عرض مشاركة واحدة
قديم 17-04-2007, 11:11 PM
المشاركة 8
الوسيط
عضو أمتعنا وجوده
  • غير متواجد
،
،
،


{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

بعض آيات الكتاب الكريم يعجز فيها اللسان عن البيان والقلم عن الكتابة ويقف فيها الأديب حائرا والشاعر واجما ولا تجد في تعابير الوجه وحركة الجسم ما يصف الحال ويجسد الشعور الذي تود التعبير عنه فكيف بمن زاده من كل ذلك قليل لا يكاد يبلغه مراده أو يقصر عن ذلك في هذه الحالة لم أر أبلغ تعبيرا من دمعة حارة تسقط على وجنة تائب في جوف الليل قضى شطرا من عمره بعيدا عن ربه ثم لما منّ الله عليه بالتوبة قام يصلى في جوف الليل فتساقط الدمع على خديه سخينا لا يعلم مما ولا كيف فتراه يبكي بكاءً حاراً مع قراءة سورة الفاتحة فضلا عن غيرها من السور وتراه يبكي قائما وراكعا وساجدا وفي كل حال وما هي إلا رحمة تغشاه من ربه ونور قذف في قلبه فذاق شيئا من حلاوة الإيمان فاندفع يبكي بكل جوارحه يبكي على عمره الذي فات وهو غافل عن حقيقة العبودية وشرف الوقوف على بابها ويبكي حسرة على هذه السعادة التي كان يبحث عنها طويلا فيغرق في بحر من المعاصي والملذات ظاناً أنها الطريق الأمثل للسعادة ويبكي على رفاقه الذين كانوا يدعونه ناصحين مشفقين عليه من شؤم المعصية وسوء أثرها عليه فلا يقابلهم إلا بصدود وإعراض ويبكي ألما لرفاقه الذي مازالوا على مثل ما كان عليه من الصد والإعراض ...

ولا شك أن القرآن الكريم ذلكم الكتاب العظيم كلام رب العالمين جل في علاه إن لم نقرأه وكأنما أنزل علينا ونوقن تماما أننا المخاطبون به إن لم نفعل ذلك فإن تأثيره علينا سيبقى محدودا ربما لا يجاوز تراقينا والعياذ بالله ...

وقد كنت قرأت في سيرة شاعر البنجاب محمد إقبال رحمه الله وتجاوز عنا وعنه ما نصه أن أباه دخل عليه يوما وهو يقرأ القرآن ويلاعب أخته الصغيرة فقال له مستنكرا ما تفعل ؟ ثم قال له : يا بني اقرأ القرآن كأنما أنزل عليك ! ويقال إن إقبال استفاد من هذه النصيحة فكان لا يختم القرآن حتى يبله بدموعه ...

ولكنّا نحن للأسف تمر علينا صواعق الآيات دون أن تحرك فينا ساكنا وكأن المخاطب بها غيرنا ، فنقرأ مثلا قول الحق جل وعلا : {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } ونعلم أن المراد بها عمدنا إلى ما فعلوا من خير وصلة رحم وبر وقري ضيف وإغاثة ملهوف وغير ذلك فجعلناها هباءً كذرات الغبار المتطايرة المتفرقة التي ترى في ضوء الشمس لا فائدة لها ولا نفع يرجى منها ذلك أنهم لم يفعلوها خالصة لوجه الله تعالى وعلى ذلك فقس ولعل مما يوضح ذلك حديث الثلاثة الذين يكونون أول من تسعر بهم النار وهم العالم والمجاهد والمنفق نسأل الله السلامة من ذلك ...

وقد كان السلف رضوان الله عليهم وقافين عند كلام الله يتلونه بقلوبهم ويستشعرون معانيه فيؤثر فيهم ويرسم طريقهم ويحدد ملامحه فترى عليهم نورا من الوحي كتابا وسنة وهم على فضلهم وسابقتهم وجهادهم وعلمهم ونشرهم للدين ودعوتهم إلى الله يتهمون أنفسهم بالتقصير فهذا عمر يسأل حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحلفه أسماه رسول الله في المنافقين ثم يقول عند موته بعد أن سمع من يثني عليه المغرور من غررتموه والله لوددت أن أنجو منها كفافا لا لي ولا عليّ ، وهذا علي رضي الله عنه يقول لو علمت أن الله تقبل مني مثقال ذرة لاتكلت ذلك أن الله يقول : ( إنما يتقبل الله من المتقين ) وهذه عائشة رضي الله عنها تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } قالت : أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق ؟ قال : لا يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه )

( أفمن يمشي مكبا على وجهه ) غارقا في ملذاته وشهواته مشركا بربه لا يعلم لما خلق وأين يسير مسرفا على نفسه بالمعاصي والذنوب لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا طبع على قلبه الران معرضا عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم غارقا في سبل الشيطان مستغرقا فيها ...
( أهدى ) حاشا وكلا أن يكون هذا على هداية

( أمّن يمشي سويا على صراط مستقيم ) مستقيما في مشيته عالما بطريقه أين مبدؤها وأين منتهاها واضح القصد بيّن الخطى يسير بنور من الله وحفظ نهى نفسه عن الهوى وكبل شيطان شهواته وغرائزه عن الحرام لا يميل مع كل مائل ولا يتبع كل ناعق إنما يسير وفق مراد الشارع الحكيم إن أمره امتثل أمره وإن نهاه عن أمر اجتنبه إن وفق لعمل خير شكر ربه على توفيقه وإن أبتلى صبر وعلم أن في البلاء منحة فتكفير الذنوب ورفع الدرجات والصبر والرضي كلها معاني ترسخت في ذهنه إيمانا منه بربه وفضله ورحمته بعباده ...

هذه بنات فكر آمنت بها قبل أن أكتبها أنصح بها نفسي أولا وأنا أشدكم حاجة للنصيحة والتذكير إن أصبت فيها فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والله ورسوله بريئان مما أقول وفق الله الجميع لطاعته والله من وراء القصد ومازال في الجعبة الكثير ولا أدرى أأستمر هنا أم يكون لها مكانا آخر غير هذا المتصفح فالإطالة قد تكون مملة وثقيلة على القارئ وأنا بحاجة إلى توجيهكم بارك الله فيكم جميعا ورزقنا وإياكم طاعته بالوجه الذي يرضيه ...

إن الأدب الحقيقي الذي يرفع قدر صاحبه هو أن يتأدب المرء مع مولاه جل وعلا ويتتبع رضاه ويبتعد عن ما يسخطه هنالك يكون أديبا ومؤدبا أما غير ذلك فلا وألف لا ...
الوسيط