عرض مشاركة واحدة
قديم 10-03-2016, 05:45 PM
المشاركة 27
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
حسن الظن بالله
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، حسن الظن بالله شعبة من شعب الإيمان، وخصلة من خصال التوحيد، ولا يكمل إيمان عبدٍ حتى يكون محسن الظن بربه، فأحسنوا الظن بربكم يقول الله جل وعلا: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فسرها سفيان رحمه الله: بحسن الظن بالله، يقول صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ"، وفي الحديث القدسي يقول الله جل وعلا: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي" الحديث، وفيه أيضا: "من ظن بي خيرا وجده ومن ظن بي سواء ذلك وجده".
وحسن الظن بالله: أن تطن بالله البر والإحسان والعطاء والمعاملة الحسنة في الدنيا والآخرة.
أيها المسلم، وحسن الظن بالله يكون في أمور:
فأولا: دعاء الله جل وعلا، فقد أمرك الله بدعائه، ووعدك بالإجابة فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وتهدد المعرضين عن دعائه بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) أي: عن دعاءي (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، وقال جل جلاله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقال جل وعلا: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) فأنت إذا دعوة ربك وطلبت حاجة من ربك فأحسن الظن بربك، وكن موقنا بأنه القادر على إجابة الدعاء يقول الله جل وعلا: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) ويقول صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ" وقد تتأخر الإجابة فلا تستعجل فإن ربك أرحم بك من نفسك ومن رحمة أبويك بك.
أيها المسلم،
أدعوا الله وأطلبه وألح في الدعاء فإنك تسأل غنيا حميدا قادرا جوادا كريما ولا تستبطئ الإجابة وقد لا تجاوب تلك الدعوة لأن الله يعلم أن في إجابتها ضررا عليك ومصائب عليك وقد يصرف هذا دعاءك إلى أن تعطى خير من مسألتك أو يصرف عتك من السوء ما لا تعلم أو يدخر لك في الآخرة، المهم أحسن الظن بالله في دعاءك فإن الله يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فدعوا ربك وألح في الدعاء فإذا وفقت في الدعاء أخفت قلبك لربك وخضت له وأنبت إليه، وسمع دعاء أنبياءه عليهم السلام قال جل وعلا: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) قال الله: ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وقال: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) أحسن الظن بربك في دعاءك واعلم أن الاستجابة قد يكون سببها غفلت قلبك وكثرت المعاصي وأكل الحرام فإن هذه معوقات للدعاء فإذا أقبلت على الله بدعائك واثقا بربك مصدقا لوعده فإما أن يتحقق المطلوب لك وإلا فإقبالك على الله وتضرعك بين يديه من أعظم الخيرات والحسنات.
أيها المسلم،
كلما أظلمت أمامك الدنيا وكلما أحاطت بك الهموم والأحزان فلجأ إلى الله وتضرع بين يديه: (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ)، دعاء الكرب: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" فدعوا الله وأنت موقن بالإجابة فإن الله يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم سرك وعلانيتك.
ومن حسن الطن بالله:
أن تحسن الظن بربك، أن أعمالك الصالحة التي أخلصتها لله وعملتها على وفق ما دل الكتاب والسنة عليه أن ثوابها مدخر لك ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا قال الله جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً*) وقال جل وعلا: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) وقال جل وعلا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فكن واثقا بربك وأن أعمالك الصالحة مدخرة لك أحوج ما تكون إليه، أصلح العمل وأخلص لله وأبشر كل خير يقول جل وعلا: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً).
ومن إحسان الظن بالله جل وعلا:
أن تكون مصدقا بوعده وما وعد به عباده المؤمنين بجنات النعم، ما أخبر به من ذلك النعيم المقيم، فكن صادقا في حسن ظنك بربك وأمل وقوي رجاءك بربك فذلك خير لك.
ومن حسن الظن بالله:
أن تظن به خيرا، وإنك تلاقيه إن شاء الله وسيستر عليك وسيعاملك بالعفو فإنه يحاسب عباده ويخلو بعبده المؤمن فيضع كنفه عليه ويذكره أعماله السيئة فيقول الله: سترتها عليك في الدنيا وأن أغفرها لك اليوم.
أيها المسلم،
ومن حسن الطن بالله أنك إذا وقعت في الصائب والبلايا وأحاطت بك الهموم والغموم فعلم أن هذه المصائب سبيلها الفرج والتسهيل يقول صلى الله عليه وسلم: "وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" يقول الله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).
أيها المسلم،
فالمؤمن يحسن الظن بربه في كل أحواله، وغير المؤمن يسيء الظن بربه لضعف إيمانه وقلة يقينه قال الله جل وعلا: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً).
سوء الظن بالله:
أن تظن من دعا الله ولتجئ إليه أن الله يخيب رجاءه ولا يحقق مطلوبة، وكل هذا من الجهل والضلال أو تعتقد أن الله جل وعلا يسوي بينه وبين أعداءه، وأن ما عنده من الخير ينادي بالمعاصي كما ينال بالطاعات وهذا أمر خطير فإن الله جل وعلا أخبر أنه فرق بين أهل طاعة وأعداءه: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، وقال جل وعلا: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).
ومن سوء الطن بالله أن :
تسوى ظنك بقضاء الله وقدره وما ترى من تفاوت الخلق في أرزاقهم وأخلاقهم كل ذلك لحكمة الرب جل وعلا العظيمة، فإن قضاء الله وقدره مبنيين على كمال الرب وعلى كمال حكمة الرب، وعلى كمال عدل الرب، وعلى كمال رحمته، فين قضاء الله وقدره من كمال العلم والحكمة والرحمة والعدل ما يجعل المؤمن يوقفن بهذا كله.
أيها المسلم،
ولحسن الظن آثار في الدنيا والآخرة:
فأثره في الحياة: أن المؤمن مطمئن القلب منشرح صدره بقضاء الله وقدره، يعلم أن الله أحكم الحاكمين، يرى هذا غنيا وهذا فقيرا وهذا عالما وهذا جاهلا وهذا رئيسا وهذا مرؤوسا ويقين بأن الله حكيم عليم، في قسمه الأخلاق والأرزاق بالعباد: "إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاَقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ" فيعلم أن هذا بحكمة الرب جل وعلا فيطمئن نفسه ويرضى بقضاء الله، ولهذا أمرنا أن ننظر إلى من دوننا في الخلق والرزق لا إلى من فوقنا فإن إن نظرنا إلى من فوقنا ربما احتقرنا شأننا، وإلى نظرنا إلى من دوننا علمنا فضل الله وسعت كرمه وجوده علينا.
أيها المسلم،
وإن بين حسن الظن بالله والعمل الصالح الارتباط الوثيق فالذي يحسن الظن بربه هو الذي يعمل ويجد في العمل ويخلص لله فإن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فحسن الظن بالله إنما يكون عند حسن العمل، فالمؤمن يحسن الظن بربه فأحسن العمل، وغير المؤمن ساء الظن بربه فساء عمله والعياذ بالله.
ومن سوء الطن بالله:
أن تظن أن ما يجري في الكون عبدا غير كمال فهذا كله من الخطأ فالله يقول: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ)، وقال جل وعلا: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ)، فأحسن الظن ربك في قضاءه وقدره وتفضيله بعض العباد على بعض، كلها لحكمة يعلمها جل وعلا، فهو القادر على كل شيء لكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه حكيم عليم قال جل وعلا: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) فضل بعض العباد: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).
أيها المسلم،
وحسن الظن بالناس أيضا مطلوب أن تحسن الظن بالآخرين وتحمل على الخير ما وجدته سبيلا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، فأحسن الظن بأصحابك ما لم يأتي بخلاف ذلك، فالأصل إحسان الظن إلا أن يأتي ما يخالف ذلك، فحسن الظن يريحك ويجعل صدرك سليما مطمئنا مرتاح البال.
أيها المسلم،
أحذر الوشاة والمفرقين بين الناس الناقل النميمة المفرق بين الأحبة فإنهم يملئون قلبك حقدا وحسدا على إخوانك وأصحابك فتفارقهم من أجل نميمة هذا وبهتان هذا وكذب هذا: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ).
فمن كمال راحة القلب استراحته من سوء الظن وثقته بالله واطمئنانه وأن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به.
ومن حسن الظن أيضا
ما يكون بين الزوجين، فالزوجان إذا اتفقا واصطلحا وتوافقا عمر البيت ونشأت الأسرة على أحسن حال واتفاق؛ ولكن عند اختلاف الزوجين وسوء الظن بعضهما ببعض يكون سببا لهدم البيت وحصول الطلاق وتشتت الأسر، فإن حسن الظن بين الزوجين من أسباب استقامة الحال، ولهذا لا يجوز للزوج ولا للزوجة أن يسوء الظن كل بصاحبه، فإن الوساوس والشكوك والأوهام من أسباب الفرقة.
أيها الزوج الكريم، أيتها الزوجة الكريمة،
أحسن الطن بزوجك، ويحسن الزوج الظن بامرأته ولنبتعد عما يثير ذلك وفي الحديث: "لعن الله مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا"، وكما أدت الاتصالات الحديثة إلى إحداث بلبلة ونشر رسالة مكذوبة من زوج إلى زوجته أو من الزوجة إلى زوجها أدت تلك الرسائل المكذوبة إلى الفرقة بين الزوجين وشك أحدهما بالآخر، الغيرة مطلوبة من الرجل لكن غيرة مبنية على قواعد شرعية لا غيرة مبنية على الوساوس والأوهام، والشكوك المتبادلة.
أيها الزوج الكريم،
اتقي الله في نفسك، فكلما صلحت سيرتك واستقامة أخلاقك وعف فرجك ترك آثرا على امرأتك في استقامتها وصلاحها وفي الأثر: عفوا تعف نساءكم، فسوء الظن يصدر أحيانا من تصرف بعض الأزواج وبعض الرجال وتصرفاتهم الخاطئة واتصالاتهم المشبوهة.
فلنتقي الله في أنفسنا وليحسن الظن بعضنا ببعض، ولنرتقي إلى مستوى المسئولية فيما بيننا.
إن المجتمع لا تنتظم حياته ولا تستقيم أموره إلا إذا كنا بين الراعي والرعية تبادل حسن الظن بينهم، فالراعي يهتم برعيته، ولا يحمل إلى على الخير يحسن الظن بهم ويسعى في مصالحهم ولا يبني على سوء الظن إلا إذا قام دليل واضح على ما أدى بعضهم إلى المخالفات الشرعية، الرعية يحسون الظن بقادتهم وأنهم ساعون في مصالحهم وما يضعون من أنظمة ولوائح كلها تهدف إصلاح المجتمع واجتماع الكلمة وبث الخير في المسلمين.
أطياف المجتمع من علماء ومفكرين ومثقفين وتربويين واقتصاديين وإعلاميين ولو لتصرفات خاصة يجب أن يكون بين الجميع حسن ظن بعضنا ببعض في النهوض لمجتمعنا وحرصه على سلامته ووحدة صفه، إن في زمن نحتاج فيه إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة وتراصي الأمور لأننا في زمن التحديات والأفكار السيئة فلا يجوز لأحد أن يسعى في نشر أراجيف وإشاعات باطلة يزعزع بها أمن المجتمع ويبغض الثقة بعضنا ببعض كل هذه من الأخلاط، يجب أن يكون الجميع هدفهم نصرة هذا الدين ثم هدفهم إصلاح المجتمع والبقاء على كيان متماسكا مترابطا قويا لا يبدله الإشاعات والأراجيف والأكاذيب التي تلقيها بعض وكالات الأنباء وبعض الصحف المأجورة وتبث الدعايات المظللة، فالواجب الحذر من هذه كله والارتقاء بمستوى المسئولية والتناصح مع كل بحسبه، فأطياف المجتمع كلها يجب أن تلقي الخلافات الجانبية جانبا وأن يسعى الجميع في اتحاد الكلمة ولم الشعب ورص الصفوف والوقوف صفا واحدا أما كل التحديات التي تواجه الأمة اليوم، فإنها تحديات كثيرة فمن أعظم أسبابها الوقوف صفا واحدا واجتماع الكلمة وتآلف القلوب وحسن الظن والصدق في كل المعاملات يقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وقال: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)، إذا فأطياف المجتمع على اختلافها واجبها أن تكون صفا واحدا ويدا واحدة وبنيان متراص يسعى الجميع في نصرة هذا الدين والدعوة إلى الخير وإلى إصلاح المجتمع وحمايته، وحماية كيانه والاستقامة وشكر الله على نعمة هذا الأمن والرخاء لأن في ذلك تحديات كثيرة فما يوقظ أعداءنا سوى وقوفنا صفا واحدا أمام كل التحديات ولتحامنا مع قيادتنا على ما يحقق الخير والصلاح للأمة بحاضرها ومستقبلها، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا، واستغفرُ الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها المسلمون، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، إن الله جل وعلا كفل هذا الدين النصر والتمكين قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، وقال جل وعلا: (إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ* كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، يتسأل البعض عن هذه المصائب والفتن التي حلت بالمسلمين سفك فيها الدماء وانتهكت فيها الأعراض ونهبت فيها الأموال وضيعت الأخلاق والأعراض هذه المصائب العظيمة هل لها حل؟
نعم إنها مصائب وبلايا لكن ليعلم المسلم أن دين الله منصور ولابد وأن هذا الدين باقين وأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، إن من يشاهد هذه الأمور كلما فرجت كربة حدثت كربة أخرى؛ لكن هذه أمور بقضاء الله وقدره وأسبابها ذنوب العباد: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)؛ لكن الله ناصر دينه ومعلن كلمته، فعلينا جميعا أن نكون واثقين بالله مطمئنين ساعين إلى ما يحقق الخير والصلاح في ديننا وأمتنا، إن هذا الدين منصور ولابد ومهما عظمت الخصوم وتوالت الفتن فلابد لهذا الدين من ظهور وقوة، لقد مر بالعالم الإسلامي أمور كثيرة، ارتد العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليل ما زال الصديق بهم يقاتلهم ويدافع حتى عادته إلى ملة الإسلام، وكم عان المسلمون من الحروب الصليبية والمغولية ما عانوا ومع هذا فالدين لا يزال قويا باقيا عزيزا إذا وجد من يرفع لواءه ويعلي شأنه، فنسأل الله أن ينصر دينه وأن يجعلنا وإياكم من أنصار هذا الدين، وأن يوفق قادتنا وولي أمرنا لنصرة هذا الدين والقيام بواجبه إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، ومنحه الصحة والسلامة والعافية إنك على كل شيء قدير، اللَّهمَّ وفق ولي عهده سلمان بن عبدالعزيز، سدده في أقواله وأعماله ووفق النائب الثاني وأعنهم جميعا على الخير والتقوى إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
خطبة الجمعة 27-12-1434هـ
الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ
مفتي المملكة