .

ابن القيم ـ الداء والدواء .
قال تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )
انظر إلى هذه اللطيفة القرآنية في هذه الآية إذ ورد فيها لفظ السؤال ولم يأت بعده لفظ ( قل ) كما هو في آيات السؤال الأخرى في القرءان الكريم مثل قوله تعالى ( يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج )
وقوله تعالى ( يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو )
وفي هذا والله أعلم إشارة إلى رفع الواسطة بين العبد وربه في مقام التعبد والدعاء .
بكر أبوزيد ـ تصحيح الدعاء .
لطائف قرآنية :
ينبغي لتالي القرءان العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهامهم وأن يعلم أن مايقرؤه ليس من كلام البشر وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه ويتدبر كلامه .

ابن الجوزي .
قال تعالى ( لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور)
بدأ سبحانه بذكر الإناث فقدم ماكانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدوهن فقال الله هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي عند الذكر .
وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث وعرف الذكور فجبر نقص الأنوثة بالتقديم وجبر نقص التأخير للذكور بالتعريف فإن التعريف تنويه والله أعلم بالمراد من ذلك .

ابن القيم ـ تحفة المودود بـأحكام المولود .
قال تعالى في شأن يوسف وامرأة العزيز( واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب )
تأمل :

المتبادر للذهن أن يكون الخطاب وألفيا سيدهما لأن يوسف مملوك لدى العزيز فلماذا نسبت السيادة للمرأة فقط ؟
لأن يوسف مسلم والعزيز كافر ولا تكون أبداً السيادة للكافر على المسلم .
البقاعي ـ نظم الدرر .
لطائف قرآنية :
إدا أردتم العلم فاقرؤا هذا القرءان فإن فيه علم الأولين والآخرين .
قال تعالى ( ولما سكت عن موسى الغضب )
عدل سبحانه عن قوله سكن إلى قوله ( سكت ) تنزيلاً للغضب منزلة السلطان الآمر الناهي الذي يقول لصاحبه :افعل لا تفعل فهو مستجيب لداعي الغضب الناطق فيه المتكلم على لسانه .
ابن القيم ـ إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان .

قال تعالى في الثناء على أيوب عليه السلام :
( إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب )
فأطلق عليه نعم العبد بكونه وجده صابراً وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلي فإنه بئس العبد .
ابن القيم ـ عدة الصابرين .
قال تعالى في سورة لقمان ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم مافي الأرحام وماتدري نفس ماذا تكسب غدا وماتدري نفس بأي أرض تموت )
تأمل : قال سبحانه وماتدري نفس ماذا تكسب غدا ولم يقل وماتدري نفس ماذا تعمل غدا فلماذا ؟
لأن النفوس تعلم ماذا ستعمل في غدها لكن هل تكسبه أم لا هذا في علم الله عزوجل .

ابن عثيمين ـ مجموع الفتاوى .
لطائف قرآنية :
البيت الذي يتلى فيه كتاب الله كثُر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين ، والبيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله ضاق بأهله وقل خيره وحضرته الشياطين وخرجت منه الملائكة .
أبو هريرة رضي الله عنه ـ الزهد لابن المبارك .
قال تعالى : ( يا أيها الدين ءامنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم )
ليس المراد من هذه العداوة ما يفهمه كثير من الناس أنها عداوة البغضاء والمحادة بل إنما هي عداوة المحبة الصادة للآباء عن الهجرة والجهاد والتعلم والصدقة وغير ذلك من أمور البر وأعمال الخير .

ابن القيم ـ عدة الصابرين .
أما ما يذكره العوام أن ( يس ) و ( طه ) من أسماء النبي فغير صحيح ليس في ذلك حديث صحيح ولا حسن ولا مرسل ولا أثر عن صاحب إنما هذه الحروف مثل (ألم ) و(حم) ونحوها .
ابن القيم ـ تحفة المودود .

قال تعالى في قصة كعب بن مالك وصاحبيه في غزوة تبوك : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا )
يتبادر للذهن أن المقصود بالذين خلفوا أي تخلفوا عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذا صحيح ؟
ليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا .

كعب بن مالك رضي الله عنه ـ صحيح البخاري .
قد فسرها كعب بالصواب فليس ذلك تخلفهم عن الغزو لأن الله لو أراد ذلك لقال وعلى الثلاثة الذين تخلفوا .
ابن القيم ـ مدارج السالكين .
لطائف قرآنية :
لم نجد شيئاً أرق لهذه القلوب ولا أشد استجلاباً للحق من قراءة القرءان لمن تدبره .
وهيب بن الورد ـ حلية الأولياء .

قال تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلاتعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون ) .
تأمل :
كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لاتعلمه نفس .
وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقومون إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة .

ابن القيم ـ حادي الأرواح .
قال تعالى : ( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية )
أما العيشة الراضية فالوصف بها أحسن من الوصف بالمرضية فإنها اللائقة بهم فشبه ذلك برضاها بهم كما رضوا بها وهذا أبلغ من مجرد كونها مرضية فقط فتأمله .
ابن القيم ـ التبيان في أيمان القرءان .
لطائف قرآنية :
القرءان لا يثبت في الصدر ولا يسهل حفظه وييسر فهمه إلا القيام به في جوف الليل .
الشنقيطي ـ أضواء البيان .

تقديم الأموال على الأنفس في الجهاد وقع في جميع القرءان إلا في موضع واحد قدمت فيه الأنفس وهو قوله تعالى ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة )
فما الحكمة من ذلك ؟

تقديم الأنفس هنا هو الأولى لأنها هي المشتراة بالحقيقة وهي مورد العقد وهي السلعة التي استامها ربها وطلب شراءها لنفسه وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنته .
والأموال تبع لها فإذا ملك المشتري النفس ملك مالها فإن العبد وما يملكه لسيده .
فحسن تقديم النفس على المال في هذه الآية حسناً لا مزيد عليه .

ابن القيم ـ بدائع الفوائد .
لطائف قرآنية :
من أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بعقله وتدبره بقلبه وجد فيه من الفهم والحلاوة والهدى وشفاء القلوب والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومه و لا منثوره .
ابن تيمية ـ اقتضاء الصراط المستقيم .
قال تعالى ( ومن شر حاسد إذا حسد )
تأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله ( إذا حسد ) لأن الرجل قد يكون عنده حسد ولكن يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما لا بقلبه لا بلسانه ولا بيده .
بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك ولا يعامل أخاه إلا بما يحب فهذا لا يكاد يخلو منه أحد .

ابن القيم ـ بدائع الفوائد .
قال ابن تيمية : ما خلا جسد من حسد فالكريم يخفيه واللئيم يبديه .
قال تعالى عن القرءان : ( قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور )
وقال تعالى عن العسل : ( فيه شفاء للناس )

لم يصف الله في كتابه بالشفاء إلا القرءان والعسل فهما الشفاءان .
القرءان شفاء القلوب من أمراض غيها وضلالها وأدواء شبهاتها وشهواتها .
والعسل شفاء الأبدان من كثير من أسقامها وأخلاطها وآفاتها .
ولقد أصابني أيام مقامي بمكة أسقام مختلفة ولا طبيب هناك ولا أدوية فكنت استشفي بالعسل وماء زمزم ورأيت فيهما من الشفاء أمراً عجباً .
وتأمل إخباره سبحانه وتعالى عن القرءان بأنه نفسه شفاء وقال عن العسل فيه شفاء للناس وما كان نفسه شفاء أبلغ مما جعل فيه شفاء .
ابن القيم ـ مفتاح دار السعادة .
لطائف قرآنية :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من علّم آية من كتاب الله كان له ثوابها ما تليت ) .
السلسة الصحيحة للألباني .

من قرئ عليه القرآن فليقدر نفسه كأنما يسمعه من الله يخاطبه به ، وعندئذ تزدحم معاني المسموع ولطائفه و عجائبه على قلبه .
ابن القيم ـ مدارج السالكين .
قال تعالى ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ) .
في الآية دليل على جواز ترك إنفاذ الوعيد ، والدليل على ذلك بقاء المنافقين معه صلى الله عليه وسلم حتى مات .
والمعروف من أهل الفضل إتمام وعدهم وتأخير وعيدهم .

القرطبي ـ الجامع لأحكام القرآن .
قال تعالى : ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) .
تأمل حكمته تعالى في محق أموال المرابين وتسليط المتلفات عليها كما فعلوا بأموال الناس ومحقوها عليهم وأتلفوها بالربا ، جوزوا إتلافاً بإتلاف !
فقل أن ترى مرابياً إلا وآخرته إلى محق وقلة وحاجة .
ابن القيم ـ مفتاح دار السعادة .

قال تعالى : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) .
أشارت الآية إلى أنه كلما منّ الله سبحانه وتعالى على إنسان بشيء كانت مطالبته بالعبادة أثر لأن الملائكة لما قالت ( إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) . أمرتها بالقنوت والسجود والركوع ، فدل هذا على أنه ينبغي للإنسان كلما ازدادت عليه نعم الله أن يزداد على ذلك شكراً بالقنوت لله والركوع والسجود وسائر العبادات .
ابن عثيمين ـ تفسير سورة آل عمران .
قال تعالى في قصة ذي القرنين (حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال ءاتوني أفرغ عليه قطراً * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً ) .
في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون وحبس أهل الفساد فيها ومنعهم من التصرف لما يريدونه ولا يتركون وما هم عليه .
القرطبي ـ الجامع لأحكام القرآن .

تعبت أسافر 10-03-2016 05:53 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
لطائف قرآنية ( 2 )
حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء :
أحدهما : رد الحق لمخالفته هواك ، فإنك تعاقب بتقليب القلب ، ورد ما يرد عليك من الحق رأساً ، ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك .

قال تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) .فعاقبهم على رد الحق أول مرة بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك .
الثاني : التهاون بالأمر إذا حضر وقته فإنك إن تهاونت به ثبطك الله و أقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك .
قال تعالى : ( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ) .فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فلتهنه السلامة .

ابن القيم ـ بدائع الفوائد .
قال ابن عقيل يوماً في وعظه : يا من يجد من قلبه قسوة ، احذر أن تكون نقضت عهداً فإن الله يقول :
( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ) .

ذم قسوة القلب لابن رجب .
لطائف قرآنية :
اعلم أن علم التفسير أجلّ العلوم على الإطلاق ، وأفضلها وأوجبها وأحبها إلى الله ؛ لأن الله أمر بتدبر كتابه والتفكر في معانية والاهتداء بآياته وأثنى على القائمين بذلك وجعلهم في أعلى المراتب ووعدهم أسنى المواهب . فلو أنفق العبد جواهر عمره في هذا الفن لم يكن ذلك كثيراً في جنب ما هو أفضل المطالب ، وأعظم المقاصد وأصل الأصول كلها وقاعدة أساسيات الدين وصلاح أمور الدين والدنيا والآخرة ، وكانت حياة العبد زاهرة بالهدى والخير والرحمة وطيب الحياة والباقيات الصالحات .
السعدي ـ القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن .

قال تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا ) .
من طلب من الفقراء الدعاء أو الثناء خرج من هذه الآية ، ولهذا كانت عائشة إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول للمرسول :اسمع ما دعوا به لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا ويبقى أجرنا على الله .
ابن تيمية ـ مجموع الفتاوى .
قال تعالى :
( فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً ) .

كان يقال : زيد بن محمد حتى نزل : ( ادعوهم لأبائهم ) فقال : أنا زيد بن حارثة ، وحرُم عليه أن يقول : أنا زيد بن محمد .فلما نزع عنه هذا الشرف وهذا الفخر ، وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي أنه سماه في القرآن فقال تعالى :
( فلما قضى زيد منها وطراً ) . ومن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم حتى صار اسمه قرآناً يتلى في المحاريب ، نوه به غاية التنويه ، فكان هذا تأنيس له وعوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم له .

عبدالرحمن السهيلي ـ الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام .
قال تعالى ( وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ) .ثم قال ( إني ءامنت بربكم فاسمعون ) . فكان جزاءه من قومه القتل ، فقيل له عند موته ( قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) .
في هذه الآيات تنبيه عظيم ، ودلالة على وجوب كظم الغيظ ، والحلم عن أهل الجهل ، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأسرار وأهل البغي ، والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه والاشتغال بذلك عن الشماتة والدعاء عليه .ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته ، والباغين له الغوائل ، وهم كفرة عبدة أصنام .
القرطبي ـ الجامع لأحكام القرآن .
لطائف قرآنية :
قيل لعامر بن عبد قيس : أما تسهو في صلاتك ؟ قال أوَ حديث أحب إلي من القرآن حتى أشتغل به ؟ !
المدهش لابن الجوزي .
لقد عظمت نعمة الله على عبد أغناه بفهم كتابه عن الفقر إلى غيره : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) .
ابن القيم ـ بدائع الفوائد .
قال تعالى :
( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون * واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ) .

ل
ما كان من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به ولم ينتفع ابتلي بالاشتغال بما يضره ، فمن ترك عبادة الرحمن ابتلي بعبادة الأوثان ، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجائه ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه ، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان ، ومن ترك الذل لربه ابتلي بالذل للعبيد ، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل .كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلوا الشياطين .
السعدي ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان .
قال تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) .
ينبغي للإنسان أن يتأول هذه الآية ولو مرة واحدة ، إذا أعجبه شيء من ماله فليتصدق به لعله ينال هذا البر .

ابن عثيمين ـ تفسير سورة آل عمران
لطائف قرآنية :
قال تعالى : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ) .
أعرف امرأة كبيرة في السن أصيبت بألم في جسدها فلما ذهبت للمستشفى قال الطبيب : إن في جسدك مجموعة من الحصوات وقرر إجراء عملية لإزالتها فرفضت المرأة إجراء العملية .بعد مدة راجعت الطبيب فتبين بعد الكشف عليها أن جميع الحصوات زالت ، سألها الطبيب متعجباً ما الذي عملتيه حتى زالت ؟ قالت : قرأت عليها القرآن ، هذا القرآن الذي لو قرأ على جبل لصدعه ما يصدع حصوات صغيرة في جسمي ! .
عبدالكريم الخضير ـ شرح العقيدة الواسطية ( مسموع ) .
قال تعالى : ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ) .
هذا هو السر الذي لأجله علقت القلوب على محبة الكعبة البيت الحرام ، حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هجر الأوطان والأحباب ، ولذّ لهم فيها السفر الذي هو قطعة من العذاب ، فركبوا الأخطار ، وجابوا المفاوز والقفار ، واحتملوا في الوصول غاية المشاق ، ولو أمكنهم لسعوا إليها على الجفون والأحداق .وسر هذه المحبة هي إضافة الرب سبحانه البيت إلى نفسه بقوله ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين ) .

ابن القيم ـ روضة المحبين .
قال تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
ليس في كتاب الله آية واحدة يمدح فيها أحد بنسبه ، ولا يذم بنسبه ، وإنما يمدح بالإيمان والتقوى ، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان .

ابن تيمية ـ مجموع الفتاوى .
قال تعالى ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) .
سُئل أنس بن مالك عن تفسير هذه الآية فقال : الرجل يشتمه أخوه فيقول :إن كنت صادقاً فغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك .
الدر المنثور للسيوطي .
لطائف قرآنية :
من مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر ، فيقول هذه مخاطرة حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعاً .
ابن هبيرة ـ ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب .
قال تعالى عن كتاب الفجار ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتب مرقوم * ويل يومئذ للمكذبين ) . وقال جلا وعلا عن كتاب الأبرار : ( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون ) .
خص تعالى كتاب الأبرار بأنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد من الملائكة والنبيين وسادات المؤمنين ، ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار . تنويهاً بكتاب الأبرار وما وقع لهم به ، وإشهاراً له وإظهاراً بين خواص خلقه كما يكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين الأمراء وخواص أهل المملكة تنويهاً باسم المكتوب له ، وإشادة بذكره ، وهذا نوع من صلاة الله سبحانه وتعالى وملائكته على عبده .
ابن القيم ـ حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قال تعالى عن مريم ( وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) .
جعلها سبحانه من خيرة نساء العالمين ، حتى ألحقها بالرجال في صلاحها . تأمل أنه قال : (من القانتين) ولم يقل : من القانتات لأنه كما جاء في الحديث ( كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا قليل ) .

ابن عثيمين ـ تفسير سورة آل عمران .
قال تعالى مخبراً عن المسيح ابن مريم عليه وسلم : ( وجعلني مباركاً أين ما كنت ) .
أي معلماً للخير داعياً إلى الله مذكراً به مرغباً في طاعته .فهذا من بركة الرجل ، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة ، ومحقت بركة لقائه والاجتماع به ، بل تمحق بركة من لقيه واجتمع به .
ابن القيم ـ رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ( الرسالة التبوكية ) .
لطائف قرآنية :
من استمع إلى القرآن إدراكاً وفهماً وتدبراً وإجابة ، لن يعدم من اختار هذا السماع إرشاداً لحجة وتبصرة لعبرة وتذكرة لمعرفة وفكرة في آية ودلالة على رشد وحياة لقلب وغذاءً ودواءً وشفاءً وعصمة ونجاة ، وكشف شبهة .
ابن القيم ـ مدارج السالكين .
قال تعالى : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) .
انظر إلى الفضل والكرم : هو الذي منّ علينا بالهداية ثم يقول : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ، فكأننا نحن الذين أحسنا فأحسن إلينا بالجزاء مع أنه له الإحسان أولاً و آخراً هو الذي أحسن إلينا أولاً ، وأحسن إلينا آخراً ولكن هذه منته سبحانه وتعالى، ومن شكره لسعي عبده .
ابن عثيمين ـ تفسير سورة البقرة .
قال تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً ) .
محبة المساكين والإحسان إليهم توجب إخلاص العمل لله عز وجل لأن نفعهم في الدنيا لا يرجى غالباً .
ابن رجب ـ اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى .
قال تعالى : ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) .
قال الحسن البصري ( هذا مثلٌ قلّ والله من يعقله من الناس : شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه أفقر ما كان إلى جنته ، وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا ) .
صدق والله الحسن هذا مثلٌ قلّ من يعقله من الناس ، ولهذا نبه الله سبحانه وتعالى على عظم هذا المثل ، وحدا القلوب إلى التفكر فيه لشدة حاجتها إليه فقال تعالى ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) .
فلو فكر العاقل في هذا المثل وجعله قبلة قلبه لكفاه و شفاه ، فكذلك العبد إذا عمل بطاعة الله ، ثم أتبعها بما يبطلها ويحرقها من معاصي الله كان كالإعصار ذي النار المحرق للجنة التي غرسها بطاعته وعمله الصالح .
فلو تصور العامل بمعصية الله بعد طاعته هذا المعنى حق تصوره وتأمله كما ينبغي لما سولت له نفسه والله إحراق أعماله الصالحة وإضاعتها . فتبارك من جعل كلامه حياة للقلوب و شفاء للصدور وهدى ورحمة للمؤمنين .

ابن القيم ـ طريق الهجرتين .
قال تعالى : ( فذكر إن نفعت الذكرى )
من ها هنا يؤخذ الأدب في نشر العلم ، فلا يضعه عند غير أهله .
ابن كثير ـ تفسير القرآن العظيم .

قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) .
عبّر جل ذكره بالتسبيح أمام ذكر الإسراء بنبيه وعبده محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان مقتضى الحال حسب ما يظهر لعقولنا الضعيفة أن يعبر بالحمد والثناء فما الحكمة في ذلك ؟من الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم صبيحة الإسراء بما حصل ، ولو كان كذباً ، لما تركه الله ، فإن الله ينزه أن يمكّن شخصاً يكذب عليه مثل هذا الكذب من غير أن ينتقم منه ، والله أعلم .
ابن عثيمين ـ المنتقى من فرائد الفوائد .
لطائف قرآنية :
إنما آيات القرآن خزائن ، فإذا دخلت خزانة فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها .
سفيان بن عيينة ـ رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز للرسعني .
لما علم الله سبحانه أن قلوب المشتاقين إليه لا تهدأ إلا بلقائه ضرب لهم أجلاً للقاء تسكيناً لقلوبهم فقال تعالى ( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ) .
ابن القيم ـ روضة المحبين .
قال تعالى ( فاذكروني أذكركم ) .
قف عند هذه الآية ولا تعجل ، فلو استقر يقينها في قلبك ما جفت شفتاك .
خالد بن معدان ـ الدر المنثور للسيوطي .

قال تعالى ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) .
العبد لا يطمئن إلى نفسه فإن الشر لا يجيء إلا منها ، ولا يشتغل بملام الناس وذمهم ، ولكن يرجع إلى الذنوب فيتوب منها ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله ويسأل الله أن يعينه على طاعته فبذلك يحصل له الخير ويدفع عنه الشر ، ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة :
( اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .

ابن تيمية ـ مجموع الفتاوى .
قال تعالى عن يوسف عليه السلام ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) .
محبة الصور المحرمة وعشقها من موجبات الشرك ، وكلما كان العبد أقرب إلى الشرك وأبعد من الإخلاص كانت محبته بعشق الصور أشد ، وكلما كان أكثر إخلاصاً وأشد توحيداً كان أبعد من عشق الصور . ولهذا أصاب امرأة العزيز ما أصابها من العشق لشركها ونجا منه يوسف الصديق عليه السلام بإخلاصه .
ابن القيم ـ إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان .
قال تعالى ( ادعو ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ) .
في الآية دليل على أن من لم يدعه تضرعاً وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم .
ابن القيم ـ بدائع الفوائد .
قال تعالى ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) .
الإنسان إذا كان لا يشعر بالخوف عند الموعظة ولا بالإقبال على الله تعالى فإن فيه شبهاً من الكفار الذين لا يتعظون بالمواعظ ولا يؤمنون عند الدعوة إلى الله .
ابن عثيمين ـ تفسير سورة البقرة .

تعبت أسافر 10-03-2016 05:53 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
حكم من قال القرآن مخلوق :
حكم من قال : إن القرآن مخلوق
س: تقول : ما حكم من ينتسب إلى مذهب يؤمن بأن القرآن مخلوق ، وأن الناس لا يرون الله يوم القيامة ، مع العلم أن من ينتسبون إلى هذا المذهب أغلبهم لا يقرون بخلق القرآن ، ولا يؤمنون به ، ويقولون : إنا لا نؤمن بأن القرآن مخلوق ، لكننا ننتسب إلى هذا المذهب ؛ لأن آباءنا كانوا ينتسبون إليه فقط ، وما حكم من يؤمن بخلق القرآن؟ أيعتبر خارجا عن ملة الإسلام ؟ وجهونا في هذا ، جزاكم الله خيرا .
(الجزء رقم : 1،الصفحة رقم: 154)
ج : نعم الذين يقولون : إن القرآن مخلوق ، معناه إنكار أنه كلام الله ، وهذا كفر أكبر ، وهكذا من قال : إن الله لا يرى ، فمن أنكر رؤية الله في الآخرة ، رؤيته في الجنة فهذا كفر أكبر ؛ لأنه كذب الله وكذب رسوله عليه الصلاة والسلام ، فكل طائفة أو شخص يقول : إن القرآن مخلوق ، معناه أنه ليس كلام الله بل هو كلام مخلوق ، والله صرح بأنه كلامه سبحانه وتعالى ؛ لقوله جل وعلا : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ )وقال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ).
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للناس : (ألا رجل يؤمنني حتى أبلغ كلام ربي )يطوف عليهم في مكة قبل الهجرة يطلب منهم أن يؤووه حتى يبلغ كلام الله ، المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم صرحوا بأن القرآن كلام الله ، والقرآن دل على أنه كلام الله ، فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه ليس كلام الله ، فيكون كافرا بذلك ، مكذبا لله ولرسوله ولإجماع المسلمين ، وهكذا من أنكر صفات الله ، وأنكر رؤيته ومن قال : إنه ليس بحكيم ولا حليم ، ولا عزيز ولا قدير ، فهو كافر كالجهمية ، وكذلك من أنكر رؤية الله ، وأن المؤمنين لا يرونه في
(الجزء رقم : 1،الصفحة رقم: 155)
الآخرة ولا في الجنة ، هذا كافر كفرا أكبر ، أعوذ بالله ؛ لأنه كذب الله ورسوله ، والله يقول جل وعلا في حق الكفرة : (كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) فإذا حجب الكفار ، معناه أن المؤمنين يرون ربهم ، سبحانه وتعالى ، قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ) ، ناضرة أي بهية جميلة ، (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) تنظر إلى الله سبحانه وتعالى ، وقال جل وعلا : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )، جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله )وجاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر في ليلة البدر لا تضامون في رؤيته )، وقال في حديث آخر : (كما ترون الشمس في صحراء ليس دونها سحاب )وكما قال في ليلة البدر ، لا تضامون في رؤيته ، يعني رؤية واضحة بارزة ظاهرة ، ليست فيها شبهة ولا شك ، فالمقصود أن
(الجزء رقم : 1،الصفحة رقم: 156)
المؤمنين يوم القيامة يرون ربهم رؤية ظاهرة كما ترى الشمس صحوا ، ليس دونها سحاب رؤية بارزة ، وهكذا في الجنة يرون ربهم جل وعلا ، فمن أنكر هذا ، وقال : إنه لا يرى فقد كذب الله ورسوله ، فيكون كافرا نسأل الله العافية .
الشيخ عبدالعزيز بن باز

تعبت أسافر 10-03-2016 05:53 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 



خطبة جمعة بتاريخ / 17-4-1436 هـ
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ؛ إله الأولين والآخرين ، وقيُّوم السماوات والأرضين ، وخالق الخلق أجمعين ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، ما ترك خيرًا إلا دل أمته عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله :
اتقوا الله تعالى ؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه ، وتقوى الله جل وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون عباد الله :
إن أشرف الفقه وأعظم المعارف المعرفة بالرب العظيم وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا وحُسن التفقه في هذا الباب الجليل العظيم ، وهو الفقه الأكبر ، وهو يدخل دخولًا أوليا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) . ولما كان هذا الفقه بهذه المكانة العلية والمنزلة الرفيعة كانت الآيات والسور المشتملة على بيان أسماء الرب وصفاته العظيمة أعظم السور شأنًا وأجلَّ الآيات مكانة .
§فإن آية الكرسي أعظم آية في القرآن قد اشتملت من أسماء الله الحسنى على خمسة أسماء ، ومن صفاته العليا على ما يزيد على العشرين صفة .
§وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لأنها أخلصت لبيان صفة الرب تبارك وتعالى ، وقد قال الصحابي الذي كان يختم في صلاته كل ركعة بـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}عندما سُئل عن ذلك قال : «لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا»، قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ )) .
§وسورة الفاتحة أعظم سور القرآن فيها حمدٌ وثناء وتمجيدٌ وتعظيم لله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأنه الإله المتفرد بالألوهية ، الرب المتفرد بالخلق والتدبير ، الرحمن الرحيم المالك ليوم الدين الذي بيده هداية الخلائق وأزمَّة الأمور جل في علاه .
§والقرآن -عباد الله- في سوره وآياته لا تخلو آية من آيات القرآن من بيانٍ لأسماء الرب جل وعلا وصفاته العظيمة سبحانه وتعالى ، بل هناك آياتٌ في القرآن أُخلصت لبيان أوصاف الرب وأسمائه جل في علاه ؛ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[الحشر:22-24] .
أيها المؤمنون عباد الله :
وكلما عظمت عناية العبد بهذا الفقه العظيم والمعرفة الجليلة بأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا زاد إقبالًا على الله ومحبةً له جل في علاه وإقبالًا على طاعته سبحانه وتعظيمًا له جل وعلا وبُعدًا عما يسخطه سبحانه وتعالى . وكلما كان العبد بالله أعرف كان لعبادته أطلب وعن معصيته أبعد ومنه جل وعلا أقرب ، وكان الله جل وعلا أحب إليه من كل شيء ، وكان قلبه في شوق إلى لقاء الله جل في علاه ومحبةٍ لرؤيته سبحانه ، ومن أحب لقاء اللهُ أحب الله لقاءه .
أيها المؤمنون عباد الله :
إن معرفة الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا مقصود للخليقة وأساسٌ عظيم لوجود البرية ، يقول الله جل وعلا: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق:12] ؛ أي أن الله عز وجل خلق هذا الخلق وأوجد هؤلاء الناس ليعرفوا ربهم سبحانه بعظيم قدرته وشمول علمه وكمال تدبيره جل في علاه .
عباد الله :
ومما ينبغي أن يُعلم في هذا المقام أن أسماء الله الحسنى وصفاته العليا لكلٍّ منها عبودية تليق بها وهي من موجبات الإيمان بأسماء الله وصفاته جل في علاه .
§فيا أيها المؤمن إذا عرفتَ ربك سبحانه بأنه جل وعلا الذي بيده الأمر ، بيده الخفض والرفع ، والقبض والبسط، والعز والذُّل ، والحياة والموت ، والتدبير لهذه الخلائق ؛ أوجبت هذه المعرفة حسن توكلٍ عليه وتمام التجاءٍ إليه وتفويضًا للأمور كلها إليه جل في علاه .
§وإذا عرفت ربك بأنه سبحانه البَرُّ الرحيم الجواد الكريم المحسن المتفضل أوجبت لك هذه المعرفة افتقارًا إلى الله وحسن التجاء إليه في طلب الرزق وتحقيق جميع المصالح الدينية والدنيوية .
§وإذا عرفت ربك بأنه سبحانه تواب غفور يقبل توبة التائبين وإنابة المنيبين واستغفار المستغفرين لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ولا حاجةٌ يسألها أن يعطيها أوجب لك ذلك إنابة إلى الله وتوبةً إليه جل في علاه وملازمةً للاستغفار واستكثارًا منه { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }[الزمر:53] .
§وإذا عرفت ربك أيها المؤمن بالجمال والجلال والكمال والعظمة أوجبت لك هذه المعرفة شوقًا إلى الله جل وعلا ومحبةً له سبحانه ولرؤيته جل في علاه وأوجب لك ذلك حُسن إقبالٍ عليه جل وعلا .
§وإذا عرفت أيها المؤمن ربك جل وعلا بأنه سميعٌ بصيرٌ عليم ؛ أحاط بكل شيءٍ علما وأحصى كل شيء عددا وأنه سبحانه أحاط سمعه بجميع المسموعات وأحاط علمًا جل وعلا بجميع البريات وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماوات ؛ أوجب لك ذلك حياءً من الله جل وعلا وحفظًا لـنفسك في سمعك وبصرك وجميع حواسك ، كيف لا وأنت تعلم أن رب العالمين يراك وأنه سبحانه مطلع عليك وأنه لا تخفى عليه منك خافية ، يكفيك زاجرًا في ترك الذنوب والبعد عنها أن تعلم أن رب العالمين يراك { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى }[العلق:14] .
أيها المؤمنون عباد الله :
وهكذا إذا أحسن العبد التأمل والتدبر في أسماء الرب العظيمة وصفاته الجليلة أوجب ذلك له ذلًا واستكانةً وخضوعًا وتقربا وبُعدًا عن المعاصي والذنوب ، ما أجلَّه -عباد الله- من علم عظيم ومعارف جليلة العبد مفتقرٌ إليها وإلى معرفتها أشد من افتقاره إلى طعامه وشرابه وجميع حاجاته ، كيف لا !! وحياته الحقيقية إنما تقوم بذلك .
عباد الله :
نسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا أجمعين حُسن المعرفة به وتمام التعظيم له وكمال الانقياد والبعد عن معاصيه ومناهيه ، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين إنه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمد الشاكرين ، وأثني عليه ثناء الذاكرين ، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه .
أيها المؤمنون عباد الله :
ثبت في الصحيحين عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا ؛ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ)) ؛ تأمل رعاك الله في هذه المثوبة العظيمة والمكرمة الجليلة لمن وفقه الله تبارك وتعالى لإحصاء تسعة وتسعين اسمًا من أسماء الله مائة إلا واحد ، وأن ثواب ذلك جنات النعيم ، لتعلم من ذلك يا عبد الله أهمية هذا العلم وأهمية هذه المعرفة بالله جل في علاه وبأسمائه وصفاته سبحانه .
وكيف يستقيم عباد الله للبشرية صلاحٌ أو فلاحٌ أو نجاحٌ أو سعادة بغير معرفةٍ بخالقهم وفاطرهم ومولاهم سبحانه وتعالى !!
ولنعلم يا معاشر المؤمنين أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ((مَنْ أَحْصَاهَا)) : أي عدَّها وحفظها ، وفهم معانيها ومدلولاتها ، وحقق العبودية التي تقضيها تلك الأسماء عملًا بقول الله جل في علاه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:180] ، وقوله جل وعلا: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الإسراء:110] .
ثم اعلموا رعاكم الله أن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة .
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكرٍ الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيِّدا . اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك حبك وحب ومن يحبك والعمل الذي يقرب إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، علانيته وسره ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } .
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 05:54 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
معنى تقوى الله سبحانه وتعالى وثمراتها
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى سنته واهتدى بهديه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى وتعلموا معنى التقوى قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، فقد أمر الله جميع الخلق بتقواه الأولين والآخرين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [النساء:1]، وأمر بها المؤمنين خصوصاً كما في الآيات التي سمعتم بعضاً منها وأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) [الأحزاب:1]، وأمر بالتقوى عموم الناس الأفراد، أمر جميع أفراد الخلق أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأخبر أن التقوى هي خير الزاد للآخرة قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، والتقوى كلمة جامعة لأفعال الخير القولية والفعلية والاعتقادات والنيات فهي شاملة لكل أعمال العبد ظاهرها وباطنها عليه أن يتقيَ الله فيها أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله بأداء فرائضه وترك منهياته، يتق الله فيما بينه وبينه فيعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فليعلم أن الله يراه فيحسن العمل ويتقي ربه في جميع أحواله، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت"، فيتقي ربه في أي مكان، ويتقي ربه على كل حال في السراء والضراء، وقد اختلفت عبارات السلف في تفسير التقوى وهي تجتمع بمعنىًً واحد، فعل أوامر الله جل وعلا رغبة في ثوابه وترك المحرمات خوفاً من عقابه، ولهذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، قال السلف: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، أن يُطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر هذا معنى (حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، ولا شك أن الإنسان عرضة للخطأ وعرضة للمخالفات، ولذلك لما نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، شقت على المسلمين وقالوا أينا يُطيق ذلك أيُنا يتق الله حق تقاته فلا يحصل منه خطأ ولا يحصل منه مخالفة ولا يحصل منه غفلة فأنزل الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، ففسرت هذه الآية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] فسرت قوله: (حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، فمن اتقى الله حسب استطاعته فقد اتقى الله حق تقاته: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة:286]، (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286]، قال الله جل وعلا قد فعلت، فمن اتقى الله على حسب استطاعته فقد اتقاه حق تقاته وهذا تيسير من الله وتخفيف على عباده، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد للرحيل فمن فعل ذلك فقد اتقى الله حق تقاته، الخوف من الجليل وهو الله سبحانه وتعالى، والعمل بالتنزيل وهو الكتاب والسنة، والاستعداد للرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة وذلك بالعمل الصالح، وهذا كما في قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، لعمرك ما السعادة جمعَ مال ولكن التقيَ هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد فليكن شعار المؤمن دائماً وأبداً تقوى الله في السراء والضراء في حالة غيبته عن الناس وفي حالة وجوده معهم، يتق الله دائماً وأبداً فيترك ما حرم الله عليه، ويفعل ما أمره الله به، ويكثر من التوبة والاستغفار عما يحصل منه من التقصير، هذه هي تقوى الله سبحانه وتعالى، يستشعرها المسلم دائماً وأبداً في جميع أحواله في السراء والضراء في الشدة والرخاء في حال غيبته عن الناس وفي حال وجوده مع الناس يتقي الله، وإذا قيل له اتق الله فإنه ترتعد فرائصه من خوف الله سبحانه وتعالى هذا هو التقي، أما الشقي فإنه كما قال الله جل وعلا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة:206]، فعلى المسلم أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله وأن يتقيَ الله فيما بينه وبين نفسه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "قل الحق ولو على نفسك"، ويتق الله فيما بينه وبين الناس قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) [الأنعام:152]، فيتقي الله ولا يتكلم إلا بالكلام المسدد الصحيح يتجنب الكذب يتجنب الغيبة يتجنب النميمة يتجنب السباب يطهر لسانه يكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى هذا هو التقي الذي يتقي ربه ويتوب من ذنبه في كل حال وفي كل حين، يتقي الله إذا ولاه الله حكماً بين الناس، إذا حكم بين الناس في النزاعات، (وأن احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [المائدة:49]، فيحكم بين الناس بما أنزل الله رضوا أو سخطوا، فإنهم إن سخطوا فإن الله يرضى عنه سبحانه وتعالى، فيُراعي ربه فيحكم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا حصلت الفتن والخلافات والشدائد فلا يتكلم إلا بخير يوجه الناس إلى ما يُصلحهم ويُصلح أمورهم ولا يشُبُ الفتنة بكلامه وتحريضه أو تظاهره كما عليه الحال الآن فإن بعض الناس كثير من الناس خصوصاً المنافقون والذين في قلوبهم مرض إذا حصلت مثل هذه الأمور من الخوض ومن الفتن فإنهم ينشطون في شب الفتنة وإذكائها بين الناس ويوقظون الفتن النائمة، والواجب على المسلمين عموماً وعلى العلماء وطلبة العلم خصوصاً أن هذا دورهم إذا حصل مثل هذه الأمور أن يقوموا بالقسط وأن يقولوا الحق وأن يطمئنوا الناس وأن يعِدوا بالخير وأن يحذروا من الشر وأن يكفّوا الناس عما يوقد الفتنة ويسبب العداوة بين الراعي والرعية وبين الولاة وبين رعاياهم، على المسلم في مثل هذه المواقف أن يكون حازماً تقياً نقياً يوجه بالخير ويدعوا إلى الطمأنينة وإلى الألفة بين المسلمين وإلى حقن الدماء وصيانة الأعراض والأموال، عليه أن يُطفئ الفتنة ما استطاع، هذا فيما يعم المسلمين في مجتمعهم وكذلك ما يقع من النزاع بين المتخاصمين وبين الناس وبين الأفراد يسعى للإصلاح، (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114]، فعلينا جميعاً أن نطمأن وأن نطمئن من حولنا في هذه الأيام وفي هذه الفتن العظام كما تعلمون الدول المجاورة لكم ما يجري فيها كل هذا بسبب الأشرار وبسبب الكلام السيء والتحريض على الفتن خصوصاً ممن يدعون العلم يشبون الفتن ويحرضون عليها حتى تحصل الفوضى ويفسد الأمر وهذا من عمل الشيطان فإن الشيطان هو الذي يؤزهم، (أَلَمْ تَرَى أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً) [مريم:83]، فعلى المسلم إذا حصل شيء من هذه الأمور إما أمور عامة بين المسلمين أو أمور بين أفرادهم من سوء التفاهم أن يصلح بينهم، حتى الإصلاح بين الزوجين إذا اختلفا على المسلم أن يُصلح بين الزوجين وأن يُسوّي ما بينهما من سوء العشرة حتى تطمئن البيوت وحتى ترتاح الأسر، وكذلك بين الإخوة والأسرة إذا حصل بينهم شيء من سوء التفاهم على المسلم أن يسعى بالإصلاح بينهم وجمع شأنهم، فعلى المسلم أن يتقيَ الله ما استطاع في هذه الأمور وهذه المواقف الصعبة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسماءه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخير برياته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى، والشطر الثاني من الآية وهو قوله تعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، القول باللسان، فعليك أيها المسلم أن تخاف من لسانك، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به، قال: "ثكِلتك أمك يا معاذ وهل يَكُب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم"، ولهذا قال سبحانه فيه هذه الآية: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، فالإنسان لا بد أن يتكلم ولكن عليه أن يتكلم بالسداد، (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، والسديد هو الكلام الصالح المفيد للإنسان ولغيره، مفيد للإنسان أن يكثر من ذكر الله، قيل في تفسير هذه الآية (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70] هو لا إله إلا الله، فعلى المسلم أن يكثر من هذه الكلمة العظيمة وأن يكثر من الثناء على الله سبحانه وتعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70] أي مسدداً وفي ضمن ذلك النهي عن القول غير السديد وهذا كثير، القول غير السديد كثير بين الناس وخطره عظيم، هل قامت الحروب وسفكت الدماء وضاع الأمن إلا بسبب القول غير السديد، إلا بسبب التحريض والشماتات والكلام السيئ بين الراعي والرعية وبين أفراد الناس، هل سفكت الدماء هل انتهكت الأعراض هل ضاعت الأموال هل اختل الأمن إلا بسبب القول الباطل والقول غير السديد، فلنتق الله في أنفسنا، ثم بين سبحانه وتعالى الثمرات التي من وراء هاتين الوصيتين، (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب:71]، لأن الإنسان خطّاء يكثر من الوقوع في الذنوب، فإذا قال قولاً سديداً من ذكر الله والاستغفار والتسبيح والتهليل والتوبة وقال القول السديد بينه وبين الناس غفر الله له ما يحصل منه (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، أول شي (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، أما الذي يقول قولاً غير سديد فإن الله لا يصلح عمله كما قال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:81]، فالقول غير السديد فساد وهلاك على الإنسان وعلى المجتمع وعلى الأفراد، فعلى الإنسان أن يعتني بكلامه إن كان عنده كلام طيب فليتكلم وإن كان ليس عنده كلام فإنه يسكت، قال صل الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، إذا صمت الإنسان سلم لكنه إذا تكلم صار أسير كلامه إلا إذا تاب إلى الله واستغفر الله وإذا كان كلامه في حق الناس فإنه لا بد أن يستسمحهم وأن يطلب منهم المسامحة عما قاله فيهم وإلا فإنهم سيخاصمونه يوم القيامة، فعلينا أن نتقيَ الله سبحانه، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، كما أنك أصلحت بين الناس بكلامك السديد فإن الله يصلح لك الأعمال جزاءً وفاقاً هذه واحدة، الثانية (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب:71]، وهذه فائدة عظيمة يغفر الله لك ذنوبك إذا اتقيت الله وقلت قولاً سديداً فإن الله يغفر لك ما يحصل منك، وعد من الله والله جل وعلا لا يخلف وعده، فعليك أيها المسلم أن تتخذ هذه الآية وأمثالَها سبيلًا تمشي عليه وميزاناً تزن به الأمور وطريقاً تسير عليه فيما بينك وبين الله وفي بينك وبين نفسك وفيما بينك وبين الناس، فعلى المسلم أن يتقي الله وأن يقول القول السديد حتى في الوصية إذا أراد المسلم أن يوصي بعد موته فليعدل في الوصية، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [النساء:9]، يعدل في الوصية ولا يجور والجور في الوصية هذا هو وقف الجنف الباطل، وقد جاء في الأثر أن الإنسان يحسن عمله ثم إذا حضرته الوفاة جنف في الوصية فيُختم له بالنار، فعلى المسلم أن يتقيَ الله دائماً وأن يلازم القول السديد في جميع كلامه وفي جميع منطقه ويحذر من زلات لسانه،يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِجل فعثرتُه بالقول تُذهب رأسه وعثرته بالرِجل تبرى على مهل احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تخاف لقائه الشجعان فتحفظ من لسانك أيها المسلم وتذكر قوله تعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، دائما وأبدا.
و اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المَهدِيِّين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، واجمع كلمة المسلمين على الدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي به عِصْمت أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، وتب علينا واغفر لنا وارحمنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم أصلح بطانتهم وجلسائهم ومستشاريهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين يا رب العالمين، اللهم أصلح شأن المسلمين في كل مكان واكفهم شر أعدائهم من الكفار والمنافقين والمشركين وسائر المفسدين يا رب العالمين ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ صالح الفوزان

تعبت أسافر 10-03-2016 05:54 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 


خطبة جمعة بتاريخ / 7-4-1435 هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنين عباد الله :
اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه . وتقوى الله جلَّ وعلا هي خير زادٍ يلغ إلى رضوان الله ، قال الله تعالى : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197] .
أيها المؤمنونعباد الله: اعتصموا بالله ، واعتصموا بحبله المتين ؛ فهما نوعان من الاعتصام دعا الله تبارك وتعالى إليهما في كتابه ورتب على تحقيقهما سعادة الدنيا والآخرة ، فأمَّا أمْره جل وعلا بالاعتصام به ففي قوله جل وعلا { وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج:78] ، وأمَّا أمره جل وعلا بالاعتصام بحبله المتين ففي قوله جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103] . وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه في سياقة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عليه الصلاة والسلام قال في خطبته : ((تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ؛ كِتَابَ اللهِ)) ، وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا ؛ يَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)) .
أيها المؤمنون عباد الله : والاعتصام بالله هو التوكل عليه جل في علاه ، والاستعانة به ، والاعتماد عليه وحده ، وصدق الالتجاء إليه ، ودوام التوجه إليه بالدعاء والسؤال ذلًّا وافتقارا ، ورجاءً وطمعا ، وإلحاحًا وتضرعا .
وأما الاعتصام بحبله:
فهو التمسك بكتابه العظيم وشرعه القويم ولزوم هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والبُعد عن الأهواء والبدع المحدثات ، ومن اعتصم بالله نجا من الهلكة ، ومن اعتصم بحبل الله نجا من الضلال .
أيها المؤمنون عباد الله : وإن مثَل السائر إلى الله تبارك وتعالى كرجلٍ خرج مسافرًا إلى وِجهةٍ معيَّنة فهو يحتاج في سفره إلى هداية في الطريق لئلا يضل ، وإلى سلامةٍ في الطريق لئلا يهلك ؛ ولا بلوغ له إلى مقصده إلا بهذين الأمرين ، فالاعتصام بالله سبحانه نجاة وسلامة من الهلكة ، والاعتصام بحبل الله جل وعلا نجاةٌ ووقايةٌ من الضلال.
أما الثمار -عباد الله- للاعتصام بالله والاعتصام بحبله المتين فلا حدَّ لها ولا عد ، بل إن سعادة الدنيا والآخرة مدارها على هذين الاعتصامين ، ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا بهذين الاعتصامين ، قال الله تعالى: { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }[آل عمران:101] ، وقال الله جل وعلا: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}[النساء:175] .
اللهم يا ربنا اجعلنا أجمعين بك معتصمين ، وبشرعك متمسِّكين ، ولهدي نبيك صلى الله عليه وسلم ملازمين ، وعن البدع والأهواء مجانبين ومبتعدين ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرةً وأصيلا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أمَّا بعد عباد الله : اتّقوا الله تعالى.
عباد الله :
ما أعظم شأن الاعتصام بالله والاعتصام بحبله القويم ؛ إذ بهما نجاة العبد وفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة ، يقول الإمام الزهري رحمه الله تعالى : «قال من مضى من علمائنا الاعتصام بالسنة نجاة» . وقال الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى : «السنة سفينة نوح ؛ من ركبها نجا ، ومن تخلَّف عنها هلك» . وهذا حق فإن مثل من لزم السنة - سنة النبي عليه الصلاة والسلام- كمثل الذين ركبوا مع نوح وهم الذين صدَّقوا به واتبعوه ، ومثل الذين تركوا السنة كالذين تخلَّفوا عن نوح وهم الذين كذَّبوا به ولم يصدقوه ، وهذا يُظهِر لنا عباد الله أهمية السنة والاعتصام بها وأن بها نجاة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة ، وخطورة البدع والأهواء وأنها هلكةٌ للعبد في دنياه وأخراه . ونسأل الله جل وعلا أن يصلح لنا شأننا كله ، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما .
واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هُدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة. وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديِّين ؛ أبي بكرٍ الصديق وعمرَ الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم .
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها ، اللهم اهدنا وسددنا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، علانيته وسرَّه .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتنا ، واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا أحد يا صمد يا بديع السماوات والأرض يا رب العالمين ، يا مغيث المستغيثين نتوجه إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا بأن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا ، هنيئًا مريئًا ، سحًّا طبقا ، نافعًا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقصنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله :
اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزيدكم ، { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } .
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 05:55 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
ملازمة تقوى الله تعالى دائماً في جميع الأحوال


الخطبة الأولى



الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خاف أمره وعصاه، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن موالاه، وسلم تسليما كثير، أما بعد:


أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، لقد أمرنا الله جل وعلا بتقواه وحثنا على كثير من الآيات تقوى الله هي وصية للأولين والآخرين قال تعالى( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) أمر الله بها جميع الناس فقال سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) وأمر بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) وأمر بها عموم المؤمنين فقال سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) والتقوى معناه في اللغة العربية أن تجعل بينك وبين ما تحذر وقاية توقيك منه كما تجعل وقاية بينك وبين الشيء الحار وتجعل بينك وبين الشوك والحصى وقايةً لرجليك وتجعل وقاية لجسمك من الحر ووقاية له من البرد ووقاية له من السلاح، فالتقوى هي بهذا المعنى أن جعل بينك وبين ما تكره وقاية تقيه منه وأما معنى التقوى في الشرع فهي كما بينها أهل العلم بقولهم التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن ترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد للرحيل والقناعة بالقليل فتقوى الله كلمة جامعة تجمع خصال الخير وأعمال البر وهي شعار المؤمن وقد وعد الله المتقين بوعود عظيمة قال سبحانه وتعالى(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) التقوى هي شعار أولياء الله المخلصين قال سبحانه وتعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) ومتعلقات التقوى كثيرة أولها تقوى الله سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وتقوى الله جل وعلا هي بفعل أوامره وترك نواهيه والخوف منه سبحانه وتعالى، وكذلك أمرنا الله أن نتقي النار قال سبحانه وتعالى( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) وتقي النار يكون بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه فمن وقع في المحرمات أو ترك شيئاً من الواجبات وقد عرض نفسه لدخول النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتقوى الله سبحانه وتعالى، كذلك يستشعرها المسلم في كل تصرفاته وأعماله قال صلى الله عليه وسلم:"فاتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت النساء" فالمسلم يتقي المرأة التي لا تحل له لأن يتجنبها ويتجنب النظر إليها والخلوة بها وجميع ما يربطه بها ممن يخشى منه الفتنة فيبتعد عن المرأة التي لا تحل له من كل وجه، وكذلك الله سبحانه وتعالى أمر أن نتقي الشبهات وهي الأمور الملتبسة التي لا يدار هل هي من الحل أو من الحرام؟ قال صلى الله عليه وسلم:"إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه".


عباد الله، إن التقوى هي مضمون لا إله إلا الله (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) وكلمة التقوى هي لا إله إلا الله لأنها تقي صاحبها من الشرك وتقي صاحبها من البدع والمحدثات وتقي صاحبها من كل ما يسخط الله عز وجل فهي كلمة عظيمة ووقاية منيعة لمن عرف معناها وعمل بمقتضاها، وكذلك تقوى الله سبحانه وتعالى ينجي الله بها المؤمنين إذا مروا على الصراط يوم القيامة قال تعالى( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) قال الله جل وعلا( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) شق ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: من يستطيع أن يتقي الله حق تقاته لأن تقواه حق تقاته أمر عظيم فأنزل الله جل وعلا( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فقوله سبحانه(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) إما ناسخ لقوله(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) وإما مفسرة لها ومبينة لها وهذا هو الراجح أنها مفسرة وليست ناسخة فمن اتقى الله حق تقاته فمن اتقى الله حسب استطاعته لقد اتقى الله حق تقاته.


عباد الله، لازموا تقوى الله في كل تصرفاتكم وفي كل أحوالكم وحيث ما كنتم قال صلى الله عليه وسلم:"اتقي الله حيث ما كنت واتبع الحسنة السيئة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" لأن من الناس من يظهر التقوى إذا كان مع الناس أو حوله من ينظر إليه فإذا خلا عن الناس بارز الله بالمعاصي، من الناس من يظهر التقوى إذا كان في بلاد المسلمين فإذا ذهب إلى بلاد الكفار صار مثلهم يفعل فعلهم ويظهر بمظاهرهم ويظن أنه لا أحد يراه ولا أحد يطلع عليه ونسي الله سبحانه أنه يطلع عليه في كل مكان ولهذا يجب عليه أن يتقي الله حيث ما كان في بر أو بحر أو جو في بلاد المسلمين وخارج بلاد المسلمين وفي أي مكان من أرض الله يكون شعاره تقوى الله سبحانه وتعالى دائماً وأبدا.


فتقوا الله، عباد الله، لتكونوا من أهل التقوى وتكونوا من أهلها لتكونوا من أهل التقوى وأحق بها جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية


الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:


أيُّها الناس، اتقوا الله سبحانه وتعالى، واعلموا أن كلمة التقوى ليست لفظاً يقال في اللسان فقط وإنما هي كلمة عظيمة كلمة لها معناها ومدلولها، فيجب على المسلم أن يعرف معنى التقوى وأن يعمل بها في كل أحواله وفي أي مجال كان وبأي مكان وجود وفي أي وقت كان داماً وأبدا، فولي أمر المسلمين والولي العام وإمام المسلمين يجب عليه أن يتقي الله في رعيته، وكذلك صاحب البيت يجب عليه أن يتقي الله في أهل بيته فيجنبهم ما يسخط الله ويلزمهم بطاعة الله قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) مدير الدائرة الوظيفية يجب عليه أن يتقي الله في منسوبيه وفي دائرته فيقيم فيها طاعة الله ويجنبها معصية الله ويتفقد منسوبيه مع تقوى الله سبحانه وتعالى في أداء أعماله على الوجه المطلوب وفي أداء حق الله عليهم وفي محافظتهم على الصلوات وترك المحرمات، وكذلك أفراد الموظفين يجب عليه ان يتقوا الله في وظائفهم ويؤدوا أعمالهم ولا يتغيبوا بغير حق ولا يؤخروا أعمال الناس ويضطروهم إلى المشقة بل يبادروا ولا يحيفوا مع أحد ويقدموا ويؤخروا بعض المراجعين بل يلتزم العدالة ويتقوا الله سبحانه وتعالى، وحتى مالك البهائم يجب عليه أن يتقي الله فيها وأن لا يشق عليها وأن لا يحبس عنها طعامها وشرابها وحتى لو كانت غير مملوكة له يحسن إليها فقد دخلت النار امرأة في هره حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض وتاب الله على امرأة بغي في كلب سقته وجدته يلهث من العطش ويرى الثرى من العطش فنزلت في البئر وحملت له ماءاً في خفها فسقته للكلب فشكر الله لها ذلك وغفر لها، فالواجب على المسلم أن يتقي الله أولا في نفسه ثم أن يتقي الله فيمن ولاه الله عليه من الولايات على اختلاف أنواعها يتقي الله في جميع أحواله، وكذلك الذي يبيع ويشتري ويتعامل مع الناس عليه أن يتقي الله في حقوق الناس عليه ان يتجنب الربا أن يتجنب القمار والميسر أن يتجنب الرشوة أن يتجنب الكذب أن يلزم التقوى في تعاملاته مع الناس وأن يقنع بما أحل الله ويترك ما حرم الله فتقوا الله دائماً وأبدا شعار المسلم في أي مجال كان وفي أي عمل يكون يتقي الله ربه سبحانه وتعالى إذا عرضت له فتنة وشهوة فإنه يتقي الله ويتركها خوفاً من الله سبحانه وتعالى ولا يتبع نفسه هواها يتقي الله في نفسه فيحفظها مما يضر بها يتقي الله في كل أموره وفي كل شئونه.


ثم اعلموا رحمكم الله، أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.


اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح ولاة أمورنا اللهم اجعلهم هادة مهددين غير ضالين ولا مظلين، الله أصلح بطانته وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).


عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


الشيخ صالح الفوزان



تعبت أسافر 10-03-2016 05:56 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
عبادة الله والأمور التي تعين على تحقيقها
خطبة جمعة بتاريخ / 12-8-1426 هـ
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد معاشر المؤمنين :
اتقوا الله تعالى ؛ فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
عباد الله : إن مقصود إيجاد الخليقة والغايةَ من خلق الثقلين معرفةُ الله تعالى وعبادته ، ودليل المعرفة قول الله تبارك وتعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق:١٢] ودليل العبادة قول الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦] ، فالله تعالى خلق الثقلين ليعرفوه بآياته وأسمائه وصفاته وعظمته وجلاله وكماله , وأنه الخالق المدبر والرّب العظيم والموجد لهذه الكائنات والمالك لجميع المخلوقات ؛ فيؤمن بذلك كله إقراراً وتوحيدا وإيماناً وإثباتا , وتوحيدٌ في العبادة بأن تُخلَص العبادة لله وأن يُفرد وحده سبحانه بالطاعة فلا يُعبد إلا الله ولا يُصرف شيء من العبادة لأحدٍ سواه.
عباد الله :
والعبادة التي خلق الله الخلق لأجلها وأوجدهم لتحقيقها هي اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة , والعبادة منها ما يكون بالقلب كالرجاء والخوف والإنابة والتوكل وغير ذلك , ومنها ما يكون باللسان كذكر الله جلّ وعلا وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل قول سديد يحبه الله , ومنها ما يكون بالجوارح من فعلٍ للطاعات وقيامٍ بالعبادات وتحقيقٍ للقربات التي أمر الله تبارك وتعالى عباده بها ودعاهم إلى فعلها . وكما أن العبادة - عباد الله - تتناول فعل المأمور فإنها كذلك تتناول ترك المحظور ؛ فتركُ المحرمات ومجانبتها والبعد عنها من العبادة التي أمر الله تبارك وتعالى عباده بها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )) ، وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ )) .
عباد الله :
والعبادة لا يقبلها الله من العابد إلا إذا أقامها على شرطين عظيمين وأساسين متينين ؛ إخلاص للمعبود، ومتابعة للرسول كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:١١٠]. والله جلّ وعلا لا يقبل العبادة من العامل إذا لم تكن خالصة له , وفي الحديث القدسي يقول الله جلّ وعلا: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ )) ، وهو جلّ وعلا لا يقبل العبادة إن لم تكن موافقة هدي النبي الكريم ونهج الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه , والعبادة التي لا تكون موافقةً هدي النبي عليه الصلاة والسلام مردودة على صاحبها غير مقبولةٍ منه , وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )) ، والله تعالى يقول: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود:٧] ، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في معنى هذه الآية: " أخلصه وأصوبه " ، قيل يا أبا علي و ما أخلصه وأصوبه ؟ قال: " إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يُقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقبل ، والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة " .
عباد الله :
والعبادة أنواع كثيرة وصنوف عديدة جاء بيانها في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأعظم العبادة شأنا وأرفعها مكانة مباني الإسلام الخمسة المبيَّنة في قول النبي صلى الله عليه وسلم (( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ)) متفق عليه .
عباد الله :
ثم إن كل عبادة يتقرب بها العامل إلى الله من صلاة وصيام وحج وغير ذلك يجب أن تُقام على أركان قلبيةٍ ثلاثةٍ عظيمة وهي : حبُّ الله ، ورجاءُ ثوابه ، وخوفُ عقابه , فكل عبادة نأتي بها وكل طاعة نتقرب إلى الله بها لا بد أن تكون قائمة على هذه الأركان الثلاثة : الحب والرجاء والخوف . فنحن نعبد الله حباً لله ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه ، نصلي حباً لله ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه ، نصوم حباً لله ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه، وهكذا في كل الطاعات وجميع العبادات ، وهذا ما ذكره الله تعالى في قوله سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء:٥٧] .
عباد الله :
والعُبّاد وعُمّال الآخرة والسائرون في رضا الله تبارك وتعالى هم في حقيقة الأمر في مضمار سباق وفي ميدان منافسة ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ((سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ، قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ )) ؛ فالعاملون للآخرة و القائمون بعبادة الله هم في حقيقة الأمر أنهم يعيشون هذه الحياة الدنيا في ميدان سباق وفي ميدان مسارعة ، قال الله جلّ وعلا: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء:٩٠]وقال جلّ وعلا: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون:٦١] ، والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ عديدة .
عباد الله : ومن يعمل للآخرة مجتهداً في عبادة الله ساعياً في التقرب إلى الله بما يحبه الله ويرضاه من صالح الأعمال وسديد الأقوال فإنه يفوز بالأرباح العظيمة والمكاسب الكبيرة والنتائج المثمرة العظيمة في الدنيا والآخرة , وهذا من مِنّة الله جلّ وعلا على عباده المؤمنين وحزبه الصادقين وأوليائه المقربين ، وثمار العبادة والقيام بالطّاعة كثيرة عديدة يطول عدّها ويحتاج الأمر إلى وقت كثير لسردها والله تعالى يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:٩٧] .
اللهم وفقنا لعبادتك ، وأعنا على طاعتك ، واهدنا يا ربنا إلى سواء السبيل , اللهم وبصِّرنا بديننا ، وأعنا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام , وأصلح لنا إلهنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل والموت راحة لنا من كل شر .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
عباد الله :
وإن من مقامات عباد الله العظيمة في تقربهم إلى الله ومحافظتهم على طاعة الله عنايتهم الفائقة ورعايتهم الكبيرة لمنازل السائرين ومقامات العابدين ، ولهذا فإن العابد لله جلّ وعلا يحتاج إلى أمور عظيمة تعينه على القيام بالعبادة وتيسر له المحافظة على الطاعة ؛ ومن ذلك - عباد الله - الصبر بأنواعه الثلاثة : صبر على طاعة الله ، وصبر عن معصية الله ، وصبر على أقدار الله .
ومما يحتاج إليه العابد حاجةً عظيمة بل حاجة مُلحّة : التوكل على الله والاستعانة بالله والاعتماد على الله في طلب مصالحه الدينية والدنيوية , ولهذا قال النبي لمعاذ رضي الله عنه: ((يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) رواه أبو داود .
وإذا كانت العبادة ثقيلة على العبد فإن أعظم ما يسهلها ويليّنها على قلبه ذكر الله تبارك وتعالى ، وفي الترمذي عن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه ((أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ )) والحديث دليل على أن من فوائد الذِّكر العظيمة وآثاره العميمة أنه يسهِّل الطاعة ويعين على القيام بالعبادة ويذلِّلها للعبد تذليلاً بإذن الله جلّ وعلا .
ومن مقامات العابدين العظيمة :
شكر الله على نعمه وحمده على عطاياه ومننه ، وأعظم مِنن الله علينا - عباد الله- توفيقه لنا في الدّخول في هذا الدين وأن كنا من أهل الصلاة والصيام ؛ فهذه نعمة عظيمة ومنّة جسيمة , والمؤمن شاكرٌ لنعمة الله حامدٌ لله جلّ وعلا على نعمه وعطاياه والشكر مُؤذن بالمزيد ، والله جلّ وعلا يقول: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم:٧] .
اللهم أوزعنا شكر نعمك ,اللهم أوزعنا شكر نعمك , ووفقنا لاستعمال نعمك في طاعتك وما يقرب إليك , وجنِّبنا إلهنا منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء إنك سميع الدعاء وأنت أهل الرجاء وأنت وليُّنا ونعم الوكيل .
هذا وصلوا وسلموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي , وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين , اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين , اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وأعنه اللهم على البر والتقوى ، وسدّده في أقواله وأعماله وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين , اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين.
اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها , اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفة والغنى , اللهم لك أسلمنا وبك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا وبك خاصمنا نعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلنا فأنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك اللهم من كل شر خزائنه بيدك , ونسألك اللهم الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل , اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتبْ على التائبين ، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين , اللهم وفرج همّ المهمومين من المسلمين ، ونفّس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدنين ، اللهم وارفع عنا الغلاء والوباء والزلازل والفتن والمحن والفتن كلها ما ظهر منها وما بطن ؛ عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أرحم الراحمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار , ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
عباد الله :
اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، )وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ( .
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 05:56 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
الخطبة الأولى
الحمد لله أمر بتوحيده وطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في عبادته كما أنه لا شريك له في ربوبيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من جميع بريته، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا، أما بعد
أيُّها الناس، اتقوا الله وتعالى، وعبدوه حق عبادته قال الله جل وعلا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فأول ما أمر الله به عبادته وحده لا شريك له وهي حق الله على عبادته كما في حديث معاذ رضي الله عنه: "حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا".
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الإعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
فأنواعها كثيرة: كل ما شرع الله التقرب به إليه فهو عبادة.
فعلى المسلم أن يفعل ما يستطيع من عبادة الله سبحانه وتعالى لأنه الخالق الرازق المحي المميت المدبر للكون والعباد فهو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وفائدة العبادة راجعة للعبد، فإنه تقربه إلى الله سبحانه وتصله بالله الذي هو ربه وخالقه ومدبره الذي بيده جميع شؤونه فهي تربطه بالله وتقربه إلى الله وهي الوسيلة إلى الله: (اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) أي: الوسيلة بعبادته، فالوسيلة هي ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وفائدتها راجعة للعبد، أما الله سبحانه فإنه غني عن عبادته وغني عن عبادة غيره فلو كفر الناس جميعا ما نقص ذلك من ملكه شيئا سبحانه وتعالى، ولا يتضرر الرب سبحانه وتعالى بشرك المشركين وإنما الضرر يرجع عليهم بالخسران، أما الله جل وعلا فإنه يقول: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) ويقول سبحانه وتعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)، وفي الحديث: "يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ولَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا"، فنحن الذين بحاجة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، نحن الفقراء إلى الله ولا يقربنا إلى الله ولا يدر علينا الأرزاق ويدفع عنا الأضرار إلا عبادة الله، فهي الصلة بيننا وبينه سبحانه ولهذا أرسل به الرسل وأنزل بها الكتب قال سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فكل نبي يقول لقومه أول ما يخاطبه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) فهي أول ما يدعا إليه الناس من أمور الدين فإذا استقامة، استقامة بقية أمور الدين، وإذا لم تستقم العبادة لله فلا فائدة من بقية أمور الدين، فيبدأ بها لأنها الأساس وهي القاعدة التي تبنى عليها أمور الدين، وهي التي تقرب العبد من ربه سبحانه وتعالى، والإنسان عبد ولابد فإما أن يكون عبدا لله وإما أن يكون عبدا للشيطان، وإما أن يكون عبدا لهواه، وإما أن يكون عبدا لدنياه، وإما أن يكون عبدا للأصنام والأوثان والأنداد:
هربوامن الرق الذي خلقوا له *** فبلو ابرق النفس والشيطان
فالإنسان عبد ولابد؛ لكنه إذا عبد الله، تحرر من عبودية ما سواه، تحرر من عبودية الهوى، تحرى من عبودية الشياطين، تحرى من عبودية الأصنام، والأشجار والأحجار تحرر من كل مكروه ومن كل ذله، فصار عبدا لله سبحانه وتعالى، يحميه ويحرسه ويرزقه ويغفر له، فالذي لا يعبد الله أصلا هذا مستكبر، مستكبر عن عبادة الله: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، والذي يعبد الله ويعبد معه غيره هذا مشرك، والمشرك خالدٌ مخلد في النار: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) يعني: المشركين، (وَمَا لِلظَّالِمِينَ) يعني: المشركين، والله جل وعلا قال: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فأعظم الظلم الشرك بالله عز وجل لأنه وضع للعبادة في غير موضعها فهو أعظم الظلم، والمشرك لا يقبل منه عمل: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال ويخلد صاحبه في النار إذا مات عليه ولم يتب منه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) وأما إذا كان شركا أصغر كالريا والسمعة فإنه يبطل العمل الذي خالطه وقارنه حتى يتوب صاحبه منه، فالشرك خطير جدا، كثير من الناس لا يبالي بهذا ولا يسأل ما هو الشرك؟ وما هي أنواعه حتى يتجنبها؟ فهذا إهمال يقع في الشرك وهو لا يدري، يعمل أعمالا تضيع عليه وهو لا يدري.
فعلى المسلم أن يعرف ما هو الشرك؟ أولا يعرف ما هي عبادة الله؟ عبادة الله هي التقرب إليه بما شرعه على لسانه رسوله صلى الله عليه وسلم هذه عبادة الله عز وجل، فمن لا يعبد الله فهو مستكبر، من عبد الله وعبد معه غيره فهو مشرك، والمستكبر والمشرك كلاهما في النار خالدين مخلدين فيها إذا ماتا على ذلك، والذي يعبد الله بغير ما شرعه من البدع والمحدثات هذا مبتدع لا يقبل منه عمل قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" وفي رواية: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهْوَ رَدٌّ" قال صلى الله عليه وسلم: "وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ"، فليس الشأن أنك تتعبد وتزهد، الشأن أن تتعبد على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن العمل لا يقبل إلا بشرطين:
الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل فلا يكون فيه شرك.
والشرط الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يكون فيه بدعة، كثير من الناس يتعبدون لله بالبدع والمحدثات ويظنون أنها تقربهم إلى الله وهي تبعدهم من الله، يعبدون الله بالبدع إذا ما فائدة الرسل؟ ما فائدة الكتب المنزلة؟ إذا كنت تبتكر لنفسك أو يبتكر لك شياطين الإنس والجن عبادة لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، فأنت تسير في طريق النار إذا لم تتب إلى الله لأن في الحديث: "وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ".
فعلى المسلم أن يتفهم هذا وأن يخلص دينه لله، وأن يخلص المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يتابع أهل الضلال وأهل الشرك والقبورين الذين يعبدون الأموات ويستغيثون بهم لا يقلدهم ولا يمشي في طريقهم لئلا يحشر معهم يوم القيامة؛ بل يكون على الصراط المستقيم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)، تنبهوا لهذا فليس الشأن أن تعمل وتكثر من الأعمال إنما الشأن أن يكون عملك صحيحا ولا يكون صحيحا إلا إذا خلا من الشرك وخلا من البدعة.
فعلينا أن نتنبه لهذا الأمر لأنه خفي على كثير من الناس فصاروا يعبدون الله بالبدع والضلالات ويتبعون ما تخط لهم شياطين الإنس والجن ليضلوهم عن سبيل الله، فأنت عبد مهما كنت فإما أن تعبد الله فيكرمك الله سبحانه وتعالى بجنته، وإما أن تعبد غير الله فيهينك الله عز وجل في ناره.
فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا أعمالكم قال جل وعلا: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ولم يقل أيكم أكثر عملا، فليست العبرة بكثرة العمل إنما العبرة بحسن العمل، ولا يكون العمل حسننا إلا بالشرطين المذكورين:
الإخلاص لله عز وجل.
والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداًبارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسماءه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنكم لن تسلموا من الشرك والبدع إلا إذا تعلمتم العلم النافع على أيدي العلماء، العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن تتجنب الشرك حتى تعرف ما هو الشرك؟ لا يمكن أن تعبد الله عز وجل حتى تعرف ما هي عبادة الله؟ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
فعلى المسلم أن يتعلم أمور دينه ولو باختصار على العلماء الذين يوضحون له الطريق الصحيح ويبينون له، كثير من الناس يسمع الشرك في القرآن ويسمع الكفر لكن ما يدري ما هو الشرك؟ وما هو الكفر؟ ويظن أن الله يخاطب غيره ما يخاطبه هو ولا يوجهه هو فيستمر على ما هو عليه وما اعتاده وما قلد فيه الناس دون تمحيص وتخليص.
فعلى المسلم أن ينبه لهذا، أن يتعلم أمور دينه على أهل العلم، هناك مختصرات تحفظ وتشرح، هناك مطولات من الكتب فالأمر واضح - ولله الحمد-، ولكن الشأن في الذي يهتم بأمور دينه حتى يستقيم عليه، وفق الله الجميع لما يحب ويرضاه.
ثم اعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى به بملائكته وثلث بكم أيها المؤمنون: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللَّهُمَّ جعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين من أذى الكفار وشر الأشرار يا حي يا قيوم، اللَّهُمَّ من أردا الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه وردد كيده في نحره وجعل تدميره في تدبيره، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا، اللَّهُمَّ أمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا وكفنا شر شرارنا وقنا شر الفتن، اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا لما فيه صلاحه وصلاح الإسلام والمسلمين يا رب العالمين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله،(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ صالح الفوزان

تعبت أسافر 10-03-2016 05:57 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
نور على الدرب :

تعبت أسافر 10-03-2016 05:57 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
التوحيد حق الله على العبيد
التوحيد لغة:
((مصدر وَحدَ يُوحِد، أي جعل الشيء واحِداً))
وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحد، وإثباته له،
فمثلاً نقول:
إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فينفي الألوهية عما سوى الله عز وجل ويثبتها لله وحده، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم، فلو قلت مثلاً((فلان قائم)) فهنا أثبت له القيام لكنك لم توحده به،
لأنه من الجائز أن يشاركه غيره في هذا القيام، ولو قلت ((لا قائم)) فقد نفيت نفياً محضاً ولم تثبت القيام لأحد، فإذا قلت: ((لا قائم إلا زيد)) فحينئذٍ تكون وحدت زيداً بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع، أي أن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً .
وأنواع التوحيد بالنسبة لله-عز وجل- تدخل كلها في تعريف عام وهو ((إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به))
ينقسم التوحيد إلى عدة أقسام ..
وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة :
الأول:
توحيد الربوبية .
الثاني:
توحيد الألوهية .
الثالث:
توحيد الأسماء والصفات .
وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء، والنظر في الآيات والأحاديث، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن
هذه الأنواع الثلاثة.
( قلنا : وسيأتي تفصيل هذه الانواع تباعآ )
---------------------

تعبت أسافر 10-03-2016 05:58 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
توحيد الربوبية :
وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى في أمور ثلاثة" في الخلق والملك والتدبير"
دليل ذلك قوله تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) (الأعراف: من الآية54)
ووجه الدلالة من الآية:
أنه قدم فيها الخبر الذي من حقه التأخير،
والقاعدة البلاغية :
أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. ثم تأمل افتتاح هذه الآية بـ( أَلا ) الدالة على التنبيه والتوكيد: ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)(الأعراف: من الآية54) ، لا لغيره، فالخلق هذا هو،
والأمر هو التدبير. أما الملك، فدليله مثل قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )(الجاثـية: من الآية27) ، فإن هذا يدل على انفراده سبحانه وتعالى بالملك، ووجه الدلالة من هذه الآية كما سبق تقديم ما حقه التأخير. إذاً، فالرب عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير.
فإن قلت: كيف تجمع بين ما قررت وبين إثبات الخلق لغير الله، مثل قوله تعالى(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون: من الآية14) ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: "(يقال لهم أحيوا ما خلقتم) ومثل قوله تعالى في الحديث القدسي: "(ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)، فكيف تجمع بين قولك: أن الله منفرد بالخلق، وبين هذه النصوص؟.
فالجواب أن يقال:
إن الخلق هو الإيجاد، وهذا خاص بالله تعالى، أما تحويل الشيء من صورة إلى أخرى، فإنه ليس بخلق حقيقة، وإن سمي خلقاً باعتبار التكوين، لكنه في الواقع ليس بخلق تام، فمثلا: هذا النجار صنع من الخشب باباً، فيقال: خلق باباً لكن مادة هذه الصناعة الذي خلقها هو الله عز وجل، لا يستطيع الناس كلهم مهما بلغوا في القدرة أن يخلقوا عود أراك أبداً، ولا أن يخلقوا ذرة ولا أن يخلقوا ذباباً.
واستمع إلى قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73) . [الذين]: اسم موصول يشمل كل ما يدعى من دون الله من شجر وحجر وبشر وملك وغيره، كل الذين يدعون من دون الله ( لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) (الحج:73) ولو انفرد كل واحد بذلك، لكان، عجزه من باب أولى ،(إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ) [ الحج :73 ] ، حتى الذين يدعون من دون الله لو سلبهم الذباب شيئاً، ما استطاعوا أن يستنقذوه من هذا الذباب الضعيف، ولو وقع الذباب على أقوى ملك في الأرض، ومص من طيبه، لا يستطيع هذا الملك أن يستخرج الطيب من هذا الذباب، وكذلك لو وقع على طعامه، فإذاً الله عز وجل هو الخالق وحده. فإن قلت: كيف تجمع بين قولك: إن الله منفرد بالملك وبين إثبات الملك للمخلوقين، مثل قوله تعالى: ( أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَه)(النور: من الآية61) (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم)(المؤمنون: من الآية6).
فالجواب: أن الجمع بينهما من وجهين:
الأول:
أن ملك الإنسان للشيء ليس عاماً شاملاً، لأنني أملك ما تحت يدي، ولا أملك ما تحت يدك والكل ملك الله عز وجل، فمن حيث الشمول: ملك الله عز وجل أشمل وأوسع، وهو ملك تام.
الثاني:
أن ملكي لهذا الشيء ليس ملكاً حقيقياً أتصرف فيه كما أشاء، وإنما أتصرف فيه كما أمر الشرع، وكما أذن المالك الحقيقي، وهو الله عز وجل، ولو بعت درهماً بدرهمين، لم أملك ذلك، ولا يحل لي ذلك، فإذا ملكي قاصر ، وأيضاً لا أملك فيه شيئاً من الناحية القدرية، لأن التصرف لله، فلا أستطيع أن أقول لعبدي المريض: ابرأ فيبرأ، ولا أستطيع أن أقول لعبدي الصحيح الشحيح: امرض فيمرض، لكن التصرف الحقيقي لله عز وجل، فلو قال له: ابرأ، برأ، ولو قال: امرض. مرض، فإذا لا أملك التصرف المطلق شرعاً ولا قدراً، فملكي هنا قاصر من حيث التصرف، وقاصر من حيث الشمول والعموم، وبذلك يتبين لنا كيف كان انفراد الله عز وجل بالملك.
وأما التدبير، فللإنسان تدبير، ولكن نقول: هذا التدبير قاصر، كالوجهين السابقين في الملك، ليس كل شيء أملك التدبير فيه وإنما أملك تدبير ما كان تحت حيازتي وملكي وكذلك لا أملك تدبيره إلا على وفق الشرع الذي أباح لي هذا التدبير.
وحينئذ يتبين أن قولنا: "إن الله عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير": كلية عامة مطلقة، لا يستثنى منها شيء، لأن كل ما أوردناه لا يعارض ما ثبت لله عز وجل من ذلك.

تعبت أسافر 10-03-2016 05:58 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
توحيد الألوهية :


وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة.


بألا تكون عبداً لغير الله، لا تعبد ملكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا شيخاً ولا أماً ولا أباً، لا تعبد إلا الله وحده، فتفرد الله عز وجل وحده بالتأله والتعبد، ولهذا يسمى: توحيد الألوهية، ويسمى: توحيد العبادة، فباعتبار إضافته إلى الله هو توحيد ألوهية، وباعتبار إضافته إلى العابد هو توحيد عبادة.


والعبادة مبنية على أمرين عظيمين، هما المحبة والتعظيم، الناتج عنهما: ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَبا)(الأنبياء: من الآية90) ، فبالمحبة تكون الرغبة، وبالتعظيم تكون الرهبة والخوف.


ولهذا كانت العبادة أوامر ونواهي:


أوامر مبنية على الرغبة وطلب الوصول إلى الآمر، ونواهي مبنية على التعظيم والرهبة من هذا العظيم.


فإذا أحببت الله عز وجل، رغبت فيما عنده ورغبت في الوصول إليه، وطلبت الطريق الموصل إليه، وقمت بطاعته على الوجه الأكمل، وإذا عظمته خفت منه، كلما هممت بمعصية، استشعرت عظمة الخالق عز وجل، فنفرت، (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء)(يوسف: من الآية24) ، فهذه من نعمة الله عليك، إذا هممت بمعصية، وجدت الله أمامك، فهبت وخفت وتباعدت عن المعصية، لأنك تعبد الله رغبة ورهبة.


فما معنى العبادة ؟


العبادة: تطلق على أمرين، على الفعل والمفعول.


تطلق على الفعل الذي هو التعبد، فيقال: عبد الرجل ربه عبادة وتعبداً وإطلاقها على التعبد من باب إطلاق اسم المصدر على المصدر، ونعرفها باعتبار إطلاقها على الفعل بأنها: "التذلل لله عز وجل حباً وتعظيماً، بفعل أوامره واجتناب نواهيه". وكل من ذل لله عز بالله ، ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه)(المنافقون: من الآية8) .


وتطلق على المفعول، أي: المتعبد به وهي بهذا المعنى تعَّرف بما عرفها به شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال رحمه الله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة[3].


هذا الشيء الذي تعبدنا الله به يجب توحيد الله به، لا يصرف لغيره، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والدعاء والنذر والخشية والتوكل.. إلى غير ذلك من العبادات.


فإن قلت: ما هو الدليل على أن الله منفرد بالألوهية؟


فالجواب:


هناك أدلة كثيرة، منها:


قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25) .


( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت)(النحل: من الآية36) .


وأيضاً قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ)(آل عمران: من الآية18) ، لو لم يكن من فضل العلم إلا هذه المنقبة، حيث إن الله ما أخبر أن أحداً شهد بألوهيته إلا أولو العلم، نسأل الله أن يجعلنا منهم : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ) ، بالعدل، ثم قرر هذه الشهادة بقوله: (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، فهذا دليل واضح على أنه لا إله إلا الله عز وجل، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنتم تشهدون أن لا إله إلا الله . هذه الشهادة الحق .


إذا قال قائل: كيف تقرونها مع أن الله تعالى يثبت آلهة غيره، مثل قوله تعالى: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر)(القصص: من الآية88) ، ومثل قوله: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِه)(المؤمنون: من الآية117) ، ومثل قوله( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْء)(هود: من الآية101) ، ومثل قول إبراهيم: (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) (الصافات:86) .. إلى غير ذلك من الآيات، كيف تجمع بين هذا وبين الشهادة بأن لا إله إلا الله ؟


فالجواب:


أن ألوهية ما سوى الله ألوهية باطلة، مجرد تسمية، (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان)(لنجم: من الآية23) ، فألوهيتها باطلة، وهي وإن عبدت وتأله إليها من ضل، فإنها ليست أهلا لأن تعبد، فهي آلهة معبودة، لكنها آلهة باطلة،(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ)(لقمان: من الآية30) .


وهذا النوعان من أنواع التوحيد لا يجحدهما ولا ينكرهما أحد من أهل القبلة المنتسبين إلى الإسلام، لأن الله تعالى موحد بالربوبية والألوهية، لكن حصل فيما بعد أن من الناس من ادعى ألوهية أحد من البشر، كغلاة الرافضة مثلاً، الذين يقولون: إن علياً إليه، كما صنع زعيمهم عبد الله بن سبأ، حيث جاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: أنت الله حقاً‍ لكن عبد الله بن سبأ أصله يهودي دخل في دين الإسلام بدعوى التشيع لآل البيت، ليفسد على أهل الإسلام دينهم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: "إن هذا صنع كما صنع بولص حين دخل في دين النصارى ليفسد دين النصارى"[4] .

هذا الرجل عبد الله بن سبأ قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الله حقاً وعلي ابن أبي طالب لا يرضى أن أحداً ينزله فوق منزلته هو حتى إنه رضي الله عنه من إنصافه وعدله وعلمه وخبرته كان يقول على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر[5] ، يعلن ذلك في الخطبة، وقد تواتر النقل عنه بذلك رضي الله عنه، والذي يقول هكذا ويقر بالفضل لأهله من البشر كيف يرضي أن يقول له قائل: إنك أنت الله؟‍ ولهذا عزرهم أبشع تعزير، أمر بالأخاديد فخدت، ثم ملئت حطباً وأوقدت، ثم أتى بهؤلاء فقذفهم في النار وأحرقهم بها، لأن فريتهم عظيمة ـ والعياذ بالله ـ وليست هينة، ويقال: إن عبد الله بن سبأ هرب ولم يمسكوه المهم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحرق السبئية بالنار، لأنهم ادعوا فيه الألوهية.



فنقول:


كل من كان من أهل القبلة لا ينكرون هذين النوعين من التوحيد: وهما: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وإن كان يوجد في بعض أهل البدع من يُؤَلِهُ أحداً من البشر.


المصدر:الشيخ بن عثيمين/ شرح العقيدة الواسطية




تعبت أسافر 10-03-2016 05:58 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
توحيد الأسماء والصفات :
وهو ((إفراد الله - سبحانه وتعالى- بما سمى الله به نفسه ، ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل)) . فلا بد من الإيمان بما سمى الله به نفسه ووصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييف، ولا تمثيل،
وهذا النوع من أنواع التوحيد ضل فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة الذين ينتسبون للإسلام على أوجه شتى :
منهم من غلا في النفي والتنزيه غلواً يخرج به من الإسلام، ومنهم متوسط، ومنهم قريب من أهل السنة . ولكن طريقة السلف في هذا النوع من التوحيد هو أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة، لا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل .
مثال ذلك:
أن الله - سبحانه وتعالى- سمى نفسه بالحي القيوم فيجب علينا أن نؤمن بأن الحي اسم من أسماء الله تعالى ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء . وسمى الله نفسه بالسميع فعلينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله –سبحانه وتعالى- وبالسمع صفة من صفاته، وبأنه يسمع وهو الحكم الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة، فإن سميعاً بلا سمع، أو سمعاً بلا إدراك مسموع هذا شيء محال وعلى هذا فقس .
مثال آخر:
قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)(المائدة: الآية64). فهنا قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(المائدة: الآية64) فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط، وهو العطاء الواسع، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم، ولكن يجب علينا أن لا نحاول بقلوبنا تصوراً، ولا بألسنتنا نطقاً أن نكيف تلك اليدين، ولا أن نمثلهما بأيدي المخلوقين، لأن الله –سبحانه وتعالى- يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية11) ويقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33). ويقول عز وجل: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36). فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌُ).(الشورى: الآية11) وقد عصى الله تعالى في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ)(النحل: الآية74) ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أياً كانت هذه الكيفية، فقد قال على الله ما لا يعلم، وقفى ما ليس له به علم .
ونضرب مثالاً ثانياً في الصفات:
وهو استواء الله على عرشه فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه كلها بلفظ (استوى) وبلفظ (على العرش) وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) .(طـه:5) .وأمثالها من الآيات . أنه علا على عرشه علواً خاصاً، غير العلو العام على جميع الأكوان، وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة، فهو عالٍ على عرشه علواً يليق به –عز وجل- لا يشبه علو الإنسان على السرير، ولا علوه على الأنعام ،ولا علوه على الفلك الذي ذكره الله في قوله: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ)(الزخرف: من الآية12) .(لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف:13). (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) .(الزخرف:14) . فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء الله على عرشه؛ لأن الله ليس كمثله شيء .
وقد أخطأ خطأ عظيماً من قال إن معنى استوى على العرش استولى على العرش، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة –رضوان الله عليهم- والتابعون لهم بإحسان، ومستلزم للوازم باطلة لا يمكن لمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة لله –عز وجل- والقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك كما قال الله –سبحانه وتعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3) ومقتضى صيغة ((استوى على كذا)) في اللغة العربية العلو والاستقرار، بل هو معناها المطابق للفظ . فمعنى استوى على العرش أي: علا عليه علواً خاصاً يليق بجلاله وعظمته، فإذا فسر الاستواء بالاستيلاء فقد حرف الكلم عن مواضعه، حيث نفى المعنى الذي تدل عليه لغة القرآن وهو العلو وأثبت معنى آخر باطلاً .
ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك، وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه .

تعبت أسافر 10-03-2016 06:32 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 


تلاوات خاشعة لآيات من سورة النمل :
https://www.youtube.com/watch?v=XgWXM_YeX3k



تعبت أسافر 10-03-2016 06:37 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
فضائل كلمة التوحيد وشروطها
خطبة جمعة بتاريخ / 10-2-1422 هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبته في السر والعلانية ، فإن تقوى الله جل وعلا هي خير زاد يبلِّغ إلى رضوان الله .
ثم اعلموا - رحمكم الله - أن خير الكلمات وأجلّها على الإطلاق كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " ؛ فهي الكلمة التي لأجلها قامت الأرض والسموات وخُلقت جميع المخلوقات ، وبها أُرسلت الرسل وأنزلت الكتب وشرعت الشرائع ، ولأجلها نُصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار ، وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار وأبرارٍ وفجّار ، وهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وعنها يُسأل الأولون والآخرون يوم القيامة ، وهي العروة الوثقى وكلمة التقوى ، وهي كلمة الشهادة ، ومفتاح دار السعادة ، وأساس الدين وأصله ورأس أمره ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:١٨]، وكم لهذه الكلمة العظيمة من الفضائل الجليلة والفواضل الكريمة والمزايا الجمّة مما لا يمكن استقصاؤه ولا الإحاطة به.
عباد الله:
إن الواجب على كل مسلم أن يعلم أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله التي هي خير الكلمات وأفضلها وأكملها لا تكون مقبولة عند الله بمجرد التلفظ بها باللسان فقط دون قيامٍ من العبد بحقيقة مدلولها أو تطبيقٍ لأساس مقصودها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل به، فبذلك يكون العبد مسلماً حقا ، وبذلك يكون من أهل لا إله إلا الله.
عباد الله:
وقد تضمنت هذه الكلمة العظيمة أن ما سوى الله ليس بإله ، وأن إلهية ما سوى الله أبطل الباطل وإثباتها أظلم الظلم ومنتهى الضلال ، قال الله تعالى : ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ[الأحقاف:٥–٦]، وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ[الحج:٦٢]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:١٣]، وقال تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:٢٥٤].
والظلم - عباد الله- هو وضع الشيء في غير موضعه ، ولا ريب أن صرف العبادة لغير الله ظلم، لأنه وضعٌ لها في غير موضعها ؛ بل أنه أظلم الظلم وأخطره على الإطلاق .
عباد الله:
إن لـ ( لا إله إلا الله) هذه الكلمة العظيمة مدلولاً لابد من فهمه ومعنى لابد من ضبطه ؛ إذ غير نافعٍ بإجماع أهل العلم النطق بها من غير فهمٍ لمعناها ولا عملٍ بما تقتضيه ، كما قال الله سبحانه: ﴿ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[الزخرف:٨٦] ، ومعنى الآية - كما قال أهل التفسير - أي :
إلا من شهد بلا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم ؛ إذ إنّ الشهادة تقتضي العلم بالمشهود به فلو كانت عن جهل لم تكن شهادة ، وتقتضي الصدق ، وتقتضي العمل بذلك . وبهذا - عباد الله - يتبين أنه لابد في هذه الكلمة العظيمة من العلم بها مع العمل والصدق ، فبالعلم ينجو العبد من طريقة النصارى الذين يعملون بلا علم ، وبالعمل ينجو من طريقة اليهود الذين يعلمون ولا يعملون ، وبالصدق ينجو من طريقة المنافقين الذين يُظهِرون ما لا يُبطنون ، ويكون بالعلم والعمل والصدق من أهل صراط الله المستقيم من الذين أنعم الله عليهم ، غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين.
عباد الله: إن لا إله إلا الله لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفياً وإثباتا واعتقد بذلك وعمل به ، أما من قالها وعمل بها ظاهراً من غير اعتقاد فهو المنافق ، وأما من قالها وعمل بضدها وخالفها من الشرك فهو الكافر ، وكذلك من قالها وارتد عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه ، وكذلك من قالها وهو يصرف أنواعاً من العبادة لغير الله ؛ كالدعاء والذبح والنذر والاستغاثة والتوكل والإنابة والرجاء والخوف والمحبة ونحو ذلك، فمن صرف ما لا يصلح إلا لله من العبادات لغير الله فهو مشرك بالله العظيم ولو نطق بلا إله إلا الله ، إذ لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص الذي هو معنى ومدلول هذه الكلمة .
عباد الله :
إن لا إله إلا الله معناها :لا معبود بحق إلا إله واحد وهو الله وحده لا شريك له .
والإله في اللغة : هو المعبود، ولا إله إلا الله أي : لا معبود بحق إلا الله ، كما قال الله تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:٢٥]، مع قوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:٣٦]. فتبين بذلك أن معنى الإله هو المعبود ، وأن لا إله إلا الله معناها إخلاص العبادة لله وحده واجتناب عبادة الطاغوت . ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش: ((قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) قالوا:
﴿ أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:٥] ، وقال قوم هود لنبيهم لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا [الأعراف:٧٠] ،قالوا ذلك وهو إنما دعاهم إلى لا إله إلا الله ، لأنهم فهموا أن المراد بها نفي الإلوهية عن كل مَنْ سوى الله وإثباتها لله وحده لا شريك له ، فلا إله إلا الله اشتملت على نفي وإثبات ؛ فنفت الإلهية عن كلِّ ما سوى الله تعالى ، فكل ما سوى الله من الملائكة والأنبياء فضلاً عن غيرهم فليس بإله وليس له من العبادة شيء . وأثبتت الإلهية لله وحده بمعنى أن العبد لا يأله غيره ؛ أي لا يقصده بشيء من التأله وهو تعلّق القلب الذي يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة كالدعاء والذبح والنذر وغير ذلك .
عباد الله:
فليست لا إله إلا الله اسماً لا معنى له ، أو قولاً لا حقيقة له ، أو لفظاً لا مضمون له ، بل هي اسمٌ لمعنى عظيم ، وقولٌ له معنى جليل هو أجلّ المعاني ، وحاصله البراءة من عبادة كل ما سوى الله والإقبال على الله وحده خضوعا وتذللا ، وطمعاً ورغبا ، وإنابةً وتوكلا ، وركوعاً وسجودا، ودعاءً وطلبا ، فصاحب لا إله إلا الله لا يسأل إلا الله ولا يستغيث إلا بالله ولا يتوكل إلا على الله ولا يرجو غير الله ولا يذبح إلا لله ولا يصرف شيئا من العبادة لغير الله ، ويَكْفُر بجميع ما يُعبد من دون الله ويبرأ إلى الله من ذلك ؛ فهذا - عباد الله- هو صاحب لا إله إلا الله حقا ، وهو المحقِّق لها صدقا.
اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله ، اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله ، اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله، اللهم أحيينا عليها وتوفنا عليها ، اللهم وفقنا للقيام بها حق القيام ، وأدخلنا اللهم بها الجنة دار السلام . أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا . أما بعد :
عباد الله :
اتقوا الله تعالى حق التقوى ، وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
عباد الله :
إن النصوص الواردة في فضل كلمة التوحيد لا إله إلا الله كثيرةٌ لا تحصى ، وعديدةٌ لا تستقصى، وهي تدلُّ على عظم شأن هذه الكلمة وجلالة قدرها ورفعة شأنها وكثرة خيراتها وبركاتها على أهلها ، لكن على العبد أن يعلم أن " لا إله إلا الله " هذه الكلمة العظيمة لابد لها من شروط لابد من تحقيقها وضوابط عظيمة لابد من القيام بها دلّ عليها كتاب الله العزيز وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
سُئل وهب بن منبّه رحمه الله - وهو من أجلة التابعين –
قيل له أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال:
" بلى ؛ ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان ، فإن جئتَ بمفتاحٍ له أسنان فُتح لك وإلا لم يفتح " يشير بذلك إلى شروط لا إله إلا الله .
وقيل للحسن البصري - رحمه الله وهو من أجلة التابعين –
أليس من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ؟ قال: "بلى؛ من أدى حقها وفرضها دخل الجنة " .
والشاهد - عباد الله –
أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله لها شروط لابد من ضبطها والعناية بها والاهتمام بتحقيقها ، والعلماء رحمهم الله لما استقرؤوا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تبين بهذا الاستقراء أن لا إله إلا الله لها شروط سبعة لا تقبل إلا بها ؛ وهي :
العلم بمعناها المنافي للجهل ، واليقين بها المنافي للشك والريب ، والصدق المنافي للكذب ، والإخلاص المنافي للشرك والرياء ، والمحبة المنافية للبغض والكره ، والانقياد المنافي للترك، والقبول المنافي للرد.
فهذه شروطٌ سبعة لهذه الكلمة العظيمة دلّ على كل واحد منها عشرات الأدلة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
والواجب علينا - عباد الله - أن يكون اهتمامنا بهذه الكلمة أكبر الاهتمام وأعظمه وأجلّه، وأن يكون اهتمامنا بها أعظم من اهتمامنا بأي شيء آخر . ونسأل الله عز وجل أن يوفّقنا وإياكم للعمل بهذه الكلمة العظيمة وتحقيق شروطها والقيام بحقوقها، وأن يدخلنا وإياكم بها الجنة.
وصلُّوا وسلّموا رحمكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الرّاشدين ، الأئمة المهديين ؛ أبى بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واحم حوزة الدين يا رب العالمين ، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلحأئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربّ العالمين ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، واجعلهم رأفة على عبادك المؤمنين .
اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم إنا نسألك الهدى والسداد ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، الله إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، ونستعيذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن تجعل كل قضاءٍ قضيته لنا خيرا .
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور ، اللهم اهدنا إليك صراطا مستقيما ، اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأموالنا وذرياتنا وأزواجنا واجعلنا مباركين أينما كنا ، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مثنين عليك بها قائلين بها وأتمها علينا يا ذا الجلال والإكرام . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقّه وجله أوله وآخره سره وعلنه ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت . اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين ، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين ، واغفر لنا أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 06:37 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
صراط الله المستقيم
خطبة جمعة بتاريخ / 21-8-1424 هـ
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما ًكثيرا .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله :
اتقوا الله تعالى حق تقواه في السّر والعلن والغيب والشهادة ؛ فإن تقوى الله جلّ وعلا هي خير زاد يُبلِّغإلى رضوان الله ، ثم اعلموا رعاكم الله أنّ نعم الله على عباده كثيرة لا تحصى وإن أجلّ نعمه - سبحانه - عليهم هدايته عبادَه المؤمنين إلى دينه القويم وصراطه المستقيم ؛ فهذه هي النعمة العظمى والمنة الكبرى ، فمن هُدي إليها فقد هُدي إلى خيرٍ عظيم .
عباد الله :
إنّ الهداية إلى الصراط المستقيم باستبانة معالمه ومعرفة مناراته والعلم بحدوده والبعد عن نواقصه ونواقضه أساسٌ للسعادة والفلاح والفوز والنجاح في الدنيا والآخرة . وحاجة العباد إلى الهداية إلى هذا الصراط هي أشد الحاجات وضرورتُهم إلى معرفته والعلم به وتحقيقه أشدّ الضرورات ، ولهذا عباد الله فإنّ مَنْ منَّ الله عليه بدخول هذا الصراط العظيم ومعرفته دين الله القويم أن يعرف لله جلّ وعلا نعمته عليه ، وأن يشكره سبحانه وتعالى عليها ، وأن يحقِّق الشكر على وجهه الصحيح كمالاً في العلم ، وتماماً في العمل ، ومواظبةً على طاعة الله تبارك وتعالى.
عباد الله :
ويتأكّد في هذا المقام على كلِّ مسلم يريد لنفسه الخير والسعادة أن يكون اهتمامه بهذا الصراط علماً وعملاً وتطبيقا أشدّ من اهتمامه بأي أمر آخر ؛ فإنه إذا أخلّ بهذا الصراط أو انتقصه أو أخل بشيء من جوانبه نقص حظه من السّعادة بحسب ذلك .
عباد الله :
إن الله جلّ وعلا بعث نبيه الكريم محمّداً صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس إلى هذا الصراط وليبين لهم معالمه وحدوه ليحيا من حي عن بينة وليهلِك من هلك عن بينة قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى:٥٢–٥٣] ، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:١٥٣] ؛ فبلَّغ صلواتُ الله وسلامه عليه البلاغ المبين وأبان السبيل القويم والصراط المستقيم ولم يدَعْ لقائل مقالا ولا لمتحذلق مجالاً ، أبان دين الله وأبان حدوده وأوضح معالمه على التمام والكمال ، فالصراط المستقيم هو ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فمن سلك سبيله ولزم سنته واتبع هديه وسار على طريقه فهو على صراطٍ مستقيم .
جاء في تفسير ابن جرير الطبري عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سُئل عن الصراط المستقيم ما هو؟ فقال رضي الله عنه: " تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه الآخر في الجنة " ، ومعنى هذا - عباد الله - أن من تعلّم هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولزم طريقه فإنه بذلك يكون ماضياً في صراطٍ مستقيم وفي طريقٍ قويم يفضي به إلى جنات النعيم.
عباد الله :
ثم إنّ نبينا صلى الله عليه وسلم من كمال نصحه وحسن بيانه لهذا الصراط ضرب الأمثال وأوضح الإسلام وصراطه أتم إيضاح ، وتأملوا في هذا - رعاكم الله - ما رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وغيرهما عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( إن الله ضرب مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تَتَفَرَّجُوا وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ )) ،.
تأمل - أيها المؤمن –
هذا الحديث العظيم والمثل الجليل الذي بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم مَثَل صراط الله المستقيم ؛ فإن مثل صراط الله المستقيم مثلَ طريق طويل على يمينه وشماله جداران ممتدان بامتداد الطريق ، وفي الجدارين أبوابٌ كثيرة مفتحة عن يمينه وعن شماله ، وهذه الأبواب ليس لها أقفال ولا مفاتيح وإنما عليها ستائر فقط ، عليها ستور مرخاة ، وهذه الأبواب تفضي لمن دخلها إلى الحرام ، وهذه الأبواب لا تحتاج عند دخولها إلى وقتٍ ومعالجةٍ وبذل مشقة فإنها ليس عليها إلا ستارة ، والسِّتارة إذا كانت على الباب لا تكلِّف الداخل شيئا فإنه يدفعها بكتفه ويدخل سريعاً ، وفي هذا إشارة - عباد الله - أن الدخول على الحرام له أبواب كثيرة وعديدة عن يمين المرء وعن شماله ، وهذه الأبواب دخولها لا يكلف المرء مشقة ولا يأخذ منه وقتًا ؛ ينحرف يمنة أو ينحرف يسرة فإذا بنفسه خارجَ الصراط ، ثم إن هذه الأبواب عليها دعاة من شياطين الإنس والجنّ يدعون إليها ليَحْرِفوا بمن استجاب لهم إلى الهاوية إلى حيث النار - أعاذنا الله وإياكم منها - .
وأثر ابن مسعود المتقدم فيه توضيحٌ وبيان لهذا المقام ؛ فعندما سُئل عن صراط الله المستقيم قال : " تركنا رسول الله صلى اله عليه وسلم في أدناه ، وطرَفُه الآخر في الجنة ، وعلى يمنته ويسرته جوادّ -أي طرق- وعلى هذه الجوادّ رجالٌ يدعون إلى الدخول إليها ، فمن دخل في شيء منها أفضت به إلى النار ، ومن سار على الصراط المستقيم أفضى به إلى الجنة ".
عباد الله :
ويوم القيامة يُنصب صراطٌ مستقيم على متن جهنم ويُومر الناس بالمرور من فوقه ، ويتفاوتون في قوّة مرورهم وضعفه بحسب قوة سيرهم على الصراط في هذه الحياة الدنيا ؛ فمن الناس يوم القيامة من يمر على الصراط كالبرق ، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل ، ومنهم من يمر كركاب الإبل ، ومنهم من يمر جريا ، ومنهم من يمر مشيا، ومنهم من يمر على الصراط زحفا ، ومن سوى هؤلاء يُكَرْدسُون في نار جهنم لأنهم تعثّروا في سيرهم على الصراط في هذه الحياة الدنيا وأخذوا عنه ذات اليمين وذات الشمال . والواجب عل العبد المؤمن أن ينصح لنفسه بالسير على هذا الصراط بأن يسير عليه سيرا قويما لا ينحرف عنه يمينا ولا شمالا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا[فصلت:٣٠] قال: "هم الذين مضوا على صراط الله المستقيم ولم يَرُوغوا عنه يميناً وشمالا رَوَغَان الثعلب" . هكذا الواجب على عبد الله المؤمن .
ثم تأمّل - عبد الله - أهمية القرآن وشدّة الحاجة إليه في المضي على هذا الصراط ؛ فكتاب الله وهكذا سنةُ رسوله عليه الصلاة والسلام فيهما العصمة من الزّلل والأَمَنَة من الانحراف كما قال صلى الله عليه وسلم : (( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ )). وتأمل أخي المؤمن في هذا المثل ؛ واعظ الله الذي جعله في قلب كل مؤمن ، وذلك – أخي - أن المؤمن حسَن الإسلام إذا أخذت به نفسه يمنة أو يسرة وجد في قلبه وَخْزاً وأَلَما ، فهو لا يرتاح ولا يقرُّ له قرار ولا يهدأ له بال فيرجع سريعاً إلى صراط الله المستقيم ؛ فهذا واعظ الله في قلب كل مؤمن ، إلا أن الإنسان إذا انغمس في الحرام وتمادى في الباطل وانهمك في الملذات والمحرمات تبلّد إحساسه وذهب عنه واعظُه الذي في قلبه ، وهذا هو معنى قول الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:١٤] .
أسأل الله جلّ وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهديني وإياكم إليه صراطاً مستقيما ، وأن يقينا جميعا من الزّلل، وأن يعذنا من الخطل ، وأن يأخذ بنواصينا إلى الخير ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ؛ إنّ ربي لسميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
الخطبة الثانية :
الحمد الله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وصلى الله وسلم وبارك وأَنْعَم على عبد الله ورسوله ومصطفاه محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين .أما بعدُ عباد الله : اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن السعادة في تقواه .
ثم عباد الله :
إن من بيان النبي صلى الله عليه وسلم لصراط الله المستقيم وتأكيده على العناية به وتحذيره من الانحراف عنه ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ((خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» )) ، فالواجب على عبد الله المؤمن أن يجاهد نفسه في الثبات على هذا الصراط والمضي عليه إلى أن يفضي به الجنة ، وليحذر أشد الحذر من الانحراف عنه ذات اليمين أو ذات الشمال .
والانحراف عباد الله له مسلكان أو طريقان: إحداهما الشهوة ، والآخر الشبهة ؛ فالدخول إلى الحرام إما عن تتبع الشهوات أو الوقوع في الشبهات ، فليحذر العبد من هذين ، وليسأل الله تبارك وتعالى أن يثبته على صراطه المستقيم ، وليسأله جلّ وعلا ثبات قلبه على الإيمان ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ )) .
نسأل الله جلّ وعلا لنا ولكم الهداية إلى الصراط والثبات عليه إلى الممات ، وأن يثبتنا جميعاً على الصراط الذي يُنصب على متن جهنم يوم القيامة ، وأن يجعلنا وإياكم من النار من الناجين ، وللجنة من الداخلين بمنّه وكرمه وجوده وإحسانه فإن ربي سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين .
وصلوا وسلموا رعاكم على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي السبطين علي . وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنّا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، اللهم احم حوزة الدين يا رب العالمين , اللهم احم حوزة الدين يا رب العالمين, اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربَّ العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، اللهم وأعنه على البر والتقوى ، وسدِّده في أقوله وأعماله ، وألبسه ثوب الصحة العافية ، اللهم وفِّقْ جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمةً ورأفة على عبادك المؤمنين .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، كها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والسداد ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفة والغنى ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل , اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علِمنا منه وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ، وأن تجعل كل قضاءٍ قضيته لنا خيرا .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا . اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتب على التائبين واكتب الصحة والعافية والسلامة والغنيمة لعموم المسلمين ، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحمنا موتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات , اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، سره وعلنه ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما آخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت .
اللهم نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدارا ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا , اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئا سحاً طبقا نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين , اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين , اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله لا إله إلا أنت ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا , اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثِرْنا ولا تؤثر علينا ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلَّم وبارك وأنْعَم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 06:38 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
معرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا
خطبة جمعة بتاريخ / 25-10-1424 هـ
الحمد لله الكبير المتعال ، ذي العظمة والكبرياء والجلال والجمال ، له الأسماء الحسنى والصفات العلا والعطاء والنوال ، أحمده حمد الشاكرين ، وأثني عليه ثناء الذاكرين ، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين ، وقيوم السموات والأرضين ، وخالق الخلق أجمعين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلغ الناس شرعه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله :
اتقوا الله ، فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
ثم اعلموا - رعاكم الله - أن من مقامات الدين العظيمة ومنازله العالية الرفيعة معرفةَ الرب العظيم والخالق الجليل بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا وما تعرَّف به إلى عباده في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل إنّ هذا - عباد الله - أساسٌ من أسس الدين العظيمة ، وأصل من أصول الإيمان المتينة ، وقِوام الاعتقاد وأصلُه وأساسُه .
معرفة الله جل وعلا بمعرفة أسمائه وصفاته ؛ ما أعظمَه من مقام ، وما أجلَّها من منزلة وما أعلاها من رتبة ، حينما يعرف المخلوق خالقه وربه وسيده وموجده ومولاه ، فيتعرف على عظمته وجلاله وجماله وكبريائه ، ويتعرف على أسمائه الحسنى وصفاته العلا على ضوء ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
عباد الله :
وكتاب الله جل وعلا فيه آياتٌ متكاثرة ونصوصٌ متضافرة فيها الدعوة إلى معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا ، وبيان ما يترتب على هذه المعرفة من الآثار الحميدة والنهايات الرشيدة والمآلات الطيبة يقول الله تعالى ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:١٨٠] ، ويقول الله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:١١٠] ، ويقول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:٨] ، ويقول الله جل وعلا: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:٢٢–٢٤] .
عباد الله :
بل جاء في القرآن الكريم آياتٌ صريحة ونصوصٌ واضحة فيها الدعوة إلى تعلّم الأسماء والصفات ومعرفتها ومعرفة الله تبارك وتعالى بها ، وفي القرآن الكريم قرابة الثلاثين آية فيها الدعوة إلى العلم بأسماء الله وصفاته كقوله جل وعلا: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:٢٠٩] ، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:٩٨] ، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ[البقرة:٢٦٧] ، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:٢٤٤]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:١٩] ، وقوله جل وعلا: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا[الطلاق:١٢] والآيات في هذا المعنى كثيرة .
عباد الله :
إن معرفة الله عز وجل ومعرفةَ أسمائه الحسنى وصفاته العظيمة بابٌ شريفٌ من العلم له الأثر البالغُ على من اعتنى به وفهمه ، يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصّحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) ؛ تأمل - رعاك الله - هذا الأثر العظيم والنهاية الطيبة لمن أحصى تسعة وتسعين اسماً من أسماء الله فإن مآله بإذن الله إلى دخول الجنة ، وليس المراد - عباد الله - بإحصاء أسماء الله في هذا الحديث حفظ ألفاظها فقط دون علمٍ بمعرفة معانيها ودلالاتها ودون قيام بمقتضياتها وموجباتها ؛ بل المطلوب في الإحصاء - عباد الله - العلم بمعاني أسماء الله مع حفظها وفهمها والقيام بما تقتضيهفهي ثلاثة مراتب:
المرتبة الأولى : حفظها .
والمرتبة الثانية : فهم معانيها .
والمرتبة الثالثة : القيام بالعبوديات المختصة بها.
ومعنى ذلك - عباد الله - :
أنه ما من اسم من أسماء الله جل وعلا إلا وله عبودية مختصة به وهي من موجبات العلم بذلك الاسم ، بل إن لكثير من الأسماء عبوديات كثيرة ، فما أعظم - عبادَ الله - أن يُقبِل العبد على معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته الواردة في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم . ولعلّنا عباد الله نضرب بعض الأمثلة على ذلك يتضح بها المقصود :
يقول الله جل وعلا: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:١١] في هذه الآية الكريمة أخبر جل وعلا عن نفسه بأنه سميعٌ بصير ، وفي آيات كثيرة جاء الإخبار عنه تبارك وتعالى بهذين الاسمين العظيمين . فإذا عرفت - أيها المؤمن - أن الله عز وجل من أسمائه الحسنى السميع فعليك أن تعرف الصفة العظيمة التي دل عليها هذا الاسم العظيم ألا وهي : أن الله عز وجل سميعٌ لجميع الأصوات جل وعلا ؛ يسمع جميع الأصوات عاليها وخافضها ، لا يخفى عليه تبارك وتعالى منها صوت . بل إن العباد - عباد الله - لو وقفوا من زمن آدم إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لو وقفوا جميعُهم في صعيد واحد وسألوا الله عز وجل في لحظة واحدة وكلٌّ منهم يذكر مسألةً خاصة به وبِلُغات مختلفة ولهجات متباينة لسمِع عز وجل أصوات الجميع دون أن يختلط عليه صوت بصوت ولا حاجة بحاجة ولا لغة بلغة ، وانظر ذلك في قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي المخرَّج في صحيح مسلم حيث يقول تعالى : ((يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ)) .
جاءت المرأة المجادِلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لتشتكي إلى الله وكانت تجادِل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت عائشة - رضي الله عنها - في البيت فتقول عائشة : ((تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ ، إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتُنَاجِي رَسُولَ اللهِ ، أَسْمَعُ بَعْضَ كِلامِهَا وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضٌ إِذْ أَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا[المجادلة:١] )) .
فإذا آمنت - أيها المؤمن - بأن الله عز وجل يسمع صوتك ، يسمع كلامك فكيف يليق بك أن تُسمِع ربك تبارك وتعالى من الكلام ما لا يليق ، ومن الأقوال ما هو باطل !! كيف لا تنشغل بذكر الله وتلاوة آياته وتسبيحه وحمده والثناء عليه تبارك وتعالى ، فلا يسمع منك جل وعلا إلا القول السديد والكلام النافع !! لماذا لا تُحفظ الأقوال ؟ ولماذا لا تضبط الكلمات ؟ أليس الله جل وعلا يسمع كلامنا ويرى مقامنا ويعلم بحالنا !!.
وإذا آمنت - أيها المؤمن - بأن الله عز وجل بصير وأن من أسمائه الحسنى البصير ؛ فآمِن بالصفة التي دل عليها هذا الاسم وهو أن الله عز وجل بصير بجميع المبْصَرَات ، يرى كل شيء سبحانه وتعالى ، يرى جميع المخلوقات وجميع الكائنات من فوق سبع سماوات ، يرى جل وعلا من فوق سبع سماوات دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظُلمة الليل، بل إنه عز وجل يرى جريان الدم في عروقها ، ويرى جل وعلا كل جزءٍ من أجزائها ؛ يرى ذلك جل وعلا من فوق سبع سماوات ، ولو دنوتَ من هذه النملة على هذا الحال والوصف لما رأيتها ، فما أعظم بصرَ الله جل وعلا .
أيها المؤمن :
إذا علمتَ أن الله بصير بك ألا تستحي من الله أن يراك وأنت تعيش في نعمة الله وعطيّته ومنته وفي ملكه سبحانه وتعالى ثم تبارزه بالذنوب والمعاصي والخطايا والآثام !! ألست تعلم بأن الله بصير بك ؛ يراك ويطلع عليك ولا تخفى عليه منك خافية !! .
وهكذا - عباد الله - بقية أسماء الله الحسنى وصفاته العلا ينبغي علينا أن نُعنى بها فهماً وتدبرا ثم من بعد ذلك قياماً بحقوقها وموجباتها من مراقبة الله عز وجل وخوفه وخشيته والإنابة إليه والإقبال على طاعته ، وقد قال بعض السلف: " من كان بالله أعرف كان منه أخوف ، ولعبادته أطلب ، وعن معصيته أبعد " ؛ وهذا المعنى مذكور في القرآن في قول الله جل وعلا: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[فاطر:٢٨] . قال ابن عباس رضي الله عنهما : " أي العلماء بأن الله على كل شيء قدير " . فأنت إذا علمتَ بأسماء الله وقدرة الله وعلمتَ هذا الباب العظيم أثّر في حياتك تأثيراً عظيما وكانت له من الفوائد والآثار والثمار اليانعة ما لا يحصى ولا يعد .
فنسأل الله جلّ وعلا أن يبصِّرنا وإياكم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل . أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفره يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى .
جاء في الصّحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها : ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ ؟ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ )) ، وفي رواية قال : ((حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ )) ؛ تأمَّل عبد الله :حبُّ أسماء الله وصفاته العلا يُدخل الجنة ، لأن هذا الحب يحرك في القلوب الإقبال على الله عز وجل والقيامَ بعبوديته وتحقيقَ طاعته والبعد عن نواهيه جل وعلا.
اللهم إنا نسألك حبَّك ، وحب من يحبك ، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام .
هذا وصلوا وسلِّموا رعاكم الله على إمام الهداة محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارضَ اللهم عن الصّحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين . اللهمّ أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذلّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واحمِ حوزة الدِّين يا رب العالمين .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعِنه على البر والتقوى ، وسدده في أقواله وأعماله ، وألبسه ثوب الصحة والعافية ، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة . اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رأفة ورحمة على عبادك المؤمنين .
اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والسداد ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ، والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ، والفوز بالجنة والنجاة من النار . اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا .
اللهم أصلح ذات بيننا ، وألِّف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقوّاتنا وأزواجنا وذرياتنا واجعلنا مباركين أينما كنا . اللهم وفقنا لما تحب وترضى وأعنا على البر والتقوى ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين يا ذا الجلال والإكرام . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله :
اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم )وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 06:38 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
الْهِــدَايَـــةُ مِـــنَّــــــــةٌ إِلَاهِـــيَّـــة
خطبة جمعة بتاريخ / 9-8-1433 هـ
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله :
اتقوا الله تعالى وراقبوه جل في علاه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه . وتقوى الله جل وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون عباد الله :
إن الهداية منَّة الله جل وعلا وفضله على من شاء من عباده {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الحج:54] ، { وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }[الحديد:29] والأمر لله جل وعلا من قبل ومن بعد ، له الملك وبيده الأمر ، ومن هداه الله فلا مضل له ومن أضلَّ فلا هادي له ، فالهادي هو الله وحده لا شريك له ، وإن الإنسان مهما بلغ مكانةً ومنزلةً وفضلاً ونُبلا لا يملك هدايةً لأحد وإن كان أقرب قريب وأفضل حبيب .
أيها المؤمنون :
إنَّ استشعار المسلم لهذا المقام العظيم يقوِّي صلته صدقاً بالله جل وعلا والتجاءً إليه وحده وإخلاصاً في الدعاء والطمع والرجاء ، ومن أسماء ربنا جل في علاه الحسنى « الهادي » كما قال الله تبارك وتعالى: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31] وكما قال الله جل وعلا :{وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، والهادي من أسمائه ، دلالته أنَّ الهداية كلها بيده ، فلا حصول هداية لعبد ولا نجاة من ضلال ولا ثبات على حق وهدى إلا بأمر الله جل في علاه وإذنه ، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى : ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)) ومعنى «اسْتَهْدُونِي» أي اطلبوا مني وحدي الهداية ، لأن الهداية بيده وحده سبحانه .
عباد الله :
وحرْص العبد مهما علا مقامه وبلغت منزلته على هداية أحدٍ من الناس مهما كانت قرابته وشأنه لن ينال ذلك إن لم يكتب له رب العالمين هداية ، وتأمل في هذا المقام حرص نبينا عليه الصلاة والسلام خير الوجهاء وإمام الشفعاء وسيد ولد آدم أجمعين مَن جاهه عند الله أعظم جاه ومنزلته أرفع منزلة ، حرِص أشد الحرص على هداية عمه أبي طالب ولم يظفر صلوات الله وسلامه عليه بما حرص عليه ؛ وتأمل ما رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث المسيِّب ابن حزن رضي الله عنه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية جالسان عنده فقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( يَا عَمِّ ؛ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ )) وفي رواية ((أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ)) وهما عنده يقولان له : « يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ » والنبي صلى الله عليه وسلم يعيد عليه (( يَا عَمِّ قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ )) وهما يقولان : «بل على ملة عبد المطلب» ومات وهو يقول : هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله .
واشتدَّ حزن النبي عليه الصلاة والسلام وعظُم ألمه ومصابه وقال في ذلك المقام : (( أَمَا وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ )) ، فَأَنْزَلَ اللهُ تبارك وتعالى قوله : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113] ، وَأَنْزَلَ اللهُ تبارك وتَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }[القصص:56] .
تأمل أيها المؤمن !!
رب العالمين يقول لنبيه ومصطفاه وخليله ومجتباه يقول له جل في علاه سبحانه وتعالى :
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } ؛ أي لا تملك هدايةً لمن أحببت مهما كان شأن ومكانة من أردت هدايته . أتدرون من هو عم النبي عليه الصلاة والسلام !! إنه ذلك الرجل الذي كفل النبي عليه الصلاة والسلام منذ كان في السنة الثامنة من عمره إلى ما بعد النبوة بثمان سنوات حيث توفي في ذلك الوقت ، أربعين سنة يحوط النبي عليه الصلاة والسلام ويرعاه وينصره ويشد من أزره ويصد عنه ويدافع عنه ويحميه ، وكان له في قلب النبي عليه الصلاة والسلام مكانةً وله في قلبه محبة طبيعيةً لا شرعية ، وكان حريصاً عليه الصلاة والسلام أشد الحرص على هداية عمه ولكن الأمر بيد الله ولله من قبل ومن بعد .
ومثل هذه الآية قول الله تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }[يوسف:103]
أي ولو حرصت على هدايتهم . وفي معناها أيضا قول الله تعالى :
{ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }[البقرة:272]
نعم أيها المؤمنون !!
إن الإنسان مهما بلغ مكانةً ومنزلةً وفضلا لا يملك هداية لأي أحدٍ مهما كان ومن كان فالأمر لله جل في علاه من قبل ومن بعد .
عباد الله :
إن معرفة هذا الأمر واستشعاره والعناية بتأمله وتدبره يقوي في قلب العبد الإخلاص والالتجاء إلى الله وطلب الهداية منه وحده .
أيها المؤمنون :
لنستشعر - رعاكم الله - شدة حاجتنا وعظم ضرورتنا وشدة افتقارنا إلى ربنا سبحانه وتعالى في أن يهدينا إليه صراطاً مستقيما . واللهِ أيها المؤمنون لا يملك أي واحدٍ منا لنفسه ولا لأولاده ولا لأهل بيته ولا لقرابته ولا لكل من يحب لا يملك لهم هدايةً ولو حرص أشد الحرص ؛ فما أعظم فقرنا وأشد حاجتنا وأعظم ضرورتنا إلى ربنا سبحانه وتعالى أن يهدينا إليه صراطاً مستقيما .
أيها المؤمنون :
ولما كانت حاجة العبد إلى هداية الله له وضرورته إلى ذلك أعظم الحاجات وأشد الضرورات افترض الله علينا كل يوم وليلة في أعظم مقامٍ نناجي فيه ربنا في كل صلاة بل في كل ركعة من صلاة أن نسأله الهداية إلى صراطه المستقيم ، وذلك في سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن الكريم ، فأنت أيها المؤمن في كل يومٍ وليلة تقول فرضاً واجباً لازماً متعيِّنًا عليك { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }.
أيها المؤمنون عباد الله :
والهداية التي تطلبها من الله تتناول أموراً عديدة وجوانب كثيرة يجدر بك أن تتأملها :
§فكم من أمور الدين تجهلها ولا تعْلَمُها ؛ فأنت بحاجة إلى هداية الله لك أن تعلم ما لا تعلمه من دينك .
§وكم من أمور الدين تعْلَمها من وجه وتجهلها من وجه آخر ؛ فكم أنت بحاجة إلى أن يهديك الله تبارك وتعالى إلى أن تعْلمها علماً صحيحاً سليما .
§وكم من الأمور - عباد الله - من دين الله تبارك وتعالى يكون علم الإنسان بها على جهةٍ خاطئة أو طريقةٍ مبتدعة أو مسلكٍ آثم أو نحو ذلك ؛ فهو بحاجة إلى أن يهديه الله تبارك وتعالى إلى الحق والصواب فيها .
§وكم من أمور تلتبس على الإنسان ولا يستبين أمرها له ويكون اعتقاده فيها ليس فيه اعتقاد حق أو اعتقاد باطل بل يكون الأمر فيه ملتبساً عليه ؛ فهو بحاجةٍ إلى أن يهديه الله تبارك وتعالى إلى الحق والصواب ، وكان من دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام : ((اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) .
§وكم من الأمور تعْلمها وتعْلم فضلها وعظيم ثوابها عند الله وتجِدُ نفسك لا تقبل عليها فعلاً وعملا وتطبيقا , وكم من الأمور تعلم أن الله نهاك عنها وحرمها عليك ومع ذلك تقع فيها أو تقع في شيء منها ؛ فكم أنت بحاجة إلى هداية الله تبارك وتعالى لك في تجنب ما نهاك عنه وفعل ما أمرك سبحانه وتعالى به .
§وكم من الأمور هداك الله تبارك وتعالى إليها وعرفت الحق والصواب فيها وعملتها وقُمت بها ؛ فأنت بحاجة إلى أن يهديك الله تبارك وتعالى إلى الثبات عليها والبقاء إلى الممات ، والله سبحانه وتعالى يثبت من شاء على الحق والهدى والأمر بيده سبحانه وتعالى ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[إبراهيم:٢٧] .
§ وكم من الأمور علِمتها وعملت بها واستقمت على فعلها وأنت بحاجة إلى هداية الآخرين إليها لتجمع بين أن تكون هادياً للآخرين مهديًّا في نفسك ، وفي الدعاء المأثور ((اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ))
أيها المؤمنون عباد الله :
إن مقام الهداية والالتجاء فيها إلى الله سبحانه وتعالى وحده أعظم المقامات وأجلُّها والضرورة إلى هذا الأمر علماً وعملاً وتطبيقاً أعظم الضرورات ؛ فنسأل الله عز وجل أن يهدينا جميعاً إليه صراطاً مستقيما ، وأن يصلح لنا شأننا كله ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
الخطبة الثانية
الحمد لله الهادي وحده لا شريك له يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله :
اتقوا الله تعالى فإن تقواه سعادة المرء وفلاحه في دنياه وأخراه .
أيها المؤمنون عباد الله :
ويتأكد في هذا المقام أمران عظيمان ومطلبان جسيمان :
- الأول : إقبالك على الله جل وعلا صادقا ؛ تسأله جل في علاه أن يهديك إليه صراطاً مستقيما ، مخلصاً في دعائك ، صادقاً في طمعك ورجائك ، محسناً في التجائك إلى ربك ومولاك .
- والأمر الآخر : أن تجاهد نفسك على الأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات والبُعد عن المحرمات والآثام ، فالله جل وعلا يقول : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }[العنكبوت:69] .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هذين الأمرين العظيمين في قوله عليه الصلاة والسلام : ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزَنَّ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ)) .
أيها المؤمنون عباد الله :
لنكثِر من سؤال الهداية ؛ جاء علي رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال : علِّمني دعاء أدعو الله به ؟ قال : ((قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ ، وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ ، وَاذْكُرْبِالسَّدَادِ تَسْدِيدَكَ السَّهْمَ )) .
وما أكثر الآثار المأثورة عن رسولنا عليه الصلاة والسلام في سؤال الله تبارك وتعالى الهداية .
نسأل الله العظيم الهادي من يشاء إلى صراط مستقيم أن يهدينا أجمعين وأن يهدي أهلينا وذرياتنا إليه صراطاً مستقيما ، وأن يثبِّـتنا على الهداية ، وأن يعيذنا من الضلال ، وأن يجنِّـبنا سبيل المغضوب عليهم والضالين ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يصلح لنا شأننا كله ، ما شاء الله لا قوة إلا بالله .
وصلُّوا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك فقال :﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الهداة المهديين ؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذلَّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين . اللهم أعنَّا ولا تُعن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسِّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا . اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين ، إليك أواهين منيبين ، لك مخبتين لك مطيعين . اللهم اهدنا ، واهد بنا ، واهد لنا ، ويسِّر الهدى لنا ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى .
اللهم اهدنا فيمن هديت . اللهم إنا نعوذ بك أن نضِل أو نُضَل ، اللهم أعذنا من سبيل أهل الضلال من سبيل المغضوب عليهم والضالين يا رب العالمين . اللهم اهدنا إليك صراطا مستقيما ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وأعِنه على البر والتقوى ، اللهم اهده إليك صراطاً مستقيما وأصلح له شأنه كله يا ذا الجلال والإكرام . اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واصرف عنهم شرارهم يا رب العالمين .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 06:38 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
آيات الله في الأرض
خطبة جمعة بتاريخ / 10-1-1424 هـ
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ [سبأ: 1–٢] ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الشكور ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله :
اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن تقواه جلا وعلا هي أساس السعادة وسبيل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة . ثم اعلموا - رعاكم الله - أن الله جلا وعلا دعا عباده في آيات كثيرة في القرآن الكريم إلي التفكر في آياته والتأمل في مخلوقاته الدالة على عظمة خالقها وكمال موجدها وعظمة الرب الجليل سبحانه وتعالى ، كم هي الآيات العظيمة والبراهين الواضحة الدالة على كمال الخالق الرب العظيم سبحانه
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
عباد الله :
وإن من آيات الله العظيمة وبراهينه القويمة الدالة على كمال الرب جلا وعلا هذه الأرض التي نمشي عليها ونسير في فجاجها ، كم فيها - عباد الله - من البراهين الدالة على كمال الخالق وعظمة الموجد سبحانه وتعالى ، يقول الله جلا وعلا : ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ [الجاثية:٣] ، ويقول جلا وعلا: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ [الذاريات:٢٠] ، ويقول جلا وعلا:
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:١٧-٢٠]. ما أعظمها - عبادَ الله - من آية دالة على كمال الخالق جلا وعلا ؛ هذه الأرض - عباد الله - لم يوجدها عز وجل لعباً وهملاً وباطلا ؛ تنزه ربنا عن ذلك وتقدس جل شأنه ، بل إنه جلا وعلا وضعها للأنام وسخرها لهم وأوجد فيها من النعم ما لا يعد ولا يحصى ليطيعه الأنام عليها ﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:١٠–١٣]
عباد الله :
ومن آيات الله العظيمة في الأرض إمساك الله جلا وعلا لها أن تزول وإقامته لها من أن تسقط وتقع ، يقول جلا وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر:٤١] ويقول جلا وعلا: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم:٢٥]تبارك الله ، ما أعظمها من آية إمساكه لهذه الأرض من السقوط والوقوع والـهُوِيُّ ، إنها لآية عظيمة دالة على كمال الخالق الجليل والرب العظيم . ثم إنه جلا وعلا ثبّت هذه الأرض وأرساها بالجبال يقول جلا وعلا: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل:١٥]، ويقول جلا وعلا: ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النازعات:٣٢].
فما أعظمها من آية !!
هذا التثبيت للأرض من الزوال والتزلزل والهوي بهذه الجبال العظيمة الصم الصّلاب الراسخة التي جعلها الله عز وجل أوتادا للأرض تثبتها ، ثم إنه جلا وعلا مدَّ هذه الأرض وبسطها لعباده ليتمكنوا من العيش فيها والسير في فجاجها يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا [نوح:١٩]، ويقول جلا وعلا:
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:١٥]، فما أعظمها - عباد الله- من آية دالة على كمال الخالق جلا وعلا:
﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا [ق:٧] ؛ مدها جلا وعلا وبسطها وجعل فيها السبل ليسير العباد في أكنافها ويمشوا في فجاجها طلباً لرزق الله وسعياً في الحصول على نعمة الله ، فما أعظمها عباد الله من آية دالة على كمال الخالق جلا وعلا .
عباد الله :
ومن آيات الله العظيمة في هذه الأرض أنك ترى الأرض خاشعة وتراها هامدة لا زرع فيها ولا نبات فيُنزل عليها الرحمن جلا وعلا الماء فتهتز وتربو وتُنبت من كل زوج بهيج ، إن هذه - عباد الله لآية - دالة على كمال الخالق وأنه الإله الحق وأنه على كل شيء قدير ، يقول جلا وعلا:
﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:٥–٧] .
ومن عظيم آيات الله عز وجل في الأرض :
أن القِطع المتجاورات المتماثلات في الهيئة يُنزل الرب جلَّ وعلا عليها الماء فتُنبت أنواعاً من الزروع مختلفةً في الهيئات وفي الأشكال وفي الطعم وفي المنظر مع أنها سُقيت بماء واحد ونبتت على أرض واحدة !! ما أعظمها من آية - عباد الله - يقول الله جلَّ وعلا: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[الرعد:٤].
عباد الله :
وإن من عظيم آيات الله في الأرض أن جعلها قرارا للعباد ساكنةً مطمئنة ليست رَجْراجَةً متكفِّئة وإنما ثبتها وجعلها قرارا كما قال الله عز وجل : ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا [غافر:٦٤]أي مستقِرَّةً ساكنة تمشون عليها مطمئنين ليست مهتزّة من تحت أرجلكم ولا متزلزلة وليست بأرض رجراجة ـ فما أعظمَها عباد الله من آية.
واعتبر عبد الله بما يُحدِثه جلَّ وعلا في بعض الأوقات على أجزاءٍ من الأرض من زلازل ؛ تتحرك الأرض من تحت الناس فلا يَقَرُّ لهم قرار ولا يهدأ لهم بال ولا يهنئون بعيش ، بل إن اهتزازها إذا اشتد وعظم أهلكت من يمشي عليها ، ولعلنا سمعنا قريبا ما حدث في بعض الديار وفي ليلةٍ واحدة هلك أكثر من ثلاثين ألفَ نفْسا ، هلكوا في ساعة واحدة وماتوا موتة نفس واحدة ؛ بيوتهم تهدمت ، زروعهم هلكت الذي يمشون عليها ، هلكوا عن بكرة أبيهم إلا قليلا منهم ، هذه آية عباد الله تدل على عظمة الخالق جلَّ وعلا وأنه على كل شيء قدير ، ولا يغيب عن بالنا قول الله جلَّ وعلا: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا[الإسراء:٥٩] ، إن هذا - عباد الله - فيه عظةٌ للعباد وعبرةٌ ليتذكروا عظمة الخالق الجليل وكمال المبدع العظيم وقدرته على كل شيء ، أفلا تذكرنا - عباد الله - نعمة الله علينا بثبات هذه الأرض التي نمشي عليها وقرارها وسكونها ؛ أرض ثابتة ليست متزلزلة من تحتنا ولا متحركة ، تفكروا عباد الله لو أن هذه الأرضَ التي نمشي عليها لو تزلزلت وتحركت كيف يكون الشأن في الناس ؟ وكيف يكون الشأن في البيوت والزروع وفي المصالحوالأعمال ؟ إن كل ذلك عباد الله يتعطل ولا يُنتفع منه بشيء ولا يهدأ للناس بال .
لنتفكر في هذه الآية العظيمة ولنقبل على الخالق الجليل جلَّ وعلا ولنستفد من عتابه لعباده كما قال بعض السلف رحمهم الله عندما اهتزت الأرض في زمانه ؛ قال للناس : " إن هذا ربُّكم يستعتبُكم " ؛ أي يطلب منكم أن تعودوا إليه وتنيبوا إليه وتتذكروا عظمته وأنه خلقكم لطاعته وعبادته ، جاء في بعض كتب السير أن الأرض اهتزت في المدينة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام وخطب الناس ووعظهم وذكَّرهم وكان فيما قاله لهم : " إن عادت إلى هذا لا أساكنكم فيها " .
فلنتب عباد الله إلى الله ، ولنتذكر نعمة الله ومنته جلَّ وعلا علينا في هذه الأرض التي خلقنا وأوجدنا عليها لنمشي عليها مطمئنين ، ولله طائعين ومنه تبارك وتعالى خائفين ، وعلى عبادته مقبلين ، ولرحمته راجين . اللهم وفقنا لما تحبه وترضى و أعنا على البر والتقوى ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين , اللهم اجعلنا من عبادك المتعظين المعتبرين ، واجعل لنا فيمن ابتليتهم من عبادك عظة وعبرة ، ولا تجعلنا لغيرنا عظة وعبرة , اللهم اهدنا سواء السبيل وأعنا يا ذا الجلال والإكرام ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد الله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا . أما بعد عباد الله اتقوا الله تعالى.
عباد الله :
لنتفكر في شأن هذا الإنسان الذي يمشي على هذه الأرض ما شأنه بها ؟ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ [نوح:١٧-١٨] ؛ إن هذا الإنسانَ أُنبِتَ من الأرض لأن أبينا آدم خُلق وذريتُه في صلبه من تراب ، فالله جلَّ وعلا أنبت الناس من الأرض نباتا ثم يعيدهم فيها ، عندما يموت كل واحد مآله إلى الدفن في الأرض فالله جلَّ وعلا جعل الأرض كفاتا للأحياء من الناس والأموات ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [المرسلات:٢٥-٢٦]فهي كفات لهم عليها يمشون ويسكنون في حياتهم وفي بطنها يودَعون ويدخلون بعد مماتهم ، ﴿ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ [ نوح:18] ؛ وذلك البعث والنشور يخرج الناس من الأرض للقيام بين يدي رب العالمين ليجزيهم ويحاسبهم على أعمالهم في هذه الأرض ، هل كانوا يمشون عليها مطمئنين بعبادة الله خاشعين ممتثلين بأوامر الله كما قال الله عن عباد الرحمن ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:٦٣] ؟ أم أنهم كانوا يمشون على الأرض بالفساد والعتُوِّ والتجبُّر والطغيان , فالحساب يوم القيامة أمام الله جلَّ وعلا يحاسب الناس ويجازيهم على أعمالهم على هذه الأرض ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [إبراهيم:٤٨].
فأعِدُّوا - عباد الله - لذلك اليوم عدته بطاعة الله وامتثال أوامره سبحانه وتعالى والاستعداد بالوقوف بين يديه ، فالكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني , وصلوا وسلموا رعاكم الله على خير من مشى على الأرض محمد بن عبد الله صلواته الله وسلامه عليه .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي . وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين , اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين , اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى , اللهم وألبسه ثوب الصحة العافية وارزقه البطانة الصالحة الناصحة , اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .
اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولها , اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى, اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر , اللهم وفقنا لما تحب وترضى وأعنا على البر والتقوى ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ، اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأموالنا وأزواجنا وذرياتنا واجعلنا مباركين أينما كنا . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات , اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتب على التائبين واكتب الصحة والعافية والسلامة لعموم المسلمين , اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفّس كرب المكروبين ، اقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحمنا موتانا وموتى المسلمين .
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين , اللهم اسقنا وأغثنا , اللهم اسقنا وأغثنا , اللهم اسقنا وأغثنا , اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا هنيئاً مريئا سحاً طبقا نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل , اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين , اللهم أعثنا قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر , اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلا إليك , اللهم اسقنا وأغثنا , اللهم اسقنا وأغثنا , اللهم اسقنا وأغثنا . وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمين ، وصلى الله وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 06:39 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
الله الشّافي لا شفاءَ إلا شفاؤه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه وصفيُه وخليله وأمينه على وحيه ومبلغُ الناس شرعه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله :
اتقوا الله جل وعلا ، واعلموا رحمكم الله أن تقوى الله جل وعلا هي خير زاد يبلغ إلى رضوان الله ، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى : ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: ١٩٧] .
عباد الله :
إنَّ من أسماء الله الحسنى الثابتة في السّنة النبويّة اسمَ الله ( الشافي ) ، ففي «الصّحيحين» عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوِّذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: «اللهمّ ربَّ النّاس، أَذْهب الباسَ، واشفِه وأنت الشّافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سَقَمًا».
ومعنى الشّافي أيها المؤمنون :
أي الذي منه الشفاء، شفاءُ الصدور من الشبه والشكوك والحسد والحقد وغير ذلك من أمراض القلوب، وشفاءُ الأبدان من الأسقام والآفات، ولا يقدر على ذلك غيره، فلا شفاء إلَّا شفاؤه، ولا شافي إلا هو، كما قال إبراهيم الخليل ؛: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٨٠ [الشعراء: 180]،أي: هو وحده المتفرِّدُ بالشِّفاء لا شريكَ له، ولذا وجب على كلِّ مكلَّفٍ أن يعتقد عقيدةً جازمة أنه لا شافي إلا الله، وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا شافي إلَّا أنت».
ولهذا فإنَّ من أحسن الوسائل إلى الله جلّ وعلا في طلب الشفاء من الأسقام والأمراض التوسلَ إليه بتفرُّده وحده بالربوبية وأنَّ الشفاء بيده وحده، وأنه لا شفاء لأحد إلا بإذنه، فالأمر أمره، والخلق خلقه، وكل شيء بتصريفه وتدبيره، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله.
أيها المؤمنون وقوله صلى الله عليه وسلم:
«أذهب الباس» أي: أزِل السقم والشدَّة والمرض، ولفظه في حديث أنس: «اللهم ربّ الناس مذهب الباس»، وفي هذا توسُّل إليه سبحانه بأنه وحده المذهبُ للبأس، فلا ذهاب للبأس عن العبد إلَّا بإذنه ومشيئته سبحانه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «واشفه أنت الشافي» فيه سؤال الله الشفاءَ، وهو العافية والسلامة من المرض؛ متوسلا إلى الله y بهذا الاسم العظيم الدالِ على تفرده وحده بالشفاء، وأن الشفاء بيده.
وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا شفاء إلَّا شفاؤك» فيه تأكيدٌ لهذا الاعتقاد وترسيخٌ لهذا الإيمان، وإقرارٌ بأن الشِّفاء لا يكون إلَّا مِنَ الله y، وأنَّ العلاج والتداوي إن لم يوافق إذنًا مِنَ الله بالعافية والشفاء فإنه لا ينفعُ ولا يجدي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «شفاءً لا يغادر سقما» أي: لا يُبقي مرضًا ولا يخلِّف عِلَّة.
عباد الله :
واعتقادُ العبد وإيمانُه بأنَّ الشافي هو الله وحده، وأن الشفاء بيده ليس مانعا من بذل الأسباب النافعة بالتداوي وطلب العلاج وتناولِ الأدوية المفيدة، فقد جاء عن النبي ح أحاديثُ عديدةٌ في الأمر بالتداوي وذكرِ أنواع من الأدوية النافعة المفيدة، وأن ذلك لا ينافي التوكلَ على الله واعتقادَ أنَّ الشفاء بيده.
فقد روى البخاري في «صحيحه » عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء».
فتضمَّنت هذا الحديث أيها المؤمنون إثباتَ الأسباب والمسبَّبَات، والأمرَ بالتداوي، وأنه لاينافي التوكلَ على الله سبحانه وتعالى؛ لأن حقيقةَ التوكلِعلى اللهاعتمادُ القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفعِ ما يضره في دينه ودنياه، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب النافعة، فكما أن دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب لا ينافي الإيمان بقوله: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴿٧٩ [الشعراء: 79]، فكذلك دفع المرض بالعلاج النافع والدواء المفيد لا ينافي الإيمان بل لا تتم حقيقة التوكل إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضياتٍ لمسبَّباتها قدرا وشرعًا، والتي تعطيلها قدحٌ في التوكّل نفسه.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : «لكلّ داء دواء» تقوية لنفس المريض والطبيب، وحثٌّ على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه والبحث عنه، وقد كان من هديه ح فعل التداوي في نفسه، والأمرُ به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، وينظر هديه ح في ذلك مبسوطًا في فصل بعنوان «الطبّ النّبويّ» من كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد» للعلامة ابن القيم :.
ثم إنَّ الواجب على العبد أن يعرف فيما يتعلَّق بالأسباب أمورًا ثلاثة:
أحدها: أن لا يجعل منها سببًا إلَّا ما ثبت أنه سببٌ شرعًا أو قدرًا.
ثانيها: أن لا يعتمد العبد عليها، بل يعتمد على مسبِّبها ومقدِّرها مع قيامه بالمشروع منها وحرصه على النافع منها.
ثالثها: أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره، لا خروج لها عنه، والله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء، إن شاء أبقى سببيَّتَها، وإن شاء غيَّرها كيف يشاء؛ لئلا يعتمد العباد عليها، وليعلموا كمال قدرته، وأنَّ التصرف المطلق والإرادة المطلقة لله وحده، كما تقدم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت الشافي لا شفاء إلَّا شفاؤك».
وأسأل الله العظيم ربَّ الناس مُذهبَ الباس، الشافي الذي لا شفاء إلا شفاؤه، أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين.أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله تعالى واحفظوا حدود الله وحافظوا على طاعة الله ما دمتم في دار الإمهال والعمل ، وليعلم كلُّ واحد منا أن حفظه في هذه الحياة وحفظه في الحياة الآخرة مرتبطٌ تمام الارتباط بالمحافظة على طاعة الله والتزام أوامر الله ، فمن حفط الله حفظه الله ، ومن اتقى الله وقاه ، فإن الجزاء من جنس العمل .
وصلوا وسلموا - رحمكم الله - على رسول الله محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم :
(( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي . وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واحم حوزة الدين يا رب العالمين .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين . اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم . اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها .
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله ، اللهم ووفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ونعوذ بعزتك ربنا أن نُغتال من تحتنا .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين واكتب الصّحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين . اللهم فرج همَّ المهمومين من المسلمين ونفِّس كرب المكروبين ، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله :
اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،
)وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 06:39 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
مقاطع صوتية مؤثرة بإذن الله للشيخ عبدالكريم الخضير( 1 )

تعبت أسافر 10-03-2016 06:40 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
مقاطع صوتية مؤثرة بإذن الله للشيخ عبدالكريم الخضير( 2 )

تعبت أسافر 10-03-2016 06:40 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
هل أسماء الله تعالى الحسنى تسعة وتسعون اسماً فقط ؟ أم أنها أكثر من ذلك .
الحمد لله
روى البخاري (2736) ومسلم (2677)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
استدل بعض العلماء (كابن حزم رحمه الله) بهذا الحديث على أن أسماء الله تعالى محصورة في هذا العدد . انظر : "المحلى" (1/51) .
وهذا الذي قاله ابن حزم رحمه الله لم يوافقه عليه عامة أهل العلم ، بل نقل بعضهم (كالنووي) اتفاق العلماء على أن أسماء الله تعالى ليست محصورة في هذا العدد . وكأنهم اعتبروا قول ابن حزم شذوذاً لا يلتفت إليه .
واستدلوا على عدم حصر أسماء الله تعالى الحسنى في هذا العدد بمارواه أحمد (3704)
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا .
صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ) دليل على أن من أسماء الله تعالى الحسنى ما استأثر به في علم الغيب عنده ، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه ، وهذا يدل على أنها أكثر من تسعة وتسعين .
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/374) عن هذا الحديث :
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً فَوْقَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اهـ .
وقال أيضاً (22/482) :
قَالَ الخطابي وَغَيْرُهُ : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَسْمَاءً اسْتَأْثَرَ بِهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : ( إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) أَنَّ فِي أَسْمَائِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : إنَّ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَعْدَدْتهَا لِلصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .
وَاَللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) فَأَمَرَ أَنْ يُدْعَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُطْلَقًا ، وَلَمْ يَقُلْ : لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى إلا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا اهـ .
ونقل النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم اتفاق العلماء على ذلك ، فقال :
اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ حَصْر لأَسْمَائِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , فَلَيْسَ مَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاء غَيْر هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ , وَإِنَّمَا مَقْصُود الْحَدِيث أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة , فَالْمُرَاد الإِخْبَار عَنْ دُخُول الْجَنَّة بِإِحْصَائِهَا لا الإِخْبَار بِحَصْرِ الأَسْمَاء اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك فقال :
" أسماء الله ليست محصورة بعدد معين ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك . . إلى أن قال : أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ) .
وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يُعلم به، وما ليس معلوماً ليس محصوراً .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء ، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة ، فقوله (مَنْ أَحْصَاهَا) تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة ، ونظير هذا قول العرب : عندي مائة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله . فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المائة ؛ بل هذه المائة معدة لهذا الشيء" اهـ .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/122) .

تعبت أسافر 10-03-2016 06:41 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
كيف أثني على الله ؟
كيف أثني على الله ؟
الثناء على الله عَزّ وَجَلّ مِن آداب الدعاء ، فمَن أراد أن يسأل الله شيئا ، فليُقدِّم بين يدي مسألته ثناء على الله ، وتَمْجيدا ، ومَدْحَا ، فإن الله عَزّ وَجَلّ يُحبّ الْمَدْح .
قال عليه الصلاة والسلام :
( لاَ شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَة مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ). رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية :
(ولا أحَد أحبّ إليه الْمِدْحَة من الله ، فلذلك مَدَح نفسه) .
ولذا يُشْرَع مُدْح الله عزّ وَجَلّ والثناء عليه قبل الدعاء وقبل سؤال الحاجات .
قال ابن مسعود رضي الله عنه :
كُنْتُ أُصَلّي والنبيّ صلى الله عليه وسلم وأبُو بكرٍ وعُمَرُ معه ، فلما جَلَسْتُ بَدَأْتُ بالثناءِ على الله ، ثم الصّلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثم دَعوْتُ لنَفْسِي ، فقال النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (سَلْ تُعْطَهْ . سَلْ تُعْطَهْ ).
رواه الترمذي ، وقال : حسنٌ صحيح . وأخرجه بنحوه : الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والنسائي في الكبرى . وصححه الألباني والأرنؤوط .
وعن فَضَالَة بن عُبَيْدٍ صَاحِب رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قال :
سَمِعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجّدِ الله وَلَمْ يُصَلّ عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عَجِلَ هَذَا ). ثُمّ دَعَاهُ فَقَالَ - لَهُ أوْ لِغَيْرِهِ - : (إذا صَلّى أَحْدُكُمْ فَلْيبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبّهِ وَالثّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمّ يُصَلّي عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شاء ). رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن خزيمة والحاكم ، وصححه على شرط مسلم ، ورواه ابن حبان . وصححه الألباني والأرنؤوط .
ومِن الثناء على الله عَزّ وَجَلّ ذِكْر عادته تبارك وتعالى مع عِباده ، وكَرَمِه وجُوده ، وعظيم فضله وامتنانه عليهم ، ولذلك لِمّا دعا زكريا عليه الصلاة والسلام قال :
(رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) .
ومِن ذلك :
ذِكْر عادة الله تعالى مَع مَن دَعاه مُخلِصا ، وأنه لا يَردّ الدّاعي صِفرا خائب اليدين .
قال عليه الصلاة والسلام :
( إِنّ رَبّكُمْ تَبَارَكَ وتعَالى حَيِيّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدّهُما صِفْرا خائبتين ).
رواه أبو داود والترمذي وحسّنه ، وابن ماجه وابن حبان ، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : سنده جيد . اهـ . وهو حديث حسن .
ورواه الإمام أحمد موقوفا على سلمان رضي الله عنه . ومثله لا يُقال مِن قَبِيل الرأي .
وروى ابن أبي الدنيا مِن طريق زافر بن سليمان عن يحيى بن سليم ،
بَلَغَه أن ملك الموت استأذن ربه أن يُسَلِّم على يعقوب عليه السلام ، فأذن له ، فأتاه فسلم عليه ، فقال له : بالذي خلقك، قبضت روح يوسف؟ قال : لا ، قال : أفلا أعلمك كلمات لا تسأل الله شيئا إلا أعطاك ؟ قال : بلى ، قال : قُل : يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصيه غيره . قال : فَمَا طَلَع الفجر حتى أُتِي بِقَميص يوسف عليه السلام .
وأن يُدْعَى الله عَزّ وَجَلّ بإثبات الحمد له والْمِـنَّة ، وأنه تبارك وتعالى ذو الجلال والإكرام .
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أوْ قام مِن الليل ليُصلّي أثنى على الله عزّ وَجَلّ بما هو أهله .
ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ :
( اللهم لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهن .
ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومَن فيهن .
ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومَن فيهن .
ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض .
ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنَّبِيُّون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق .
اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكَمْت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخّرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت الْمُقَدِّم وأنت الْمُؤخِّر ، لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك ).
وروى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول :
اللهم تَمّ نُورك فَهَدَيت فَلَكَ الْحَمْد ، وعَظُم حِلمك فَعَفَوْت فَلَكَ الْحَمْد ، وَبَسَطْتَ يَدك فأعطيت فَلَكَ الْحَمْد ، ربنا وَجهك أكْرم الوُجوه ، وجَاهك خير الجاه ، وعطيتك أفضل العطية وأهنأها ، تُطاع ربنا فتَشْكُر ، وتُعْصَى ربنا فَتَغْفِر ، تُجيب المضطر ، وتَكْشِف الضُّرّ ، وتَشْفِي السَّقِيم ، وتُنَجّي مِن الكَرْب ، وتقبل التوبة ، وتغفر الذنب لمن شئت ، لا يَجزي آلاءك أحد ، ولا يُحْصِي نعماءك قول قائل .
ودَعَا رَجُل فقال :
اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم . قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب ، وإذا سُئل به أعْطَى .
رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
وروى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :
رَأَيْتُ وَهْبًا إِذَا قَامَ فِي الْوِتْرِ . قَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمْدُ الدَّائِمُ السَّرْمَدُ حَمْدًا لا يُحْصِيهِ الْعَدَدُ ، وَلا يَقْطَعُهُ الأَبَدُ ، وَكَمَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُحْمَدَ ، وَكَمَا أَنْتَ لَهُ أَهْلٌ ، وَكَمَا هُوَ لَكَ عَلَيْنَا حَقٌّ " .
رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .
وكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ إِذَا ابْتَدَأَ حَدِيثَهُ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ بِمَا خَلَقْتَنَا وَرَزَقْتَنَا وَهَدَيْتَنَا وَعَلَّمْتَنَا وَأَنْقَذْتَنَا وَفَرّجَتْ عَنَّا ، لَكَ الْحَمْدُ بِالإِسْلامِ وَالْقُرْآنِ، وَلَكَ الْحَمْدُ بِالأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْمُعَافَاةِ ، كَبَتَّ عَدُوَّنَا ، وَبَسَطْتَ رِزْقَنَا ، وَأَظْهَرْتَ أَمنَنَا ، وَجَمَعْتَ فُرْقَتَنَا ، وَأَحْسَنْتَ مُعَافَاتِنَا ، وَمِنْ كُلِّ وَاللهِ مَا سَأَلْنَاكَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ حَمْدًا كَثِيرًا ، لَكَ الْحَمْدُ بِكُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيْنَا فِي قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ ، أَوْ سِرٍّ أَوْ عَلانِيَةٍ ، أَوْ خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً ، أَوْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ شَاهِدٍ أَوْ غَائِبٍ ، لَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى ، وَلَكَ الْحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ " . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .
ومِن الثناء على الله تبارك وتعالى أن يُوحَّد الله عَزّ وَجَلّ ، ويُثنَى عليه بأنه لا إله إلاّ هو .
فقد دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ ، وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . فَقَالَ : (قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ . ثَلاَثًا ).
رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
وصح أن رجلا دَعا بهذا الدعاء :
اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد سَألتَ الله باسْمِه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب ، وإذا سُئل به أعْطى . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه . وصححه الألباني والأرنؤوط .
ودُعاء الكَرْب الذي دعا به يونس عليه الصلاة والسلام متضمِّن لإفراده تعالى بالتوحيد ، والإقرار الذَّنْب .
قال عليه الصلاة والسلام :
(دَعْوَةُ ذِي النّونِ - إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ - : لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ ).
رواه الإمام أحمد والترمذي ، وصححه الألباني .
وأنه سبحانه وتعالى لا يهتِك السِّتْر ، ولا يُؤاخِذ بالجريرة
كَانَ عَلِيُّ بِنُ الحُسَيْن بِمِنى ، فَظَهَرَ مِنْ دُعَائِهِ أَنْ قَالَ :
" كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَهَا عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكْرِي ، وَكَمْ مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بِهَا قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا صَبْرِي ، فَيَا مَنْ قَلَّ شُكْرِي عِنْدَ نِعَمِهِ فَلَمْ يَحْرِمْنِي ، وَيَا مَنْ قَلَّ صَبْرِي عِنْدَ بَلائِهِ فَلَمْ يَخْذُلْنِي ، وَيَا مَنْ رَآنِي عَلَى الْمَعَاصِي وَالذَّنُوبِ الْعِظَامِ فَلَمْ يَهْتِكْ سِتْرِي ، وَيَا ذَا الْمَعْرُوفِ الَّذِي لا يَنْقَضِي ، وَيَا ذَا النِّعَمِ الَّتِي لا تَحُولُ وَلا تَزُولُ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا " .
رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .
وقال يُوسُفُ بِنُ الْحُسَيْن :
سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ فِي مُنَاجَاتِهِ : كَمْ مِنْ لَيْلَةٍ بَارَزْتُكَ يَا سَيِّدِي بِمَا اسْتَوْجَبْتُ مِنْكَ الْحَرَمَانَ ، وَأَسْرَفْتُ بِقَبِيحِ فِعَالِي مِنْكَ عَلَى الْخُذْلانِ ، فَسَتَرْتَ عُيُوبِي عَنِ الإِخْوَانِ ، وَتَرَكْتَنِي مَسْتُورًا بَيْنَ الْجِيرَانِ ، لَمْ تَكْأَفُنِي بِجَرِيرَتِي ، وَلَمْ تُهَتِّكْني بِسُوءِ سَرِيرَتِي ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى صِيَانَةِ جَوَارِحِي ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى تَرْكِ إِظْهَارِ فَضَائِحِي ، فَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ : لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .
قَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ الأَزْهَرِ :
كَانَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَاضِي أَهْلِ الْكُوفَةِ قَرِيبَ الْجِوَارِ مِنِّي ، فَرُبَّمَا سَمِعْتُهُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ يَقُولُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ : أَنَا الصَّغِيرُ الَّذِي رَبَّيْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الضَّعِيفُ الَّذِي قَوَّيْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الْفَقِيرُ الَّذِي أَغْنَيْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الصُّعْلُوكُ الَّذِي مَوَّلْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الأَعْزَبُ الَّذِي زَوَّجْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا السَّاغِبُ الَّذِي أَشْبَعْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الْعَارِي الَّذِي كَسَوْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الْمُسَافِرُ الَّذِي صَاحَبْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الْغَائِبُ الَّذِي أَويْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الرَّاجِلُ الَّذِي حَمَلْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الْمَرِيضُ الَّذِي شَفَيْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الدَّاعِي الَّذِي أَجَبْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَا حَمْدًا كَثِيرًا عَلَى كُلِّ حَمْدٍ . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .
ومِن الثناء على الله عَزّ وَجَلّ : ذِكْر تفرّده بالْخَلْق والأمْر .
روى مسلم من طريق سهيل قال :
كان أبو صالح يأمُرُنَا إذا أراد أحدنا أن يَنام أن يَضطجع على شِقِّه الأيمن ، ثم يقول :
اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ، ومْنْزِل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك مِن شَرّ كل شيء أنت آخذ بِنَاصِيَتِه ، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقْضِ عَنّا الدَّيْن وأغْنِنَا من الفقر . وكان يَروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأنه تبارك وتعالى بيده مقاليد الأمور ، وخزائن السماوات والأرض ، وأنه أكْرَم الأكرَمِين ، وأجوَد الأجودِين ، وأن يَمينه سحّاء الليل والنهار لا تغيضها نَفَقة ، وأن خزائنه ملأى لا تنفَد .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ :
(ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أُحُدٍ دَيْنًا لأدَّاه الله عنك ؟) قُل يا معاذ :
( اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، وتَنْزِع الملك ممن تشاء ، وتُعِزّ مَن تشاء ، وتُذِلّ من تشاء ، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير . رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تُعطيهما من تشاء ، وتمنع منهما من تشاء ، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك) .
قال المنذري : رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد
وقال الألباني : حَسَن .
ويُثْنَى على الله عَزّ وَجَلّ بأنه خالِق السماوات والأرض ، وأنه الحيّ القيوم ، الذي لا تأخذه سِنة ولا نَوم .
وأنه تبارك وتعالى الذي خَلَق العَرْش العظيم ، وهو ربّ العرش العظيم
ولهذه المعاني وغيرها كانت آية الكرسي أعظم آية ، لتضمّنها هذه المعاني .
وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ :
(لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ).
رواه البخاري ومسلم .
ودَعَا رَجُل فقال :
اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم . قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب ، وإذا سُئل به أعْطَى .
(سبق تخريجه)
وأنه جلّ جلاله لا يُعجِزه شيء في الأرض ولا في السماء .
فيقول الداعي مثلا :
يا مَن لا يُعجِزه شيء في الأرض ولا في السماء ..
يا من إذا أراد شيئا قال له كُن فيكون ..
والله تعالى أعلم .

تعبت أسافر 10-03-2016 06:41 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
محاضرات مؤثرة بإذن الله للشيخ محمد المختار الشنقيطي ( 1 ):

تعبت أسافر 10-03-2016 06:42 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
محاضرات مؤثرة بإذن الله للشيخ محمد المختار الشنقيطي ( 2 ):

تعبت أسافر 10-03-2016 06:43 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
السير إلى الله
إن المؤمن في هذه الحياة سائر في طريق ، وطريقه هذا له مقصود وغاية ، وهو طاعة ذي الجلال ورضا الكبير المتعال ، متحققاً ومتيقناً بأنه عبدٌ لله تبارك وتعالى وأنَّ واجبَه في هذه الحياة تحقيق العبودية لله عز وجل ، فهو يسير في هذه الحياة ليعرف ربه ومولاه ، وليتعرف عليه جل وعلا بما تعرف به على عباده من أسمائه الحسنى وصفاته العليا ودلائل جلاله وكماله وعظمته وكبريائه وأنه الرب العظيم الخالق الجليل الذي بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السماوات والأرض ، ثم يُتبِع المؤمن السائر هذه المعرفة بتحقيق العبودية لله فيخلص دينه كله لله { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-172] .
وطريق المؤمن السائر هذا له مبدأ ونهاية ؛ أما مبدأه فهو هذه الحياة ، لا يزال المؤمن سائراً في حياته إلى الله عز وجل من منزلةٍ إلى منزلة ومن عبوديةٍ إلى عبودية ومن طاعةٍ إلى طاعة إلى أن يأتي الأجل وتحضر المنية { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] .
أما منتهى السير فهو جنة {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }[آل عمران :133] ، ففي الجنة محط الرحال ومرتع الآمال، وفيها هناءة السائرين ولذتهم أجمعين في نعيمٍ مقيم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وإذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله جل وعلا لهم - كما جاء في صحيح مسلم - : « تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ » نسأل الله الكريم لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة .
وهذا السير لابد فيه من محركات ليسير المؤمن وليقوى سَيْره إلى الله عز وجل ، وقد بيَّن العلماء رحمهم الله تعالى أن لهذا السير محركات ثلاث؛ وهي في قلب المؤمن الصادق ألا وهي :
المحبة ، والرجاء ، والخوف. فهذه الأمور الثلاث محركات للقلوب ؛ أما المحبة فهي التي تجعل المسلم يتجه إلى الصراط المستقيم ويعزم على السير فيه وتكون قوة سيره بحسب قوة هذه المحبة ، وأما الرجاء فهو القائد للمؤمن في سيره ، وأما الخوف فهو الزاجر .
وقد جمع الله جل وعلا هذه الأمور الثلاث في قوله سبحانه:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:57]
وللسير أعمال لابد منها ولابد من تحقيقها ولابد من عناية من السائرين بها وهي :
فرائض الإسلام وواجبات الدين والقيام بأنواع العبودية لله جل وعلا مع التجنب للآثام والبعد عن الحرام خوفاً من عقاب الملك العلام سبحانه .
ولم يتقرب متقرب إلى الله بشيء أحب إلى الله عز وجل من فرائض الدين وواجباته ، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ؛ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ »
وفي طريق السائرين عقبات لابد من تخطيها ، ومن لم يتخطَّ تلك العقبات أصبحت عائقاً له في سيره إلى الله جل وعلا ، ولهذا كان متأكداً على كل سائرٍ يرجو رحمة الله تبارك وتعالى ويخاف عقابه أن يحذر ويحاذر من عقبات الطريق ومعوقات الطريق التي تواجه الإنسان في سيره وطريقه ، وهي تتلخص في عقبات ثلاث ألا وهي :
- الشرك بالله ؛ ويكون التخلص من هذه العقبة بإخلاص الدين لله جل وعلا .
- والعقبة الثانية : البدعة ؛ ويكون التخلص منها بتجريد المتابعة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .
- والعقبة الثالثة : المعاصي بأنواعها ؛ ويكون التخلص منها بالتوبة مما وقع فيه من الذنوب وبالعزم على البعد عنها والمحاذرة من الوقوع فيها .
وطريق السائرين إلى الله عز وجل فيه لصوص وقُطَّاع طريق يقطعون على السائر طريقه ويشوِّشون عليه في سيره فيجب عليه أن يكون على حذرٍ منهم ، وأعظم قُطَّاع الطريق الشيطان الرجيم – أعاذنا الله تبارك وتعالى جميعاً منه – ؛ ولهذا جاءت الآيات الكثيرات في كتاب الله جل وعلا بالتحذير من هذا العدو ووجوب اتخاذه عدوا ، وبيان أنه يأتي الإنسان من جهاته كلها ؛ من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، وأنه قاعد له بكل صراط لصدِّه عن دين الله ولإبعاده عن طاعة الله ، قال صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ » أي بكل طريق يسير فيه يبتغي رحمة الله ويرجو ثواب الله يقعد له الشيطان لصده وإبعاده وصرفه عن طاعة الله . وكذلكم من قطاع الطريق أعوان الشيطان وأحزابه من شياطين الإنس والجن وما أكثرهم ، لا كثَّرهم الله وأعاذنا والمسلمين من شرورهم أجمعين .
وهذا الطريق لا يصلح فيه التباطؤ والتماوت والكسل بل الواجب فيه المسارعة للخيرات واغتنام الأوقات والمنافسة في الطاعات ليفوز السائر فوزاً عظيما ويغتنم المواسم الفاضلة والأوقات الفاضلة ليجدَّ ويجتهد في طاعة الله وعبادة الله تبارك وتعالى لتكون له هذه الحياة مغنماً وإلى الخيرات مرتقىً وسلَّما .
ولكل عبد سائر في هذه الحياة أمدٌ لا يتعداه ووقت لا يتجاوزه ؛ فإذا جاء الأجل لا يتقدم عنه العبد ساعة ولا يتأخر ، والسعيد من عباد الله من يُعِدّ لذلك اليوم عدته ويهيئ له جهازه بالطاعة والعبودية لله تبارك وتعالى .
بلَّغنا الله جميعاً جزيل المواهب وخير الآمال ، ووفقنا جميعاً لنيل رضاه ، وهدانا إليه صراطاً مستقيما . .
الشيخ عبدالرزاق البدر

تعبت أسافر 10-03-2016 06:45 PM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين .. أما بعد :

بهذا الرد يكون قد أكتمل الموضوع بفضل من الله سبحانه وتعالى .

هذا الرد عبارة عن رسائل موجهة لكل من يحتاجها وبإذن الله ستصل لقلوب الجميع .

الرسالــــــ الأولى ــــــــــــــــــــة

يقول سبحانه وتعالى :

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوب َجَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴿٥٣

)الزمر

رسالة موجهة لكل عاصي مبتعد عن طريق الله :

لا تقنط من رحمة الله ، فإنه سبحانه يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك فإنه لا يغفره سبحانه الذي يقول في الحديث القدسي :

( قال اللهُ تعالى : يا ابنَ آدمَ ! إِنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كان منكَ ولا أُبالي ، يا ابنَ آدمَ ! لو بلغَتْ ذنوبُكَ عنانَ السماءِ ثُمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولَا أُبالِي ، يا ابنَ آدمَ ! لَوْ أَنَّكَ أَتَيْتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثُمَّ لقيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقُرابِها مغفرةً)

الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع

الصفحة أو الرقم: 4338 | خلاصة حكم المحدث : حسن

عليك فقط :

التوبة ثم الندم على المعصية ثم العزم على عدم العودة لها .

الرسالــــــ الثانية ــــــــــــــــــــة

رسالة موجهة لكل مريض :

علق قلبك بالله وليس بالأطباء فالله هو الشافي المعافي .

يقول سبحانه وتعالى :

(وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴿٨٠

) الشعراء

عليك الرضى بما قسمه الله لك والصبر لأن صبرك سيوصلك إلى :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(ما يُصيبُ المُسلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ )

الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

الصفحة أو الرقم: 5641 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

الرسالــــــ الثالثة ــــــــــــــــــــة

موجهة لكل من يقرأ أو يمر بالموضوع :

قال سبحانه وتعالى :

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴿٣٣

) فصلت

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :

( من دَلَّ على خيرٍ فله مثل ُأجرِ فاعلِه ) .

الراوي : عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

الصفحة أو الرقم: 1893 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

أتمنى أن تقوموا بنشر هذا الموضوع لأهميته

وتأتي أهميته من أنه يتحدث عن الله سبحانه وتعالى .

مصادر الموضوع كلها موثوق بها والروابط موجودة .

الختام :

أسأل الله أن يتقبل منّا هذا الموضوع

ويجعل نية كل من شارك بهذا الموضوع بأي شكل من الأشكال خالصة لوجهه الكريم .

دمتم بحفظ الله

تعبت أسافر 28-04-2016 09:07 AM

رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
 
سبحان الله


الساعة الآن 12:51 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
This Forum used Arshfny Mod by islam servant