قديم 24-11-2009, 05:37 PM
المشاركة 18

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَغَيْر اللَّه أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ : أَسِوَى اللَّه أَلْتَمِسكُمْ إِلَهًا وَأَجْعَل لَكُمْ مَعْبُودًا
تَعْبُدُونَهُ , وَاَللَّه الَّذِي هُوَ خَالِقكُمْ , فَضَّلَكُمْ عَلَى عَالِمِي دَهْركُمْ وَزَمَانكُمْ ! يَقُول :
أَفَأَبْغِيكُمْ مَعْبُودًا لَا يَنْفَعكُمْ وَلَا يَضُرّكُمْ تَعْبُدُونَهُ وَتَتْرُكُونَ عِبَادَة مَنْ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْخَلْق ؟
إِنَّ هَذَا مِنْكُمْ لَجَهْل .

وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْيَهُودِ
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وَاذْكُرُوا مَعَ قِيلكُمْ هَذَا الَّذِي قُلْتُمُوهُ لِمُوسَى بَعْد رُؤْيَتكُمْ مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر , وَبَعْد النِّعَم
الَّتِي سَلَفَتْ مِنِّي إِلَيْكُمْ , وَالْأَيَادِي الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِعْلكُمْ مَا فَعَلْتُمْ .
{ إِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن } وَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مِنْهَاجه وَطَرِيقَته فِي الْكُفْر بِاَللَّهِ
مِنْ قَوْمه .

يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ

{ يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب } يَقُول : إِذْ يُحَمِّلُونَكُمْ أَقْبَح الْعَذَاب وَسَيِّئَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا
مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا مَا كَانَ الْعَذَاب الَّذِي كَانَ يَسُومهُمْ سَيِّئَهُ .

يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ

{ يَقْتُلُونَ أَبْنَاءَكُمْ} الذُّكُور مِنْ أَوْلَادهمْ .

وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ

{ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } يَقُول : يَسْتَبْقُونَ إِنَاثهمْ .

وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ

{ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } يَقُول : وَفِي سَوْمهمْ إِيَّاكُمْ سُوء الْعَذَاب , اِخْتِبَار
مِنْ اللَّه لَكُمْ وَتَعَمُّد عَظِيم.

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ
مِيقَات رَبّه أَرْبَعِينَ لَيْلَة
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَوَاعَدْنَا مُوسَى لِمُنَاجَاتِنَا ثَلَاثِينَ لَيْلَة ;
وَقِيلَ : إِنَّهَا ثَلَاثُونَ لَيْلَة مِنْ ذِي الْقَعْدَة . { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } يَقُول : وَأَتْمَمْنَا الثَّلَاثِينَ
اللَّيْلَة بِعَشْرِ لَيَالٍ تَتِمَّة أَرْبَعِينَ لَيْلَة . وَقِيلَ : إِنَّ الْعَشْر الَّتِي أَتَمَّهَا بِهِ أَرْبَعِينَ , عَشْر ذِي
الْحَجَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11696 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان
عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } قَالَ :
ذُو الْقَعْدَة وَعَشْر ذِي الْحِجَّة. * قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد
{ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } قَالَ : ذُو الْقَعْدَة وَعَشْر ذِي الْحِجَّة
فَفِي ذَلِكَ اِخْتَلَفُوا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل
عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة }
هُوَ ذُو الْقَعْدَة وَعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة , فَذَلِكَ قَوْله :
{ فَتَمَّ مِيقَات رَبّه أَرْبَعِينَ لَيْلَة } 11097 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ :
ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ حَضْرَمِيّ أَنَّ الثَّلَاثِينَ الَّتِي كَانَ وَاعَدَ
مُوسَى رَبّه كَانَتْ ذَا الْقَعْدَة وَالْعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة الَّتِي تَمَّمَ اللَّه بِهَا الْأَرْبَعِينَ .
11698 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج
عَنْ مُجَاهِد : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة } قَالَ : ذُو الْقَعْدَة .
{ وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } قَالَ : عَشْر ذِي الْحِجَّة . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس , مِثْله .
* حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت
مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } قَالَ :
ذُو الْقَعْدَة , وَالْعَشْر الْأُوَل مِنْ ذِي الْحِجَّة . 11699 - قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ :
ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ مَسْرُوق : { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } قَالَ :
عَشْر الْأَضْحَى. وَأَمَّا قَوْله : { فَتَمَّ مِيقَات رَبّه أَرْبَعِينَ لَيْلَة } فَإِنَّهُ يَعْنِي :
فَكَمُلَ الْوَقْت الَّذِي وَاعَدَ اللَّه مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَبَلَغَهَا. كَمَا : 11700 -
حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج :
{ فَتَمَّ مِيقَات رَبّه } قَالَ : فَبَلَغَ مِيقَات رَبّه أَرْبَعِينَ لَيْلَة .

وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمَّا مَضَى لِمَوْعِدِ رَبّه , قَالَ لِأَخِيهِ هَارُون : { اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي }
يَقُول : كُنْ خَلِيفَتِي فِيهِمْ إِلَى أَنْ أَرْجِع , يُقَال مِنْهُ : خَلَفَهُ يَخْلُفهُ خِلَافَة .
{ وَأَصْلِحْ } يَقُول : وَأَصْلِحْهُمْ بِحَمْلِك إِيَّاهُمْ عَلَى طَاعَة اللَّه وَعِبَادَته . كَمَا : 11701 -
حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ :
قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون : { اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ } وَكَانَ مِنْ إِصْلَاحه أَنْ
لَا يَدَع الْعِجْل يُعْبَد .

وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ

وَقَوْله : { وَلَا تَتَّبِع سَبِيل الْمُفْسِدِينَ } يَقُول : وَلَا تَسْلُك طَرِيق الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي
الْأَرْض بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبّهمْ , وَمَعُونَتهمْ أَهْل الْمَعَاصِي عَلَى عِصْيَانهمْ رَبّهمْ , وَلَكِنْ
اُسْلُكْ سَبِيل الْمُطِيعِينَ رَبّهمْ . فَكَانَتْ مُوَاعَدَة اللَّه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بَعْد أَنْ
أَهْلَكَ فِرْعَوْن وَنَجَّى مِنْهُ بَنِي إِسْرَائِيل فِيمَا قَالَ أَهْل الْعِلْم , كَمَا : 11702 -
حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني الْحَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله :
{ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة } الْآيَة , قَالَ : يَقُول : إِنَّ ذَلِكَ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ فِرْعَوْن
وَقَبْل الطُّور لَمَّا نَجَّى اللَّه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ الْبَحْر وَغَرِقَ آل فِرْعَوْن وَخَلَصَ
إِلَى الْأَرْض الطَّيِّبَة , أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِيهَا الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَأَمَرَهُ رَبّه أَنْ يَلْقَاهُ
فَلَمَّا أَرَادَ لِقَاء رَبّه اِسْتَخْلَفَ هَارُون عَلَى قَوْمه , وَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَأْتِيَهُمْ إِلَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة
مِيعَادًا مِنْ قِبَله مِنْ غَيْر أَمْر رَبِّهِ وَلَا مِيعَاده ; فَتَوَجَّهَ لِيَلْقَى رَبّه , فَلَمَّا تَمَّتْ ثَلَاثُونَ لَيْلَة
قَالَ عَدُوّ اللَّه السَّامِرِيّ : لَيْسَ يَأْتِيكُمْ مُوسَى , وَمَا يُصْلِحكُمْ إِلَّا إِلَه تَعْبُدُونَهُ !
فَنَاشَدَهُمْ هَارُون وَقَالَ : لَا تَفْعَلُوا اُنْظُرُوا لَيْلَتكُمْ هَذِهِ وَيَوْمكُمْ هَذَا , فَإِنْ جَاءَ وَإِلَّا
فَعَلْتُمْ مَا بَدَا لَكُمْ ! فَقَالُوا : نَعَمْ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنْ غَد وَلَمْ يَرَوْا مُوسَى عَادَ السَّامِرِيّ
لِمِثْلِ قَوْله بِالْأَمْسِ , قَالَ : وَأَحْدَث اللَّه الْأَجَل بَعْد الْأَجَل الَّذِي جَعَلَهُ بَيْنهمْ عَشْرًا
فَتَمَّ مِيقَات رَبّه أَرْبَعِينَ لَيْلَة , فَعَادَ هَارُون فَنَاشَدَهُمْ , إِلَّا مَا نَظَرُوا يَوْمهمْ ذَلِكَ أَيْضًا
فَإِنْ جَاءَ وَإِلَّا فَعَلْتُمْ مَا بَدَا لَكُمْ . ثُمَّ عَادَ السَّامِرِيّ الثَّالِثَة لِمِثْلِ قَوْله لَهُمْ , وَعَادَ هَارُون
فَنَاشَدَهُمْ أَنْ يَنْتَظِرُوا . فَلَمَّا لَمْ يَرَوْهُ 11703 - قَالَ الْقَاسِم : قَالَ الْحَسَن :
حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : ثني أَبُو بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْهُذَلِيّ , قَالَ :
قَامَ السَّامِرِيّ إِلَى هَارُون حِين اِنْطَلَقَ مُوسَى , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّا اِسْتَعَرْنَا
يَوْم خَرَجْنَا مِنْ الْقِبْط حُلِيًّا كَثِيرًا مِنْ زِينَتهمْ , وَإِنَّ الَّذِينَ مَعَك قَدْ أَسْرَعُوا فِي الْحُلِيّ
يَبِيعُونَهُ وَيُنْفِقُونَهُ , وَإِنَّمَا كَانَ عَارِيَة مِنْ آل فِرْعَوْن فَلَيْسُوا بِأَحْيَاءٍ فَنَرُدّهَا عَلَيْهِمْ
وَلَا نَدْرِي لَعَلَّ أَخَاك نَبِيّ اللَّه مُوسَى إِذَا جَاءَ يَكُون لَهُ فِيهَا رَأْي , إِمَّا يُقَرِّبهَا قُرْبَانًا
فَتَأْكُلهَا النَّار , وَإِمَّا يَجْعَلهَا لِلْفُقَرَاءِ دُون الْأَغْنِيَاء . فَقَالَ لَهُ هَارُون : نَعَمْ مَا رَأَيْت
وَمَا قُلْت ! فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى : مَنْ كَانَ عِنْده شَيْء مِنْ حُلِيّ آل فِرْعَوْن فَلْيَأْتِنَا بِهِ !
فَأَتَوْهُ بِهِ , فَقَالَ هَارُون يَا سَامِرِيّ أَنْتَ أَحَقّ مَنْ كَانَتْ عِنْده هَذِهِ الْخِزَانَة. فَقَبَضَهَا
السَّامِرِيّ , وَكَانَ عَدُوّ اللَّه الْخَبِيث صَائِغًا , فَصَاغَ مِنْهُ عِجْلًا جَسَدًا , ثُمَّ قَذَفَ فِي
جَوْفه تُرْبَة مِنْ الْقَبْضَة الَّتِي قَبَضَ مِنْ أَثَر فَرَس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ رَآهُ فِي
الْبَحْر , فَجَعَلَ يَخُور , وَلَمْ يَخُر إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة , وَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيل : إِنَّمَا تَخَلَّفَ
مُوسَى بَعْد الثَّلَاثِينَ لَيْلَة يَلْتَمِس هَذَا { هَذَا إِلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى فَنَسِيَ } 20 88
يَقُول : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام نَسِيَ رَبّه.

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ
إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ
مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ


"وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا" أَيْ لِلْوَقْتِ الَّذِي وَعَدْنَاهُ بِالْكَلَامِ فِيهِ "وَكَلَّمَهُ رَبّه"
بِلَا وَاسِطَة كَلَامًا سَمِعَهُ مِنْ كُلّ جِهَة "قَالَ رَبّ أَرِنِي" نَفْسك "أَنْظُر إلَيْك قَالَ لَنْ تَرَانِي"
أَيْ لَا تَقْدِر عَلَى رُؤْيَتِي وَالتَّعْبِير بِهِ دُون لَنْ أَرَى يُفِيد إمْكَان رُؤْيَته تَعَالَى
"وَلَكِنْ اُنْظُرْ إلَى الْجَبَل" الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْك "فَإِنْ اسْتَقَرَّ" ثَبَتَ "مَكَانه فَسَوْف تَرَانِي"
أَيْ تَثْبُت لِرُؤْيَتِي وَإِلَّا فَلَا طَاقَة لَك "فَلَمَّا تَجَلَّى رَبّه" أَيْ ظَهَرَ مِنْ نُوره قَدْر نِصْف أُنْمُلَة
الْخِنْصَر كَمَا فِي حَدِيث صَحَّحَهُ الْحَاكِم "لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا" بِالْقَصْرِ وَالْمَدّ أَيْ مَدْكُوكًا
مُسْتَوِيًا بِالْأَرْضِ "وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا" مَغْشِيًّا عَلَيْهِ لِهَوْلِ مَا رَأَى "فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ
سُبْحَانك
" تَنْزِيهًا لَك "تُبْت إلَيْك" مِنْ سُؤَال مَا لَمْ أُؤْمَر بِهِ "وَأَنَا أَوَّل الْمُؤْمِنِينَ"
فِي زَمَانِي.

قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس بِرِسَالَاتِي }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ اللَّه لِمُوسَى : { يَا مُوسَى إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس }
يَقُول : اِخْتَرْتُك عَلَى النَّاس { بِرِسَالَاتِي } إِلَى خَلْقِي , أَرْسَلْتُك بِهَا إِلَيْهِمْ .

بِرِسَالَاتِي

{ وَبِكَلَامِي } كَلَّمْتُك وَنَاجَيْتُك دُون غَيْرك مِنْ خَلْقِي .

وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ

{ فَخُذْ مَا آتَيْتُك } يَقُول : فَخُذْ مَا أَعْطَيْتُك مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي وَتَمَسَّكْ بِهِ , وَاعْمَلْ بِهِ
يُرِيد { وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ } لِلَّهِ عَلَى مَا آتَاك مِنْ رِسَالَته , وَحَصِّلْ بِهِ مِنْ النَّجْوَى
بِطَاعَتِهِ فِي أَمْره وَنَهْيه وَالْمُسَارَعَة إِلَى رِضَاهُ.





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 24-11-2009, 05:59 PM
المشاركة 19

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ
يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ


أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ كَتَبَ لَهُ فِي الْأَلْوَاح مِنْ كُلّ شَيْء مَوْعِظَة وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْء قِيلَ كَانَتْ
الْأَلْوَاح مِنْ جَوْهَر وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى كَتَبَ لَهُ فِيهَا مَوَاعِظ وَأَحْكَامًا مُفَصَّلَة مُبَيِّنَة لِلْحَلَالِ
وَالْحَرَام وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَلْوَاح مُشْتَمِلَة عَلَى التَّوْرَاة الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَاب مِنْ بَعْد مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُون الْأُولَى بَصَائِر لِلنَّاسِ" وَقِيلَ الْأَلْوَاح أُعْطِيهَا مُوسَى قَبْل
التَّوْرَاة فَاَللَّه أَعْلَم وَعَلَى كُلّ تَقْدِير فَكَانَتْ كَالتَّعْوِيضِ لَهُ عَمَّا سَأَلَ مِنْ الرُّؤْيَة وَمُنِعَ مِنْهَا
وَاَللَّه أَعْلَم
" وَقَوْله فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ " أَيْ بِعَزْمٍ عَلَى الطَّاعَة " وَأْمُرْ قَوْمك يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا "
قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة ثَنَا أَبُو سَعِيد عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَام أَنْ يَأْخُذ بِأَشَدّ مَا أَمَرَ قَوْمه وَقَوْله " سَأُورِيكُمْ دَار الْفَاسِقِينَ "
أَيْ سَتَرَوْنَ عَاقِبَة مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِي كَيْف يَصِير إِلَى الْهَلَاك وَالدَّمَار
وَالتَّبَاب قَالَ اِبْن جَرِير : وَإِنَّمَا قَالَ " سَأُورِيكُمْ دَار الْفَاسِقِينَ" كَمَا يَقُول الْقَائِل لِمَنْ
يُخَاطِبهُ سَأُرِيك غَدًا إِلَى مَا يَصِير إِلَيْهِ حَال مَنْ خَالَفَ أَمْرِي عَلَى وَجْه التَّهْدِيد وَالْوَعِيد
لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره نُقِلَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ
" سَأُرِيكُمْ دَار الْفَاسِقِينَ " أَيْ مِنْ أَهْل الشَّام وَأُعْطِيكُمْ إِيَّاهَا وَقِيلَ مَنَازِل قَوْم فِرْعَوْن
وَالْأَوَّل أَوْلَى وَاَللَّه أَعْلَم لِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْد اِنْفِصَال مُوسَى وَقَوْمه عَنْ بِلَاد مِصْر وَهُوَ
خِطَاب لِبَنِي إِسْرَائِيل قَبْل دُخُولهمْ التِّيه وَاَللَّه أَعْلَم .

سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ


يَقُول تَعَالَى " سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ " أَيْ سَأَمْنَعُ
فَهْم الْحُجَج وَالْأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى عَظَمَتِي وَشَرِيعَتِي وَأَحْكَامِي قُلُوب الْمُتَكَبِّرِينَ عَنْ
طَاعَتِي وَيَتَكَبَّرُونَ عَلَى النَّاس بِغَيْرِ حَقّ أَيْ كَمَا اِسْتَكْبَرُوا بِغَيْرِ حَقّ أَذَلَّهُمْ اللَّه بِالْجَهْلِ
كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة " وَقَالَ تَعَالَى
" فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّه قُلُوبهمْ " وَقَالَ بَعْض السَّلَف لَا يَنَال الْعِلْم حَيِيّ وَلَا مُسْتَكْبِر
وَقَالَ آخَر : مَنْ لَمْ يَصْبِر عَلَى ذُلّ التَّعَلُّم سَاعَة بَقِيَ فِي ذُلّ الْجَهْل أَبَدًا.
وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة فِي قَوْله " سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ
الْحَقّ
" قَالَ أَنْزِع عَنْهُمْ فَهْم الْقُرْآن وَأَصْرِفهُمْ عَنْ آيَاتِيَ قَالَ اِبْن جَرِير :
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا خِطَاب لِهَذِهِ الْأُمَّة . قُلْت : لَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ لِأَنَّ اِبْن عُيَيْنَة
إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ هَذَا مُطَّرِد فِي حَقّ كُلّ أُمَّة وَلَا فَرْق بَيْن أَحَد وَأَحَد فِي هَذَا وَاَللَّه أَعْلَم .
وَقَوْله " وَإِنْ يَرَوْا كُلّ آيَة لَا يُؤْمِنُوا بِهَا " كَمَا قَالَ تَعَالَى " إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَة
رَبّك لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلّ آيَة حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم
" وَقَوْله " وَإِنْ يَرَوْا سَبِيل
الرُّشْد لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا
" أَيْ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ سَبِيل الرُّشْد أَيْ طَرِيق النَّجَاة لَا يَسْلُكُوهَا
وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ طَرِيق الْهَلَاك وَالضَّلَال يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ثُمَّ عَلَّلَ مَصِيرهمْ إِلَى هَذِهِ الْحَال
بِقَوْلِهِ " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا " أَيْ كَذَّبَتْ بِهَا قُلُوبهمْ " وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ"
أَيْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِمَّا فِيهَا .

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

قَوْله " وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَة حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ " أَيْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ
عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَات حَبِطَ عَمَله وَقَوْله " هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" أَيْ إِنَّمَا نُجَازِيهِمْ
بِحَسَبِ أَعْمَالهمْ الَّتِي أَسْلَفُوهَا إِنْ خَيْرًا فَخَيْر وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ وَكَمَا تَدِين تُدَان .

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا
يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ


يُخْبِر تَعَالَى عَنْ ضَلَال مَنْ ضَلَّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِي عِبَادَتهمْ الْعِجْل الَّذِي اِتَّخَذَهُ لَهُمْ
السَّامِرِيّ مِنْ حُلِيّ الْقِبْط الَّذِي كَانُوا اِسْتَعَارُوهُ مِنْهُمْ فَشَكَّلَ لَهُمْ مِنْهُ عِجْلًا ثُمَّ أَلْقَى
فِيهِ الْقَبْضَة مِنْ التُّرَاب الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ أَثَر فَرَس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَصَامَ فَصَارَ عِجْلًا
جَسَدًا لَهُ خُوَار وَالْخُوَار صَوْت الْبَقَر وَكَانَ هَذَا مِنْهُمْ بَعْد ذَهَاب مُوسَى لِمِيقَاتِ اللَّه تَعَالَى
فَأَعْلَمَهُ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى الطُّور حَيْثُ يَقُول تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ نَفْسه الْكَرِيمَة
قَالَ " فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمك مِنْ بَعْدك وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيّ " وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا
الْعِجْل هَلْ صَارَ لَحْمًا وَدَمًا لَهُ خُوَار أَوْ اِسْتَمَرَّ عَلَى كَوْنه مِنْ ذَهَب إِلَّا أَنَّهُ يَدْخُل فِيهِ الْهَوَاء
فَيُصَوِّت كَالْبَقَرِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَاَللَّه أَعْلَم . وَيُقَال إِنَّهُمْ لَمَّا صَوَّتَ لَهُمْ الْعِجْل رَقَصُوا حَوْله
وَافْتُتِنُوا بِهِ وَقَالُوا هَذَا إِلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى فَنَسِيَ قَالَ اللَّه تَعَالَى" أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِع إِلَيْهِمْ
قَوْلًا وَلَا يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
" وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة" أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمهُمْ وَلَا
يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا
" يُنْكِر تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي ضَلَالهمْ بِالْعِجْلِ وَذُهُولهمْ عَنْ خَالِق السَّمَاوَات
وَالْأَرْض وَرَبّ كُلّ شَيْء وَمَلِيكه أَنْ عَبَدُوا مَعَهُ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار لَا يُكَلِّمهُمْ وَلَا يُرْشِدهُمْ
إِلَى خَيْر وَلَكِنْ غَطَّى عَلَى أَعْيُن بَصَائِرهمْ عَمَى الْجَهْل وَالضَّلَال كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَة
الْإِمَام أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" حُبّك الشَّيْء يُعْمِي وَيُصِمّ" .

وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ


قَوْله "وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهمْ " أَيْ نَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا " وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ
لَمْ يَرْحَمنَا رَبّنَا وَيَغْفِر لَنَا
" وَقَرَأَ بَعْضهمْ لَئِنْ لَمْ تَرْحَمنَا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق " رَبّنَا"
مُنَادَى " وَيَغْفِر لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ " أَيْ مِنْ الْهَالِكِينَ وَهَذَا اِعْتِرَاف مِنْهُمْ بِذَنْبِهِمْ
وَالْتِجَاء إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ
رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا
يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ


يُخْبِر تَعَالَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَجَعَ إِلَى قَوْمه مِنْ مُنَاجَاة رَبّه تَعَالَى وَهُوَ غَضْبَان
أَسِف قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء أَشَدّ الْغَضَب " قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي " يَقُول بِئْسَ مَا
صَنَعْتُمْ فِي عِبَادَة الْعِجْل بَعْد أَنْ ذَهَبْت وَتَرَكْتُكُمْ وَقَوْله " أَعَجِلْتُمْ أَمْر رَبّكُمْ " يَقُول
اِسْتَعْجَلْتُمْ مَجِيئِي إِلَيْكُمْ وَهُوَ مُقَدَّر مِنْ اللَّه تَعَالَى وَقَوْله " وَأَلْقَى الْأَلْوَاح وَأَخَذَ بِرَأْسِ
أَخِيهِ يَجُرّهُ إِلَيْهِ
" قِيلَ : كَانَتْ الْأَلْوَاح مِنْ زُمُرُّد . وَقِيلَ مِنْ يَاقُوت وَقِيلَ مِنْ بَرَد .
وَفِي هَذَا دَلَالَة عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيث " لَيْسَ الْخَبَر كَالْمُعَايَنَةِ " ثُمَّ ظَاهِر السِّيَاق
أَنَّهُ إِنَّمَا أَلْقَى الْأَلْوَاح غَضَبًا عَلَى قَوْمه وَهَذَا قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء سَلَفًا وَخَلَفًا وَرَوَى
اِبْن جَرِير عَنْ قَتَادَة فِي هَذَا قَوْلًا غَرِيبًا لَا يَصِحّ إِسْنَاده إِلَى حِكَايَة قَتَادَة وَقَدْ رَدَّهُ اِبْن
عَطِيَّة وَغَيْر وَاحِد مِنْ الْعُلَمَاء وَهُوَ جَدِير بِالرَّدِّ وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ قَتَادَة عَنْ بَعْض أَهْل الْكِتَاب
وَفِيهِمْ كَذَّابُونَ وَوَضَّاعُونَ وَأَفَّاكُونَ وَزَنَادِقَة وَقَوْله " وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرّهُ إِلَيْهِ "
خَوْفًا أَنْ يَكُون قَدْ قَصَّرَ فِي نَهْيهمْ قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى " قَالَ يَا هَارُون مَا مَنَعَك إِذْ
رَأَيْتهمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْت أَمْرِي قَالَ يَا اِبْن أُمّ لَا تَأْخُذ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي
خَشِيت أَنْ تَقُول فَرَّقْت بَيْن بَنِي إِسْرَائِيل وَلَمْ تَرْقُب قَوْلِي
" وَقَالَ هَاهُنَا
" اِبْن أُمّ إِنَّ الْقَوْم اِسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِت بِيَ الْأَعْدَاء وَلَا تَجْعَلنِي
مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ
" أَيْ لَا تَسُوقنِي سِيَاقهمْ وَتَجْعَلنِي مَعَهُمْ وَإِنَّمَا قَالَ
" اِبْن أُمّ لِيَكُونَ أَرَقّ وَأَنْجَع عِنْده وَإِلَّا فَهُوَ شَقِيقه لِأَبِيهِ وَأُمّه فَلَمَّا تَحَقَّقَ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَام بَرَاءَة سَاحَة هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام "
كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُون مِنْ
قَبْل يَا قَوْم إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي
" .







عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 02-12-2009, 07:51 PM
المشاركة 20

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

عِنْد ذَلِكَ " قَالَ " مُوسَى " رَبّ اِغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتك وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ"
وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح ثَنَا عَفَّان ثَنَا أَبُو عَوَانَة عَنْ أَبِي
بِشْر عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" يَرْحَم اللَّه مُوسَى لَيْسَ الْمُعَايِن كَالْمُخْبِرِ أَخْبَرَهُ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ قَوْمه فُتِنُوا بَعْده فَلَمْ
يُلْقِ الْأَلْوَاح فَلَمَّا رَآهُمْ وَعَايَنَهُمْ أَلْقَى الْأَلْوَاح
" .

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُفْتَرِينَ


أَمَّا الْغَضَب الَّذِي نَالَ بَنِي إِسْرَائِيل فِي عِبَادَة الْعِجْل فَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَقْبَل لَهُمْ تَوْبَة
حَتَّى قَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَة الْبَقَرَة " فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ
ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم
" وَأَمَّا الذِّلَّة فَأَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ
ذِلَّة وَصِغَارًا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَقَوْله " وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ " نَائِلَة لِكُلِّ مَنْ اِفْتَرَى بِدْعَة
فَإِنَّ ذُلّ الْبِدْعَة وَمُخَالَفَة الرَّشَاد مُتَّصِلَة مِنْ قَلْبه عَلَى كَتِفَيْهِ كَمَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ :
إِنَّ ذُلّ الْبِدْعَة عَلَى أَكْتَافهمْ وَإِنْ هَمْلَجَتْ بِهِمْ الْبَغْلَات وَطَقْطَقَتْ بِهِمْ الْبَرَاذِين .
وَهَكَذَا رَوَى أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ الْجَرْمِيّ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة
" وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ " فَقَالَ هِيَ وَاَللَّه لِكُلِّ مُفْتَرٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ سُفْيَان بْن
عُيَيْنَة كُلّ صَاحِب بِدْعَة ذَلِيل ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى عِبَاده وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَقْبَل تَوْبَة عِبَاده
مِنْ أَيّ ذَنْب كَانَ حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِنْ كُفْر أَوْ شِرْك أَوْ نِفَاق أَوْ شِقَاق وَلِهَذَا عَقَّبَ هَذِهِ الْقِصَّة .

وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

قَوْله " وَاَلَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَات ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبّك " أَيْ يَا مُحَمَّد يَا رَسُول
التَّوْبَة وَنَبِيّ الرَّحْمَة" مِنْ بَعْدهَا " أَيْ مِنْ بَعْد تِلْكَ الْفَعْلَة " لَغَفُور رَحِيم" .
وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم ثَنَا أَبَان ثَنَا قَتَادَة عَنْ عَزْرَة
عَنْ الْحَسَن الْعُرَنِيّ عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي عَنْ
الرَّجُل يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجهَا فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة " وَاَلَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَات ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدهَا
وَآمَنُوا إِنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا لَغَفُور رَحِيم
" فَتَلَاهَا عَبْد اللَّه عَشْر مَرَّات فَلَمْ يَأْمُرهُمْ بِهَا وَلَمْ
يَنْهَهُمْ عَنْهَا .

وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ
لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ


يَقُول تَعَالَى" وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَب " أَيْ غَضَبه عَلَى قَوْمه
" أَخَذَ الْأَلْوَاح "
أَيْ الَّتِي كَانَ أَلْقَاهَا مِنْ شِدَّة الْغَضَب عَلَى عِبَادَتهمْ الْعِجْل غَيْرَة لِلَّهِ وَغَضَبًا لَهُ
" وَفِي نُسْخَتهَا هُدًى وَرَحْمَة لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ" يَقُول كَثِير مِنْ الْمُفَسِّرِينَ
إِنَّهَا لَمَّا أَلْقَاهَا تَكَسَّرَتْ ثُمَّ جَمَعَهَا بَعْد ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ بَعْض السَّلَف فَوَجَدَ فِيهَا هُدًى
وَرَحْمَة وَأَمَّا التَّفْصِيل فَذَهَب وَزَعَمُوا أَنَّ رُضَاضهَا لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا فِي خَزَائِن الْمُلُوك لِبَنِي
إِسْرَائِيل إِلَى الدَّوْلَة الْإِسْلَامِيَّة وَاَللَّه أَعْلَم بِصِحَّةِ هَذَا. وَأَمَّا الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّهَا
تَكَسَّرَتْ حِين أَلْقَاهَا وَهِيَ مِنْ جَوْهَر الْجَنَّة فَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا بَعْدَمَا أَلْقَاهَا
وَجَدَ فِيهَا " هُدًى وَرَحْمَة لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ " ضَمَّنَ الرَّهْبَة مَعْنَى الْخُضُوع وَلِهَذَا
عَدَّاهَا بِاللَّامِ . وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى" أَخَذَ الْأَلْوَاح " قَالَ رَبّ إِنِّي أَجِد فِي الْأَلْوَاح
أُمَّة خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر اِجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ
تِلْكَ أُمَّة أَحْمَد : قَالَ رَبّ إِنِّي أَجِد فِي الْأَلْوَاح أُمَّة هُمْ الْآخِرُونَ أَيْ آخِرُونَ فِي الْخَلْق
سَابِقُونَ فِي دُخُول الْجَنَّة رَبّ اِجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّة أَحْمَد . قَالَ رَبّ إِنِّي أَجِد
فِي الْأَلْوَاح أُمَّة أَنَاجِيلهمْ فِي صُدُورهمْ يَقْرَءُونَهَا وَكَانَ مَنْ قَبْلهمْ يَقْرَءُونَ كِتَابهمْ نَظَرًا
حَتَّى إِذَا رَفَعُوهَا لَمْ يَحْفَظُوا شَيْئًا وَلَمْ يَعْرِفُوهُ وَإِنَّ اللَّه أَعْطَاهُمْ مِنْ الْحِفْظ شَيْئًا لَمْ
يُعْطِهِ أَحَدًا مِنْ الْأُمَم قَالَ رَبّ اِجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّة أَحْمَد . قَالَ رَبّ إِنِّي أَجِد فِي
الْأَلْوَاح أُمَّة يُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّل وَبِالْكِتَابِ الْآخِر وَيُقَاتِلُونَ فُصُول الضَّلَالَة حَتَّى يُقَاتِلُونَ
الْأَعْوَر الْكَذَّاب فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّة أَحْمَد قَالَ رَبّ إِنِّي أَجِد فِي الْأَلْوَاح أُمَّة
صَدَقَاتهمْ يَأْكُلُونَهَا فِي بُطُونهمْ وَيُؤْجَرُونَ عَلَيْهَا وَكَانَ مَنْ قَبْلهمْ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَقُبِلَتْ
مِنْهُ بَعَثَ اللَّه نَارًا فَأَكَلَتْهَا وَإِنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ تُرِكَتْ فَتَأْكُلهَا السِّبَاع وَالطَّيْر وَإِنَّ اللَّه أَخَذَ
صَدَقَاتهمْ مِنْ غَنِيّهمْ لِفَقِيرِهِمْ قَالَ رَبّ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّة أَحْمَد .
قَالَ رَبّ إِنِّي أَجِد فِي الْأَلْوَاح أُمَّة إِذَا هَمَّ أَحَدهمْ بِحَسَنَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعْمَلهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَة
فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائَةٍ رَبّ اِجْعَلْهُمْ أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّة أَحْمَد .
قَالَ رَبّ إِنِّي أَجِد فِي الْأَلْوَاح أُمَّة هُمْ الْمَشْفُوعُونَ وَالْمَشْفُوع لَهُمْ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي
قَالَ تِلْكَ أُمَّة أَحْمَد . قَالَ قَتَادَة فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه مُوسَى نَبَذَ الْأَلْوَاح وَقَالَ اللَّهُمَّ
اِجْعَلْنِي مِنْ أُمَّة أَحْمَد .

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ
أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ
تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ


قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة كَانَ اللَّه أَمَرَهُ أَنْ يَخْتَار مِنْ
قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا فَاخْتَارَ سَبْعِينَ رَجُلًا فَبَرَزَهُمْ لِيَدْعُوا رَبّهمْ وَكَانَ فِيمَا دَعَوْا اللَّه قَالُوا :
اللَّهُمَّ أَعْطِنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا قَبْلنَا وَلَا تُعْطِهِ أَحَدًا بَعْدنَا فَكَرِهَ اللَّه ذَلِكَ مِنْ دُعَائِهِمْ
فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة " قَالَ رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ " الْآيَة . وَقَالَ السُّدِّيّ
إِنَّ اللَّه أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَأْتِيه فِي ثَلَاثِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَة الْعِجْل
وَوَعَدَهُمْ مَوْعِدًا " وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا " عَلَى عَيْنَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمْ
لِيَعْتَذِرُوا فَلَمَّا أَتَوْا ذَلِكَ الْمَكَان قَالُوا " لَنْ نُؤْمِن لَك " يَا مُوسَى " حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة"
فَإِنَّك قَدْ كَلَّمْته فَأَرِنَاهُ " فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة" فَقَامَ مُوسَى يَبْكِي وَيَدْعُو اللَّه وَيَقُول
رَبّ مَاذَا أَقُول لِبَنِي إِسْرَائِيل إِذَا أَتَيْتهمْ وَقَدْ أَهْلَكْت خِيَارهمْ " رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ
مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ
" وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق اِخْتَارَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل سَبْعِينَ رَجُلًا
الْخَيِّر فَالْخَيِّر وَقَالَ اِنْطَلِقُوا إِلَى اللَّه فَتُوبُوا إِلَيْهِ مِمَّا صَنَعْتُمْ وَسَلُوهُ التَّوْبَة عَلَى مَنْ
تَرَكْتُمْ وَرَاءَكُمْ مِنْ قَوْمكُمْ صُومُوا وَطَهِّرُوا ثِيَابكُمْ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُور سَيْنَاء لِمِيقَاتٍ
وَقَّتَهُ لَهُ رَبّه وَكَانَ لَا يَأْتِيه إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ وَعِلْم فَقَالَ السَّبْعُونَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي حِين
صَنَعُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَخَرَجُوا مَعَهُ لِلِقَاءِ رَبّه - لِمُوسَى اُطْلُبْ لَنَا نَسْمَع كَلَام رَبّنَا فَقَالَ
أَفْعَل فَلَمَّا دَنَا مُوسَى مِنْ الْجَبَل وَقَعَ عَلَيْهِ عَمُود الْغَمَام حَتَّى تَغَشَّى الْجَبَل كُلّه وَدَنَا
مُوسَى فَدَخَلَ فِيهِ وَقَالَ لِلْقَوْمِ اُدْنُوا وَكَانَ مُوسَى إِذَا كَلَّمَ اللَّه وَقَعَ عَلَى جَبْهَة مُوسَى
نُور سَاطِع لَا يَسْتَطِيع أَحَد مِنْ بَنِي آدَم أَنْ يَنْظُر إِلَيْهِ فَضُرِبَ دُونه بِالْحِجَابِ وَدَنَا الْقَوْم
حَتَّى إِذَا دَخَلُوا وَقَعُوا سُجُودًا سَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّم يَأْمُرهُ وَيَنْهَاهُ اِفْعَلْ وَلَا تَفْعَل فَلَمَّا فَرَغَ
إِلَيْهِ مِنْ أَمْره وَانْكَشَفَ عَنْ مُوسَى الْغَمَام فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا مُوسَى
" لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة " وَهِيَ الصَّاعِقَة فَالْتَقَتْ أَرْوَاحهمْ
فَمَاتُوا جَمِيعًا فَقَامَ مُوسَى يُنَاشِد رَبّه وَيَدْعُوهُ وَيُرَغِّب إِلَيْهِ وَيَقُول " رَبّ لَوْ شِئْت
أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ
" قَدْ سَفَّهُوا أَفَتُهْلِك مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل. وَقَالَ سُفْيَان
الثَّوْرِيّ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاق عَنْ عُمَارَة بْن عُبَيْد السَّلُولِيّ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : اِنْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُون وَشِبْر وَشُبَيْر فَانْطَلَقُوا إِلَى سَفْح جَبَل
فَقَامَ هَارُون عَلَى سَرِير فَتَوَفَّاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل
قَالُوا لَهُ أَيْنَ هَارُون قَالَ تَوَفَّاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالُوا أَنْتَ قَتَلْته حَسَدْتنَا عَلَى خُلُقه وَلِينه
أَوْ كَلِمَة نَحْوهَا قَالَ فَاخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ قَالَ فَاخْتَارُوا سَبْعِينَ رَجُلًا قَالَ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى
" وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا " فَلَمَّا اِنْتَهَوْا إِلَيْهِ قَالُوا يَا هَارُون مَنْ قَتَلَك قَالَ
مَا قَتَلَنِي أَحَد وَلَكِنْ تَوَفَّانِي اللَّه قَالُوا يَا مُوسَى لَنْ تُعْصَى بَعْد الْيَوْم فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة
قَالَ فَجَعَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَرْجِع يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَالَ يَا رَبّ " لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ
مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي
مَنْ تَشَاء
" قَالَ فَأَحْيَاهُمْ اللَّه وَجَعَلَهُمْ أَنْبِيَاء كُلّهمْ هَذَا أَثَر غَرِيب جِدًّا وَعُمَارَة بْن
عُبَيْد هَذَا لَا أَعْرِفهُ وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي سَلُول عَنْ عَلِيّ
فَذَكَرَهُ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَابْن جَرِير أَنَّهُمْ أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة لِأَنَّهُمْ لَمْ يُزَايِلُوا
قَوْمهمْ فِي عِبَادَتهمْ الْعِجْل وَلَا نَهَوْهُمْ وَيَتَوَجَّه هَذَا الْقَوْل بِقَوْلِ مُوسَى " أَتُهْلِكُنَا بِمَا
فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا
" وَقَوْله " إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك" أَيْ اِبْتِلَاؤُك وَاخْتِبَارك وَامْتِحَانك قَالَهُ اِبْن
عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو الْعَالِيَة وَرَبِيع بْن أَنَس وَغَيْر وَاحِد مِنْ عُلَمَاء السَّلَف وَالْخَلَف
وَلَا مَعْنَى لَهُ غَيْر ذَلِكَ يَقُول إِنْ الْأَمْر إِلَّا أَمْرك وَإِنْ الْحُكْم إِلَّا لَك فَمَا شِئْت كَانَ تُضِلّ مَنْ
تَشَاء وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء وَلَا هَادِي لِمَنْ أَضْلَلْت وَلَا مُضِلّ لِمَنْ هَدَيْت وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت
وَلَا مَانِع لِمَا أَعْطَيْت فَالْمُلْك كُلّه لَك وَالْحُكْم كُلّه لَك لَك الْخَلْق وَالْأَمْر وَقَوْله " أَنْتَ وَلِيّنَا
فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْر الْغَافِرِينَ
" الْغَفْر هُوَ السَّتْر وَتَرْك الْمُؤَاخَذَة بِالذَّنْبِ وَالرَّحْمَة
إِذَا قُرِنَتْ مَعَ الْغَفْر يُرَاد بِهَا أَنْ لَا يُوقِعهُ فِي مِثْله فِي الْمُسْتَقْبَل" وَأَنْتَ خَيْر الْغَافِرِينَ "
أَنْ لَا يَغْفِر الذُّنُوب إِلَّا أَنْتَ .






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 02-12-2009, 08:04 PM
المشاركة 21

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الجلالين ))



وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ


"وَاكْتُبْ" أَوْجِبْ "لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة" حَسَنَة "إنَّا هُدْنَا"
تُبْنَا
"إلَيْك قَالَ
" تَعَالَى "عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء
" تَعْذِيبه "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ" عَمَّتْ "كُلّ شَيْء" فِي الدُّنْيَا "فَسَأَكْتُبُهَا"
فِي الْآخِرَة

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ
عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ
الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ


"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ" مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا
عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل
" بِاسْمِهِ وَصِفَته "يَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر وَيُحِلّ
لَهُمْ الطَّيِّبَات
" مِمَّا حَرَّمَ فِي شَرْعهمْ "وَيُحَرِّم عَلَيْهِمْ الْخَبَائِث" مِنْ الْمَيْتَة وَنَحْوهَا
"وَيَضَع عَنْهُمْ إصْرهمْ" ثِقَلهمْ "وَالْأَغْلَال" الشَّدَائِد "الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ" كَقَتْلِ النَّفْس فِي
التَّوْبَة وَقَطْع أَثَر النَّجَاسَة.

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ
لَعَلَّكُمْ


"قُلْ" خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَا أَيّهَا النَّاس إنِّي رَسُول اللَّه إلَيْكُمْ جَمِيعًا
الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا إلَه إلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيت فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله النَّبِيّ
الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته
" الْقُرْآن "وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" تَرْشُدُونَ.

وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ

"وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة" جَمَاعَة "يَهْدُونَ" النَّاس "بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ" فِي الْحُكْم.

وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ
بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ
الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ


"وَقَطَّعْنَاهُمْ" فَرَّقْنَا بَنِي إسْرَائِيل "اثْنَتَيْ عَشْرَة" حَال "أَسْبَاطًا" بَدَل مِنْهُ أَيْ قَبَائِل
"أُمَمًا" بَدَل مِمَّا قَبْله "وَأَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى إذْ اسْتَسْقَاهُ قَوْمه" فِي التِّيه
"أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر" فَضَرَبَهُ "فَانْبَجَسَتْ" انْفَجَرَتْ "مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا" بِعَدَدِ
الْأَسْبَاط "قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس" سَبْط مِنْهُمْ "مَشْرَبهمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمْ الْغَمَام" فِي التِّيه
مِنْ حَرّ الشَّمْس
"وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى" هُمَا الترنجبين وَالطَّيْر السُّمَانَى
بِتَخْفِيفِ الْمِيم وَالْقَصْر وَقُلْنَا لَهُمْ .





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 02-12-2009, 08:24 PM
المشاركة 22

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا
نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اُسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَة وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ
وَقُولُوا حِطَّة وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا نَغْفِر لَكُمْ
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ أَيْضًا يَا مُحَمَّد مِنْ خَطَإِ فِعْل هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَخِلَافهمْ عَلَى
رَبّهمْ وَعِصْيَانهمْ نَبِيّهمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَتَبْدِيلهمْ الْقَوْل الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوهُ حِين
قَالَ اللَّه لَهُمْ : { اُسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَة } وَهِيَ قَرْيَة بَيْت الْمَقْدِس ,
{ وَكُلُوا مِنْهَا } يَقُول :
مِنْ ثِمَارهَا وَحُبُوبهَا وَنَبَاتهَا , { حَيْثُ شِئْتُمْ } مِنْهَا يَقُول : أَنَّى شِئْتُمْ مِنْهَا
{ وَقُولُوا حِطَّة } يَقُول : وَقُولُوا : هَذِهِ الْفِعْلَة حِطَّة تَحُطّ ذُنُوبنَا , { نَغْفِر لَكُمْ } :
يَتَغَمَّد لَكُمْ رَبّكُمْ ذُنُوبكُمْ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ , فَيَعْفُو لَكُمْ عَنْهَا , فَلَا يُؤَاخِذكُمْ بِهَا .

سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ

{ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } مِنْكُمْ , وَهُمْ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ , عَلَى مَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ غُفْرَان الْخَطَايَا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَات فِي كُلّ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْل لَدَيْنَا فِيهِ فِيمَا
مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا
كَانُوا يَظْلِمُونَ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنْ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَغَيَّرَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ
مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ الْقَوْل , فَقَالُوا : وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ قُولُوا هَذِهِ حِطَّة :
حِنْطَة فِي شَعِيرَة ; وَقَوْلهمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ هُوَ غَيْر الْقَوْل الَّذِي قِيلَ لَهُمْ قُولُوهُ. يَقُول اللَّه تَعَالَى :
{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رَجَزًا مِنْ السَّمَاء } : بَعَثْنَا عَلَيْهِمْ عَذَابًا أَهْلَكْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يُغَيِّرُونَ
مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ , فَيَفْعَلُونَ خِلَاف مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِفِعْلِهِ وَيَقُولُونَ غَيْر الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه بِقِيلِهِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرِّجْز فِيمَا مَضَى .

وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ
يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ


{وَاسْأَلْهُمْ} يَا مُحَمَّد تَوْبِيخًا {عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر} مُجَاوِرَة بَحْر الْقُلْزُم
وَهِيَ أَيْلَة مَا وَقَعَ بِأَهْلِهَا {إذْ يَعْدُونَ} يَعْتَدُونَ {فِي السَّبْت} بِصَيْدِ السَّمَك الْمَأْمُورِينَ
بِتَرْكِهِ فِيهِ {إذْ} ظَرْف لِيَعْدُونَ {تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا} ظَاهِرَة عَلَى
الْمَاء {وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ} لَا يُعَظِّمُونَ السَّبْت أَيْ سَائِر الْأَيَّام
{لَا تَأْتِيهِمْ ابْتِلَاء مِنْ اللَّه}
{كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وَلَمَّا صَادُوا السَّمَك افْتَرَقَتْ الْقَرْيَة أَثَلَاثًا ثُلُث صَادُوا
مَعَهُمْ وَثُلُث نَهَوْهُمْ وَثُلُث أَمْسَكُوا عَنْ الصَّيْد وَالنَّهْي.

وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً
إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ


"وَإِذْ" عَطْف عَلَى إذْ قَبْله {قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ} لِمَ تَصُدّ وَلَمْ تُنْهَ لِمَنْ نَهَى {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا
اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا
} مَوْعِظَتنَا "مَعْذِرَة" نَعْتَذِر بِهَا {إلَى رَبّكُمْ}
لِئَلَّا نُنْسَب إلَى تَقْصِير فِي تَرْك النَّهْي {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الصَّيْد.

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا تَرَكَتْ الطَّائِفَة الَّتِي اِعْتَدَتْ فِي السَّبْت مَا أَمَرَهَا اللَّه بِهِ مِنْ تَرْك
الِاعْتِدَاء فِيهِ وَضَيَّعَتْ مَا وَعَظَتْهَا الطَّائِفَة الْوَاعِظَة وَذَكَّرَتْهَا مَا ذَكَّرَتْهَا بِهِ مِنْ تَحْذِيرهَا عُقُوبَة
اللَّه عَلَى مَعْصِيَتهَا فَتَقَدَّمَتْ عَلَى اِسْتِحْلَال مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهَا , أَنْجَى اللَّه الَّذِينَ يَنْهَوْنَ
مِنْهُمْ عَنْ السُّوء , يَعْنِي عَنْ مَعْصِيَة اللَّه , وَاسْتِحْلَال حُرَمه . { وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا }
يَقُول : وَأَخَذَ اللَّه الَّذِينَ اِعْتَدَوْا فِي السَّبْت فَاسْتَحَلُّوا فِيهِ مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ صَيْد السَّمَك
وَأَكْله , فَأَحَلَّ بِهِمْ بَأْسه وَأَهْلَكَهُمْ . { بِعَذَابٍ } شَدِيد { بَئِيس بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
يُخَالِفُونَ أَمْر اللَّه , فَيَخْرُجُونَ مِنْ طَاعَته إِلَى مَعْصِيَته , وَذَلِكَ هُوَ الْفِسْق .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11875 -
حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله :
{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء } قَالَ : فَلَمَّا نَسُوا مَوْعِظَة
الْمُؤْمِنِينَ إِيَّاهُمْ , الَّذِينَ قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا } 11876 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى ,
قَالَ : ثنا حَرَمِيّ , قَالَ : ثني شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عِمَارَة , عَنْ عِكْرِمَة ,
عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء } قَالَ : يَا لَيْتَ شِعْرِي مَا السُّوء
الَّذِي نَهَوْا عَنْهُ.

وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ

وَأَمَّا قَوْله : { بِعَذَابٍ بَئِيس } فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة :
" بِعَذَابٍ بِيس " بِكَسْرِ الْبَاء وَتَخْفِيف الْيَاء بِغَيْرِ هَمْز , عَلَى مِثَال
" فِعْل " .
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { بِعَذَابٍ بَئِيس } عَلَى مِثْل
" فَعِيلَ " مِنْ الْبُؤْس ,
بِنَصْبِ الْبَاء وَكَسْر الْهَمْزَة وَمَدّهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ , غَيْر أَنَّهُ كَسَرَ بَاءَ :
" بِئِيس " عَلَى مِثَال " فِعِيل " . وَقَرَأَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " بَيْئِس " بِفَتْحِ الْبَاء , وَتَسْكِين
الْيَاء , وَهَمْزَة بَعْدهَا مَكْسُورَة ; عَلَى مِثَال " فَيْعِل " . وَذَلِكَ شَاذّ عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة ,
لِأَنَّ " فَيْعِل " إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو , فَالْفَتْح فِي عَيْنه الْفَصِيح فِي كَلَام الْعَرَب
وَذَلِكَ مِثْل قَوْلهمْ فِي نَظِيره مِنْ السَّالِم : صَيْقَل , وَنَيْرَب , وَإِنَّمَا تُكْسَر الْعَيْن مِنْ ذَلِكَ
فِي ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو , كَقَوْلِهِمْ : سَيِّد , وَمَيِّت . وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضهمْ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس
بْن عَابِس الْكِنْدِيّ : كِلَاهُمَا كَانَ رَئِيسًا بَيْئِسَا يَضْرِب فِي يَوْم الْهِيَاج الْقَوْنَسَا بِكَسْرِ
الْعَيْن مِنْ " فَيْعِل " , وَهِيَ الْهَمْزَة مِنْ بَيْئِس. فَلَعَلَّ الَّذِي قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَرَأَهُ عَلَى هَذِهِ .
وَذُكِرَ عَنْ آخَر مِنْ الْكُوفِيِّينَ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَأَهُ : { بَيْئَس } نَحْو الْقِرَاءَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْل هَذِهِ ,
وَذَلِكَ بِفَتْحِ الْبَاء وَتَسْكِين الْيَاء وَفَتْح الْهَمْزَة بَعْد الْيَاء عَلَى مِثَال " فَيْعَل " مِثْل " صَيْقَل " .
وَرُوِيَ عَنْ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَهُ : " بَئِس " بِفَتْحِ الْبَاء وَكَسْر الْهَمْزَة عَلَى مِثَال " فَعِل " ,
كَمَا قَالَ اِبْن قَيْس الرُّقَيَّات : لَيْتَنِي أَلْقَى رُقْيَة فِي خَلْوَة مِنْ غَيْر مَا بَئِس وَرُوِيَ عَنْ
آخَر مِنْهُمْ أَنَّهُ قَرَأَ : " بِئْسَ " بِكَسْرِ الْبَاء وَفَتْح السِّين عَلَى مَعْنَى بِئْسَ الْعَذَاب .
وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَات عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { بَئِيس } بِفَتْحِ الْبَاء وَكَسْر الْهَمْزَة
وَمَدّهَا عَلَى مِثَال فَعِيل , كَمَا قَالَ ذُو الْأُصْبُع الْعُدْوَانِيّ : حَنَقًا عَلَيَّ وَلَنْ تَرَى لِي فِيهِمْ
أَثَرًا بَئِيسًا لِأَنَّ أَهْل التَّأْوِيل أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ شَدِيد , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّة مَا اِخْتَرْنَا .
ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11877 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ :
أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُل عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله :
{ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيس } : أَلِيم وَجِيع. 11878 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو ,
قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد :
{ بِعَذَابٍ بَئِيس } قَالَ : شَدِيد . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ :
ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِعَذَابٍ بَئِيس } : أَلِيم شَدِيد . 11879 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة :
{ بِعَذَابٍ بَئِيس } قَالَ : مُوجِع . 11880 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب
قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { بِعَذَابٍ بَئِيس } قَالَ : بِعَذَابٍ شَدِيد .





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 03-12-2009, 02:16 AM
المشاركة 23

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا تَمَرَّدُوا فِيمَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ اِعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْت , وَاسْتِحْلَالهمْ
مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْد السَّمَك وَأَكْله وَتَمَادَوْا فِيهِ ; { قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } :
أَيْ بُعَدَاء مِنْ الْخَيْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11881 -
حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة :
{ فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ } يَقُول : لَمَّا مَرَدَ الْقَوْم عَلَى الْمَعْصِيَة .
{ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } فَصَارُوا قِرَدَة لَهَا أَذْنَاب تَعَاوَى بَعْدَمَا كَانُوا
رِجَالًا وَنِسَاء. 11882 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ :
ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله :
{ فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ }
فَجَعَلَ اللَّه مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير. فَزُعِمَ أَنَّ شَبَاب الْقَوْم صَارُوا قِرَدَة , وَأَنَّ الْمَشْيَخَة
صَارُوا خَنَازِير. 11883 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك
عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : رَأَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
رَجُلًا يَحْمِل قَصَبًا يَوْم السَّبْت , فَضَرَبَ عُنُقه .

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ
الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ


" تَأَذَّنَ " تَفَعَّلَ مِنْ الْأَذَان أَيْ أَعْلَمَ قَالَهُ مُجَاهِد وَقَالَ غَيْره أَمَرَ وَفِي قُوَّة الْكَلَام مَا يُفِيد
مَعْنَى الْقَسَم مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَة وَلِهَذَا أُتْبِعَتْ بِاللَّامِ فِي قَوْله " لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ "
أَيْ عَلَى الْيَهُود" إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب "
أَيْ بِسَبَبِ عِصْيَانهمْ وَمُخَالَفَتهمْ أَوَامِر اللَّه وَشَرْعه وَاحْتِيَالهمْ عَلَى الْمَحَارِم وَيُقَال
إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاج سَبْع سِنِينَ وَقِيلَ ثَلَاث عَشْرَة سَنَة
وَكَانَ أَوَّل مَنْ ضَرَبَ الْخَرَاج ثُمَّ كَانُوا فِي قَهْر الْمُلُوك مِنْ الْيُونَانِيِّينَ وَالْكَشْدانِيِّينَ
وَالْكَلْدَانِيِّينَ ثُمَّ صَارُوا إِلَى قَهْر النَّصَارَى وَإِذْلَالهمْ إِيَّاهُمْ وَأَخْذهمْ مِنْهُمْ الْجِزْيَة وَالْخَرَاج
ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَام وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا تَحْت قَهْره وَذِمَّته يُؤَدُّونَ الْخَرَاج
وَالْجِزْيَة . قَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة قَالَ هِيَ الْمَسْكَنَة وَأَخْذ
الْجِزْيَة مِنْهُمْ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْهُ هِيَ الْجِزْيَة وَاَلَّذِي يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب
مُحَمَّد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَأُمَّته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَكَذَا قَالَ سَعِيد
بْن جُبَيْر وَابْن جُرَيْج وَالسُّدِّيّ وَقَتَادَة وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ
عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : يُسْتَحَبّ أَنْ تُبْعَث الْأَنْبَاط فِي الْجِزْيَة قُلْت :
ثُمَّ آخِر أَمْرهمْ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ أَنْصَارًا لِلدَّجَّالِ فَيَقْتُلهُمْ الْمُسْلِمُونَ مَعَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم
عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ آخِر الزَّمَان وَقَوْله " إِنَّ رَبّك لَسَرِيع الْعِقَاب"
أَيْ لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ شَرْعه " وَإِنَّهُ لَغَفُور رَحِيم" أَيْ لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ وَهَذَا مِنْ بَاب
قَرْن الرَّحْمَة مَعَ الْعُقُوبَة لِئَلَّا يَحْصُل الْيَأْس فَيَقْرُن تَعَالَى بَيْن التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب كَثِيرًا
لِتَبْقَى النُّفُوس بَيْن الرَّجَاء وَالْخَوْف .

وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْض أُمَمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره :
وَفَرَّقْنَا بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْأَرْض أُمَمًا , يَعْنِي جَمَاعَات شَتَّى مُتَفَرِّقِينَ . كَمَا :
11894 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر ,
عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْض أُمَمًا } قَالَ :
فِي كُلّ أَرْض يَدْخُلهَا قَوْم مِنْ الْيَهُود. 11895 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ :
ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد :
{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْض أُمَمًا } قَالَ : يَهُود .

مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ

وَقَوْله : { مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ } يَقُول : مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل
الصَّالِحُونَ , يَعْنِي : مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرُسُله.

وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ

{ وَمِنْهُمْ دُون ذَلِكَ } يَعْنِي : دُون الصَّالِح . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ
قَبْل اِرْتِدَادهمْ عَنْ دِينهمْ وَقَبْل كُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يَبْعَث فِيهِمْ عِيسَى اِبْن
مَرْيَم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ .

وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ

وَقَوْله : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات } يَقُول : وَاخْتَبَرْنَاهُمْ بِالرَّخَاءِ فِي الْعَيْش
وَالْخَفْض فِي الدُّنْيَا , وَالدَّعَة وَالسَّعَة فِي الرِّزْق , وَهِيَ الْحَسَنَات الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ
ثَنَاؤُهُ . وَيَعْنِي بِالسَّيِّئَاتِ : الشِّدَّة فِي الْعَيْش , وَالشَّظَف فِيهِ , وَالْمَصَائِب وَالرَّزَايَا
فِي الْأَمْوَال .

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول : لِيَرْجِعُوا إِلَى طَاعَة رَبّهمْ , وَيُنِيبُوا إِلَيْهَا , وَيَتُوبُوا مِنْ مَعَاصِيه .

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا
وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ
إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ


قَالَ تَعَالَى { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف وَرِثُوا الْكِتَاب يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى } الْآيَة .
يَقُول تَعَالَى فَخَلَفَ مِنْ بَعْد ذَلِكَ الْجِيل الَّذِينَ فِيهِمْ الصَّالِح وَالطَّالِح خَلْف آخَر لَا خَيْر
فِيهِمْ وَقَدْ وَرِثُوا دِرَاسَة الْكِتَاب وَهُوَ التَّوْرَاة وَقَالَ مُجَاهِد هُمْ النَّصَارَى وَقَدْ يَكُون أَعَمّ
مِنْ ذَلِكَ{ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى } أَيْ يَعْتَاضُونَ عَنْ بَذْل الْحَقّ وَنَشْره بِعَرَضِ الْحَيَاة
الدُّنْيَا وَيُسْرِفُونَ أَنْفُسهمْ وَيَعِدُونَهَا بِالتَّوْبَةِ وَكُلَّمَا لَاحَ لَهُمْ مِثْل الْأَوَّل وَقَعُوا فِيهِ وَلِهَذَا قَالَ
{ وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ} وَكَمَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر يَعْمَلُونَ الذَّنْب ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ
اللَّه مِنْهُ وَيَعْتَرِفُونَ لِلَّهِ فَإِنْ عَرَضَ ذَلِكَ الذَّنْب أَخَذُوهُ وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى
{ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى } قَالَ لَا يُشْرِف لَهُمْ شَيْء مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا أَخَذُوهُ حَلَالًا كَانَ
أَوْ حَرَامًا وَيَتَمَنَّوْنَ الْمَغْفِرَة{ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ}
وَقَالَ قَتَادَة فِي الْآيَة إِي وَاَللَّه لَخَلْف سُوء { وَرِثُوا الْكِتَاب } بَعْد أَنْبِيَائِهِمْ وَرُسُلهمْ
أَوْرَثَهُمْ اللَّه وَعَهِدَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ اللَّه تَعَالَى فِي آيَة أُخْرَى { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف
أَضَاعُوا الصَّلَاة
} الْآيَة . قَالَ { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا }
تَمَنَّوْا عَلَى اللَّه أَمَانِيّ وَغِرَّة يَغْتَرُّونَ بِهَا { وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ }
لَا يَشْغَلهُمْ شَيْء عَنْ شَيْء وَلَا يَنْهَاهُمْ شَيْء عَنْ ذَلِكَ كُلَّمَا هَفَّ لَهُمْ شَيْء مِنْ
الدُّنْيَا أَكَلُوهُ لَا يُبَالُونَ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا وَقَالَ السُّدِّيّ قَوْله { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف }
إِلَى قَوْله { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } قَالَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل لَا يَسْتَقْضُونَ قَاضِيًا إِلَّا اِرْتَشَى فِي
الْحُكْم وَإِنَّ خِيَارهمْ اِجْتَمَعُوا فَأَخَذَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض الْعُهُود أَنْ لَا يَفْعَلُوا وَلَا يَرْتَشُوا
فَجَعَلَ الرَّجُل مِنْهُمْ إِذَا اِسْتَقْضَى اِرْتَشَى فَيُقَال لَهُ مَا شَأْنك تَرْتَشِي فِي الْحُكْم ؟
فَيَقُول سَيُغْفَرُ لِي فَتَطْعَن عَلَيْهِ الْبَقِيَّة الْآخَرُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِيمَا صَنَعَ فَإِذَا مَاتَ
أَوْ نُزِعَ وَجُعِلَ مَكَانه رَجُل مِمَّنْ كَانَ يَطْعَن عَلَيْهِ فَيَرْتَشِي يَقُول وَإِنْ يَأْتِ الْآخَرِينَ عَرَض
الدُّنْيَا يَأْخُذُوهُ قَالَ اللَّه تَعَالَى { أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَيْهِمْ مِيثَاق الْكِتَاب أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّه
إِلَّا الْحَقّ
} الْآيَة. يَقُول تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ فِي صَنِيعهمْ هَذَا مَعَ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق
لَيُبَيِّنُنَّ الْحَقّ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ كَقَوْلِهِ { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ
}
الْآيَة وَقَالَ اِبْن جُرَيْج قَالَ اِبْن عَبَّاس { أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَيْهِمْ مِيثَاق الْكِتَاب أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى
اللَّه إِلَّا الْحَقّ
} قَالَ فِيمَا يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّه مِنْ غُفْرَان ذُنُوبهمْ الَّتِي لَا يَزَالُونَ يَعُودُونَ
فِيهَا وَلَا يَتُوبُونَ مِنْهَا وَقَوْله تَعَالَى { وَالدَّار الْآخِرَة خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
يُرَغِّبهُمْ فِي جَزِيل ثَوَابه وَيُحَذِّرهُمْ مِنْ وَبِيل عِقَابه أَيْ وَثَوَابِي وَمَا عِنْدِي خَيْر لِمَنْ اِتَّقَى
الْمَحَارِم وَتَرَكَ هَوَى نَفْسه وَأَقْبَلَ عَلَى طَاعَة رَبّه { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } يَقُول أَفَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ
الَّذِينَ اِعْتَاضُوا بِعَرَضِ الدُّنْيَا عَمَّا عِنْدِي عَقْل يَرْدَعهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ السَّفَه وَالتَّبْذِير
ثُمَّ أَثْنَى تَعَالَى عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِكِتَابِهِ الَّذِي يَقُودهُ إِلَى اِتِّبَاع رَسُوله مُحَمَّد
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ مَكْتُوب فِيهِ .

وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاة إِنَّا لَا نُضِيع
أَجْر الْمُصْلِحِينَ
} وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : " يُمْسِكُونَ "
بِتَخْفِيفِ الْمِيم وَتَسْكِينهَا , مِنْ أَمْسَكَ يُمْسِك . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : { يُمَسِّكُونَ } بِفَتْحِ
الْمِيم وَتَشْدِيد السِّين , مِنْ مَسَّكَ يُمَسِّك. وَيَعْنِي بِذَلِكَ : وَاَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا فِي
كِتَاب اللَّه , وَأَقَامُوا الصَّلَاة بِحُدُودِهَا , وَلَمْ يُضَيِّعُوا أَوْقَاتهَا ; { إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر الْمُصْلِحِينَ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِي , فَإِنِّي لَا أُضِيع أَجْر عَمَله الصَّالِح . كَمَا :
11907 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد :
{ وَاَلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ } قَالَ : كِتَاب اللَّه الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
11908 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ :
قَالَ مُجَاهِد , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ } مِنْ يَهُود أَوْ نَصَارَى ;
{ إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر الْمُصْلِحِينَ }

وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا
فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ


قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ " يَقُول رَفَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْله
" وَرَفَعْنَا فَوْقهمْ الطُّور بِمِيثَاقِهِمْ " وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر
عَنْ اِبْن عَبَّاس رَفَعَتْهُ الْمَلَائِكَة فَوْق رُءُوسهمْ وَهُوَ قَوْله" وَرَفَعْنَا فَوْقهمْ الطُّور "
وَقَالَ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ ثُمَّ سَارَ بِهِمْ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة وَأَخَذَ الْأَلْوَاح بَعْدَمَا سَكَتَ عَنْهُ الْغَضَب وَأَمَرَهُمْ
بِاَلَّذِي أَمَرَ اللَّه أَنْ يُبَلِّغهُمْ مِنْ الْوَظَائِف فَثَقُلَتْ عَلَيْهِمْ وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِهَا حَتَّى نَتَقَ اللَّه
الْجَبَل فَوْقهمْ " كَأَنَّهُ ظُلَّة " قَالَ رَفَعَتْهُ الْمَلَائِكَة فَوْق رُءُوسهمْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِطُولِهِ
وَقَالَ سُنَيْد بْن دَاوُدَ فِي تَفْسِيره عَنْ حَجَّاج بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه قَالَ
هَذَا كِتَاب أَتَقْبَلُونَهُ بِمَا فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ بَيَان مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَمَا أَمَرَكُمْ وَمَا
نَهَاكُمْ ؟ قَالُوا اُنْشُرْ عَلَيْنَا مَا فِيهَا فَإِنْ كَانَتْ فَرَائِضهَا وَحُدُودهَا يَسِيرَة قَبِلْنَاهَا قَالَ
اِقْبَلُوهَا بِمَا فِيهَا قَالُوا لَا حَتَّى نَعْلَم مَا فِيهَا كَيْف حُدُودهَا وَفَرَائِضهَا فَرَاجَعُوهُ مِرَارًا
فَأَوْحَى اللَّه إِلَى الْجَبَل فَانْقَلَعَ فَارْتَفَعَ فِي السَّمَاء حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْن رُءُوسهمْ وَبَيْن
السَّمَاء قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلَا تَرَوْنَ مَا يَقُول رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لَئِنْ لَمْ تَقْبَلُوا التَّوْرَاة بِمَا
فِيهَا لَأَرْمِيَنَّكُمْ بِهَذَا الْجَبَل . قَالَ فَحَدَّثَنِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَ لَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْجَبَل
خَرَّ كُلّ رَجُل سَاجِدًا عَلَى حَاجِبه الْأَيْسَر وَنَظَرَ بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى إِلَى الْجَبَل فَرَقًا مِنْ أَنْ
يَسْقُط عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَيْسَ الْيَوْم فِي الْأَرْض يَهُودِيّ يَسْجُد إِلَّا عَلَى حَاجِبه الْأَيْسَر
يَقُولُونَ هَذِهِ السَّجْدَة الَّتِي رُفِعَتْ بِهَا الْعُقُوبَة قَالَ أَبُو بَكْر فَلَمَّا نَشَرَ الْأَلْوَاح فِيهَا كِتَاب
اللَّه كَتَبَهُ بِيَدِهِ لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْه الْأَرْض جَبَل وَلَا شَجَر وَلَا حَجَر إِلَّا اِهْتَزَّ فَلَيْسَ الْيَوْم
يَهُودِيّ عَلَى وَجْه الْأَرْض صَغِير وَلَا كَبِير تُقْرَأ عَلَيْهِ التَّوْرَاة إِلَّا اِهْتَزَّ وَنَغَضَ لَهَا رَأْسه أَيْ
حَوَّلَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْك رُءُوسهُمْ " وَاَللَّه أَعْلَم .





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 03-12-2009, 02:56 AM
المشاركة 24

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الجلالين ))



وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ


"وَ" اذْكُرْ "إِذْ" حِين "أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ" بَدَل اشْتِمَال مِمَّا قَبْله بِإِعَادَةِ الْجَار
"ذُرِّيَّتهمْ" بِأَنْ أَخْرَجَ بَعْضهمْ مِنْ صُلْب بَعْض مِنْ صُلْب آدَم نَسْلًا بَعْد نَسْل كَنَحْوِ مَا يَتَوَالَدُونَ
كَالذَّرِّ بِنُعْمَانَ يَوْم عَرَفَة وَنَصَبَ لَهُمْ دَلَائِل عَلَى رُبُوبِيَّته وَرَكَّبَ فِيهِمْ عَقْلًا
"وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ" قَالَ "أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى" أَنْتَ رَبّنَا "شَهِدْنَا"
بِذَلِكَ وَالْإِشْهَاد "أَنْ" لَا "يَقُولُوا" بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِي . الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ الْكُفَّار "يَوْم الْقِيَامَة إنَّا كُنَّا
عَنْ هَذَا
" التَّوْحِيد "غَافِلِينَ" لَا نَعْرِفهُ.

أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ

"أَوْ تَقُولُوا إنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْلنَا "وَكُنَّا ذُرِّيَّة مِنْ بَعْدهمْ" فَاقْتَدَيْنَا بِهِمْ "أَفَتُهْلِكنَا" تُعَذِّبنَا "بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ"
مِنْ آبَائِنَا بِتَأْسِيسِ الشِّرْك الْمَعْنَى لَا يُمْكِنهُمْ الِاحْتِجَاج بِذَلِكَ مَعَ إشْهَادهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ
بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّذْكِير بِهِ عَلَى لِسَان صَاحِب الْمُعْجِزَة قَائِم مَقَام ذِكْره
فِي النَّفُوس.

وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

"وَكَذَلِكَ نُفَصِّل الْآيَات" نُبَيِّنهَا مِثْل مَا بَيَّنَّا الْمِيثَاق لِيَتَدَبَّرُوهَا "وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" عَنْ كُفْرهمْ.

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ

"وَاتْلُ" يَا مُحَمَّد "عَلَيْهِمْ" أَيْ الْيَهُود "نَبَأ" خَبَر "الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا" خَرَجَ بِكُفْرِهِ
كَمَا تَخْرُج الْحَيَّة مِنْ جِلْدهَا وَهُوَ بلعم بْن بَاعُورَاءَ مِنْ عُلَمَاء بَنِي إسْرَائِيل سُئِلَ أَنْ يَدْعُو
عَلَى مُوسَى وَأُهْدِيَ إلَيْهِ شَيْء فَدَعَا فَانْقَلَبَ عَلَيْهِ وَانْدَلَعَ لِسَانه عَلَى صَدْره \
"فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان" فَأَدْرَكَهُ فَصَارَ قَرِينه .

وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ
يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ


"وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ" إلَى مَنَازِل الْعُلَمَاء "بِهَا" بِأَنْ نُوَفِّقهُ لِلْعَمَلِ "وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ" سَكَنَ
"إلَى الْأَرْض" أَيْ الدُّنْيَا وَمَالَ إلَيْهَا "وَاتَّبَعَ هَوَاهُ" فِي دُعَائِهِ إلَيْهَا فَوَضَعْنَاهُ "فَمَثَله"
صِفَته "كَمَثَلِ الْكَلْب إنْ تَحْمِل عَلَيْهِ" بِالطَّرْدِ وَالزَّجْر "يَلْهَث" يَدْلَع لِسَانه "أَوْ"
إنْ "تَتْرُكهُ يَلْهَث" وَلَيْسَ غَيْره مِنْ الْحَيَوَان كَذَلِكَ وَجُمْلَتَا الشَّرْط حَال أَيْ لَاهِثًا ذَلِيلًا بِكُلِّ
حَال وَالْقَصْد التَّشْبِيه فِي الْوَضْع وَالْخِسَّة بِقَرِينَةِ الْفَاء الْمُشْعِرَة بِتَرْتِيبِ مَا بَعْدهَا عَلَى
مَا قَبْلهَا مِنْ الْمَيْل إلَى الدُّنْيَا وَاتِّبَاع الْهَوَى وَبِقَرِينَةِ قَوْله "ذَلِكَ" الْمَثَل "مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَص
" عَلَى الْيَهُود "لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" يَتَدَبَّرُونَ فِيهَا فَيُؤْمِنُونَ.

سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ

"سَاءَ" بِئْسَ "مَثَلًا الْقَوْم" أَيْ مَثَل الْقَوْم "الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسهمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ"
بِالتَّكْذِيبِ.

مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

يَقُول تَعَالَى مَنْ هَدَاهُ اللَّه فَإِنَّهُ لَا مُضِلّ لَهُ وَمَنْ أَضَلَّهُ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ وَضَلَّ لَا مَحَالَة فَإِنَّهُ
تَعَالَى مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود :
" إِنَّ الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدهُ وَنَسْتَعِينهُ وَنَسْتَهْدِيه وَنَسْتَغْفِرهُ وَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُور أَنْفُسنَا
وَمِنْ سَيِّئَات أَعْمَالنَا مَنْ يَهْدِ اللَّه فَلَا مُضِلّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِي لَهُ وَأَشْهَد أَنْ لَا إِلَه
إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله
" الْحَدِيث بِتَمَامِهِ رَوَاهُ الْإِمَام
أَحْمَد وَأَهْل السُّنَن وَغَيْرهمْ .





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 03-12-2009, 03:01 AM
المشاركة 25

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الجلالين ))



وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا
يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ
الْغَافِلُونَ


"وَلَقَدْ ذَرَأْنَا" خَلَقْنَا "لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقُهُونَ بِهَا" الْحَقّ
"وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا" دَلَائِل قُدْرَة اللَّه بَصَر اعْتِبَار "وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا"
الْآيَات وَالْمَوَاعِظ سَمَاع تَدَبُّر وَاتِّعَاظ "أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ" فِي عَدَم الْفِقْه وَالْبَصَر وَالِاسْتِمَاع
"بَلْ هُمْ أَضَلّ" مِنْ الْأَنْعَام لِأَنَّهَا تَطْلُب مَنَافِعهَا وَتَهْرُب مِنْ مَضَارّهَا وَهَؤُلَاءِ يَقْدَمُونَ عَلَى
النَّار مُعَانَدَة .

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ


"وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى" التِّسْعَة وَالتِّسْعُونَ الْوَارِد بِهَا الْحَدِيث وَالْحُسْنَى مُؤَنَّث الْأَحْسَن
"فَادْعُوهُ" سَمُّوهُ "بِهَا وَذَرُوا" اُتْرُكُوا "الَّذِينَ يُلْحِدُونَ" مِنْ أَلْحَدَ وَلَحَدَ يَمِيلُونَ عَنْ الْحَقّ .
"فِي أَسْمَائِهِ" حَيْثُ اشْتَقُّوا مِنْهَا أَسْمَاء لِآلِهَتِهِمْ : كَاَللَّاتِي مِنْ اللَّه وَالْعُزَّى مِنْ الْعَزِيز
وَمَنَاة مِنْ الْمَنَّان "سَيُجْزَوْنَ" فِي الْآخِرَة جَزَاء "مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ.

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ

"وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ" هُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَمَا فِي حَدِيثٍ .

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ

"وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا" الْقُرْآن مِنْ أَهْل مَكَّة "سَنَسْتَدْرِجُهُمْ" نَأْخُذهُمْ قَلِيلًا قَلِيلًا

وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ

"وَأُمْلِي لَهُمْ" أَمْهِلْهُمْ "إنَّ كَيْدِي مَتِين" شَدِيد لَا يُطَاق.

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ

"أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا" فَيَعْلَمُوا "مَا بِصَاحِبِهِمْ" مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مِنْ جِنَّة" جُنُون
"إنْ" مَا "هُوَ إلَّا نَذِير مُبِين" بَيِّن الْإِنْذَار.

أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ
قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ


"أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوت" مُلْك "السَّمَوَات وَالْأَرْض وَ" فِي "مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ شَيْء"
بَيَان لِمَا فَيَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلَى قُدْرَة صَانِعه وَوَحْدَانِيّته " فِي "أَنْ" أَيْ أَنَّهُ "عَسَى أَنْ
يَكُون قَدْ اقْتَرَبَ
" قَرُبَ "أَجَلهمْ" فَيَمُوتُوا كُفَّارًا فَيَصِيرُوا إلَى النَّار فَيُبَادِرُوا إلَى الْإِيمَان
"فَبِأَيِّ حَدِيث بَعْده" أَيْ الْقُرْآن .

مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ

"مَنْ يَضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِي لَهُ وَيَذَرهُمْ" بِالْيَاءِ وَالنُّون مَعَ الرَّفْع اسْتِئْنَافًا وَالْجَزْم عَطْفًا عَلَى
مَحَلّ مَا بَعْد الْفَاء "فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ" يَتَرَدَّدُونَ تَحَيُّرًا.

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ
ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا
عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ


"يَسْأَلُونَك" أَيْ أَهْل مَكَّة "عَنْ السَّاعَة" الْقِيَامَة "أَيَّانَ" مَتَى "مُرْسَاهَا قُلْ" لَهُمْ
"إنَّمَا عِلْمهَا" مَتَى تَكُون "عِنْد رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا" يُظْهِرهَا "لِوَقْتِهَا" اللَّام بِمَعْنَى فِي
"إلَّا هُوَ ثَقُلَتْ" عَظُمَتْ "فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض" عَلَى أَهْلهَا لِهَوْلِهَا "لَا تَأْتِيكُمْ إلَّا بَغْتَة" فَجْأَة "يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ" مُبَالِغ فِي السُّؤَال "عَنْهَا" حَتَّى عَلِمْتَهَا
"قُلْ إنَّمَا عِلْمهَا عِنْد اللَّه" تَأْكِيد "وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ" أَنَّ عِلْمهَا عِنْده تَعَالَى.





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 03-12-2009, 03:17 AM
المشاركة 26

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ
وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ


أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُفَوِّض الْأُمُور إِلَيْهِ وَأَنْ يُخْبِر عَنْ نَفْسه أَنَّهُ لَا يَعْلَم الْغَيْب الْمُسْتَقْبَل
وَلَا اِطِّلَاع لَهُ عَلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِمَا أَطْلَعَهُ اللَّه عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى
" عَالِم الْغَيْب فَلَا يُظْهِر عَلَى غَيْبه أَحَدًا " الْآيَة وَقَوْله " وَلَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب لَاسْتَكْثَرْت
مِنْ الْخَيْر
" قَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ الثَّوْرِيّ عَنْ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد " وَلَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب
لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْخَيْر
" قَالَ لَوْ كُنْت أَعْلَم مَتَى أَمُوت لَعَمِلْت عَمَلًا صَالِحًا وَكَذَا رَوَى اِبْن
أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد وَقَالَ مِثْله اِبْن جُرَيْج وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّ عَمَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ دِيمَة وَفِي رِوَايَة كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ فَجَمِيع عَمَله كَانَ عَلَى مِنْوَال وَاحِد
كَأَنَّهُ يَنْظُر إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي جَمِيع أَحْوَاله اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنْ يُرْشِد غَيْره
إِلَى الِاسْتِعْدَاد لِذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم . وَالْأَحْسَن فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس
" وَلَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْخَيْر " أَيْ مِنْ الْمَال وَفِي رِوَايَة لَعَلِمْت إِذَا
اِشْتَرَيْت شَيْئًا مَا أَرْبَح فِيهِ شَيْئًا إِلَّا رَبِحْت فِيهِ وَلَا يُصِيبنِي الْفَقْر . وَقَالَ اِبْن جَرِير وَقَالَ
آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ لَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب لَأَعْدَدْت لِلسَّنَةِ الْمُجْدِبَة مِنْ الْمُخَصَّبَة وَلِوَقْتِ
الْغَلَاء مِنْ الرُّخْص فَاسْتَعْدَدْت لَهُ مِنْ الرُّخْص .
وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ " وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء " قَالَ لَاجْتَنَبْت مَا يَكُون مِنْ
الشَّرّ قَبْل أَنْ يَكُون وَاتَّقَيْته ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ نَذِير وَبَشِير أَيْ نَذِير مِنْ الْعَذَاب وَبَشِير
لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك لِتُبَشِّر بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِر بِهِ
قَوْمًا لُدًّا
" .

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ
حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الشَّاكِرِينَ


"هُوَ" أَيْ اللَّه "الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة" أَيْ آدَم "وَجَعَلَ" خَلَقَ "مِنْهَا زَوْجهَا"
حَوَّاء "لِيَسْكُن إلَيْهَا" وَيَأْلَفهَا "فَلَمَّا تَغَشَّاهَا" جَامَعَهَا "حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا"
هُوَ النُّطْفَة "فَمَرَّتْ بِهِ" ذَهَبَتْ وَجَاءَتْ لِخَفَّتِهِ "فَلَمَّا أَثْقَلَتْ" بِكِبَرِ الْوَلَد فِي بَطْنهَا وَأَشْفَقَا
أَنْ يَكُون بَهِيمَة "دَعَوْا اللَّه رَبّهمَا لَئِنْ آتَيْتنَا" وَلَدًا "صَالِحًا" سَوِيًّا "لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ"
لَك عَلَيْهِ.

فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

"فَلَمَّا آتَاهُمَا" وَلَدًا "صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء" وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ الشِّين وَالتَّنْوِين أَيْ شَرِيكًا
"فِيمَا آتَاهُمَا" بِتَسْمِيَتِهِ عَبْد الْحَارِث وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون عَبْدًا إلَّا لِلَّهِ وَلَيْسَ بِإِشْرَاكٍ فِي
الْعُبُودِيَّة لِعِصْمَةِ آدَم وَرَوَى سَمُرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(لَمَّا وَلَدَتْ حَوَّاء طَافَ بِهَا إبْلِيس وَكَانَ لَا يَعِيش لَهَا وَلَد فَقَالَ : سَمِّيهِ عَبْد الْحَارِث
فَإِنَّهُ يَعِيش فَسَمَّتْهُ فَعَاشَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْي الشَّيْطَان وَأَمْره
) رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح
وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَسَن غَرِيب "فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ" أَيْ أَهْل مَكَّة بِهِ مِنْ الْأَصْنَام
وَالْجُمْلَة مُسَبِّبَة عَطْف عَلَى خَلَقَكُمْ وَمَا بَيْنهمَا اعْتِرَاض.

أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ

هَذَا إِنْكَار مِنْ اللَّه عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَ اللَّه غَيْره مِنْ الْأَنْدَاد وَالْأَصْنَام وَالْأَوْثَان
وَهِيَ مَخْلُوقَة لِلَّهِ مَرْبُوبَة مَصْنُوعَة لَا تَمْلِك شَيْئًا مِنْ الْأَمْر وَلَا تَضُرّ وَلَا تُبْصِر وَلَا تَنْتَصِر
لِعَابِدِيهَا بَلْ هِيَ جَمَاد لَا تَتَحَرَّك وَلَا تَسْمَع وَلَا تُبْصِر وَعَابِدُوهَا أَكْمَل مِنْهَا بِسَمْعِهِمْ
وَبَصَرهمْ وَبَطْشهمْ وَلِهَذَا قَالَ" أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُق شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ " أَيْ أَتُشْرِكُونَ
بِهِ مِنْ الْمَعْبُودَات مَا لَا يَخْلُق شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيع ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
" يَا أَيّهَا النَّاس ضُرِبَ مَثَل فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا
وَلَوْ اِجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبهُمْ الذُّبَاب شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِب وَالْمَطْلُوب
مَا قَدَرُوا اللَّه حَقَّ قَدْره إِنَّ اللَّه لَقَوِيّ عَزِيز
" أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ آلِهَتهمْ لَوْ اِجْتَمَعُوا كُلّهمْ
مَا اِسْتَطَاعُوا خَلْق ذُبَابَة بَلْ لَوْ سَلَبَتْهُمْ الذُّبَابَة شَيْئًا مِنْ حَقِير الْمَطَاعِم وَطَارَتْ لَمَا
اِسْتَطَاعُوا إِنْقَاذه مِنْهَا فَمَنْ هَذِهِ صِفَته وَحَاله كَيْف يُعْبَد لِيَرْزُق وَيُسْتَنْصَر ؟
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " لَا يَخْلُق شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ " أَيْ بَلْ هُمْ مَخْلُوقُونَ مَصْنُوعُونَ كَمَا
قَالَ الْخَلِيل " أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ " الْآيَة .

وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ

قَالَ تَعَالَى " وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا " أَيْ لِعَابِدِيهِمْ" وَلَا أَنْفُسهمْ يَنْصُرُونَ "
يَعْنِي وَلَا لِأَنْفُسِهِمْ يَنْصُرُونَ مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ كَمَا كَانَ الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
يَكْسِر أَصْنَام قَوْمه وَيُهِينهَا غَايَة الْإِهَانَة كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْله " فَرَاغ عَلَيْهِمْ
ضَرْبًا بِالْيَمِينِ
" وَقَالَ تَعَالَى " فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ "
وَكَمَا كَانَ مُعَاذ بْن عَمْرو بْن الْجَمُوح وَمُعَاذ بْن جَبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَكَانَا شَابَّيْنِ قَدْ
أَسْلَمَا لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة فَكَانَا يَعْدُوَانِ فِي اللَّيْل عَلَى
أَصْنَام الْمُشْرِكِينَ يُكَسِّرَانِهَا وَيُتْلِفَانِهَا وَيَتَّخِذَانِهَا حَطَبًا لِلْأَرَامِلِ لِيَعْتَبِر قَوْمهمَا بِذَلِكَ
وَيَرْتَئُوا لِأَنْفُسِهِمْ فَكَانَ لِعَمْرِو بْن الْجَمُوح وَكَانَ سَيِّدًا فِي قَوْمه صَنَم يَعْبُدهُ وَيُطَيِّبهُ فَكَانَا
يَجِيئَانِ فِي اللَّيْل فَيُنَكِّسَانِهِ عَلَى رَأْسه وَيُلَطِّخَانِهِ بِالْعَذِرَةِ فَيَجِيء عَمْرو بْن الْجَمُوح فَيَرَى
مَا صُنِعَ بِهِ فَيَغْسِلهُ وَيُطَيِّبهُ وَيَضَع عِنْده سَيْفًا وَيَقُول لَهُ اِنْتَصِرْ ثُمَّ يَعُودَانِ لِمِثْلِ ذَلِكَ وَيَعُود
إِلَى صَنِيعه أَيْضًا حَتَّى أَخَذَاهُ مَرَّة فَقَرَنَاهُ مَعَ كَلْب مَيِّت وَدَلَّيَاهُ فِي حَبْل فِي بِئْر هُنَاكَ
فَلَمَّا جَاءَ عَمْرو بْن الْجَمُوح وَرَأَى ذَلِكَ نَظَرَ فَعَلِمَ أَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّين بَاطِل
وَقَالَ : تَاللَّهِ لَوْ كُنْت إِلَهًا مُسْتَدَنْ لَمْ تَكُ وَالْكَلْب جَمِيعًا فِي قَرَنْ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَسُنَ
إِسْلَامه وَقُتِلَ يَوْم أُحُد شَهِيدًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ جَنَّة الْفِرْدَوْس مَأْوَاهُ .

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ

وَقَوْله " وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ " الْآيَة يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَام لَا تَسْمَع دُعَاء
مَنْ دَعَاهَا وَسَوَاء لَدَيْهَا مَنْ دَعَاهَا وَمَنْ دَحَاهَا كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم يَا أَبَت لِمَ تَعْبُد مَا لَا
يَسْمَع وَلَا يُبْصِر وَلَا يُغْنِي عَنْك شَيْئًا .

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهَا عَبِيد مِثْل عَابِدِيهَا أَيْ مَخْلُوقَات مِثْلهمْ .





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 11-12-2009, 01:15 AM
المشاركة 27

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ


بَلْ الْأُنَاس أَكْمَل مِنْهَا لِأَنَّهَا تَسْمَع وَتُبْصِر وَتَبْطِش وَتِلْكَ لَا تَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَوْله
" قُلْ اُدْعُوا شُرَكَاءَكُمْ " الْآيَة أَيْ اِسْتَنْصِرُوا بِهَا عَلَيَّ فَلَا تُؤَخِّرُونِي طَرْفَة عَيْن وَاجْهَدُوا
جَهْدكُمْ .

إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ

" إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّه الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ " أَيْ اللَّه حَسْبِي وَكَافِينِي وَهُوَ
نَصِيرِي وَعَلَيْهِ مُتَّكَلِي وَإِلَيْهِ أَلْجَأ وَهُوَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ وَلِيّ كُلّ صَالِح بَعْدِي
وَهَذَا كَمَا قَالَ هُود عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا قَالَ لَهُ قَوْمه " إِنْ نَقُول إِلَّا اِعْتَرَاك بَعْض آلِهَتنَا بِسُوءٍ
قَالَ إِنِّي أُشْهِد اللَّه وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونه فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا
تُنْظِرُونِي إِنِّي تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ مَا مِنْ دَابَّة إِلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى
صِرَاط مُسْتَقِيم
" وَكَقَوْلِ الْخَلِيل " أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ
عَدُوّ لِي إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي
" الْآيَات وَكَقَوْلِهِ لِأَبِيهِ وَقَوْمه
" إِنَّنِي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي وَجَعَلَهَا كَلِمَة بَاقِيَة فِي عَقِبه
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
" .

وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ

قَوْله " وَاَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونه" إِلَى آخِر الْآيَة مُؤَكِّد لِمَا تَقَدَّمَ إِلَّا أَنَّهُ بِصِيغَةِ الْخِطَاب وَذَاكَ
بِصِيغَةِ الْغَيْبَة وَلِهَذَا قَالَ " لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْركُمْ وَلَا أَنْفُسهمْ يَنْصُرُونَ " .

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ

قَوْله " وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ "
كَقَوْلِهِ تَعَالَى " إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ " الْآيَة وَقَوْله " وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ
لَا يُبْصِرُونَ
" إِنَّمَا قَالَ " يَنْظُرُونَ إِلَيْك " أَيْ يُقَابِلُونَك بِعُيُونٍ مُصَوَّرَة كَأَنَّهَا نَاظِرَة وَهِيَ جَمَاد
وَلِهَذَا عَامَلَهُمْ مُعَامَلَة مَنْ يَعْقِل لِأَنَّهَا عَلَى صُوَر مُصَوَّرَة كَالْإِنْسَانِ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك
فَعَبَّرَ عَنْهَا بِضَمِيرِ مَنْ يَعْقِل وَقَالَ السُّدِّيّ : الْمُرَاد بِهَذَا الْمُشْرِكُونَ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد نَحْوه
وَالْأَوَّل أَوْلَى وَهُوَ اِخْتِيَار اِبْن جَرِير وَقَالَهُ قَتَادَة .

خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ

قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله " خُذْ الْعَفْو " يَعْنِي خُذْ مَا عُفِيَ لَك مِنْ
أَمْوَالهمْ وَمَا أَتَوْك بِهِ مِنْ شَيْء فَخُذْهُ وَكَانَ هَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل بَرَاءَة بِفَرَائِض الصَّدَقَات
وَتَفْصِيلهَا وَمَا اِنْتَهَتْ إِلَيْهِ الصَّدَقَات قَالَهُ السُّدِّيّ وَقَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس
" خُذْ الْعَفْو" أَنْفِقْ الْفَضْل وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس" خُذْ الْعَفْو " قَالَ الْفَضْل
وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ فِي قَوْله " خُذْ الْعَفْو " أَمَرَهُ اللَّه بِالْعَفْوِ وَالصَّفْح عَنْ
الْمُشْرِكِينَ عَشْر سِنِينَ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل اِبْن جَرِير وَقَالَ غَيْر
وَاحِد عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى " خُذْ الْعَفْو " قَالَ مِنْ أَخْلَاق النَّاس وَأَعْمَالهمْ مِنْ غَيْر
تَجَسُّس وَقَالَ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ أَمَرَ اللَّه رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذ
الْعَفْو مِنْ أَخْلَاق النَّاس وَفِي رِوَايَة قَالَ خُذْ مَا عُفِيَ لَك مِنْ أَخْلَاقهمْ وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ
عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ عُرْوَة عَنْ أَخِيهِ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر قَالَ : إِنَّمَا أَنْزَلَ خُذْ الْعَفْو مِنْ أَخْلَاق
النَّاس وَفِي رِوَايَة لِغَيْرِهِ عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر وَفِي رِوَايَة عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَة أَنَّهُمَا قَالَا مِثْل ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي رِوَايَة سَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة
عَنْ هِشَام عَنْ وَهْب بْن كَيْسَان عَنْ أَبِي الزُّبَيْر : خُذْ الْعَفْو قَالَ مِنْ أَخْلَاق النَّاس وَاَللَّه
لَآخُذَنَّهُ مِنْهُمْ مَا صَحِبْتهمْ وَهَذَا أَشْهَر الْأَقْوَال وَيَشْهَد لَهُ مَا رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَابْن أَبِي حَاتِم
جَمِيعًا حَدَّثَنَا يُونُس حَدَّثَنَا سُفْيَان هُوَ اِبْن عُيَيْنَة عَنْ أَبِي قَالَ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ"
قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ إِنَّ اللَّه أَمَرَك أَنْ تَعْفُو
عَمَّنْ ظَلَمَك وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَك وَتَصِل مَنْ قَطَعَك
" وَقَدْ رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم أَيْضًا عَنْ
أَبِي يَزِيد الْقَرَاطِيسِيّ كِتَابَة عَنْ أَصْبَغ بْن الْفَرَج عَنْ سُفْيَان عَنْ أَبِي عَنْ الشَّعْبِيّ
نَحْوه وَهَذَا مُرْسَل عَلَى كُلّ حَال وَقَدْ رُوِيَ لَهُ شَوَاهِد مِنْ وُجُوه أُخَر وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا
عَنْ جَابِر وَقَيْس بْن سَعْد بْن عُبَادَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْنَدَهُمَا اِبْن
مَرْدَوَيْهِ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَة حَدَّثَنَا شُعْبَة حَدَّثَنَا مُعَاذ بْن رِفَاعَة
حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن يَزِيد عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ قَالَ : لَقِيت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَابْتَدَأْتُهُ فَأَخَذْت بِيَدِهِ فَقُلْت :
يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنِي بِفَوَاضِل الْأَعْمَال فَقَالَ " يَا عُقْبَة صِلْ مَنْ قَطَعَك وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَك
وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَك
" وَرَوَى التِّرْمِذِيّ نَحْوه مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر عَنْ عَلِيّ
بْن يَزِيد بِهِ وَقَالَ حَسَن قُلْت وَلَكِنْ عَلِيّ بْن يَزِيد وَشَيْخه الْقَاسِم أَبُو عَبْد الرَّحْمَن
فِيهِمَا ضَعْف وَقَالَ الْبُخَارِيّ قَوْله " خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ "
الْعُرْف الْمَعْرُوف حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَان حَدَّثَنَا شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيّ أَخْبَرَنِي عُبَيْد اللَّه بْن
عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة أَنَّ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَة بْن حِصْن بْن
حُذَيْفَة فَنَزَلَ عَلَى اِبْن أَخِيهِ الْحُرّ بْن قَيْس وَكَانَ مِنْ النَّفَر الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَر وَكَانَ
الْقُرَّاء أَصْحَاب مَجَالِس عُمَر وَمُشَاوَرَته كُهُولًا كَانُوا أَوْ شَبَابًا فَقَالَ عُيَيْنَة لِابْنِ أَخِيهِ
يَا اِبْن أَخِي لَك وَجْه عِنْد هَذَا الْأَمِير فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ : سَأَسْتَأْذِنُ لَك عَلَيْهِ
قَالَ اِبْن عَبَّاس فَاسْتَأْذَنَ الْحُرّ لِعُيَيْنَة فَأَذِنَ لَهُ عُمَر فَدَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ هِيَ يَا اِبْن
الْخَطَّاب فَوَاَللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْل وَلَا تَحْكُم بَيْننَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَر حَتَّى هَمَّ أَنْ
يُوقِع بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرّ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ "
وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ وَاَللَّه مَا جَاوَزَهَا عُمَر حِين تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْد كِتَاب
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيّ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد
الْأَعْلَى قِرَاءَة أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي مَالِك بْن أَنَس عَنْ عَبْد اللَّه بْن نَافِع أَنَّ سَالِم
بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر مَرَّ عَلَى عِير لِأَهْلِ الشَّام وَفِيهَا جَرَس فَقَالَ :
إِنَّ هَذَا مَنْهِيّ عَنْهُ فَقَالُوا : نَحْنُ أَعْلَم بِهَذَا مِنْك إِنَّمَا يُكْرَه الْجُلْجُل الْكَبِير فَأَمَّا مَثَل
هَذَا فَلَا بَأْس بِهِ فَسَكَتَ سَالِم وَقَالَ " وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ " وَقَوْل الْبُخَارِيّ الْعُرْف
الْمَعْرُوف نَصَّ عَلَيْهِ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَالسُّدِّيّ وَقَتَادَة وَابْن جَرِير وَغَيْر وَاحِد وَحَكَى اِبْن
جَرِير أَنَّهُ يُقَال أَوْلَيْته مَعْرُوفًا وَعَارِفًا كُلّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمَعْرُوف قَالَ وَقَدْ أَمَرَ اللَّه نَبِيّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُر عِبَاده بِالْمَعْرُوفِ وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ جَمِيع الطَّاعَات
وَبِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْجَاهِلِينَ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ
تَأْدِيب لِخَلْقِهِ بِاحْتِمَالِ مَنْ ظَلَمَهُمْ وَاعْتَدَى عَلَيْهِمْ لَا بِالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ جَهِلَ الْحَقّ
الْوَاجِب مِنْ حَقّ اللَّه وَلَا بِالصَّفْحِ عَمَّنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَجَهِلَ وَحْدَانِيّته وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ
حَرْب وَقَالَ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله
" خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ " قَالَ هَذِهِ أَخْلَاق أَمَرَ اللَّه بِهَا
نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلَّهُ عَلَيْهَا وَقَدْ أَخَذَ بَعْض الْحُكَمَاء هَذَا الْمَعْنَى فَسَبَّكَهُ
فِي بَيْتَيْنِ فِيهِمَا جِنَاس فَقَالَ : خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِعُرْفٍ كَمَا أُمِرْتَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ
وَلِنْ فِي الْكَلَام لِكُلِّ الْأَنَام فَمُسْتَحْسَن مِنْ ذَوِي الْجَاه لِين وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء :
النَّاس رَجُلَانِ فَرَجُل مُحْسِن فَخُذْ مَا عَفَا لَك مِنْ إِحْسَانه وَلَا تُكَلِّفهُ فَوْق طَاقَته وَلَا
مَا يُحْرِجهُ وَإِمَّا مُسِيء فَمُرْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى ضَلَاله وَاسْتَعْصَى عَلَيْك
وَاسْتَمَرَّ فِي جَهْله فَأَعْرِضْ عَنْهُ فَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَرُدّ كَيْده كَمَا قَالَ تَعَالَى
" اِدْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة نَحْنُ أَعْلَم بِمَا تَصِفُونَ وَقُلْ رَبّ أَعُوذ بِك مِنْ
هَمَزَات الشَّيَاطِين وَأَعُوذ بِك رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِي" وَقَالَ تَعَالَى " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَة
وَلَا السَّيِّئَة اِدْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن فَإِذَا الَّذِي بَيْنك وَبَيْنه عَدَاوَة كَأَنَّهُ وَلِيّ حَمِيم
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم
" أَيْ هَذِهِ الْوَصِيَّة" .

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

" وَإِمَّا يَنْزَغَنَّك مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم " وَقَالَ فِي
هَذِهِ السُّورَة الْكَرِيمَة أَيْضًا وَإِمَّا يَنْزَغَنَّك مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ سَمِيع
عَلِيم فَهَذِهِ الْآيَات الثَّلَاث فِي الْأَعْرَاف وَالْمُؤْمِنُونَ وحم السَّجْدَة لَا رَابِع لَهُنَّ فَإِنَّهُ
تَعَالَى يُرْشِد فِيهِنَّ إِلَى مُعَامَلَة الْعَاصِي مِنْ الْإِنْس بِالْمَعْرُوفِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن
فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُفّهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ التَّمَرُّد بِإِذْنِهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قَالَ " فَإِذَا الَّذِي بَيْنك وَبَيْنه
عَدَاوَة كَأَنَّهُ وَلِيّ حَمِيم
" ثُمَّ يُرْشِد تَعَالَى إِلَى الِاسْتِعَاذَة بِهِ مِنْ شَيْطَان الْجَانّ فَإِنَّهُ
لَا يَكُفّهُ عَنْك الْإِحْسَان وَإِنَّمَا يُرِيد هَلَاكك وَدَمَارك بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُ عَدُوّ مُبِين لَك وَلِأَبِيك
مِنْ قَبْلك قَالَ اِبْن جَرِير فِي تَفْسِير قَوْله " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّك مِنْ الشَّيْطَان نَزْع " وَإِمَّا يُغْضِبَنَّك
مِنْ الشَّيْطَان غَضَب يَصُدّك عَنْ الْإِعْرَاض عَنْ الْجَاهِل وَيَحْمِلك عَلَى مُجَازَاته
" فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ " يَقُول فَاسْتَجِرْ بِاَللَّهِ مِنْ نَزْغه" إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم " سَمِيع لِجَهْلِ الْجَاهِل
عَلَيْك وَالِاسْتِعَاذَة بِهِ مِنْ نَزْغه وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَام خَلْقه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء
عَلِيم بِمَا يَذْهَب عَنْك نَزْغ الشَّيْطَان وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُور خَلْقه . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن
بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ لَمَّا نَزَلَتْ " خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ " قَالَ
" يَا رَبّ كَيْف بِالْغَضَبِ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّك مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ
سَمِيع عَلِيم
" قُلْت وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل الِاسْتِعَاذَة حَدِيث الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَسَابَّا بِحَضْرَةِ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ أَحَدهمَا حَتَّى جَعَلَ أَنْفه يَتَمَرَّغ غَضَبًا فَقَالَ
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنِّي لَأَعْلَم كَلِمَة لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِد :
أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم
" فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ مَا بِي مِنْ جُنُون وَأَصْل النَّزْغ الْفَسَاد
إِمَّا بِالْغَضَبِ أَوْ غَيْره قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن إِنَّ
الشَّيْطَان يَنْزَغ بَيْنهمْ
" وَالْعِيَاذ الِالْتِجَاء وَالِاسْتِنَاد وَالِاسْتِجَارَة مِنْ الشَّرّ وَأَمَّا الْمَلَاذ
فَفِي طَلَب الْخَيْر كَمَا قَالَ الْحَسَن بْن هَانِئ فِي شِعْره : يَا مَنْ أَلُوذ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلهُ
وَمَنْ أَعُوذ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرهُ لَا يَجْبُر النَّاس عَظْمًا أَنْتَ كَاسِره وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ
جَابِره وَقَدْ قَدَّمْنَا أَحَادِيث الِاسْتِعَاذَة فِي أَوَّل التَّفْسِير بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَاهُنَا .

إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ

يُخْبِر تَعَالَى عَنْ الْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَاده الَّذِينَ أَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَ وَتَرَكُوا مَا عَنْهُ زَجَرَ أَنَّهُمْ
إِذَا مَسَّهُمْ أَيْ أَصَابَهُمْ طَيْف وَقَرَأَ الْآخَرُونَ طَائِف وَقَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيث وَهُمَا قِرَاءَتَانِ
مَشْهُورَتَانِ فَقِيلَ بِمَعْنًى وَاحِد وَقِيلَ بَيْنهمَا فَرْق وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِالْغَضَبِ
وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِمَسِّ الشَّيْطَان بِالصَّرْعِ وَنَحْوه وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْهَمِّ بِالذَّنْبِ
وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِإِصَابَةِ الذَّنْب وَقَوْله تَذَكَّرُوا أَيْ عِقَاب اللَّه وَجَزِيل ثَوَابه وَوَعْده وَوَعِيده
فَتَابُوا وَأَنَابُوا وَاسْتَعَاذُوا بِاَللَّهِ وَرَجَعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَرِيب " فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" أَيْ قَدْ اِسْتَقَامُوا
وَصَحُّوا مِمَّا كَانُوا فِيهِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ هَاهُنَا حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو
عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : جَاءَتْ اِمْرَأَة إِلَى النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا طَيْف فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّه اُدْعُ اللَّه أَنْ يَشْفِينِي فَقَالَ
" إِنْ شِئْت دَعَوْت اللَّه فَشَفَاك وَإِنْ شِئْت فَاصْبِرِي وَلَا حِسَاب عَلَيْك " فَقَالَتْ :
بَلْ أَصْبِر وَلَا حِسَاب عَلَيَّ وَرَوَاهُ غَيْر وَاحِد مِنْ أَهْل السُّنَن وَعِنْدهمْ قَالَتْ :
يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُصْرَع وَأَتَكَشَّف فَادْعُ اللَّه أَنْ يَشْفِينِي فَقَالَ
" إِنْ شِئْت دَعَوْت اللَّه أَنْ يَشْفِيك وَإِنْ شِئْت صَبَرْت وَلَك الْجَنَّة "
فَقَالَتْ : بَلْ أَصْبِر وَلِيَ الْجَنَّة وَلَكِنْ اُدْعُ اللَّه أَنْ لَا أَتَكَشَّف فَدَعَا لَهَا فَكَانَتْ لَا تَتَكَشَّف
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه وَقَالَ صَحِيح عَلَى شَرْط مُسْلِم وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَقَدْ ذَكَرَ
الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة عَمْرو بْن جَامِع مِنْ تَارِيخه أَنَّ شَابًّا كَانَ يَتَعَبَّد فِي
الْمَسْجِد فَهَوِيَتْهُ اِمْرَأَة فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسهَا فَمَا زَالَتْ بِهِ حَتَّى كَادَ يَدْخُل مَعَهَا الْمَنْزِل
فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَة " إِنَّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِف مِنْ الشَّيْطَان تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ "
فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَأَعَادَهَا فَمَاتَ فَجَاءَ عُمَر فَعَزَّى فِيهِ أَبَاهُ وَكَانَ قَدْ دُفِنَ لَيْلًا
فَذَهَبَ فَصَلَّى عَلَى قَبْره بِمَنْ مَعَهُ ثُمَّ نَادَاهُ عُمَر فَقَالَ يَا فَتَى
" وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه جَنَّتَانِ " فَأَجَابَهُ الْفَتَى مِنْ دَاخِل الْقَبْر :
يَا عُمَر قَدْ أَعْطَانِيهِمَا رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّة مَرَّتَيْنِ . وَقَوْله تَعَالَى
" وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ" أَيْ وَإِخْوَان الشَّيَاطِين مِنْ الْإِنْس كَقَوْلِهِ
" إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَان الشَّيَاطِين " وَهُمْ أَتْبَاعهمْ وَالْمُسْتَمِعُونَ لَهُمْ الْقَابِلُونَ
لِأَوَامِرِهِمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ أَيْ تُسَاعِدهُمْ الشَّيَاطِين عَلَى الْمَعَاصِي وَتُسَهِّلهَا
عَلَيْهِمْ وَتُحَسِّنهَا لَهُمْ . وَقَالَ اِبْن كَثِير : الْمَدّ الزِّيَادَة يَعْنِي يَزِيدُونَهُمْ فِي الْغَيّ يَعْنِي
الْجَهْل وَالسَّفَه " ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ " قِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ الشَّيَاطِين تَمُدّ الْإِنْس لَا تُقَصِّر فِي
أَعْمَالهمْ بِذَلِكَ .

وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ

قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ " الْآيَة قَالَ لَا الْإِنْس يُقَصِّرُونَ عَمَّا
يَعْمَلُونَ وَلَا الشَّيَاطِين تُمْسِك عَنْهُمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَمَا رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس
فِي قَوْله " يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ " قَالَ هُمْ الْجِنّ يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ
مِنْ الْإِنْس ثُمَّ لَا يُقَصِّرُونَ يَقُول لَا يَسْأَمُونَ وَكَذَا قَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره إِنَّ الشَّيَاطِين
يَمُدُّونَ أَوْلِيَاءَهُمْ مِنْ الْإِنْس وَلَا تَسْأَم مِنْ إِمْدَادهمْ فِي الشَّرّ لِأَنَّ ذَلِكَ طَبِيعَة لَهُمْ
وَسَجِيَّة " لَا يُقْصِرُونَ " لَا تَفْتُر فِيهِ وَلَا تَبْطُل عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى " أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا
الشَّيَاطِين عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزّهُمْ أَزًّا
" قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره تُزْعِجهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي
إِزْعَاجًا .

وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ
رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ


قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى " قَالُوا لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا "
يَقُول لَوْلَا تَلَقَّيْتهَا وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى : لَوْلَا أَحْدَثْتهَا فَأَنْشَأْتهَا . وَقَالَ اِبْن جَرِير عَنْ عَبْد اللَّه
بْن كَثِير عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله " وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا " قَالَ لَوْلَا اِقْتَضَيْتهَا
قَالُوا تُخْرِجهَا عَنْ نَفْسك وَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ وَاخْتَارَهُ
اِبْن جَرِير وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا " يَقُول تَلَقَّيْتهَا مِنْ اللَّه تَعَالَى
وَقَالَ الضَّحَّاك " لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا " يَقُول لَوْلَا أَخَذْتهَا أَنْتَ فَجِئْت بِهَا مِنْ السَّمَاء وَمَعْنَى
قَوْله تَعَالَى " وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ" أَيْ مُعْجِزَة وَخَارِق كَقَوْلِهِ تَعَالَى
" إِنْ نَشَأْ نُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء آيَة فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ"
يَقُولُونَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تُجْهِد نَفْسك فِي طَلَب الْآيَات مِنْ اللَّه
حَتَّى تَرَاهَا وَتُؤْمِن بِهَا قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ " قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِع مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي "
أَيْ أَنَا لَا أَتَقَدَّم إِلَيْهِ تَعَالَى فِي شَيْء وَإِنَّمَا أَتَّبِع مَا أَمَرَنِي بِهِ فَأَمْتَثِل مَا يُوحِيه إِلَيَّ
فَإِنْ بَعَثَ آيَة قَبِلْتهَا وَإِنْ مَنَعَهَا لَمْ أَسْأَلهُ اِبْتِدَاء إِيَّاهَا إِلَّا أَنْ يَأْذَن لِي فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ
حَكِيم عَلِيم ثُمَّ أُرْشِدهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا الْقُرْآن هُوَ أَعْظَم الْمُعْجِزَات وَأَبْيَن الدَّلَالَات
وَأَصْدَق الْحُجَج وَالْبَيِّنَات فَقَالَ " هَذَا بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" .

وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

"وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا" عَنْ الْكَلَام "لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" نَزَلَتْ فِي تَرْك
فِي الْخُطْبَة وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْقُرْآنِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَقِيلَ فِي قِرَاءَة الْقُرْآن مُطْلَقًا.






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 11-12-2009, 01:29 AM
المشاركة 28

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )




وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ
الْغَافِلِينَ


يَأْمُر تَعَالَى بِذِكْرِهِ أَوَّل النَّهَار وَآخِره كَثِيرًا كَمَا أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ فِي قَوْله
" فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل الْغُرُوب " وَقَدْ كَانَ هَذَا قَبْل أَنْ تُفْرَض الصَّلَوَات
الْخَمْس لَيْلَة الْإِسْرَاء وَهَذِهِ الْآيَة مَكِّيَّة وَقَالَ هَاهُنَا بِالْغُدُوِّ وَهُوَ أَوَّل النَّهَار وَالْآصَال جَمْع
أَصِيل كَمَا أَنَّ الْأَيْمَان جَمْع يَمِين وَأَمَّا قَوْله " تَضَرُّعًا وَخِيفَة " أَيْ اُذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك رَغْبَة
وَرَهْبَة وَبِالْقَوْلِ لَا جَهْرًا وَلِهَذَا قَالَ " وَدُون الْجَهْر مِنْ الْقَوْل " وَهَكَذَا يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون الذِّكْر
, لَا يَكُون نِدَاء وَجَهْرًا بَلِيغًا وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا :
أَقَرِيب رَبّنَا فَنُنَاجِيه أَمْ بَعِيد فَنُنَادِيه ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ" وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيب أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي
" . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ قَالَ : رَفَعَ النَّاس أَصْوَاتهمْ بِالدُّعَاءِ فِي بَعْض الْأَسْفَار فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَيّهَا النَّاس ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّ الَّذِي
تَدْعُونَهُ سَمِيع قَرِيب أَقْرَب إِلَى أَحَدكُمْ مِنْ عُنُق رَاحِلَته
" وَقَدْ يَكُون الْمُرَاد مِنْ هَذِهِ الْآيَة
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى " وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا "
فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآن سَبُّوهُ وَسَبُّوا مَنْ أَنْزَلَهُ وَسَبُّوا مَنْ جَاءَ بِهِ فَأَمَرَهُ اللَّه
تَعَالَى أَنْ لَا يَجْهَر بِهِ لِئَلَّا يَنَال مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ وَلَا يُخَافِت بِهِ عَنْ أَصْحَابه فَلَا يُسْمِعهُمْ وَلْيَتَّخِذْ
سَبِيلًا بَيْن الْجَهْر وَالْإِسْرَار وَكَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة" وَدُون الْجَهْر مِنْ الْقَوْل بِالْغُدُوِّ
وَالْآصَال وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ
" وَقَدْ زَعَمَ اِبْن جَرِير وَقَبْله عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ أَنَّ
الْمُرَاد بِهَا أَمْر السَّامِع لِلْقُرْآنِ فِي حَال اِسْتِمَاعه بِالذِّكْرِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَة وَهَذَا بَعِيد
مُنَافٍ لِلْإِنْصَاتِ الْمَأْمُور بِهِ ثُمَّ إِنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ فِي الصَّلَاة كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ فِي الصَّلَاة وَالْخُطْبَة
وَمَعْلُوم أَنَّ الْإِنْصَات إِذْ ذَاكَ أَفْضَل مِنْ الذِّكْر بِاللِّسَانِ سَوَاء كَانَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا فَهَذَا الَّذِي
قَالَاهُ لَمْ يُتَابَعَا عَلَيْهِ بَلْ الْمُرَاد الْحَضّ عَلَى كَثْرَة الذِّكْر مِنْ الْعِبَاد بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال لِئَلَّا يَكُونُوا
مِنْ الْغَافِلِينَ وَلِهَذَا مَدَحَ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتُرُونَ .

إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ

قَالَ " إِنَّ الَّذِينَ عِنْد رَبّك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته " الْآيَة وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمْ بِهَذَا لِيُقْتَدَى بِهِمْ
فِي كَثْرَة طَاعَتهمْ وَعِبَادَتهمْ وَلِهَذَا شُرِعَ لَنَا السُّجُود هَاهُنَا لَمَّا ذُكِرَ سُجُودهمْ لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث " أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَة عِنْد رَبّهَا يُتِمُّونَ الصُّفُوف الْأَوَّل
فَالْأَوَّل وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفّ
" وَهَذِهِ أَوَّل سَجْدَة فِي الْقُرْآن مِمَّا يُشْرَع لِتَالِيهَا وَمُسْتَمِعهَا
السُّجُود بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيث رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء عَنْ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَدَّهَا فِي سَجَدَات الْقُرْآن. آخِر تَفْسِير سُورَة الْأَعْرَاف وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّة .


" تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ الْإعْرافْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ".




عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 11-12-2009, 09:51 PM
المشاركة 29
 

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )
يجزاك الله كل خير ..{ أم فهد..~
بارك الله فيك على التفسير الميسر والواضح وبترتيب جميل
أثابك الله على كل ماتقدمينه من جهود واضحة وملحوظه
غفر الله ذنبك ورفع قدرك وأزاح همك وغفر لابنك وأسكنه الفردوس الأعلى
دمت برضى الرحمن ..





[أسأل الله رب العرش العظيم ...
أن يغفر لوالدي ويجعله في روضةمن رياض الجنة ]
قديم 11-12-2009, 10:45 PM
المشاركة 30
النداوي
عضو عطاءه غير
  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )
مشكورة الف شكر

[



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة المائدة ) | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 35 20-12-2009 01:41 AM
تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة النساء ) | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 46 20-12-2009 01:38 AM
تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأنعام ) | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 32 20-12-2009 01:35 AM
وقــفــة مــع اسماء ســـور الــقــرآن الـكــريــم التمساح14 ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 26 25-07-2008 05:56 PM

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 04:25 PM.