منتديات الأماكن

منتديات الأماكن (https://www.al-amakn.com/vb//index.php)
-   ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ (https://www.al-amakn.com/vb//forumdisplay.php?f=6)
-   -   المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]] (https://www.al-amakn.com/vb//showthread.php?t=65500)

| ▐الخلــود ▐| 15-12-2009 04:53 PM

المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...83c92bcbf5.gif

المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد:
إن من الأهداف التي نسعى لتحقيقها في موقع الدرر السنية إيجاد موسوعات
علمية في شتى العلوم، العقدية والحديثية والفقهية والتاريخية وغيرها، لتكون
مرجعاً علمياً موثقاً على منهج أهل السنة والجماعة، وقد سعينا في ذلك منذ
انطلاق الموقع عام 1422هـ فأنجزنا بفضل الله ومنِّه عدداً من الموسوعات، والتي
نسعى دائما في تطويرها، ومن ذلك الإصدار الأول من الموسوعة العقدية، وها
نحن اليوم وبفضل الله أنجزنا الإصدار الثاني منها، وقد حرصنا أن يكون شاملاً
لجميع مسائل وموضوعات العقيدة، معتمدين في ذلك على أكثر من سبعين
مرجعاً من كتب العقيدة والتوحيد على منهج أهل السنة والجماعة، وقد قام
بهذا العمل الضخم ثلة من الباحثين المتخصصين في القسم العلمي بدعم
من القسم الإداري والتقني بالموقع، وذلك ببذل جهودٍ مضنية من جمعٍ
وتنسيقٍ وتحقيقٍ وتصحيحٍ لهذه الموسوعة حتى ظهرت بالصورة الحالية
فجزاهم الله خيراً.
وأسأل الله عز وجل أن نكون قد وفقنا في نشر دينه وسنة نبيه عليه الصلاة
والسلام، من خلال نشر هذه العقيدة السلفية الصافية، وأن يعيننا على
تطوير بقية الموسوعات بما يرضي ربنا ويحقق آمالنا وطموحاتنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

| ▐الخلــود ▐| 15-12-2009 05:10 PM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
المطلب الأول: معنى العقيدة لغة

العقيدة في اللغة: من العقد؛ وهو الربط، والإبرام، والإحكام، والتوثق، والشد
بقوة، والتماسك، والمراصة، والإثبات؛ ومنه اليقين والجزم. والعقد نقيض الحل
ويقال: عقده يعقده عقداً، ومنه عقدة اليمين والنكاح، قال الله تبارك وتعالى:
{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}
[المائدة: 89].
والعقيدة: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، والعقيدة في الدين
ما يقصد به الاعتقاد دون العمل؛ كعقيدة وجود الله وبعث الرسل. والجمع:
عقائد وخلاصة ما عقد الإنسان عليه قلبه جازماً به؛ فهو عقيدة، سواء كان
حقاً، أم باطلاً .

المطلب الثاني: معنى العقيدة اصطلاحا

و(العقيدة) في الاصطلاح: هي الأمور التي يجب أن يصدق بها القلب
وتطمئن إليها النفس؛ حتى تكون يقيناً ثابتاً لا يمازجها ريب، ولا يخالطها
شك. أي: الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده، ويجب أن
يكون مطابقاً للواقع، لا يقبل شكاً ولا ظنا؛ فإن لم يصل العلم إلى درجة
اليقين الجازم لا يسمى عقيدة. وسمي عقيدة؛ لأن الإنسان يعقد عليه
قلبه.

الوجيز في عقيدة السلف الصالح لعبد الحميد الأثري - ص30

هي الإيمان الجازم بالله، وما يجب له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته
والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما
جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين وأمور الغيب وأخباره، وما أجمع
عليه السلف الصالح. والتسليم لله تعالى في الحكم والأمر والقدر والشرع
ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالطاعة والتحكيم والاتباع .

المطلب الثالث: تعريف العقيدة الإسلامية

العقيدة الإسلامية: هي الإيمان الجازم بربوبية الله تعالى وألوهيته وأسمائه
وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر
ما ثبت من أمور الغيب، وأصول الدين، وما أجمع عليه السلف الصالح
والتسليم التام لله تعالى في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والعقيدة الإسلامية: إذا أطلقت فهي عقيدة أهل السنة والجماعة؛
لأنها هي الإسلام الذي ارتضاه الله ديناً لعباده، وهي عقيدة القرون الثلاثة
المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان .


| ▐الخلــود ▐| 15-12-2009 05:13 PM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...132f6e5c34.gif

العقيدة

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

من ذلك: كتاب (عقيدة السلف أصحاب الحديث) للصابوني (ت: 449هـ).
و(شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) للالكائي (ت: 418هـ).
و(الاعتقاد) للبيهقي (ت: 458هـ ).
فيقال: عقيدة السلف وعقيدة أهل الأثر ونحوه.

التوحيد

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

من ذلك: كتاب (التوحيد في الجامع الصحيح) للبخاري، (ت: 256هـ) وكتاب
(التوحيد وإثبات صفات الرب) لابن خزيمة (ت: 311هـ). وكتاب (اعتقاد التوحيد)
لأبي عبدالله محمد بن خفيف(ت: 371هـ). وكتاب (التوحيد) لابن منده (ت: 359هـ).
وكتاب (التوحيد) للإمام محمد بن عبدالوهاب (ت: 1115هـ).
لأنه يدور على توحيد الله بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات، فالتوحيد هو
أشرف مباحث علم العقيدة وهو غايتها، فسمي به هذا العلم عند السلف تغليباً.

السنة

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

من ذلك: كتاب (السنة) للإمام أحمد (ت:241هـ). وكتاب السنة، لعبدالله
بن أحمد بن حنبل، (ت: 290هـ). و(السنة) للخلال (ت: 311هـ). و(السنة)
للعسال (ت: 349هـ). و(السنة) للأثرم (ت: 273هـ). و(السنة) لأبي داود
(ت: 275هـ).
والسنة الطريقة، فأطلق على عقيدة السلف السُّنة لاتباعهم طريقة الرسول -
صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في ذلك. وهذا الإطلاق هو السائد في القرون
الثلاثة الفاضلة.

أصول الدين

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

من ذلك: كتاب(أصول الدين) للبغدادي (ت: 429هـ).
و(الشرح والإبانة عن أصول الديانة) لابن بطة (ت: 378هـ).
و(الإبانة عن أصول الديانة) للأشعري (ت: 324هـ).
والأصول هي أركان الإيمان وأركان الإسلام، والمسائل القطعية وما أجمع عليه
الأئمة.

الفقه الأكبر

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

من ذلك: كتاب (الفقه الأكبر) المنسوب لأبي حنيفة (ت: 150هـ) وهو يرادف
أصول الدين، مقابل الفقه الأصغر وهو الأحكام الاجتهادية.

الشريعة

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

من ذلك: كتاب (الشريعة) للآجري (ت: 360هـ).
و(الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية) لابن بطة (ت: 378هـ) أي ما شرعه الله
ورسوله من سنن الهدى وأعظمها أصول الدين.

الإيمان

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

ويشمل سائر الأمور الاعتقادية
هذه هي أشهر إطلاقات أهل السنة على علم العقيدة، وقد يشركهم غيرهم
في إطلاقها بالتبع، كبعض الأشاعرة وأهل الحديث منهم بخاصة.
وهناك اصطلاحات أخرى تطلقها الفرق -غير أهل السنة- على هذا العلم
من أشهر ذلك.

علم الكلام

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

من ذلك: (شرح المقاصد في علم الكلام) للتفتازاني (ت:791هـ) وهذا الإطلاق
يعرف عند سائر الفرق المتكلمة، كالمعتزلة والأشاعرة، ومن يسلك سبيلهم
وهو لا يجوز لأن علم الكلام حادث مبتدع، ويقوم على التقول على الله بغير
علم، ويخالف منهج السلف في تقرير العقائد.

الفلسفة

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

عند الفلاسفة ومن سلك سبيلهم، وهو إطلاق لا يجوز في العقيدة لأن
الفلسفة مبناها على الأوهام والعقليات الخيالية، والتصورات الخرافية عن
أمور الغيب المحجوبة.

التصوف

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

عند بعض المتصوفة والفلاسفة، والمستشرقين ومن نحا نحوهم، وهو إطلاق
مبتدع لأنه ينبني على اعتبار شطحات المتصوفة ومزاعمهم وخرافاتهم
في العقيدة.

الإلهيات

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

عند أهل الكلام والفلاسفة والمستشرقين وأتباعهم وغيرهم، وهو خطأ، لأن
المقصود بها عندهم فلسفات الفلاسفة، وكلام المتكلمين والملاحدة فيما
يتعلق بالله - تعالى -.

ما وراء الطبيعة

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

أو (الميتافيزيقيا) كما يسميها الفلاسفة والكتاب الغربيون ومن نحا نحوهم
وهي قريبة من معنى الإلهيات. ويطلق الناس على ما يؤمنون به ويعتنقونه
من مبادئ وأفكار (عقائد) وإن كانت باطلة أو لا تستند إلى دليل عقلي ولا
نقلي، فإن للعقيدة مفهوماً صحيحاً هو الحق، وهو عقيدة أهل السنة والجماعة
المستمدة من الكتاب والسنة الثابتة، وإجماع السلف الصالح .

مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة لناصر بن عبد الكريم العقل - ص10

http://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...f68c7ae041.gif

| ▐الخلــود ▐| 15-12-2009 06:27 PM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
المبحث الثالث: موضوعات علم العقيدة

الإيمان، والإسلام، والغيبيات، والنبوات، والقدر، والأخبار، وأصول الأحكام القطعية
وسائر أصول الدين والاعتقاد، ويتبعه الرد على أهل الأهواء والبدع وسائر الملل
والنحل الضالة، والموقف منهم

مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة لناصر بن عبد الكريم العقل - ص10

وموضوع علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة يدور على أمور منها: بيان حقيقة
الإيمان بالله تعالى وتوحيده، وما يجب له تعالى من صفات الجلال والكمال، مع
إفراده وحده بالعبادة دون شريك، والإيمان بالملائكة الأبرار والرسل الأطهار، وما
يتعلق باليوم الآخر والقضاء والقدر، كما يدور على ضد التوحيد وهو الشرك وهو
الكفر وبيان حقيقتهما وأنواعهما، وقد يقال إن موضوع علم التوحيد يدور على محاور
ثلاثة،،،
وذلك على النحو التالي:

1- ذات الله تعالى أو الإلهيات، والبحث في ذات الله تعالى من حيثيات ثلاث
ما يتصف به تعالى... وما يتنزه عنه... وحقه على عباده....
2- ذوات الرسل الكرام أو النبوات والبحث فيها من الحيثيات التالية:
ما يلزم ويجب عليهم... ما يجوز في حقهم... ما يستحيل في حقهم...
ما يجب على أتباعهم.
3- السمعيات أو الغيبيات: وهو ما يتوقف الإيمان به على مجرد ورود السمع أو
الوحي به، وليس للعقل في إثباتها أو نفيها مدخل كأشراط الساعة وتفاصيل
البعث... والبحث في السمعيات أو مسائل الغيب يكون من حيث اعتقادها وهو
يقوم على دعامتين: الإقرار بها مع التصديق ويقابله الجحود والإنكار لها، الإمرار
لها مع إثبات معناها ويقابله الخوض في الكنه والحقيقة، ومحاولة التصور والتوهم
بالعقل بعيدا عن النقل.
وضابط السمعيات: أن العقل لا يمنعها ولا يحيلها، ولا يقدر على ذلك، ولا يقدر
أن يوجبها ولا يحار في ذلك، فمتى ما صح النقل عن الله عز وجل ورسوله
صلى الله عليه وسلم فإن الواجب اعتقاد ذلك والإقرار به، ودفع كل تعارض
موهوم بين شرع الله وهو الوحي وبين خلقه وهو العقل،... والقاعدة الذهبية
هو أنه لا يتعارض وحي صحيح مع عقل صريح عند التحقيق

تمهيد

العقيدة لها مصدران أساسيان، هما: كتاب الله تعالى (القرآن الكريم).
وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم
لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. وإجماع السلف الصالح: مصدرٌ مبناه
على الكتاب والسنة.
أما الفطرة والعقل السليم فهما مؤيدان يوافقان الكتاب والسنة، ويدركان أصول
الاعتقاد على الإجمال لا على التفصيل، فالعقل والفطرة يدركان وجود الله وعظمته
وضرورة طاعته وعبادته، واتصافه بصفات العظمة والجلال على وجه العموم. كما أن
العقل والفطرة السليمين يدركان ضرورة النبوات وإرسال الرسل، وضرورة البعث
والجزاء على الأعمال، كذلك، على الإجمال لا على التفصيل.
أما هذه الأمور وسائر أمور الغيب، فلا سبيل إلى إدراك شيء منها على التفصيل
إلا عن طريق الكتاب والسنة (الوحي)، وإلا لما كانت غيباً وتعارض النص الصريح
من الكتاب والسنة مع العقل الصحيح (السليم) غير متصور أصلاً، بل هو مستحيل
فإذا جاء ما يوهم ذلك فإن الوحي مقدم ومحكم. لأنه صادر عن المعصوم
- صلى الله عليه وسلم - والعقل لا عصمة له، بل هو نظر البشر الناقص.
وهو معرض للوهم والخطأ والنسيان والهوى والجهل والعجز، فهو قطعاً ناقص

مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة لناصر بن عبد الكريم العقل - ص28

إن علم التوحيد يستمد من الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وذلك بمعرفة مناهج
الاستنباط، وطرائق الاستدلال، واستخراج الأحكام عند أهل السنة، وهذا يلزم
له إلمام بالعربية التي هي لسان الوحي، قرآنا وسنة، وبها نطق أهل العلم في
الأمة من السلف الصالح، كما يلزم له إدامة نظر في كتب الشروح والتفسير المأثور
للقرآن والحديث، مع بلوغ غاية من علم الأصول، إذ هو سبيل الوصول إلى معرفة
الأحكام الشرعية، العقدية والعملية، التي هي مناط السعادة الدنيوية والأخروية.
أنواع أدلة علم التوحيد:
وأما أنواع أدلة علم التوحيد المرضية، فهذا ما سنفصل فيه القول لعظيم أهميتها؛
وذلك لأن علم التوحيد أوثق العلوم الشرعية دليلاً، وأصرحها برهانا، وأظهرها بياناً
تقوم دعائم دلائله على صحائح المنقول، والإجماع الصحيح المتلقى بالقبول
ثم صرائح وبراهين المعقول، والفطرة المستقيمة السالمة من الانحراف
وهذه إشارة إلى أنواع هذه الأدلة التي يؤيد بعضها بعضا .

المصدر الأول: النقل الصحيح

إن صحائح المنقول تشمل الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، قال تعالى:
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89]، والعقيدة في الله تعالى
من أهم ما بين الله في كتابه، قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}
[الإسراء: 9]، وأهم ذلك العقيدة في الله وفي أنبيائه ورسالاته والغيب وما يحويه.
وعن السنة قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}
[النجم: 3-4]، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم:
((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) .
وبيان مسائل الاعتقاد من أول وأولى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم
للأمة في نصوص السنة، وهو صلى الله عليه وسلم أنصح الأمة وأفصحها
وأحرصها على أمانة البلاغ والرسالة، لهذا كانت نصوص السنة مع الكتاب هي
معول السلف ومعتمدهم في الاستدلال على مسائل الاعتقاد.قال شيخ الإسلام
عن أهل السنة: هم أهل الكتاب والسنة؛ لأنهم يؤثرون كلام الله على كلام غيره
من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي
كل أحد، ويتبعون آثاره صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً .يقول الإمام البربهاري:
واعلم أنه من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأوله من غير حجة من السنة والجماعة
فقد قال على الله ما لا يعلم، ومن قال على الله ما لا يعلم فهو من المتكلفين.
والحق ما جاء من عند الله عز وجل، والسنة ما سنه رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم، والجماعة ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.
ومن اقتصر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلج على أهل البدعة
كلهم، واستراح بدنه، وسلم له دينه إن شاء الله، لأن رسول الله...
صلى الله عليه وسلم قال:
((ستفترق أمتي))، وبيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم...
الفرقة الناجية منها فقال: ((ما أنا عليه وأصحابي)) ، فهذا هو الشفاء
والبيان، والأمر الواضح، والمنار المستقيم .وأهل السنة لا يستدلون بالقرآن
دون السنة؛ بل بالسنة والقرآن، ولا يكمل دين العبد إلا بالإيمان بما فيهما؛
لأنهما مما أوتيه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: صلى الله عليه وسلم:
((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) .
فهما في الاحتجاج والاستدلال سواء، لا يعزل أحدهما من أجل التحاكم إلى
الآخر، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}
[النساء: 59] وقال تعالى:{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}
[النساء: 65].يقول البربهاري: وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن
فلا شك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقم عنه ودعه .
ولا يعارض صحيح النقل - من أدلة علم العقيدة - بوهم الرأي وخطل القياس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فكان من الأصول المتفق عليها من الصحابة
والتابعين لهم بإحسان، أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن، لا برأيه ولا ذوقه
ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده.. فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا
لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق
ووجد ومكاشفة، ولا قال قط: قد تعارض في هذا العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول:
فيجب تقديم العقل، والنقل إما أن يفوض وإما أن يؤول!.. ولم يكن السلف يقبلون
معارضة الآية إلا بآية تفسرها أو تنسخها، أو بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم
تفسرها، فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين القرآن وتدل عليه وتعبر
عنه .
وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يحتج بها مطلقا - بشرط الصحة -، لا فرق
في ذلك بين العقائد والأحكام من حيث حجيتها ومجالها، ولا بين المتواتر والآحاد
من حيث ثبوتها وقبولها

المصدر الثاني:الإجماع

والإجماع مصدر من مصادر الأدلة الاعتقادية؛ لأنه يستند في حقيقته إلى الوحي
المعصوم من كتاب وسنة، وأكثر مسائل الاعتقاد محل إجماع بين الصحابة
والسلف الصالح، ولا تجتمع الأمة في أمور العقيدة ولا غيرها على ضلالة وباطل.
فالإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمدون عليه في العلم والدين، والإجماع الذي
ينضبط ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الخلاف وانتشرت الأمة
وعلى هذا فإجماع السلف الصالح في أمور الاعتقاد حجة شرعية ملزمة لمن
جاء بعدهم، وهو إجماع معصوم، ولا تجوز مخالفته،،
"فدين المسلمين مبني على اتباع كتاب الله وسنة نبيه وما اتفقت عليه الأمة
فهذه الثلاثة أصول معصومة .

المصدر الثالث: العقل الصريح

العقل مصدر من مصادر المعرفة الدينية، إلا أنه ليس مصدراً مستقلاً؛
بل يحتاج إلى تنبيه الشرع، وإرشاده إلى الأدلة؛ لأن الاعتماد على محض
العقل، سبيل للتفرق والتنازع ، فالعقل لن يهتدي إلا بالوحي، والوحي
لا يلغي العقل.
وقد رفع الوحي من قيمة العقل وحث على التعقل، وأثنى على العقلاء،،
قال تعالى:
{فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ
وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الألْبَابِ
} [الزمر: 17-18].
والنصوص الشرعية قد جاءت متضمنة الأدلة العقلية صافية من كل كدر، فما
على العقل إلا فهمها وإدراكها، فمن ذلك: قوله تعالى:
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}
[الأنبياء: 22].
وقال سبحانه: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35].
وقال جل وعلا:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}
[سورة النساء: 82]. وخوض العقل في أمور الإلهيات باستقلال عن الوحي
مظنة الهلاك وسبيل الضلال. يقول ابن رشد الفيلسوف -وهو ممن خاض بالعقل
في مسائل الاعتقاد وطالت تجربته-: لم يقل أحد من الناس في العلوم الإلهية
قولا يعتد به، وليس يعصم أحد من الخطأ إلا من عصمه الله تعالى بأمر إلهي خارج
عن طبيعة الإنسان، وهم الأنبياء . والمقارنة بين طريقة الوحي وطرق الفلاسفة
والمتكلمين في بحث أمور العقيدة هي مقارنة بين الصواب والخطأ، والصحيح
والفاسد، والنافع والضار.يقول الرازي - بعد طول بحث -: ولقد اختبرت الطرق
الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيت فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها
في القرآن. وقال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها
تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن.. ومن جرب مثل
تجربتي عرف مثل معرفتي .فميزان صحة المعقولات هي الموافقة للكتاب
والسنة. قال في (الحجة): وأما أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم، وطلبوا
الدين من قبلهما، وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب
والسنة، فإن وجدوه موافقاً لهما قبلوه، وشكروا الله حيث أراهم ذلك ووفقهم عليه
وإن وجدوه مخالفاً لهم تركوا ما وقع لهم، وأقبلوا على الكتاب والسنة، ورجعوا
بالتهمة على أنفسهم . والعقل قد يهتدي بنفسه إلى مسائل الاعتقاد الكبار
على سبيل الإجمال، كإثبات وجود الله مع ثبوت ذلك في الفطرة أولاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: واعلم أن عامة مسائل أصول الدين الكبار مما
يعلم بالعقل . أما مسائل العقيدة التفصيلية مما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته
ورسوله وأنبيائه، وما يجب لهم وما يستحيل، فما كانت العقول لتدركها لولا مجيء
الوحي.قال أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني: ولأن العقل لا مجال له في إدراك
الدين بكماله، وبالعلم يدرك بكماله ويقصد بالعلم الوحي.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا تحسبن أن العقول لو تركت وعلومها التي
تستفيدها بمجرد النظر، عرفت الله معرفة مفصلة بصفاته وأسمائه على وجه اليقين .
وقال اللالكائي رحمه الله: سياق ما يدل من كتاب الله عز وجل، وما روي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن وجوب معرفة الله تعالى
وصفاته بالسمع لا بالعقل، قال الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم
بلفظ خاص والمراد به العام: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19]
وقال تبارك وتعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}
[الأنبياء: 25]، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن بالسمع
والوحي عرف الأنبياء قبله التوحيد...وكذلك وجوب معرفة الرسل بالسمع
قال الله تبارك وتعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
} [الأعراف: 158].. فدلّ على أن معرفة الله والرسل
بالسمع كما أخبر الله عز وجل، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .
ثم إن كثيراً من مسائل الاعتقاد بعد معرفتها والعلم بها لا تدرك العقول حقيقتها
وكيفيتها، وذلك كصفات الله تعالى وأفعاله، وحقائق ما ورد من أمور اليوم الآخر
من الغيبيات التي لا يحيلها أو يردها العقل، ولا يوجبها أو يطلبها."ولهذا ضرب الله
تعالى الأمثال في القرآن الكريم لتقرير مسائل الغيب، تنبيهاً للعقول على إمكان
وجودها، فاستدل على النشأة الآخرة بالنشأة الأولى، وعلى خلق الإنسان
بخلق السماوات والأرض وهي أعظم وأبلغ في القدرة، وعلى البعث بعد الموت
بإحياء الأرض الميتة بعد إنزال الماء عليها" .قال السفاريني رحمه الله:
لو كانت العقول مستقلة بمعرفة الحق وأحكامه، لكانت الحجة قائمة على الناس
قبل بعث الرسل وإنزال الكتب، واللازم باطل بالنص:
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، فكذا الملزوم .
وأخيراً: فإن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح؛ فالأول خلق الله تعالى
والثاني أمره، ولا يتخالفان؛ لأن مصدرهما واحد وهو الحق سبحانه:
{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54].قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وليس في الكتاب والسنة وإجماع الأمة شيء يخالف العقل الصريح؛
لأن ما خالف العقل الصريح باطل، وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل
ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنى باطلاً
فالآفة منهم لا من الكتاب والسنة .ولذا قال الإمام محمد بن شهاب الزهري
رحمه الله: من الله عز وجل العلم، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم ،،
"وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل، وهو أن العقل مع النقل
كالعامي المقلد مع العالم المجتهد؛ بل هو دون ذلك بكثير، فإن العامي
يمكنه أن يصير عالماً، ولا يمكن للعالم أن يصير نبيا رسولاً
.

| ▐الخلــود ▐| 15-12-2009 06:46 PM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
المصدر الرابع:الفطرة السوية

http://www.ar4up.com/uploads/images/...eb53360ddd.gif

أما الفطرة فهي خلق الخليقة على قبول الإسلام والتهيؤ للتوحيد، أو هي الإسلام
والدين القيم.
قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
} [الروم: 30].
قال ابن كثير رحمه الله: فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره .
قال شيخ الإسلام: فالحنفية من موجبات الفطرة ومقتضياتها، والحب لله، والخضوع
له، والإخلاص له هو أصل أعمال الحنيفية .
وقوله تعالى: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} معناه: أن الله ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة
على الجبلة المستقيمة.وفي الحديث الصحيح: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه
يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء؟
))
فمعنى خلق المولود على الفطرة هو: أن الطفل خلق سليماً من الكفر على الميثاق
الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه والفطرة قبول الإسلام، فهي
كالأرض الخصبة القابلة، والوحي كالغيث النازل من السماء، ما إن ينزل عليها حتى
تهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج.
والفطرة السوية تقبل الإسلام وتهتدي إلى وجود الخالق بما أودع الله الخلائق من
قوانين كلية، تظهر آثارها في الطفل الناشئ الذي لم يتعلم أو يتكلم فهو يدرك أن
الحادث لابد له من محدث، وأن الجزء دون الكل، وأنه يستحيل الجمع بين المتناقضين
وهذا من أوائل العقل وبواكيره، وقلوب بني آدم مفطورة على قبول الإسلام وإدراك
الحق، ولولا هذا الاستعداد ما أفاد النظر ولا البرهان شأنها في ذلك شأن الأبدان
فطرها الله تعالى قابلة للانتفاع والاغتذاء بالطعام والشراب، ولولا هذا الاستعداد لما
حصل انتفاع.والفطرة السوية تهدي العبد إلى أصول التوحيد والإيمان، وجمهرة أهل العلم
من أهل السنة وغيرهم على فطرية الإيمان، وليس يحتاج العبد لتحصيله من أصله
إلى استدلال أو برهان، فضلاً عن أن يشك ويخرج من ثوب اليقين والإذعان،
"والقلوب مفطورة على الإقرار به سبحانه أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره
من الموجودات كما قالت الرسل:{أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم: 10] .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري
في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى
نظر تحصل له به المعرفة .ويقول: إن أصل العلم الإلهي فطري ضروري، وإنه أشد رسوخاً
في النفوس من مبدأ العلم الرياضي، كقولنا: إن الواحد نصف الاثنين، ومبدأ العلم
الطبيعي كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين؛ لأن هذه المعارف أسماء قد تعرض
عنها أكثر الفطر، وأما العلم الإلهي فما يتصور أن تعرض عنه فطرة .
والفطرة تدل على اتصاف الخالق بالصفات العلى والكمال المطلق، فهي تدرك أن من
يخلق لا يكون كمن لا يخلق، قال تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}
[النحل: 17].
فالخالق لهذا الكون لا يستوي مع غيره، في صفاته وأفعاله وذاته، فهي تدرك علو
الصفات، كما تدرك علو الذات، فإنه ما قال عارف مؤمن قط: يا الله، إلا وجد في نفسه
ضرورة بطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، لا يجادل في ذلك مجادل.
والفطرة وإن غشيتها غاشية الإلحاد؛ تهتدي إلى تفرده تعالى بالألوهية يظهر ذلك
في أوقات الشدة والمحنة، فإن القلب يفزع إلى خالقه، ويلجأ إلى بارئه عند حلول
الحوادث العظام والخطوب الجسام، قال تعالى:
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67]."
والإسلام بعقائده وأحكامه موافق للفطرة لا يعارضها؛ بل كلما كانت العقائد والأحكام
بعيدة عن الإسلام، كانت معارضة للفطرة الصحيحة مضادة لها، ففي الفطرة محبة
العدل وإيثاره، وبغض الظلم والنفار منه، واستقباح إرادة الشر لذاته، لكن تفاصيل ذلك
إنما تعلم من جهة الرسل، فالطفل عند أول تميزه إذا ضرب من خلفه التفت لعلمه
أن تلك الضربة لابد لها من ضارب، فإذا شعر به بكى، حتى يقتص له منه، فيسكن
ويهدأ، فهذا إقرار في الفطرة بالخالق، وهو التوحيد، وبالعدل الذي هو شرعة الرب
تعالى" .
والعقل والفطرة وإن كانا من دلائل التوحيد، إلا أنه لا تقوم الحجة على بني آدم
إلا بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وقطع العذر، قال تعالى:
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، فلا عذاب إلا بعد إرسال الرسل
وقطع العذر، وإقامة الحجة، وقالت المعتزلة في الآية: {رَسُولاً} أي:
العقل، وهو تحريف للكلم عن مواضعه، بدلالة قول الله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 7].
وهو سبحانه ما أهلك من قبلنا من الأمم إلا بعد إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب
عليهم، قال تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنذِرُونَ} [الشعراء: 208]
وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
} [القصص: 59].
فإن قيل: إذا كان وجود الله وتعظيمه مركوزا في الفطر، والعقول تستدل على ذلك
فعلام توقف التكليف على مجيء الرسول، وإنزال الكتاب؟
فيقال: إن إثبات كون الفطرة هي الإسلام، لا يقتضي خلق علم ضروري في نفس
الإنسان، يجعله عالما بالعقيدة وأصولها، ونواقضها، قال تعالى:
{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78].
كما أن الله تعالى تكرما منه لا يعاقب قبل بلوغ الحجة الرسالية
{ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 131]؛
بل تمتنع المؤاخذة حتى يبعث إليهم الرسول، ومن حكمة ذلك أن معرفة الله وإثبات
وجوده المركوز في الفطر والعقول إجمالي لا تفصيلي، فالعقل لا يهتدي لكل
كمالات الله تعالى، ولا يهتدي إلى كل ما يرضيه من الأقوال والأفعال، فلابد له من
وحي يهديه ويرشده ويبين له معاقد الحل والحرمة في أفعال المكلفين، كما أن
العقل والفطرة لا يدلان على عقوبة الآخرة لمن قصر في ذلك، فجاء الرسول ببيان
ثواب التوحيد، وعقوبة الشرك في الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله:

وكان الناس في لبس عظيم = فجاءوا بالبيان فأظهروه
وكان الناس في جهل عظيم = فجاءوا باليقين فأذهبوه
وكان الناس في كفر عظيم = فجاءوا بالرشاد فأبطلوه

وأخيراً فإنه لا تعارض ولا تناقض - بحمد الله - بين فطر الخلائق على الإسلام وبين
عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر؛ لأن الله تعالى " وإن خلقه مولوداً سليماً، فقد قدر
عليه ما سيكون بعد ذلك من تغييره، وعلم ذلك
" .


http://www.ar4up.com/uploads/images/...eb53360ddd.gif

حَــورَاء 15-12-2009 08:22 PM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
’’


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ماشاء الله موسوعة مهمة لأهل العلم

و ميسرة لغيرهمـ ..!

بآرك الله بطآقمـ الدرر السنية و جزآهم خير الجزاء

و جزآكِ أنتي يا حبيبه

وفقتي لخيره

تمـ الـ +

.
.
.

عين الله تكلؤكـ


’’

| ▐الخلــود ▐| 15-12-2009 11:10 PM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...dc2d2e4a60.gif

تمهيد

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

إن المتأمل المنصف، لو قارن بين المعتقدات السائدة بين الناس اليوم ; لوجد
للعقيدة الإسلامية - المتمثلة في عقيدة أهل السنة والجماعة - خصائص وسمات
تميزها وأهلها بوضوح عن المعتقدات الأخرى من ديانات أو فرق أو مذاهب أو غيرها.

ومن هذه الخصائص والسمات:

سلامة الصدر

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

وذلك باعتمادها على الكتاب والسنة وإجماع السلف، وأقوالهم فحسب.
وهذه الخاصية لا توجد في مذاهب أهل الكلام والمبتدعة والصوفية، الذين يعتمدون
على العقل والنظر، أو على الكشف والحدس والإلهام والوجد، وغير ذلك من المصادر
البشرية الناقصة التي يُحكمونها أو يعتمدونها في أمور الغيب، ( والعقيدة كلها غيب ).
أما أهل السنة فهم - بحمد الله - معتصمون بكتاب الله وسنة رسوله ...
صلى الله عليه وسلم، وإجماع السلف الصالح وأقوالهم، وأي معتقد يستمد من
غير هذه المصادر إنما هو ضلال وبدعة.
فالذين يزعمون أنهم يستمدون شيئاً من الدين عن طريق العقل والنظر، أو علم
الكلام والفلسفة، أو الإلهام والكشف والوجد، أو الرؤى والأحلام، أو عن طريق أشخاص
يزعمون لهم العصمة (غير الأنبياء) أو الإحاطة بعلم الغيب
(من أئمة أو رؤساء أو أولياء أو أقطاب أو أغواث أو نحوهم)، أو يزعمون أنه يسعهم
العمل بأنظمة البشر وقوانينهم، من زعم ذلك فقد افترى على الله أعظم الفرية
ونقول لمن زعم ذلك كما قال الله تعالى لمن قال عليه بغير علم:
{قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111].
وأنى له أن يأتي إلا بشبه الشيطان.
وهذه الميزة والخصيصة - أعني الاعتماد على الكتاب والسنة، ومنهج السلف
الصالح - سمة من سمات أهل السنة، لا تكاد تتخلف في كل مكان وزمان والحمد لله.

أنها تقوم على التسليم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأنها غيب

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

والغيب يقوم ويعتمد على التسليم والتصديق المطلق لله تعالى ولرسوله ...
صلى الله عليه وسلم فالتسليم بالغيب من صفات المؤمنين التي مدحهم الله
بها، قال تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 1-3].
والغيب لا ُتدركه العقول ولا تحيط به، ومن هنا، فأهل السنة يقفون في أمر
العقيدة على ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بخلاف أهل
البدع والكلام، فهم يخوضون في ذلك رجماً بالغيب، وأنى لهم أن يحيطوا بعلم
الغيب، فلا هم أراحوا عقولهم بالتسليم، ولا عقائدهم وذممهم بالاتباع، ولا
تركوا عامة أتباعهم على الفطرة التي فطرهم الله عليها.

موافقتها للفطرة القويمة والعقل السليم

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

لأن عقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على الاتباع والاقتداء والاهتداء بهدي الله
تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة، فهي تستقي
من مشرب الفطرة والعقل السليم، والهدي القويم، وما أعذبه من مشرب.
أما المعتقدات الأخرى فما هي إلا أوهام وتخرصات تعمي الفطرة، وتحير العقول.

اتصال سندها بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأئمة الهدى قولاً
وعملاً وعلماً واعتقاداً


http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

فلا يوجد - بحمد الله - أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة ليس له أصل
وسند وقدوة من الصحابة والتابعين، وأئمة الدين إلى اليوم، بخلاف عقائد
المبتدعة التي خالفوا فيها السلف، فهي محدثة، ولا سند لها من كتاب أو سنة
أو عن الصحابة والتابعين، وما لم يكن كذلك فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة.

الوضوح والبيان

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

تمتاز عقيدة أهل السنة والجماعة بالوضوح والبيان، وخلوها من التعارض والتناقض
والغموض، والفلسفة والتعقيد في ألفاظها ومعانيها، لأنها مستمدة من كلام الله
المبين
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن كلام رسول الله...
صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى. بينما المعتقدات الأخرى هي
من تخليط البشر أو تأويلهم وتحريفهم، وشتان بين المشربين، لاسيما وأن
العقيدة توقيفية غيبية لا مجال للاجتهاد فيها كما هو معلوم.

سلامتها من الاضطراب والتناقض واللبس

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

فإن العقيدة الإسلامية الصافية الاضطراب فيها ولا التباس، وذلك لاعتمادها على
الوحي، وقوة صلة أتباعها بالله، وتحقيق العبودية له وحده، والتوكل عليه وحده
وقوة يقينهم بما معهم من الحق، وسلامتهم من الحيرة في الدين، ومن القلق
والشك والشبهات، بخلاف أهل البدع فلا تخلو أهدافهم من علة من هذه العلل.
أصدق مثال على ذلك: ما حصل لكثير من أئمة علم الكلام والفلسفة والتصوف
من اضطراب وتقلب وندم، بسبب ما حصل بينهم من مجانبة عقيدة السلف
ورجوع كثير منهم إلى التسليم، وتقرير ما يعتقده السلف، خاصة عند التقدم
في السن، أو عند الموت.
كما حصل للإمام أبي الحسن الأشعري، حيث رجع إلى عقيدة أهل السنة
والجماعة في (الإبانة) بعد الاعتزال ثم التلفيق. والباقلاني (ت 403هـ) في
(التمهيد). ومثله أبو محمد الجويني (ت 438هـ)، والد إمام الحرمين في
(رسالة في إثبات الاستواء والفوقية). ومثله إمام الحرمين (ت 478هـ)
في (الرسالة النظامية). والشهرستاني، (ت 548هـ) في (نهاية الإقدام).
والرازي ( فخر الدين ) (ت 606هـ) في (أقسام الملذات) وغيرهم كثيرون
سلامة أتباعها - في العموم - من التلبس بالبدع والشركيات والآثام والكبائر
فأهل السنة في عمومهم، هم أسلم الناس من الوقوع في البدع، ولا تكون
فيهم الشركيات. أما الذنوب والمعاصي والكبائر فقد يقع فيها طوائف منهم
لكنها فيهم أقل من غيرهم، وغيرهم لا يسلم من علة من هذه العلل البدعية
والشركية، كما أن المعاصي والكبائر هي في أهل الافتراق أكثر من غيرهم
في الجملة.
فالمتكلمة من المعتزلة، وكثير من الأشاعرة ونحوهم قالوا في الله بغير علم
وخاضوا في الغيب بغير علم، والمتصوفة والمقابريون وسائر أهل البدع عبدوا
الله بغير ما شرع، والرافضة، والباطنية ونحوهم كذبوا على الله تعالى وافتروا
على رسوله صلى الله عليه وسلم حتى صار الكذب ديناً لهم، والخوارج
تشددوا في الدين فشدد الله عليهم.

أنها سبب الظهور والنصر والفلاح في الدارين

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

من أبرز خصائص عقيدة أهل السنة: أنها من أسباب النجاح والنصر والتمكن
لمن قام بها ودعا إليها بصدق وعزم وصبر.فالطائفة التي تتمسك بهذه العقيدة
عقيدة أهل السنة والجماعة، هي الطائفة الظاهرة والمنصورة التي لا يضرها
من خذلها ولا من عاداها إلى يوم القيامة. كما أخبرنا بذلك الرسول ...
صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق
لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك
)) .

هي عقيدة الجماعة والاجتماع

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

ذلك أنها الطريقة المثلى لجمع شمل المسلمين ووحدة صفهم، وإصلاح ما فسد
من شئون دينهم ودنياهم، لأنها تردهم إلى الكتاب والسنة وسبيل المؤمنين
وهذه الخاصية لا يمكن أن تتحقق على يد فرقة أو دعوة أو أنظمة لا تقوم على
هذه العقيدة أبداً، والتاريخ شاهد على ذلك، فالدول التي قامت على السنة
هي التي جمعت شمل المسلمين وقام بها الجهاد والأمر بالمعروف، والنهي
عن المنكر، وعز بها الإسلام قديماً وحديثاً، منذ عهد الخلفاء الراشدين
والدولة العباسية في أول عهدها، والدولة العثمانية في أول عهدها، وعهد صلاح
الدين الأيوبي، والدولة الإسلامية في الأندلس، وعهد الدولة السعودية، حيث
نصرت السنة، ودعت إلى التوحيد، وحاربت البدع والشركيات، وطهّرت البلاد
المقدسة منها، ولا تزال كذلك - بحمد الله -، وينبغي أن تبقى كذلك على عهدها.
وغالب هذه الدول حينما حدث فيها الافتراق وسادت فيها البدع فشلت وانهارت
والدول التي قامت على غير السنة، أشاعت الفوضى والفرقة والبدع والمحدثات
ومزقت الشمل، وعطلت الجهاد، وأشاعت المنكرات، وصارت على يدها الهزائم
وانتشر في عهدها الجهل بالدين، واندثرت السنة، مثل دول الرافضة والباطنية
والقرامطة، والصوفيّة، وكدولة بني بويه، والفاطميين (العبيديين)
التي مزقت المسلمين، وأشاعت بينهم البدع والشركيات.
ولما صارت للمعتزلة وزارة ومراكز في عهد بعض الخلفاء العباسيين ظهرت
البدع الكلامية، وحوصر أئمة أهل السنة، وافتتن الناس - بل العلماء -
في دينهم.

البقاء والثبات والاستقرار

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

من أهم خصائص عقيدة أهل السنة: البقاء والثبات والاستقرار والاتفاق:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

فعقيدتهم في أصول الدين ثابتة طيلة هذه القرون، وإلى أن تقوم الساعة
بمعنى أنها متفقة ومستقرة ومحفوظة، رواية ودراية، في ألفاظها ومعانيها
تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، لم يتطرق إليها التبديل ولا التحريف
ولا التلفيق ولا الالتباس، ولا الزيادة ولا النقص.
ومن أسباب ذلك: أنها مستمدة من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق
عن الهوى، وقد تلقاها الصحابة ثم التابعون، وتابعوهم، وأئمة الهدى
المستمسكون بهديه صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، رواية ودراية
تلقيناً وكتابة.
من ذلك مثلاً قول أهل السنة في الصفات إجمالاً وتفصيلاً، فهو لا يزال واحداً
وقولهم في كلام الله، والقرآن، والاستواء، والنزول والرؤية، وقولهم في القدر
والإيمان، والشفاعة، والتوسل، وغيرها كله لا يزال كما نقل عن السلف
والقرون الفاضلة. وهذا مما تكفل به الله من حفظ دينه.
بخلاف الفرق الأخرى، وأقربها إلى أهل السنة الأشاعرة والماتريدية، ومع ذلك
فهم مضطربون في كل ما خالفوا به السلف مما أولوه أو ابتدعوه، ويكثر في
عقائدهم التلفيق والالتباس والاضطراب، والتوقف فيما جاء عن الله تعالى
وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وابتداع الألفاظ والمعاني التي لم ترد
عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم .

مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة لناصر بن عبد الكريم العقل - ص 29


http://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gifhttp://www.ar4up.com/uploads/images/...2c6f3282f7.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 12:47 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...5162cb16c1.gif

خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة:

أولاً: التوقيفية (الربانية)

http://www.ar4up.com/uploads/images/...427e2155c2.gif

وتعني أن أهل السنة لا يقتبسون عقيدتهم إلا من مشكاة النبوة، قرآنا وسنة، لا عقل
ولا ذوق ولا كشف، ولا يجعلون شيئا من ذلك معارضا للوحي، بل هذه إن صحت كانت
معضدة لحجة السمع، فالوحي هو الأصل المعتمد في تقرير مسائل الاعتقاد.

ثانياً: الغيبية
وتعني قيام العقيدة على التسليم بوجود الغيب، كما تعني وجوب الإيمان بكل ما ورد
في النصوص الشرعية من أمور الغيب وعدم رد شيء منها أو تأويلها.

ثالثاً: الوسطية

وهي تعني الموازنة بين الأمور المتقابلة والتوسط بين الأطراف المتباعدة على
ما تقتضيه النصوص الشرعية.

رابعاً: العقلانية

وتعني موافقة عقيدة أهل السنة والجماعة للعقل الصريح واهتمامها به، وإعلاء منزلته
ومكانته، وتوفير طاقته وتصريفها فيما يفيد.

خامساً: الفطرية

وتعني أن الإيمان فطري عند أهل السنة والجماعة، خلافا لأهل الأهواء.

سادساً: الشمولية

وهي الموسوعية في المعنى والتطبيق وهي في المعنى شمول العقيدة للتصور
الكامل للقضايا الكبرى التي ضل في تصورها كثير من الناس، وهي في التطبيق
شمولية آثار العقيدة لحياة المسلم من جهاتها المختلفة، بحيث تتكامل هذه
الآثار وتتفاعل في صياغة الحياة صياغة ربانية .

http://www.ar4up.com/uploads/images/...427e2155c2.gif

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص175


http://www.ar4up.com/uploads/images/...5162cb16c1.gif

المبحث الأول: تعريف التوحيد لغة واصطلاحا

التوحيد في اللغة: مشتق من وحد الشيء إذا جعله واحداً، فهو مصدر وحد يوحد
أي: جعل الشيء واحداً.
وفي الشرع: إفراد الله - سبحانه - بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء
والصفات.
القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/11
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه: لا خالق
إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم
مشركون، بل التوحيد يتضمن من محبة الله، والخضوع له، والذل له، وكمال
الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال
والمنع والعطاء، والحب والبغض، ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى
المعاصي والإصرار عليها، ومن عرف هذا عرف قول النبي صلى الله عليه وسلم:
((إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) ...,
وما جاء من هذا الضرب من الأحاديث، التي أشكلت على كثير من الناس
حتى ظنها بعضهم منسوخة! وظنها بعضهم قيلت قبل ورود الأوامر والنواهي
واستقرار الشرع، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار، وأول بعضهم
الدخول بالخلود وقال: المعنى لا يدخلها خالداً، ونحو ذلك من التأويلات المستكرهة.
فإن الشارع صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلاً بمجرد قول اللسان فقط
فإن هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام، لأن المنافقين يقولونها بألسنتهم
وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار.
بل لا بد من قول القلب، وقول اللسان.
وقول القلب: يتضمن من معرفتها والتصديق بها، ومعرفة حقيقة ما تضمنته من النفي
والإثبات، ومعرفة حقيقة الإلهية المنفية عن غير الله، المختصة به، التي يستحيل
ثبوتها لغيره، وقيام هذا المعنى بالقلب علماً ومعرفة ويقيناً وحالاً: ما يوجب تحريم
قائلها على النار.وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة، ويقابلها تسعة
وتسعون سجلاً، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات
فلا يعذب صاحبها ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة،... ولكن السر
الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل هو أنه حصل له ما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات.
وتأمل أيضاً ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق
عن السير إلى القرية فجعل ينوء بصدره، ويعالج سكرات الموت، لأن ذلك كان أمراً
آخر، وإيماناً آخر ولذلك ألحق بأهل القرية الصالحة. وقريب من هذا ما قام بقلب
البغي التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش، يأكل الثرى فقام بقلبها ذلك
الوقت مع عدم الآلة، وعدم المعين، وعدم من ترائيه بعملها ما حملها على أن
غررت بنفسها في نزول البئر وملء الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها
خفها بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقي من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي
جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو
منه جزاء ولا شكوراً. فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء
فغفر لها .وقد ورد في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم
((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله))

الولاء والبراء في الإسلام لسعيد بن علي بن وهف القحطاني - ص46
المبحث الثاني: العلاقة بين التوحيد والعقيدة

http://www.ar4up.com/uploads/images/...427e2155c2.gif

وعلم العقيدة وعلم التوحيد مترادفان عند أهل السنة، وإنما سمي علم التوحيد
بعلم العقيدة بناء على الثمرة المرجوة منهن وهي انعقاد القلب انعقادا جازما
لا يقبل الانفكاك

المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية على مذهب أهل السنة لإبراهيم
بن محمد البريكان - ص10


وقد يفرق بينهما اصطلاحا باعتبار أن علم التوحيد هو العلم الذي يقتدر به على
إثبات العقائد الدينية بالأدلة المرضية، وأن علم العقيدة يزيد عليه برد الشبهات
وقوادح الأدلة الخلافية، فيجتمعان في معرفة الحق بدليله، وتكون العقيدة أعم
موضوعا من التوحيد لأنها تقرر الحق بدليله وترد الشبهات وقوادح الأدلة وتناقش
الديانات والفرق، وقد جرى السلف على تسمية كتبهم في التوحيد والإيمان بكتب
العقيدة، كما فعل أبو عثمان الصابوني رحمه الله في كتابه
(عقيدة السلف أصحاب الحديث) والإمام اللالكائي رحمه الله في
(شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)

المبحث الثالث: فضل علم التوحيد

http://www.ar4up.com/uploads/images/...427e2155c2.gif

من حقق التوحيد دخل الجنة: قوله:
(باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب) أي ولا عذاب. (قلت)
تحقيقه تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ - ص57
ذكر المؤلف (يعني: محمد بن عبدالوهاب) فضل التوحيد، ولا يلزم من ثبوت
الفضل للشيء أن يكون غير واجب، بل الفضل من نتائجه وآثاره.
ومن ذلك صلاة الجماعة ثبت فضلها بقوله صلى الله عليه وسلم:
((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) .
ولا يلزم من ثبوت الفضل فيها أن تكون غير واجبة؛ إذ إن التوحيد أوجب الواجبات
ولا تقبل الأعمال إلا به، ولا يتقرب العبد إلى ربه إلا به، ومع ذلك؛ ففيه فضل

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/70

إذا كانت العلوم الشرعية كلها فاضلة لتعلقها بالوحي المطهر؛ فإن علم التوحيد
في الذروة من هذا الفضل العميم، حيث حاز الشرف الكامل دون غيره من العلوم
وذلك يظهر بالنظر إلى جهات ثلاث: موضوعه، ومعلومه، والحاجة إليه.
فضله من جهة موضوعه: من المتقرر أن المتعلق يشرف بشرف المتعلق
فالتوحيد يتعلق بأشرف ذات، وأكمل موصوف، بالله الحي القيوم، المتفرد بصفات
الجلال والجمال والكمال، ونعوت الكبرياء والعزة؛ لذا كان علم التوحيد أشرف
العلوم موضوعا ومعلوما، وكيف لا يكون كذلك وموضوعه رب العالمين
وصفوة خلق الله أجمعين، ومآل العباد إما إلى جحيم أو إلى نعيم، ولأجل هذا
سماه بعض السلف الفقه الأكبر.وتحقيق التوحيد هو أشرف الأعمال مطلقاً...
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ فقال:
((إيمان بالله ورسوله)) .وهو موضوع دعوة رسل الله أجمعين، قال الإمام
ابن القيم رحمه الله: وجميع الرسل إنما دعوا إلى{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
[الفاتحة: 5]، فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته من أولهم إلى
آخرهم، فقال نوح لقومه:{اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]
وكذلك قال هود وصالح وشعيب وإبراهيم، قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .
والله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لأجل إقامة التوحيد بين
العبيد، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}
[النحل: 36]، وله خلق الجن والإنس، قال تعالى:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، أي: يوحدون..،
فأهم ما على العبد معرفته هو التوحيد، وذلك قبل معرفة العبادات كلها حتى الصلاة.
فضله من جهة معلومه: إن معلوم علم التوحيد هو مراد الله الشرعي، الدال عليه
وحيه وكلامه الجامع للعقائد الحقة، كالأحكام الاعتقادية المتعلقة بالإيمان
بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر والبعث بعد الموت.
ومراد الله تعالى يجمع أموراً ثلاثة، وتترتب عليه أمور ثلاثة، فهو يجمع أن الله تعالى
أراده وأحبه فأمر به، ويترتب على كونه أمر به أن يثيب فاعله، ويعاقب تاركه
وأن ينهي عن مخالفته، لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فالأمر بالتوحيد
نهي عن الشرك ولابد.قال تعالى:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}
[المائدة: 3]، قال عمر رضي الله عنه:
((قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي، وهو قائم بعرفة يوم جمعة)) .
فاجتمع لدى نزولها ثلاثة مناسبات لا تجتمع بعد ذلك أبداً:

عيد وعيد وعيد صرن مجتمعة / وجه الحبيب ويوم العيد والجمعة


فنزلت في عيد المسلمين الأسبوعي، وهو يوم الجمعة، الذي وافق عيد الحجاج
وهو يوم عرفة، وهو اليوم الذي حضره النبي صلى الله عليه وسلم مع أمته حاجاً
واجتمع بهم اجتماعه الأكبر والأخير.
ومعلوم علم التوحيد هو الأحكام الاعتقادية المكتسبة من الأدلة المرضية
من كتاب ناطق وسنة ماضية.وقطب رحى القرآن العظيم من فاتحته إلى خاتمته
في تقرير معلوم التوحيد. يقول الشيخ صديق حسن خان رحمه الله: اعلم أن
فاتحة الكتاب العزيز التي يكررها كل مسلم في كل صلاة مرات، ويفتتح بها التالي
لكتاب الله والمتعلم له، فيها الإرشاد إلى إخلاص التوحيد في ثلاثين موضعاً .
والتوحيد هو فاتحة القرآن العظيم وهو خاتمته، فهو فاتحة القرآن كما في أول
سورة الفاتحة:{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، وهو في خاتمة القرآن
العظيم{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] .
فالقرآن من فاتحته إلى خاتمته في تقرير التوحيد بأنواعه، أو في بيان حقوق
التوحيد ومقتضياته ومكملاته، أو في البشارة بعاقبة الموحدين في الدنيا والآخرة
أو في النذارة بعقوبة المشركين والمعاندين في الدارين، ثم إن حياة النبي ...
صلى الله عليه وسلم ودعوته في بيان القرآن بيانا عمليا تحققت فيها معاني
التوحيد، وحسمت فيه مواد الشرك على الوجه الأتم الأكمل.قال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد
لأمته ويحسم عنهم مواد الشرك، إذ هذا تحقيق قولنا: لا إله إلا الله، فإن الإله
هو الذي تألهه القلوب لكمال المحبة والتعظيم، والإجلال والإكرام، والرجاء والخوف .

فضله من جهة الحاجة إليه:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...427e2155c2.gif

وأما فضل علم التوحيد باعتبار الحاجة إليه، فيظهر ذلك بالنظر إلى جملة أمور، منها:


أن الله تعالى طلبه، وأمر به كل مكلف، وأثنى على أهله، ومدح من توسل به إليه
ووعدهم أجراً عظيماً.
قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19]، وقال عز من قائل:
{وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} [البينة:5].
وقال سبحانه وتعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136].
وقال سبحانه: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}
[الرعد: 19].
وقال عز وجل:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]، وقال تقدست أسماؤه:
{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ
} إلى قوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ}
[آل عمران: 193 – 195].
وقال عز وجل: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146].
ومنها أن عقيدة التوحيد هي الحق الذي أرسلت من أجله جميع الرسل.
قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}
[النحل: 36].
وقال سبحانه:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}
[الأنبياء: 25].وهي حق الله على عباده كما في حديث معاذ رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)) .
وهي ملة أبينا إبراهيم عليه السلام التي أمرنا الله باتباعها، قال تعالى:
{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
[النحل: 123]، وهي أيضاً دعوته عليه السلام، قال تعالى على لسانه:
{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35].
ومنها أن الله تعالى جعل الإيمان شرطا لقبول العمل الصالح وانتفاع العبد به
في الدنيا والآخرة. قال تعالى:
{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}
[الأنبياء: 94]. وقال سبحانه: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا
} [الإسراء: 19].
فإذا جاء العبد بغير الإيمان فقد خسر جميع عمله الصالح، قال تعالى:
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ
} [الزمر: 65].
ومنها أن سعادة البشرية في الدنيا متوقفة على علم التوحيد، فحاجة العبد
إليه فوق كل حاجة، وضرورته إليه فوق كل ضرورة، فلا راحة ولا طمأنينة ولا
سعادة إلا بأن يعرف العبد ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة صحيحة
صادقة ناصحة، وهي جهة الوحي.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
حاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب، فإن آخر
ما يقدر بعدم الطبيب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها
مات قلبه موتا لا ترجى الحياة معه أبدا، أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبدا .
ولهذا سمى الله تعالى غير الموحد ميتا حقيقة، قال تعالى:
{فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنتَ بِهَادِي
الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُون
}
[الروم: 52-53].فمقابلة الموتى بالسامعين تدل على أن الموتى هم المشركون
والكافرون، وهذا تفسير جمهور السلف .
وقيل المراد بالموتى: موتى الأبدان، فنفي السماع يعني نفي الاهتداء، فكما
قيل إن الميت يسمع ولا يمتثل، فهؤلاء الأحياء من الكفار حين يسمعون القرآن
كالموتى حقيقة حين يسمعون فلا يمتثلون ولا ينتفعون.
ومما يشهد لهذين المعنيين أن الله تعالى سمى ما أنزله على رسوله..
صلى الله عليه وسلم روحا لتوقف الحياة الحقيقية عليه، وسماه نورا لتوقف
الهداية عليه، وسماه شفاء لأنه دواء للنفوس من عللها.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأي صلاح
للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور، والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه
شمس الرسالة، فكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ويناله
من حياتها وروحها، فهو في ظلمة وهو من الأموات.
قال تعالى:
{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ
فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا
} [الأنعام: 122]، فهذا وصف المؤمن كان ميتا
في ظلمة الجهل، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نورا يمشي
به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات.وسمى الله تعالى الرسالة
روحا، والروح إذا عدمت فقد فقدت الحياة، قال الله تعالى:
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِن
جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا
} [سورة الشورى: 52]

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص124

المبحث الرابع: فوائد التوحيد

http://www.ar4up.com/uploads/images/...427e2155c2.gif

فمن فوائد التوحيد:

1- أنه أكبر دعامة للرغبة في الطاعة؛ لأن الموحد يعمل لله سبحانه وتعالى؛
وعليه، فهو يعمل سراً وعلانية، أما غير الموحد؛ كالمرائي مثلاً، فإنه يتصدق
ويصلي، ويذكر الله إذا كان عنده من يراه فقط، ولهذا قال بعض السلف: إني
لأود أن أتقرب إلى الله بطاعة لا يعلمها إلا هو.
2- أن الموحدين لهم الأمن وهم مهتدون؛ كما قال تعالى:
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}
[الأنعام: 82].

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/75


http://www.ar4up.com/uploads/images/...5162cb16c1.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:15 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
تمهيد
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6e28a55678.gif

من العلماء من قسم التوحيد على قسمين:
التوحيد (نوعان):
الأول: التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله عز وجل
وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل و تنزيهه عن صفات النقص وهو توحيد الربوبية
والأسماء والصفات.
والثاني: التوحيد الطلبي القصدي الإرادي وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له
وتجريد محبته والإخلاص له وخوفه ورجاؤه والتوكل عليه والرضا به ربا وإلها ووليا وأن
لا يجعل له عدلا في شيء من الأشياء وهو توحيد الإلهية

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص122

http://www.ar4up.com/uploads/images/...6e28a55678.gif

والتوحيد نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات. وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات.
وتوحيد في الطلب والقصد. وهو توحيد الإلهية والعبادة.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وأما التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب
فهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد.

فالأول هو: إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه
وتكليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته، وقد أفصح القرآن
عن هذا النوع جد الإفصاح، كما في أول سورة الحديد، وسورة طه، وآخر الحشر
وأول تنزيل السجدة، وأول آل عمران، وسورة الإخلاص بكمالها، وغير ذلك.
النوع الثاني: ما تضمنته سورة قل يا أيها الكافرون وقوله تعالى:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ
شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
}
[آل عمران: 64] وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها. وأول سورة المؤمنون ووسطها
وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها. وجملة سورة الأنعام، وغالب سور القرآن.
بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد، شاهدة به داعية إليه.
فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله، فهو التوحيد العلمي
الخبري وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه، فهو التوحيد
الإرادي الطلبي. وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته وأمره ونهيه، فهو حقوق التوحيد
ومكملاته وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد وما فعل به في الدنيا وما يكرمهم به في
الآخرة، فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من
النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب. فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم.
انتهى.
قال شيخ الإسلام: التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده
بأن يشهد أن لا إله إلا الله: لا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالي إلا له، ولا
يعادي إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله. وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء
والصفات. قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
[البقرة: 163] قال تعالى:
{وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51]
وقال تعالى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ
لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
} [المؤمنون: 117]
وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ
آلِهَةً يُعْبَدُونَ
} [الزخرف: 45] وأخبر عن كل نبي من الأنبياء أنهم دعوا الناس إلى
عبادة الله وحده لا شريك له. وقال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ
وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ
وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
} [الممتحنة: 4]
وقال عن المشركين:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ
أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ
} [الصافات: 35] وهذا في القرآن كثير

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ - ص11

http://www.ar4up.com/uploads/images/...6e28a55678.gif

ومنهم من جعله ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:16 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...0f16f134d3.gif

المبحث الأول: توحيد الربوبية


http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

معناه الاعتقاد الجازم بأن الله وحده رب كل شيء ومليكه، لا شريك له، وهو الخالق
وحده وهو مدبر العالم والمتصرف فيه، وأنه خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومميتهم
والإيمان بقضاء الله وقدره وبوحدانيته في ذاته، وخلاصته هو: توحيد الله تعالى بأفعاله.
وقد قامت الأدلة الشرعية على وجوب الإيمان بربوبيته سبحانه وتعالى، كما في قوله:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1].
وقوله:{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29].
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].
وهذا النوع من التوحيد لم يخالف فيه كفار قريش، وأكثر أصحاب الملل والديانات؛
فكلهم يعتقدون أن خالق العالم هو الله وحده، قال الله تبارك وتعالى عنهم:
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25].
وقال: {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ
قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
} [المؤمنون: 84-90].
وذلك لأن قلوب العباد مفطورة على الإقرار بربوبيته سبحانه وتعالى ولذا فلا يصبح
معتقده موحداً؛ حتى يلتزم بالنوع الثاني من أنواع التوحيد، توحيد الألوهية

الوجيز في عقيدة السلف الصالح لعبد الحميد الأثري - ص55

http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

التوحيد العملي الخبري الاعتقادي (المتضمن إثبات صفات الكمال لله عز وجل
وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل و تنزيهه عن صفات النقص وهو توحيد الربوبية
والأسماء والصفات
) وهو (إثبات) بالرفع بدل بعض من قولنا (نوعان) أي الأول
منهما (إثبات ذات الرب جل وعلا) فإن هذه العوالم العلويات والسفليات لا بد لها
من موجد أوجدها ويتصرف فيها ويدبرها. ومحال أن توجد بدون موجد, ومحال أن
توجد أنفسها. قال الله تبارك وتعالى في مقام إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية:
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ
} [الطور: 35-37].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} أي من غير رب .
ومعناه أخلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق, وذلك مما لا يجوز أن
يكون لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم فلا بد له من خالق فإن أنكروا
الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق. {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} لأنفسهم وذلك في البطلان
أشد لأن ما لا وجود له كيف يخلق فإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم
خالقا فليؤمنوا بـه {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وهذا في البطلان أشد وأشد
فإن المسبوق بالعدم يستحيل أن يوجد نفسه فضلا عن أن يكون موجدا لغيره
وهذا إنكار عليهم في شركهم بالله عز وجل وهم يعلمون أنه الخالق لا شريك له
{بَل لاَّ يُوقِنُونَ} أي ولكن عدم إيقانهم هو الذي يحملهم على ذلك. وعن جبير
بن مطعم رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في
المغرب بالطور, فلما بلغ هذه الآية:

{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ}
[الطور: 35-36] كاد قلبي أن يطير)) .وكثيرا ما يرشد الله تبارك وتعالى عباده إلى
الاستدلال على معرفته بآياته الظاهرة من المخلوقات العلوية والسفلية
كما قال تعالى: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20] أي: فيها من الآيات
الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة, مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات
والحيوانات والمهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار واختلاف ألسنة الناس وألوانهم
وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى وما بينهم من التفاوت في العقول والفهم
والحركات والسعادة والشقاوة وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من
أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه, ولهذا قال عز وجل:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]، قال قتادة: من تفكر في خلق نفسه
علم أنه إنما لينت مفاصله للعبادة , وكذا ما في ابتداء الإنسان من الآيات العظيمة
إذ كانت نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما إلى أن نفخ فيه الروح. وقال تعالى:
{وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ
خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
} [الذاريات: 47-49] يقول تعالى منبها على خلق العالم
العلوي والسفلي: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا} أي جعلناها سقفا رفيعا {بِأَيْدٍ} أي بقوة قاله
ابن عباس ومجاهد وقتادة والثوري وغير واحد , {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} قال ابن عباس
رضي الله عنهما: لقادرون. وعنه أيضا: لموسعون الرزق على خلقنا. وقيل:
ذو وسعة . وقال ابن كثير: أي قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد حتى استقلت
كما هي . {وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} أي جعلناها فراشا للمخلوقات {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}
الباسطون نحن. قال ابن عباس: نعم ما وطَّأت لعبادي .
{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} صنفين ونوعين كالسماء والأرض, والشمس والقمر
والليل والنهار, والبر والبحر, والسهل والجبل, والشتاء والصيف, والجن والإنس
والذكر والأنثى, والنور والظلمة, والإيمان والكفر, والسعادة والشقاوة, والجنة والنار
الحق والباطل, والحلو والمر, والدنيا والآخرة, والموت والحياة والجامد والنامي
والمتحرك والساكن, والحر والبرد وغير ذلك {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي لتعلموا أن الخالق
واحد فرد لا شريك له.اهـ. ابن كثير والبغوي .

http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي
تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء
وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
} [البقرة: 164] وقال أبو الضحى: لما نزلت
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] قال المشركون إن
كان هكذا فليأتنا بآية, فأنزل الله عز وجل {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} تلك
في ارتفاعها ولطافتها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها, وهذه
الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها
من المنافع {وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} هذا يجئ ثم يذهب ويخلفه الآخر. ويعقبه
ولا يتأخر عنه لحظة كما قال تعالى:
{لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}
[يس: 40] وتارة يطول هذا ويقصر هذا وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتعاوضان
كما قال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد: 6]
أي يزيد من هذا في هذا ومن هذا في هذا {وَالفُلْكَ تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاس}
أي في تسخير البحر بحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس والانتفاع
بما عند أهل ذلك الإقليم ونقل هذا إلى هؤلاء
{وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها} كما قال تعالى:
{وَآيَةً لَهُمْ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا ِمْنَها حَبَاً فَمِنْهُ يَأْكُلُون} [يس: 33]
إلى قوله {وَمِمَّا لا يَعْلَمُون}. {وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّة}
على اختلاف أشكالها وأنواعها
ومنافعها وصغرها وكبرها وهو يعلم ذلك كله ويرزقه لا يخفى عليه شيء من ذلك
كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِين
}. {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاح} فتارة تأتي بالرحمة وتارة
تأتي بالعذاب وهي الريح, وتارة تأتي مبشرات بين يدي السحاب, وتارة تسوقها
وتارة تجمعه, وتارة تفرقه, وتارة تصرفه, ثم تارة تأتي من الشمال وهي الشامية
وتارة تأتي من ناحية اليمن, وتارة صبا وهي الشرقية, وتارة دبور وهي غربية
وغير ذلك والله أعلم. {وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض} أي سائر بين
السماء والأرض مسخر إلى ما يشاء الله من الأراضي والأماكن كما يصرفه تعالى

http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

{لآيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} أي في هذه الأشياء دلالات بينة على وحدانية الله تعالى
{لِقَوْمٍ يَعْقِلُون} فيعلمون أن لهذه الأشياء خالقا وصانعا وكل ما سواه عاجز لا قدرة
له إلا بما أقدره، متصف بجميع صفات الكمال, وكل ما سواه فلازمه النقص وليس
الكمال المطلق إلا له وهو الله تبارك وتعالى. وقال تبارك وتعالى:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُون. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة, إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يتفكرون
} [الروم:20-25]. يقول تعالى {وَمِنْ آيَاتِه} الدالة على عظمته
وكمال قدرته أنه خلق أباكم آدم من تراب {ثُمَّ أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُون}
فأصلكم من تراب ثم من ماء مهين, ثم تصور فكان علقة ثم مضغة ثم صار عظاما
شكله شكل إنسان ثم كسا الله تعالى العظام لحما ثم نفخ فيه الروح فإذا هو
سميع بصير, ثم أخرج من بطن أمه صغيرا ضعيف القوى والحركة ثم كلما طال
عمره تكاملت قواه وحركاته حتى آل به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحصون
ويسافر في أقطار الأقاليم ويركب متن البحور, ويدور أقطار الأرض ويكتسب ويجمع
الأموال وله فكر وغور ودهاء ومكر, ورأي وعلم, واتساع في أمور الدنيا والآخرة كل بحسبه
فسبحان من أقدرهم وسيرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب
وفاوت بينهم في العلوم والفكر والحسن والقبح والغنى والفقر والسعادة والشقاوة.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر
الأرض, جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك, والخبيث والطيب والسهل
والحزن وغير ذلك
)) . {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} أي خلق لكم
من جنسكم إناثا تكون لكم أزواجا {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} كما قال تعالى:
{هُوَ الذِّي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]
يعني بذلك حواء خلقها الله تعالى من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر, ولو أنه تعالى
جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم إما من جان أو
حيوان لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج, بل كانت تحصل نفرة لو كانت
الأزواج من غير الجنس, ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل الأزواج من جنسهم
{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّة} وهي المحبة {وَرَحْمَة} وهي الرأفة, فإن الرجل يمسك المرأة
إما لمحبة لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو الألفة
بينهما وغير ذلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٌ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} في عظمة الله وقدرته {وَمِنْ آيَاتِه}
الدالة على قدرته العظيمة {خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} أي خلق السموات في ارتفاعها
واتساعها وشفوف أجرامها وزهارة كواكبها ونجومها الثوابت والسيارات, وخلق الأرض
في انخفاضها وكثافتها وما فيها من جبال وأودية وبحار وقفار وحيوان وأشجار
{وَاخْتِلافِ أَلْسِنَتِكُمْ} يعني اللغات, فهؤلاء بلغة العرب, وهؤلاء تتر لهم لغة خاصة

http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

وهؤلاء كرج , وهؤلاء روم, وهؤلاء إفرنج, وهؤلاء بربر, وهؤلاء حبشة, وهؤلاء هنود
وهؤلاء فرس, وهؤلاء صقالبة, وهؤلاء خزر, وهؤلاء أرمن, وهؤلاء أكراد, إلى غير ذلك
مما لا يعلمه إلا الله عز وجل من اختلاف لغات بني آدم {وَأَلْوَانِكُم} أي اختلاف ألوانكم
أبيض وأسود وأحمر, وأنتم أولاد رجل واحد وامرأة واحدة, وغير ذلك من اختلاف الصفات
والحلى, فجميع أهل الأرض بل أهل الدنيا منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة كل له
عينان وحاجبان وأنف وجبين وفم وخدان وليس يشبه واحد منهم الآخر, بل لابد أن
يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام ظاهرا كان أو خفيا يظهر عند التأمل
كل وجه منهم أسلوب بذاته وهيئة لا تشبه أخرى, ولو توافق جماعة في صفة
من جمال أو قبح لا بد من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ للعَالَمِين. وَمِنْ آيَاتِه مَنَاُمُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاءُكُمْ مِنْ فَضْلِه
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاٍت لِقَوْمٍ يَسْمَعُون
} [الروم:22-23] أي ومن الآيات ما جعل الله من
صفة النوم في الليل فإن فيه تحصل الراحة وسكون الحركة وذهاب الكلال والتعب
وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار وهذا ضد النوم,
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاٍت لِقَوْمٍ يَسْمَعُون} سماع تدبر واعتبار {وَمِنْ آيَاتِه} الدالة على عظمته
أنه {يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعا} [الروم:24] أي تارة تخافون مما يحدث بعده من أمطار
مزعجة وصواعق متلفة, وتارة ترجون وميضه وما يأتي بعده من المطر المحتاج إليه
ولهذا قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها}
أي بعدما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الَماَء اهْتَزَّتَ وَرَبَتْ
وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج
} [الحج: 5] وفي ذلك عبرة ودلالة واضحة على المعاد وقيام
الساعة, ولهذا قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرَضْ بِأَمْرِه
} [الروم: 25-26] كقوله تعالى:
{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِه} [الحج: 65] وقوله تعالى:
{إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِه}
[فاطر: 41] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اجتهد في اليمين قال:
(والذي قامت السموات والأرض بأمره) أي هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره
إياها, ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض والسموات, وخرجت الأموات
من قبورها أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم, ولهذا قال تعالى:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

{ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوُةً مِنَ الأَرْضِ إَذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُون} أي: من الأرض كما قال تعالى:
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 52]
وقال تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 13-14]
وقال تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُون} [يس: 53].
والآيات في هذا الكتاب العظيم من الاستدلال بالمخلوقات على وجود خالقها
وقدرته وعظمته أكثر من أن تحصى وأجل من أن تستقصى, وفيما ذكرنا كفاية
وغنى يغني عن خرط المناطقة ومقدماتهم ونتائجهم وتناقضاتهم فيها, والله تبارك
وتعالى أعلى وأكبر وأجل وأعظم من أن يحتاج في معرفة وجوده إلى شواهد
واستدلالات, فذات المخلوق نفسه شاهدة بوجود خالقه حيث أوجده ولم يكن
من قبل شيئا, فلم يذهب يستدل بغيره وفي نفسه الآية الكبرى والبرهان الأعظم
وشأن الله تعالى أكبر من ذلك, ولم يجحد وجوده تعالى من جحده من أعدائه إلا
على سبيل المكابرة, ولهذا قال تعالى في كفرهم بآياته:
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوا} [النمل: 14] فكيف بوجود الخالق تبارك
وتعالى. ولهذا لما قال أعداء الله لرسله على سبيل المكابرة لما جاءوهم بالبينات
فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا:
{إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ
شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
} [إبراهيم: 9-10]. وهذا يحتمل شيئين: أحدهما:
أفي وجوده تعالى شك, فإن الفطر شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به, فإن
الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة ولكن قد يعرض لغيرها شك واضطراب وأكثر
من ذلك على سبيل المكابرة والاستهزاء, فيجب إقامة الحجة عليهم للإعذار إليهم,
ولهذا قالت لهم رسلهم ترشدهم إلى طريق معرفته فقالوا: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}
الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سابق, فإن شواهد الحدوث والخلق
والتسخير ظاهرة عليهما فلا بد لهما من خالق وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق
كل شيء وإلهه ومليكه. والمعنى الثاني: في قولهم {أَفِي اللّهِ شَكٌّ}
أي أفي إلهيته وتفرده بوجود العبادة له شك وهو خالق لجميع الموجودات ولا يستحق
العبادة إلا هو وحده لا شريك له, فإن غالب الأمم كانت مقرة بالخالق ولكن تعبد معه
غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم, والجواب لهذا الاستفهام على
كلا المعنيين: لا, أي لا شك فيه .

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص122

http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

توحيد الربوبية: هو إفراد الله - عز وجل - بالخلق، والملك، والتدبير. فإفراده بالخلق:
أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ
الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
} [الأعراف: 54]، فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم
الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} [فاطر: 3]؛ فهذه الآية تفيد
اختصاص الخلق بالله، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي.فإفراده بالخلق:
أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى: {ألا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]،
فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر،
وقال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} [فاطر: 3]؛
فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي.
أما ما ورد من إثبات خلق غير الله؛ كقوله تعالى: {فتبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}
[المؤمنون: 14]، وكقوله صلى الله عليه وسلم في المصورين:
((يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)) . فهذا ليس خلقاً حقيقة، وليس إيجاداً بعد عدم
بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال، وأيضاً ليس شاملاً، بل محصور بما يتمكن
الإنسان منه، ومحصور بدائرة ضيقة؛ فلا ينافي قولنا: إفراد الله بالخلق.
إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى:
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ
} [يونس: 31].
وأما تدبير الإنسان؛ فمحصور بما تحت يده، ومحصور بما أذن له فيه شرعاً.
وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول..
صلى الله عليه وسلم، بل كانوا مقرين به، قال تعالى:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...152c98300b.gif

{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}
[الزخرف: 9]، فهم يقرون بأن الله هو الذي يدبر الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات
والأرض، ولم ينكره أحد معلوم من بني آدم؛ فلم يقل أحد من المخلوقين:
إن للعالم خالقين متساويين.
فلم يجحد أحد توحيد الربوبية، لا على سبيل التعطيل ولا على سبيل التشريك
إلا ما حصل من فرعون؛ فإنه أنكره على سبيل التعطيل مكابرة؛ فإنه عطل الله
من ربوبيته وأنكر وجوده، قال تعالى حكاية عنه: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}
[النازعات: 24]، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}
[القصص: 38]. وهذا مكابرة منه لأنه يعلم أن الرب غيره؛ كما قال تعالى:
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}
[النمل: 14]، وقال تعالى حكاية عن موسى وهو يناظره:
{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا}
[الإسراء: 102]؛ فهو في نفسه مقر بأن الرب هو الله عز وجل.
وأنكر توحيد الربوبية على سبيل التشريك المجوس، حيث قالوا: إن للعالم خالقين
هما الظلمة والنور، ومع ذلك لم يجعلوا هذين الخالقين متساويين، فهم يقولون:
إن النور خير من الظلمة؛ لأنه يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، والذي يخلق
الخير خير من الذي يخلق الشر.
وأيضاً؛ فإن الظلمة عدم لا يضيء، والنور وجود يضيء؛ فهو أكمل في ذاته.
ويقولون أيضاً بفرق ثالث، وهو: أن النور قديم على اصطلاح الفلاسفة، واختلفوا في
الظلمة، هل هي قديمة، أو محدثة؟ على قولين

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/11


http://www.ar4up.com/uploads/images/...0f16f134d3.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:17 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

المبحث الثاني: توحيد الألوهية

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif
هو إفراد الله تعالى بأفعال العباد، ويسمى توحيد العبادة، ومعناه الاعتقاد الجازم بأن الله -
سبحانه وتعالى - هو: الإله الحق ولا إله غيره، وكل معبود سواه باطل، وإفراده تعالى
بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة، وأن لا يشرك به أحد كائناً من كان، ولا يصرف شيء
من العبادة لغيره؛ كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والدعاء، والاستعانة، والنذر، والذبح
والتوكل، والخوف والرجاء، والحب، وغيرها من أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، وأن يعبد
الله بالحب والخوف والرجاء جميعا، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال.
قال الله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]
وقال:
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}
[المؤمنون: 117].
وتوحيد الألوهية هو ما دعت إليه جميع الرسل، وإنكاره هو الذي أورد الأمم السابقة موارد
الهلاك.
وهو أول الدين وآخره وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل وآخرها ولأجله أرسلت الرسل
وأنزلت الكتب، وسلت سيوف الجهاد، وفرق بين المؤمنين والكافرين، وبين أهل الجنة
وأهل النار.
وهو معنى قوله تعالى:{لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.}
قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}
[الأنبياء: 25].

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif
ومن كان رباً خالقاً، رازقاً، مالكاً، متصرفاً، محيياً، مميتاً، موصوفاً بكل صفات الكمال
ومنزهاً من كل نقص، بيده كل شيء؛ وجب أن يكون إلهاً واحداً لا شريك له، ولا تصرف
العبادة إلا إليه، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وتوحيد الربوبية من مقتضيات توحيد الألوهية؛ لأن المشركين لم يعبدوا إلهاً واحداً
وإنما عبدوا آلهة متعددة، وزعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى، وهم مع ذلك معترفون
بأنها لا تضر ولا تنفع؛ لذلك لم يجعلهم الله مؤمنين رغم اعترافهم بتوحيد الربوبية؛
بل جعلهم في عداد الكافرين بإشراكهم غيره في العبادة.
ومن هنا يختلف معتقد السلف –أهل السنة والجماعة– عن غيرهم في الألوهية؛
فلا يعنون كما يعني البعض أن معنى التوحيد أنه لا خالق إلا الله فحسب؛ بل إن توحيد
الألوهية عندهم لا يتحقق إلا بوجود أصلين:
الأول: أن تصرف جميع أنواع العبادة له سبحانه دون ما سواه، ولا يعطى المخلوق شيئاً
من حقوق الخالق وخصائصه. فلا يعبد إلا الله، ولا يصلى لغير الله، ولا يسجد لغير الله،
ولا ينذر لغير الله، ولا يتوكل على غير الله، وإن توحيد الألوهية يقتضي إفراد الله وحده
بالعبادة.
والعبادة: إما قول القلب واللسان وإما عمل القلب والجوارح.
قال تعالى:
{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
} [الأنعام: 162-163].
وقال سبحانه:{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3].
الثاني: أن تكون العبادة موافقة لما أمر الله تعالى به، وأمر رسوله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم.
فتوحيد الله سبحانه بالعبادة والخضوع والطاعة هو تحقيق شهادة أن: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والإذعان لما أمر به ونهى عنه
هو تحقيق أن: محمداً رسول الله.
فمنهج أهل السنة والجماعة:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif
أنهم يعبدون الله تعالى ولا يشركون به شيئاً، فلا يسألون إلا الله، ولا يستعينون إلا بالله
ولا يستغيثون إلا به سبحانه، ولا يتوكلون إلا عليه جل وعلا، ولا يخافون إلا منه
ويتقربون إلى الله تعالى بطاعته، وعبادته، وبصالح الأعمال، قال تعالى:
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36]

الوجيز في عقيدة السلف الصالح لعبد الحميد الأثري - ص56

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

ويقال له: توحيد العبادة باعتبارين؛ فاعتبار إضافته إلى الله يسمى: توحيد الألوهية
وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى توحيد العبادة.
وهو إفراد الله - عز وجل - بالعبادة.
فالمستحق للعبادة هو الله تعالى، قال تعالى:
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
[لقمان: 30].
والعبادة تطلق على شيئين:
الأول: التعبد: بمعنى التذلل لله - عز وجل - بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ محبة وتعظيماً.
الثاني: المتعبد به؛ فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: اسم جامع لكل
ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
مثال ذلك: الصلاة؛ ففعلها عبادة، وهو التعبد، ونفس الصلاة عبادة، وهو المتعبد به.
فإفراد الله بهذا التوحيد: أن تكون عبداً لله وحده تفرده بالتذلل؛ محبة وتعظيماً، وتعبده
بما شرع، قال تعالى: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً}
[الإسراء: 22]. وقال تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]؛
فوصفه سبحانه بأنه رب العالمين كالتعليل لثبوت الألوهية له؛ فهو الإله لأنه رب
العالمين، وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
[البقرة: 21]؛ فالمنفرد بالخلق هو المستحق للعبادة.
إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهاً تعبده؛ فهو في الحقيقة لن
ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميماً
تدعوه وتعبده، وهو بحاجة إلى دعائك، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه؛ فهو لا يملك
لنفسه نفعاً ولا ضراً؛ فكيف يملكه لغيره؟‍!
وهذا القسم كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم
الكتب، قال الله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}
[الأنبياء: 25].ومع هذا؛ فأتباع الرسل قلة، قال عليه الصلاة والسلام:
((فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد)) .
تنبيه:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif
من العجب أن أكثر المصنفين في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية
وكأنما يخاطبون أقواماً ينكرون وجود الرب -وإن كان يوجد من ينكر الرب ـ، لكن ما أكثر
المسلمين الواقعين في شرك العبادة‍‍!!.
ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين
الذين يقولون بأنهم مسلمون، وهم مشركون، ولا يعلمون.

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/16

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

(وهو) أي توحيد الإلهية (الذي به الإله) عز وجل (أرسل رسله) من أولهم إلى آخرهم
(يدعون إليه أولا) قبل كل أمر يدعو إلى شيء قبله, فهم وإن اختلفت شرائعهم في
تحديد بعض العبادات والحلال والحرام لم يختلفوا في الأصل الذي هو إفراد الله سبحانه
بتلك العبادات افترقت أو اتفقت, لا يشرك معه فيها غيره. كما قال رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم: ((نحن معاشر الأنبياء أولاد علات, ديننا واحد))
وقد أخبر الله عز وجل عن اتفاق دعوة رسله إجمالاً وتفصيلاً فقال تعالى:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالذِّي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه
} [الشورى: 13] وهؤلاء هم أولو العزم
من الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك
بقية الرسل, وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ
الرَّحْمَنِ آلِهَةً يَعْبُدُون
} [الزخرف: 45] وقال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُون} [الأنبياء: 25]
وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أَمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت}
[النحل: 36] وقال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ
وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ
نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
} [النساء: 16-165]
وفي الصحيح عن المغيرة رضي الله عنه قال: ((قال سعد بن عبادة رضي الله عنه:
لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح.
فبلغ ذلك النبي ..
صلى الله عليه وسلم فقال: تعجبون من غيرة سعد, والله لأنا أغير منه, والله أغير
مني, ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا أحد أحب إليه
العذر من الله, ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين. ولا أحد أحب إليه المدحة
من الله, ومن أجل ذلك وعد الله الجنة)) .وأما مقامات التفصيل فقال تعالى:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم
} [الأعراف: 59] إلى آخر الآيات, وقال تعالى:
{وَإِلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُون}
[الأعراف: 65] إلى آخر الآيات وقال تعالى: {إِلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قُوْمِ
اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه
} [الأعراف: 73] إلى آخر الآيات, وقال الله تعالى:
{وَإِلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه}
[الأعراف: 85] إلى آخر الآيات, وقال الله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ وَكَذَلِكَ
نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى
كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي
فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً
قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
} [الأنعام: 74-78].
وهذا في مقام مناظرته عليه الصلاة والسلام لعباد الكواكب على سبيل الاستدراج أو
التوبيخ ليبين لهم سخافتهم وجهلهم وضعف عقولهم في عبادتهم هذه الكواكب
المخلوقة لحكمة الله عز وجل المسخرة بقدرته وغفلتهم عن خالقها ومسخرها
والمتصرف فيها وتركهم عبادته أو إشراكهم معه فيها غيره عز وجل فلما أقام عليهم
الحجة:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif
{قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ
مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ
أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ
الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ
لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ
} [الأنعام: 78-82] أي {الَّذِينَ آمَنُواْ} يعني صدقوا ووحدوا
{وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم} أي شرك إذ هو الظلم الذي لا يغفره الله عز وجل,
وفي الصحيح: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
((لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}
قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أينا لم يظلم نفسه؟ فأنزل الله تعالى:
{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان: 13])) فالذين آمنوا الإيمان التام الذي لم تشبه
شوائب الشرك الأكبر المنافي لجميعه, ولا الشرك الأصغر المنافي لكماله,
ولا معاصي الله المحبطة ثمراته من الطاعات, فأولئك لهم الأمن التام من خزي
الدنيا وعذاب الآخرة, والاهتداء التام في الدنيا والآخرة. وبحسب ما ينقص من الإيمان
ينقص من الأمن والاهتداء, وباجتناب المعاصي يحصل تمامها. ثم قال تعالى:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}
[الأنعام: 83] وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ إِذْ قَالَ
لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ
قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ
قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ
وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ
يَرْجِعُونَ قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ
لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا
بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى
أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء
يَنطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا
تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
} [الأنبياء: 51-67] إلى آخر الآيات, وقال تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا
عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا
كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ
الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ
يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ
}
[الشعراء: 69-82] وقال تعالى:
{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ
أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي
سَقِيمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ فَرَاغَ
عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا
تَعْمَلُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ
} [الصافات: 83-97] إلى آخر الآيات.
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ
مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ
فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا
} [مريم: 41-45].
فبين لأبيه أن آلهته لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ولا تقدر على جلب خير ولا دفع
شر ولا تغني عنه شيئا. فتبين بذلك أن عبادة مثل هذا جهل وضلال. ثم بين له أن
عنده دواء ذلك الداء, والهدى من ذلك الضلال فقال تعالى:
{إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَِّبِعُنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيا} وبين أن فعله ذلك
عبادة للشيطان, موجب لعذاب الرحمن وولاية الشيطان, عياذا بالله من ذلك.

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif
وقال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ
لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
} [العنكبوت: 15-17]
إلى آخر الآيات. وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي
فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
} [الزخرف: 26-28]
وقال تعالى عن يوسف عليه السلام: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ
هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن
شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ يَا صَاحِبَيِ
السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء
سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ
إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
} [يوسف: 37-40] الآيات وغيرها. وكذلك قص الله تعالى
علينا عن جميع الرسل من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ
اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ
وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ
بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ
رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ
لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ
عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ
}
[إبراهيم: 9-12] الآيات. ولو ذهبنا نذكر قصص الرسل ومحاورتهم مع قومهم وعواقب
ذلك لطال الفصل. وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته في قومه وصبره
على أذاهم وما جرى له معهم فأجلى من الشمس في نحر الظهيرة, والقرآن كله
من فاتحته إلى خاتمته في شأن ذلك.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص501


http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:18 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

المبحث الثالث: توحيد الأسماء والصفات

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

معناه الاعتقاد الجازم بأن الله عز وجل له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو
متصف بجميع صفات الكمال، ومنزه عن جميع صفات النقص، متفرد بذلك عن جميع
الكائنات.
وأهل السنة والجماعة: يعرفون ربهم بصفاته الواردة في القرآن والسنة، ويصفون ربهم
بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يحرفون
الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ويثبتون لله ما أثبته لنفسه من غير
تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل، ولا تحريف، وقاعدتهم في كل ذلك قول الله تبارك وتعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11].
وقوله:
{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ
} [الأعراف: 180].
وأهل السنة والجماعة:
لا يحددون كيفية صفات الله جل وعلا لأنه تبارك وتعالى لم يخبر عن الكيفية، ولأنه لا أحد
أعلم من الله سبحانه بنفسه، قال تعالى:{قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ} [البقرة: 140]
وقال تعالى:{فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74]
ولا أحد أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال الله تبارك وتعالى
في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4]

الوجيز في عقيدة السلف الصالح لعبد الحميد الأثري - ص60

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

هو إفراد الله - عز وجل - بما له من الأسماء والصفات.

وهذا يتضمن شيئين:
الأول: الإثبات، وذلك بأن نثبت لله - عز وجل - جميع أسمائه وصفاته التي أثبتها لنفسه
في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
الثاني: نفى المماثلة، وذلك بأن لا نجعل لله مثيلاً في أسمائه وصفاته؛ كما قال تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] فدلت هذه الآية على أن جميع
صفاته لا يماثله فيها أحد من المخلوقين؛ فهي وإن اشتركت في أصل المعنى، لكن
تختلف في حقيقة الحال، فمن لم يثبت ما أثبته الله لنفسه؛ فهو معطل، وتعطيله هذا
يشبه تعطيل فرعون، ومن أثبتها مع التشبيه صار مشابهاً للمشركين الذين عبدوا مع الله
غيره، ومن أثبتها بدون مماثلة صار من الموحدين.
وهذا القسم من التوحيد هو الذي ضلت فيه بعض الأمة الإسلامية وانقسموا فيه إلى
فرق كثيرة؛ فمنهم من سلك مسلك التعطيل، فعطل، ونفى الصفات زاعماً أنه منزه لله
وقد ضل، لأن المنزه حقيقةً هو الذي ينفي عنه صفات النقص والعيب، وينزه كلامه من
أن يكون تعمية وتضليلاً، فإذا قال: بأن الله ليس له سمع، ولا بصر، ولا علم، ولا قدرة
لم ينزه الله، بل وصمه بأعيب العيوب، ووصم كلامه بالتعمية والتضليل، لأن الله يكرر ذلك
في كلامه ويثبته، سميع بصير، عزيز حكيم، غفور رحيم، فإذا أثبته في كلامه
وهو خال منه؛ كان في غاية التعمية والتضليل والقدح في كلام الله - عز وجل ـ،
ومنهم من سلك مسلك التمثيل زاعماً بأنه محقق لما وصف الله به نفسه، وقد ضلوا
لأنهم لم يقدروا الله حق قدره؛ إذا وصموه بالعيب والنقص، لأنهم جعلوا الكامل من كل
وجه كالناقص من كل وجه.

وإذا كان اقتران تفضيل الكامل على الناقص يحط من قدره، كما قيل:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

ألم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا


فكيف بتمثيل الكامل بالناقص؟! هذا أعظم ما يكون جنايةً في حق الله - عز وجل ـ،
وإن كان المعطوف أعظم جرماً، لكن الكل لم يقدر الله حق قدره.
فالواجب: أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله ..
صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم.
فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة
إلا أنه أخص من التكييف؛ فكل ممثل مكيف، ولا عكس، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه
الأمور الأربعة.
ونعني بالتحريف هنا: التأويل الذي سلكه المحرفون لنصوص الصفات؛ لأنهم سموا
أنفسهم أهل التأويل، لأجل تلطيف المسلك الذي سلكوه؛ لأن النفوس تنفرُ من كلمة
تحريف، لكن هذا من باب زخرفة القول وتزيينه للناس، حتى لا ينفروا منه.
وحقيقة تأويلهم: التحريف، وهو صرف اللفظ عن ظاهره؛ فنقول: هذا الصرف إن دل عليه
دليل صحيح؛ فليس تأويلاً بالمعنى الذي تريدون، لكنه تفسير.
وإن لم يدل عليه دليل؛ فهو تحريف، وتغيير للكلم عن مواضعه؛ فهؤلاء الذين ضلوا بهذه
الطريقة، فصاروا يثبتون الصفات لكن بتحريف؛ قد ضلوا، وصاروا في طريق معاكس لطريق
أهل السنة والجماعة.
وعليه لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنة والجماعة؛ لأن الإضافة تقتضي النسبة،
فأهل السنة منتسبون للسنة؛ لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين
بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف.
وأيضاً الجماعة في الأصل: الاجتماع، وهم غير مجتمعين في آرائهم؛ ففي كتبهم
التداخل، والتناقض، والاضطراب، حتى إن بعضهم يضلل بعضاً، ويتناقض هو بنفسه.
وقد نقل شارح "الطحاوية" عن الغزالي - وهو ممن بلغ ذروة علم الكلام - كلاماً إذا قرأه
الإنسان تبين له ما عليه أهل الكلام من الخطأ والزلل والخطل، وأنهم ليسوا على بينة
من أمرهم.
وقال الرازي وهو من رؤسائهم:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

نهاية إقدام العقول عقال
وأكثر سعي العالمين ضلال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وأرواحنا في وحشة من جسومنا

وغاية دنيانا أذى ووبال


ثم قال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلاً
ولا تروي غليلاً، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]؛
يعني: فأثبت، وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، 
{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]؛ يعني: فأنفي المماثلة، وأنفي الإحاطة به علماً
ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
فتجدهم حيارى مضطربين، ليسوا على يقين من أمرهم، وتجد من هداه الله الصراط
المستقيم مطمئناً منشرح الصدر، هادئ البال، يقرأ في كتاب الله وفي سنة رسوله ..
صلى الله عليه وسلم، ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات؛ فيثبت؛ إذ لا أحد
أعلم من الله بالله، ولا أصدق خبراً من خبر الله، ولا أصح بياناً من بيان الله؛
كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26]، {يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ}
[النساء: 176]، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]،
{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} [النساء: 122]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا}
[النساء: 87]. فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الله يبين للخلق غاية البيان الطريق
التي توصلهم إليه، وأعظم ما يحتاج الخلق إلى بيانه ما يتعلق بالله تعالى وبأسماء
الله وصفاته حتى يعبدوا الله على بصيرة؛ لأن عبادة من لم نعلم صفاته، أو من ليس
له صفة أمر لا يتحقق أبداً؛ فلابد أن تعلم من صفات المعبود ما تجعلك تلتجئ إليه
وتعبده حقاً.
ولا يتجاوز الإنسان حده إلى التكييف أو التمثيل؛ لأنه إذا كان عاجزاً عن تصور نفسه
التي بين جنبيه؛ فمن باب أولى أن يكون عاجزاً عن تصور حقائق ما وصف الله به نفسه
ولهذا يجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ "لِمَ" و"كيف" فيما يتعلق
بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية.وهذا الطريق إذا سلكه
الإنسان استراح كثيراً، وهذه حال السلف رحمهم الله، ولهذا لما جاء رجل إلى الإمام
مالك بن أنس رحمه الله قال: يا أبا عبدالله! الرحمن على العرش استوى،،
كيف استوى؟ فأطرق برأسه وقال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول
والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً" .
أما في عصرنا الحاضر؛ فنجد من يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث
الليل الآخر كل ليلة، فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا؛
لأن الليل يمشي على جميع الأرض؛ فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر
وهذا لم يقله الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن؛
لبيّنه الله إما ابتداءً أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو يقيض من يسأله
عنه فيجاب، كما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كان الله قبل أن
يخلق السماوات والأرض؟ فأجابهم.
فهذا السؤال العظيم يدل على أن كل ما يحتاج إليه الناس فإن الله يبينه بأحد الطرق
الثلاثة.
والجواب عن الإشكال في حديث النزول: أن يقال: ما دام ثلث الليل الأخير في هذه
الجهة باقياً، فالنزول فيها محقق، وفي غيرها لا يكون نزول قبل ثلث الليل الأخير
أو النصف، والله - عز وجل - ليس كمثله شيء، والحديث يدل على أن وقت النزول
ينتهي بطلوع الفجر.
وعلينا أن نستسلم، وأن نقول: سمعنا، وأطعنا، واتبعنا، وآمنا؛ فهذه وظيفتنا لا نتجاوز
القرآن والحديث

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/18

وسيأتي الكلام عن كل قسم على حدة في موضعه من الموسوعة إن شاء الله تعالى.


http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:19 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

المبحث الرابع: مشروعية هذا التقسيم

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا التقسيم ومشروعيته فأجاب بما يلي:
الحمد لله، فهذا التقسيم مأخوذ من الاستقراء والتأمل لأن العلماء لما استقرؤوا ما جاءت
به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ظهر لهم هذا، وزاد بعضهم
نوعا رابعا هو توحيد المتابعة، وهذا كله بالاستقراء
فلا شك أن من تدبر القرآن الكريم وجد فيه آيات تأمر بإخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو
توحيد الألوهية، ووجد آيات تدل على أن الله هو الخلاق وأنه الرزاق وأنه مدبر الأمور، وهذا
هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام، كما يجد آيات أخرى
تدل على أن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه لا شبيه له ولا كفو له، وهذا هو
توحيد الأسماء والصفات الذي أنكره المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والمشبهة، ومن سلك سبيلهم.
ويجد آيات تدل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ورفض ما خالف شرعه،
وهذا هو توحيد المتابعة، فهذا التقسيم قد علم بالاستقراء وتتبع الآيات ودراسة السنة
ومن ذلك:
قول الله سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4]
وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
[البقرة: 21]
وقوله جل وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]
وقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن
يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
} [الذاريات: 56-57]
وقوله سبحانه:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ
الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
} [الأعراف:54]
وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11]
وقال عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
[الإخلاص]
وقال جل شأنه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ
} [آل عمران: 31].
وقال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا
حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ
} [النور: 54] والآيات الدالة
على ما ذكر من التقسيم كثيرة.ومن الأحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم في
حديث معاذ رضي الله عنه المتفق على صحته:
((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا )) وقوله عليه الصلاة والسلام:
((من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار)) .وقوله لجبريل عليه السلام لما سأله
عن الإسلام قال: ((أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة...))
الحديث .وقوله صلى الله عليه وسلم: ((
من أطاعني فقد أطاع الله ومن
عصاني فقد عصا الله
)) .وقوله عليه الصلاة والسلام: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من
أبى قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى
))
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الإله هو المعبود المطاع فإن الإله هو المألوه
والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات
التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب المخضوع له غاية الخضوع.
وقال: فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له وتذل له وتخافه
وترجوه وتنيب إليه في شدائدها وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها وتلجأ
إليه وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده، ولهذا كانت لا إله إلا الله
أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته
فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في
علومه وأعماله.
نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا من حكام ومحكومين للفقه في دينه والثبات
عليه والنصح لله ولعباده، والحذر مما يخالف ذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لعبد العزيز بن عبد الله بن باز - 6/215


http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:20 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

الفصل الأول: انضباط مصادر أدلة الاعتقاد والاعتماد على ما صح منها

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

العقيدة توقيفية؛ فلا تثبت إلا بدليل من الشارع، ولا مسرح فيها للرأي والاجتهاد، ومن
ثَمَّ فإن مصادرها مقصورة على ما جاء في الكتاب والسنة؛ لأنه لا أحد أعلمُ بالله وما
يجب له وما ينزه عنه من الله، ولا أحد بعد الله أعلمُ بالله من رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم ولهذا كان منهج السلف الصالح ومن تبعهم في تلقِّي العقيدة
مقصورًا على الكتاب والسنة. فما دلّ عليه الكتاب والسنة في حق الله تعالى آمنوا به
واعتقدوه وعملوا به. وما لم يدل عليه كتاب الله ولا سنة رسوله نفَوْهُ عن الله تعالى
ورفضوه؛ ولهذا لم يحصل بينهم اختلاف في الاعتقاد، بل كانت عقيدتهم واحدة، وكانت
جماعتهم واحدة؛ لأن الله تكفّل لمن تمسك بكتابه وسنة رسوله باجتماع الكلمة
والصواب في المعتقد واتحاد المنهج، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}
[آل عمران: 103]. وقال تعالى:
{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123].
ولذلك سُمُّوا بالفرقة الناجية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لهم بالنجاة حين
أخبر بافتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، ولما سئل عن هذه
الواحدة قال: ((هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) .
وقد وقع مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فعندما بنى بعض الناس عقيدتهم
على غير الكتاب والسنة، من علم الكلام، وقواعد المنطق الموروثَيْن عن فلاسفة
اليونان؛ حصل الانحرافُ والتفرق في الاعتقاد مما نتج عنه اختلافُ الكلمة، وتفرُّقُ
الجماعة، وتصدع بناء المجتمع الإسلامي

عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر والتعطيل والبدع وغير ذلك
لصالح بن فوزان الفوزان


http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

معنا أصلان عظيمان، أحدهما: أن لا نعبد إلا الله. والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع
لا نعبده بعبادة مبتدعة.
وهذان الأصلان هما تحقيق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله كما
قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك: 2].
قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال:
إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل
حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وذلك
تحقيق قوله تعالى:
{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}
[الكهف: 110].وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي
كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً. وقال تعالى:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) .وفي لفظ في الصحيح:
((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) .وفي الصحيح وغيره أيضاً يقول الله تعالى:
((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل لي عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء
وهو للذي أشرك
)) .
ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقيف، كما في الصحيحين
((عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الأسود، وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر
ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك
)).
والله سبحانه أمرنا باتباع الرسول وطاعته، وموالاته ومحبته، وأن يكون الله ورسوله
أحب إلينا مما سواهما، وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته. فقال تعالى:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]
وقال تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]، وقال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
} [النساء: 13].
وأمثال ذلك في القرآن كثير.
ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة، ودل عليه
الكتاب والسنة، وكان عليه سلف الأمة، وما علمه قال به، وما لم يعلمه أمسك عليه
ولا يقفو ما ليس له به علم، ولا يقول على الله ما لم يعلم؛ فإن الله تعالى قد
حرم ذلك كله

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - ص269

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

الاقتصار على نصوص الوحيين في الاستدلال، إن من منة الله على أهل الإسلام، أن وحد
لهم مصدرهم في التلقي، فلا تذبذب ولا اضطراب في تلقي التصورات والأفكار والعقائد
من هنا وهناك بل مصدر تلقي العقائد كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وأن من تطلب الهداية بعيدا عن هذين الأصلين فهو الواقع في شَرَك الضلال والعياذ بالله
يقول ابن أبي العز: (فكل من طلب أن يحكم في شيءٍ من أمر الدين غير ما جاء به
الرسول صلى الله عليه وسلم، ويظن أن ذلك حسن، وأن ذلك جمع بين ما جاء به الرسول
صلى الله عليه وسلم وبين ما يخالفه فله نصيب من ذلك، بل ما جاء به الرسول ...
صلى الله عليه وسلم كاف كامل، يدخل فيه كل حق، وإنما وقع التقصير من كثير من
المنتسبين إليه
)

منارات وعلامات في تنزيل أحاديث الفتن على الوقائع والحوادث لعبد الله بن صالح
العجيري- ص33


http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

يقول الإمام ابن قدامة المقدسي: أما الأحاديث الموضوعة التي وضعتها الزنادقة
ليلبسوا بها على أهل الإسلام، أو الأحاديث الضعيفة - إما لضعف رواتها، أو جهالتهم
أو لعلة فيها، فلا يجوز أن يقال بها، ولا اعتقاد ما فيها، بل وجودها كعدمها، ويقول
شيخ الإسلام: (الاستدلال بما لا تُعلم صحته لا يجوز بالاتفاق، فإنه قول بلا علم
وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع
)،... قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها:
((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين
)) ، بوب عليه الخطيب
البغدادي في كتابه (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) 2/134:
(تحريم رواية الأخبار الكاذبة ووجوب إسقاط الأحاديث الباطلة)، قال الإمام النووي:
(وَأَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَظَاهِرٌ فَفِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ
مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا، وَكَيْف لَا يَكُون كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ)، قال حبيب بن أبي
ثابت: (من روى الكذب فهو الكذاب)!، وليحذر الكاذب أن يكون من أهل حديث:
((إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))
وفي حديث آخر: ((إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقا أو صدقا ومن
تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار
)) ، قال البغوي:
(اعلم أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أعظم أنواع الكذب، بعد كذب الكافر
على الله
).
... عن عبدالله بن الخليل بن إبراهيم العمي قال: سمعت عبدالله بن المبارك يقول لنا:
في صحيح الحديث شغل عن سقيمه، وما أكثر السقيم من الأباطيل والموضوعات
والمنكرات في هذا الباب، عن عبدالملك الميموني قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير، والمعنى كثرة الكذب والروايات
الموضوعة المردودة في هذه الأبواب، وقلة الصحيح فيها مقارنة بالضعيف والموضوع،...،
يقول الخطيب معلقا على كلام الإمام أحمد: (وهذا الكلام محمول على وجه، وهو أن
المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة، غير معتمد عليها ولا موثوق بصحتها
لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادة القصاص فيها، فأما كتب الملاحم
فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث
يسيرة، اتصلت أسانيدها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوه مرضية وطرق
واضحة جلية
...).
قال أبو زكريا يحيى بن معين: كان أبو اليمان يقول لنا: الحقوا ألواحا، فإنه يجيء ها هنا
الآن خليفة بسلمية، فيتزوج ابنة هذا القرشي الذي عندنا، ويفتح باب ها هنا، وتكون
فتنة عظيمة!!
قال أبو زكريا: فما كان من هذا شيء، وكان كله باطلا، قال أبو زكريا: وهذه الأحاديث
التي تحدثون بها في الفتن وفي الخلفاء: يكون... كلها كذب وريح، لا يعلم هذا أحد
إلا بوحي من السماء.
والمرجع في بيان صحيح الحديث من ضعيفه إنما هو إلى أهل العلم بالحديث فهم
المؤهلون وحدهم لبيان صحيح الخبر من سقيمه وقويه من ضعيفه، قال الخطيب
البغدادي في معرض ذكر جملة من فضائل أهل الحديث:
(يقبل منهم ما رووا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم المأمون عليه والعدول
حفظة الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته، إذا اختلف في حديث، كان إليهم الرجوع
فما حكموا به فهو المقبول المسموع
).
ويقول شيخ الإسلام: (المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في
التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين
نحو العرب ونحو غير العرب، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة
وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك، فلكل علم رجال يعرفون به، والعلماء بالحديث
أجل هؤلاء قدرا، وأعظمهم صدقا، وأعلاهم منزلة، وأكثرهم دينا، وهم من أعظم الناس
صدقا وأمانة وعلما وخبرة فيما يذكرونه من الجرح والتعديل، مثل: مالك وشعبة وسفيان
...)

منارات وعلامات في تنزيل أحاديث الفتن على الوقائع والحوادث لعبد الله بن صالح
العجيري - ص67


وسنفصل القول عن بعض هذه القواعد في قواعد أدلة الأسماء والصفات
.

http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:20 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

الفصل الثاني: حجية فهم الصحابة والسلف الصالح

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d91b825fa4.gif

إذا اختلف أهل القبلة وتنازعوا الحق والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، فإن أجدر الفرق
بالصواب وأولاها بالحق وأقربها إلى التوفيق من كان في جانب أصحاب محمد ..
صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الكتاب الكريم حمال أوجه في الفهم مختلفة؛
فإن بيان أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم له حجة وأمارة على الفهم الصحيح.
أبر الأمة قلوباً، وأعمقها علما، وأقلها تكلفاً، وأصحها فطرة، وأحسنها سريرة، وأصرحها
برهاناً، حضروا التنزيل وعلموا أسبابه، وفهموا مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم
وأدركوا مراده، اختارهم الله تعالى على علم على العالمين سوى الأنبياء والمرسلين
"فكان من له لسان صدق من مشهور بعلم أو دين، معترف بأن خير هذه الأمة هم
الصحابة رضي الله عنهم ."فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، فرضي
عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم، أو الشك فيهم البتة
" .
قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى:
{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
[سبأ: 6] " أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" .وقال سفيان رحمه الله في قوله تعالى:
{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النحل:59]"
هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" .وفي منزلة علمهم واجتهادهم وفتاواهم
قال الشافعي رحمه الله:... فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً
وعزما وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد
وورع وعقل، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى
أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه
سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن
أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله .
وأفضل علم السلف ما كانوا مقتدين فيه بالصحابة.يقول ابن تيمية رحمه الله:
ولا تجد إماماً في العلم والدين، كمالك، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة، والشافعي
وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومثل: الفضيل وأبي سليمان، ومعروف الكرخي
وأمثالهم، إلا وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة
وأفضل عملهم ما كانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة، وهم يرون الصحابة فوقهم في
جميع أبواب الفضائل والمناقب .ثم إن التابعين وتابعيهم قد حصل لهم من العلم بمراد
الله ورسوله ما هو أقرب إلى منزلة الصحابة ممن هم دونهم؛ وذلك لملازمتهم لهم
واشتغالهم بالقرآن حفظا وتفسيراً، وبالحديث رواية ودراية، ورحلاتهم في طلب الصحابة
وطلب حديثهم وعلومهم مشهورة معروفة، "ومن المعلوم أن كل من كان بكلام المتبوع
وأحواله وبواطن أموره وظواهرها أعلم، وهو بذلك أقوم كان أحق بالاختصاص به، ولا ريب
أن أهل الحديث أعلم الأمة وأخصها بعلم الرسول صلى الله عليه وسلم" .
والمسلمون في شأن العقيدة يحتاجون إلى" معرفة ما أراد الله ورسوله ..
صلى الله عليه وسلم بألفاظ الكتاب والسنة، وأن يعرفوا لغة القرآن التي بها نزل
وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين في معاني تلك
الألفاظ، فإن الرسول لما خاطبهم بالكتاب والسنة، عرفهم ما أراد بتلك الألفاظ
وكانت معرفة الصحابة لمعاني القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، وقد بلغوا تلك المعاني
إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه، فإن المعاني العامة التي يحتاج إليها عموم
المسلمين، مثل معنى التوحيد، ومعنى الواحد والأحد والإيمان والإسلام، ونحو ذلك..
فلابد أن يكون الصحابة يعرفون ذلك، فإن معرفته أصل الدين
" .
فمذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، لا كما يدعيه المخالفون، باختلاف نحلهم
ومذاهبهم، فتارة يقول أهل السياسة والملك: إنهم لم يمهدوا قواعد الحكم والسياسة
والتدبير لانشغالهم بالعلم والعبادة، وتارة يدعي أهل التصوف أنهم ما حققوا المقامات
والأحوال لانشغالهم بالجهاد والقتال وهكذا...والحق أن "كل هؤلاء محجوبون عن معرفة
مقادير السلف، وعمق علومهم، وقلة تكلفهم، وكمال بصائرهم، وتالله ما امتاز عنهم
المتأخرون إلا بالتكلف والاشتغال بالأطراف التي كانت همة القوم مراعاة أصولها
وضبط قواعدها، وشد معاقدها، وهممهم مشمرة إلى المطالب العالية في كل شيء
فالمتأخرون في شأن، والقوم في شأن آخر، وقد جعل الله لكل شيء قدراً .
وقال ابن رجب رحمه الله: فمن عرف قدر السلف، عرف أن سكوتهم عما سكتوا عنه
من ضروب الكلام، وكثرة الجدل والخصام، والزيادة في البيان على مقدار الحاجة؛
لم يكن عيا، ولا جهلا، ولا قصورا، وإنما كان ورعاً وخشية لله، واشتغالاً عما لا ينفع بما
ينفع .وفي تحديد مفهوم السلف، قال سبحانه:
{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
}
[التوبة: 100]، فالسلف اسم يجمع الصحابة فمن بعدهم ممن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين، وفي الصحيح: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..)) .
وهذه الخيرية خيرية علم وإيمان وعمل، ولقد حكى ابن تيمية رحمه الله الإجماع على
خيرية القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.. وأنهم أفضل من الخلف في
كل فضيلة .
ولقد اعتصم أهل السنة والجماعة بحجية فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين
فعصمهم هذا من التفرق والضلال، فقالوا بما قال به السلف، وسكتوا عما سكتوا
عنه، ووسعهم ما وسع السلف.أما أهل الضلال والابتداع، فمذهبهم الطعن في الصحابة
وتنكب طريق السلف، قال الإمام أحمد رحمه الله: "إذا رأيت الرجل يذكر أحداً من الصحابة
بسوء، فاتهمه على الإسلام"
.فالصحابة يكفرهم الرافضة تارة، والخوارج أخرى،
والمعتزلة يقول قائلهم وهو عمرو بن عبيد – عليه من الله ما يستحق -: لو شهد
عندي علي وطلحة والزبير وعثمان، على شراك نعل ما أجزت شهادتهم! .وصدق أبو حاتم
الرازي رحمه الله حين قال: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر .ورضي الله عن أبي
زرعة الرازي حيث قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله..
صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم
عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله..
صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة
والجرح بهم أولى، وهم زنادقة

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص266


http://www.ar4up.com/uploads/images/...66553ef8e4.gif

http://www.ar4up.com/uploads/images/...7d60eeba49.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:21 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الثالث: الإيمان والتسليم والتعظيم لنصوص الوحيين
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
روى مسلم في صحيحه، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم
بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
} [البقرة: 284]
اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم، ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله:
كلفنا ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد نزلت عليك هذه الآية
ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتريدون أن تقولوا كما قال
أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا
وإليك المصير، فلما اقترأها القوم، وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في إثرها
:
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
}
[البقرة: 285]، فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل الله: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ
وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
}
[البقرة: 286]. قال: نعم {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}
قال: نعم {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم
{وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال:
نعم فحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم: أن يتلقوا أمر الله بما تلقاه أهل
الكتابين، وأمرهم بالسمع والطاعة، فشكر الله لهم ذلك، حتى رفع الله عنهم
الآصار والأغلال التي كانت على من كان قبلنا
)) .
وقال الله في صفته صلى الله عليه وسلم:
{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].
فأخبر الله سبحانه: أن رسوله عليه الصلاة والسلام يضع الآصار والأغلال
التي كانت على أهل الكتاب.
ولما دعا المؤمنون بذلك أخبر الرسول أنه قد استجاب دعاءهم.
وهذا، وإن كان رفعا للإيجاب والتحريم، فإن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره
أن تؤتى معصيته قد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم

اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد
بن عبد الحليم بن تيمية - 1/159
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
وقال محمد بن نصر المروزي في معنى الإيمان: الإيمان بالله: أن توحده، وتصدق
به بالقلب واللسان، وتخضع له ولأمره، بإعطاء العزم للأداء لما أمره، مجانباً
للاستنكاف، والاستكبار، والمعاندة، فإذا فعلت ذلك لزمت محابه، واجتنبت
مساخطه.. إلى أن قال: وإيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم إقرارك به
وتصديقك إياه، واتباعك ما جاء به، فإذا اتبعت ما جاء به، أديت الفرائض
وأحللت الحلال، وحرمـت الحرام، ووقفت عند الشبهات، وسارعت في الخيرات

تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي - 1/392
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
" قال رجل للزهري: يا أبا بكـر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ليس منا من لطم الخدود)) ، ((وليس منا من لم يوقر كبيرنا)) وما أشبه
هذا الحديث؟ فأطرق الزهري ساعة، ثم رفع رأسه فقال: من الله عز وجل
العلم، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم". " ولما ذكر عبدالله بن المبارك
رحمه الله حديث: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...)) ، فقال فيه قائل:
ما هذا! على معنى الإنكار، فغضب ابن المبارك وقال: يمنعنا هؤلاء الأنان
أن نحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكلما جهلنا معنى
حديث تركناه! لا بل نرويه كما سمعنا، ونلزم الجهل أنفسنا ومما يحسن
إيراده في هذا الموضع ما قاله ابن تيمية: ينبغي للمسلم أن يقدر قدر كلام
الله ورسوله.. فجميع ما قاله الله ورسوله يجب الإيمان به، فليس لنا أن
نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، وليس الاعتناء بمراده في أحد النصين
دون الآخر بأولى من العكس، فإذا كان النص الذي وافقه يعتقد أنه اتبع فيه
مراد الرسول، فكذلك النص الآخر الذي تأوله، فيكون أصل مقصوده معرفة
ما أراده الرسول بكلامه.

نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف - ص493
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
وحقيقته تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، والالتزام بالشريعة باطناً
وظاهراً، تصديقاً والتزاماً إجماليين، ينشأ عنهما التصديق بكل ما يخبر به
الرسول صلى الله عليه وسلم والالتزام بكل ما يرد في الشريعة من طلب
الفعل أو الترك.
ويتحقق الالتزام الباطن بقبول الشريعة، والرضى بها، والتسليم بأحكامها
مع تحقيق الالتزام بالعمل الظاهر، الذي هو أيضاً شرط في أصل الدين من
حيث الجملة

ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني - ص60
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
ومن أصول عقيدة السلف الصالح؛ أهل السنة والجماعة في منهج التلقي
والاستدلال اتباع ما جاء في كتاب الله عز وجل وما صح من سنة نبيه
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظاهراً وباطناً، والتسليم لها،
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا
}
[الأحزاب: 36]
وأهل السنة والجماعة: لا يقدمون على كلام الله، وكلام رسوله ...
صلى الله عليه وسلم كلام أحد من الناس، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ
} [الحجرات: 1]. ويعلمون بأن التقدم بين يدي الله ورسوله من القول
على الله بغير علم، وهو من تزيين الشيطان

الوجيز في عقيدة السلف الصالح لعبد الحميد الأثري - ص157

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:22 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الرابع: جمع النصوص في الباب الواحد، وإعمالها بعد تصحيحها
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
إن معقد السلامة من الانحراف عند بيان قضية عقدية وتفصيل أحكامها هو جمع
ما ورد بشأنها من نصوص الكتاب والسنة على درجة الاستقصاء، مع تحرير
دلالات كل، وتصحيح النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، واعتماد فهم
الصحابة والثقات من علماء السلف الصالح رضي الله عنهم، فإن بدا ما ظاهره
التعارض بين نصوص الوحيين عند المجتهد - لا في الواقع ونفس الأمر، فينبغي
الجمع بين هذه الأدلة برد ما غمض منها واشتبه إلى ما ظهر منها واتضح
وتقييد مطلقها بمقيدها، وتخصيص عامها بخاصها، فإن كان التعارض في الواقع
ونفس الأمر فبنسخ منسوخها بناسخها - وذلك في الأحكام دون الأخبار فلا
يدخلها نسخ - وإن لم يكن إلى علم ذلك من سبيل، فيرده إلى عالمه تبارك
وتعالى.
قال سبحانه: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ
وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ
مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ
} [آل عمران: 7].و في الحديث قوله عليه
الصلاة والسلام: ((نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن
من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زاجرا وآمرا، وحلالا وحراما، ومحكما
ومتشابها، وأمثالا، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا
عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا
آمنا به كل من عند ربنا
)) .قال ابن عباس رضي الله عنهما:
يؤمن بالمحكم ويدين به، ويؤمن بالمتشابه ولا يدين به، وهو من عند الله كله .
وقال الربيع بن خثيم رحمه الله: يا عبد الله، ما علمك الله في كتابه من علم
فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم فكله إلى عالمه، لا تتكلف فإن الله
يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] .وإذا اتضح هذا؛
فإنه لا يجوز أن يؤخذ نص وأن يطرح نظيره في نفس الباب، أو أن تعمل مجموعة
من النصوص وتهمل الأخرى؛ لأن هذا مظنة الضلال في الفهم، والغلط في التأويل
قال الإمام أحمد رحمه الله: الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث
يفسر بعضه بعضا .وقال الشاطبي رحمه الله: ومدار الغلط في هذا الفصل إنما
هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض
فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين، إنما هو على أن تؤخذ الشريعة
كالصورة الواحدة، بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها.. .
ومما يلتحق بهذا المعنى جمع روايات الحديث الواحد والنظر في أسانيده
وألفاظه معاً وقبول ما ثبت، وطرح ما لم يثبت، وكما قيل: والحديث إذا لم
تجمع طرقه لم تتبين علله، ثم النظر في الحديث بطوله وفي الروايات مجتمعة.
وقد كانت لأهل البدع مواقف خالفوا بها إجماع أهل السنة بسبب مخالفتهم
لهذا الأصل العظيم، فكانوا يجترئون من النصوص بطرف، مع إغضاء الطرف عن
بقية الأطراف، فصارت كل فرقةٍ منهم من الدين بطرف، وبقي أهل السنة في كل
قضية عقدية وسطاً بين طرفين، فهم - مثلاً - وسط في باب الوعيد بين غلاة
المرجئة القائلين بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، وبين الوعيدية من الخوارج
والمعتزلة القائلين بتخليد عصاة الموحدين في النار، كما أنهم وسط في باب
أسماء الإيمان والدين بين المرجئة القائلين بأن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان
وبين الوعيدية القائلين بتكفيره - كما هو عند الخوارج - أو يجعله بمنزلة بين
المنزلتين - كما هو عند المعتزلة -، وهم وسط في باب القدر بين القدرية
النفاة لمشيئته تعالى وخلقه أفعال العباد، وبين الجبرية النفاة لقدرة العبد
واختياره ومشيئته ونسبة فعله إليه حقيقة، والقاعدة الهادية عند اشتباه
الأدلة: "أن من رد ما اشتبه إلى الواضح منها، وحكم محكمها على متشابهها
عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس
" .واتفق لأهل السنة والجماعة
"موافقة طريقة السلف من الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث والفقه في الدين
كالإمام أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، وإسحاق، وغيرهم
وهي رد المتشابه إلى المحكم، وأنهم يأخذون من المحكم ما يفسر لهم
المتشابه ويبينه لهم، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم، وتوافق النصوص بعضها
بعضاً، ويصدق بعضها بعضاً، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فلا
اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره
" .
قال تعالى:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}
[النساء: 82]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا
مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
} [فصلت: 41-42].وقد حكى الباقلاني
الإجماع على منع التعارض بين الأدلة الشرعية في نفس الأمر مطلقاً، كما
روى الخطيب البغدادي عنه ذلك فقال: يقول الباقلاني: وكل خبرين علم أن
النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على
وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين؛ لأن معنى التعارض بين الخبرين والقرآن
من أمر ونهي وغير ذلك، أن يكون موجب أحدهما منافياً لموجب الآخر، وذلك
يبطل التكليف إن كان أمراً ونهياً، وإباحة وحظرا، أو يوجب كون أحدهما صدقاً
والآخر كذباً إن كانا خبرين، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك أجمع
ومعصوم منه باتفاق الأمة، وكل مثبت للنبوة .ولما خالف أهل البدع هذه
القاعدة كفر بعضهم بعضا، حيث آمن بعضهم بنصوص وكفروا بأخرى
فقد آمن - مثلاً- الوعيدية: من الخوارج والمعتزلة بنصوص الوعيد ، وكفروا
بنصوص الوعد، وقابلهم المرجئة فآمنوا بنصوص الوعد وكفروا بنصوص الوعيد
وأهل السنة والجماعة آمنوا بكل وجمعوا بين النصوص واعتمدوا على
قول الله تعالى:
{عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156].
وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}
[النساء: 48].
وكذا الجبرية آمنوا بما كفر به القدرية، وكفروا بما آمن به القدرية، والحق
الإيمان بجميع النصوص، واعتقاد نفي التعارض بينها، قال تعالى:
{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
[التكوير: 28-29]، فأثبت مشيئة للإنسان مقيدة بمشيئة الرحمن.
فالتفّت – بحمد الله – النصوص واجتمعت، وزالت الشبه وارتفعت الحجب
وانقلعت."وقد استعمل هذه القاعدة كثير من أئمة العلم والدين في كسر
المبتدعة وتفنيد شبهاتهم، كصنيع الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب
الرسالة، وفي كتاب مختلف الحديث، وكذلك الإمام أحمد رحمه الله في الرد
على الجهمية، والإمام ابن قتيبة رحمه الله في كتاب مختلف الحديث
والطحاوي رحمه الله في مشكل الآثار، وغير هؤلاء كثير من أئمة السنة" .

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري – ص259

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:23 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الخامس: اشتمال الوحي على مسائل التوحيد بأدلتها
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
إن المصدر الذي تؤخذ منه مسائل أصول الدين هو الوحي، فكل ما يلزم الناس
اعتقاده أو العمل به، قد بينه الله تعالى بالوحي الصادق عن طريق كتابه العزيز
أو بالواسطة من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو ما يرجع إليهما من
إجماع صحيح، أو عقل صريح دل عليه النقل وأرشد إليه.
قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].
وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
وفي الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ((.. وأيم الله، لقد تركتكم على البيضاء
ليلها ونهارها سواء، قال أبو الدرداء: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
تركنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء
)) ، وفي رواية أخرى:
((لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) .وفي صحيح مسلم لما قيل لسلمان الفارسي
رضي الله عنه: ((قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة!
فقال: أجل
..)) .ودخول مسائل التوحيد وقضاياه في هذا العموم من باب الأولى؛
بل "من المحال أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه بقلوبهم في
ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف
المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب
" .
والرسول صلى الله عليه وسلم بين مسائل التوحيد تارة بأدلتها النقلية مباشرة
كأحوال البرزخ، ومسائل الآخرة، وتارة يجمع إلى الأدلة النقلية الأدلة العقلية
ويرشد إليها، فإما أن تكون أدلة مسائل علم التوحيد أدلة نقلية، أو أدلة نقلية
عقلية.وبهذا الأصل المبارك اعتصم أهل السنة والجماعة، فصدروا عن الوحي
في تعلم التوحيد في مسائله وأدلته، "ولم ينصبوا مقالة ويجعلوها من أصول
دينهم وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسل؛ بل يجعلون ما بعث
به الرسول من الكتاب والحكمة، هو الأصل يعتقدونه ويعتمدونه
" .
وردوا عند التنازع في مسألة ما إلى نصوص الوحي، امتثالاً لقوله تعالى:
{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
} [النساء:59]، ومعنى الرد إلى الله سبحانه:
الرد إلى كتابه، ومعنى الرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم:
الرد إلى سنته بعد وفاته، وهذا مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين .
وفي إعمال هذه القاعدة نظر إلى الوحي بعين الكمال، واستغناء به عن
غيره، واعتماد عليه، وتجنب اللوازم الباطلة لمذهب من يعول على العقل
أو الذوق دون الشرع، وتحقيق للإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم
ونجاة من مسالك أهل الأهواء الذين يتقدمون بين يدي الله ورسوله بعلومهم
وعقولهم وأذواقهم، وحسم لمادة التقليد الباطلة، مع تحقيق الاجتماع والألفة
ونبذ الاختلاف والفرقة.

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص264

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:24 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل السادس: الإيمان بالنصوص على ظاهرها وردُ التأويل
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لاسيما
نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
ودليل ذلك: السمع، والعقل.
أما السمع: فقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ
} [الشعراء: 192-195] وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]. وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
} [الزخرف: 3].
وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع
منه دليل شرعي.
وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس
عن الإيمان. فقال: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ
كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
} [البقرة: 75].
وقال تعالى:{مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}
الآية [النساء: 46].
وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا
باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة.

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص42
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
الأصل حمل النص على ظاهره: من قواعد أهل السنة المقررة أن الأصل أن
يحمل النص على ظاهره، وأن الظاهر مراد، وأن الظاهر ما يتبادر إلى الذهن
من المعاني، وأنه لا يخرج عن هذا الظاهر إلا بدليل، فإن عدم الدليل كان
الحمل على الظاهر هو المتعين، والحمل على خلافه تحريف، فالنصوص
الشرعية نصوص هداية ورحمة لا نصوص إضلال، فلو قدر أن المتكلم أراد من
المخاطب حمل كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته من غير قرينة ولا دليل
ولا بيان لصادم هذا الفعل مقصود الإرشاد والهداية وأن ترك المخاطب
والحالة هذه بدون ذلك الخطاب خير له وأقرب إلى الهدى...ومن أسباب إخراج
النصوص عن ظواهرها عند البعض دعوى معارضتها للمعقول كالشأن
في كثير من العقائد الإسلامية، إذ أن من طالع كتب المؤولة وجد عندهم
توسعا عجيبا في هذا الباب، وكلما خاضوا بالتأويل في باب جرهم ذلك إلى
استسهال التأويل في باب آخر وهكذا حتى آل الأمر بالباطنية مثلا إلى تأويل
جملة الشريعة حتى ما يتعلق منها بالأحكام الشرعية كالصلاة والزكاة
والصيام والحج، وجعل ذلك كله من قبيل الباطن المخالف للظاهر،...
والذي يعنينا هنا أن نؤكد على أن هذه النصوص الشرعية يجب حملها على
ظواهرها ولا يصح تأويلها لمجرد تنزيلها على واقع حالي أو لتوهم معارضتها
للمعقول، وأن تأويلها والحالة هذه مخرج لها عن قصد الشارع وبالتالي فتنزيلها
بعد التأويل تنزيل لها على واقع غير مراد ولا مقصود للشارع.

منارات وعلامات في تنزيل أحاديث الفتن على الوقائع والحوادث لعبد الله بن
صالح العجيري - ص89
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
يقصد بظاهر النصوص مدلولها المفهوم بمقتضى الخطاب العربي، لا ما يقابل
النص عند متأخري الأصوليين، والظاهر عندهم ما احتمل معنى راجحاً وآخر
مرجوحاً، والنص هو ما لا يحتمل إلا معنى واحدا، "فلفظة الظاهر قد صارت
مشتركة، فإن الظاهر في الفطر السليمة، واللسان العربي، والدين القيم
ولسان السلف، غير الظاهر في عرف كثير من المتأخرين
" ، فالواجب في
نصوص الوحي إجراؤها على ظاهرها المتبادر من كلام المتكلم، واعتقاد أن
هذا المعنى هو مراد المتكلم، ونفيه يكون تكذيباً للمتكلم، أو اتهاما له بالعي
وعدم القدرة على البيان عما في نفسه، أو اتهاما له بالغبن والتدليس وعدم
النصح للمكلف، وكل ذلك ممتنع في حق الله تعالى وحق رسوله الأمين
صلى الله عليه وسلم.ومراد المتكلم يعلم إما باستعماله اللفظ الذي يدل
بوضعه على المعنى المراد مع تخلية السياق عن أية قرينة تصرفه عن دلالته
الظاهرة، أو بأن يصرح بإرادة المعنى المطلوب بيانه، أو أن يحتف بكلامه من
القرائن التي تدل على مراده، وعلى هذا فصرف الكلام عن ظاهره المتبادر -
من غير دليل يوجبه أو يبين مراد المتكلم - تحكم غير مقبول سببه الجهل
أو الهوى، وهذا وإن سماه المتأخرون تأويلاً إلا أنه أقرب إلى التحريف منه إلى
التأويل ، ولا يسلم لهذا المتأول تأويله حتى يجيب على أمور أربعة:
أحدهما: أن يبين احتمال اللفظ لذلك المعنى الذي أورده من جهة اللغة.
الثاني: أن يبين وجه تعيينه لهذا المعنى أنه المراد.الثالث: أن يقيم الدليل
الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره؛ لأن الأصل عدمه، قال ابن الوزير رحمه الله:
من النقص في الدين رد النصوص والظواهر، ورد حقائقها إلى المجاز من غير
طريق قاطعة تدل على ثبوت الموجب للتأويل..
الرابع: أن يبين سلامة الدليل
الصارف عن المعارض، إذ دليل إرادة الحقيقة والظاهر قائم، وهو إما قطعي
وإما ظاهر، فإن كان قطعيا لم يلتفت إلى نقيضه، وإن كان ظاهراً فلابد من
الترجيح .ومما يدل على إعمال الظواهر أنه لا يتم بلاغ ولا يكمل إنذار، ولا
تقوم الحجة ولا تنقطع المعذرة بكلام لا تفيد ألفاظه اليقين، ولا تدل على مراد
المتكلم بها؛ بل على خلاف ذلك، فينتفي عن القرآن – والعياذ بالله –
معنى الهداية، وشفاء الصدور، والرحمة، التي وصف الله تعالى بها كتابه الكريم
ومعاني الرأفة والرحمة والحرص على رفع العنت والمشقة عن الأمة، التي
وصف الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز، وهو الذي
ترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فلا التباس
في أمره ونهيه، ولا إلغاز في إرشاده وخبره، باطنه وظاهره سواء، كيف لا
وهو القائل: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على
خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم
...)) .
ودلالته صلى الله عليه وسلم للأمة في شأن اعتقادها أهم أعماله، وأولاها
بالإيضاح والإفهام بلسان عربي مبين، والجزم واقع بأن الصحابة رضوان الله
تعالى عليهم فهموها على وجهها الذي يفهمه العربي، بغير تكلف ولا تمحل
في صرف ظواهرها، ومن كان باللسان العربي أعرف ففهمه لنصوص الوحي
أرسخ، وقد قال عمر رضي الله عنه: (يا أيها الناس، عليكم بديوان شعركم
في الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم
) .
وقال ابن تيمية رحمه الله: لم يكن في الصحابة من تأويل شيئا من نصوصه –
أي نصوص الوحي – على خلاف ما دل عليه، لا فيما أخبر به الله عن أسمائه
وصفاته، ولا فيما أخبر به عما بعد الموت... .وفي إنكار التأويل الكلامي ومناهج
الفلاسفة ومن تأثر بهم من المتكلمين، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها
أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام
اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل –
ولو كان مستكرهاً – ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف
العلوم، وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي
جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف .
ويقول ابن تيمية رحمه الله مبيناً خطورة التأويل: فأصل خراب الدين والدنيا
إنما هو من التأويل الذي لم يرده الله ورسوله بكلامه، ولا دل عليه أنه مراده
وهل اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة
أو صغيرة إلا بالتأويل، وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل، وليس
هذا مختصاً بدين الإسلام فقط؛ بل سائر أديان الرسل لم تزل على الاستقامة
والسداد حتى دخلها التأويل، فدخل عليها من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد .
ففي لزوم الإيمان بالنصوص على ظاهرها ودفع التأويل المتعسف بغير دليل
موافقة لنصوص الكتاب والسنة لفظا ومعنى، مع بعد عن التكلف في الدين
والقول على الله بغير علم، والافتراء على رسوله الأمين، فضلاً عن ما في
ذلك من مصلحة سد باب الخروج على العقيدة ببدعة محدثة، وسد باب الخروج
على الشريعة، والاجتراء على الحرمات، والتهاون بالطاعات والوقوع في المنكرات
بصرف ألفاظ الوعد والوعيد عن حقيقتها وظاهرها، ودعوى أن كل ذلك غير مراد.
"وهذه القاعدة تفيد بطلان مذهب المفوضة في الصفات، الذين يفوضون معاني
النصوص إلى الله، مدعين أن هذا هو مذهب السلف، وقد علم براءة مذهب
السلف من هذا المذهب بتواتر الأخبار عنهم بإثبات معاني هذه النصوص
على الإجمال والتفصيل، وإنما فوضوا العلم بكيفيتها لا العلم بمعانيها
" .
قال ابن تيمية رحمه الله: إن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن
تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا
قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات
لا يعلم معناها، ولا يفهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أهل العلم
والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس
وهذا لا ريب فيه .
بل كان قول أهل العلم: من الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم.
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
ومما يشهد للصحابة في فهمهم مراد الله ومراد نبيه صلى الله عليه وسلم
والأخذ بظواهر النصوص، وتفسيرها مما يظهر منها: قول ابن مسعود
رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم
أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحداً
أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه .وقال مسروق رحمه الله:
كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحثنا فيها ويفسرها عامة النهار
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: نعم ترجمان القرآن ابن عباس .
وقال مجاهد رحمه الله: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات
من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها .
فلم يتوقف الصحابة عن تفسير النصوص والأخذ بظواهرها؛ ويستثنى من ذلك
النصوص الخاصة بصفات الله تعالى، فقد أخذوا بظواهرها فأثبتوها دون تفسير
أو تكييف لمعناها.قال الذهبي: قال سفيان وغيره: قراءتها – أي آيات الصفات –
تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة، لا يبتغى بها مضايق التأويل والتحريف .

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص271

http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:25 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل السابع: درء التعارض بين صحيح النقل وصريح العقل
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
القرآن والسنة لا تعارض بينهما ولا تعارض في ذاتهما، إنما يقع التعارض حسب
فهم المخاطب .

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – 2/93
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
وهذه مسألة ينبغي أن يفطن لها الإنسان فيما يأتي من النصوص الشرعية مما
ظاهره التعارض، فيحمل كل واحد منها علي الحال المناسبة ليحصل التآلف بين
النصوص الشرعية.

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – 2/252
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
إذا صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنا نضرب بما عارضها
عرض الحائط، لكن إذا قدر أننا رأينا الشيء بأعيننا، وأدركنا بأبصارنا وحواسنا
ففي هذه الحال يجب أن نسلك أحد أمرين:
الأول: محاولة الجمع بين النص والواقع إن أمكن الجمع بينهما بأي طريق من طرق
الجمع.
الثاني: إن لم يمكن الجمع تبين ضعف الحديث، لأنه لا يمكن للأحاديث الصحيحة
أن تخالف شيئاً حسياً واقعاً أبداً، كما قال شيخ الإسلام في كتابه " العقل والنقل ":
" لا يمكن للدليلين القطعيين أن يتعارضا أبداً، لأن تعارضها يقتضي إما رفع
النقيضين أو جمع النقيضين، وهذا مستحيل، فإن ظن التعارض بينهما، فإما أن لا
يكون الخطأ من الفهم، وإما إن يكون أحدهما ظنياً والآخر قطعياً
".
فإذا جاء الأمر الواقع الذي لا إشكال فيه مخالفاً لظاهر شيء من الكتاب أو السنة
فإن ظاهر الكتاب يؤول حتى يكون مطابقاً للواقع .

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 3/360
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
وكل شيء في كتاب الله تعالى تظن فيه التعارض فيما يبدو لك فأعد النظر فيه
مرة بعد أخرى حتى يتبين لك. قال الله تعالى:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}
[النساء: 82]

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين
– ص62
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
ليس في المعقول الصريح ما يمكن أن يكون مقدما على ما جاءت به الرسل
وذلك لأن الآيات والبراهين دالة على صدق الرسل وأنهم لا يقولون على الله
إلا الحق وأنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله من الخبر والطلب لا يجوز أن
يستقر في خبرهم عن الله شيء من الخطأ كما اتفق على ذلك جميع المقرين
بالرسل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم، فوجب أن جميع ما يخبر به
الرسول عن الله صدق وحق لا يجوز أن يكون في ذلك شيء مناقض لدليل عقلي
ولا سمعي فمتي علم المؤمن بالرسول أنه أخبر بشيء من ذلك جزم جزما قاطعا
أنه حق وأنه لا يجوز أن يكون في الباطن بخلاف ما أخبر به وأنه يمتنع أن يعارضه
دليل قطعي ولا عقلي ولا سمعي وأن كل ما ظن أنه عارضه من ذلك فإنما هو
حجج داحضة وشبه من جنس شبه السوفسطائية، وإذا كان العقل العالم بصدق
الرسول قد شهد له بذلك وأنه يمتنع أن يعارض خبره دليل صحيح كان هذا العقل
شاهدا بأن كل ما خالف خبر الرسول فهو باطل فيكون هذا العقل والسمع جميعا
شهدا ببطلان العقل المخالف للسمع .

درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - 1/111
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
والعقل الصريح عندهم - أي: عند أهل السنة - يوافق النقل الصحيح، وعند الإشكال
يقدمون النقل ولا إشكال؛ لأن النقل لا يأتي بما يستحيل على العقل أن يتقبله
وإنما يأتي بما تحار فيه العقول، والعقل يصدق النقل في كل ما أخبر به ولا العكس.
ولا يقللون من شأن العقل؛ فهو مناط التكليف عندهم، ولكن يقولون:
إن العقل لا يتقدم على الشرع - وإلا لاستغنى الخلق عن الرسل - ولكن يعمل
داخل دائرته، ولهذا سموا أهل السنة لاستمساكهم واتباعهم وتسليمهم المطلق
لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:
{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ
هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
} [القصص: 50]

الوجيز في عقيدة السلف الصالح لعبد الحميد الأثري - ص157
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
مما ينبغي اعتقاده أن نصوص الكتاب والسنة الصحيحة والصريحة في دلالتها
لا يعارضها شيء من المعقولات الصريحة، ذلك أن العقل شاهد بصحة الشريعة
إجمالا وتفصيلا، فأما الإجمال، فمن جهة شهادة العقل بصحة النبوة وصدق
الرسول صلى الله عليه وسلم، فيلزم من ذلك تصديقه في كل ما يخبر به من
الكتاب والحكمة.
وأما التفصيل، فمسائل الشريعة ليس فيها ما يرده العقل؛ بل كل ما أدركه العقل
من مسائلها فهو يشهد له بالصحة تصديقا وتعضيدا، وما قصر العقل عن إدراكه
من مسائلها، فهذا لعظم الشريعة، وتفوقها، ومع ذلك فليس في العقل ما يمنع
وقوع تلك المسائل التي عجز العقل عن إدراكها، فالشريعة قد تأتي بما يحير
العقول لا بما تحيله العقول.
فإن وجد ما يوهم التعارض بين العقل والنقل، فإما أن يكون النقل غير صحيح أو
يكون صحيحاً ليس فيه دلالة صحيحة على المدعى، وإما أن يكون العقل فاسداً
بفساد مقدماته.
فمن احتج - مثلا- في إنكار الصفات الإلهية بأن لازم ذلك إثبات آلهة مع الله، فقد
احتج بعقل غير صحيح؛ بل لا يجوز تسمية ذلك عقلاً أصلاً؛ إذ لا يجوز في العقل
وجود موجود مجرد عن الصفات؛ بل هو من أعظم الممتنعات العقلية؛
لأنه يستلزم رفع النقيضين، حيث يقال: هو موجود ولا موجود، ولا يقال هذا في
حق المخلوق، فلا يستلزم إثبات المخلوق متصفا بصفات السمع والبصر والكلام
والحياة أن يتعدد المخلوق، بحيث تكون كل صفة منها إنسانا قائما بنفسه
وهذا معلوم البطلان في حق المخلوق، وبطلانه في حق الخالق أظهر وأولى
فبهذا عقل فاسد لا يقاوم النقل الصحيح الصريح من آيات الصفات وأحاديثها.
وقد يكون النقل مكذوبا والعقل صحيحاً، كما في حديث يروى عن أبي هريرة
رضي الله عنه أنه قال: قيل يا رسول الله: مم ربنا؟ قال:
((من ماء مرور، لا من أرض، ولا من سماء، خلق خيلاً فأجراها فعرقت، فخلق
نفسه من ذلك العرق
.. )) .
ففي هذا الكتاب وأمثاله لا يقال إنه يعارض دليل العقل، فلا يصلح أن يكون دليلا
فضلا عن أن ينسب إلى الشرع ليعارض به العقل، علاوة على أن الأدلة الشرعية
تنقضه وتبطله.وقد يكون النقل صحيحاً، إلا أنه لا يدل على المعنى المدعى
فيتوهم التعارض بين المنقول والمعقول، كما في حديث أبي هريرة أن النبي ..
صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت
فلم تعدني.. الحديث
)) .
فمن فهم من الحديث أن الله تعالى يمرض أو يجوع ويعطش لم يفهم معنى
الحديث لأن الحديث فسره المتكلم به، وبين المراد منه، وهو أن العبد هو الذي
جاع وعطش ومرض، وأن الله تعالى منزه عن ذلك.
"والمقصود هو بيان أنه إذا ظهر تعارض بين الدليلين النقلي والعقلي، فلابد من
أحد ثلاثة احتمالات:

الأول: أن يكون أحد الدليلين قطعياً والآخر ظنياً، فيجب تقديم القطعي نقلياً كان
أم عقلياً، وإن كان ظنيين فالواجب تقديم الراجح، عقلياً كان أم نقلياً.
الثاني: أن يكون أحد الدليلين فاسدا، فالواجب تقديم الدليل الصحيح على الفاسد
سواء أكان نقلياً أم عقلياً.
الثالث: أن يكون أحد الدليلين صريحاً والآخر ليس بذاك، فهنا يجب تقديم الدلالة
الصريحة على الدلالة الخفية، لكن قد يخفى من وجوه الدلالات عند بعض الناس
ما قد يكون بينا وواضحاً عند البعض الآخر، فلا تعارض في نفس الأمر عندئذٍ.
أما أن يكون الدليلان قطعيين - سندا ومتنا- ثم يتعارضان، فهذا لا يكون أبداً، لا بين
نقليين، ولا بين عقليين، ولا بين نقلي وعقلي" .وخلاصة اعتقاد أهل السنة في
هذا الباب "أن الأدلة العقلية الصريحة توافق ما جاءت به الرسل، وأن صريح
المعقول لا يناقض صحيح المنقول، وإنما يقع التناقض بين ما يدخل في السمع
وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه
" .
وقد أعمل الصحابة رضي الله عنهم هذا الأصل، وتلقاه عنهم التابعون، وتواترت
عبارات أهل العلم بهذا المعنى.قال ابن تيمية رحمه الله: فكان من الأصول
المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن
يعارض القرآن برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم
بالبراهين القطعيات، والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن
القرآن يهدي للتي هي أقوم .وقال الإمام الشافعي رحمه الله: كل شيء خالف
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط، ولا يقوم معه رأي ولا قياس، فإن الله
تعالى قطع العذر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد معه أمر
ولا نهي غير ما أمر هو به .وقال الإمام مالك رحمه الله: أو كلما جاء رجل أجدل
من الآخر، رد ما أنزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن ثمرات الالتزام بهذه القاعدة، إثبات عصمة الشرع الحكيم إذ ليس فيه ما
يخالف العقل الصحيح، وسد باب التأويل والتفويض، واستقامة الحياة على الوجه
الأتم الأكمل عند نفي التعارض بين وحي الله تعالى وخلقه، فتنعم البشرية
بهدي الله وشرعه وتنتفع بما أنعم على خلقه.

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري – ص276

http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:26 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الثامن: السكوت عما سكت عنه الله ورسوله وأمسك عنه السلف
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
كل مسألة من المسائل الشرعية - ولاسيما مسائل الاعتقاد- لا يحكم فيها
نفياً أو إثباتاً إلا بدليل، فما ورد الدليل بإثباته أثبت، وما ورد بنفيه نفي، وما
لم يرد بإثباته ولا بنفيه دليل توقفنا، ولم نحكم فيه بشيء؛ لا إثباتاً ولا نفياً
ولا يعني هذا أن المسألة خلية عن الدليل، بل قد يكون عليها دليل، لكن لا
نعلمه، فالواجب التوقف: إما مطلقا أو لحين وجدان الدليل.قال شيخ الإسلام
رحمه الله: ما لم يرد به الخبر إن علم انتفاؤه نفيناه وإلا سكتنا عنه فلا نثبت
إلا بعلم ولا ننفي إلا بعلم... فالأقسام ثلاثة: ما علم ثبوته أثبت، وما علم
انتفاؤه نفي، وما لم يعلم نفيه ولا إثباته سكت عنه، هذا هو الواجب
والسكوت عن الشيء غير الجزم بنفيه أو ثبوته .
وقد وردت كثير من نصوص الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة السلف
وأهل السنة بالأمر بالكف عما لم يرد في الشرع، والسكوت عما سكت عنه
الله ورسوله وأمسك عنه السلف، وترك الخوض فيما لا علم للإنسان به من
دليل أو أثر.قال تعالى:
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
[الإسراء: 36]
قال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله
سائلك عن ذلك كله .وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله...
صلى الله عليه وسلم قال:
((ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على
أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه
)) .
وقال صلى الله عليه وسلم:
((إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودا
فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها
)) .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل:
الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم؛ فإن الله قال لنبيه
...
صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}
[ص: 86]) .وترجم الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الاعتصام من "صحيحه":
باب: ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه، وقوله تعالى:
{لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]، وباب: ما يذكر من
ذم الرأي وتكلف القياس {وَلاَ تَقْفُ} لا تقل {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] .
وسأل رجل أبا حنيفة رحمه الله: ما تقول فيما أحدثه الناس في الكلام في
الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريق السلف، وإياك
وكل محدثةٍ فإنها بدعة .وروى اللالكائي بسنده عن أبي إسحاق قال:
سألت الأوزاعي فقال: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل
بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛
فإنه يسعك ما وسعهم
" .وقال إبراهيم النخعي: بلغني عنهم – يعني الصحابة –
أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا ما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف
أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم صلى الله عليه وسلم .وقال الشعبي: عليك
بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول
".
وقال أيضا: "ما حدثوك به عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذه وما
حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحش
.وقال ابن عبد الهادي رحمه الله:
ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة، لم يكن على عهد السلف، ولا عرفوه
ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه
واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر .وقال ابن رجب رحمه الله:
فالعلم النافع من هذه العلوم كلها: ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها
والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة وتابعيهم في معاني القرآن والحديث
وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام، والزهد والرقاق
والمعارف، وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولا، ثم
الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيا، وفي ذلك كفاية لمن عقل
وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل .

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص286

http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:29 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
تمهيد
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ
مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلِ
وغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلِ

بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى
طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى

http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
أي جميع آيات الأسماء والصفات وأحاديثها (نمرها صريحة) أي على ظواهرها
(كما أتت) عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن
العدل متصلا إلينا كالشمس في وقت الظهيرة صحواً ليس دونها سحاب
(مع اعتقادنا) إيماناً وتسليماً (لما له اقتضت) من أسماء ربنا تبارك وتعالى
وصفات كماله ونعوت جلاله كما يليق بعظمته وعلى الوجه الذي ذكره وأراده
{وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] أن التكليم من موسى وأن لفظ
الجلالة منصوب على المفعولية فرارا من إثبات الكلام كما فعله بعض الجهمية
والمعتزلة وقد عرض ذلك على أبي بكر بن عياش فقال أبو بكر: ما قرأ هذا إلا
كافر قرأت على الأعمش وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب وقرأ يحيى بن
وثاب على أبي عبد الرحمن السلمي وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي على
علي بن أبي طالب وقرأ علي بن أبي طالب على رسول الله...
صلى الله عليه وسلم: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} يعني برفع لفظ الجلالة
على الفاعلية وهو مجمع عليه بين القراء روى ذلك ابن مردويه عن عبد الجبار
بن عبد الله عن ابن عياش رحمه الله تعالى وروى ابن كثير أن بعض المعتزلة قرأ
على بعض المشايخ {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} فقال له يا ابن اللخناء كيف
تصنع بقوله تعالى {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 134] يعني
أن هذا لا يقبل التحريف ولا التأويل , وكما قال جهم بن صفوان لعنه الله ..
في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} حيث قال: لو وجدت سبيلا إلى
حكها لحككتها ولأبدلتها استولى. وله في ذلك سلف اليهود في تحريف الكلم
عن مواضعه حيث قال الله تعالى لهم {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ}
[البقرة: 58] فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا: حنطة. فخالفوا ما أمرهم الله
به من الدخول سجدا وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم فكان جزاؤهم ما كره الله تعالى
حيث يقول:
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ
السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
} [البقرة: 59] وجعلهم الله عبرة لمن بعدهم فمن فعل
كما فعلوا فسبيله سبيلهم كما مضت سنة الله بذلك :
{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر:43].
... (بل قولنا) الذي نقوله ونعتقده وندين الله به هو (قول أئمة الهدى) من الصحابة
والتابعين فمن بعدهم من الأئمة كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي والثوري وابن
عيينة والليث بن سعد وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والشافعي وأحمد وإسحاق
بن راهويه وأصحاب الأمهات الست وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا
الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا
تشبيه ولا تعطيل والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله عز وجل
فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه وليس كمثله شيء وهو السميع البصير بل
الأمر كما قال الأئمة تفسيرها قراءتها وقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري
رحمهما الله تعالى من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه
فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى
ما أثبته لنفسه مما وردت به الآيات الصريحة ووصفه به رسوله ...
صلى الله عليه وسلم مما ورد في الأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق
بجلال الله وعظمته ونفى عن الله النقائص فقد سلك سبيل الهدى وقال الإمام
الشافعي رحمه الله تعالى: آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وآمنا
برسول الله وبما جاء به رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال أيضا رحمه الله تعالى: لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه ...
صلى الله عليه وسلم أمته لا يسع أحد من الخلق قامت عليه الحجة ردها لأن
القرآن نزل بها وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها فيما روى عنه
عدول فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر أما قبل ثبوت الحجة عليه
فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر ولا يكفر بالجهل
بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها وتثبت هذه الصفات وينفي عنها التشبيه كما
نفى التشبيه عن نفسه تعالى فقال سبحانه :
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] وقال الإمام أحمد
رحمه الله تعالى: ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه قد أجمل الله الصفة
فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما
وصف به نفسه قال فهو السميع البصير بلا حد ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون صفته
ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصف بما وصف به نفسه ولا نتعدى ذلك
ولا يبلغ صفته الواصفون نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة
من صفاته بشناعة شنعت وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم
القيامة ووضعه كنفه عليه فهذا كله يدل على أن الله سبحانه وتعالى يرى في
الآخرة والتحديد في هذا كله بدعة والتسليم فيه بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به
نفسه سميع بصير لم يزل متكلما عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب
فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد وهو على العرش بلا حد كما قال:
الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] كيف شاء المشيئة إليه
والاستطاعة إليه ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء وهو سميع بصير بلا
حد ولا تقدير لا نتعدى القرآن والحديث تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة
قلت له والمشبه ما يقول قال من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد
شبه الله تعالى بخلقه انتهى. وكلام أئمة السنة في هذا الباب يطول وقد تقدم
كثير منه في الاستواء والكلام والنزول والرؤية وغير ذلك.
(طوبى لمن بهديهم قد اهتدى) إذ هم خير القرون وأعلم الأمة بشريعة الإسلام
وأولاهم باتباع الكتاب والسنة واقتفاء آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم
حفظ الله الدين على من بعدهم فرحمهم الله ورضي عنهم وأرضاهم وألحقنا
بهم سالمين غير مفتونين أنه سميع الدعاء .

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص459

http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:30 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الأول: موقف أهل السنة من التحريف والتأويل
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ
مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلِ
وغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلِ

بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى
طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى

http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
(من غير تحريف) لمعانيها كما فعله الزنادقة أيضا كتأويلهم {نفسه} تعالى
بالغير وأن إضافتها إليه كإضافة بيت الله وناقة الله فعلى هذا التأويل يكون
قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] أي غيره وقوله:
{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] أي على غيره ويكون قوله
عن عيسى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]
أي ولا أعلم ما في غيرك ويكون قوله لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}
[طه: 41] أراد واصطنعتك لغيري وهذا لا يقوله عاقل بل ولا يتوهمه ولا يقوله
إلا كافر وكتأويلهم (وجهه) تعالى بالنفس مع جحودهم لها كما تقدم فانظر
لتناقضهم البين وهذا يكفي حكايته عن رده أما من أثبت النفس وأول الوجه
بذلك فيقال له إن الله تعالى قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}
[الرحمن: 27] فذكر الوجه مرفوعا على الفاعلية ولفظ الرب مجرورا بالإضافة
وذكر ذو مرفوعا بالتبعية نعتا لوجه فلو كان الوجه هو الذات لكانت القراءة
(ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ) بالياء لا بالواو كما قال تعالى:
{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 78] فخفضه لما كانت صفة
للرب فلما كانت القراءة في الآية الأولى بالرفع إجماعا تبين أن الوجه صفة
للذات ليس هو الذات ولما رأى آخرون منهم فساد تأويلهم بالذات أو الغير
لجأوا إلى طاغوت المجاز فعدلوا إلى أن تأويله به أولى وأنه كما يقال:
(وجه الكلام) و (وجه الدار) و (وجه الثوب) ونحو ذلك فتكلفوا الكذب على الله
تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم كل التكلف ثم نكسوا على
رءوسهم فوقعوا فيما فروا منه فيقال لهم: أليس الثوب والدار والكلام مخلوقات
كلها وقد شبهتم وجه الله تعالى بذلك فأين الفكاك والخلاص ولات حين مناص
{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 23]
وكما أولوا اليد بالنعمة واستشهدوا بقول العرب: (لك يد عندي) أي نعمة فعلى
هذا التأويل يكون قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64] يعني نعمتاه
فلم يثبتوا لله إلا نعمتين والله تعالى يقول:
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
} [لقمان: 20] ويكون قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]
أراد الله بنعمته ويكون قوله تعالى:
{وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]
أراد مطويات بنعمته فهل يقول هذا عاقل وقال آخرون منهم (بقوته) استشهادا
بقوله تعالى: {وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 147] أي بقوةٍ فيقال لهم:
أليس كل مخلوق خلقه الله بقوة فعلى هذا ما معنى قوله عز وجل
{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وأي فضل لآدم على إبليس إذ كل منهما
خلقه الله بقوته وما معنى قوله تعالى للملائكة:
((لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان)) أفلم يخلق
الملائكة بقوته وأي فضل لآدم عليهم إن لم يكن خلقه بيده التي هي صفته
نبئوني بعلم إن كنتم صادقين وكما تأولوا الاستواء بالاستيلاء ببيت مجهول مروي
على خلاف وجهه وهو ما ينسب إلى الأخطل النصراني:
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق

فعدلوا عن أكثر من ألف دليل من التنزيل إلى بيت ينسب إلى بعض العلوج ليس
على دين الإسلام ولا على لغة العرب فطفق أهل الأهواء يفسرون به كلام الله
عز وجل ويحملونه عليه مع إنكار عامة أهل اللغة لذلك وأن الاستواء لا يكون
بمعنى الاستيلاء بوجه من الوجوه البتة وقد سئل الأعرابي وهو إمام أهل اللغة
في زمانه فقال: العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه
مضاد فأيهما غلب قيل: استولى، والله سبحانه وتعالى لا مغالب له. اهـ.
وقد فسر السلف الاستواء بعدة معان بحسب أداته المقترنة به وبحسب
تجريده عن الأداة ولم يذكر أحد منهم أنه يأتي بمعنى الاستيلاء حتى انتحل
ذلك أهل الأهواء والبدع لا باشتقاق صغير ولا كبير بل باستنباط مختلق وافق
الهوى المتبع وقد بسط القول في رد ذلك ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى
في كتابه (الصواعق) وبيَّن بطلانه من نيف وأربعين وجهاً فليراجع, وكما أولوا
أحاديث النزول إلى السماء الدنيا بأنه ينزل أمره فيقال لهم: أليس أمر الله تعالى
نازلا في كل وقت وحين؟ فماذا يخص السحر بذلك؟ وقال آخرون ينزل ملك بأمره
فنسب النزول إليه تعالى مجازا فيقال لهم فهل يجوز على الله تعالى أن يرسل
من يدعي ربوبيته وهل يمكن للملك أن يقول:
((لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي
يستغفرني فأغفر له
)). وهل قصرت عبارة النبي صلى الله عليه وسلم
عن أن يقول ينزل ملك بأمر الله فيقول إن الله تعالى يقول لكم كذا أو أمرني أن
أقول لكم كذا حتى جاء بلفظ مجمل يوهم بزعمكم ربوبية الملك لقد ظننتم
بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم ظن السوء وكنتم قوما بورا وكما
أولوا المجيء لفصل القضاء بالمجاز فقالوا: يجيء أمره واستدلوا بقوله تعالى
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النحل: 33] فقالوا في
قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ} [البقرة:210] فقالوا: هو من مجاز
الحذف والتقدير يأتي أمر الله فيقال لهم أليس قد اتضح ذلك غاية الاتضاح أن
مجيء ربنا عز وجل غير مجيء ملائكته حقيقة وقد فصل تعالى أوانه وقسمه
ونوعه تنويعا يمتنع معه الحمل على المجاز فذكر تعالى في آية البقرة مجيئه
ومجيء الملائكة وكذا في آية الأنعام إتيانه وإتيان الملائكة وإتيان بعض آياته
التي هن من أمره ثم يقال ما الذي يخص إتيان أمره بيوم القيامة أليس أمره
آتيا في كل وقت متنزلا بين السماء والأرض بتدبير أمور خلقه في كل نفس
ولحظة {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]
وتأولوا النظر إلى الله عز وجل في الدار الآخرة بالانتظار قالوا إنه كقوله:
{انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} [الحديد: 13] فيقال لهم أليس إذا كان بمعنى
الانتظار تعدى بنفسه لا يحتاج إلى أداة كما في قوله {انْظُرُونَا}
ألم يضف الله تعالى النظر إلى الوجوه التي فيها الإبصار ويعده بإلى التي تفيد
المعاينة بالبصر عند جميع أهل اللغة {قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ} [البقرة: 140]
أو لم يفسره النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤية الجلية عيانا بالأبصار في أكثر
من خمسين حديثا صحيحا حتى شبه تلك الرؤية برؤيتنا الشمس صحوا ليس
دونها سحاب تشبيها للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ولم يزل الصحابة مؤمنين
بذلك ويحدثون به من بعدهم من التابعين وينقله التابعون إلى من بعدهم وهلم
جرا فنحن أخذنا ديننا عن حملة الشريعة عن الصحابة عن النبي ...
صلى الله عليه وسلم فأنتم عمن أخذتم ومن شبهاتهم في نفي الرؤية
استدلالهم بقوله عز وجل: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 113] وهذه الآية فيها
عن الصحابة تفسيران: أولهما: لا يرى في الدنيا وهو مروي عن عائشة
رضي الله عنها وبذلك نفت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه
ليلة المعراج.
ثانيهما: تفسير ابن عباس رضي الله عنهما {لاَّ تُدْرِكُهُ}
أي لا تحيط به فالنفي للإحاطة لا للرؤية وهذا عام في الدنيا والآخرة ولم ينقل
عن أحد الصحابة من طريق صحيح ولا ضعيف أنه أراد بذلك نفي الرؤية في
الآخرة فهذا تفسير الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الكتاب هل بينهم
من أحد فسر الآية بما افتريتموه ومن إفكهم ادعاؤهم معنى التأبيد في نفي
{لَن تَرَانِي} [الأعراف: 143] حتى كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
حديثا مختلقا لفظه: ((لن تراني في الدنيا ولا في الآخرة)) وهو موضوع مكذوب
على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أئمة الحديث والسنة. ولم يقل أحد من
أئمة اللغة العربية إن نفي لن للتأبيد مطلقا إلا الزمخشري من المتأخرين قال
ذلك ترويجا لمذهبه في الاعتزال وجحود صفات الخالق جل وعلا وقد رده عليه
أئمة التفسير كابن كثير وغيره.
وردّه ابن مالك في الكافية حيث قال:
ومن يرى النفي بلن مؤبدا
فقوله اردد وسواه فاعضدا
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
والقائل لموسى {لَن تَرَانِي} هو المتجلي للجبل حتى اندك وهو الذي وعد
المؤمنين {الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وهو الذي قال {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
فاتضح بذلك قوله لموسى عليه الصلاة والسلام {لَن تَرَانِي} إنما أراد عدم
استطاعته رؤية الله تعالى في هذه الدار لضعف القوى البشرية فيها عن ذلك
كما قرر تعالى ذلك بقوله جل جلاله {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ
فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا
} [الأعراف: 143]
الآية فإذا لم يثبت الجبل لتجلي الله تعالى فكيف يثبت موسى لذلك وهو بشر
خلق من ضعف وأما في الآخرة فيخلق الله تعالى في أوليائه قوة مستعدة للنظر
إلى وجهه عز وجل وبهذا تجتمع نصوص الكتاب والسنة وتأتلف كما هو مذهب
أهل السنة والجماعة وأما من اتبع هواه بغير هدى من الله ونصب الخصام أو
الجدال والمعارضة بين نصوص الكتاب والسنة واتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة
وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله وضرب كتاب الله بعضه ببعض وآمن ببعض
وكفر ببعض وشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل
المؤمنين وأضله الله على علم وختم على سمعه وبصره وقلبه وجعل على
بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أعاذنا الله وجميع المؤمنين من ذلك ولا
يتأتى لأحد من أهل التأويل مراده ولا يستقيم له تأويله إلا بدفع النصوص بعضها
ببعض لا محالة ولا بد فإن كتاب الله تعالى يصدق بعضه بعضا لا يكذبه كما هو
مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه وكذلك سنة النبي...
صلى الله عليه وسلم تبين الكتاب وتوضحه وتفسره وتدل عليه وترشد إليه
ولا يشك في ذلك ولا يرتاب فيه إلا من اتخذ إلهه هواه وأدلى بشبهاته لغرض
شهواته {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ} [البروج: 19-20]
وهذا دأبهم في جميع نصوص الأسماء والصفات وإنما ذكرنا هذه الجملة مثالا
وتنبيها على ما وراء ذلك فمن عوفي فليحمد الله فالحمد لله الذي هدانا لهذا
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي
– ص460
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
أهل السنة والجماعة إيمانهم بما وصف الله به نفسه خال من التحريف، يعني:
تغيير اللفظ أو المعنى.

وتغيير المعنى يسميه القائلون به تأويلاً ويسمون أنفسهم بأهل التأويل، لأجل
أن يصبغوا هذا الكلام صبغة القبول، لأن التأويل لا تنفر منه النفوس ولا تكرهه
لكن ما ذهبوا إليه في الحقيقة تحريف، لأنه ليس عليه دليل صحيح، إلا أنهم
لا يستطيعون أن يقولوا: تحريفاً! ولو قالوا: هذا تحريف، لأعلنوا على أنفسهم
برفض كلامهم.
ولهذا عبر المؤلف - يعني ابن تيمية - رحمه الله بالتحريف دون التأويل مع أن
كثيراً ممن يتكلمون في هذا الباب يعبرون بنفي التأويل، يقولون: من غير تأويل
لكن ما عبر به المؤلف أولى لوجوه أربعة:
الوجه الأول: أنه اللفظ الذي جاء به القرآن، فإن الله تعالى قال:
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: 46]، والتعبير الذي عبر به القرآن أولى
من غيره، لأنه أدل على المعنى.
الوجه الثاني: أنه أدل على الحال، وأقرب إلى العدل، فالمؤول بغير دليل ليس
من العدل أن تسميه مؤولاً، بل العدل أن نصفه بما يستحق وهو أن يكون محرفاً.
الوجه الثالث: أن التأويل بغير دليل باطل، يجب البعد عنه والتنفير منه، واستعمال
التحريف فيه أبلغ تنفيراً من التأويل، لأن التحريف لا يقبله أحد، لكن التأويل لين
تقبله النفس، وتستفصل عن معناه، أما التحريف، بمجرد ما نقول: هذا تحريف.
ينفر الإنسان منه، إذا كان كذلك، فإن استعمال التحريف فيمن خالفوا طريق
السلف أليق من استعمال التأويل.
الوجه الرابع: أن التأويل ليس مذموماً كله
قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل))
وقال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]،
فامتدحهم بأنهم يعلمون التأويل.
والتأويل ليس كله مذموما، لأن التأويل له معان متعددة، يكون بمعنى التفسير
ويكون بمعنى العاقبة والمال، ويكون بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره.
(أ) يكون بمعنى التفسير، كثير من المفسرين عندما يفسرون الآية، يقولون:
تأويل قوله تعالى كذا وكذا. ثم يذكرون المعنى وسمي التفسير تأويلاً، لأننا أوّلنا
الكلام، أي: جعلناه يؤول إلى معناه المراد به.
(ب) تأويل بمعنى: عاقبة الشيء، وهذا إن ورد في طلب، فتأويله فعله إن كان
أمراً وتركه إن كان نهياً، وإن ورد في خبر، فتأويله وقوعه.

مثاله في الخبر قوله تعالى:
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ
رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ
} [الأعراف: 53]، فالمعنى: ما ينتظر هؤلاء إلا عاقبة ومآل
ما أخبروا به، يوم يأتي ذلك المخبر به، يقول الذين نسوه من قبل: قد جاءت
رسل ربنا بالحق.
ومنه قول يوسف لما خرَّ له أبواه وإخوته سجداً قال: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ}
[يوسف: 100]: هذا وقوع رؤياي، لأنه قال ذلك بعد أن سجدوا له.ومثاله في
الطلب قول عائشة رضي الله عنها: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر
أن يقول في ركوعه وسجوده بعد أن أنزل عليه قوله تعالى
:
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم
اغفر لي، يتأول القرآن
)) . أي: يعمل به.
(جـ) المعنى الثالث للتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره وهذا النوع ينقسم إلى
محمود ومذموم، فإن دل عليه دليل، فهو محمود النوع ويكون من القسم الأول
وهو التفسير، وإن لم يدل عليه دليل، فهو مذموم، ويكون من باب التحريف
وليس من باب التأويل.
وهذا الثاني هو الذي درج عليه أهل التحريف في صفات الله عز وجل.
مثاله قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]: ظاهر اللفظ أن الله
تعالى استوى على العرش: استقر عليه، وعلا عليه، فإذا قال قائل:
معنى (اسْتَوَى): استولى على العرش، فنقول: هذا تأويل عندك لأنك صرفت
اللفظ عن ظاهره، لكن هذا تحريف في الحقيقة، لأنه ما دل عليه دليل، بل الدليل
على خلافه، كما سيأتي إن شاء الله.
فأما قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، فمعنى:
{أَتَى أَمْرُ اللّهِ}، أي: سيأتي أمر الله، فهذا مخالف لظاهر اللفظ لكن عليه
دليل وهو قوله: {فَلا تَسْتَعْجِلُوه}.
وكذلك قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
[النحل: 98]، أي: إذا أردت أن تقرأ، وليس المعنى: إذا أكملت القراءة، قل:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لأننا علمنا من السنة أن النبي عليه الصلاة
والسلام إذا أرد أن يقرأ، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، لا إذا أكمل القراءة
فالتأويل صحيح.وكذلك قول أنس بن مالك:
((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء، قال: أعوذ بالله من الخبث
والخبائث
)) ، فمعنى (إذا دخل): إذاً أراد أن يدخل، لأن ذكر الله لا يليق داخل
هذا المكان، فلهذا حملنا قوله: (إذا دخل) على إذا أراد أن يدخل: هذا التأويل
الذي دل عليه صحيح، ولا يعدو أن يكون تفسيراً.
ولذلك قلنا: إن التعبير بالتحريف عن التأويل الذي ليس عليه دليل صحيح أولى
لأنه الذي جاء به القرآن، ولأنه ألصق بطريق المحرف، ولأنه أشد تنفيراً عن هذه
الطريقة المخالفة لطريق السلف، ولأن التحريف كله مذموم، بخلاف التأويل
فإن منه ما يكون مذموماً ومحموداً، فيكون التعبير بالتحريف أولى من التعبير
بالتأويل من أربعة أوجه.

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/87
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
من المعلوم أن الأشاعرة من أهل التأويل فكيف يكون مذهبهم باطلاً وقد قيل:
إنهم يمثلون اليوم خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين؟!
وكيف يكون باطلاً وقدوتهم في ذلك أبو الحسن الأشعري؟
وكيف يكون باطلاً وفيهم فلان وفلان من العلماء المعروفين بالنصيحة لله ولكتابه
ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟
قلنا - أي: ابن عثيمين رحمه الله-: الجواب عن السؤال الأول: أننا لا نسلم أن
تكون نسبة الأشاعرة بهذا القدر بالنسبة لسائر فرق المسلمين، فإن هذه
دعوى تحتاج إلى إثبات عن طريق الإحصاء الدقيق.
ثم لو سلمنا أنهم بهذا القدر أو أكثر فإنه لا يقتضي عصمتهم من الخطأ؛
لأن العصمة في إجماع المسلمين لا في الأكثر.
ثم نقول: إن إجماع المسلمين قديماً ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التأويل
فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة (وهم الصحابة) الذين هم خير القرون
والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما
أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على
ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعهم حجة ملزمة؛
لأنه مقتضى الكتاب والسنة، وقد سبق نقل الإجماع عنهم في القاعدة الرابعة
من قواعد نصوص الصفات.
والجواب عن السؤال الثاني: أن أبا الحسن الأشعري وغيره من أئمة المسلمين
لا يدعون لأنفسهم العصمة من الخطأ، بل لم ينالوا الإمامة في الدين إلا حين
عرفوا قدر أنفسهم ونزلوها منزلتها وكان في قلوبهم من تعظيم الكتاب والسنة
ما استحقوا به أن يكونوا أئمة، قال الله تعالى:
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
وقال عن إبراهيم:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ
وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
} [النحل: 120-121].
ثم إن هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الإقتداء الذي ينبغي
أن يكونوا عليه، وذلك أن أبا الحسن كان له مراحل ثلاث في العقيدة:
المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عاماً يقرره
ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم.
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها
طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب. قال شيخ الإسلام ابن تيميه:
والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية أخذوا من هؤلاء كلاماً صحيحاً
ومن هؤلاء أصولاً عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة. اهـ.
المرحلة الثالثة: مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتدياً بالإمام
أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: (الإبانة عن أصول الديانة)
وهو من آخر كتبه أو آخرها.
قال في مقدمته: جاءنا - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم - بكتابٍ عزيز
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه
علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبله
المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى،
وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7].
إلى أن قال: فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك
بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن
غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله...
صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم
ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها
وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله {قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}
[الأنعام: 140].
ثم ذكر رحمه الله أصولاً من أصول المبتدعة، وأشار إلى بطلانها ثم قال:
فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والجهمية، والحرورية، والرافضة والمرجئة
فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟
قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل
وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة
الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد
بن حنبل - نضَّر الله وجهه ورفع درجته، وأجزل مثوبته - قائلون، ولمن خالف قوله
مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل ثم أثنى عليه بما أظهر الله على
يده من الحق وذكر ثبوت الصفات، ومسائل في القدر، والشفاعة، وبعض
السمعيات، وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية .

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين -
ص80
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب
والسنة في الصفات، ادعى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها؛ ليلزم أهل
السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال: كيف تنكرون علينا
تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟
ونحن - أي: ابن عثيمين رحمه الله - نجيب بعون الله عن هذه الشبهة بجوابين
مجمل، ومفصل.
أما المجمل فيتلخص في شيئين:
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
أحدهما: أن لا نسلم أن تفسير السلف لها صرف عن ظاهرها، فإن ظاهر
الكلام ما يتبادر منه من المعنى، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف
إليه الكلام، فإن الكلمات يختلف معناها بحسب تركيب الكلام، والكلام
مركب من كلمات وجمل، يظهر معناها ويتعين بضم بعضها إلى بعض.
ثانيهما: أننا لو سلمنا أن تفسيرهم صرف لها عن ظاهرها، فإن لهم في
ذلك دليلاً من الكتاب والسنة، إما متصلاً وإما منفصلاً، وليس لمجرد شبهات
يزعمها الصارف براهين وقطعيات يتوصل بها إلى نفي ما أثبته الله لنفسه
في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما المفصل فعلى
كل نص أدعى أن السلف صرفوه عن ظاهره.

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين -
ص54

http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:31 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الثاني: موقف أهل السنة من التعطيل
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ
مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلِ
وَغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلِ

بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى
طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى

http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
(ولا تعطيل) أي للنصوص بنفي ما اقتضته من صفات كمال الله تعالى ونعوت
جلاله فإن نفي ذلك لازمه نفي الذات ووصفه بالعدم المحض إذ ما لا يوصف
بصفة هو العدم تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ولهذا قال
السلف الصالح رحمهم الله تعالى في الجهمية إنهم يحاولون أن يقولوا ليس
في السماء إله يعبد وذلك لجحودهم صفات كماله ونعوت جلاله التي وصف بها
نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك يتضمن التكذيب بالكتاب
والسنة والافتراء على الله كذبا
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى
لِّلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ
رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم
بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ
} [الزمر: 32-35].

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص462
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
التعطيل بمعنى التخلية والترك، كقوله تعالى: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} [الحج: 45]، أي:
مخلاة متروكة.
والمراد بالتعطيل: إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات، سواء كان كلياً
أو جزئياً، وسواء كان ذلك بتحريف أو بجحود، هذا كله يسمى تعطيلاً.
فأهل السنة والجماعة لا يعطلون أي اسم من أسماء الله، أو أي صفة من صفات
الله ولا يجحدونها، بل يقرون بها إقراراً كاملاً.
فإن قلت: ما الفرق بين التعطيل والتحريف؟
قلنا: التحريف في الدليل والتعطيل في المدلول، فمثلاً:
إذا قال قائل: معنى قوله تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64]، أي بل قوتاه
هذا محرف للدليل، ومعطل للمراد الصحيح، لأن المراد اليد الحقيقية، فقد عطل
المعنى المراد، وأثبت معنى غير المراد. وإذا قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان، لا أدري!
أفوض الأمر إلى الله، لا أثبت اليد الحقيقية، ولا اليد المحرف إليها اللفظ. نقول:
هذا معطل، وليس بمحرف، لأنه لم يغير معنى اللفظ، ولم يفسره بغير مراده
لكن عطل معناه الذي يراد به، وهو إثبات اليد لله عز وجل.
أهل السنة والجماعة يتبرءون من الطريقتين:
الطريقة الأولى: التي هي تحريف
اللفظ بتعطيل معناه الحقيقي المراد إلى معنى غير مراد.

والطريقة الثانية: وهي طريقة أهل التفويض
فهم لا يفوضون المعنى كما يقول المفوضة بل يقولون:
نحن نقول: {بَلْ يَدَاهُ}، أي: يداه الحقيقيتان {مَبْسُوطَتَان}، وهما غير القوة والنعمة.
فعقيدة أهل السنة والجماعة بريئة من التحريف ومن التعطيل.

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/91
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
الفصل الثالث: موقف أهل السنة من التفويض

قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه المعروف بـ (العقل والنقل): وأما التفويض
فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع
ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله – إلى أن قال: وحينئذٍ فيكون
ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء
معناه. بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه، قال: ومعلوم أن هذا قدح في القرآن
والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدىً وبياناً للناس، وأمر الرسول
أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله ومع
هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته... لا يعلم أحد معناه فلا يعقل
ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بيَّن للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى
هذا التقدير فيقول كل ملحدٍ ومبتدعٍ: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي
وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة
ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا
الكلام سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم
ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأننا نحن نعلم
ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلاً عن أن
يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة
والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد.اهـ. كلام الشيخ وهو كلام سديد
من ذي رأي رشيد، وما عليه مزيد – رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجمعنا
به في جنات النعيم .

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين –
ص44
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
وبهذا تعرف ضلال أو كذب من قالوا: إن طريقة السلف هي التفويض، هؤلاء ضلوا
إن قالوا ذلك عن جهل بطريقة السلف، وكذبوا إن قالوا ذلك عن عمد، أو نقول:
كذبوا على الوجهين على لغة الحجاز، لأن الكذب عند الحجازيين بمعنى الخطأ.
وعلى كل حال، لا شك أن الذين يقولون: إن مذهب أهل السنة هو التفويض
أنهم أخطأوا، لأن مذهب أهل السنة هو إثبات المعنى وتفويض الكيفية.
وليعلم أن القول بالتفويض ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ من شر أقوال
أهل البدع والإلحاد!
عندما يسمع الإنسان التفويض، يقول: هذا جيد، أسلم من هؤلاء وهؤلاء، لا أقول
بمذهب السلف، ولا أقول بمذهب أهل التأويل، أسلك سبيلاً وسطاً وأسلم من
هذا كله، وأقول: الله أعلم ولا ندري ما معناها. لكن يقول شيخ الإسلام: هذا
من شر أقوال أهل البدع والإلحاد‍‍‌‍.
وصدق رحمه الله. وإذا تأملته وجدته تكذيباً للقرآن وتجهيلاً للرسول..
صلى الله عليه وسلم واستطالة للفلاسفة.
تكذيب للقرآن، لأن الله يقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]
وأي بيان في كلمات لا يدرى ما معناها؟‍ وهي من أكثر ما يرد في القرآن، وأكثر
ما ورد في القرآن أسماء الله وصفاته، إذا كنا لا ندري ما معناها، هل يكون القرآن
تبياناً لكل شيء؟‌‍ أين البيان؟
إن هؤلاء يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري عن معاني القرآن
فيما يتعلق بالأسماء والصفات وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري
فغيره من باب أولى.وأعجب من ذلك يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم
يتكلم في صفات الله، ولا يدري ما معناه يقول: ((ربنا الله الذي في السماء))
وإذا سئل عن هذا؟ قال: لا أدري. وكذلك في قوله: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا))
وإذا سئل ما معنى (ينزل ربنا)؟ قال: لا أدري.... وعلى هذا، فقس.
وهل هناك قدح أعظم من هذا القدح بالرسول صلى الله عليه وسلم بل هذا من
أكبر القدح رسول من عند الله ليبين للناس وهو لا يدري ما معنى آيات الصفات
وأحاديثها وهو يتكلم بالكلام ولا يدري معنى ذلك كله.
فهذان وجهان: تكذيب بالقرآن وتجهيل الرسول.
وفيه فتح الباب للزنادقة الذين تطاولوا على أهل التفويض، وقال: أنتم لا تعرفون
شيئاً، بل نحن الذين نعرف، وأخذوا يفسرون القرآن بغير ما أراد الله، وقالوا: كوننا
نثبت معاني للنصوص خير من كوننا أميين لا نعرف شيئاً وذهبوا يتكلمون
بما يريدون من معنى كلام الله وصفاته!! ولا يستطيع أهل التفويض أن يردوا عليهم
لأنهم يقولون: نحن لا نعلم ماذا أراد الله، فجائز أن يكون الذي يريد الله هو ما قلتم!
ففتحوا باب شرور عظيمة، ولهذا جاءت العبارة الكاذبة:
طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم!.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: هذه قالها بعض الأغبياء، وهو صحيح، أن القائل
غبي.
هذه الكلمة من أكذب ما يكون نطقاً ومدلولاً، "طريقة السلف أسلم وطريقة
الخلف أعلم وأحكم
"، كيف تكون أعلم وأحكم وتلك أسلم؟! لا يوجد سلامة
بدون علم وحكمة أبداً! فالذي لا يدري عن الطريق، لا يسلم، لأنه ليس معه
علم، لو كان معه علم وحكمة، لسلم، فلا سلامة إلا بعلم وحكمة.
إذا قلت: إن طريقة السلف أسلم، لزم أن تقول: هي أعلم وأحكم وإلا لكنت
متناقضاً.
إذاً، فالعبارة الصحيحة: "طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم"، وهذا معلوم

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/92

http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:32 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الرابع: موقف أهل السنة من التكييف
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
(وغير تكييف) تفسير لكنه شيء من صفات ربنا تعالى كأن يقال استوى على
هيئة كذا أو ينزل إلى السماء بصفة كذا أو تكلم بالقرآن على كيفية كذا ونحو
ذلك من الغلو في الدين والافتراء على الله عز وجل واعتقاد ما لم يأذن به الله
ولا يليق بجلاله وعظمته ولم ينطق به كتاب ولا سنة ولو كان ذلك مطلوبا من
العباد في الشريعة لبينه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يدع ما
بالمسلمين إليه حاجة إلا بينه ووضحه والعباد لا يعلمون عن الله تعالى إلا ما
علمهم كما قال تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}
[البقرة: 254] و قال الله تعالى:
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}
[البقرة: 255] فليؤمن العبد بما علمه الله تعالى وليقف معه كهذه الصفات
الثابتة في الكتاب والسنة وليمسك عما جهله وليكل إلى عالمه كيفيتها
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7]

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص463
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
(وأما لفظة) "تكييف": لم ترد في الكتاب والسنة، لكن ورد ما يدل على النهي
عنها.
التكييف: هو أن تذكر كيفية الصفة، ولهذا تقول: كيَّف يكيِّف تكييفاً، أي ذكر
كيفية الصفة.
التكييف يسأل عنه بـ(كيف)، فإذا قلت مثلاً: كيف جاء زيد؟ تقول: راكباً. إذاً:
كيف مجيئه. كيف لون السيارة؟ أبيض. فذكرت اللون.
أهل السنة والجماعة لا يكيفون صفات الله، مستندين في ذلك إلى الدليل
السمعي والدليل العقلي:
أما الدليل السمعي، فمثل قوله تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن
تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
}
[الأعراف: 33]، والشاهد في قوله: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
فإذا جاء رجل وقال: إن الله استوى على العرش، على هذه الكيفية ووصف
كيفية معينة: نقول: هذا قد قال على الله مالا يعلم! هل أخبرك الله بأنه استوى
على هذه الكيفية؟! لا، أخبرنا الله بأنه استوى ولم يخبرنا كيف استوى.
فنقول: هذا تكييف وقول على الله بغير علم.
ولهذا قال بعض السلف إذا قال لك الجهمي: إن الله ينزل إلى السماء، فكيف
ينزل؟ فقل: إن الله أخبرنا أنه ينزل، ولم يخبرنا كيف ينزل. وهذه قاعدة مفيدة.
دليل آخر من السمع: قال تعالى:
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
[الإسراء: 36]، لا تتبع ما ليس لك به علم، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْؤُولاً.
وأما الدليل العقلي، فكيفية الشيء لا تدرك إلا بواحد من أمور ثلاثة: مشاهدته
أو مشاهدة نظيره، أو خبر الصادق عنه أي: إما أن تكون شاهدته أنت وعرفت
كيفيته. أو شاهدت نظيره، كما لو قال واحد: إن فلاناً اشترى سيارة داتسون
موديل ثمان وثمانين رقم ألفين. فتعرف كيفيتها، لأن عندك مثلها أو خبر صادق
عنه، أتاك رجل صادق وقال: إن سيارة فلان صفتها كذا وكذا.. ووصفها تماماً
فتدرك الكيفية الآن.
ولهذا أيضاً قال بعض العلماء جواباً لطيفاً: إن معنى قولنا: (بدون تكييف): ليس
معناه ألا نعتقد لها كيفية، بل نعتقد لها كيفية لكن المنفي علمنا بالكيفية لأن
استواء الله على العرش لا شك أن له كيفية، لكن لا تعلم، نزوله إلى السماء
الدنيا له كيفية، لكن لا تعلم، لأن ما من موجود إلا وله كيفية، لكنها قد تكون
معلومة، وقد تكون مجهولة.سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طـه: 5]: كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه
حتى علاه العرق، ثم رفع رأسه وقال: (الاستواء غير مجهول)، أي: من حيث
المعنى معلوم، لأن اللغة العربية بين أيدينا، كل المواضع التي وردت فيها
(اسْتَوَى) معداة بـ(على) معناها العلو فقال:
(الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول) لأن العقل لا يدرك الكيف
فإذا انتفى الدليل السمعي والعقلي عن الكيفية، وجب الكف عنها،
(والإيمان به واجب)، لأن الله أخبر به عنه نفسه، فوجب تصديقه،
(والسؤال عن بدعة) : السؤال عن الكيفية بدعة، لأن من هم أحرص منا
على العلم ما سألوا عنها وهم الصحابة لما قال الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ}
[الأعراف: 54]، عرفوا عظمة الله عز وجل، ومعنى الاستواء على العرش، وأنه
لا يمكن أن تسأل: كيف استوى؟ لأنك لن تدرك ذلك فنحن إذا سئلنا، فنقول:
هذا السؤال بدعة.
وكلام مالك رحمه الله ميزان لجميع الصفات، فإن قيل لك مثلاً: إن الله ينزل
إلى السماء الدنيا، كيف ينزل؟ فالنزول غير مجهول، والكيف غير معقول
والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة والذين يسألون: كيف يمكن النزول
وثلث الليل يتنقل؟! فنقول: السؤال هذا بدعة كيف تسأل عن شيء ما
سأل عنه الصحابة وهم أحرص منك على الخير وعلى العلم بما يجب لله
عز وجل، ولسنا بأعلم من الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو لم يعلمهم.
فسؤالك هذا بدعة، ولولا أننا نحسن الظن بك، لقلنا ما يليق بك بأنك رجل
مبتدع.
والإمام مالك رحمه الله قال: (ما أراك إلا مبتدعاً) ثم أمر به فأخرج، لأن
السلف يكرهون أهل البدع وكلامهم واعتراضاتهم وتقديراتهم ومجادلاتهم.
فأنت يا أخي عليك في هذا الباب بالتسليم، فمن تمام الإسلام لله عز وجل
ألا تبحث في هذه الأمور، ولهذا أحذركم دائماً من البحث فيما يتعلق
بأسماء الله وصفاته على سبيل التعنت والتنطع والشيء الذي ما سأل
الصحابة عنه، لأننا إذا فتحنا على أنفسنا هذه الأبواب، انفتحت علينا
الأبواب، وتهدمت الأسوار، وعجزنا عن ضبط أنفسنا، فلذلك قل:
سمعنا وأطعنا وآمنا وصدقنا، آمنا وصدقنا بالخبر وأطعنا الطلب وسمعنا القول
حتى تسلم!
وأي إنسان يسأل فيما يتعلق بصفات الله عن شيء ما سأل عنه الصحابة
فقل كما قال الإمام مالك، فإن لك سلفاً: السؤال عن هذا بدعة. وإذا قلت
ذلك، لن يلح عليك، وإذا ألح، فقل: يا مبتدع! السؤال عنه بدعة، اسأل عن
الأحكام التي أنت مكلف بها، أما أن تسأل عن شيء يتعلق بالرب عز وجل
وبأسمائه وصفاته، ولم يسأل عنه الصحابة، فهذا لا نقبله منك أبداً!وهناك
كلام للسلف يدل على أنهم يفهمون معاني ما أنزل الله على رسوله من
الصفات، كما نقل عن الأوزاعي وغيره، نقل عنهم أنهم قالوا في آيات الصفات
وأحاديثها: أمروها كما جاءت بلا كيف. وهذا يدل على أنهم يثبتون لها معنى
من وجهين:
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
أولاً: أنهم قالوا: "أمروها كما جاءت" ومعلوم أنها ألفاظ جاءت لمعاني ولم
تأت عبثاً، فإذا أمررناها كما جاءت، لزم من ذلك أن نثبت لها معنى.
ثانياً: قوله: "بلا كيف" لأن نفي الكيفية يدل على وجود أصل المعنى، لأن
نفي الكيفية عن شيء لا يوجد لغو وعبث.
إذاً، فهذا الكلام المشهور عند السلف يدل على أنهم يثبتون لهذه النصوص
معنى.

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/97

http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:33 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الخامس: موقف أهل السنة من التمثيل
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
(ولا تمثيل) أي من غير تشبيه لشيء من صفات الله بصفات خلقه فكما أنَّا
نثبت له ذاتا لا تشبه الذوات فكذلك نثبت له ما أثبت لنفسه من الأسماء
والصفات ونعتقد تنزهه وتقدسه عن مماثلة المخلوقات
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] وإذا كان القول على
الله بلا علم في أحكام الشريعة هو أقبح المحرمات كما قال تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
}
[الأعراف: 33] فكيف بالقول على الله بلا علم في إلهيته وربوبيته وأسمائه
وصفاته من تشبيه خلقه به أو تشبيهه لخلقه في اتخاذ الأنداد معه وصرف
العبادة لهم وإن اعتقاد تصرفهم في شيء من ملكوته تشبيه للمخلوق
بالخالق وكلا التشبيهين كفر بالله عز وجل أقبح الكفر وقد نزه الله تعالى
نفسه عن ذلك كله في كتابه كما قال تعالى:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
[الإخلاص] و قال الله تعالى:
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
[مريم: 65] وقال الله تعالى:
{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
} [الشورى: 11]
و قال الله تعالى:
{لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
[النحل: 60]
و قال الله تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
[النحل: 74] وغير ذلك من الآيات بل جميع القرآن من أوله إلى آخره في هذا
المعنى بل لم يرسل الله تعالى رسله ولم ينزل كتبه إلا بذلك
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص463
http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif
ومن غير تمثيل، فأهل السنة يتبرءون من تمثيل الله عز وجل بخلقه، لا في
ذاته ولا في صفاته. والتمثيل: ذكر مماثل للشيء، وبينه وبين التكييف عموم
وخصوص مطلق، لأن كل ممثل مكيف، وليس كل مكيف ممثلا، لأن التكييف
ذكر كيفية غير مقرونة بمماثل، مثل أن تقول: لي قلم كيفيته كذا وكذا. فإن
قرنت بمماثل، صار تمثيلاً، مثل أن أقول: هذا القلم مثل هذا القلم، لأني ذكرت
شيئاً مماثلا لشيء وعرفت هذا القلم بذكر مماثلة.
وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل الصفات بدون مماثلة، يقولون:
إن الله عز وجل له حياة وليست مثل حياتنا، له علم وليس مثل علمنا، له
بصر، ليس مثل بصرنا، له وجه وليس مثل وجوهنا له يد وليست مثل أيدينا....
وهكذا جميع الصفات، يقولون: إن الله عز وجل لا يماثل خلقه فيما وصف به
نفسه أبداً، ولهم على ذلك أدلة سمعية وأدلة عقلية:
أ- الأدلة السمعية: تنقسم إلى قسمين: خبر، وطلب.
- فمن الخبر قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، فالآية فيها
نفي صريح للتمثيل وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، فإن هذا وإن
كان إنشاء، لكنه بمعنى الخبر، لأنه استفهام بمعنى النفي وقوله:
{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]، فهذه كلها تدل على نفي المماثلة
وهي كلها خبرية.
- وأما الطلب، فقال الله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} [البقرة: 22]
أي: نظراء مماثلين.
وقال: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} [النحل: 74].فمن مثَّل الله
بخلقه، فقد كذب الخبر وعصى الأمر ولهذا أطلق بعض السلف القول بالتكفير
لمن مثَّل الله بخلقه، فقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري رحمه الله:
من شبه الله بخلقه، فقد كفر ، لأنه جمع بين التكذيب بالخبر وعصيان الطلب.
وأما الأدلة العقلية على انتفاء التماثل بين الخالق والمخلوق: فمن وجوه:
أولاً: أن نقول لا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق بأي حال من الأحوال
لو لم يكن بينهما من التباين إلا أصل الوجود، لكان كافياً، وذلك أن وجود
الخالق واجب، فهو أزلي أبدي، ووجود المخلوق ممكن مسبوق بعدم ويلحقه
فناء، فما كانا كذلك لا يمكن أن يقال: إنهما متماثلان.
ثانياً: أنا نجد التباين العظيم بين الخالق والمخلوق في صفاته وفي أفعاله
في صفاته يسمع عز وجل كل صوت مهما خفي ومهما بعد، لو كان في قعار
البحار، لسمعه عز وجل.
وأنزل الله قوله تعالى:
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ
تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
} [المجادلة: 1]، تقول عائشة: الحمد لله الذي
وسع سمعه الأصوات ...والله تعالى سمعها من على عرشه وبينه وبينها ما
لا يعلم مداه إلا الله عز وجل، ولا يمكن أن يقول قائل: إن سمع الله مثل سمعنا.
ثالثاً: نقول: نحن نعلم أن الله تعالى مباين للخلق بذاته:
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255]، {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ}
[الزمر: 67]، ولا يمكن لأحد من الخلق أن يكون هكذا، فإذا كان مبايناً للخلق
في ذاته، فالصفات تابعة للذات، فيكون أيضاً مبايناً للخلق في صفاته عز وجل
ولا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق.
رابعاً: نقول: إننا نشاهد في المخلوقات أشياء تتفق في الأسماء وتختلف في
المسميات، يختلف الناس في صفاتهم: هذا قوي البصر وهذا ضعيف
وهذا قوي السمع وهذا ضعيف، هذا قوي البدن وهذا ضعيف ،،
وهذا ذكر وهذا أنثى.... وهكذا التباين في المخلوقات التي من جنس واحد
فما بالك بالمخلوقات المختلفة الأجناس؟ فالتباين بينها أظهر ولهذا، لا يمكن
لأحد أن يقول: إن لي يداً كيد الجمل، أو لي يداً كيد الذرة، أو لي يداً كيد الهر
فعندنا الآن إنسان وجمل وذرة وهر، كل واحد له يد مختلفة عن الثاني، مع
أنها متفقة في الاسم فنقول: إذا جاز التفاوت بين المسميات في المخلوقات
مع اتفاق معا فجوازه بين الخالق والمخلوق ليس جائزاً فقط بل هو واجب؛
فعندنا أربعة وجوه عقلية كلها تدل على أن الخالق لا يمكن أن يماثل المخلوق
بأي حال من الأحوال.
ربما نقول أيضا هناك دليل فطري، وذلك لأن الإنسان بفطرته بدون أن يلقن
يعرف الفرق بين الخالق والمخلوق ولولا هذه الفطرة؛ ما ذهب يدعو الخالق.
فتبين الآن أن التمثيل منتفٍ سمعاً وعقلاً وفطرة.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بأحاديث تشتبه علينا؛
هل هي تمثيل أو غير تمثيل؟ ونحن نضعها بين أيديكم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة
البدر، لا تضامون في رؤيته
)) ؛ فقال: (كما) والكاف للتشبيه، هذا رسول الله..
صلى الله عليه وسلم، ونحن من قاعدتنا أن نؤمن بما قال الرسول كما نؤمن
بما قال الله؛ فأجيبوا عن هذا الحديث؟
نقول نجيب عن هذا الحديث وعن غيره بجوابين: الجواب الأول مجمل والثاني
مفصل.

فالأول المجمل: أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله وكلام رسوله الذي
صح عنه أبداً؛ لأن الكل حق، والحق لا يتعارض والكل من عند الله،وما عند
الله تعالى لا يتناقض
) {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}
[النساء: 82]؛ فإن وقع ما يوهم التعارض في همك؛ فاعلم أن هذا ليس
بحسب النص، ولكن باعتبار ما عندك؛ فأنت إذا وقع التعارض عندك في
نصوص الكتاب والسنة؛ فإما لقلة العلم، وإما لقصور الفهم، وإما للتقصير
في البحث والتدبر، ولو بحثت وتدبرت؛ لوجدت أن التعارض الذي توهمته لا
أصل له، وإما لسوء القصد والنية؛ بحيث تستعرض ما ظاهره التعارض لطلب
التعارض، فتحرم التوفيق؛ كأهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه.
ويتفرع على هذا الجواب المجمل أنه يجب عليك عند الاشتباه أن ترد المشتبه
إلى المحكم؛ لأن هذه الطريق طريق الراسخين في العلم؛
قال الله تعالى:
{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا
وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ
} [آل عمران: 7]، ويحملون المتشابه على المحكم
حتى يبقى النص كله محكماً.
وأما الجواب المفصل؛ فإنا نجيب عن كل نص بعينه فنقول:
إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة
البدر لا تضامون في رؤيته
))؛ ليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي، ولكنه تشبيه
للرؤية بالرؤية؛ ((سترون.. كما ترون))؛ الكاف في: ((كما ترون)): داخلة على
مصدر مؤول؛ لأن (ما) مصدرية، وتقدير الكلام: كرؤيتكم القمر ليلة البدر وحينئذ
يكون التشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، والمراد أنكم ترونه رؤية واضحة
كما ترون القمر ليلة البدر ولهذا أعقبه بقوله: ((لا تضامون في رؤيته)) أو:
((لا تضارون في رؤيته)) فزال الإشكال الآن.قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((إن الله خلق آدم على صورته)) والصورة مماثلة للأخرى، ولا يعقل صورة
إلا مماثلة للأخرى، ولهذا أكتب لك رسالة، ثم تدخلها الآلة الفوتوغرافية
وتخرج الرسالة، فيقال: هذه صورة هذه، ولا فرق بين الحروف والكلمات؛
فالصورة مطابقة للصورة، والقائل: ((إن الله خلق آدم على صورته)):
الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم وأصدق وأنصح وأفصح الخلق.
والجواب المجمل أن نقول: لا يمكن أن يناقض هذا الحديث قوله تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، فإن يسر الله لك الجمع؛ فاجمع، وإن
لم يتيسر؛ فقل: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، وعقيدتنا أن الله
لا مثيل له؛ بهذا تسلم أمام الله عز وجل.
هذا كلام الله، وهذا كلام رسوله، والكل حق، ولا يمكن أن يكذب بعضه بعضاً؛
لأنه كله خبر وليس حكماً كي ينسخ؛ فأقول: هذا نفي للمماثلة، وهذا إثبات
للصورة؛ فقل: إن الله ليس كمثله شيء، وإن الله خلق آدم على صورته؛
فهذا كلام الله، وهذا كلام رسوله والكل حق نؤمن به، ونقول: كل من عند
ربنا ونسكت وهذا هو غاية ما نستطيع.وأما الجواب المفصّل؛ فنقول:
إن الذي قال: ((إن الله خلق آدم على صورته)) رسول الذي قال:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] والرسول لا يمكن أن ينطق بما يكذب
المرسل والذي قال: ((خلق آدم على صورته)) هو الذي قال:
((إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر)) فهل أنت تعتقد أن هؤلاء
الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو تعتقد أنهم على صورة
البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك
على صورة القمر، لا من كل وجه؟! فإن قلت بالأول؛ فمقتضاه أنهم دخلوا
وليس لهم أعين وليس لهم آناف وليس لهم أفواه! وإن شئنا قلنا: دخلوا
وهم أحجار! وإن قلت بالثاني؛ زال الإشكال، وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء
على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فإن أبى فهمك، وتقاصر عن هذا وقال: أنا لا أفهم إلا أنه مماثل.
قلنا: هناك جواب آخر، وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه؛
فقوله: ((على صورته))؛ مثل قوله عز وجل في آدم: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي}
[الحجر: 29]، ولا يمكن أن الله عز وجل أعطى آدم جزءاً من روحه، بل المراد
الروح التي خلقها الله عز وجل، لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من باب
التشريف؛ كما نقول: عباد الله؛ يشمل الكافر والمسلم والمؤمن والشهيد
والصديق والنبي لكننا لو قلنا: محمد عبد الله؛ هذه إضافة خاصة ليست
كالعبودية السابقة.
فقوله: ((خلق آدم على صورته))؛ يعني: صورة من الصور التي خلقها الله
وصورها؛ كما قال تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ} [الأعراف: 11]
والمصور آدم إذاً؛ فآدم عل صورة الله؛ يعني: أن الله هو الذي صوره على
هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات
{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]؛ فإضافة الله الصورة
إليه من باب التشريف؛ كأنه عز وجل اعتنى بهذه الصورة ومن أجل ذلك؛
لا تضرب الوجه؛ فتعيبه حساً، ولا تقبحه فتقول: قبح الله وجهك ووجه من
أشبه وجهك؛ فتعيبه معنىً؛ فمن أجل أنه الصورة التي صورها الله وأضافها
إلى نفسه تشريفاً وتكريماً؛ لا تقبحها بعيب حسي ولا بعيب معنوي.
ثم هل يعتبر هذا الجواب تحريفاً أم له نظير؟
نقول: له نظير، كما في: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله؛ لأن هذه الصورة
(أي: صورة آدم) منفصلة بائنة من الله وكل شيء أضافه الله إلى نفسه
وهو منفصل بائن عنه؛ فهو من المخلوقات؛ فحينئذ يزول الإشكال.
ولكن إذا قال لقائل: أيما أسلم المعنى الأول أو الثاني؟ قلنا: المعنى الأول
أسلم، ما دمنا نجد أن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة العربية وإمكاناً في
العقل؛ فالواجب حمل الكلام عليه ونحن وجدنا أن الصورة لا يلزم منها
مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره.
فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون آدم عليها ؟
قلنا: إن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم
من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان؛ فهناك شيء من الشبه لكنه
ليس على سبيل المماثلة؛ كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه
من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة؛
من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين؛
من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
نسمع كثيراً من الكتب التي نقرأها يقولون: تشبيه؛ يعبرون بالتشبيه وهم
يقصدون التمثيل؛ فأيما أولى: أنعبر بالتشبيه، أو نعبر بالتمثيل؟
نقول بالتمثيل أولى.
أولاً: لأن القرآن عبر به: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]
{فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} [البقرة: 22]... وما أشبه ذلك، وكل ما عبر به القرآن؛
فهو أولى من غيره؛ لأننا لا نجد أفصح من القرآن ولا أدل على المعنى المراد
من القرآن، والله أعلم بما يريده من كلامه، فتكون موافقة القرآن هي الصواب
فنعبر بنفي التمثيل. وهكذا في كل مكان؛ فإن موافقة النص في اللفظ أولى
من ذكر لفظ مرادف أو مقارب.
ثانياً: أن التشبيه عند بعد الناس يعني إثبات الصفات ولهذا يسمون أهل
السنة: مشبهة؛ فإذا قلنا: من غير تشبيه وهذا الرجل لا يفهم من
التشبيه إلا إثبات الصفات؛ صار كأننا نقول له: من غير إثبات صفات!
فصار معنى التشبيه يوهم معنى فاسداً فلهذا كان العدول عنه أولى.
ثالثاً: أن نفي التشبيه على الإطلاق غير صحيح؛ لأن ما من شيئين من
الأعيان أو من الصفات إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، والاشتراك نوع
تشابه، فلو نفيت التشبيه مطلقاً؛ لكنت نفيت كل ما يشترك فيه الخالق
والمخلوق في شيء ما.
مثلاً: الوجود؛ يشترك في أصله الخالق والمخلوق، هذا نوع اشتراك نوع
تشابه، لكن فرق بين الوجودين؛ وجود الخالق واجب ووجود المخلوق ممكن.
وكذلك السمع؛ فيه اشتراك؛ الإنسان له سمع، والخالق له سمع، لكن
بينهما فرق، لكن أصل وجود السمع مشترك.
فإذا قلنا: من غير تشبيه ونفينا مطلق التشبيه؛ صار في هذا إشكال.
وبهذا عرفنا أن التعبير بالتمثيل أولى من ثلاثة أوجه
فإن قلت: ما الفرق بينهما من وجهين.
الأول: أن التمثيل ذكر الصفة مقيدة بمماثل؛ فتقول يد فلان مثل يد فلان
والتكييف ذكر الصفة غير مقيدة بمماثل؛ مثل أن تقول: كيفية يد فلان كذا
وكذا.
وعلى هذا نقول: كل ممثل مكيف، ولا عكس.
الثاني: أن الكيفية لا تكون إلا في الصفة والهيئة، والتمثيل يكون في ذلك
كما في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}
[الطلاق: 12]؛ أي: في العدد

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/102

http://www.ar4up.com/uploads/images/...20b3f54281.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:34 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الموسوعة العقدية » الكتاب الثاني: أركان الإسلام » تمهيد

تمهيد
http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
فَقَدْ أَتَى الإِسْلاَمُ مَبْنِيٌّ عَلَى
خَمْسٍ فَحَقِّقْ وَادْرِ مَا قَدْ نُقِلاَ
أَوَّلُهَا الرُّكْنُ الأَسَاسُ الأَعْظَمُ
وَهْوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الأَقْوَمُ
رُكْنُ الشَّهَادَتَيْنِ فَاثْبُتْ وَاعْتَصِمْ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لاَ تَنْفَصِمْ
وَثَانِيَاً إِقَامَةُ الصَّلاةِ
وَثَالِثَاً تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ
وَالرَّابِعُ الصِّيَامُ فَاسْمَعْ وَاتَّبِعْ
وَالْخَامِسُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ يَسْتَطِعْ

http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif
وهذه أركان المرتبة الأولى مرتبة الإسلام وهي على قسمين قولية وعملية
فالقولية: الشهادتان والعملية الباقي وهي ثلاثة أقسام:
بدنية وهي الصوم والصلاة ومالية وهي الزكاة وبدنية مالية وهو الحج وقول
القلب وعمله شرط في ذلك كله مما تقدم.
والنصوص في هذه الأمور الخمسة كثيرة جدا وهي على نوعين قسم شامل
لجميعها وقسم يخص كل خصلة منها. فلنبدأ بالقسم الأول ما تيسر منه
على حدته والقسم الثاني مع حل ألفاظ المتن إن شاء الله تعالى فمن ذلك
حديث جبريل السابق ذكره عن الجم الغفير من الصحابة والتابعين فمن
بعدهم ومنها حديث وفد عبد القيس وقد تقدم أيضا ومنها حديث ابن عمر
رضي الله عنهما في الصحيحين وغيرهما قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بني الإسلام على خمس:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
وحج البيت وصوم رمضان فقال له رجل والجهاد في سبيل الله فقال ابن عمر:
الجهاد حسن هكذا حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
)) .
ومنها حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه عند أحمد وغيره قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج
البيت وصوم رمضان
)) وإسناده صحيح.ومن ذلك حديث أنس بن مالك رضي
الله عنه قال: ((نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء
فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء
رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله
تعالى أرسلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: صدق قال: فمن خلق السماء؟
قال: الله قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل
فيها ما جعل؟ قال: الله قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه
الجبال آلله أرسلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم قال: فزعم رسولك أن
علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال صلى الله عليه وسلم:
صدق قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم قال: وزعم رسولك أن
علينا صوم شهر رمضان من سنتنا؟ قال صلى الله عليه وسلم:
نعم وصدق قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال صلى الله عليه وسلم:
نعم قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا؟
قال صلى الله عليه وسلم: صدق قال: ثم ولى فقال: والذي بعثك بالحق
نبيا لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لئن صدق ليدخلن الجنة
)) . وفي رواية قال: آمنت بما جئت به وأنا رسول
من ورائي إلى قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعيد بن بكر .
وفي الصحيحين...عن طلحة بن عبيد الله:
((أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال:
يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال:
خمس صلوات إلا أن تطوع شيئا فقال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام؟
فقال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا فقال:
أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ قال:
فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام قال:
والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق
)).
وله عن أبي أيوب رضي الله عنه ((أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ فقال: ما له ما له.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرب ما له تعبد الله ولا تشرك به شيئا
وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم
)) ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه
((أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا
وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان قال:
والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا فلما ولى قال النبي...
صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر
إلى هذ
ا)) .وفي حديث ابن المنتفق رضي الله عنه في وفادته على
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قلت ثنتان أسألك عنهما:
ما ينجيني من النار وما يدخلني الجنة؟ قال: فنظر رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم إلى السماء ثم نكس رأسه ثم أقبل علي بوجهه قال:
لئن كنت أوجزت في المسألة لقد أعظمت وأطولت فاعقل عني إذا اعبد الله
لا تشرك به شيئا وأقم الصلاة وأد الزكاة وصم رمضان وما تحب أن يفعله بك
الناس فافعل بهم وما تكره أن يأتي إليك الناس فذر منه
)) رواه أحمد ...
ولعل ابن المنتفق هذا هو الرجل المبهم في رواية أبي أيوب المتقدمة في
الصحيح فإن في مسلم ((أن ذلك الرجل أخذ بخطام ناقة رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم أو بزمامها وفي آخرها قول النبي صلى الله عليه وسلم:
دع الناقة
)) بعد أن علمه وابن المنتفق قال: ((فأخذت بخطام راحلة رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم أو قال: بزمامها وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم:
خل سبيل الراحلة
)) وفي الرواية الأخرى ((خل سبيل الركاب)) فيشبه أن يكون
هو صاحب القصة وقد حفظ الصوم والحج زيادة على ما في حديث أبي أيوب
ورجاله رجال الصحيح, وهو السائل أعلم بجواب النبي صلى الله عليه وسلم
وأوعى له وأحفظ له وأضبط من غيره والله أعلم. وعن ربعي بن خراش عن رجل
من بني عامر رضي الله عنه ((أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: أألج فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمة:
اخرجي إليه فإنه
لا يحسن الاستئذان فقولي له: فليقل السلام عليكم أأدخل قال:
فأذن لي أو قال: فدخلت فقلت: بم أتيتنا به قال: لم آتكم إلا بخير؛
أتيتكم أن تعبدوا الله وحده لا شريك له قال شعبة: وأحسبه قال:
وحده لا شريك له وأن تَدَعُوا اللات والعزى وأن تصلوا بالليل والنهار خمس
صلوات وأن تصوموا من السنة شهرا وأن تحجوا البيت وأن تأخذوا من مال
أغنيائكم فتردوها على فقرائكم قال: فقال:
فهل بقي من العلم شيء لا تعلمته؟ قال: قد علمني الله عز وجل خيرا
وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل
{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي
نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
}
[لقمان: 34])) رواه أحمد ورجاله ثقات أئمة وروى أبو داود طرفا منه...
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة يطول استقصاؤها وفيما ذكرنا كفاية.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص763

http://www.ar4up.com/uploads/images/...6555de8491.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:35 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
تمهيد
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif

(أولها) أو أول هذه الأركان (الركن الأساس الأعظم) الركن في اللغة الجانب
الأقوى وهو بحسب ما يطلق فيه كركن البناء وركن القوم ونحو ذلك فمن
الأركان ما لا يتم البناء إلا به ومنها ما يقوم بالكلية إلا به وإنما قيل لهذه
الخمسة الأمور أركان ودعائم لقوله صلى الله عليه وسلم:
((بني الإسلام على خمس)) فشبهه بالبنيان المركب على خمس دعائم
وهذا الركن هو أصل الأركان الباقية ولهذا قلنا (الأساس) الذي لا يقوم البناء
إلا عليه ولا يمكن إلا به ولا يحصل بدونه (الأعظم) هذه الصيغة مشعرة
بتعظيم بقية الأركان وإنما هذا أعظمها فإنها كلها تابعة له ولا يدخل العبد في
شيء من الشريعة إلا به.
(وهو الصراط) الطريق الواضح (المستقيم) الذي لا اعوجاج فيه ولا غبار عليه
بل هو معتدل نير (الأقوم) أي الأعدل من سلكه أوصله إلى جنات النعيم ومن
انحرف عنه هوى في قعر الجحيم فإن من لم يثبت عليه في الدنيا لم يثبت
على جسر جهنم يوم القيامة وذلك الركن المشار إليه هو (ركن الشهادتين)
هذا إضافة الشيء إلى نفسه أي الركن الذي هو الشهادتين وهما شهادة
أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فلا يدخل العبد الإسلام إلا بهما ولا
يخرج منه إلا بمناقضتهما إما جحودا لما دلتا عليه أو باستكبار عما
استلزمتاه ولهذا لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شيء قبلهما
ولم يقبل الله تعالى ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد شيئا
دونهما فبالشهادة الأولى يعرف المعبود وما يجب له وبالثانية يعرف كيف يعبده
وبأي طريق يصل إليه وكيف يؤمن بالعبادة أحد قبل تعريفه بالمعبود وكيف
يؤديها من لم يعرف كيف أمر الله أن يعبد .
ففي الشهادة الأولى توحيد المعبود الذي ما خلق الخلق ليعبدوه وحده لا
شريك له وفي الشهادة الثانية توحيد الطريق الذي لا يوصل إلى الله تعالى
إلا منه ولا يقبل دينا ممن ابتغى غيره ورغب عنه فإن عبادة الله تعالى التي
خلق الخلق لها وقضى عليهم إفراده بها هي أمر جامع لكل ما يحبه الله
تعالى ويرضاه اعتقادا وقولا وعملا ومعرفة محابه تعالى ومرضاته لا تحصل
إلا من طريق الشرع الذي أرسل به رسوله وأنزل به كتابه
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ
} [آل عمران: 31] وقد قدمنا في النوع الثاني من أنواع التوحيد
تحقيق الشهادتين وبيان تلازمهما وتوضيح نواقضهما وبسطنا الكلام هناك
وحررنا من الأدلة ما يغني عن الإعادة هنا. (فاثبت) أيها العبد المريد نجاة
نفسه من النار والفوز بالجنة على هذا الصراط المستقيم النير الواضح الجلي
ولا تستوحش من قلة السالكين وإياك أن تنحرف عنه فتهلك مع الهالكين
((فإن الله عز وجل ينادي يوم القيامة يا آدم فيقول: لبيك وسعديك فيقول:
أخرج بعث النار فيقول: من كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين
))
فالناجي حينئذ واحد من ألف فاغتنم أن تكون من تلك الآحاد واحذر أن تغتر
بجموع الضلالة فتكون من حطب جهنم وبئس المهاد.
(واعتصم) أي استمسك (بالعروة) أي العقد الأوثق في الدين والسبب الموصل
إلى رب العالمين (الوثقى) تأنيث الأوثق (التي لا تنفصم) أي لا تنقطع وقد
تقدم في الكلام على لا إله إلا الله أنها هي العروة الوثقى وذلك واضح في
قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
}
[البقرة: 256] وتقدم أن شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
والإيمان به شرط في الإيمان بالله وما كان من شرط في الشهادة الأولى فهو
شرط في الثانية.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص769

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:36 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الأول: تحقيق الشهادتين
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
وهذان الأصلان هما تحقيق الشهادتين اللتين هما رأس الإسلام:
شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله. فإن الشهادة
لله بأنه لا إله إلا هو، تتضمن إخلاص الإلهية له، فلا يجوز أن يتأله القلب
غيره، لا بحب ولا خوف ولا رجاء، ولا إجلال، ولا إكرام ولا رغبة، ولا رهبة
بل لا بد أن يكون الدين كله لله، كما قال تعالى:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [ الأنفال: 39].
فإذا كان بعض الدين لله، وبعضه لغير الله: كان في ذلك من الشرك بحسب
ذلك. وكمال الدين كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره:
((من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)) .
فالمؤمنون يحبون لله، والمشركون يحبون مع الله. كما قال تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ
اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ
} [البقرة: 165].
والشهادة بأن محمداً رسول الله، تتضمن تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته
في كل ما أمر. فما أثبته وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه، كما يجب على
الخلق أن يثبتوا لله ما أثبته من الأسماء والصفات، وينفوا عنه ما نفاه عنه
من مماثلة المخلوقات، فيخلصوا من التعطيل والتمثيل، ويكونوا في إثبات
بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل. وعليهم أن يفعلوا ما أمر به وأن ينتهوا عما نهى
عنه، ويحللوا ما حلله، ويحرموا ما حرمه، فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله
ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله، ولهذا ذم الله المشركين في سورة الأنعام
والأعراف وغيرهما، لكونهم حرموا ما لم يحرمه الله، ولكونهم شرعوا ديناً لم
يأذن به الله، كما في قوله تعالى:
{وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الأنعام: 136] إلى آخر السورة.
وما ذكره في صدر سورة الأعراف، وكذلك قوله تعالى:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا
} [الأحزاب: 45، 46] فأخبره
أنه أرسله داعياً إليه بإذنه، فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك، ومن دعا إليه
بغير إذنه فقد ابتدع. والشرك بدعة، والمبتدع يؤول إلى الشرك ولم يوجد مبتدع
إلا وفيه نوع من الشرك، كما قال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن
دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ
} [التوبة: 31] وكان من إشراكهم بهم أنهم أحلوا لهم الحرام
فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم.
وقد قال تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ
الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
} [التوبة: 29] فقرن بعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر
أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق.
والمؤمنون صدقوا الرسول فيما أخبر به عن الله وعن اليوم الآخر، فآمنوا بالله
واليوم الآخر وأطاعوه فيما أمر ونهى، وحلل وحرم، فحرموا ما حرم الله ورسوله
ودانوا دين الحق، فإن الله بعث الرسول يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، فأمرهم بكل معروف، ونهاهم عن
كل منكر، وأحل لهم كل طيب، وحرم عليهم كل خبيث.

اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن
عبد الحليم بن تيمية – 2/842

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif

جماع الدين وأصله ومبدؤه أمران هما:
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
توحيد الله تعالى بالعبادة بتحقيق شهادة ألا إله إلا الله.
تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بتحقيق شهادة أن محمداً
رسول الله.
ولهذا كان الإقرار بهما هو الأصل في الحكم للمعين بالإسلام ودخوله فيه
وكان تحقيقهما وعدم مناقضتهما شرطاً لبقاء ذلك الوصف. وكانتا مفتاح
الجنة وشرط النجاة في الآخرة. فعليهما إذن مدار الدين كله.
وتحقيق الشهادتين هو الإسلام العام الذي أمر الله به جميع عباده، وذلك
بتوحيده واتباع رسله على اختلاف الشرائع التي يرسلون بها. ولهذا قال
الرسول صلى الله عليه وسلم:
((الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد)) .
فالرسل جميعاً إنما يأتون بأمر واحد هو توحيد الله تعالى
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا
أَنَا فَاعْبُدُونِ
} [الأنبياء: 25].
ويقول تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
} [الأعراف: 65].
وقال تعالى {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ
} [الأعراف: 73]. وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ
} [الأعراف: 85].
ولهــذا فإن جميع أنبياء الله ومن اتبعهم على مر التاريخ مسلمون بهذا
الاعتبار. لأن حقيقة الإسلام هي إسلام القصد والنية والوجه لله وحده
كما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ
واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً
} [النساء: 125].
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ
مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
} [البقرة: 130-131].
وحكى الله عنه عليه السلام قوله: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا
أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
}
[البقرة: 128]. وقال تعالى عن حواري عيسى عليه السلام:
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا
مُسْلِمُونَ
} [المائدة: 111]. وذكر الله تعالى عن سحرة فرعون بعد أن أسلموا
أنهم قالـوا: {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا
وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ
} [الأعراف: 126].
وعلى هذا فالتوحيد هو الغاية التي بعث لها جميع الرسل، واتباعهم هو
المنهج والطريق الذي لابد من سلوكه والالتزام به لتحقيق تلك الغاية.
ولهذا نجد اشتراط تحقيق الشهادتين لدخول الجنة والنجاة من النار.
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول
الله لا يلقى الله بهما غير شاك فيهما إلا دخل الجنة
)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً
عبد الله ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار
)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يشهد أحد ألا إله إلا الله وأني رسول الله
فيدخل النار أو تطعمه
)) . وقال صلى الله عليه وسلم:
((من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرمه الله على النار))
وحقيق بالتنبيه هنا بيان أن المراد بالشهادة هنا ليس مجرد النطق
بالشهادتين باللسان، وإنما المراد تحقيقهما ظاهراً وباطناً وعدم مناقضتهما.

ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني – ص32

لابد لتحقيق الإقرار بالشهادتين التي هي الدلالة المطابقة لأصل الدين من:
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif

- العلم بمدلولها إجمالاً.
- الالتزام بذلك المدلول.
- ترك ما يناقض ذلك.


وهذه القضايا الثلاث مترابطة وضرورية في تحقيق أصل الدين لأنه لا يمكن
تحقيق الشهادتين دون العلم بمدلولها والالتزام الإجمالي بمقتضى ذلك
المدلول، كما لا يمكن تحقيقهما مع فعل ما يناقضها.

ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني – ص310

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:38 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
الفصل الثاني: مجرد النطق بالشهادتين
http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif
بوب الإمام ابن منده في كتابه (الإيمان) ذكر ما يدل على أن قول لا إله
إلا الله يوجب اسم الإسلام ويحرم مال قائلها ودمه، وذكر فيه حديث
المقداد رضي الله عنه، قال: ((قلت يا رسول الله أرأيت إن اختلفت أنا
ورجل من المشركين ضربتين فقطع يدي، فلما هويت إليه لأضربه قال:
لا إله إلا الله، أأقتله؟ أم أدعه؟ قال: بل دعه
)) وقال شيخ الإسلام ابن
تيمية - رحمه الله-: (وقد علم بالاضطرار من دين الرسول -
صلى الله عليه وسلم- واتفقت عليه الأمة، أن أصل الإسلام، وأول ما
يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فبذلك
يصير الكافر مسلماً والعدو ولياً، والمباح دمه وماله: معصوم الدم والمال
…)
ويقول الإمام ابن الصلاح –رحمه الله-
(…وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين …) وقال الإمام ابن رجب
الحنبلي – رحمه الله -: (ومن المعلوم بالضرورة أن النبي..
صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام
الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلماً
) ويقول – أيضاً-:
(من أقر صار مسلماً حكماً) ويقول الحافظ ابن حجر –رحمه الله-
(…وفي حديث ابن عباس من الفوائد - حديث بعث معاذ إلى اليمن-
الاقتصار في الحكم بإسلام الكافر إذا أقر بالشهادتين
) .وقال أيضاً:
(…أما بالنظر إلى ما عندنا –أي في الدنيا – فالإيمان هو الإقرار فقط
فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن
به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم
) .
هذه النصوص عن الأئمة واضحة في تقرير هذا الأصل، وأهمية تقرير هذا
الأصل هنا تكمن في أن بعض الباحثين يخلطون بين الحكم الدنيوي
والأخروي، فيظنون أنه يلزم من الحكم بإسلام الشخص، الحكم له بالنجاة
في الآخرة، أو يظنون أن الشروط التي ذكرها العلماء لكلمة التوحيد من
العلم والإخلاص واليقين..الخ، لا يحكم بإسلام الشخص إلا بعد فهم هذه
الشروط، ولكن الحقيقة أن مجرد النطق بكلمة التوحيد لا ينجي العبد
عند الله إلا بالإتيان بشروطها.
أما بالنسبة للحكم الدنيوي فمجرد النطق كاف في الحكم بإسلام المرء
حتى يتبين لنا ما يناقض ذلك- بعد قيام الحجة وبذلك ندرك الخطأ الذي
وقع فيه من يرى أن من يقعون في شيء من الشرك من نذر وذبح لغير
الله وطواف على القبور ممن شهد بشهادة التوحيد كفار أصليون باعتبارهم
لم يفهموا التوحيد .

نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله
بن علي الوهيبي – 1/228

http://www.ar4up.com/uploads/images/...d4b761af04.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:39 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 


تمهيد





وَبِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ قَدْ قُيِّدَتْ
وَفِي نُصوصِ الْوَحْيِ حَقَّاً وَرَدَتْ
فَإِنَّهُ لَمْ يَنتَفِعْ قَائِلُهَا
بِالنُّطْقِ إِلاَّ حَيْثُ يَسْتَكْمِلُهَا


(وبشروط سبعة) متعلق بقيدت (قد قيدت) أي قيد بها انتفاع قائلها بها في الدنيا
والآخرة من دخول الإسلام والفوز بالجنة والنجاة من النار. (وفي نصوص الوحي)
من الكتاب والسنة (حقا وردت) صريحة صحيحة (فإنه) أي الشأن وذلك علة
تقييدها بهذه الشروط السبعة (لم ينتفع قائلها) أي قائل لا إله إلا الله (بالنطق)
أي بنطقه بها مجددا (إلا حيث يستكملها) أي هذه الشروط السبعة, ومعنى
استكمالها اجتماعها في العبد والتزامه إياها بدون مناقضة منه لشيء منها
وليس المراد من ذلك عد ألفاظها وحفظها فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها
ولو قيل له أعددها لم يحسن ذلك. وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم وتراه
يقع كثيرا فيما يناقضها, والتوفيق بيد الله, والله المستعان.


الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ وَالْقَبُولُ
وَالانْقِيَادُ فَادْرِ مَا أَقُولُ
وَالصِّدْقُ وَالإِخْلاَصُ وَالْمَحَبَّةْ
وَفَّقَكَ اللهُ لِمَا أَحَبَّهْ


الأول من الشروط السبعة لشهادة لا إله إلا الله (العلم) بمعناها المراد منها نفيا

وإثباتا المنافي للجهل بذلك, قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ

} [محمد: 19]

وقال الله تعالى: {إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ



} [الزخرف: 86] أي بلا إله إلا الله {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}

بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم. قال الله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]
وقال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا
الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9] وقال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28]
وقال الله تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]
وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)) .



الشرط الثاني: اليقين



الثاني من الشروط السبعة لشهادة لا إله إلا الله (واليقين) أي الثاني اليقين المنافي
للشك بأن يكون قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا حازما, فإن الإيمان لا يغني
فيه إلا علم اليقين لا علم الظن, فكيف إذا دخله شك, قال الله تعالى::
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ – إلى قوله – أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 3] فاشترط في
صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا, أي لم يشكوا, فأما المرتاب فهو من
المنافقين والعياذ بالله الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45] وفي الصحيح
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, ولا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما
إلا دخل الجنة)) وفي رواية: ((لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب
عن الجنة)) . وفيه عنه رضي الله عنه من حديث طويل أن النبي..
صلى الله عليه وسلم بعثه بنعليه فقال: ((من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد
أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة)) الحديث, فاشترط في دخول
قائلها الجنة أن يكون مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها, فإذا انتفى الشرط انتفى
المشروط.



الشرط الثالث: القبول



الثالث من الشروط السبعة لشهادة لا إله إلا الله (القبول) لما اقتضته هذه الكلمة
بقلبه ولسانه, وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قبلها
وانتقامه ممن ردها وأباها كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ
مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ قَالَ
أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ فَانتَقَمْنَا
مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الزخرف: 23-25] وقال الله تعالى:
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 103]
وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ
فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] وكذلك
أخبرنا بما وعد به القابلين لها من الثواب, وما أعده لمن ردها من العذاب, كما قال
تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ
إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} إلى قوله::{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ
لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}
[الصافات: 22-36] فجعل الله تعالى علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول
لا إله إلا الله, وتكذيبهم من جاء بها, فلم ينفوا ما نفته ولم يثبتوا ما أثبتته, بل
قالوا إنكارا واستكبارا {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلأ
مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي
الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ} [ص: 5-7] وقالوا ههنا: {أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ
مَّجْنُونٍ} فكذبهم الله عز وجل ورد ذلك عليهم عن رسوله صلى الله عليه وسلم
فقال: {بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 37] إلى آخر الآيات, ثم
قال في شأن من قبلها: {إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ
وَهُم مُّكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الصافات: 41] إلى آخر الآيات, وقال الله تعالى:
{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النحل: 89]
وفي الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي...
صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث
الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير
وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا
وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ, فذلك
مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم, ومثل من لم
يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به
)) .




| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:41 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...51799ae96d.gif

الشرط الرابع: الانقياد
http://www.ar4up.com/uploads/images/...29fad1e596.gif
الرابع من الشروط السبعة لشهادة لا إله إلا الله (الانقياد) لما دلت عليه المنافي
لترك ذلك قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر: 54] وقال تعالى:
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125] وقال تعالى:
{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22]
أي بلا إله إلا الله {وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [لقمان: 22] ومعنى يسلم وجهه أي ينقاد
وهو محسن موحد. ومن لم يسلم وجهه إلى الله ولم يك محسنا فإنه لم يستمسك
بالعروة الوثقى وهو المعني بقوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَلا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ
فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ
غَلِيظٍ
} [لقمان: 23-24].

الشرط الخامس: الصدق المنافي للكذب
http://www.ar4up.com/uploads/images/...29fad1e596.gif
الخامس من الشروط السبعة لشهادة لا إله إلا الله (الصدق) فيها المنافي للكذب
وهو أن يقولها صدقا من قلبه يواطئ قلبه لسانه, قال الله تعالى:
{الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
} [العنكبوت: 1-3] إلى آخر الآيات.
وقال تعالى في شأن المنافقين الذين قالوها كذبا: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا
بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ
أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا
كَانُوا يَكْذِبُونَ
} [البقرة: 8-11] وكم ذكر الله تعالى من شأنهم وأبدى وأعاد وكشف
أستارهم وهتكها وأبدى فضائحهم في غير ما موضع من كتابه كالبقرة وآل عمران
والنساء والأنفال والتوبة وسورة كاملة في شأنهم وغير ذلك. وفي الصحيحين عن
معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا
حرمه الله على النار
)) فاشترط في إنجاء من قال هذه الكلمة من النار أن
يقولها صدقا من قلبه, فلا ينفعه مجرد التلفظ بدون مواطأة القلب. وفيهما أيضا
من حديث أنس بن مالك وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما من قصة الأعرابي
وهو ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر لما سأل رسول الله...
صلى الله عليه وسلم عن شرائع الإسلام فأخبره, ((قال: هل علي غيرها؟
قال: لا, إلا أن تطوع, قال: والله لا أزيد عليها ولا أنقص منها, فقال رسول الله...
صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق
)) وفي بعض الروايات
((لئن صدق ليدخلن الجنة)) فاشترط في فلاحه ودخول الجنة أن يكون صادقا.

الشرط السادس: الإخلاص
http://www.ar4up.com/uploads/images/...29fad1e596.gif
السادس من الشروط السبعة لشهادة لا إله إلا الله (الإخلاص) وهو تصفية العمل
بصالح النية عن جميع شوائب الشرك, قال الله تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}
[الزمر: 3] وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}
[البينة: 5] الآية وقال الله تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر: 2] وقال الله
تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر: 11]
{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} [الزمر: 14] وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي
الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ
وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
} [النساء: 146] وغير ذلك من الآيات.
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه))
وفي الصحيح عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ((إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل)) .
وفي جامع الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم: ((ما قال عبد قط لا إله إلا الله مخلصا إلا فتحت له أبواب
السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر
)).. .


http://www.ar4up.com/uploads/images/...51799ae96d.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:42 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...51799ae96d.gif

الشرط السابع: المحبة
http://www.ar4up.com/uploads/images/...29fad1e596.gif
السابع من الشروط السبعة لشهادة لا إله إلا الله (المحبة) لهذه الكلمة ولما اقتضته
ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك. قال الله
عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ
الْعَذَابِ
} [البقرة: 165] , وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الذِّينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحْبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَلا يَخَافُونَ }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ
عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ
يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ
{ [المائدة: 54] فأخبرنا الله عز وجل أن عباده المؤمنين أشد حبا له
وذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا كما فعل مدعو محبته من المشركين
الذين اتخذوا من دونه أندادا يحبونه كحبه, وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن
خالفت هواه, وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه, وموالاة من والى الله ورسوله
ومعاداة من عاداه, واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه.
وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها
قال الله تبارك وتعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا}
[الفرقان: 43] الآيات , وقال تعالى: }أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى
عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ
أَفَلا تَذَكَّرُونَ
{ [الجاثية: 23] فكل من عبد مع الله غيره فهو في الحقيقة عبد هواه
بل كل ما عصى الله به من الذنوب فسببه تقديم العبد هواه على أوامر الله
عز وجل ونواهيه. وقال تعالى في شأن الموالاة والمعاداة فيه: }قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن
دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
{ [الممتحنة: 4] الآيات. وقال الله تعالى: }
لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم
بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
{ [المجادلة: 22] الآية
وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء
بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
{ [المائدة: 51]
الآيات, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء
إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
}
[التوبة: 23-24] الآيتين, وقال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ
الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء
مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ
مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ
{ [الممتحنة: 1] إلى آخر السورة وغير ذلك من الآيات.
وقال تعالى في اشتراط اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
}
[آل عمران: 31] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كن فيه وجد
بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب المرء
لا يحبه إلا لله, وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن
يقذف في النار
)) . وعنه وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده
والناس أجمعين
)) ... وذلك الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
الخبر عن الله والأمر بما يحبه الله ويرضاه والنهي عما يكره ويأباه, فإذا امتثل
العبد ما أمره الله به واجتنب ما نهاه عنه وإن كان مخالفا لهواه كان مؤمنا حقا
فكيف إذا كان لا يهوى سوى ذلك. وفي الحديث:
((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض فيه)) .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (من أحب في الله وأبغض في الله ووالى
في الله وعادى في الله, فإنما تنال ولاية الله بذلك
) . وقد أصبح غالب مؤاخاة
الناس اليوم على أمر الدنيا, وذلك لا يجدي على أهله شيئا...
وقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا فليح قال
حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟
قال: من أطاعني دخل الجنة, ومن عصاني فقد أبى
)) قال حدثنا محمد
بن عبادة أخبرنا يزيد حدثنا سليم – وأثنى عليه – حدثنا سعيد بن ميناء حدثنا -
أو سمعت - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول:
((جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم
وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان, فقالوا: إن صاحبكم هذا مثلا
فاضربوا له مثلا, فقالوا: إن مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث
داعيا, فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة, ومن لم يجب الداعي
لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أولوها له يفقهها, فقال بعضهم:
إنه نائم, وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: فالدار الجنة
والداعي محمد صلى الله عليه وسلم, فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم
فقد أطاع الله, ومن عصى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله
ومحمد صلى الله عليه وسلم فرق بين الناس
)) .
ومن هنا يعلم أنه لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا بشهادة أن محمدا رسول
الله صلى الله عليه وسلم, فإذا علم أنه لا تتم محبة الله عز وجل إلا بمحبة
ما يحبه وكراهة ما يكرهه, فلا طريق إلى معرفة ما يحبه تعالى ويرضاه
وما يكرهه ويأباه إلا باتباع ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
واجتناب ما نهى عنه, فصارت محبته مستلزمة لمحبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتصديقه ومتابعته, ولهذا قرن محبته بمحبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة من القرآن كقوله عز وجل:
قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ
فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
}
[التوبة: 24] وغير ذلك من الآيات.}

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص518 -524


http://www.ar4up.com/uploads/images/...51799ae96d.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:43 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...5125ca1cfc.gif

الكتاب الثاني: أركان الإسلام » الباب الثاني: الصلاة »

تمهيد


http://www.ar4up.com/uploads/images/...dcb343d58f.gif

(وثانيا) من الأركان الخمسة (إقامة الصلاة) بجميع حقوقها ولوازمها (وثالثا تأدية الزكاة)
إعطاؤها على الوجه المشروع وقد تقرر اقتران هذين الركنين بالتوحيد وتقديمهما بعده
على غيرهما في غير موضع من القرآن أمرا وخبرا قال تعالى
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
} [البقرة: 2-3] قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
}
[البقرة: 277] وقال الله تعالى:
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56]
وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
} [البينة: 5] وقال الله تعالى:
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
[التوبة: 5] وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه النبي..
صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له:
((إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة
أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم
خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم
صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم
أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب
)) وفي رواية
((فليكن ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله تعالى فأخبرهم))
الحديث.
ولنذكر طرفا من النصوص المتعلقة بالصلاة على انفرادها ثم نذكر ما تيسر من
نصوص الزكاة والله المستعان.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص770


http://www.ar4up.com/uploads/images/...5125ca1cfc.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:44 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 


http://www.ar4up.com/uploads/images/...5125ca1cfc.gif
الفصل الأول: فضل الصلاة



اعلم هدانا الله وإياك أن الصلاة قد اشتملت على جل أنواع العبادة من الاعتقاد
بالقلب والانقياد والإخلاص والمحبة والخشوع والخضوع والمشاهدة والمراقبة
والإقبال على الله عز وجل وإسلام الوجه له والصمود والاطراح بين يديه وعلى أقوال
اللسان وأعماله من الشهادتين وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتقديس
والتمجيد والتهليل والتكبير والأدعية والتعوذ والاستغفار والاستغاثة والافتقار إلى الله
تعالى والثناء عليه والاعتذار من الذنب إليه والإقرار بالنعم له وسائر أنواع الذكر
وعلى عمل الجوارح من الركوع والسجود والقيام والاعتدال والخفض والرفع وغير ذلك
هذا مع تضمنته من الشرائط والفضائل منها الطهارة الحسية من الأحداث والأنجاس
الحسية والمعنوية من الإشراك والفحشاء والمنكر وسائر الأرجاس وإسباغ الوضوء
على المكاره ونقل الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة وغير ذلك مما لم
يجتمع في غيرها من العبادات ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((وجعلت قرة عيني في الصلاة))
ولاشتمالها على معاني الإيمان سماها الله
إيمانا في قوله تعالى {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]
.وهي ثانية أركان
الإسلام في الفرضية فإنها فرضت في ليلة المعراج بعد عشر من البعثة لم يدع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلها إلى شيء غير التوحيد الذي هو الركن
الأول ففرضت خمسين ثم خففها الله عز وجل إلى خمس كما تواترت النصوص
بذلك في الصحيحين وغيرهما وهي ثانية في الذكر فما ذكرت شرائع الإسلام
في آية من الآيات أو حديث من السنة إلا وبدئ بها بعد التوحيد قبل غيرها كما
في الآيات السابقة وكما في حديث جبريل وحديث
((بني الإسلام)) وحديث وفد
عبد القيس وحديث معاذ بن جبل وحديث
((أمرت أن أقاتل الناس))
وغيرها مما لا يحصى.
وهي ثانية في آيات الأمر بالجهاد وفي آيات وعيد الكفار
كما في قوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ}
[التوبة: 5] وقال الله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 46-49].
وهي ثانية في مدح المؤمنين كما قال الله تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ
فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1-2]
وفي ذم الكفار بتركها كما في قوله تعالى:
{فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 20-21] وقوله:
{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31-32]
وكذا في ذم المنافقين بعدم اهتمامهم لها كما في قوله تعالى:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ
وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ
يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}
[النساء: 142]. وهي ثانية في حساب العبد يوم القيامة كما في قوله ..
صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة
صلاته فإن قبلت
منه تقبل منه سائر عمله وإن ردت عليه رد عليه
سائر عمله)) .
ومعنى قوله ((أول ما يسأل عنه العبد)) أي بعد التوحيد.
وهي ثانية فيما يذكر المجرمون أنهم عوقبوا به كما في قوله تعالى
{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 40-43]
الآيات والنصوص في شأنها كثيرة لا تحصى وهي متنوعة فمنها
ما فيه الأمر بها {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى
وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وقوله
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]
وقوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ
كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] وما في معناها. ومنها ما فيه بيان
محلها من الدين
كالنصوص السابقة وكقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ
((رأس الأمر الإسلام
وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)) .
ومنها في ثواب أهلها كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ
يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 9-11].
ومنها ما فيه نجاتهم من النار كقوله صلى الله عليه وسلم في عصاة الموحدين ((فيعرفونهم بآثار السجود تأكل النار من ابن آدم
إلا أثر السجود حرم الله على
النار أن تأكل أثر السجود)) .
ومنها ما في عقاب تاركها كقوله تعالى
{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ
سَاهُونَ} [الماعون: 4-5] وقوله تعالى:
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ} [مريم: 59-60]
الآية, وقوله تعالى:
{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ
تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 42-43].
ومنها ما فيه تكفير تاركها ونفي الإيمان عنه وإلحاقه بإبليس كقوله تعالى:
{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}
[مريم: 59-60] فإنه لو كان
مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان. وقوله:
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ
وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11]
فعلق أخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة فإذا لم يفعلوا لم يكونوا أخوة
للمؤمنين فلا يكونون مؤمنين وقال الله تعالى:
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا
سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} ]السجدة: 15
وقال الله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ
إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
البقرة: 34[. ]وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل
الشيطان يبكي يقول: يا ويله – وفي رواية يا ويلي –
أمر ابن آدم بالسجود
فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار))
.وفيه عن جابر
رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))
ورواه الترمذي وقال حسن
صحيح وله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن
تركها فقد كفر)) ...
وروى الإمام أحمد والنسائي عن محجن بن الأدرع
الأسلمي:
((أنه كان في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم
فأذن بالصلاة فقام النبي...
صلى الله عليه وسلم ثم رجع ومحجن في مجلسه
فقال له: ما منعك أن
تصلي ألست برجل مسلم قال: بلى ولكني صليت
في أهلي فقال له:
إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت))
فجعل الفارق بين المسلم
والكافر الصلاة ولفظ الحديث يتضمن أنك لو كنت مسلما
لصليت.
وفي المسند والأربع السنن عن عبد الله بن عمرو
بن العاص رضي الله عنهما
((عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة
يوما فقال له:
من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم
القيامة ومن لم يحافظ عليها
لم يكن له نور وبرهان ولا نجاة وكان يوم القيامة
مع قارون وفرعون وهامان
وأبي بن خلف)) ....


معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول
لحافظ بن أحمد الحكمي – ص771


| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:45 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...4be7b6c8ee.gif

الأقوال في المسألة
http://www.ar4up.com/uploads/images/...967c87dfbf.gif
قال الترمذي رحمه الله تعالى: حدثنا قتيبة أخبرنا بشر بن المفضل عن الجريري
عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .ومنها ما فيه التصريح بوجوب
قتله كقوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ} [التوبة: 5] الآية وقوله ...
صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة
)) الحديث وغير ذلك من الآيات
والأحاديث.وأما الآثار في شأنها عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم فأكثر من أن
تحصر وقد أجمعوا على قتله كفرا إذا كان تركه للصلاة عن جحود لفرضيتها
أو استكبار عنها وإن قال لا إله إلا الله لما تقدم من الآيات والأحاديث السابقة ولد
خوله في التارك لدينه المفارق للجماعة وفي قوله صلى الله عليه وسلم
((من بدل دينه فاقتلوه)) فإنه بذلك يكون مرتدا مبدلا لدينه وأما إن كان تركه لها
لا لجحود ولا استكبار بل لنوع تكاسل وتهاون كما هو حال كثير من الناس فقال
النووي رحمه الله تعالى والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق
ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف.وذهب
جماعة من السلف وهو مروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهي إحدى
الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وبه قال عبد الله بن مبارك وإسحاق
بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي رضوان الله عليه وذهب أبو حنيفة
وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي رحمهم الله تعالى إلى أنه
لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي قال رحمه الله تعالى:
واحتج من قال بكفره بظاهر حديث جابر ..
((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) وبالقياس على كلمة التوحيد.
واحتج من قال لا يقتل بحديث ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث))
وليس فيه الصلاة واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى:
{إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48]
وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ومن مات وهو
يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ولا يلقى الله عبد بهما غير شاك فيحجب عن
الجنة وحرم الله على النار من قال لا إله إلا الله
)) وغير ذلك واحتجوا على قتله
بقوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ
} [التوبة: 5] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني
دماءهم وأموالهم
)) وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم:
((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)) على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة
الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو على أنه قد يؤول به إلى
الكفر أو أن فعله فعل الكفار والله أعلم انتهى كلامه.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص777

http://www.ar4up.com/uploads/images/...967c87dfbf.gif

أما من تعمد ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً، وهل هو كافر أو مسلم؟ ففيه قولان
وهذه المسألة محل خلاف طويل بين أهل العلم، وسنورد أقوالهم وأدلتهم
ومناقشتها على النحو التالي:-
القول الأول:- قال بتكفير تارك الصلاة جمع من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين
وكثير من أئمة العلم وأهله.يقول محمد بن نصر المروزي عن هذا القول: - وهذا
مذهب جمهور أصحاب الحديث. ويقول ابن حزم: - " فروينا عن عمر بن الخطاب –
رضي الله عنه – ومعاذ بن جبل وابن مسعود وجماعة من الصحابة – رضي الله عنهم –
وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم
وعن تمام سبعة عشر رجلاً من الصحابة، والتابعين رضي الله عنهم، أن من تـرك
صلاة فرض عامداً ذاكراً حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتـد، وبهذا يقول عبد الله
بن الماجشـون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره.
وقال ابن قدامة: - واختلفت الرواية هل يقتل لكفره أو حداً؟ فروي أنه يقتل
لكفره كالمرتد، فلا يغسل ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين، ولا يرثه أحد، ولا
يرث أحداً، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا، وابن حامد، وهو مذهب الحسن
والنخعي، والشعبي، وأيوب السختياني، والأوزاعي، وابن المبارك، وحماد
بن زيد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن... وقال النووي: - " من تركها بلا عذر
تكاسلاً وتهاوناً فيأثم بلا شك، ويجب قتله إذا أصر، وهل يكفر؟
فيه وجهان
حكاهما المصنف الشيرازي وغيره، أحدهما يكفر، قال العبدري: وهو قول منصور
الفقيه من أصحابنا وحكاه المصنف في كتابه في الخلاف عن أبي الطيب بن
سلمة من أصحابنا. وقال ابن تيمية: - " وإن كان التارك للصلاة واحداً فقد قيل
إنه يعاقب بالضرب والحبس حتى يصلي، وجمهور العلماء على أنه يجب قتله
إذا امتنع من الصلاة بعد أن يستتاب، فإن تاب وصلى، وإلا قتل، وهل يقتل كافراً
أو مسلماً فاسقاً؟ فيه قولان،
وأكثر السلف على أنه يقتل كافراً، وهذا كله مع
الإقرار بوجوبها.
وأما القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة فكثير من الفقهاء.قال ابن قدامة: - "
والرواية الثانية: يقتل حداً، مع الحكم بإسلامه، كالزاني المحصن، وهذا اختيار
أبي عبد الله ابن بطة، وأنكر قول من قال إنه يكفر... وهذا قول أكثر الفقهاء،
وقول أبي حنيفة ومالك، والشافعي. وقال النووي – عن هذا القول:
وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور.
(أ) أدلة الفريق الأول:-
استدل القائلون بتكفير تارك الصلاة بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب:-
1- فقوله تعالى: - {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ
كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا
بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ
– إلى قوله – يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ
} [القلم: 35-43].يقول ابن تيمية: - " إنما يصف سبحانه
بالامتناع عن السجود الكفار، كقوله {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ
فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ
} [القلم:42] ويقول ابن القيم: -
" فوجه الدلالة من الآية: - أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين
وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته، ولا بحكمه، ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم
ضد المسلمين، فقال: - " يوم يكشف عن ساق " وأنهم يدعون إلى السجود
لربهم – تبارك وتعالى – فيحال بينهم وبينه، فلا يستطيعون السجود
مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا،
وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجـد
المسلمون كصياصي البقر ، ولـو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود
كما أذن للمسلمين.
2 - قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ
يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى
أَتَانَا الْيَقِينُ
} [المدثر: 38-47]يقول محمد بن نصر المروزي: -
أولا تراه أبان أن أهل المعاد إلى الجنة المصلين، وأن المستوجبين للإياس
من الجنة المستحقين للتخليد في النار من لم يكن من أهل الصلاة بإخباره
تعالى عن المخلدين في النار حين سئلوا {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ
مِنَ الْمُصَلِّينَ
} [المدثر: 42].
وقال ابن القيم: - " قد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين، وتارك
الصلاة من المجرمين السالكين في سقر، وقد قال: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ
وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر: 47, 48]
وقال تعالى: - {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29]،
فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين.
3- قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ
} [مريم: 59].ومعنى أضاعوا الصلاة أي تركوها، كما اختاره
ابن جرير وغيره ، وأما المقصود بغي، فقد ساق الإمام محمد بن نصر بسنده
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: -
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها
سبعين خريفاً، ثم تنتهي إلى غي وأثام، فقلت: وما غي وأثام؟ قال:
بئران في أسفل جهنم، يسيل فيها صديد أهل جهنم
)). يقول ابن القيم: -
" فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع
الصلاة، واتبع الشهوات، ولو كان مع عصاة المسلمين، لكانوا في الطبقة العليا
من طبقات النار، ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو في أسفلها، فإن هذا
ليس من أمكنة أهل الإسلام، بل من أمكنه الكفار، ومن الآية دليل آخر وهو
قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} فلو كان
مضيع الصلاة مؤمناً، لم يشترط في توبته الإيمان، وأنه يكون تحصيلاً للحاصل.
4- قوله عز وجل: - {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
} [التوبة:
11].فمفهوم هذه الآية أنهم إن لم يقيموا
الصلاة لم يكونوا من إخوان المؤمنين، ومن انتفت عنهم أخوة المؤمنين،
فهم من الكافرين؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
} [الحجرات: 10]، فالأخوة الدينية لا تنتفي بالمعاصي
وإن عظمت، ولكن تنتفي بالخروج عن الإسلام.
5- قوله سبحانه وتعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31- 32].
يقول محمد بن نصر المروزي: - " فالكذب ضد التصديق، والتولي ترك الصلاة وغيرها
من الفرائض، ثم أوعده وعيداً بعد وعيد فقال: -
{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34- 35]. ويقول ابن القيم –
عن هذه الآيات: فلما كان الإسلام تصديق الخبر، والانقياد للأمر، جعل سبحانه
له ضدين: عدم التصديق، وعدم الصلاة، وقابل التصديق بالتكذيب
والصلاة بالتولي فقال: - " {وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فكمـا أن المكذب كافر
فالمتولي عن الصلاة كافر، فكما يزول الإسلام بالتكذيب يزول بالتولي عن الصلاة.
6-قوله تبارك وتعالى: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ عَن
ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
} [المنافقون: 9].قال عطاء
بن أبي رباح: هي الصلاة المكتوبة.
يقول ابن القيم: - " ووجه الاستدلال بالآية أن الله حكم بالخسران المطلق
لمن أَلْهَا ماله وولده عن الصلاة، والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار
فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه، فآخر أمره إلى الربح، يوضحه أنه
سبحانه وتعالى – أكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد:
الأول: إتيانه به بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل
الدال على التجدد والحدوث.
الثاني: - تصدير الاسم بالألف واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم
فإنك إذا قلت: زيد العالم الصالح، أفاد ذلك إثبات كمال ذلك، بخلاف قولك
عالم صالح.
الثالث: - إتيانه – سبحانه – بالمبتدأ والخبر معرفتين،وذلك من علامات انحصار
الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى: - {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]
وقوله تعالى - {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254].
الرابع: - إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر، وهو يفيد مع الفصل فائدتين
أخريين: قوة الإسناد، واختصاص المسند إليه بالمسند، كقوله تعالى:-
{وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحـج: 64] وقوله: -
{وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة: 76].
7- قوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ
لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
} [المرسلات: 46-49].
يقول ابن القيم: " توعدهم على ترك الركوع، وهو الصلاة إذا دعوا إليها، ولا يقال
إنما توعدهم على التكذيب، فإنه سبحانه وتعالى إنما أخبرهم عن تركهم لها
وعليه وقع الوعيد.
على أنا نقول: لا يصر على ترك الصلاة إصراراً مستمراً من يصدق بأن الله سبحانه
أمر بها أصلاً، فإنه يستحيل – في العادة والطبيعة – أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً
جازماً أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد
العقاب، وهو مع ذلك مصر على تركها، هذا من المستحيل قطعاً، فلا يحافظ على
تركها مصدق بفرضها أبداً، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه
ما يأمره بها، فليس في قلبه شيء من الإيمان.ولا تصغ إلى كلام من ليس له
خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها، وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد
إيمان بالوعد والوعيد، والجنة والنار، وأن الله فرض عليه الصلاة، وأن الله يعاقبه
معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته، وعدم الموانع
المانعة له من الفعل،و هذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد
التصديق، وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن
يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة، ولا ترك معصية.
8- قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
[الروم:31].فبين عز وجل أن علامة أن يكون من المشركين ترك إقامة الصلاة.
وأما أدلتهم من السنة فنوردها كما يأتي:-1- ساق الإمام مسلم بسنده
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: -
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحد بين الإسلام والكفر ترك الصلاة، فمن
أدى الصلاة فهو مسلم، ومن تركها فهو كافر.يقول البيهقي: ليس من العبادات
بعد الإيمان الرافع للكفر عبادة سماها الله عز وجل إيماناً، وسمى رسول الله..
صلى الله عليه وسلم تركها كفراً إلا الصلاة.
وقد جاء الكفر – في هذا الحديث – معرفاً، فدل على التخصيص والعهد، وكما قال
ابن تيمية:-" ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافراً الكفر
المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة
من شعب الإيمان يصير مؤمناً، حتى يقوم به أصل الإيمان، وفرق بين الكفر
المعرف باللام كما في قولـه صلى الله عليه وسلم: ((ليس بين العبد وبين
الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة)) وبين كفر منكر في الإثبات.
ويقول الشوكاني - في بيان حكم تارك الصلاة –:
والحق أنه كافر يقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى
تارك الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم
عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق. ويقول الشنقيطي عن هذا الحديث:
وهو واضح في أن تارك الصلاة كافر؛ لأن عطف الشرك على الكفر فيه تأكيد
قوي لكونه كافراً. 2- وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))
يقول العراقي في شرح هذا الحديث: - " الضمير في قوله " وبينهم "
يعود على الكفار أو المنافقين، معناه بين المسلمين والكافرين والمنافقين
ترك الصلاة... والمراد أنهم ما داموا يصلون فالعهد الذي بينهم وبين المسلمين
من حقن الدم باق... ومما قاله المباركفوري في شرح هذا الحديث: -
" والمعنى أن العمدة في إجراء أحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين
في حضور صلاتهم، ولزوم جماعتهم، وانقيادهم للأحكام الظاهرة، فإذا تركوا
ذلك كانوا هم والكفار سواء. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة
حداً يميز المسلمين عن غيرهم من الكفار، ويشهد لهذا ما جاء في الحديث
الآخر عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً قال:
((بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك))
3- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما :
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال:
((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها
لم تكن له نوراً، ولا برهاناً، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون
وهامان وأبي بن خلف
)) قال ابن القيم: وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم
من رؤوس الكفرة، وفيه نكتة بديعة، وهو أن تارك المحافظة على الصلاة...
إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رئاسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله
فهو مع قارون ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رئاسة
وزارة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته مع أبي بن خلف. وقال الشنقيطي:
" وهذا الحديث أوضح دلالة على كفر تارك الصلاة؛ لأن انتفاء النور والبرهان
والنجاة، والكينونة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف يوم القيامة أوضح
دليل على الكفر كما ترى. 4
- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي أبو القاسم
صلى الله عليه وسلم بسبع:
((لا تشرك بالله شيئاً، وإن قطعت أو حرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمداً
فمن تركها عمداً فقد برئت منه الذمة
)) يقول ابن القيم: -
" ولو كان باقياً على إسلامه، لكانت له ذمة الإسلام.
5- وجاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الطويل، قوله :
صلى الله عليه وسلم: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد))
يقول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله -: ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده
سقط الفسطاط، ولم تنتفع بالطنب ولا بالأوتاد، وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت
بالطنب والأوتاد؟
6- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا، وعليه
ما علينا
)) فهذا دليل على أن من لم يصل صلاتنا، ويستقبل قبلتنا فليس بمسلم.
وقال ابن القيم – عن هذا الحديث -: - ووجه الدلالة فيه من وجهين:-
أحدهما: أنه إنما جعله مسلماً بهذه الثلاثة، فلا يكون مسلماً بدونها.الثاني:-
أنـه إذا صلـى إلى الشرق، لم يكن مسلماً حتى يصلي إلى قبلة المسلمين
فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية.
7- وعن محجن الديلي رضي الله عنه:
((أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن بالصلاة
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى، ثم رجع ومحجن في مجلسه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تصلي مع الناس؟
ألست برجل مسلم؟ قال: بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت
)) يقول ابن عبد البر: -
في هذا الحديث وجوه من الفقه: أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم لمحجن
الديلي: ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟ وفي هذا –
والله أعلم – دليل على أن من لا يصلي ليس بمسلم، وإن كان موحداً، وهذا
موضع اختلاف بين أهل العلم، وتقرير هذا الخطاب في هذا الحديث:
أن أحداً لا يكون مسلماً إلا أن يصلي، فمن لم يصل فليس بمسلم
ويقول ابن القيم: " فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة، وأنت تجد تحت
ألفاظ الحديث أنك لو كنت مسلماً لصليت، وهذا كما تقول:
مالك لا تتكلم ألست بناطق؟ ومالك؛ لا تتحرك ألست بحي؟ ولو كان الإسلام
يثبت مع عدم الصلاة، لما قال لمن رآه لا يصلي: ألست برجل مسلم.
8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء))
وفي رواية لمسلم: ((قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟
قال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟
قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم
على الحوض
)) يقول ابن تيمية: - فدل ذلك على أن من لم يكن غراً محجلاً،
لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون من أمته
9 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
((بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن
بذهبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها وقال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة
بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، فقال رجل من أصحابه:
كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً قال:
فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية محلوق الرأس
مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله، فقال: ويلك! أولست أحق أهل الأرض
أن يتقي الله قال: ثم ولّى الرجل، فقال خالد بن الوليد: -
يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا لعله أن يكون يصلي))
وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: (( إني نهيت عن قتل المصلين))
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الصلاة مانعاً من قتل من همَّ الصحابة
بقتلهم لما رأوا فيهم من احتمال كفرهم، ولو لم يكونوا مقيمين للصلاة لم يمنع
الصحابة من ذلك، كما هو ظاهر الحديثين، ولكان قتلهم إياهم لأجل أنهم كفار ليس
لدمائهم عصمة، ولا يقال هنا أن تارك الصلاة يقتل حداً لا كفراً، بدلالة هذين
الحديثين السابقين، فإنهما لا يدلان على ذلك، وإنما يدلان على خلافه
والذي يبين ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
((لا يحل دم امرىءٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس
والتارك لدينه المفارق للجماعة
)) وليس تارك الصلاة من أصحاب الحدود
من المسلمين، بل لا يكون ذلك إلا في الزاني المحصن وليس قاتل نفس، فلم
يبق إلا أن يكون إباحة دم تارك الصلاة من أجل ردته.
10- عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم
وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم،
قيل:
يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة …))
وعن أم سلمة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر
فقد سلم،
ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا))
و((ما)) في قوله: ((ما صلوا)) مصدرية ظرفية، أي لا تقاتلوهم مدة كونهم يصلون
ويفهم منه أنهم إن لم يصلوا قوتلوا. وجاء في حديث عبادة بن الصامت
رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال:
فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا
ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله
فيه برهان. فدل مجموع هذه الأحاديث أن ترك الصلاة كفر بواح عليه من الله
برهان؛ لأنه إذا لم يجز الخروج على الأئمة إلا إذا كفروا كفراً بواحاً، ثم جاز
الخروج عليهم إذا تركوا الصلاة، دل ذلك على أن ترك الصلاة من ذاك الكفر.
11- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا قرأ ابن آدم السجدة، فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، ويقول: يا ويلي
أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار
))
قال إسحاق بن راهويه: واجتمع أهل العلم على أن إبليس إنما ترك السجود
لآدم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان في نفسه خيراً من آدم عليه السلام
فاستكبر عن السجود لآدم فقال:
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}
[الأعراف: 12].
فالنار أقوى من الطين، فلم يشك إبليس في أن الله قد أمره، ولا جحد السجود
فصار كافراً بتركه أمر الله تعالى، واستنكافه أن يذل لآدم بالسجود له، ولم يكن
تركه استنكافاً عن الله تعالى، ولا جحوداً منه لأمره، فاقتاس قوم ترك الصلاة
على هذا.قالوا: تارك السجود لله تعالى، وقد افترضه عليه عمداً، وإن كان مقراً
بوجوبه، أعظم معصية من إبليس في تركه السجود لآدم؛ لأن الله افترض الصلوات
على عباده، اختصها لنفسه، فأمرهم بالخضوع لهم بها دون خلقه، فتارك الصلاة
أعظم معصية، واستهانة من إبليس حين ترك السجود لآدم عليه السلام، فكما
وقعت استهانة إبليس، وتكبره عن السجود لآدم موقع الحجة، فصار بذلك كافراً
فكذلك تارك الصلاة، عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. وأما دلالة الإجماع
على كفر تارك الصلاة، فإجماع الصحابة رضي الله عنهم
فعن سليمان بن يسار قال: أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه إذ طعن، دخل عليه هو وابن عباس رضي الله عنهم، فلما أصبح
من غد، فزعوه، فقالوا: الصلاة، ففزع، فقال: نعم، لاحظ في الإسلام لمن ترك
الصلاة فصلى والجرح يثعب دماً. يقول ابن القيم: - فقال هذا بمحضر من الصحابة
ولم ينكروه عليه. وقال محمد بن نصر المروزي:
- ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها
وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتل من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن
الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك.
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
قال الشوكاني معلقاً على أثر عبد الله بن شقيق " والظاهر من الصيغة أن هذه
المقالة اجتمع عليها الصحابة؛ لأن قوله: " كان أصحاب رسول الله، جمع مضاف
وهو من المشعرات بذلك. " وقال إسحاق بن راهويه: -
قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً كافر
وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا
هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
(ب) أدلة الفريق الآخر:- واستدل القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة بجملة من الأدلة، نذكرها على
النحو التالي:-
http://www.ar4up.com/uploads/images/...967c87dfbf.gif

1- قوله تعالى: - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}
[النساء: 48].
2- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: - سمعت رسول الله..
صلى الله عليه وسلم يقول: - ((خمس صلوات افترضهن الله، من أحسن
وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن
يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه
)).
وفي رواية: ((فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم
يحافظ عليهن
..)) الحديث وهذا الدليل أجود ما اعتمدوا – كما يقول ابن تيمية .
قال الطحاوي: دل أنه لم يخرج بذلك عن الإسلام فيجعله مرتداً مشركاً؛
لأن الله تعالى لا يدخل الجنة من أشرك به لقوله تعالى:
{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ
مِنْ أَنصَارٍ
} [المائدة، آية 73]، ولا يغفر له لقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء
} [النساء، آية 48]. وقال ابن عبد البر عن هذا الحديث: -
" وفيه دليل على أن من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله، إذا كان موحداً
مؤمناً بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مقراً، وإن لم يعمل.
وقال الزرقاني: " وفيه - يعني حديث عبادة المذكور - أن تارك الصلاة لا يكفر
ولا يتمتم عذابه، بل هو تحت المشيئة بنص الحديث. ، ولو كان كافراً لم يدخله
تحت المشيئة وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مرفوعاً:-
يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة
ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في
الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز، يقولون:
أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله، فنحن نقولها. قال صلة بن زفر لحذيفة: -
ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟
فأعرض عنه حذيفه، ثم ردها عليه ثلاثاً، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل
عليه في الثالثة فقال: يا صلة! تنجيهم من النار ثلاثاً. 4- وعن أبي ذر الغفاري
رضي الله عنه قال: - قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي من
صلاة العشاء، فصلى بالقوم، ثم تخلف أصحاب له يصلون فلما رأى قيامهم
وتخلفهم، انصرف إلى رحله، فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه
فصلى فجئت خلفه، فأومأ إلي بيمينه، فقمت عن يمينه، ثم جاء ابن مسعود
فقام خلفي وخلفه، فأومأ إليه بشماله، فقام عن شماله، فقمنا ثلاثتنا
يصلي كل رجل منا بنفسه، ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو، فقام بآية
من القرآن يرددها حتى صلى الغداة، فبعد أن أصبحنا أومأت إلى عبد الله
بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة، فقال ابن مسعود: -
لا أسأله عن شيء حتى يحدث إليَّ، فقلت بأبي أنت وأمي، قمت بآية
من القرآن ومعك القرآن، لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه، قال دعوت لأمتي، قال:
فماذا أجبت؟ قال: أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة … الحديث
5- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الدواوين عند الله ثلاث: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً
وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك،
قال الله عز وجل: -
{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 73]
وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه
من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله – عز وجل – يغفر ذلك، ويتجاوز عنه
إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً، فظلم العباد بعضهم بعضاً
القصاص لا محالة
))
4- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأول
ما يقضي بين الناس في الدماء)) وجاء من حديث أبي هريرة قال: إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما يحاسب به العبد صلاته
فإن أتمها، وإلا نظر هل له من تطوع، فإن كان له تطوع، أكملت الفريضة من
تطوعه، ثم ترفع سائر الأعمال على ذلك
)) يقول الشوكاني: -
أثناء شرحه لهذا الحديث - " والحديث يدل على أن ما لحق الفرائض من النقص
كملته النوافل، وأورده المصنف – يعني المجد ابن تيمية - في حجج من قال
بعدم الكفر؛ لأن نقصان الفرائض أعم من أن يكون نقصاً في الذات، وهو ترك
بعضها، أو في الصفة وهو عدم استيفاء أذكارها، أو أركانها وجبرانها بالنوافل
شعر بأنها مقبولة مثاب عليها، والكفر ينافي ذلك. ويقول الشنقيطي: -
" وجه الاستدلال بالحديث المذكور على عدم كفر تارك الصلاة أن نقصان الصلوات
المكتوبة وإتمامها من النوافل يتناول بعمومه ترك بعضها عمداً، كما يقتضيه
ظاهر عموم اللفظ كما ترى.
5- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: - قــال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يا أبا ذر! إنه سيكون بعدي أمراء، يميتـون الصلاة، فصل الصلاة لوقتها، فإن
صليت لوقتها كانت لك نافلة، وإلا كنت قد أحرزت صلاتك
)) فهذا دليل على
أن تارك الصلاة حتى يخرج وقتها غير كافر.
6- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: ((أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسئل
ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما
ارتفع عنه أفاق، قال: علام جلدتموني؟ إنك صليت صلاة واحدة بغير طهور
ومررت، على مظلوم فلن تنصره
)) قال الطحاوي: " في هذا الحديث ما قد
دل أن تارك الصلاة لم يكن بذلك كافراً؛ لأنه لو كان كافراً، لكان دعاؤه باطلاً
لقوله تعالى: {وَمَا دُعَآء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر: 50]
7- وعن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن للإسلام صوى، ومناراً كمنار الطريق، منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به
شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على
القوم إذا مررت بهم، فمن ترك من ذلك شيئاً، فقد ترك سهماً من الإسلام
ومن تركهن كلهن فقد ولى الإسلام ظهره
))
8- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم: ((إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا، فوالذي نفسي
بيده ما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة
المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار
. قال: يقولون: ربنا! إخواننا كانوا
يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويجاهدون معنا فأدخلتهم النار.
قال: فيقول اذهبوا، فأخرجوا من عرفتم منهم. فيأتونهم، فيعرفونهم بصورهم
لا تأكل النار صورهم … فيخرجون منها بشراً كثيراً، فيقولون ربنا قد أخرجنا
من أمرتنا. قال: ثم يعودون فيتكلمون، فيقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال
دينار من الإيمان فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا.
ثم يقول: ارجعوا فمن كان في قلبه وزن نصف دينار، فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً
ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا حتى يقول:
أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة، فيخرجون خلقاً كثيراً. قال: فيقولون: ر
بنا قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خير، قال ثم يقول الله:
شفعت الملائكة، وشفعت الأنبياء، وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين.
قال: فيقبض قبضة من النار – أو قال قبضتين – ناساً لم يعملوا لله خيراً قط، قد
احترقوا حتى صاروا حمماً. قال: فيؤتى بهم إلى ماء ما يقال له: الحياة، فيصب
عليهم - إلى أن قال صلى الله عليه وسلم -: فيقال لهم: ادخلوا الجنة
... ))
الحديث قال الشيخ ناصر الدين الألباني عن هذا الحديث: -
" فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله
أنه لا يخلد في النار مع المشركين، ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة
الله تعالى في قوله: - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}
[النساء: 48]
9- واحتجوا بجملة من عمومات الأحاديث: كقوله صلى الله عليه وسلم:
((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله
وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق
والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل
)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)) وما جاء في معناهما …
10- واحتجوا بالإجماع قائلين:- " لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي
الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته
ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فرق بين زوجين لترك صلاة من أحدهما
مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافراً لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين
المسلمين خلافاً في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتداً لم يجب
عليه قضاء صلاة ولا صيام.

وأجاب هذا الفريق عن أدلة مكفري تارك الصلاة بأجوبة منها:-
http://www.ar4up.com/uploads/images/...967c87dfbf.gif

1- قالوا: تحمل أحاديث تكفير تارك الصلاة على كفر النعمة، كقوله
صلى الله عليه وسلم: ((من تعلم الرمي، ثم تركه، فهي نعمة كفرها))
وقوله: -: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
)) وقوله: -
((من حلف بغير الله فقد كفر)) وبعضهم يقول – كالشوكاني –
إن كفر تارك الصلاة إنما هو كفر دون كفر، فلا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر
غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة.
2- إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة كحديث جابر وبريدة رضي الله
عنهما إنما هي على سبيل التغليظ والزجر الشديد لا على الحقيقة، فظاهرها
غير مرادها .
3- إن مثل هذه النصوص محمولة على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو
وجوب القتل. قال النووي: - وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده.
4- المراد من هذه الأحاديث من استحل ترك الصلاة، أو تركها جحوداً بلا عذر.

(ج) أجوبة المكفرين عن أدلة الآخرين:-

http://www.ar4up.com/uploads/images/...967c87dfbf.gif

وقد أجاب القائلون بتكفير تارك الصلاة عن أدلة الآخرين بما يلي:-
1- أما حديث عبادة بن الصامت: - ((خمس صلوات..)) الحديث فهذا الوعد الكريم
إنما هو بالمحافظة عليها، والمحافظة: فعلها في أوقاتها كما أمر، قال تعالى:
- {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]
وعدم المحافظة يكون مع فعلها بعد الوقت، كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم
صلاة العصر يوم الخندق، فأنزل الله آية الأمر بالمحافظة عليها وعلى غيرها
من الصلوات.
وقد دل الكتاب والسنة، واتفاق السلف على الفرق بين من يضيع الصلاة فيصليها
بعد الوقت، والفرق بين من يتركها. ولو كانت بعد الوقت لا تصح بحال، لكان
الجميع سواء ,فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة من لم
يحافظ عليها، لا من ترك، ونفي المحافظة يقتضي أنهم صلوا، ولم يحافظوا عليها
وقوله صلى الله عليه وسلم: - ((ومن لم يفعل فليس له على الله عهد..))
معناه: أنه لم يأت بهن على الكمال، وإنما أتى بهن ناقصات من حقوقهن، كما جاء
مفسراً في بعض الروايات: ((ومن جاء بهن، وقد انتقص من حقهن شيئاً،
جاء وليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه
)) قال محمد بن نصر
المزوري: - "فمن أتى بذلك كله كاملاً على ما أمر به، فهو الذي له العهد عند الله
تعالى بأن يدخله الجنة، ومن أتى بهن، لم يتركهن، وقد انتقص من حقوقهن شيئاً
فهو الذي لا عهد له عند الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فهذا بعيد الشبه
من الذي يتركها أصلاً لا يصليها.
2- وأما حديث حذيفة – والذي جاء فيه -: ((تنجيهم لا إله إلا الله)) فهو محمول
على زمن الفترات، حيث تضمن هذا الحديث الإخبار عما يحصل في آخر الزمان
من محو الإسلام، ورفع القرآن حتى لا يبقى منه آية، حتى لا يُدْرَى ما صيام ولا
صلاة ولا نسك ولا صدقة، فيغفر الله لهؤلاء مالا يغفر لغيرهم ممن قامت عليهم
الحجة، وظهرت آثار الرسالة في وقتهم، وقد أشار ابن تيمية إلى زمانه، وما كان
عليه الكثير من الناس من الوقوع في أنواع الكفر فقال عنهم -: وهؤلاء الأجناس
وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان، فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في
أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به
الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات، يثاب
الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه
ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف:
" يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة، ولا صياماً ولا حجاً.. الحديث
فإذا كان هؤلاء معذورين مع وجود أهل العلم، ووجود القرآن والسنة بين أظهرهم...
فكيف لا يعذر بترك الصلاة ونحوها من كان في زمان يمحى فيه الإسلام، ويرفع
فيه القرآن فلا يبقى منه في الأرض آية؟فينبغي مراعاة أحوال الأزمنة والأمكنة
والأشخاص، ولعل مما يؤكد ما ذكرناه أن راوي الحديث السابق حذيفة بن اليمان
رضي الله عنه لما رأى رجلاً لا يتم الركوع والسجود، قال:
(ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً
صلى الله عليه وسلم
) يقول ابن حجر: - " واستدل به على تكفير تارك الصلاة؛
لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها، فيكون نفيه عمن
أخل بها كلها أولى فتأمل تنوع الجوابين لاختلاف الزمان والحال والله أعلم
3- وأما استدلالهم بحديث أبي ذر مرفوعاً:
((إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة.. )) الحديث، فقد أجاب محمد بن نصر
عن استدلالهم بما يلي: " ليس في هذه الأخبار التي احتججتم بها دليل على
أن تارك الصلاة عمداً، حتى يخرج وقتها لا يكفر، متعمدين لتركها حتى يذهب وقتها.
إنما قال في حديث عبادة يكون عليكم أمراء يشغلهم أشياء عن الصلاة، فإنما
أخروها عن الوقت الذي كانت تصلى فيه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
والخلفاء الراشدين... فكانوا يؤخرونها عن وقت الاختيار إلى وقت أصحاب العذر..
ولا يؤخرونها حتى يخرجوا من وقت أصحاب العذر كله، فلم يكونوا يؤخرون الصلاة
حتى يخرج الوقت كله، إنما كانوا يؤخرونها عن وقت الاختيار، ويصلون في آخر وقت
العذر، فلذلك لم يثبت عليهم الكفر. وأجاب ابن تيمية قائلاً:
" وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأمراء الذين يؤخرون
الصلاة عن وقتها، " صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة وهم
إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر، والعصر إلى وقت الاصفرار، وذلك مما
هو مذمومون عليه، ولكن ليسوا كمن تركها أو فوتها حتى غابت الشمس، فإن
هؤلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، ونهى عن قتال أولئك، فإنه لما
ذكر أنه سيكون أمراء يفعلون ويفعلون، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: -
" لا، ما صلوا "وقد أخبر عن هذه الصلاة التي يؤخرونها، وأمر أن نصلي في الوقت
وتعاد معم ناقلة، فدل على صحة صلاتهم، ولو كانوا لم يصلوا لأمر بقتالهم.
- واستكمالاًً لأجوبة القائلين بتكفير تارك الصلاة، نضيف ما يلي:
-4- أما استدلالهم بقوله تعالى: - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}
الآية [النساء: 48]، فقد تقرر بالأدلة أن ترك الصلاة كفر وشرك، كما جاء في حديث
جابر مرفوعاً: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) ، فيكون ترك الصلاة
داخلاً في عموم الآية من جهة الدلالة على أن ذلك مما لا يغفره الله تعالى
وبهذا نصدق بجميع تلك النصوص، ويتحقق إعمالها دون إهمالها.وأما احتجاجهم
بحديث أبي ذر مرفوعاً: ((لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة))
ففي سنده قدامة بن عبدالله بن عبدة البكري، قال عنه ابن حجر: - "مقبول
وفي سنده جسرة بنت دجاجة، قال البيهقي: فيها نظر، وقال البخاري في تاريخه: -
وعند جسرة عجائب .وقد أورد ابن خزيمة هذا الحديث بصيغة تشعر بعدم
صحته، فعقد باباً بعنوان: - " باب إباحة ترديد الآية الواحدة في الصلاة مراراً عند
التدبر والتفكر في القرآن إن صح الخبر "، ثم ساق الحديث المذكور
ويمكن أن يقال: أن الحديث علق ترك الصلاة بأمر ممتنع لا يمكن الاطلاع عليه
فمن المعلوم أن ((لو)) حرف امتناع لامتناع، وبهذا نعلم أن هذه الرواية قد قيدت
بوصف يمتنع معه ترك الصلاة.
6. وأما احتجاجهم بحديث عائشة: ((الدواوين ثلاثة...)) ففيه صدقة بن موسى
وقد ضعفه الجمهور . " قال يحي بن معين: - ليس حديثه بشيء. وقال أبو حـاتم:
لين الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به، ليس بالقوي وفيه يزيد بن بابنوس
قال عنه الذهبي: فيه جهالة. وضعف الألباني هذا الحديث.
ولو صح الحديث فيحمل على من يقع أحياناً في ترك صلوات، دون أن يتركها
بالكلية، ويشهد لذلك لفظ الحديث حيث جاء فيه:
((من صوم يوم تركه أو صلاة تركها))
7- وكذا يقال بالنسبة لحديث عبدالله بن مسعود:
((أول ما يحاسب به العبد الصلاة...)) الحديث فإن مناط التكفير لتارك الصلاة
إنما هو الترك المطلق، بحيث يترك الصلاة جملة، وأما ترك بعض الصلوات فلا يكون
كفراً، كما يدل عليه ظاهر الحديث، وسيأتي مزيد تفصيل – إن شاء الله –
لهذه المسألة.بل إن بعض مرويات هذا الحديث تكاد تشهد بكفر تارك الصلاة
فعن أنس مرفوعاً: ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت
صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله
))
فجعل صلاح الصلاة وصحتها شرطاً في صلاح سائر الأعمال وصحته، وأن فسادها
شرط في فساد باقي الأعمال.ولذا قال الإمام أحمد بن حنبل: -
" وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه الصلاة)) ...
فصلاتنا آخر ديننا، وهي أول ما نسئل عنه غداً من أعمالنا، فليس بعد ذهاب
الصلاة إسلام ولا دين، فإذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام، فكل
شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه... "
8- وأما حديث: ((أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة..))
الحديث ففي سنده عاصم بن بهدلة تكلموا في حفظه... وقال ابن حجر: -
" صدوق، وله أوهام " وفيه: جعفر بن سليمان الضبعي، صدوق زاهد
لكنه كان يتشيع. إضافة إلى ذلك، فقد جاء في رواية هذا الحديث: -
صليت صلاة واحدة بغير طهور " فهو إذن ليس تاركاً للصلاة بالكلية بتركه
الوضوء، وإنما هي صلاة واحدة...وهناك فرق ظاهر بين من تركها بالكلية...
ومن ترك صلاة واحدة وقد يفعل بعض المسلمين ذلك، فيصلي بغير وضوء
فيكون مستحقاً للذم والعقاب، وقد يفعله مع اعترافه بالذنب فلا يكفر، كما ظن
بعض الأحناف عندما أطلقوا كفر من صلى بغير طهارة ، ولكن لو فعله على
سبيل الاستهانة والاستخفاف فهو كافر فكيف بحال هذا الرجل الذي كان مداوماً
على الوضوء والصلاة.. لكنه صلى صلاة واحدة بغير وضوء؟ وأما قوله: -
إن دعاء الكافرين داخل في قوله تعالى: -
{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر: 50] فلا يستجاب لهم، فهذا كلام مجمل
يحتاج إلى تفصيل، فقد يدعو الكافر ربه فيستجاب له، كما جاء ذلك في آيات
كثيرة من القرآن.
قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ
إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
}
[الأنعام: 40- 41].
وقال سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى
الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ
} [العنكبوت: 65]
وأما دعاء الكافرين لغير الله تعالى فهو ضلال، كما هو ظاهر الآية التالية: -
{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ
إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
} [الرعد: 14].
كما ينبغي مراعاة الفرق بين حياة البرزخ كما جاء في الحديث الذي استدلوا به
ودخول دار الجزاء (الجنة أو النار) كما في الآية: -
{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر: 50] ففي البرزخ قد يقع التكليف كما
في سؤال الملكين، وكذا في عرصات القيامة يدعون إلى السجود، وأما بدخول
دار الجزاء فينقطع التكليف، كما في الآية. إضافة إلى ذلك فهذا الحديث –
المتكلم على سنده ومتنه – معارض لحديث صحيح صريح وهو قوله:
صلى الله عليه وسلم: - ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:
صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده
))
9- وأما الحديث الذي أخرجه الخلال وفيه أن مولى للأنصار مات وكان يصلي ويدع
ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله والصلاة عليه ودفنه..
فهذا الحديث في سنده مقال.. فأبو شميلة مختلف في صحبته...وقد ذكر
الذهبي وابن حجر وغيرهما قصة تدل على صحبته، لكن في سندها محمد
بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن. وفيه عبدالوهاب بن عطاء، قال عنه ابن حجر: -
صدوق، ربما أخطأ وضعف الألباني هذا الحديث في "الضعيفة".
ولو صح الحديث فلا دلالة فيه على أن الترك المطلق للصلاة لا يعد كفراً، وهذا
المولى كان يصلي ويدع، فلم يكن تاركاً للصلاة بالكلية، وفرق بين من يحافظ
على تركها، ومن يصلي ويدع فهو غير محافظ على فعلها والله أعلم.
10 - وأما حديث: ((إن للإسلام صوى ومناراً كمنار الطريق...)) الحديث.
"فليس في دلالة ظاهرة على عدم كفر تارك الصلاة... ولقد أخبر الصادق المصدوق
صلى الله عليه وسلم أن من ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام
ومن المعلوم أن تلك "المنارات" متفاوتة، فمنها ما تركه يناقض الملة كالإيمان
بالله تعالى، ومنها ما تركه ينافي كمال الإيمان الواجب كالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، ومنها ما تركه يعد تفويتاً لكمال الإيمان المستحب كالسلام.
11 – وأمـا استدلالهم بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الشفاعة
وكذا عمومات الأحاديث الأخرى.. فهذه من نصوص الوعد، التي لابد من الإيمان
بها، وضمها إلى ما يقابلها من نصوص الوعيد، فالذي عليه أهل السنة
والجماعة الإيمان بالوعد والوعيد، فكما أن ما توعد الله به العبد من العقاب
قد تبين سبحانه أنه مشروط بأن لا يتوب، فإن تاب، تاب الله عليه، وبأن
لا يكون له حسنات تمحو ذنوبه، فهكذا الوعد له تفسير وبيان فمن قال
بلسانه: لا إله إلا الله وكذب الرسول فهو كافر باتفاق المسلمين، وكذلك إن
جحد شيئاً مما أنزل الله... فاستدلالهم بعموم الأحاديث التي فيها من قال:
لا إله إلا الله دخل الجنة وما جاء في معناها، ولم يشترط إقامة الصلاة لذلك...
لا دلاله فيها على أن تارك الصلاة لا يكفر؛ لأن المراد بقول لا إله إلا الله
تحقيق شروطها وترك نواقضها، وقد تقرر بالأدلة أن ترك الصلاة كفر، فلا اعتبار
بمجرد الإقرار بالشهادتين مع عدم أداء الصلاة.
ومثل هذه الأحاديث التي قد يكون فهمها مشكلاً أو مشتبهاً على البعض
فإنه يجب ردها إلى الأحاديث الواضحة المحكمة، فنصوص الكتاب والسنة
يصدق بعضها بعضاً.ويقال – أيضاً – إن هذه العمومات يمكن تخصيصها بأحاديث
كفر تارك الصلاة. يقول ابن الوزير: - " ولا شك في ترجيح النص الخاص على
العموم وتقديمه، وعليه عمل علماء الإسلام في أدلة الشريعة، ومن لم يقدمه
في بعض المواضع لم يمكنه الوفاء بذلك في كل موضع، واضطر إلى التحكم
والتلون من غير حجة بينة. وقد عقد إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله في
كتاب التوحيد باباً بعنوان: - " باب ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري
لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل
التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص. " ثم أورد أدلته على ذلك
بل إن في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره من أحاديث الشفاعة
لعصاة الموحدين ما يدل على أن تارك الصلاة كافر...
فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده،
وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله
أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار
أن تأكل من ابن آدم أثر السجود
)) فعلم أن من لم يكن يسجد لله تأكله النار كله.
وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا أن من كان مسلماً، ولكنه كان لا يصلي
لا يخرج إذ لا علامة له. وإن كانوا يحتجون برواية " لم يعملوا خير قط "
على عدم كفر تارك الصلاة، في نفس الوقت يدفعون توهم من زعم أن المراد
بالخير المنفي تجويز إخراج غير الموحدين من النار، كما قال ابن حجر: -
" ورد ذلك بأن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين
كما تدل عليه بقية الأحاديث
فكذا يقال أيضاً أن هذا الخير المنفي ما زاد على فعل الصلاة كما جاءت
بذلك النصوص.وقال ابن خزيمة: - " هذه اللفظة" لم يعملوا خيراً قط
" من الجنس الذي يقول العرب: ينفي الاسم عن الشيء لنقصه على الكمال
والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل، لم يعملوا خيراً قط، على
التمام والكمال..
12 - وأما دعواهم الإجماع – على فرض صحتها – فهي منقوضة ومردودة
بإجماع الصحابة رضي الله عنهم كما نقله أبو هريرة رضي الله عنه، وعبد الله
بن شقيق العقيلي رحمه الله، فالإجماع على مراتب، وأقواها إجماع الصحابة
رضي الله عنهم. .وقولهم لا نعلم بين المسلمين خلافاً لا يعد إجماعاً
ونفي العلم ليس علماً بالنفي.إضافة إلى ذلك فإنه قد يصعب القطع بأن
فلاناً لا يصلي تماماً، خاصة أن من ادعى أنه صلى في أهله وبيته، قبل منه
كما دل عليه حديث محجن – وقد تقدم – وفيه قوله صلى الله عليه وسلم
لمحجن: ((ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟))
قال محجن: بلى يا رسول الله، ولكني صليت في أهلي
" وقد استنبط ابن عبدالبر من هذا الحديث أن من أقر بالصلاة وإقامتها أنه
يوكل إلى ذلك إذا قال إني أصلي؛ لأن محجناً قال لرسول الله..
صلى الله عليه وسلم قد صليت في أهلي، فقبل منه.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: - " من قيل أنه لا يصلي فكذبهم صدق.
وقال النووي: - " إذا أراد السلطان قتله، فقال: صليت في بيتي ترك إن الترك
للصلاة – والذي يعد ناقضاً من نواقض الإيمان – لا يتحقق في المعين إلا بالإصرار
على تركها، والأصل في المسلم فعل الصلاة حتى يثبت ما يناقض ذلك، فمن
أظهر أداء الصلاة فهو المسلم حكماً وظاهراً، وقد يكون مؤمناً عند الله، وقد يكون
منافقاً كافراً، فليس كل من قيل عنه أنه كافر، تجرى عليه أحكام الكفر.
يقول ابن تيمية: - " إن كثيراً من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار
لا يكونون محافظين علي الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة
بل يصلون أحياناً، ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم
أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام.
وأما قولهم: إن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتداً لم يجب عليه
قضاء صلاة ولا صيام..
فقد أجاب عنه محمد بن نصر المروزي بقوله: -" إن الكافر الذي أجمعوا على أنه
لا يؤمر بقضاء ما ترك من الصلاة هو الكافر الذي لم يسلم قط، ثم أسلم، فإنهم
أجمعوا على أنه ليس عليه قضاء ما ترك من الصلاة في حال كفره...
فأما من أسلم ثم ارتد عن الإسلام، ثم رجع فإنهم قد اختلفوا فيما ضيع في
ارتداده من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك، فكان الشافعي يوجب عليه قضاء
جميع ذلك. ثم قال: - " فإذا ترك الرجل صلاة متعمداً حتى يذهب وقتها فعليه
قضاؤها، لا نعلم في ذلك اختلافاً، إلا ما يروى عن الحسن، فمن أكفره بتركها
استتابه، وجعل توبته، وقضاءه إياها رجوعاً منه إلى الإسلام، ومن لم يكفر
تاركها ألزمه المعصية، وأوجب عليه قضاءها. وقال أبو الوفاء ابن عقيل: -
" من كان كفره بترك الصلاة، لا بترك كلمة الإسلام، فهو إذا عاود فعل الصلاة
صارت معاودته للصلاة إسلاماً. وقال ابن تيمية: - " من كفر بترك الصلاة:
الأصوب أن يصير مسلماً بفعلها، من غير إعادة الشهادتين؛ لأن كفره
بالامتناع كإبليس.
والآن ننتقل إلى مناقشة أجوبة القائلين بعدم التكفير لأدلة الفريق الأول.
1- فأمـا حملهـم أحاديث تكفير تارك الصلاة على كفر النعمة، فهذا غير مستقيم
ولا يخفى ما فيه من تكلف..فهل يسوغ أن يكون معنى حديث جابر بين الرجل
وبين كفر النعمة ترك الصلاة؟ لقد بين الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام
رحمه الله فساد هذا القول عند أهل اللغة، ثم علل ذلك قائلاً: -
" وذلك أنهم (أي العرب) لا يعرفون كفران النعم إلا بالجحد لأنعام الله وآلائه
وهو كالمخبر عن نفسه بالعدم، وقد وهب الله له الثروة، أو بالسقم وقد
منَّ الله عليه بالسلامة وكذلك ما يكون من كتمان المحاسن ونشر المصائب
فهذا الذي تسميه العرب كفراناً إن كان ذلك فيما بينهم وبين الله،
أو كان من بعضهم لبعض إذا تناكروا اصطناع المعروف عندهم وتجاحدوه، ينبئك
عن ذلك مقالة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: -
" إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير – يعني الزوج – وذلك أن تغضب إحداكن
فتقول: - ما رأيت منك خيراً قط فهذا ما في كفر النعمة
وأما قولهم إنه كفر دون كفر، فقد سبق بيان أن الكفر جاء معرفاً كما في حديث
جابر مما أفاد التخصيص والعهد، وفرق بين هذا وبين كفر منكر...
إضافة إلى ذلك فإن حديث بريدة مرفوعاً:
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) قد جعل الصلاة
حداً فاصلاً بين المسلمين عن غيرهم، ولا يتصور أن يكون كفراً دون كفر؛
لأنه لا يكون حداً فاصلاً بين المسلمين والكافرين، فهناك من المسلمين من
يقع في مثل هذا الكفر، وإن لم يكن مؤمناً بإطلاق.
2- وأما قولهم إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة إنما هي على سبيل
التغليظ والزجر الشديد لا على الحقيقة فظاهرها غير مراد.فالجواب أن يقال:
هذا كلام فيه إجمال وإيهام، فلا شك أن هذه الأحاديث فيها تغليظ وتخويف
وهي على الحقيقة، نؤمن بذلك ولا نكذب، ونمرها كما جاءت ونأخذ بظاهرها
المفهوم منها، وإذا كان عامة السلف الصالح يقرون أحاديث الوعيد –
فيما دون الكفر – ويمرونها كما جاءت، ويكرهون أن تتأول تأويلات تخرجها
عن مقصود قائلها صلى الله عليه وسلم ، فكيف ساغ لهؤلاء صرف نصوص
تكفير تارك الصلاة عن ظاهرها، وجعله وعيداً لا حقيقة له!
إن الإيمان بالنصوص الشرعية – ومنها نصوص الوعيد – يوجب التسليم لها
والانقياد، كما يقتضي إجلالها وتعظيمها، وقد التزم سلف الأمة هذا النهج،
" فقد قال الرجل للزهري: يا أبا بكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ليس منا من لطم الخدود)) ، ((وليس منا من لم يوقر كبيرنا)) وما أشبه
هذا الحديث؟ فأطرق الزهري ساعة، ثم رفع رأسه فقال: - من الله عز وجل العلم
وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. "" ولما ذكر عبدالله بن المبارك –
رحمه الله – حديث: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...)) ، فقال فيه
قائل: ما هذا! على معنى الإنكار، فغضب ابن المبارك وقال: يمنعنا هؤلاء الأنان
أن نحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكلما جهلنا معنى حديث
تركناه! لا بل نرويه كما سمعنا، ونلزم الجهل أنفسنا.
ومما يحسن إيراده في هذا الموضع ما قاله ابن تيمية:
" ينبغي للمسلم أن يقدر قدر كلام الله ورسوله.. فجميع ما قاله الله
ورسوله يجب الإيمان به، فليس لنا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض
وليس الاعتناء بمراده في أحد النصين دون الآخر بأولى من العكس، فإذا كان
النص الذي وافقه يعتقد أنه اتبع فيه مراد الرسول، فكذلك النص الآخر الذي
تأوله، فيكون أصل مقصوده معرفة ما أراده الرسول بكلامه. وعلى كل فإن
الاسترسال مع قول من قال إن هذا وعيد للتغليظ ولا حقيقة له، قد يؤول
إلى تعطيل الشريعة وإبطال العقاب...
وقد نبه جمع من أهل العلم لخطورة ذلك.فقال أبو عبيد القاسم بن سلام –
جواباً عمن حمل نصوص الوعيد على التغليظ: - " وأما القول المحمول على
التغليظ فمن أفظع ما تأول على رسـول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
أن جعلوا الخبر عن الله وعن دينه وعيداً لا حقيقـة له، وهذا يؤول إلى إبطـال
العقاب؛ لأنه إن أمكن ذلك في واحد منها، كان ممكناً في العقوبات كلها.
وقال الفضيل بن عياض – رحمه الله -: - " المرجئة كلما سمعوا حديثاً فيه
تخويف قالوا: هذا تهديد، وإن المؤمن من يخاف تهديد الله وتحذيره وتخويفه ووعيده
ويرجو وعده. وإن المنافق لا يخاف تهديد الله ولا تحذيره ولا تخويفه ولا وعيده
ولا يرجو وعده. وقال ابن حزم: - " وأما من استجاز أن يكون ورود الوعيد على
معنى التهديد لا على معنى الحقيقة، فقد اضمحلت الشريعة بين يديه
ولعل وعيد الكفار أيضاً كذلك، ومن بلغ هذا المبلغ فقد سقط الكلام معه؛
لأنه يلزمه تجويز ترك الشريعة كلها إذ لعلها ندب، ولعل كل وعيد ورد إنما هو
تهديد، وهذا مع فراقه المعقول خروج عن الإسلام؛ لأنه تكذيب لله عز وجل.
وقال القاسمي – معلقاً على ما قاله الزمخشري عن حديث:
((آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى..)) ": للتغليظ: -
" قول الزمخشري " فللتغليظ" يوجد مثله لثلة من شراح الحديث وغيرهم
وقد بحث فيه بعض محققي مشايخنا بقوله: - هذا الجواب لا يرتضيه من
عرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنهم غفلوا عما يستلزمه هذا
الجواب مما لا يرتضيه أدنى عالم أن ينسب إليه، وهو الإخبار بخلاف الواقع
لأجل الزجر. انتهى، وقال بعض المحققين: عليك أن تقر الأحاديث كما وردت
لتنجو من معرة الخطر.
3 - وأما قولهم: إن مثل هذه النصوص محمولة على أن شارك الكافر في بعض
أحكامه وهو وجوب القتل... فالجواب أن يقال: - ما المسوغ لاستحلال دم تارك
الصلاة وهو ليس بكافر عندكم؟
لقد تقرر – شرعاً – أن قتل المسلم لا يستباح إلا بإحدى ثلاث:- ترك دين
وإراقة الدم المحرم، وانتهاك الفرج المحرم.فعن عبدالله بن مسعود رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا
بإحدى ثلاث: - الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة
))
فتارك الصلاة ليس قاتلاً، ولا زانياً محصناً، فلم يبق إلا أن يكون إباحة دمه من أجل
ردته.يقول ابن حزم – وهو ممن يرى عدم كفر تارك الصلاة – جواباً عن القائلين
بقتل تارك الصلاة دون كفره:-" أما مالك والشافعى فإنهما يريان تارك الصلاة
مسلماً؛ لأنهما يورثان ماله، وولده، ويصليان عليه، ويدفنانه مع المسلمين...
فإذا ذلك كذلك فقد سقط قولهما في قتله؛ لأنه لا يحل دم امرئ مسلم إلا
بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو نفس بنفس، وتارك الصلاة
متعمداً لا يخلو أن يكون كافراً. أو يكون غير كافر، فإن كان كافراً فهم لا يقولون بذلك...
فإذا ليس كافراً، ولا قاتلاً، ولا زانياً محصناً.. فدمه حرام بالنص.
4 - أما قولهم إن المراد بهذه الأحاديث من استحل ترك الصلاة، أو تركها جحوداً...
فجوابه أن يقال:- إن هذه الأحاديث – كحديث جابر وبريدة ونحوهما... قد علقت
الكفر بترك الصلاة، فمناط الحكم بالكفر فيها ترك الصلاة، وقد يكون هذا الترك
جحوداً، أو تهاوناً وكسلاً.فمن قال إن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا كان جاحداً لوجوبها
فقد جعل مناط الحكم في هذه المسألة غير ما حدده الرسول ..
صلى الله عليه وسلم، ثم إنه على هذا التأويل لا فرق بين الصلاة وغيرها
فلا تكون إقامتها عهداً وحداً يعرف به المسلم من الكافر؛ لأن من ترك شيئاً
من شعائر الإسلام وفرائضه الظاهرة جحوداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، فجحد
الوجوب لا يختص بالصـلاة وحدها، مع أن الصحابة رضي الله عنهم قد جعلوا ترك
الصلاة هو مناط الكفـر دون بقية الأعمال، كمـا حكى ذلك عنهم أبو هريرة
رضي الله عنه وعبد الله بن شقيق العقيلي رحمه الله.
ومن المناسب – في خاتمة هذه المناقشة – أن نشير إلى أن بعض القائلين
بعدم تكفير تارك الصلاة، قد سلكوا في بعض استدلالهم مسلك الإرجاء.
فهم يقولون – مثلاً – إن الكفر جحود التوحيد، وإنكار الرسالة والمعاد وجحد
ما جاء به الرسول، وهذا يقر بالوحدانية شاهداً أن محمد رسول الله، مؤمناً
بأن الله يبعث من في القبور، فكيف يحكم بكفره؟ والإيمان هو التصديق، وضده
التكذيب، لا ترك العمل، فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد؟
وجواباً عن ذلك نقول: قد تقرر عند أهل السنة أن الإيمان قول وعمل، فليس
تصديقاً فحسب، ومن ثم فإن مقابله هو الكفر قول وعمل، فقد يكون الكفر قولاً
قلبياً، وقد يكون عملاً قلبياً، وتارة قولاً باللسان، وتارة عملاً بالجوارح كما سبق
تفصيله وبيانه بالأدلةويقـول أيضاً: - يلزم من تكفير تارك الصلاة أن يكفر القاتل
والشاتم للمسلم، وأن يكفر الزاني، وشارب الخمر...
والجواب: - أن هذا اللازم يلزم المبتدعة عموماً... سواء كانوا وعيدية أو مرجئة
والذين جعلوا الكفر خصلة واحدةً، بناء على ظنهم الفاسد أن الإيمان شيء
واحد يزول كله بزوال بعضه، وقد دلت النصوص أن الكفر مراتب وشعب متفاوتة،
كالإيمان، فمن شعب الكفر ما يخرج من الملة، ومنها مالا يخرج من الملة.


http://www.ar4up.com/uploads/images/...4be7b6c8ee.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:47 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...42624cc286.gif

(د) الترجيح

http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif

بعد هذا العرض التفصيلي لأدلة الفريقين واستدلالاتهم ومناقشتها، يظهر أن أدلة
القائلين بتكفير تارك الصلاة أصح وأقوى. إلا أن الراجح – في نظري – ولعله القول
الوسط بين الطرفين، وبه تجتمع الكثير من أدلة الفريقين، وهو أن يقال: إن ضابط
ترك الصلاة الذي يعد كفراً – ها هنا – هو الترك المطلق الذي هو بمعنى ترك الصلاة
من حيث الجملة الذي يتحقق بترك الصلاة بالكلية، أو بالإصرار على عدم إقامتها
أو بتركها في الأعم الأغلب، وليس مناط التكفير – ها هنا – مطلق الترك للصلاة
بحيث يلزم أن نكفر كل من ترك صلاة واحدة أو بعض صلوات
ويشهد لذلك جملة من الأدلة، منها ما يلي: -


http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif

1- قوله تعـالى: -

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}
[مريم: 59]فالمراد من تضييع الصلاة – هاهنا – تركها بالكلية كما قاله محمد بن
كعب القرظي وزيد بن أسلم والسدي واختاره ابن جرير.
2 - وقوله صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم -:
((خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليها كان له
عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد
إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة
)) فهذا الحديث صريح في الفرق بين الترك
المطلق، وبين مطلق الترك.. يقول ابن تيمية رحمه الله: -
"فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها
لا من ترك، ونفي المحافظة يقتضي أنهم صلوا ولم يحافظوا عليها... ثم قال:
" فإن كثيراً من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على
الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحياناً ويدعون أحياناً
فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة...
ويقول في موضع آخر: - " فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على
هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة
فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث
الذي في السنن حديث عبادة بن الصامت – ثم ساق الحديث المذكور -
3- قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن أتمها،
وإلا نظر هل له من تطوع، فإن كان له تطوع، أكملت الفريضة من تطوعه
))
والانتقاص هنا عام يتناول ترك الأداء لبعض الصلوات... وهذا من مطلق الترك الذي
لا يعد كفراً، ومن ثم صارت مقبولة، وأكملت بالتطوع، والله أعلم.

نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف – ص457

الخلاف في كفر تارك الصلاة كسلاً أيضاً ليس مقصودنا، حكاية الأقوال والترجيح
وإنما الإشارة إلى حالات يظن أنها داخلة في الترك كسلاً وهي ليست كذلك
والإشارة- أيضاً- إلى علاقة هذا الموضوع بمذهب المرجئة في الإيمان، وقبل بيان
هاتين المسألتين نشير إلى مدى الخلاف في هذه المسألة.
قال الإمام ابن قدامة المقدسي- رحمه الله-:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif

(...واختلفت الرواية هل يقتل لكفره أو حداً، فروي أنه يقتل لكفره كالمرتد، فلا يغسل
ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين، ولا يرثه أحد ولا يرث أحداًً، اختارها أبو إسحاق
بن شاقلا وابن حامد، وهو مذهب الحسن والشعبي وأيوب السختياني والأوزاعي
وابن المبارك وحماد بن زيد وإسحاق ومحمد بن الحسن...والرواية الثانية: يقتل حداً
مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة وأنكر قول
من قال: إنه يكفر، وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافاً فيه، وهذا
قول أكثر الفقهاء، وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي) .وقال الإمام النووي- رحمه الله-:
(فرع في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا
المشهور ما سبق أنه يقتل حداً ولا يكفر وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف
وقالت طائفة: يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شيء، وهو مروي عن
علي بن أبي طالب، وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين
عند أحمد، وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا...وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه
وجماعة من أهل الكوفة والمزني، لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي)
.وحكى الإمام محمد بن نصر المروزي خلاف أهل الحديث في هذه المسألة فقال-
رحمه الله-:(...وقد حكينا مقالة هؤلاء الذين أكفروا تارك الصلاة متعمداً وحكينا جملة
ما احتجوا به، وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث، وقد خالفهم جماعة أخرى من
أصحاب الحديث فأبوا أن يكفروا تارك الصلاة، إلا أن يتركها جحوداً أو إباء...)
وذكر منهم الإمام الشافعي، وأصحابه وأبا ثور وغيره، وأبا عبيد في موافقيهم ) .
بعد هذه الإشارة السريعة للخلاف في المسألة يمكن أن نستنتج ما يلي:
1- أن الخلاف في حكم تارك الصلاة كسلاً من حيث التكفير وعدمه، خلاف قديم
معروف عند السلف المتقدمين، فقد قال بعدم التكفير أئمة أعلام من أصحاب الحديث
كالإمام الشافعي ومالك، وأبي حنيفة والثوري وأبي عبيد..الخ.
2- لذلك ينبغي أن نعلم بأن الترجيح بين الأقوال في هذه المسألة لا علاقة له
بمذهب الإرجاء، فمن رجح عدم تكفير التارك كسلاً لا يلزم أن يكون متأثراً بمذهب
المرجئة هذا من حيث الأصل، وهناك حالات معينة قد يكون لرأي المرجئة في الإيمان
أثر في الترجيح فيها ومنها:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif

أ- ما حكاه بعض الأئمة من علاقة بين مذهب المرجئة وهذه المسألة كما قال
الإمام ابن عبد البر- رحمه الله- مبيناً الفرق بين ترجيح بعض أهل السنة عدم
تكفير تارك الصلاة كسلاً وبين مذهب المرجئة، قال بعدما حكى أدلة من قال بعدم
التكفير: (...هذا قول قد قال به جماعة من الأئمة ممن يقولون: الإيمان قول وعمل
وقالت به المرجئة أيضاً، إلا أن المرجئة تقول: المؤمن المقر مستكمل الإيمان
وقد ذكرنا اختلاف أئمة أهل السنة والجماعة في تارك الصلاة، فأما أهل البدع، فإن
المرجئة قالت: تارك الصلاة مؤمن مستكمل الإيمان، إذا كان مقراً غير جاحد، ومصدقاً
غير مستكبر، وحكيت هذه المقالة عن أبي حنيفة وسائر المرجئة...)
فلعل ترجيح بعض مرجئة الفقهاء قد استند إلى مذهبهم في الإيمان.
هذا جانب، والجانب الآخر أن أئمة السلف الذين لم يكفروا تارك الصلاة كسلاً، لم
يقولوا أنه مستكمل الإيمان، بل قالوا: إن ذلك ينقص إيمانه كحال تارك الطاعة
وفاعل المعصية، وقالوا بأنه معرض للعقوبة الأخروية والدنيوية، وقال كثير منهم
بقتله حداً للأحاديث الواردة في ذلك.ب- خلط بعض متأخري الفقهاء بين ترك الصلاة
كسلاً مع اعتقاد، وجوبها وبين الإصرار والامتناع عن أدائها حتى يقتل، قال شيخ
الإسلام- رحمه الله-: (ولهذا فرض متأخروا الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها وهو أن الرجل
إذا كان مقراً بوجوب الصلاة فدعي إليها وامتنع واستتيب ثلاثاً مع تهديده بالقتل
فلم يصل حتى قتل، هل يموت كافراً أو فاسقاً؟ على قولين: وهذا الفرض باطل
فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأنه يعاقبه على
تركها، ويصبر على القتل ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله
بشر قط، بل ولا يضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة إلا صلى، ولا ينتهي الأمر به إلى
القتل، وسبب ذلك أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه إنسان، إلا لأمر عظيم مثل
لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك فيصبر عليه حتى يقتل، وسواء كان الدين
حقاً أو باطلاً، أما مع اعتقاده أن الفعل يجب عليه باطناً فلا يكون فعل الصلاة
أصعب عليه من احتمال القتل قط...)

.وقال في موضع آخر:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif

(...ولا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه، مقراً، بأن الله أوجب عليه
الصلاة، ملتزماً لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، يأمره ولي الأمر
بالصلاة فيمتنع حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمناً في الباطن، وقد لا يكون إلا كافراً
ولو قال: أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه...
فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في
هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل
لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه، فإنه قد دخلت عليه الشبهة التي دخلت على
المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة
لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء
بنوه على قولهم في "مسألة الإيمان"، وأن الأعمال ليست من الإيمان، وقد
تقدم أن جنس الأعمال من لوازم القلب، وأن، إيمان القلب التام، بدون شيء
من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزء من
الإيمان كما تقدم بيانه ) .إذاً هناك فرق بين من يمتنع عن الفعل حتى يقتل
وبين من يتركها كسلاً مع اعتقاد الوجوب (ومن أطلق من الفقهاء أنه لا يكفر إلا
من يجحد وجوبها، فيكون الجحد عنده متناولاً للتكذيب بالإيجاب، ومتناولاً للامتناع
عن الإقرار والالتزام
...) .
فهذا الكلام من شيخ الإسلام- رحمه الله- يجيب على تساؤل مهم، يرد على أذهان
بعض أهل العلم، وهو ظنهم: أن القول بإجماع أهل السنة بكفر تارك جنس العمل
يلزم منه تكفير من المسلمين ممن حاله التفريط في الفرائض، وفعل المحرمات
وهذا الظن فاسد من وجوه:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif

أولها: أن كلامنا عن منزلة العمل من الإيمان، وحكم التولي والإعراض عنه، وهو
كلام يجب الإيمان به واعتقاده كسائر الأمور الاعتقادية عند أهل السنة، بغض
النظر عن ما ينبني على ذلك من أحكام وآثار عملية تتعلق بأعيان العباد.
الثاني: عند الحكم على المعين لابد من إقامة الحجة، والاستتابة لإزالة كل جهل
أو تأول ونحوه ولا يحكم عليه بالكفر قبل ذلك- إلا في استثناءات خاصة- ذكرت في
مبحث ضوابط التكفير.
الثالث: أن المعين، ممن يترك الأركان، إذا أقيمت عليه الحجة، واستتيب فلا يخلو
أمر حينئذ من حالين، الأول: أن يلتزم أداء ما فرض الله عليه- وخاصة الصلاة- فعند
ذلك نحكم بإسلامه، ونكل سريرته إلى الله- عز وجل-، فإن كان صادقاً في الباطن
نفعه ذلك عند المولى سبحانه.الثاني: أن يأبى التزام ذلك ويعرض عليه السيف
حتى يقتل، وهو مصر لا يؤدي من فرائض الله شيئاً، فهذا كافر ظاهرا وباطنا،
وهذا الذي بينه شيخ الإسلام، وبين أن من قال إنه يقتل مع إسلامه فقد دخلت
عليه شبه المرجئة ، حيث حصروا بالجحود وتكذيب القلب.
من كل ما سبق يتبين لنا علاقة هذا المبحث، بمفهوم الإيمان عند أهل السنة
وأنه قول وعمل، لا يغني أحدهما عن الآخر، وأن ترك العمل بالكلية ناقض لأصل
الإيمان، لمناقضته لعمل القلب، إذ لا يتصور أن يوجد لدى المرء عمل القلب من
القدرة، هذا ممتنع.
إذاً إذا وجد الإعراض عن الطاعة بالكلية فذلك لفقدان عمل القلب الذي هو شرط
لصحة الإيمان، والله اعلم.

نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي
الوهيبي – 2/119

ليس مناط التكفير في ترك الصلاة هو مطلق الترك لها، بحيث يلزم أن كفر كل من
ترك صلاة واحدة أو بعض صلوات، وإنما مناط التكفير هو الترك المطلق، الذي
هو بمعنى ترك الصلاة من حيث الجملة، الذي يتحقق بترك الصلاة بالكلية، أو
بالإصرار على عدم إقامتها، أو بتركها في الأعم الأغلب، بحيث يصدق على من
تركها أن يقال إنه قد ضيع الصلاة وتولى عن إقامتها.
وبهذا يكون ترك الصلاة من حيث الجملة مناقضاً لتحقيق الالتزام بها، مع أنه قد
يتحقق الالتزام الإجمالي بها مع ترك بعضها.وفي بيان حقيقة الترك المكفر وأن
المقصود بالترك المكفر ما كان متعلقاً بجنس الصلاة لا بمجرد بعض الصلوات يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن كثيراً من الناس، بل أكثرهم، في كثير
من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة
بل قد يصلون أحياناً ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم
أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام فإن هذه الأحكام
إذا جرت على المنافق المحض كابن أبي وأمثاله من المنافقين، فلأن تجري
على هؤلاء أولى وأحرى
) .
وفي نفس المعنى يقول الشيخ ابن عثيمين:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif

(قال بعض العلماء: يكفر بترك فريضة واحدة، ومنهم من قال بفريضتين. ومنهم من
قال بترك فريضتين إن كانت الثانية تجمع إلى الأولى، وعليه فإذا ترك الفجر فإنه
يكفر بخروج وقتها، وإن ترك الظهر فإنه يكفر بخروج وقت العصر.والذي يظهر من
الأدلة أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائماً. فإن كان يصلي فرضاً أو فرضين فإنه لا يكفر
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif

((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) فهذا ترك صلاة لا الصلاة، ولأن
الأصل بقـاء الإسلام، فلا نخرجه منه إلا بيقين، لأن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين
فأصل هذا الرجل المعين مسلم) .
ولهذا كان الصحيح في معنى قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ}
الآية [مريم: 59]. أنه تركها الترك المجمل، لا مطلق الترك.يقول الإمام ابن كثير
رحمه الله: (وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة هاهنا، فقال قائلون: المراد
بإضاعتها تركها بالكلية، قاله محمد بن كعب القرظي وابن زيد بن أسلم والسدي
واختاره ابن جرير، ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة، كما هو
المشهور عن الإمام أحمد وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة
..) .
ثم ذكر رحمه الله القول الثاني في المراد بإضاعة الصلاة، وهو أن المقصود تأخيرها
عن وقتها مع الأداء.وقد ذكر الإمام ابن جرير رحمه الله القولين ثم قال:
(وأولى التأويلين في ذلك عندي بتأويل الآية قول من قال: إضاعتهموها تركهم
إياهم، لدلالة قول الله تعالى ذكره بعده على أن ذلك كذلك. وذلك قوله جل ثناؤه:
{إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [الفرقان: 70]. فلو كان الذين وصفهم بأنهم
ضيعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن وهم مؤمنون. ولكنهم كانوا كفاراً
لا يصلون لله، ولا يؤدون له فريضة..) .
ومما يدل أيضاً على أن المراد بترك الصلاة الذي هو مناط الكفر الترك المجمل لها
لا مطلق الترك، ولا مجرد عدم المحافظة على وقتها مع الأداء لها قول الله تعالى:
{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31-32] فجعل التولي هو مناط
الكفر، ومعلوم أنه ليس كل من ترك صلاة أو بعض صلوات يكون متولياً عن أداء
الصلاة من حيث الجملة.ومما يدل على أن من ترك بعض الصلوات لا يكون كافراً
بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة
من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته: انظروا في صلاة عبدي
أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال:
انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من
تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك
)) .والانتقاص هنا عام لترك الأداء لبعض الصلوات
ولعدم أدائها على الكمال ولو أديت، لا يخص بأحد المعنيين دون الآخر.
وعلى هذا الحديث – وغيره كما سيأتي – اعتمد من يقول بعدم تكفير تارك
الصلاة.
يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله في ذلك:

http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif

(ووجه الاستدلال بالحديث المذكور على عدم كفر تارك الصلاة: أن نقصان الصلوات
المكتوبة وإتمامها من النوافل يتناول بعمومه ترك بعضها عمداً، كما يقتضيه ظاهر
اللفظ كما ترى
) .
والحقيقة أن أصل اللبس في حكم تارك الصلاة هو عدم التفريق بين الترك المطلق
ومطلق الترك.فمن قال بأن تارك الصلاة لا يكفر فهم أنه إذا التزم بذلك فلابد أن يكفر
بمطلق الترك. يقول الإمام الشوكاني رحمه الله: (الترك الذي جعل الكفر معلقاً به
مطلق عن التقييد، وهو يصدق بمرة، لوجود ماهية الترك في ضمنها
) .
إذا فهم هذا فإنه لا يتصور من الأئمة الذين قالوا بعدم تكفير تارك الصلاة القول بأن
الإصرار على تركها أو تركها من حيث الجملة ليس كفراً، لأنهم إذا قيدوا عدم الحكم
بتكفير تارك الصلاة بترك صلاة واحدة لم يلزم أن يقولوا إن من ترك الصلاة بالكلية فإن
حكمه كذلك.ومما يدل على لزوم التفريق بين الترك المطلق ومطلق الترك، وعلى
أن المراد بالانتقاص في الحديث السابق العموم الذي يشمل ترك أداء بعض الصلوات
الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأنه سمع الرسول ..
صلى الله عليه وسلم يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد.
فمن جاء بهن، لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن
يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء
أدخله الجنة
)) .
فالحديث صريح في الدلالة على أن الانتقاص من الصلاة بعدم الإتيان ببعضها مع
الالتزام بها في الجملة ليس كفراً، وأن من تحقق منه ذلك فهو تحت المشيئة
ومن كان كذلك لا يكون كافراً، لأن الكافر محكوم عليه بالخلود في النار.وفي بيان
معنى هذا الحديث وعدم معارضته للقول بتكفير تارك الصلاة يقول الإمام محمد
بن نصر المروزي رحمه الله: (من أتى بهن، لم يتركهن، وقد انتقص من حقوقهن
شيئاً فهو الذي لا عهد له عند الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فهذا بعيد
الشبه من الذي يتركها أصلاً لا يصليها .وفي نفس المعنى يقول الإمام ابن
تيمية رحمه الله: (من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا
الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة
فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد وهم الذين جاء فيهم الحديث
الذي في السنن من حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((خمس صلوات …)) .
ومعلوم أن الوعيد في الحديث بدخول الجنة متعلق بالإتيان بالصلاة. وعدم تضييع
شيء منها على جهة التعمد، وأن من ضيع شيئاً من الصلاة بأن ترك بعضها أو
لم يؤدها على كمالها وإن أداها، فليس من أهل الوعد بدخول الجنة. ولا يقال
بإمكان دخول تارك الصلاة بالكلية تحت المشيئة، لأن سياق الحديث في التضييع
المتضمن عدم كمال المحافظة عليها، لا تضييعها بمعنى تركها جملة.

ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني – ص216


http://www.ar4up.com/uploads/images/...42624cc286.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:48 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...42624cc286.gif

الفصل الأول: تشريع الزكاة
http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif
وأما الزكاة فقد تقدم ذكرها في نصوص الصلاة وغيرها ومما يتعلق بها على انفرادها
قوله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهُمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ
سَكَنٌ لَهُمْ وَالله سَمِيعٌ عَلِيم
} [التوبة: 103] وقوله في صفات عباده المؤمنين
{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] وقوله تعالى في ذم الكفار ووعيدهم
{وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6-7] وإن كانت هذه الآية في زكاة
النفوس فهي عامة لزكاة الأموال أيضا وقد فسرت بها وقوله تعالى في وعيد مانعيها
مطلقا {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا
مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
} [التوبة: 34-35]... وفي الصحيح عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت
له صفائح من نار فأحمي عليها من نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما
بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد
فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل: يا رسول الله فالإبل قال:
ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة
بطح لها بقاع أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطأه بأخفافها وتعضه فأفواهها
كلما مر عليه أولاها أعيد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل :
يا رسول الله فالبقر والغنم قال ولا صاحب بقر وغنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان
يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عفصاء ولا جلحاء
ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطأه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله
إما إلى الجنة وإما إلى النار)) الحديث بطوله.وفيه عن جابر رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي
حقها إلا أقعد يوم القيامة
بقاع قرقر تطأه ذات الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن
بقرنها ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن الحديث وفيه ولا من صاحب
مال لا يؤدي زكاته إلا تحول يوم القيامة شجاعا أقرع يتبع صاحبه حيثما ذهب وهو
يفر منه ويقال: هذا مالك الذي كنت تبخل به فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في
فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل)) .وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها
على رقبته لها يعار فيقول: يا محمد فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغت ولا يأتي
أحدكم ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول يا محمد فأقول لا أملك لك شيئا
قد بلغت
)) .
وفيه عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه
يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا
{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}الآية [آل عمران:180])) وفيه عن خالد بن أسلم قال:
خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال أعرابي أخبرني عن قول الله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
[التوبة: 34] قال ابن عمر: من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له إنما كان هذه قبل أن
تنزل الزكاة فلما نزلت جعلها الله تعالى طهرة للأموال .وقد ثبتت البيعة عليها
بعد الصلاة كما قال البخاري رحمه الله تعالى "باب البيعة على إيتاء الزكاة"
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
[التوبة: 11] حدثنا ابن نمير قال حدثني أبي قال حدثنا إسماعيل عن قيس قال:
قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم والنصوص فيها كثيرة وفي ما تقدم
كفاية.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص779


http://www.ar4up.com/uploads/images/...42624cc286.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:49 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...42624cc286.gif

الفصل الثاني: حكم مانع الزكاة
http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif
أما حكم تاركها فإن كان منعه إنكارا لوجوبها فكافر بالإجماع بعد نصوص الكتاب والسنة
وإن كان مقرا بوجوبها وكانوا جماعة ولهم شوكة قاتلهم الإمام لما في الصحيحين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر كيف تقاتل الناس وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله
فمن قالها فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل
)) فقال
والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ولو منعوني عناقا كانوا
يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر رضي
الله عنه فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق –
وفي رواية – فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق
.وهذا الذي استنبطه أبو بكر رضي الله عنه مصرح به في منطوق الأحاديث الصحيحة
المرفوعة كحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله
إلا الله وأن محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا عصموا مني
دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل
)) وغيره من الأحاديث.
وقد جهز النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لغزو بني المصطلق حين بلغه
أنهم منعوا الزكاة ولم يكن ما بلغه عنهم حقا فروى الإمام أحمد قال:
حدثنا محمد بن سابق حدثنا عيسى بن دينار حدثني أبي أنه سمع الحارث بن
ضرار الخزاعي رضي الله عنه يقول: ((قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت:
يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت
زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولا إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة فلما
جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله..
صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول ولم يأته وظن الحارث
أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فدعا بسروات
قومه وقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتا يرسل إلي
رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة فانطلقوا نأتي رسول الله...
صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى
الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما سار الوليد حتى بلغ بعض
الطريق فرق- أي خاف – فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي فغضب رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه وأقبل الحارث بأصحابه
حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث فلما
غشيهم قال لهم إلى من بعثتم قالوا إليك قال ولم قالوا إن رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت
قتله قال رضي الله عنه: لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني فلما
دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل
رسولي قال رضي الله عنه: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ولا أقبلت إلا
حين احتبس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن يكون كانت
سخطة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قال فنزلت الحجرات
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا
عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
} [الحجرات: 6] )) ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن
شاذان التمار عن محمد بن سابق به ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق
به.وقال ابن جرير رحمه الله تعالى حدثنا أبو كريب حدثنا جعفر بن عون عن موسى
بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في صدقات بني المصطلق
بعد الوقيعة فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله...
صلى الله عليه وسلم قالت فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله قالت فرجع إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قالت فبلغ القوم رجوعه
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر فقالوا:
نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله بعثت إلينا رجلا مصدقا فسررنا بذلك
وقررت به أعيننا ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من
الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء
بلال فأذن لصلاة العصر قالت ونزلت :
{أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] )) .
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن أبي معيط إلى بني
المصطلق ليأخذ منهم الصدقات وأنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقونه
رجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق
قد منعوا الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضبا شديدا
فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا:
يا رسول الله إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق وإنا خشينا أنما رده كتاب
جاء منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله وأن النبي
صلى الله عليه وسلم استغشهم وهم بهم فأنزل الله تبارك وتعالى عذرهم
في الكتاب فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}
[الحجرات: 6] إلى آخر الآية)) وقال مجاهد وقتادة:
((أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق
ليصدقهم فتلقوه بالصدقة فرجع فقال إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك
زاد قتادة وأنهم ارتدوا عن الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
خالد بن الوليد رضي الله عنه إليهم وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق حتى
أتاهم ليلا فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالدا رضي الله عنه أنهم مستمسكون
بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه
فرأى الذي يعجبه فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر
فأنزل الله تعالى هذه الآية)) وذكر البغوي رحمه الله تعالى نحو حديث ابن
عباس وفيه ((فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم فبلغ
القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا:
يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من
حق الله تعالى فبدا له في الرجوع فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب
جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر
وأمره أن يخفي عليهم قدوم قومه وقال له انظر فإن رأيت منهم ما يدل على
إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وأن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل
في الكفار ففعل ذلك خالد ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء
فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير فانصرف إلى رسول الله..
صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فأنزل الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الآية))
وأما إن كان الممتنع عن أداء الزكاة فردا من الأفراد فأجمعوا على أنها تؤخذ منه قهرا
واختلفوا من ذلك في مسائل:
إحداها هل يكفر أم لا؟ فقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله...
صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة
وقال أيوب السختياني: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه وذهب إلى هذا القول جماعة
من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق وحكى إسحاق عليها
إجماع أهل العلم وقال محمد بن نصر المروزي هو قول جمهور أهل الحديث وذهب
طائفة منهم إلى أن من ترك شيئا من أركان الإسلام الخمس عمدا أنه كافر وروى
ذلك سعيد بن جبير ونافع والحكم وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها طائفة من
أصحابه وهو قول ابن حبيب من المالكية... وقال ابن عيينة المرجئة سموا ترك
الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم وليس سواء لأن ركوب المحارم متعمدا
من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر كفر وبيان ذلك
في أمر إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم
بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه.
المسألة الثانية هي يقتل أم لا؟ الأول هو المشهور عن أحمد رحمه الله تعالى
ويستدل له بحديث ابن عمر رضي الله عنهما ((أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا إله إلا الله
)) الحديثوالثاني لا يقتل وهو قول مالك والشافعي ورواية
عن أحمد رحمهم الله تعالى وروى اللالكائي من طريق مؤمل قال: حدثنا حماد
بن زيد عن عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ولا أحسبه إلا
رفعه قال: عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام ،،
شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصوم رمضان من ترك منهن واحدة فهو بها كافر
ويحل دمه وتجده كثير المال ولا يزكي فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه ورواه قتيبة
بن سعيد عن حماد بن زيد مرفوعا مختصرا ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد
عن عمرو بن مالك بهذا الإسناد مرفوعا وقال من ترك منهن واحدة –
يعني الثلاث الأول – فهو بالله كافر ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله
ولم يذكر ما بعده .
المسألة الثالثة لمن لم ير قتله هل ينكل بأخذ شيء من ماله مع الزكاة؟
وقد روى في خصوص المسألة حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((في كل سائمة إبل في أربعين بنت
لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها ومن منعها فإنا
آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شيء
))
رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الحاكم وعلق الشافعي القول به على
ثبوته فإنه قال: لا يثبته أهل العلم بالحديث ولو ثبت لقلنا به (552).

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص783


http://www.ar4up.com/uploads/images/...42624cc286.gif

| ▐الخلــود ▐| 16-12-2009 02:51 AM

رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
 
http://www.ar4up.com/uploads/images/...42624cc286.gif

الباب الرابع: الصوم
http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif
الركن الرابع من أركان الإسلام الصيام وهو في اللغة الإمساك وفي الشرع إمساك
مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة.
وكان فرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة هو والزكاة قبل بدر
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ
وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى
لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
}
[البقرة: 183-185] إلى آخر الآيات وقد تقدمت الأحاديث فيه.
وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع كفر من جحد فرضيته وتقدم القول بقتل تاركه
مع الإقرار والاعتراف بوجوبه وقوله (فاسمع واتبع) مأخوذ من قول الله عز وجل
{فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ
وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبابِ
} [الزمر: 18].

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص790

الباب الخامس: الحج
http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif
الركن الخامس الحج وهو (على من يستطع) أي استطاع إليه سبيلا قال الله تعالى:
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
} [آل عمران: 97]
قد ذكر الله تعالى تفصيله في سورة البقرة من قوله تعالى:
{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ -إلى قوله- إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 196].
واشتراط الاستطاعة فيه مصرح به في الآية وفي حديث جبريل وفي حديث معاذ
وغيرها وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بالزاد والراحلة.
ولا خلاف في كفر من جحد فرضيته وتقدم الخلاف في كفر تاركه مع الإقرار بفرضيته.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول...
الله صلى الله عليه وسلم ((تعجلوا الحج – يعني الفريضة
فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) (554) ورواه أبو داود بلفظ:
((من أراد الحج فليتعجل)) ...وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال:
((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس قد فرض عليكم الحج
فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني
ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وإذا أمرتم
بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) ورواه مسلم
بنحو هذا والله أعلم.وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
((يا أيها الناس إن الله تعالى كتب عليكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال:
يا رسول الله أفي كل عام فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم يعملوا بها ولن
تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع)) .

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص791

الباب السادس: حكم تارك الأركان الأربعة
http://www.ar4up.com/uploads/images/...34e959aed9.gif
أما الأركان الأربعة - يعني سوى الشهادتين - ففي تكفير تاركها أو بعضها مع الإقرار
بالوجوب، خلاف معروف، وقد ذكر شيخ الإسلام الخلاف في ذلك، وعرض الأقوال-
ذاكراً ما كان منها رواية عن الإمام أحمد- فقال:
(...أحدهما: أنه يكفر بترك واحدة من الأربعة حتى الحج، وإن كان في جواز تأخيره
نزاع بين العلماء، فمتى عزم على تركه بالكلية كفر، وهذا قول طائفة من السلف
وهي إحدى الروايات عن أحمد اختارها أبو بكر.
الثاني: أنه يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب، وهذا هو المشهور عند
كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وهو إحدى الروايات
عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره.
الثالث: لا يكفر إلا بترك الصلاة، وهي الرواية الثالثة عن أحمد، وقول كثير من
السلف، وطائفة من أصحاب مالك، والشافعي، وطائفة من أصحاب أحمد.
الرابع: يكفر بتركها (أي الصلاة)، وترك الزكاة فقط.
الخامس: بتركها، وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج...).
وليس مقصودنا في هذا المبحث، ذكر أدلة قول الترجيح بينها، وإنما المقصود أن
نبين أن قول السلف ترك جنس العمل يختلف عن قولهم في مسألة ترك الأركان
فالأول أمر لم يخالف فيه منهم أحمد لأنه مقتضى إجماعهم على حقيقة الإيمان
وأنه قول وعمل، أما الثاني فهو من مسائل الاجتهاد، وإن كان بين الأمرين علاقة
لكن ينبغي أن نعلم: أن الخلاف الأهم والأقوى هو خلافهم في مسألة ترك الصلاة
كسلاً وهو ما سنشير إليه، أما غير الصلاة فالأقرب وهو قول الأكثرين عدم تكفير
تاركها- ما لم يقاتل الإمام عليها- فالزكاة فبالإضافة إلى أخذها من الفرد بالقوة
في حديث: ((إنا آخذوها وشطر ماله)) ، فقد ورد حديث صريح في عدم تكفير
من لا يؤديها، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي
عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح، فيكوى بها جنباه وجبينه، حتى يحكم الله بين
عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما
إلى النار..)) الحديث . قال الإمام المروزي- رحمه الله- في تعليقه على
هذا الحديث:(...فدل ما ذكرنا أن مانع الزكاة ليس بكافر، ولا مشرك، إذ أطمعه
دخول الجنة لقول الله تعالى:
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48]..) ،
أما الصوم فيكاد يكون إجماعاً القول بعدم تكفير تاركه، قال الإمام محمد بن نصر-
رحمه الله-: (وقد اتفق أهل الفتوى، وعلماء أهل الأمصار على أن من أفطر في
رمضان متعمداً أنه لا يكفر بذلك، واختلفوا فيما يجب عليه عند ذلك... فإن أفطر
رمضان كله متعمداً، فمنهم من أوجب عليه لكل يوم كفارة مع القضاء،...ولم
يقل أحد من العلماء أنه قد كفر ) .
أما الحج فحيث أنه يجب في العمر مرة واحدة، ومختلف في وجوبه هل هو على
الفور أم التراخي؟ فبذلك يصعب الجزم بأنه تارك للحج بالكلية والله أعلم.

نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله
بن علي الوهيبي – 2/118


http://www.ar4up.com/uploads/images/...42624cc286.gif


الساعة الآن 10:31 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
This Forum used Arshfny Mod by islam servant