عرض مشاركة واحدة
قديم 16-12-2009, 02:30 AM
المشاركة 23

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل الأول: موقف أهل السنة من التحريف والتأويل

نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ
مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلِ
وغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلِ

بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى
طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى


(من غير تحريف) لمعانيها كما فعله الزنادقة أيضا كتأويلهم {نفسه} تعالى
بالغير وأن إضافتها إليه كإضافة بيت الله وناقة الله فعلى هذا التأويل يكون
قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] أي غيره وقوله:
{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] أي على غيره ويكون قوله
عن عيسى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]
أي ولا أعلم ما في غيرك ويكون قوله لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}
[طه: 41] أراد واصطنعتك لغيري وهذا لا يقوله عاقل بل ولا يتوهمه ولا يقوله
إلا كافر وكتأويلهم (وجهه) تعالى بالنفس مع جحودهم لها كما تقدم فانظر
لتناقضهم البين وهذا يكفي حكايته عن رده أما من أثبت النفس وأول الوجه
بذلك فيقال له إن الله تعالى قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}
[الرحمن: 27] فذكر الوجه مرفوعا على الفاعلية ولفظ الرب مجرورا بالإضافة
وذكر ذو مرفوعا بالتبعية نعتا لوجه فلو كان الوجه هو الذات لكانت القراءة
(ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ) بالياء لا بالواو كما قال تعالى:
{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 78] فخفضه لما كانت صفة
للرب فلما كانت القراءة في الآية الأولى بالرفع إجماعا تبين أن الوجه صفة
للذات ليس هو الذات ولما رأى آخرون منهم فساد تأويلهم بالذات أو الغير
لجأوا إلى طاغوت المجاز فعدلوا إلى أن تأويله به أولى وأنه كما يقال:
(وجه الكلام) و (وجه الدار) و (وجه الثوب) ونحو ذلك فتكلفوا الكذب على الله
تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم كل التكلف ثم نكسوا على
رءوسهم فوقعوا فيما فروا منه فيقال لهم: أليس الثوب والدار والكلام مخلوقات
كلها وقد شبهتم وجه الله تعالى بذلك فأين الفكاك والخلاص ولات حين مناص
{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 23]
وكما أولوا اليد بالنعمة واستشهدوا بقول العرب: (لك يد عندي) أي نعمة فعلى
هذا التأويل يكون قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64] يعني نعمتاه
فلم يثبتوا لله إلا نعمتين والله تعالى يقول:
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
} [لقمان: 20] ويكون قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]
أراد الله بنعمته ويكون قوله تعالى:
{وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]
أراد مطويات بنعمته فهل يقول هذا عاقل وقال آخرون منهم (بقوته) استشهادا
بقوله تعالى: {وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 147] أي بقوةٍ فيقال لهم:
أليس كل مخلوق خلقه الله بقوة فعلى هذا ما معنى قوله عز وجل
{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وأي فضل لآدم على إبليس إذ كل منهما
خلقه الله بقوته وما معنى قوله تعالى للملائكة:
((لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان)) أفلم يخلق
الملائكة بقوته وأي فضل لآدم عليهم إن لم يكن خلقه بيده التي هي صفته
نبئوني بعلم إن كنتم صادقين وكما تأولوا الاستواء بالاستيلاء ببيت مجهول مروي
على خلاف وجهه وهو ما ينسب إلى الأخطل النصراني:

قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق

فعدلوا عن أكثر من ألف دليل من التنزيل إلى بيت ينسب إلى بعض العلوج ليس
على دين الإسلام ولا على لغة العرب فطفق أهل الأهواء يفسرون به كلام الله
عز وجل ويحملونه عليه مع إنكار عامة أهل اللغة لذلك وأن الاستواء لا يكون
بمعنى الاستيلاء بوجه من الوجوه البتة وقد سئل الأعرابي وهو إمام أهل اللغة
في زمانه فقال: العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه
مضاد فأيهما غلب قيل: استولى، والله سبحانه وتعالى لا مغالب له. اهـ.
وقد فسر السلف الاستواء بعدة معان بحسب أداته المقترنة به وبحسب
تجريده عن الأداة ولم يذكر أحد منهم أنه يأتي بمعنى الاستيلاء حتى انتحل
ذلك أهل الأهواء والبدع لا باشتقاق صغير ولا كبير بل باستنباط مختلق وافق
الهوى المتبع وقد بسط القول في رد ذلك ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى
في كتابه (الصواعق) وبيَّن بطلانه من نيف وأربعين وجهاً فليراجع, وكما أولوا
أحاديث النزول إلى السماء الدنيا بأنه ينزل أمره فيقال لهم: أليس أمر الله تعالى
نازلا في كل وقت وحين؟ فماذا يخص السحر بذلك؟ وقال آخرون ينزل ملك بأمره
فنسب النزول إليه تعالى مجازا فيقال لهم فهل يجوز على الله تعالى أن يرسل
من يدعي ربوبيته وهل يمكن للملك أن يقول:
((لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي
يستغفرني فأغفر له
)). وهل قصرت عبارة النبي صلى الله عليه وسلم
عن أن يقول ينزل ملك بأمر الله فيقول إن الله تعالى يقول لكم كذا أو أمرني أن
أقول لكم كذا حتى جاء بلفظ مجمل يوهم بزعمكم ربوبية الملك لقد ظننتم
بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم ظن السوء وكنتم قوما بورا وكما
أولوا المجيء لفصل القضاء بالمجاز فقالوا: يجيء أمره واستدلوا بقوله تعالى
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النحل: 33] فقالوا في
قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ} [البقرة:210] فقالوا: هو من مجاز
الحذف والتقدير يأتي أمر الله فيقال لهم أليس قد اتضح ذلك غاية الاتضاح أن
مجيء ربنا عز وجل غير مجيء ملائكته حقيقة وقد فصل تعالى أوانه وقسمه
ونوعه تنويعا يمتنع معه الحمل على المجاز فذكر تعالى في آية البقرة مجيئه
ومجيء الملائكة وكذا في آية الأنعام إتيانه وإتيان الملائكة وإتيان بعض آياته
التي هن من أمره ثم يقال ما الذي يخص إتيان أمره بيوم القيامة أليس أمره
آتيا في كل وقت متنزلا بين السماء والأرض بتدبير أمور خلقه في كل نفس
ولحظة {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]
وتأولوا النظر إلى الله عز وجل في الدار الآخرة بالانتظار قالوا إنه كقوله:
{انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} [الحديد: 13] فيقال لهم أليس إذا كان بمعنى
الانتظار تعدى بنفسه لا يحتاج إلى أداة كما في قوله {انْظُرُونَا}
ألم يضف الله تعالى النظر إلى الوجوه التي فيها الإبصار ويعده بإلى التي تفيد
المعاينة بالبصر عند جميع أهل اللغة {قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ} [البقرة: 140]
أو لم يفسره النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤية الجلية عيانا بالأبصار في أكثر
من خمسين حديثا صحيحا حتى شبه تلك الرؤية برؤيتنا الشمس صحوا ليس
دونها سحاب تشبيها للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ولم يزل الصحابة مؤمنين
بذلك ويحدثون به من بعدهم من التابعين وينقله التابعون إلى من بعدهم وهلم
جرا فنحن أخذنا ديننا عن حملة الشريعة عن الصحابة عن النبي ...
صلى الله عليه وسلم فأنتم عمن أخذتم ومن شبهاتهم في نفي الرؤية
استدلالهم بقوله عز وجل: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 113] وهذه الآية فيها
عن الصحابة تفسيران: أولهما: لا يرى في الدنيا وهو مروي عن عائشة
رضي الله عنها وبذلك نفت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه
ليلة المعراج.
ثانيهما: تفسير ابن عباس رضي الله عنهما {لاَّ تُدْرِكُهُ}
أي لا تحيط به فالنفي للإحاطة لا للرؤية وهذا عام في الدنيا والآخرة ولم ينقل
عن أحد الصحابة من طريق صحيح ولا ضعيف أنه أراد بذلك نفي الرؤية في
الآخرة فهذا تفسير الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الكتاب هل بينهم
من أحد فسر الآية بما افتريتموه ومن إفكهم ادعاؤهم معنى التأبيد في نفي
{لَن تَرَانِي} [الأعراف: 143] حتى كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
حديثا مختلقا لفظه: ((لن تراني في الدنيا ولا في الآخرة)) وهو موضوع مكذوب
على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أئمة الحديث والسنة. ولم يقل أحد من
أئمة اللغة العربية إن نفي لن للتأبيد مطلقا إلا الزمخشري من المتأخرين قال
ذلك ترويجا لمذهبه في الاعتزال وجحود صفات الخالق جل وعلا وقد رده عليه
أئمة التفسير كابن كثير وغيره.
وردّه ابن مالك في الكافية حيث قال:
ومن يرى النفي بلن مؤبدا
فقوله اردد وسواه فاعضدا

والقائل لموسى {لَن تَرَانِي} هو المتجلي للجبل حتى اندك وهو الذي وعد
المؤمنين {الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وهو الذي قال {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
فاتضح بذلك قوله لموسى عليه الصلاة والسلام {لَن تَرَانِي} إنما أراد عدم
استطاعته رؤية الله تعالى في هذه الدار لضعف القوى البشرية فيها عن ذلك
كما قرر تعالى ذلك بقوله جل جلاله {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ
فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا
} [الأعراف: 143]
الآية فإذا لم يثبت الجبل لتجلي الله تعالى فكيف يثبت موسى لذلك وهو بشر
خلق من ضعف وأما في الآخرة فيخلق الله تعالى في أوليائه قوة مستعدة للنظر
إلى وجهه عز وجل وبهذا تجتمع نصوص الكتاب والسنة وتأتلف كما هو مذهب
أهل السنة والجماعة وأما من اتبع هواه بغير هدى من الله ونصب الخصام أو
الجدال والمعارضة بين نصوص الكتاب والسنة واتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة
وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله وضرب كتاب الله بعضه ببعض وآمن ببعض
وكفر ببعض وشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل
المؤمنين وأضله الله على علم وختم على سمعه وبصره وقلبه وجعل على
بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أعاذنا الله وجميع المؤمنين من ذلك ولا
يتأتى لأحد من أهل التأويل مراده ولا يستقيم له تأويله إلا بدفع النصوص بعضها
ببعض لا محالة ولا بد فإن كتاب الله تعالى يصدق بعضه بعضا لا يكذبه كما هو
مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه وكذلك سنة النبي...
صلى الله عليه وسلم تبين الكتاب وتوضحه وتفسره وتدل عليه وترشد إليه
ولا يشك في ذلك ولا يرتاب فيه إلا من اتخذ إلهه هواه وأدلى بشبهاته لغرض
شهواته {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ} [البروج: 19-20]
وهذا دأبهم في جميع نصوص الأسماء والصفات وإنما ذكرنا هذه الجملة مثالا
وتنبيها على ما وراء ذلك فمن عوفي فليحمد الله فالحمد لله الذي هدانا لهذا
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي
– ص460

أهل السنة والجماعة إيمانهم بما وصف الله به نفسه خال من التحريف، يعني:
تغيير اللفظ أو المعنى.

وتغيير المعنى يسميه القائلون به تأويلاً ويسمون أنفسهم بأهل التأويل، لأجل
أن يصبغوا هذا الكلام صبغة القبول، لأن التأويل لا تنفر منه النفوس ولا تكرهه
لكن ما ذهبوا إليه في الحقيقة تحريف، لأنه ليس عليه دليل صحيح، إلا أنهم
لا يستطيعون أن يقولوا: تحريفاً! ولو قالوا: هذا تحريف، لأعلنوا على أنفسهم
برفض كلامهم.
ولهذا عبر المؤلف - يعني ابن تيمية - رحمه الله بالتحريف دون التأويل مع أن
كثيراً ممن يتكلمون في هذا الباب يعبرون بنفي التأويل، يقولون: من غير تأويل
لكن ما عبر به المؤلف أولى لوجوه أربعة:
الوجه الأول: أنه اللفظ الذي جاء به القرآن، فإن الله تعالى قال:
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: 46]، والتعبير الذي عبر به القرآن أولى
من غيره، لأنه أدل على المعنى.
الوجه الثاني: أنه أدل على الحال، وأقرب إلى العدل، فالمؤول بغير دليل ليس
من العدل أن تسميه مؤولاً، بل العدل أن نصفه بما يستحق وهو أن يكون محرفاً.
الوجه الثالث: أن التأويل بغير دليل باطل، يجب البعد عنه والتنفير منه، واستعمال
التحريف فيه أبلغ تنفيراً من التأويل، لأن التحريف لا يقبله أحد، لكن التأويل لين
تقبله النفس، وتستفصل عن معناه، أما التحريف، بمجرد ما نقول: هذا تحريف.
ينفر الإنسان منه، إذا كان كذلك، فإن استعمال التحريف فيمن خالفوا طريق
السلف أليق من استعمال التأويل.
الوجه الرابع: أن التأويل ليس مذموماً كله
قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل))
وقال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]،
فامتدحهم بأنهم يعلمون التأويل.
والتأويل ليس كله مذموما، لأن التأويل له معان متعددة، يكون بمعنى التفسير
ويكون بمعنى العاقبة والمال، ويكون بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره.
(أ) يكون بمعنى التفسير، كثير من المفسرين عندما يفسرون الآية، يقولون:
تأويل قوله تعالى كذا وكذا. ثم يذكرون المعنى وسمي التفسير تأويلاً، لأننا أوّلنا
الكلام، أي: جعلناه يؤول إلى معناه المراد به.
(ب) تأويل بمعنى: عاقبة الشيء، وهذا إن ورد في طلب، فتأويله فعله إن كان
أمراً وتركه إن كان نهياً، وإن ورد في خبر، فتأويله وقوعه.

مثاله في الخبر قوله تعالى:
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ
رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ
} [الأعراف: 53]، فالمعنى: ما ينتظر هؤلاء إلا عاقبة ومآل
ما أخبروا به، يوم يأتي ذلك المخبر به، يقول الذين نسوه من قبل: قد جاءت
رسل ربنا بالحق.
ومنه قول يوسف لما خرَّ له أبواه وإخوته سجداً قال: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ}
[يوسف: 100]: هذا وقوع رؤياي، لأنه قال ذلك بعد أن سجدوا له.ومثاله في
الطلب قول عائشة رضي الله عنها: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر
أن يقول في ركوعه وسجوده بعد أن أنزل عليه قوله تعالى
:
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم
اغفر لي، يتأول القرآن
)) . أي: يعمل به.
(جـ) المعنى الثالث للتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره وهذا النوع ينقسم إلى
محمود ومذموم، فإن دل عليه دليل، فهو محمود النوع ويكون من القسم الأول
وهو التفسير، وإن لم يدل عليه دليل، فهو مذموم، ويكون من باب التحريف
وليس من باب التأويل.
وهذا الثاني هو الذي درج عليه أهل التحريف في صفات الله عز وجل.
مثاله قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]: ظاهر اللفظ أن الله
تعالى استوى على العرش: استقر عليه، وعلا عليه، فإذا قال قائل:
معنى (اسْتَوَى): استولى على العرش، فنقول: هذا تأويل عندك لأنك صرفت
اللفظ عن ظاهره، لكن هذا تحريف في الحقيقة، لأنه ما دل عليه دليل، بل الدليل
على خلافه، كما سيأتي إن شاء الله.
فأما قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، فمعنى:
{أَتَى أَمْرُ اللّهِ}، أي: سيأتي أمر الله، فهذا مخالف لظاهر اللفظ لكن عليه
دليل وهو قوله: {فَلا تَسْتَعْجِلُوه}.
وكذلك قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
[النحل: 98]، أي: إذا أردت أن تقرأ، وليس المعنى: إذا أكملت القراءة، قل:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لأننا علمنا من السنة أن النبي عليه الصلاة
والسلام إذا أرد أن يقرأ، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، لا إذا أكمل القراءة
فالتأويل صحيح.وكذلك قول أنس بن مالك:
((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء، قال: أعوذ بالله من الخبث
والخبائث
)) ، فمعنى (إذا دخل): إذاً أراد أن يدخل، لأن ذكر الله لا يليق داخل
هذا المكان، فلهذا حملنا قوله: (إذا دخل) على إذا أراد أن يدخل: هذا التأويل
الذي دل عليه صحيح، ولا يعدو أن يكون تفسيراً.
ولذلك قلنا: إن التعبير بالتحريف عن التأويل الذي ليس عليه دليل صحيح أولى
لأنه الذي جاء به القرآن، ولأنه ألصق بطريق المحرف، ولأنه أشد تنفيراً عن هذه
الطريقة المخالفة لطريق السلف، ولأن التحريف كله مذموم، بخلاف التأويل
فإن منه ما يكون مذموماً ومحموداً، فيكون التعبير بالتحريف أولى من التعبير
بالتأويل من أربعة أوجه.

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/87

من المعلوم أن الأشاعرة من أهل التأويل فكيف يكون مذهبهم باطلاً وقد قيل:
إنهم يمثلون اليوم خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين؟!
وكيف يكون باطلاً وقدوتهم في ذلك أبو الحسن الأشعري؟
وكيف يكون باطلاً وفيهم فلان وفلان من العلماء المعروفين بالنصيحة لله ولكتابه
ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟
قلنا - أي: ابن عثيمين رحمه الله-: الجواب عن السؤال الأول: أننا لا نسلم أن
تكون نسبة الأشاعرة بهذا القدر بالنسبة لسائر فرق المسلمين، فإن هذه
دعوى تحتاج إلى إثبات عن طريق الإحصاء الدقيق.
ثم لو سلمنا أنهم بهذا القدر أو أكثر فإنه لا يقتضي عصمتهم من الخطأ؛
لأن العصمة في إجماع المسلمين لا في الأكثر.
ثم نقول: إن إجماع المسلمين قديماً ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التأويل
فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة (وهم الصحابة) الذين هم خير القرون
والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما
أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على
ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعهم حجة ملزمة؛
لأنه مقتضى الكتاب والسنة، وقد سبق نقل الإجماع عنهم في القاعدة الرابعة
من قواعد نصوص الصفات.
والجواب عن السؤال الثاني: أن أبا الحسن الأشعري وغيره من أئمة المسلمين
لا يدعون لأنفسهم العصمة من الخطأ، بل لم ينالوا الإمامة في الدين إلا حين
عرفوا قدر أنفسهم ونزلوها منزلتها وكان في قلوبهم من تعظيم الكتاب والسنة
ما استحقوا به أن يكونوا أئمة، قال الله تعالى:
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
وقال عن إبراهيم:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ
وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
} [النحل: 120-121].
ثم إن هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الإقتداء الذي ينبغي
أن يكونوا عليه، وذلك أن أبا الحسن كان له مراحل ثلاث في العقيدة:
المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عاماً يقرره
ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم.
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها
طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب. قال شيخ الإسلام ابن تيميه:
والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية أخذوا من هؤلاء كلاماً صحيحاً
ومن هؤلاء أصولاً عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة. اهـ.
المرحلة الثالثة: مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتدياً بالإمام
أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: (الإبانة عن أصول الديانة)
وهو من آخر كتبه أو آخرها.
قال في مقدمته: جاءنا - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم - بكتابٍ عزيز
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه
علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبله
المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى،
وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7].
إلى أن قال: فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك
بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن
غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله...
صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم
ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها
وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله {قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}
[الأنعام: 140].
ثم ذكر رحمه الله أصولاً من أصول المبتدعة، وأشار إلى بطلانها ثم قال:
فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والجهمية، والحرورية، والرافضة والمرجئة
فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟
قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل
وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة
الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد
بن حنبل - نضَّر الله وجهه ورفع درجته، وأجزل مثوبته - قائلون، ولمن خالف قوله
مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل ثم أثنى عليه بما أظهر الله على
يده من الحق وذكر ثبوت الصفات، ومسائل في القدر، والشفاعة، وبعض
السمعيات، وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية .

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين -
ص80

اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب
والسنة في الصفات، ادعى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها؛ ليلزم أهل
السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال: كيف تنكرون علينا
تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟
ونحن - أي: ابن عثيمين رحمه الله - نجيب بعون الله عن هذه الشبهة بجوابين
مجمل، ومفصل.
أما المجمل فيتلخص في شيئين:

أحدهما: أن لا نسلم أن تفسير السلف لها صرف عن ظاهرها، فإن ظاهر
الكلام ما يتبادر منه من المعنى، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف
إليه الكلام، فإن الكلمات يختلف معناها بحسب تركيب الكلام، والكلام
مركب من كلمات وجمل، يظهر معناها ويتعين بضم بعضها إلى بعض.
ثانيهما: أننا لو سلمنا أن تفسيرهم صرف لها عن ظاهرها، فإن لهم في
ذلك دليلاً من الكتاب والسنة، إما متصلاً وإما منفصلاً، وليس لمجرد شبهات
يزعمها الصارف براهين وقطعيات يتوصل بها إلى نفي ما أثبته الله لنفسه
في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما المفصل فعلى
كل نص أدعى أن السلف صرفوه عن ظاهره.

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين -
ص54





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..