عرض مشاركة واحدة
قديم 03-04-2007, 09:39 PM
المشاركة 6
الوسيط
عضو أمتعنا وجوده
  • غير متواجد

،
،
،
،

( ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين )

من عظمة هذا القرآن وجميل خطابه وقوة بلاغته أنك تجد الكلمات اليسيرة تختزل وراءها معاني كثيرة فإن كان محمد صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم فكلام الله بذلك أولى وأجدر وقد قدمت قول ابن القيم رحمه الله تعالى حول آية واحدة من كتاب الله جل وعلا ألا وهي ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وكيف شرحها في ثلاث مجلدات وقال عنها إنها اختصار لجميع الرسائل السماوية منذ خلق الله آدم وحتى قيام الساعة ...

وهذه الآية التي أنزلها الله في سورة التوبة في معرض الحديث عن عزوة تبوك وتخلف بعض المنافقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة معناها أن هؤلاء المنافقين لو ارادوا الخروج معك يا محمد لأعدوا لذلك الخروج عدته ولتجهزوا له بما يساعدهم عليه ولكن أبغض الله خروجهم معك وأخرهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ثم بيّن الله عز وجل بعد ذلك أسباب تثبيطه لهم بأنهم لو خرجوا ما زادوكم إلا خبالا لأنهم ضعفاء جبناء مخذولين ولأوضعوا خلالكم أي لأسرعوا ولسعوا بالنميمة والبغضاء والفتنة بينكم وفيكم سمّاعون لهم أي مطيعون لهم يستحسنون حديثهم ويستنصحونهم ....... الخ الآيات

ولكن كما يقول الأصوليون في التفسير العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولهذا فإن هذه الآية تصلح أن تكون نبراسا لنا نهتدي به في ظلمات الجهل والضعف والتقصير فإن رأيت من نفسك ضعفا في طاعة الله أو القيام بما أمر به فاذكر يا رعاك الله ( ولكن كره الله انبعاثهم ) وإن جاءك الشيطان ليخذلك عن الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر فاذكر ( ولكن كره الله انبعاثهم ) وإن رأيت من نفسك ترددا في تطبيق سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم خوفا من الانتقاد أو خشية للناس فاذكر ( ولكن كره الله انبعاثهم ) وإن بخلت بمالك وجهدك في سبيل الدعوة والإحسان إلى الفقراء فاذكر ( ولكن كره الله انبعاثهم )

معاني جليلة قد نستنبطها من هذه الآية ومن غيرها من الآيات فكلام الله زاخر بعظيم البيان ضارب في أعماق القوة والجزالة معنى ومبنى فهو الخير كله والجمال كله والأدب كله والفضيلة كلها من أخذه رفعه الله ومن تركه وضعه الله إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع آخرين ...

هذه الآية لو أضفنا عليها آية أخرى أو جزءا من آية أخرى ثم جعلها المسلم نبراسا له لما أخطأ طريق الرفعة والعزة في الدارين ولكان صاحب همة عالية مضاءة في السير إلى الله تلكم الآية هي ( هم درجات عند الله )

فإن رأيت يا عبد الله من نفسك تقصيرا في واجب أو ركونا إلى محرم فاردعها بأحد هاتين الآيتين فإن الخير كل الخير ثمّ ، وإن المصطفى صلى الله عليه وسلم عوّد أصحابه علو الهمة ونبل المقصد فكان إذا وعدهم وعدهم بالجنة كأحاديث من يشتري بئر رومة وله الجنة وكقوله من يجهز جيش العسرة وله الجنة وكإجابته لكثير ممن كان يسأله فما لنا يارسول الله فيقول لكم الجنة ، ثم حثه على علو الهمة إذا سألتم الله فأسالوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسطها وسقفه عرش الرحمن ........ الخ

وفقنا الله وإياكم لطاعته وحسن عبادته والله من وراء القصد ومازال للحديث بقية ...

إن الأدب الحقيقي الذي يرفع قدر صاحبه هو أن يتأدب المرء مع مولاه جل وعلا ويتتبع رضاه ويبتعد عن ما يسخطه هنالك يكون أديبا ومؤدبا أما غير ذلك فلا وألف لا ...
الوسيط