الموضوع: الحلم والغضب
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-2012, 10:41 PM
المشاركة 2

 

  • غير متواجد
رد: الحلم والغضب
ثامنها: الخوف من العقوبة على الجواب، وهذا من ضعف النفس، لا من الحلم. وربما أوجبه الرأيُ،
واقتضاه الحزم.
وقد قيل: الحلم حجاب الآفات. والرفق في التعامل مع الأخرق حلم ونجاة.
تاسعها: الرعاية ليدٍ سالفة، وحرمة لازمة، وهذا من الوفاء، وحُسنِ العهد، وكمال المروءة،
وقد قيل: أكرمُ الشِّيَم أرعاها للذمم. وقد قال الشاعر فأحسن:

إن الوفاء على الكريم فريضـة *** واللؤم مقرون بذي الإخـلاف
وترى الكريم لمن يعاشر منصفاً
*** وترى اللئيم مجانب الإنصاف

وقال غيره فأجاد:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكتَه *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمرَّدا

عاشرها: المكر وتوقُّع الفرص الخفيّة، وهذا من المكر والدهاء. وقد قيل: من ظهر غضبه، قلَّ كيدُه.
وقال أحد الحكماء: غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله.
وقال أحدهم: إذا سكتَّ عن اللئيم ضيَّعتَ عليه فرصته.
قال أحد الشعراء:

ولَلْكفُّ عن شتم اللئيم تكرّماً *** أضرُّ له من شتمه حين يُشتَمُ

وعلى الرغم من أن الحلم فضل كله إلا أنَّ بعض ما ذكر يدخل في باب الذلِّ ولئن كان تملُّكُ
النفس أن تغضب وأن تهيج حسناً إن عدم الغضب حين يسمع الإنسان ما يُغضب، يعتبر من
ذل النفس وقلّة الحميّة، وقد قالت الحكماء:
ثلاثة لا يُعرفون إلا في ثلاثة مواطن:
أ – لا يُعرف الجواد إلا في العسرة
ب – ولا يعرف الشجاع إلا في الحرب
ج – ولا يعرف الحليم إلا في الغضب
قال أحد الشعراء:

ليست الأحلام في حال الرضا *** إنما الأحلام في حال الغضب

وقال شاعر آخر:

مَنْ يدّعِ الحِلم أغضِبْه لتعرفه *** لا يُعرف الحِلْمُ إلا ساعة الغضب

ولعلَّ من المقبول أن يجتمع في قوم ذوو أحلام وجهال، فقد يكمل بعضهم بعضاً، وقد أنشد
النابغة الجعدي أمام النبي صلى الله عليه وسلم:

ولا خير في حلم إذا لم يكن له *** بوادرُ تحمي صفْوَه أن يُكدَّرا
ولا خيرَ في جهل إذا لم يكن له
*** حليم إذا ما أوردَ الأمرَ أصدرا

فلم ينكر صلى الله عليه وسلم قوله عليه.
ومن فقد الغضب في الأشياء المغضِبة حتى استوى حالتاه قبل الإغضاب وبعده، فقد عدم
من فضائل النفس الشجاعة، والأنفة والحميّة والغيرة والأخذ بالثأر لأنها خصال مركبة من
الغضب، فإذا عدمها الإنسان هان بها، ولم يكن لباقي فضائله في النفوس موضع، ولا لوفور
حلمه في القلوب موقع.
قال المنصور: إذا كان الحلم مفسدة كان العفو مَعْجَزَة
وقال أحدهم: العفو يفسد من اللئيم بقدْر إصلاحه من الكريم.
وقال عمرو بن العاص: أكرموا سفهاءكم فإنهم يقونكم العار والشنار، واتفق معه مصعب بن
الزبير حين قال: ما قلَّ سفهاءُ قوم إذا ذلّوا.
وفي هذا قال أبو تمام الطائي:

والحربُ تركب رأسها في مشهدٍ *** عَدْلُ السفيه به بألف حليم

وليس هذا القول إغراءً بالغضب والانقياد إليه، بل دعوة إلى التوازن بين الحلم والغضب على
أن يكون الحلم قائداً وله المبادرة. قال الشاعر:

إذا أنت جاريتَ السفيه كما جرى *** فأنت سفيه مثله غيرُ ذي حلم
ولا تعضبَنْ عرض السفيه وداره
*** بحِلم، فإن أعيا عليك فبالصرم
فيرجوك تارات ويخشاك تـارة
*** ويأخذ فيما بين ذلك بالحـزم
فإن لم تجد بدّاً من الجهل فاستعن
*** عليه بجهّال فذاك من العـزم

ومن عَزَب عنه الحلم فاتقاد لغضبه ضلَّ عنه وجه الصواب فيه، وضعف رأيه عن خبرة أسبابه
ودواعيه حتى يصير بليد الرأي، ضعيف الفهم، مقطوع الحجة، قليل الحيلة، وقد يكون صاحب
حقٍّ فيضيعه بغضبه مع ما يناله من أثر الغضب في جسمه ونفسه حتى يصير أضرَّ عليه مما
غضب له. وقد قال أحد الحكماء: مَنْ كثر شططه، كثر غلطه.
وروي أن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال لعلي رضي الله عنه:
- ما الذي يباعدني من غضب الله عزّ وجل؟ قال: أن لا تغضب.
وروي أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حسن الخلق وكرر السؤال، فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم: لا تغضب وكرر الجواب.
قال أحد الأدباء: مَنْ ردَّ غضبَه هدَّ مَنْ أغضبه.
فينبغي لذي اللب السويّ، والحزم القويّ أن يتلقى قوّة الغضب بحلمه فيصدّها، ويقابل
عوادي شرته بحزمه فيردّها، ليحظى بانجلاء الحَيرَة ويسعد بحميد العاقبة.
قال أحد الأدباء: في إغضائك راحة لأعضائك.

الفرق بين الحزن والغضب:

قال الماوردي: (سبب الغضب هجوم ما تكرهه النفس ممن دونها، وسبب الحزن هجوم
ما تكرهه النفس ممن فوقها
).
(والغضب يتحرك من داخل الجسد إلى خارجه، والحزن يتحرك من خارج الجسد إلى داخله)
(وبذلك قتل الحزن صاحبه لكمونه، ولم يقتل الغضب صاحبه لبروزه).
(فنتجَ عن الحزن المرض والأسقام فأفضى إلى الموت. ونتج عن الغضب السطوة والانتقام
فأفضى إلى التهديد والثأر
)
فهذا فرق ما بين الغضب والحزن.

بعض ما يسكِّن الغضب:

إن لتسكين الغضب إذا هجم أسباباً يستعان بها منها:
أولاً: أن يذكر اللهَ عزّ وجل، فيدعوه ذلك إلى الخوف منه ثم إلى الطاعة، ثم إلى الأدب،
ثم يستغفر الله تعالى فيزول الغضب، قال الله تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت}
قال عكرمة: يعني إذا غضبت.
وقال الله تعالى: {وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} ومعنى قوله: ينزغنّك:
أي يغضبنّك فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم: يسمع بجهل مَن جَهِل، ويعلم بما
يذهب عنك الغضب.
وذكر أن في التوراة: يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب، فلا أمحقك فيمن أمحق.
وحكي أن بعض الحكماء قال: من ذكر قدرة الله لم يستعمل قدرته في ظلم العباد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء".
وقال أحد المذنبين لهارون الرشيد: يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين
يديك، وبالذي هو أقدر على عقابك منك على عقابي لما عفوت عني، فعفا عنه لما ذكر
قدرة الله تعالى.
وروى البيهقي عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
القسوة، فقال: "أطّلع في القبور، واعتبر بالنّشور".
وعلى هذا قال الفاروق عمر رضي الله: من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير.
ثانياً: أن ينتقل عن الحالة التي هو فيها إلى حالة غيرها فيزول عنه الغضب.
وهذا ما فعله معاوية حين غضب وهو يخطب فنزل وتوضأ ثم عاد وأخبر أنه علم من النبي
صلى الله عليه وسلم أن الغضب نار تطفئه الماء..
وكذلك فعل المأمون حين شعر بالغضب أو بدرت منه بادرة الحدّة والانفعال. وقالت الفرس:
إذا غضب القائم فليجلس، وإذا غضب الجالس فليقم.
ثالثاً: أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم، ومذمّة الانتقام، فقد كتب أبرويز إلى ابنه شيرويه:
إن كلمة منك تسفك دماً، وأخرى تحقن دماً، وإن نفاذ أمرك مع كلامك، فاحترس في غضبك أن
تخطئ، ومن لونك أن يتغير، ومن جسدك أن يرتجف، فإن الملوك تعاقب قدرة، وتعفو حلماً.
ولله در القائل: الغضب على من لا تملك عجز، وعلى من تملك لؤم.
وقال أحد البلغاء: إنَّ غضباً يعقبه اعتذار، عجز وسفه.

وقد قلت ناصحاً:

لا تـغضبـنَّ وتعـتذرْ *** لـكـنْ تَحَـلّمْ وادّكـِرْ
غضبٌ يؤول إلى اعتذا
*** ر منك ضعف فافتكـرْ

رابعاً: أن يتنبّه الغاضب سريعاً إلى ثواب العفو، وحسن الصفح، فيقهر نفسه رغبة في الجزاء
والثواب، وحذراً من استحقاق الذمّ والعقاب.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
ينادي مناد يوم القيامة، مَنْ له أجر على الله عزّ وجل فليقم، فيقوم العافون عن الناس، ثم تلا:
"فمن عفا وأصلح فأجره على الله".
وقال رجاء بن حَيَوَة لعبد الملك بن مروان حين انتصر على بعض الثائرين:
إن الله قد أعطاك ما تحب من الظفر، فأعط الله ما يحب من العفو.
وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: " فقال فيه خير ثلاث خصال، فمن كنَّ د استكمل الإيمان:
أ – من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل.
ب – وإذا غضب لم يخرجه غضبه من حق.
ج – وإذا قدر عفا.
وأسمع رجل عمر بن عبد العزيز كلاماً، فقال عمر: أردتَ أن يستفزني الشيطان لعزة السلطان،
فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً، انصرف رحمك الله.
خامساً: أن يذكر حب الناس له إن لم يغضب، فيرغب في تأليفهم وثنائهم عليه وعلى هذا
يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: "ما ازداد أحد بعفوٍ إلا عزاً" وقال: "إنّ الله رفيق يحب
الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف، ومالا يعطي على ما سواه".
وقد مدح صلى الله عليه وسلم أشجَّ عبد القيس حين قال له: "إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله:
الحلم والأناة".
وتأمّل معي رحمك الله هذه الآية الرائعة: "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور"
وهاتين الآيتين الدالتين على مغانم الحلم والبعد عن الغضب. "ولا تستوي الحسنة ولا
السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم، وما يلقّاها
إلا الذين صبروا، وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم".
أما الآية التي هم أمُّ الباب، وخلاصته فقوله تعالى: "خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين".
وقال أحد البلغاء: ليس من عادة الكرام سرعةُ الانتقام، ولا من شروط الكرم إزالةُ النعم.




إذا كان الجمال .. كل الجمال يكمن في العيون وسحرهـا ،
ماذا يفعل الجمال إذا حان وقت النوم؟