قديم 05-11-2009, 02:34 PM
المشاركة 2

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ

يَقُول تَعَالَى مُخَاطِبًا لِإِبْلِيس بِأَمْرٍ قَدَرِيّ كَوْنِيّ { فَاهْبِطْ مِنْهَا } أَيْ بِسَبَبِ عِصْيَانك لِأَمْرِي
وَخُرُوجك عَنْ طَاعَتِي فَمَا يَكُون لَك أَنْ تَتَكَبَّر فِيهَا قَالَ كَثِير مِنْ الْمُفَسِّرِينَ الضَّمِير عَائِد
إِلَى الْجَنَّة وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَائِدًا إِلَى الْمَنْزِلَة الَّتِي هُوَ فِيهَا فِي الْمَلَكُوت الْأَعْلَى
{ فَاخْرُجْ إِنَّك مِنْ الصَّاغِرِينَ } أَيْ الذَّلِيلِينَ الْحَقِيرِينَ مُعَامَلَة لَهُ بِنَقِيضِ قَصْده وَمُكَافَأَة لِمُرَادِهِ
بِضِدِّهِ فَعِنْد ذَلِكَ اِسْتَدْرَكَ اللَّعِين وَسَأَلَ النَّظِرَة إِلَى يَوْم الدِّين .

قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

قَالَ { أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّك مِنْ الْمُنْظَرِينَ } أَجَابَهُ تَعَالَى إِلَى مَا سَأَلَ لِمَا لَهُ
فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة وَالْإِرَادَة وَالْمَشِيئَة الَّتِي لَا تُخَالَف وَلَا تُمَانَع وَلَا مُعَقِّب لِحُكْمِهِ
{ وَهُوَ سَرِيع الْحِسَاب } .

قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ

قَالَ { أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّك مِنْ الْمُنْظَرِينَ } أَجَابَهُ تَعَالَى إِلَى مَا سَأَلَ لِمَا لَهُ
فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة وَالْإِرَادَة وَالْمَشِيئَة الَّتِي لَا تُخَالَف وَلَا تُمَانَع وَلَا مُعَقِّب لِحُكْمِهِ
{ وَهُوَ سَرِيع الْحِسَاب } .

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ

يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا أَنْظَرَ إِبْلِيس { إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } وَاسْتَوْثَقَ إِبْلِيس بِذَلِكَ أَخَذَ فِي الْمُعَانَدَة
وَالتَّمَرُّد فَقَالَ { فَبِمَا أَغْوَيْتنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطك الْمُسْتَقِيم } أَيْ كَمَا أَغْوَيْتنِي قَالَ اِبْن
عَبَّاس كَمَا أَضْلَلْتنِي وَقَالَ غَيْره كَمَا أَهْلَكْتنِي لَأَقْعُدَنَّ لِعِبَادِك الَّذِينَ تَخْلُقهُمْ مِنْ ذُرِّيَّة هَذَا
الَّذِي أَبْعَدْتنِي بِسَبَبِهِ عَلَى { صِرَاطك الْمُسْتَقِيم } أَيْ طَرِيق الْحَقّ وَسَبِيل النَّجَاة وَلَأُضِلَّنَّهُمْ
عَنْهَا لِئَلَّا يَعْبُدُوك وَلَا يُوَحِّدُوك بِسَبَبِ إِضْلَالك إِيَّايَ وَقَالَ بَعْض النُّحَاة الْبَاء هُنَا قَسَمِيَّة كَأَنَّهُ
يَقُول فَبِأَغْوَائِك إِيَّايَ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطك الْمُسْتَقِيم . قَالَ مُجَاهِد صِرَاطك الْمُسْتَقِيم يَعْنِي
الْحَقّ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن سُوقَة عَنْ عَوْن بْن عَبْد اللَّه يَعْنِي طَرِيق مَكَّة قَالَ اِبْن جَرِير الصَّحِيح
أَنَّ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ . { قُلْت } لِمَا رَوَى الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم
حَدَّثَنَا أَبُو عُقَيْل يَعْنِي الثَّقَفِيّ عَبْد اللَّه بْن عُقَيْل حَدَّثَنَا مُوسَى بْن الْمُسَيِّب أَخْبَرَنِي سَالِم
بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ سَبْرَة بْن أَبِي الْفَاكِه قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُول{ إِنَّ الشَّيْطَان قَعَدَ لِابْنِ آدَم بِطُرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَام فَقَالَ أَتُسْلِمُ وَتَذَر دِينك
وَدِين آبَائِك قَالَ فَعَصَاهُ وَأَسْلَمَ
} قَالَ { قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَة فَقَالَ أَتُهَاجِرُ وَتَدَع أَرْضك وَسَمَاءَك
وَإِنَّمَا مَثَل الْمُهَاجِر كَالْفَرَسِ فِي الطُّول فَعَصَاهُ وَهَاجَرَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَاد وَهُوَ جِهَاد
النَّفْس وَالْمَال فَقَالَ : تُقَاتِل فَتُقْتَل فَتُنْكَح الْمَرْأَة وَيُقْسَم الْمَال قَالَ فَعَصَاهُ وَجَاهَدَ
}.
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاتَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّه
أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة وَإِنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّه أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّه
أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّة كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّه أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة
} .

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ
شَاكِرِينَ


{ثُمَّ لَآتِيَنهمْ مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ وَمِنْ خَلْفهمْ وَعَنْ أَيْمَانهمْ وَعَنْ شَمَائِلهمْ} أَيْ مِنْ كُلّ جِهَة
فَأَمْنَعهُمْ عَنْ سُلُوكه قَالَ ابْن عَبَّاس وَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَأْتِي مِنْ فَوْقهمْ لِئَلَّا يَحُول بَيْن الْعَبْد
وَبَيْن رَحْمَة اللَّه تَعَالَى {وَلَا تَجِد أَكْثَرهمْ شَاكِرِينَ} مُؤْمِنِينَ.

قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ

أَكَّدَ تَعَالَى عَلَيْهِ اللَّعْنَة وَالطَّرْد وَالْإِبْعَاد وَالنَّفْي عَنْ مَحَلّ الْمَلَأ الْأَعْلَى بِقَوْلِهِ
{ اُخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا } قَالَ اِبْن جَرِير أَمَّا الْمَذْءُوم فَهُوَ الْمَعِيب وَالذَّأْم غَيْر مُشَدَّد
الْعَيْب يُقَال ذَأَمَهُ يَذْأَمهُ ذَأْمًا فَهُوَ مَذْءُوم وَيَتْرُكُونَ الْهَمْز فَيَقُول ذُمْته أُذِيمُهُ ذَيْمًا وَذَامًّا وَالذَّامّ
وَالذَّيْم أَبْلَغ فِي الْعَيْب مِنْ الذَّمّ . قَالَ وَالْمَدْحُور الْمَقْصِيّ وَهُوَ الْمُبْعَد الْمَطْرُود وَقَالَ :
عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ مَا نَعْرِف الْمَذْءُوم وَالْمَذْمُوم إِلَّا وَاحِدًا وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ
عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ التَّمِيمِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس { اُخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا }
قَالَ مَقِيتًا وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس صَغِيرًا مَقِيتًا وَقَالَ السُّدِّيّ مَقِيتًا
مَطْرُودًا وَقَالَ قَتَادَة لَعِينًا مَقِيتًا وَقَالَ مُجَاهِد مَنْفِيًّا مَطْرُودًا وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس مَذْءُومًا مَنْفِيًّا
وَالْمَدْحُور الْمُصَغَّر . وَقَوْله تَعَالَى { لَمَنْ تَبِعَك مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ } كَقَوْلِهِ
{ قَالَ اِذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَك مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّم جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَوْفُورًا وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت
مِنْهُمْ بِصَوْتِك وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجِلِك وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَعِدْهُمْ وَمَا
يَعِدهُمْ الشَّيْطَان إِلَّا غُرُورًا إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان وَكَفَى بِرَبِّك وَكِيلًا
} .

وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ

يَذْكُر تَعَالَى أَنَّهُ أَبَاحَ لِآدَم وَلِزَوْجَتِهِ حَوَّاء الْجَنَّة أَنْ يَأْكُلَا مِنْهَا مِنْ جَمِيع ثِمَارهَا إِلَّا شَجَرَة
وَاحِدَة وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَة الْبَقَرَة .

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا
عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ


عِنْد ذَلِكَ حَسَدَهُمَا الشَّيْطَان وَسَعَى فِي الْمَكْر وَالْوَسْوَسَة وَالْخَدِيعَة لِيَسْلُبهُمَا مَا هُمَا
فِيهِ مِنْ النِّعْمَة وَاللِّبَاس الْحَسَن وَقَالَ كَذِبًا وَافْتِرَاء { مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة
إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ
} أَيْ لِئَلَّا تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ خَالِدَيْنِ هَاهُنَا وَلَوْ أَنَّكُمَا أَكَلْتُمَا مِنْهَا لَحَصَلَ
لَكُمَا ذَلِكُمَا كَقَوْلِهِ { قَالَ يَا آدَم هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد وَمُلْك لَا يَبْلَى } أَيْ لِئَلَّا تَكُونَا
مَلَكَيْنِ كَقَوْلِهِ { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أَيْ لِئَلَّا تَضِلُّوا
{ وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِي أَنْ تَمِيد بِكُمْ } أَيْ لِئَلَّا تَمِيد بِكُمْ . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس وَيَحْيَى
بْن أَبِي كَثِير يَقْرَآنِ { إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلِكَيْنِ } بِكَسْرِ اللَّام وَقَرَأَهُ الْجُمْهُور بِفَتْحِهَا .

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ

{ وَقَاسَمَهُمَا} أَيْ حَلَفَ لَهُمَا بِاَللَّهِ { إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ} فَإِنِّي مِنْ قَبْلكُمَا هَاهُنَا
وَأَعْلَم بِهَذَا الْمَكَان وَهَذَا مِنْ بَاب الْمُفَاعَلَة وَالْمُرَاد أَحَد الطَّرَفَيْنِ كَمَا قَالَ خَالِد بْن زُهَيْر
بْن عَمّ أَبِي ذُؤَيْب . وَقَاسَمَهُمْ بِاَللَّهِ جَهْدًا لَأَنْتُمْ أَلَذّ مِنْ السَّلْوَى إِذْ مَا نُشُورهَا أَيْ حَلَفَ
لَهُمَا بِاَللَّهِ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَدَعَهُمَا وَقَدْ يُخْدَع الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ وَقَالَ قَتَادَة فِي الْآيَة حَلَفَ
بِاَللَّهِ إِنِّي خُلِقْت قَبْلكُمَا وَأَنَا أَعْلَم مِنْكُمَا فَاتَّبِعَانِّ أُرْشِدكُمَا وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم يَقُول
مَنْ خَدَعَنَا بِاَللَّهِ اِنْخَدَعْنَا لَهُ .

فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ
الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ
مُبِينٌ


قَالَ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ :
كَانَ آدَم رَجُلًا طِوَالًا كَأَنَّهُ نَخْلَة سَحُوق كَثِير شَعْر الرَّأْس فَلَمَّا وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ
الْخَطِيئَة بَدَتْ لَهُ عَوْرَته عِنْد ذَلِكَ وَكَانَ لَا يَرَاهَا فَانْطَلَقَ هَارِبًا فِي الْجَنَّة فَتَعَلَّقَتْ بِرَأْسِهِ
شَجَرَة مِنْ شَجَر الْجَنَّة فَقَالَ لَهَا أَرْسِلِينِي فَقَالَتْ : إِنِّي غَيْر مُرْسِلَتك فَنَادَاهُ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ
يَا آدَم أَمِنِّي تَفِرّ قَالَ يَا رَبّ إِنِّي اِسْتَحَيْتُك . وَقَدْ رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُق عَنْ
الْحَسَن عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوف أَصَحّ
إِسْنَادًا وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَنْبَأَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَابْن الْمُبَارَك أَنْبَأَنَا الْحَسَن بْن عُمَارَة
عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ كَانَتْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَى
اللَّه عَنْهَا آدَم وَزَوْجَته السُّنْبُلَة فَلَمَّا أَكَلَا مِنْهَا بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا وَكَانَ الَّذِي وَارَى
عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتهمَا أَظْفَارهمَا{ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة } وَرَق التِّين
يُلْزِقَانِ بَعْضه إِلَى بَعْض فَانْطَلَقَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام مُوَلِّيًا فِي الْجَنَّة فَعَلِقَتْ بِرَأْسِهِ شَجَرَة
مِنْ الْجَنَّة فَنَادَاهُ اللَّه يَا آدَم أَمِنِّي تَفِرّ ؟ قَالَ لَا وَلَكِنِّي اِسْتَحَيْتُك يَا رَبّ قَالَ : أَمَا كَانَ لَك
فِيمَا مَنَحْتُك مِنْ الْجَنَّة وَأَبَحْتُك مِنْهَا مَنْدُوحَة عَمَّا حَرَّمْت عَلَيْك قَالَ :
بَلَى رَبّ وَلَكِنْ وَعِزَّتك مَا حَسِبْت أَنَّ أَحَدًا يَحْلِف بِك كَاذِبًا قَالَ وَهُوَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
{ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } .
قَالَ فَبِعِزَّتِي لَأُهْبِطَنَّك إِلَى الْأَرْض ثُمَّ لَا تَنَال الْعَيْش إِلَّا كَدًّا قَالَ فَأُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّة وَكَانَا
يَأْكُلَانِ مِنْهَا رَغَدًا فَأُهْبِطَ إِلَى غَيْر رَغَد مِنْ طَعَام وَشَرَاب فَعُلِّمَ صَنْعَة الْحَدِيد وَأُمِرَ بِالْحَرْثِ
فَحَرَثَ وَزَرَعَ ثُمَّ سَقَى حَتَّى إِذَا بَلَغَ حَصَدَ ثُمَّ دَاسَهُ ثُمَّ ذَرَاهُ ثُمَّ طَحَنَهُ ثُمَّ عَجَنَهُ ثُمَّ خَبَزَهُ
ثُمَّ أَكَلَهُ فَلَمْ يَبْلُغهُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَبْلُغ . وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى
عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس
{ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة } قَالَ وَرَق التِّين صَحِيح إِلَيْهِ وَقَالَ مُجَاهِد جَعَلَا
يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة قَالَ كَهَيْئَةِ الثَّوْب وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه فِي قَوْله
{ يَنْزِع عَنْهُمَا لِبَاسهمَا } قَالَ كَانَ لِبَاس آدَم وَحَوَّاء نُورًا عَلَى فُرُوجهمَا لَا يَرَى هَذَا عَوْرَة
هَذِهِ وَلَا هَذِهِ عَوْرَة هَذَا فَلَمَّا أَكَلَا مِنْ الشَّجَرَة بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا . رَوَاهُ اِبْن جَرِير بِسَنَدٍ
صَحِيح إِلَيْهِ وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ : قَالَ آدَم أَيْ رَبّ أَرَأَيْت إِنْ تُبْت
وَاسْتَغْفَرْت قَالَ : إِذًا أُدْخِلك الْجَنَّة وَأَمَّا إِبْلِيس فَلَمْ يَسْأَلهُ التَّوْبَة وَسَأَلَهُ النَّظِرَة فَأُعْطِيَ
كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا الَّذِي سَأَلَهُ وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا الْقَاسِم حَدَّثَنَا الْحُسَيْن حَدَّثَنَا عَبَّاد
بْن الْعَوَّام عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن
عَبَّاس قَالَ لَمَّا أَكَلَ آدَم مِنْ الشَّجَرَة قِيلَ لَهُ لِمَ أَكَلْت مِنْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَيْتُك عَنْهَا ؟
قَالَ : حَوَّاء أَمَرَتْنِي قَالَ : فَإِنِّي قَدْ أَعْقَبْتهَا أَنْ لَا تَحْمِل إِلَّا كُرْهًا وَلَا تَضَع إِلَّا كُرْهًا قَالَ فَرَنَّتْ
عِنْد ذَلِكَ حَوَّاء فَقِيلَ لَهَا الرَّنَّة عَلَيْك وَعَلَى وَلَدك .






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 05-11-2009, 03:00 PM
المشاركة 3

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَا رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ }
وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ آدَم وَحَوَّاء فِيمَا أَجَابَاهُ بِهِ , وَاعْتِرَافهمَا عَلَى
أَنْفُسهمَا بِالذَّنْبِ , وَمَسْأَلَتهمَا إِيَّاهُ الْمَغْفِرَة مِنْهُ وَالرَّحْمَة , خِلَاف جَوَاب اللَّعِين إِبْلِيس إِيَّاهُ.
وَمَعْنَى قَوْله : { قَالَا رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا } قَالَ آدَم وَحَوَّاء لِرَبِّهِمَا : يَا رَبّنَا فَعَلْنَا بِأَنْفُسِنَا مِنْ
الْإِسَاءَة إِلَيْهَا بِمَعْصِيَتِك وَخِلَاف أَمْرك وَبِطَاعَتِنَا عَدُوّنَا وَعَدُوّك , فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُطِيعهُ
فِيهِ مِنْ أَكْل الشَّجَرَة الَّتِي نَهَيْتنَا عَنْ أَكْلِهَا. { وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا } يَقُول : وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَسْتُر
عَلَيْنَا ذَنْبنَا فَتُغَطِّيه عَلَيْنَا , وَتَتْرُك فَضِيحَتنَا بِهِ بِعُقُوبَتِك إِيَّانَا عَلَيْهِ , وَتَرْحَمنَا بِتَعَطُّفِك عَلَيْنَا
وَتَرْكك أَخْذنَا بِهِ ; { لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } يَعْنِي : لَنَكُونَنَّ مِنْ الْهَالِكِينَ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى
الْخَاسِر فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ وَالرِّوَايَة فِيهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . 11207 -
حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ :
قَالَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام : يَا رَبّ , أَرَأَيْت إِنْ تُبْت وَاسْتَغْفَرْتُك ؟ قَالَ : إذًا أُدْخِلك الْجَنَّة !
وَأَمَّا إِبْلِيس فَلَمْ يَسْأَلهُ التَّوْبَة , وَسَأَلَ النَّظِرَة , فَأُعْطِيَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَا سَأَلَ . 11208 -
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك
فِي قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا } الْآيَة , قَالَ : هِيَ الْكَلِمَات الَّتِي تَلَقَّاهَا
آدَم مِنْ رَبّه .

قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ اِهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى
ذِكْرهُ عَنْ فِعْله بِإبْلِيس , وَذُرِّيَّته وَآدَم وَوَلَده وَالْحَيَّة , يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِآدَم وَحَوَّاء وَإِبْلِيس
وَالْحَيَّة : اِهْبِطُوا مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ. كَمَا : 11209 - حَدَّثَنَا اِبْن
وَكِيع , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن طَلْحَة , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ }
قَالَ : فَلَعَنَ الْحَيَّة , وَقَطَعَ قَوَائِمهَا , وَتَرَكَهَا تَمْشِي عَلَى بَطْنهَا , وَجَعَلَ رِزْقهَا مِنْ التُّرَاب
وَأُهْبِطُوا إِلَى الْأَرْض , آدَم وَحَوَّاء وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة. 11210 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ :
ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي عَوَانَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سَالِم , عَنْ أَبِي صَالِح :
{ اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم وَحَوَّاء وَالْحَيَّة .

وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ

وَقَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } يَقُول : وَلَكُمْ يَا آدَم وَحَوَّاء وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة , فِي الْأَرْض
قَرَار تَسْتَقِرُّونَهُ وَفِرَاش تَمْتَهِدُونَهُ . كَمَا : 11211 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ :
ثنا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله :
{ وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : هُوَ قَوْله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض فِرَاشًا } 2 22 وَرُوِيَ
عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 11212 - حَدَّثَنَا عَنْ عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ
عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : الْقُبُور.
قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ آدَم وَحَوَّاء
وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة إِذْ أُهْبِطُوا إِلَى الْأَرْض , أَنَّهُمْ عَدُوّ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , وَأَنَّ لَهُمْ فِيهَا مُسْتَقَرًّا
يَسْتَقِرُّونَ فِيهِ , وَلَمْ يُخَصِّصهَا بِأَنَّ لَهُمْ فِيهَا مُسْتَقَرًّا فِي حَال حَيَاتهمْ دُون حَال مَوْتهمْ
بَلْ عَمَّ الْخَبَر عَنْهَا بِأَنَّ لَهُمْ فِيهَا مُسْتَقَرًّا , فَذَلِكَ عَلَى عُمُومه كَمَا عَمَّ خَبَر اللَّه , وَلَهُمْ
فِيهَا مُسْتَقَرّ فِي حَيَاتهمْ عَلَى ظَهْرهَا وَبَعْد وَفَاتهمْ فِي بَطْنهَا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :
{ أَلَمْ نَجْعَل الْأَرْض كِفَاتًا أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا } 77 25 : 26

وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ

وَأَمَّا قَوْله : { وَمَتَاع إِلَى حِين } فَإِنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَكُمْ فِيهَا مَتَاع تَسْتَمْتِعُونَ بِهِ إِلَى
اِنْقِطَاع الدُّنْيَا , وَذَلِكَ هُوَ الْحِين الَّذِي ذَكَرَهُ . كَمَا : 11213 - حَدَّثَنَا عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن
مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس :
{ وَمَتَاع إِلَى حِين } قَالَ : إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِلَى اِنْقِطَاع الدُّنْيَا . وَالْحِين نَفْسه الْوَقْت
غَيْر أَنَّهُ مَجْهُول الْقَدْر , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَمَا مِرَاحك بَعْد الْحِلْم وَالدِّين وَقَدْ
عَلَاك مَشِيب حِين لَا حِين أَيْ وَقْت لَا وَقْت .

قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ اللَّه لِلَّذِينَ أَهْبَطَهُمْ مِنْ سَمَاوَاتِهِ إِلَى أَرْضه : { فِيهَا تَحْيَوْنَ }
يَقُول : فِي الْأَرْض تَحْيَوْنَ , يَقُول : تَكُونُونَ فِيهَا أَيَّام حَيَاتكُمْ , { وَفِيهَا تَمُوتُونَ } يَقُول
فِي الْأَرْض تَكُون وَفَاتكُمْ , { وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } : يَقُول : وَمِنْ الْأَرْض يُخْرِجكُمْ رَبّكُمْ
وَيَحْشُركُمْ إِلَيْهِ لِبَعْثِ الْقِيَامَة أَحْيَاء .

يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ
آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ


يَمْتَنّ تَعَالَى عَلَى عِبَاده بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ اللِّبَاس وَالرِّيش فَاللِّبَاس سَتْر الْعَوْرَات وَهِيَ
السَّوْآت وَالرِّيَاش وَالرِّيش مَا يُتَجَمَّل بِهِ ظَاهِرًا فَالْأَوَّل مِنْ الضَّرُورِيَّات وَالرِّيش مِنْ التَّكْمِلَات
وَالزِّيَادَات قَالَ اِبْن جَرِير الرِّيَاش فِي كَلَام الْعَرَب الْأَثَاث وَمَا ظَهَرَ مِنْ الثِّيَاب وَقَالَ عَلِيّ بْن
أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس وَحَكَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْهُ الرِّيَاش الْمَال . وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَعُرْوَة
بْن الزُّبَيْر وَالسُّدِّيّ وَالضَّحَّاك وَغَيْر وَاحِد وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس الرِّيش اللِّبَاس
وَالْعَيْش وَالنَّعِيم وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ الرِّيَاش الْجَمَال وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا
يَزِيد بْن هَارُون حَدَّثَنَا أَصْبَغ عَنْ أَبِي الْعَلَاء الشَّامِيّ قَالَ لَبِسَ أَبُو أُمَامَةَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَلَمَّا
بَلَغَ تَرْقُوَته قَالَ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّل بِهِ فِي حَيَاتِي ثُمَّ قَالَ
سَمِعْت عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُول قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اِسْتَجَدَّ
ثَوْبًا فَلَبِسَهُ فَقَالَ حِين يَبْلُغ تَرْقُوَته الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّل
بِهِ فِي حَيَاتِي ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْب الْخَلِق فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي ذِمَّة اللَّه وَفِي جِوَار اللَّه
وَفِي كَنَف اللَّه حَيًّا وَمَيِّتًا
} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَة يَزِيد بْن هَارُون عَنْ أَصْبَغ هُوَ
اِبْن زَيْد الْجُهَنِيّ وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْن مَعِين وَغَيْره وَشَيْخه أَبُو الْعَلَاء الشَّامِيّ لَا يُعْرَف إِلَّا
بِهَذَا الْحَدِيث وَلَكِنْ لَمْ يُخَرِّجهُ أَحَد وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
عُبَيْد حَدَّثَنَا مُخْتَار بْن نَافِع التَّمَّار عَنْ أَبِي مَطَر أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَتَى غُلَامًا
حَدَثًا فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِم وَلَبِسَهُ مَا بَيْن الرُّسْغَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ يَقُول حِين
لَبِسَهُ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي مِنْ الرِّيَاش مَا أَتَجَمَّل بِهِ فِي النَّاس وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي
فَقِيلَ هَذَا شَيْء تَرْوِيه عَنْ نَفْسك أَوْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا شَيْء
سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول عِنْد الْكِسْوَة{ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي
مِنْ الرِّيَاش مَا أَتَجَمَّل بِهِ فِي النَّاس وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي
} . رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد وَقَوْله تَعَالَى
{ وَلِبَاس التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر } قَرَأَ بَعْضهمْ وَلِبَاس التَّقْوَى بِالنَّصْبِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى
الِابْتِدَاء وَذَلِكَ خَيْر خَبَره وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ عِكْرِمَة يُقَال هُوَ مَا يَلْبَسهُ
الْمُتَقَوِّم يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ زَيْد بْن عَلِيّ وَالسُّدِّيّ وَقَتَادَة وَابْن جُرَيْج
وَلِبَاس التَّقْوَى الْإِيمَان وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس الْعَمَل الصَّالِح قَالَ الدَّيَّال بْن عَمْرو
عَنْ اِبْن عَبَّاس هُوَ السَّمْت الْحَسَن فِي الْوَجْه وَعَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر لِبَاس التَّقْوَى خَشْيَة
اللَّه وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ وَلِبَاس التَّقْوَى يَتَّقِي اللَّه فَيُوَارِي عَوْرَته فَذَاكَ
لِبَاس التَّقْوَى وَكُلّهَا مُتَقَارِبَة وَيُؤَيِّد ذَلِكَ الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ اِبْن جَرِير حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل عَنْ سُلَيْمَان بْن أَرْقَم
عَنْ الْحَسَن قَالَ : رَأَيْت عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى مِنْبَر رَسُول اللَّه ..
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ قَمِيص فَوَهِيَ مَحْلُول الزِّرّ وَسَمِعْته يَأْمُر بِقَتْلِ الْكِلَاب وَيَنْهَى
عَنْ اللَّعِب بِالْحَمَامِ ثُمَّ قَالَ يَا أَيّهَا النَّاس اِتَّقُوا اللَّه فِي هَذِهِ السَّرَائِر فَإِنِّي سَمِعْت
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول { وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَسَرَّ أَحَد سَرِيرَة
إِلَّا أَلْبَسَهُ اللَّه رِدَاءَهَا عَلَانِيَة إِنْ خَيْرًا فَخَيْر وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ
} .
ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة { وَرِيشًا وَلِبَاس التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر ذَلِكَ مِنْ آيَات اللَّه }
قَالَ السَّمْت الْحَسَن . هَكَذَا رَوَاهُ اِبْن جَرِير مِنْ رِوَايَة سُلَيْمَان بْن أَرْقَم وَفِيهِ ضَعْف وَقَدْ
رَوَى الْأَئِمَّة الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الْأَدَب مِنْ طُرُق صَحِيحَة عَنْ الْحَسَن
الْبَصْرِيّ أَنَّهُ سَمِعَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان بْن عَفَّان يَأْمُر بِقَتْلِ الْكِلَاب وَذَبْح الْحَمَام يَوْم
الْجُمُعَة عَلَى الْمِنْبَر وَأَمَّا الْمَرْفُوع مِنْهُ فَقَدْ رَوَى الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه
الْكَبِير لَهُ شَاهِدًا مِنْ وَجْه آخَر حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا .

يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا
سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا


يُحَذِّر تَعَالَى بَنِي آدَم مِنْ إِبْلِيس وَقَبِيله مُبَيِّنًا لَهُمْ عَدَاوَته الْقَدِيمَة لِأَبِي الْبَشَر آدَم عَلَيْهِ
السَّلَام فِي سَعْيه فِي إِخْرَاجه مِنْ الْجَنَّة الَّتِي هِيَ دَار النَّعِيم إِلَى دَار التَّعَب وَالْعَنَاء
وَالتَّسَبُّب فِي هَتْك عَوْرَته بَعْدَمَا كَانَتْ مَسْتُورَة عَنْهُ وَمَا هَذَا إِلَّا عَنْ عَدَاوَة أَكِيدَة وَهَذَا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّته أَوْلِيَاء مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } .

وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ
أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهَا
قُلْ إِنَّ اللَّه لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ
} ذُكِرَ أَنَّ مَعْنَى الْفَاحِشَة
فِي هَذَا الْمَوْضِع , مَا : 11247 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد بْن مَسْرُوق الْكِنْدِيّ , قَالَ :
ثنا أَبُو مُحَيَّاة عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد :
{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهَا } قَالَ : كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ
عُرَاة , يَقُولُونَ : نَطُوف كَمَا وَلَدَتْنَا أُمَّهَاتنَا , فَتَضَع الْمَرْأَة عَلَى قُبُلهَا النِّسْعَة أَوْ الشَّيْء
فَتَقُول : الْيَوْم يَبْدُو بَعْضه أَوْ كُلّه فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلّهُ 11248 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ :
ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله :
{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا } فَاحِشَتهمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة .
* حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ مُفَضَّل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد ,
مِثْله. 11249 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب
عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالشَّعْبِيّ : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا } قَالَ :
كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة . 11250 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ :
ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ :
{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهَا } قَالَ : كَانَ قَبِيلَة مِنْ الْعَرَب
مِنْ أَهْل الْيَمَن يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة , فَإِذَا قِيلَ : لِمَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا :
وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا , وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهَا . 11251 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز ,
قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس :
{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة } قَالَ : طَوَافهمْ بِالْبَيْتِ عُرَاة . * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ :
ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد :
{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا } قَالَ : فِي طَوَاف الْحُمْس فِي الثِّيَاب
وَغَيْرهمْ عُرَاة . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج
عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا } قَالَ : كَانَ نِسَاؤُهُمْ
يَطُفْنَ بِالْبَيْتِ عُرَاة , فَتِلْكَ الْفَاحِشَة الَّتِي وَجَدُوا عَلَيْهَا آبَاءَهُمْ
{ قُلْ إِنَّ اللَّه لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ } الْآيَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَإِذَا فَعَلَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِاَللَّهِ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّه الشَّيَاطِين لَهُمْ أَوْلِيَاء قَبِيحًا مِنْ الْفِعْل وَهُوَ الْفَاحِشَة , وَذَلِكَ
تَعَرِّيهمْ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَتَجَرُّدهمْ لَهُ , فَعُذِلُوا عَلَى مَا أَتَوْا مِنْ قَبِيح فِعْلهمْ وَعُوتِبُوا عَلَيْهِ ,
قَالُوا : وَجَدْنَا عَلَى مِثْل مَا نَفْعَل آبَاءَنَا , فَنَحْنُ نَفْعَل مِثْل مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ , وَنَقْتَدِي
بِهَدْيِهِمْ وَنَسْتَنّ بِسُنَّتِهِمْ , وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهِ , فَنَحْنُ نَتَّبِع أَمْرَهُ فِيهِ , يَقُول اللَّه جَلَّ ذِكْره
لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لَهُمْ :
إِنَّ اللَّه لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ , يَقُول : لَا يَأْمُر خَلْقه بِقَبَائِح الْأَفْعَال وَمَسَاوِيهَا , أَتَقُولُونَ
أَيّهَا النَّاس عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ ! يَقُول : أَتَرْوُونَ عَلَى اللَّه أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالتَّعَرِّي
وَالتَّجَرُّد مِنْ الثِّيَاب وَاللِّبَاس لِلطَّوَافِ , وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ .

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا
بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ


قَوْله تَعَالَى { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } أَيْ بِالْعَدْلِ وَالِاسْتِقَامَة { وَأَقِيمُوا وُجُوهكُمْ عِنْد كُلّ
مَسْجِد وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين
} أَيْ أَمَرَكُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ فِي عِبَادَته فِي مَحَالّهَا وَهِيَ
مُتَابَعَة الْمُرْسَلِينَ الْمُؤَيَّدِينَ بِالْمُعْجِزَاتِ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ اللَّه وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ الشَّرَائِع
وَبِالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي عِبَادَته فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَتَقَبَّل الْعَمَل حَتَّى يَجْمَع هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ أَنْ يَكُون
صَوَابًا مُوَافِقًا لِلشَّرِيعَةِ وَأَنْ يَكُون خَالِصًا مِنْ الشِّرْك . وَقَوْله تَعَالَى { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }
إِلَى قَوْله { الضَّلَالَة} اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } فَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح
عَنْ مُجَاهِد {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } يُحْيِيكُمْ بَعْد مَوْتكُمْ . وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ كَمَا بَدَأَكُمْ
فِي الدُّنْيَا كَذَلِكَ تَعُودُونَ يَوْم الْقِيَامَة أَحْيَاء وَقَالَ قَتَادَة { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }
قَالَ بَدَأَ فَخَلَقَهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا شَيْئًا ثُمَّ ذَهَبُوا ثُمَّ يُعِيدهُمْ وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن
أَسْلَمَ كَمَا بَدَأَكُمْ أَوَّلًا كَذَلِكَ يُعِيدكُمْ آخِرًا وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير وَأَيَّدَهُ بِمَا
رَوَاهُ مِنْ حَدِيث سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَشُعْبَة بْن الْحَجَّاج كِلَاهُمَا عَنْ الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان عَنْ
سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ { يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّه حُفَاة عُرَاة غُرْلًا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق
نُعِيدهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ
} . وَهَذَا الْحَدِيث مُخَرَّج فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث شُعْبَة
وَفِي حَدِيث الْبُخَارِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث الثَّوْرِيّ بِهِ . وَقَالَ وَرْقَاء بْن إِيَاس أَبُو يَزِيد عَنْ مُجَاهِد
{ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } قَالَ يُبْعَث الْمُسْلِم مُسْلِمًا وَالْكَافِر كَافِرًا وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة
{ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } رُدُّوا إِلَى عِلْمه فِيهِمْ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ كَمَا
كَتَبَ عَلَيْكُمْ تَكُونُونَ وَفِي رِوَايَة كَمَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ تَكُونُونَ وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فِي
قَوْله تَعَالَى{ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } مَنْ اِبْتَدَأَ اللَّه خَلْقه عَلَى الشَّقَاوَة صَارَ إِلَى مَا اُبْتُدِئَ
عَلَيْهِ خَلْقه وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْل السَّعَادَة وَمَنْ اِبْتَدَأَ خَلْقه عَلَى السَّعَادَة صَارَ إِلَى
مَا اُبْتُدِئَ خَلْقه عَلَيْهِ وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْل الشَّقَاء كَمَا أَنَّ السَّحَرَة عَمِلُوا بِأَعْمَالِ
أَهْل الشَّقَاء ثُمَّ صَارُوا إِلَى مَا اُبْتُدِئُوا عَلَيْهِ وَقَالَ السُّدِّيّ{ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى
وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَة
} يَقُول { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } كَمَا خَلَقْنَاكُمْ فَرِيق مُهْتَدُونَ
وَفَرِيق ضَلَال كَذَلِكَ تَعُودُونَ وَتُخْرَجُونَ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ
اِبْن عَبَّاس قَوْله { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَة }
قَالَ إِنَّ اللَّه تَعَالَى بَدَأَ خَلْق اِبْن آدَم مُؤْمِنًا وَكَافِرًا كَمَا قَالَ { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِر
وَمِنْكُمْ مُؤْمِن
} ثُمَّ يُعِيدهُمْ يَوْم الْقِيَامَة كَمَا بَدَأَ خَلْقهمْ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا قُلْت وَيَتَأَيَّد هَذَا
الْقَوْل بِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ { فَوَاَلَّذِي لَا إِلَه غَيْره إِنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَل
بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة حَتَّى مَا يَكُون بَيْنه وَبَيْنهَا إِلَّا بَاع أَوْ ذِرَاع فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتَاب فَيَعْمَل
بِعَمَلِ أَهْل النَّار فَيَدْخُلهَا وَإِنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل النَّار حَتَّى مَا يَكُون بَيْنه وَبَيْنهَا
إِلَّا بَاع أَوْ ذِرَاع فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتَاب فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة فَيَدْخُل الْجَنَّة
} وَقَالَ أَبُو
الْقَاسِم الْبَغَوِيّ حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْجَعْد حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّان عَنْ أَبِي حَازِم عَنْ سَهْل بْن
سَعْد قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّ الْعَبْد لَيَعْمَل فِيمَا يَرَى النَّاس
بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة وَإِنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار وَإِنَّهُ لَيَعْمَل فِيمَا يَرَى النَّاس بِعَمَلِ أَهْل النَّار وَإِنَّهُ
مِنْ أَهْل الْجَنَّة وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالْخَوَاتِيمِ
} هَذَا قِطْعَة مِنْ حَدِيث الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي
غَسَّان مُحَمَّد بْن مُطَرِّف الْمَدَنِيّ فِي قِصَّة قُزْمَان يَوْم أُحُد وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنِي اِبْن
بَشَّار حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر عَنْ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { تُبْعَث كُلّ نَفْس عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ } .
وَهَذَا الْحَدِيث رَوَاهُ مُسْلِم وَابْن مَاجَهْ مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ الْأَعْمَش بِهِ وَلَفْظه
{ يُبْعَث كُلّ عَبْد عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ } وَعَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله قُلْت وَيَتَأَيَّد بِحَدِيثِ اِبْن
مَسْعُود قُلْت وَلَا بُدّ مِنْ الْجَمْع بَيْن هَذَا الْقَوْل إِنْ كَانَ هُوَ الْمُرَاد مِنْ الْآيَة وَبَيْن
قَوْله تَعَالَى { فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا } وَمَا جَاءَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ
قَالَ { كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ} وَفِي صَحِيح
مُسْلِم عَنْ عِيَاض بْن حِمَار قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُول اللَّه تَعَالَى :{ إِنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاء فَجَاءَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينهمْ }
الْحَدِيث وَوَجْه الْجَمْع عَلَى هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهُمْ لِيَكُونَ مِنْهُمْ مُؤْمِن وَكَافِر فِي ثَانِي
الْحَال وَإِنْ كَانَ قَدْ فَطَرَ الْخَلْق كُلّهمْ عَلَى مَعْرِفَته وَتَوْحِيده وَالْعِلْم بِأَنَّهُ لَا إِلَه غَيْره كَمَا
أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق بِذَلِكَ وَجَعَلَهُ فِي غَرَائِزهمْ وَفِطَرهمْ وَمَعَ هَذَا قَدَّرَ أَنَّ مِنْهُمْ شَقِيًّا
وَمِنْهُمْ سَعِيدًا { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِر وَمِنْكُمْ مُؤْمِن } وَفِي الْحَدِيث
{ كُلّ النَّاس يَغْدُو فَبَائِع نَفْسه فَمُعْتِقهَا أَوْ مُوبِقهَا } .
وَقَدَر اللَّه نَافِذ فِي بَرِيَّته فَإِنَّهُ هُوَ { الَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } وَ{ الَّذِي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه
ثُمَّ هَدَى
} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ{ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِنْ أَهْل السَّعَادَة فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ
أَهْل السَّعَادَة وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الشَّقَاوَة فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْل الشَّقَاوَة
} .






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 06-11-2009, 04:32 PM
المشاركة 4

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :
{ إِنَّهُمْ اِتَّخَذُوا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء مِنْ دُون اللَّه وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره :
إِنَّ الْفَرِيق الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَة إِنَّمَا ضَلُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه وَجَارُوا عَنْ قَصْد الْمَحَجَّة
بِاِتِّخَاذِهِمْ الشَّيَاطِين نُصَرَاء مِنْ دُون اللَّه وَظُهَرَاء , جَهْلًا مِنْهُمْ بِخَطَأِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ;
بَلْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى وَحَقّ , وَأَنَّ الصَّوَاب مَا أَتَوْهُ وَرَكِبُوا .
وَهَذَا مِنْ أَبْيَن الدَّلَالَة عَلَى خَطَأ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّه لَا يُعَذِّب أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَة رَكِبَهَا
أَوْ ضَلَالَة اِعْتَقَدَهَا إِلَّا أَنْ يَأْتِيهَا بَعْد عِلْم مِنْهُ بِصَوَابِ وَجْههَا فَيَرْكَبهَا عِنَادًا مِنْهُ لِرَبِّهِ فِيهَا
لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ بَيْن فَرِيق الضَّلَالَة الَّذِي ضَلَّ وَهُوَ يَحْسَب أَنَّهُ هَادٍ وَفَرِيق
الْهُدَى فَرْق , وَقَدْ فَرَّقَ اللَّه بَيْن أَسْمَائِهِمَا وَأَحْكَامهمَا فِي هَذِهِ الْآيَة.

يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ

{ يَا بَنِي آدَم خُذُوا زِينَتكُمْ } مَا يَسْتُر عَوْرَتكُمْ {عِنْد كُلّ مَسْجِد} عِنْد الصَّلَاة وَالطَّوَاف
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} مَا شِئْتُمْ .

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ


يَقُول تَعَالَى رَدًّا عَلَى مَنْ حَرَّمَ شَيْئًا مِنْ الْمَآكِل أَوْ الْمَشَارِب أَوْ الْمَلَابِس مِنْ تِلْقَاء نَفْسه
مِنْ غَيْر شَرْع مِنْ اللَّه { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ مَا يُحَرِّمُونَ
بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَة وَابْتِدَاعهمْ{ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } الْآيَة أَيْ هِيَ مَخْلُوقَة
لِمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَعَبَدَهُ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَإِنْ شَرِكَهُمْ فِيهَا الْكُفَّار حُبًّا فِي الدُّنْيَا فَهِيَ لَهُمْ
خَاصَّة يَوْم الْقِيَامَة لَا يُشْرِكهُمْ فِيهَا أَحَد مِنْ الْكُفَّار فَإِنَّ الْجَنَّة مُحَرَّمَة عَلَى الْكَافِرِينَ قَالَ
أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الْقَاضِي حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيّ
حَدَّثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ
كَانَتْ قُرَيْش يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاة يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ فَأَنْزَلَ اللَّه { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة
اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ
} فَأُمِرُوا بِالثِّيَابِ.

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :
{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْم وَالْبَغْي بِغَيْرِ الْحَقّ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَتَجَرَّدُونَ مِنْ ثِيَابهمْ
لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ , وَيُحَرِّمُونَ أَكْل طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ رِزْقه أَيّهَا الْقَوْم : إِنَّ اللَّه لَمْ
يُحَرِّم مَا تُحَرِّمُونَهُ , بَلْ أَحَلَّ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَطَيَّبَهُ لَهُمْ . وَإِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْقَبَائِح مِنْ
الْأَشْيَاء , وَهِيَ الْفَوَاحِش , مَا ظَهَرَ مِنْهَا فَكَانَ عَلَانِيَة , وَمَا بَطَنَ مِنْهَا فَكَانَ سِرًّا فِي خَفَاء .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ مَا : 11309 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثني عَبْد الْعَزِيز , قَالَ :
ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } قَالَ :
مَا ظَهَرَ مِنْهَا طَوَاف أَهْل الْجَاهِلِيَّة عُرَاة , وَمَا بَطَنَ : الزِّنَا .
وَقَدْ ذَكَرْت اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ فِيمَا مَضَى فَكَرِهْتُ إِعَادَته.
وَأَمَّا الْإِثْم : فَإِنَّهُ الْمَعْصِيَة . وَالْبَغْي : الِاسْتِطَالَة عَلَى النَّاس . يَقُول تَعَالَى ذِكْره :
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِش مَعَ الْإِثْم وَالْبَغْي عَلَى النَّاس .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11310 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْإِثْم وَالْبَغْي }
أَمَّا الْإِثْم : فَالْمَعْصِيَة , وَالْبَغْي : أَنْ يَبْغِي عَلَى النَّاس بِغَيْرِ الْحَقّ . 11311 - حَدَّثَنِي الْحَارِث
قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا فِي قَوْله :
{ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْم وَالْبَغْي } قَالَ : نَهَى عَنْ الْإِثْم وَهِيَ الْمَعَاصِي كُلّهَا
وَأَخْبَرَ أَنَّ الْبَاغِي بَغْيه كَائِن عَلَى نَفْسه .

وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ :
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِش وَالشِّرْك بِهِ أَنْ تَعْبُدُوا مَعَ اللَّه إِلَهًا غَيْره , { مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا }
يَقُول : حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا مَعَهُ فِي عِبَادَته شِرْكًا لِشَيْءٍ لَمْ يُجْعَل لَكُمْ فِي
إِشْرَاككُمْ إِيَّاهُ فِي عِبَادَته حُجَّة وَلَا بُرْهَانًا , وَهُوَ السُّلْطَان .

وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

{ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول : وَأَنْ تَقُولُوا : إِنَّ اللَّه أَمَرَكُمْ بِالتَّعَرِّي وَالتَّجَرُّد
لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ , وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَكْل هَذِهِ الْأَنْعَام الَّتِي حَرَّمْتُمُوهَا وَسَيَّبْتُمُوهَا وَجَعَلْتُمُوهَا
وَسَائِل وَحَوَامِي , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ أَوْ أَبَاحَهُ , فَتُضِيفُوا إِلَى
اللَّه تَحْرِيمه وَحَظْره وَالْأَمْر بِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْكُمْ دُون مَا تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّه
حَرَّمَهُ أَوْ تَقُولُونَ إِنَّ اللَّه أَمَرَكُمْ بِهِ جَهْلًا مِنْكُمْ بِحَقِيقَةِ مَا تَقُولُونَ وَتُضِيفُونَهُ إِلَى اللَّه .

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُهَدِّدًا لِلْمُشْرِكِينَ
الَّذِينَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّه
أَمَرَنَا بِهَا , وَوَعِيدًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَى كَذِبهمْ عَلَيْهِ وَعَلَى إِصْرَارهمْ عَلَى الشِّرْك بِهِ وَالْمُقَام
عَلَى كُفْرهمْ , وَمُذَكِّرًا لَهُمْ مَا أَحَلَّ بِأَمْثَالِهِمْ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ كَانُوا قَبْلهمْ :
{ وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَل } يَقُول : وَلِكُلِّ جَمَاعَة اِجْتَمَعَتْ عَلَى تَكْذِيب رُسُل اللَّه وَرَدّ نَصَائِحهمْ
وَالشِّرْك بِاَللَّهِ مَعَ مُتَابَعَة رَبّهمْ حُجَجه عَلَيْهِمْ , أَجَل , يَعْنِي : وَقْت لِحُلُولِ الْعُقُوبَات
بِسَاحَتِهِمْ , وَنُزُول الْمَثُلَات بِهِمْ عَلَى شِرْكهمْ .

فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ

{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ } يَقُول : فَإِذَا جَاءَ الْوَقْت الَّذِي وَقَّتَهُ اللَّه لِهَلَاكِهِمْ وَحُلُول الْعِقَاب بِهِمْ

لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً

{ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة } يَقُول : لَا يَتَأَخَّرُونَ بِالْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَتَمَتَّعُونَ بِالْحَيَاةِ فِيهَا
عَنْ وَقْت هَلَاكهمْ وَحِين حُلُول أَجَل فِنَائِهِمْ سَاعَة مِنْ سَاعَات الزَّمَان .

وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ

{ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } يَقُول : وَلَا يَتَقَدَّمُونَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْوَقْت الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لَهُمْ وَقْتًا
لِلْهَلَاكِ .

يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :
{ يَا بَنِي آدَم إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْف
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُعَرِّفًا خَلْقه مَا أَعَدَّ لِحِزْبِهِ وَأَهْل طَاعَته
وَالْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ , وَمَا أَعَدَّ لِحِزْبِ الشَّيْطَان وَأَوْلِيَائِهِ وَالْكَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ :
{ يَا بَنِي آدَم إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُل مِنْكُمْ } يَقُول : إِنْ يَجِئْكُمْ رُسُلِي الَّذِينَ أُرْسِلهُمْ إِلَيْكُمْ
بِدُعَائِكُمْ إِلَى طَاعَته وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرِي وَنَهْيِي مِنْكُمْ , يَعْنِي : مِنْ أَنْفُسكُمْ , وَمِنْ
عَشَائِركُمْ وَقَبَائِلكُمْ. { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } يَقُول : يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَات كِتَابِي
وَيُعَرِّفُونَكُمْ أَدِلَّتِي وَأَعْلَامِي عَلَى صِدْق مَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي , وَحَقِيقَة مَا دَعَوْكُمْ
إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِي . { فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ } يَقُول : فَمَنْ آمَنَ مِنْكُمْ بِمَا أَتَاهُ بِهِ رُسُلِي مِمَّا
قَصَّ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِي وَصَدَّقَ وَاتَّقَى اللَّه , فَخَافَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ
عَلَى لِسَان رَسُوله . { وَأَصْلَحَ } يَقُول : وَأَصْلَحَ أَعْمَاله الَّتِي كَانَ لَهَا مُفْسِدًا قَبْل ذَلِكَ مِنْ
مَعَاصِي اللَّه بِالتَّحَوُّبِ مِنْهَا . { فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ } يَقُول : فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة
مِنْ عِقَاب اللَّه إِذَا وَرَدُوا عَلَيْهِ . { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ دُنْيَاهُمْ الَّتِي
تَرَكُوهَا , وَشَهَوَاتهمْ الَّتِي تَجَنَّبُوهَا , اِتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِنَهْيِ اللَّه عَنْهَا إِذَا عَايَنُوا مِنْ كَرَامَة
اللَّه مَا عَايَنُوا هُنَالِكَ . 11312 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ :
ثنا هِشَام أَبُو عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا هَيَّاج , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي سَيَّار
السُّلَمِيّ , قَالَ : إِنَّ اللَّه جَعَلَ آدَم وَذُرِّيَّته فِي كَفّه , فَقَالَ :
{ يَا بَنِي آدَم إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِي فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْف
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
} ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الرُّسُل فَقَالَ :
{ يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ
أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبّكُمْ فَاتَّقُونِ
} 23 51 : 52 ثُمَّ بَثَّهُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : مَا جَوَاب قَوْله :
{ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُل مِنْكُمْ } ؟ قِيلَ : قَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ فِي
ذَلِكَ : الْجَوَاب مُضْمَر , يَدُلّ عَلَيْهِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام , وَذَلِكَ قَوْله :
{ فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ } وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حِين قَالَ : { فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ } كَأَنَّهُ قَالَ : فَأَطِيعُوهُمْ .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : الْجَوَاب : " فَمَنْ اِتَّقَى " , لِأَنَّ مَعْنَاهُ , فَمَنْ اِتَّقَى مِنْكُمْ وَأَصْلَحَ قَالَ :
وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , تَبْعِيضه الْكَلَام , فَكَانَ فِي التَّبْعِيض اِكْتِفَاء مِنْ ذِكْر " مِنْكُمْ " .

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :
{ وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَمَّا مَنْ كَذَّبَ بِأَنْبَاءِ رُسُلِي الَّتِي أرْسَلْتهَا إِلَيْهِ وَجَحَدَ تَوْحِيدِي وَكَفَرَ بِمَا
جَاءَ بِهِ رُسُلِي وَاسْتَكْبَرَ عَنْ تَصْدِيق حُجَجِي وَأَدِلَّتِي ,
{ فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول : هُمْ فِي نَار جَهَنَّم مَاكِثُونَ , لَا يَخْرُجُونَ
مِنْهَا أَبَدًا .






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 06-11-2009, 04:57 PM
المشاركة 5

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ
حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا
وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ


يَقُول { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } أَيْ لَا أَحَد أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى
الْكَذِب عَلَى اللَّه أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ الْمُنَزَّلَة { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب} اِخْتَلَفَ
الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس يَنَالهُمْ مَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ وَكُتِبَ لِمَنْ كَذَبَ
عَلَى اللَّه أَنَّ وَجْهه مُسْوَدّ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس يَقُول نَصِيبهمْ مِنْ
الْأَعْمَال مَنْ عَمِلَ خَيْرًا جُزِيَ بِهِ وَمَنْ عَمِلَ شَرًّا جُزِيَ بِهِ وَقَالَ مُجَاهِد مَا وُعِدُوا بِهِ مِنْ خَيْر
وَشَرّ وَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيْر وَاحِد وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ
{ أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ عَمَله وَرِزْقه وَعُمْره وَكَذَا قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس
وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ وَهَذَا الْقَوْل قَوِيّ فِي الْمَعْنَى وَالسِّيَاق يَدُلّ عَلَيْهِ وَهُوَ
قَوْله { حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } وَنَظِير الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَة. كَقَوْلِهِ
{ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب لَا يُفْلِحُونَ مَتَاع فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعهمْ ثُمَّ
نُذِيقهُمْ الْعَذَاب الشَّدِيد بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ
} وَقَوْله{ وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنك كُفْره إِلَيْنَا
مَرْجِعهمْ فَنُنَبِّئهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور نُمَتِّعهُمْ قَلِيلًا
} الْآيَة .
وَقَوْله { حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } الْآيَة .
يُخْبِر تَعَالَى أَنَّ الْمَلَائِكَة إِذَا تَوَفَّتْ الْمُشْرِكِينَ تُفْزِعهُمْ عِنْد الْمَوْت وَقَبْض أَرْوَاحهمْ
إِلَى النَّار يَقُولُونَ لَهُمْ أَيْنَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ بِهِمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَتَدْعُونَهُمْ
وَتَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه اُدْعُوهُمْ يُخَلِّصُوكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ قَالُوا { ضَلُّوا عَنَّا } أَيْ ذَهَبُوا
عَنَّا فَلَا نَرْجُو نَفْعهمْ وَلَا خَيْرهمْ { وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } أَيْ أَقَرُّوا وَاعْتَرَفُوا عَلَى
أَنْفُسهمْ { أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ } .


قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ
أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا
ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ


يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا يَقُولهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ
{ اُدْخُلُوا فِي أُمَم } أَيْ مِنْ أَمْثَالكُمْ وَعَلَى صِفَاتكُمْ { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ }
أَيْ مِنْ الْأُمَم السَّالِفَة الْكَافِرَة { مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار } يَحْتَمِل أَنْ يَكُون بَدَلًا
مِنْ قَوْله فِي أُمَم وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِي أُمَم أَيْ مَعَ أُمَم وَقَوْله { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة لَعَنَتْ
أُخْتهَا
} كَمَا قَالَ الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام { ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ } الْآيَة وَقَوْله
تَعَالَى{ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَاب وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب وَقَالَ
الَّذِينَ اِتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّة فَنَتَبَرَّأ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ حَسَرَات
عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّار
} وَقَوْله { حَتَّى إِذَا اِدَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا } أَيْ اِجْتَمَعُوا
فِيهَا كُلّهمْ { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ } أَيْ أُخْرَاهُمْ دُخُولًا وَهُمْ الْأَتْبَاع لِأُولَاهُمْ وَهُمْ
الْمَتْبُوعُونَ لِأَنَّهُمْ أَشَدّ جُرْمًا مِنْ أَتْبَاعهمْ فَدَخَلُوا قَبْلهمْ فَيَشْكُوهُمْ الْأَتْبَاع إِلَى اللَّه يَوْم
الْقِيَامَة لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ عَنْ سَوَاء السَّبِيل فَيَقُولُونَ{ رَبّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ
عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار
} أَيْ أَضْعِفْ عَلَيْهِمْ الْعُقُوبَة كَمَا قَالَ تَعَالَى { يَوْم تُقَلَّب وُجُوههمْ فِي
النَّار يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّه وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ وَقَالُوا رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا
فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ رَبّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَاب
} الْآيَة .
وَقَوْله { قَالَ لِكُلّ ضِعْف } أَيْ قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَجَازَيْنَا كُلًّا بِحَسَبِهِ كَقَوْلِهِ { الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه زِدْنَاهُمْ عَذَابًا
} الْآيَة.
وَقَوْله { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ} وَقَوْله { وَمِنْ أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم} .


وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ

{ وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ } أَيْ قَالَ الْمَتْبُوعُونَ لِلْأَتْبَاعِ{ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل }
قَالَ السُّدِّيّ فَقَدْ ضَلَلْتُمْ كَمَا ضَلَلْنَا { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} وَهَذِهِ الْحَال
كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ فِي حَال مَحْشَرهمْ فِي قَوْله { وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ
عِنْد رَبّهمْ يَرْجِع بَعْضهمْ إِلَى بَعْض الْقَوْل يَقُول الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ
لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْد إِذْ
جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار
إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاَللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَة لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب وَجَعَلْنَا الْأَغْلَال فِي
أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
} .


إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ


{إنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا} تَكَبَّرُوا {عَنْهَا} فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا
{لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء} إذَا عُرِجَ بِأَرْوَاحِهِمْ إلَيْهَا بَعْد الْمَوْت فَيُهْبَط بِهَا إلَى سِجِّين
بِخِلَافِ الْمُؤْمِن فَتُفَتَّح لَهُ وَيُصْعَد بِرُوحِهِ إلَى السَّمَاء السَّابِعَة كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث
{وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة حَتَّى يَلِج} يَدْخُل {الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط} ثُقْب الْإِبْرَة وَهُوَ غَيْر
مُمْكِن فَكَذَا دُخُولهمْ {وَكَذَلِكَ} الْجَزَاء {نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} بِالْكُفْرِ.


لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } يَقُول
جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا { مِنْ جَهَنَّم مِهَاد } و هُوَ مَا
اِمْتَهَدُوهُ مِمَّا يُقْعَد عَلَيْهِ وَيُضْطَجَع كَالْفِرَاشِ الَّذِي يُفْرَش وَالْبِسَاط الَّذِي يُبْسَط .
{ وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } وَهُوَ جَمْع غَاشِيَة , وَذَلِكَ مَا غَشَّاهُمْ فَغَطَّاهُمْ مِنْ فَوْقهمْ .
وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد , مِنْ تَحْتهمْ فُرُش وَمِنْ فَوْقهمْ مِنْهَا لُحُف
وَإِنَّهُمْ بَيْن ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11373 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع
قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب :
{ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد } قَالَ : الْفِرَاش , { وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } قَالَ : اللُّحُف 11374 -
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك :
{ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } قَالَ : الْمِهَاد : الْفُرُش , وَالْغَوَاشِي :
اللُّحُف . 11375 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ :
ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } أَمَّا الْمِهَاد لَهُمْ :
كَهَيْئَةِ الْفِرَاش , وَالْغَوَاشِي : تَتَغَشَّاهُمْ مِنْ فَوْقهمْ .


وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ

وَأَمَّا قَوْله { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } : فَإِنَّهُ يَقُول : وَكَذَلِكَ نُثِيب وَنُكَافِئ مَنْ ظَلَمَ نَفْسه
فَأَكْسَبَهَا مِنْ غَضَب اللَّه مَا لَا قِبَل لَهَا بِهِ بِكُفْرِهِ بِرَبِّهِ وَتَكْذِيبه أَنْبِيَاءَهُ .








عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 06-11-2009, 05:48 PM
المشاركة 6

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَا نُكَلِّف نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا
أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
} يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَلَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله
وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ وَحْي اللَّه وَتَنْزِيله وَشَرَائِع دِينه , وَعَمِلُوا مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ
فَأَطَاعُوهُ وَتَجَنَّبُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ. { لَا نُكَلِّف نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا } يَقُول : لَا نُكَلِّف نَفْسًا مِنْ
الْأَعْمَال إِلَّا مَا يَسَعهَا فَلَا تَحْرَج فِيهِ { أُولَئِكَ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات
{ أَصْحَاب الْجَنَّة } يَقُول : هُمْ أَهْل الْجَنَّة الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا دُون غَيْرهمْ مِمَّنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ
وَعَمِلَ بِسَيِّئَاتِهِمْ { فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول : هُمْ فِي الْجَنَّة مَاكِثُونَ , دَائِم فِيهَا مُكْثهمْ لَا
يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُسْلَبُونَ نَعِيمهمْ .

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا
لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ
أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ


قَالَ السُّدِّيّ فِي قَوْله { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ الْأَنْهَار }
الْآيَة إِنَّ أَهْل الْجَنَّة إِذَا سِيقُوا إِلَى الْجَنَّة وَجَدُوا عِنْد بَابهَا شَجَرَة فِي أَصْل سَاقهَا عَيْنَانِ
فَشَرِبُوا مِنْ إِحْدَاهُمَا فَيُنْزَع مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ فَهُوَ الشَّرَاب الطَّهُور وَاغْتَسَلُوا مِنْ
الْأُخْرَى فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَة النَّعِيم فَلَمْ يَشْعَثُوا وَلَمْ يَشْحُبُوا بَعْدهَا أَبَدًا وَقَدْ رَوَى
أَبُو إِسْحَاق عَنْ عَاصِم عَنْ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب نَحْوًا مِنْ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي
فِي قَوْله تَعَالَى { وَسِيقَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ إِلَى الْجَنَّة زُمَرًا } إِنْ شَاءَ اللَّه وَبِهِ الثِّقَة وَعَلَيْهِ
التُّكْلَان وَقَالَ قَتَادَة قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُون أَنَا وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر
مِنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ } رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَقَالَ
عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْرَائِيل قَالَ سَمِعْت الْحَسَن يَقُول قَالَ عَلِيّ :
فِينَا وَاَللَّه أَهْل بَدْر نَزَلَتْ { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ } . وَرَوَى النَّسَائِيّ وَابْن
مَرْدَوَيْهِ وَاللَّفْظ لَهُ مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي
هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلّ أَهْل الْجَنَّة يَرَى مَقْعَده مِنْ
النَّار فَيَقُول لَوْلَا أَنَّ اللَّه هَدَانِي فَيَكُون لَهُ شُكْرًا وَكُلّ أَهْل النَّار يَرَى مَقْعَده مِنْ الْجَنَّة
فَيَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي فَيَكُون لَهُ حَسْرَة
} . وَلِهَذَا لَمَّا أُورِثُوا مَقَاعِد أَهْل النَّار مِنْ الْجَنَّة
نُودُوا { أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أَيْ بِسَبَبِ أَعْمَالكُمْ نَالَتْكُمْ الرَّحْمَة
فَدَخَلْتُمْ الْجَنَّة وَتَبَوَّأْتُمْ مَنَازِلكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالكُمْ .
وَإِنَّمَا وَجَبَ الْحَمْل عَلَى هَذَا لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ { وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدكُمْ لَنْ يُدْخِلهُ عَمَله الْجَنَّة} قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُول اللَّه
قَالَ { وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدنِي اللَّه بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْل } .

وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ
رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :
{ وَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ
رَبّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَادَى أَهْل الْجَنَّة أَهْل النَّار بَعْد دُخُولِهِمُوهَا :
يَا أَهْل النَّار قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَلْسُن رُسُله مِنْ الثَّوَاب عَلَى
الْإِيمَان بِهِ وَبِهِمْ وَعَلَى طَاعَته , فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ عَلَى أَلْسِنَتهمْ عَلَى
الْكُفْر بِهِ وَعَلَى مَعَاصِيه مِنْ الْعِقَاب ؟ فَأَجَابَهُمْ أَهْل النَّار بِأَنْ نَعَمْ , قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَ
رَبّنَا حَقًّا . كَاَلَّذِي : 11387 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل
قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا
وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ
} قَالَ : وَجَدَ أَهْل الْجَنَّة مَا
وُعِدُوا مِنْ ثَوَاب , وَأَهْل النَّار مَا وُعِدُوا مِنْ عِقَاب. 11388 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد
قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس
قَوْله : { وَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ
مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا
} وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه وَعَدَ أَهْل الْجَنَّة النَّعِيم وَالْكَرَامَة وَكُلّ خَيْر عَلِمَهُ النَّاس
أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ , وَوَعَدَ أَهْل النَّار كُلّ خِزْي وَعَذَاب عَلِمَهُ النَّاس أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ ; فَذَلِكَ قَوْله :
{ وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } 38 58 قَالَ : فَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار
{ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ }
يَقُول : مِنْ الْخِزْي وَالْهَوَان وَالْعَذَاب , قَالَ أَهْل الْجَنَّة : فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا
مِنْ النَّعِيم وَالْكَرَامَة . { فَأَذَّنَ مُؤَذِّن بَيْنهمْ أَنْ لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ }
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالُوا نَعَمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة
وَالْبَصْرَة : { قَالُوا نَعَمْ } بِفَتْحِ الْعَيْن مِنْ " نَعَمْ " .
وَرُوِيَ عَنْ بَعْض الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَ : " قَالُوا نَعِمْ " بِكَسْرِ الْعَيْن , وَقَدْ أَنْشَدَ بَيْتًا لِبَنِي كَلْب :
" نَعِمْ " إِذَا قَالَهَا مِنْهُ مُحَقَّقَة وَلَا تَجِيء " عَسَى " مِنْهُ وَلَا " قَمِنُ " بِكَسْرِ " نَعَمْ " .
قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا : { نَعَمْ } بِفَتْحِ الْعَيْن , لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة
الْمُسْتَفِيضَة فِي قُرَّاء الْأَمْصَار وَاللُّغَة الْمَشْهُورَة فِي الْعَرَب .

فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ

وَأَمَّا قَوْله : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّن بَيْنهمْ } يَقُول : فَنَادَى مُنَادٍ , وَأَعْلَمَ مُعْلِم بَيْنهمْ
{ أَنْ لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ } يَقُول : غَضَب اللَّه وَسَخَطه وَعُقُوبَته عَلَى مَنْ كَفَرَ بِهِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْل فِي " أَنْ " إِذَا صَحِبَتْ مِنْ الْكَلَام مَا ضَارَعَ الْحِكَايَة وَلَيْسَ بِصَرِيحِ الْحِكَايَة
بِأَنَّهَا تُشَدِّدهَا الْعَرَب أَحْيَانًا وَتُوقِع الْفِعْل عَلَيْهَا فَتَفْتَحهَا وَتُخَفِّفهَا أَحْيَانًا , وَتُعْمِل الْفِعْل
فِيهَا فَتَنْصِبهَا بِهِ وَتُبْطِل عَمَلهَا عَنْ الِاسْم الَّذِي يَلِيهَا فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ
إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاء شُدِّدَتْ " أَنْ " أَوْ خُفِّفَتْ فِي
الْقِرَاءَة , إِذْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَام بِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ وَاحِدًا , وَكَانَتَا قِرَاءَتَيْنِ مَشْهُورَتَيْنِ
فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار .

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ
بِالآخِرَة كَافِرُونَ
} يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ الْمُؤَذِّن بَيْن أَهْل الْجَنَّة وَالنَّار يَقُول : أَنْ لَعْنَة
اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيله . { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } يَقُول :
حَاوَلُوا سَبِيل اللَّه , وَهُوَ دِينه , أَنْ يُغَيِّرُوهُ وَيُبَدِّلُوهُ عَمَّا جَعَلَهُ اللَّه لَهُ مِنْ اِسْتِقَامَته .
{ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ } يَقُول : وَهُمْ لِقِيَامِ السَّاعَة وَالْبَعْث فِي الْآخِرَة وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب
فِيهَا جَاحِدُونَ . وَالْعَرَب تَقُول لِلْمَيْلِ فِي الدِّين وَالطَّرِيق : " عِوَج " , بِكَسْرِ الْعَيْن , وَفِي
مَيْل الرَّجُل عَلَى الشَّيْء وَالْعَطْف عَلَيْهِ : عَاج إِلَيْهِ يَعُوج عِيَاجًا وَعَوَجًا وَعِوَجًا , بِالْكَسْرِ
مِنْ الْعَيْن وَالْفَتْح , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : قِفَا نَبْكِي مَنَازِل آل لَيْلَى عَلَى عِوَج إِلَيْهَا وَانْثِنَاء
ذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ أَبَا الْجَرَّاح أَنْشَدَهُ إِيَّاهُ بِكَسْرِ الْعَيْن مِنْ عِوَج ; فَأَمَّا مَا كَانَ خِلْقَة فِي
الْإِنْسَان , فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ : عَوَج سَاقه , بِفَتْحِ الْعَيْن .

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ


{وَبَيْنهمَا} أَيْ أَصْحَاب الْجَنَّة وَالنَّار {حِجَاب} حَاجِز قِيلَ هُوَ سُور الْأَعْرَاف {وَعَلَى الْأَعْرَاف}
وَهُوَ سُور الْجَنَّة {رِجَال} اسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ كَمَا فِي الْحَدِيث
{يُعْرَفُونَ كُلًّا} مِنْ أَهْل الْجَنَّة وَالنَّار {بِسِيمَاهُمْ} بِعَلَامَتِهِمْ وَهِيَ بَيَاض الْوُجُوه لِلْمُؤْمِنِينَ
وَسَوَادهَا لِلْكَافِرِينَ لِرُؤْيَتِهِمْ لَهُمْ إذْ مَوْضِعهمْ عَالٍ {لَمْ يَدْخُلُوهَا} أَيْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف
الْجَنَّة {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} فِي دُخُولهَا قَالَ الْحَسَن : لَمْ يُطْمِعهُمْ إلَّا لِكَرَامَةٍ يُرِيدهَا بِهِمْ
وَرَوَى الْحَاكِم عَنْ حُذَيْفَة قَالَ بَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَبّك فَقَالَ قُومُوا اُدْخُلُوا
الْجَنَّة فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ.

وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارهمْ تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار قَالُوا رَبّنَا لَا
تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَار أَصْحَاب الْأَعْرَاف
تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار - يَعْنِي : حِيَالهمْ وَوِجَاههمْ - فَنَظَرُوا إِلَى تَشْوِيه اللَّه لَهُمْ ,
{ قَالُوا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ فَأَكْسَبُوهَا مِنْ
سَخَطك مَا أَوْرَثَهُمْ مِنْ عَذَابك مَا هُمْ فِيهِ . 11432 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن
قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ
يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَاف بِزُمْرَةٍ يُذْهَب بِهَا إِلَى النَّار , { قَالُوا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم
الظَّالِمِينَ
} 11433 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك
عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّ أَصْحَاب الْأَعْرَاف إِذَا نَظَرُوا إِلَى
أَهْل النَّار وَعَرَفُوهُمْ قَالُوا : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } 11434 - حَدَّثَنَا اِبْن
وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي مُكَيْن , عَنْ أَخِيهِ , عَنْ عِكْرِمَة :
{ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارهمْ تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار } قَالَ : تُحْرَد وُجُوههمْ لِلنَّارِ , فَإِذَا رَأَوْا أَهْل
الْجَنَّة ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ . 11435 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ :
اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارهمْ تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار } فَرَأَوْا وُجُوههمْ مُسْوَدَّة
وَأَعْيُنهمْ مُزْرَقَّة , { قَالُوا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ }

وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا
كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ
قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ
} يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ :
{ وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا } مِنْ أَهْل الْأَرْض { يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } سِيمَا أَهْل
النَّار , { قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ } مَا كُنْتُمْ تَجْمَعُونَ مِنْ الْأَمْوَال وَالْعُدَد فِي الدُّنْيَا
{ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } يَقُول : وَتَكَبُّركُمْ الَّذِي كُنْتُمْ تَتَكَبَّرُونَ فِيهَا . كَمَا : 11436 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ
قَالَ : فَمَرَّ بِهِمْ - يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَاف - نَاس مِنْ الْجَبَّارِينَ عَرَفُوهُمْ بِسِيمَاهُمْ ; قَالَ :
يَقُول : قَالَ أَصْحَاب الْأَعْرَاف : { مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } 11437 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي
عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا } قَالَ : فِي النَّار
{ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ } وَتَكَبُّركُمْ
{ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } 11438 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ سُلَيْمَان
التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا
مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ
} قَالَ : هَذَا حِين دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة
{ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ } الْآيَة . قُلْت لِأَبِي مِجْلَز :
عَنْ اِبْن عَبَّاس ؟ قَالَ : لَا بَلْ عَنْ غَيْره . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ :
ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز :
{ وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : نَادَتْ الْمَلَائِكَة رِجَالًا فِي
النَّار يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ : { مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ
الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ
} قَالَ : هَذَا حِين دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة
{ اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } 11439 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ :
أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا
يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ
} فَالرِّجَال عُظَمَاء مِنْ أَهْل الدُّنْيَا ; قَالَ : فَبِهَذِهِ الصِّفَة عَرَفَ أَهْل
الْأَعْرَاف أَهْل الْجَنَّة مِنْ أَهْل النَّار. وَإِنَّمَا ذِكْر هَذَا حِين يَذْهَب رَئِيس أَهْل الْخَيْر وَرَئِيس
أَهْل الشَّرّ يَوْم الْقِيَامَة . قَالَ : وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } قَالَ : عَلَى أَهْل طَاعَة اللَّه.






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 06-11-2009, 06:25 PM
المشاركة 7

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الجلالين ))



أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ

"أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقَسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ" قَدْ قِيلَ لَهُمْ "اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ
وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ
" وَقُرِئَ : أُدْخِلُوا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَدَخَلُوا فَجُمْلَة النَّفْي حَال أَيْ مَقُولًا
لَهُمْ ذَلِكَ.

وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ
اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ


"وَنَادَى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه"
مِنْ الطَّعَام "قَالُوا إنَّ اللَّه حَرَّمَهُمَا" مَنَعَهُمَا .

الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ
يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ


وَصَفَ تَعَالَى الْكَافِرِينَ بِمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ فِي الدُّنْيَا بِاِتِّخَاذِهِمْ الدِّين لَهْوًا وَلَعِبًا وَاغْتِرَارهمْ
بِالدُّنْيَا وَزِينَتهَا وَزُخْرُفهَا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْعَمَل لِلْآخِرَةِ وَقَوْله " فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا
لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا
" أَيْ يُعَامِلهُمْ مُعَامَلَة مَنْ نَسِيَهُمْ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَشِذّ عَنْ عِلْمه شَيْء
وَلَا يَنْسَاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فِي كِتَاب لَا يَضِلّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى " وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى هَذَا مِنْ
بَاب الْمُقَابَلَة كَقَوْلِهِ " نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ " وَقَالَ " كَذَلِكَ أَتَتْك آيَاتنَا فَنَسِيتهَا وَكَذَلِكَ
الْيَوْم تُنْسَى
" وَقَالَ تَعَالَى" وَقِيلَ الْيَوْم نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا" وَقَالَ
الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا "
قَالَ نَسِيَهُمْ اللَّه مِنْ الْخَيْر وَلَمْ يَنْسَهُمْ مِنْ الشَّرّ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن
عَبَّاس قَالَ نَتْرُكهُمْ كَمَا تَرَكُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا وَقَالَ مُجَاهِد نَتْرُكهُمْ فِي النَّار وَقَالَ
السُّدِّيّ نَتْرُكهُمْ مِنْ الرَّحْمَة كَمَا تَرَكُوا أَنْ يَعْمَلُوا لِلِقَاءِ يَوْمهمْ هَذَا وَفِي الصَّحِيح أَنَّ اللَّه
تَعَالَى يَقُول لِلْعَبْدِ يَوْم الْقِيَامَة : أَلَمْ أُزَوِّجك ؟ أَلَمْ أُكْرِمك ؟ أَلَمْ أُسَخِّر لَك الْخَيْل وَالْإِبِل
وَأَذَرك تَرْأَس وَتَرْبَع ؟ فَيَقُول بَلَى فَيَقُول أَظَنَنْت أَنَّك مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُول لَا فَيَقُول اللَّه تَعَالَى
فَالْيَوْم أَنْسَاك كَمَا نَسِيتنِي .

وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِعْذَاره إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِإِرْسَالِ الرُّسُل إِلَيْهِمْ بِالْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ
بِهِ الرَّسُول وَأَنَّهُ كِتَاب مُفَصَّل مُبَيَّن كَقَوْلِهِ" كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ " الْآيَة وَقَوْله
" فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْم " لِلْعَالَمِينَ أَيْ " عَلَى عِلْم " مِنَّا بِمَا فَصَّلْنَاهُ بِهِ كَقَوْلِهِ
" أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ " قَالَ اِبْن جَرِير وَهَذِهِ الْآيَة مَرْدُودَة عَلَى قَوْله " كِتَاب أُنْزِلَ إِلَيْك فَلَا يَكُنْ
فِي صَدْرك حَرَج مِنْهُ
" الْآيَة . " وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ" الْآيَة . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَر
فَإِنَّهُ قَدْ طَالَ الْفَصْل وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْأَمْر أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ بِمَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ الْخَسَارَة
فِي الْآخِرَة ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ أَزَاحَ عِلَلهمْ فِي الدُّنْيَا بِإِرْسَالِ الرُّسُل وَإِنْزَال الْكُتُب كَقَوْلِهِ
" وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا " .

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا
بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا
أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ


قَالَ " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله" أَيْ مَا وُعِدُوا بِهِ مِنْ الْعَذَاب وَالنَّكَال وَالْجَنَّة وَالنَّار قَالَهُ مُجَاهِد
وَغَيْر وَاحِد وَقَالَ مَالِك : ثَوَابه وَقَالَ الرَّبِيع لَا يَزَال يَجِيء مِنْ تَأْوِيله أَمْر حَتَّى يَتِمّ يَوْم
الْحِسَاب حَتَّى يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار فَيَتِمّ تَأْوِيله يَوْمئِذٍ وَقَوْله
" يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله " أَيْ يَوْم الْقِيَامَة قَالَهُ اِبْن عَبَّاس " يَقُول الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل "
أَيْ تَرَكُوا الْعَمَل بِهِ وَتَنَاسَوْهُ فِي الدَّار الدُّنْيَا" قَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ
شُفَعَاء فَيَشْفَعُوا لَنَا
" أَيْ فِي خَلَاصنَا مِمَّا صِرْنَا إِلَيْهِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ " أَوْ نُرَدّ
" إِلَى الدَّار الدُّنْيَا
" فَنَعْمَل غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل " كَقَوْلِهِ " وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار
فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ
مِنْ قَبْل وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
" كَمَا قَالَ هَاهُنَا
" قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " أَيْ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ بِدُخُولِهِمْ النَّار
وَخُلُودهمْ فِيهَا " وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " أَيْ ذَهَبَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ
دُون اللَّه فَلَا يَشْفَعُونَ فِيهِمْ وَلَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَا يُنْقِذُونَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ .

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ
الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ


"إنَّ رَبّكُمْ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام" مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا أَيْ فِي
قَدْرهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ شَمْس وَلَوْ شَاءَ خَلَقَهُنَّ فِي لَمْحَة وَالْعُدُول عَنْهُ لِتَعْلِيمِ خَلْقه
التَّثَبُّت "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش" فِي اللُّغَة : سَرِير الْمُلْك اسْتِوَاء يَلِيق بِهِ
"يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار" مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا أَيْ يُغَطِّي كُلًّا مِنْهُمَا بِالْآخَرِ "يَطْلُبهُ" يَطْلُب
كُلّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ طَلَبًا "حَثِيثًا" سَرِيعًا "وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم" بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى
السَّمَاوَات وَالرَّفْع مُبْتَدَأ خَبَره "مُسَخَّرَات" مُذَلَّلَات "بِأَمْرِهِ" بِقُدْرَتِهِ "أَلَا لَهُ الْخَلْق
" جَمِيعًا "وَالْأَمْر" كُلّه "تَبَارَكَ" تَعَاظَمَ "اللَّه رَبّ" مَالِك .






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 09-11-2009, 12:35 AM
المشاركة 8

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اُدْعُوا أَيّهَا
النَّاس رَبّكُمْ وَحْده , فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاء دُون مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام .
{ تَضَرُّعًا } يَقُول : تَذَلُّلًا وَاسْتِكَانَة لِطَاعَتِهِ . { وَخُفْيَة } يَقُول : بِخُشُوعِ قُلُوبكُمْ وَصِحَّة
الْيَقِين مِنْكُمْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ فِيمَا بَيْنكُمْ وَبَيْنه , لَا جِهَارًا مُرَاءَاة , وَقُلُوبكُمْ غَيْر مُوقِنَة
بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّته , كَمَا فَعَلَ أَهْل النِّفَاق وَالْخِدَاع لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ . كَمَا : 11468 -
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الْمُبَارَك بْن فَضَالَة
عَنْ الْحَسَن , قَالَ : إِنْ كَانَ الرَّجُل لَقَدْ جَمَعَ الْقُرْآن وَمَا يَشْعُر جَاره , وَإِنْ كَانَ الرَّجُل لَقَدْ
فَقِهَ الْفِقْه الْكَثِير وَمَا يَشْعُر بِهِ النَّاس , وَإِنْ كَانَ الرَّجُل لَيُصَلِّي الصَّلَاة الطَّوِيلَة فِي بَيْته
وَعِنْده الزُّوَّار وَمَا يَشْعُرُونَ بِهِ . وَلَقَدْ أَدْرَكْنَا أَقْوَامًا مَا كَانَ عَلَى الْأَرْض مِنْ عَمَل يَقْدِرُونَ
عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي السِّرّ فَيَكُون عَلَانِيَة أَبَدًا . وَلَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاء
وَمَا يُسْمَع لَهُمْ صَوْت إِنْ كَانَ إِلَّا هَمْسًا بَيْنهمْ وَبَيْن رَبّهمْ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه يَقُول .
{ اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة } وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه ذَكَرَ عَبْدًا صَالِحًا , فَرَضِيَ فِعْله فَقَالَ :
{ إِذْ نَادَى رَبّه نِدَاء خَفِيًّا } 19 3 11469 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير
عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ :
كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاة , فَأَشْرَفُوا عَلَى وَادٍ يُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيَرْفَعُونَ
أَصْوَاتهمْ , فَقَالَ . { أَيّهَا النَّاس اِرْبَعُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ , إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمّ وَلَا غَائِبًا إِنَّكُمْ
تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا مَعَكُمْ
} . 11470 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني
حَجَّاج . عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله :
{ اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة } قَالَ : السِّرّ.

إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ

وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : إِنَّ رَبّكُمْ لَا يُحِبّ مَنْ اِعْتَدَى فَتَجَاوَزَ حَدّه
الَّذِي حَدَّهُ لِعِبَادِهِ فِي دُعَائِهِ وَمَسْأَلَته رَبّه , وَرَفْعه صَوْته فَوْق الْحَدّ الَّذِي حَدَّ لَهُمْ فِي
دُعَائِهِمْ إِيَّاهُ وَمَسْأَلَتهمْ وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور . كَمَا : 11471 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن
إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيل بْن حَمَّاد بْن أَبِي
سُلَيْمَان عَنْ عَبَّاد بْن عَبَّاد , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة
إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ
} قَالَ : لَا يَسْأَل مَنَازِل الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام . 11472 -
حَدَّثَنِي الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء
الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } فِي الدُّعَاء وَلَا فِي غَيْره .
قَالَ اِبْن جُرَيْج : إِنَّ مِنْ الدُّعَاء اِعْتِدَاء يُكْرَه رَفْع الصَّوْت وَالنِّدَاء وَالصِّيَاح بِالدُّعَاءِ
وَيُؤْمَر بِالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِكَانَة .

وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ


قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بَعْد إِصْلَاحهَا } يَنْهَى تَعَالَى عَنْ الْإِفْسَاد فِي
الْأَرْض وَمَا أَضَرَّهُ بَعْد الْإِصْلَاح فَإِنَّهُ إِذَا كَانَتْ الْأُمُور مَاشِيَة عَلَى السَّدَاد ثُمَّ وَقَعَ الْإِفْسَاد
بَعْد ذَلِكَ كَانَ أَضَرّ مَا يَكُون عَلَى الْعِبَاد فَنَهَى تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِعِبَادَتِهِ وَدُعَائِهِ
وَالتَّضَرُّع إِلَيْهِ وَالتَّذَلُّل لَدَيْهِ فَقَالَ { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} أَيْ خَوْفًا مِمَّا عِنْده مِنْ وَبِيل
الْعِقَاب وَطَمَعًا فِيمَا عِنْده مِنْ جَزِيل الثَّوَاب ثُمَّ قَالَ { إِنَّ رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ }
أَيْ إِنَّ رَحْمَته مُرْصَدَة لِلْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ أَوَامِره وَيَتْرُكُونَ زَوَاجِره كَمَا قَالَ تَعَالَى
{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الْآيَة . وَقَالَ قَرِيب وَلَمْ يَقُلْ قَرِيبَة
لِأَنَّهُ ضَمَّنَ الرَّحْمَة مَعْنَى الثَّوَاب أَوْ لِأَنَّهَا مُضَافَة إِلَى اللَّه فَلِهَذَا قَالَ قَرِيب مِنْ
الْمُحْسِنِينَ وَقَالَ مَطَر الْوَرَّاق اِسْتَنْجِزُوا مَوْعُود اللَّه بِطَاعَتِهِ فَإِنَّهُ قَضَى أَنَّ رَحْمَته قَرِيب
مِنْ الْمُحْسِنِينَ رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم .

وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ
مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ


لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَنَّهُ الْمُتَصَرِّف الْحَاكِم الْمُدَبِّر الْمُسَخِّر وَأَرْشَدَ
إِلَى دُعَائِهِ لِأَنَّهُ عَلَى مَا يَشَاء قَادِر نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ الرَّزَّاق وَأَنَّهُ يُعِيد الْمَوْتَى يَوْم
الْقِيَامَة فَقَالَ { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح بُشْرًا } أَيْ مُنْتَشِرَة بَيْن يَدَيْ السَّحَاب الْحَامِل
لِلْمَطَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ بُشْرًا كَقَوْلِهِ { وَمِنْ آيَاته أَنْ يُرْسِل الرِّيَاح مُبَشِّرَات } وَقَوْله
{ بَيْن يَدَيْ رَحْمَته } أَيْ بَيْن يَدَيْ الْمَطَر كَمَا قَالَ { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّل الْغَيْث مِنْ بَعْد مَا
قَنَطُوا وَيَنْشُر رَحْمَته وَهُوَ الْوَلِيّ الْحَمِيد
} وَقَالَ { فَانْظُرْ إِلَى آثَار رَحْمَة اللَّه كَيْف يُحْيِي
الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير
} وَقَوْله
{ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا} أَيْ حَمَلَتْ الرِّيَاح سَحَابًا ثِقَالًا أَيْ مِنْ كَثْرَة مَا فِيهَا مِنْ
الْمَاء تَكُون ثَقِيلَة قَرِيبَة مِنْ الْأَرْض مُدْلَهِمَّة كَمَا قَالَ زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل رَحِمَهُ اللَّه .
وَأَسْلَمْت وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ لَهُ الْمُزْن تَحْمِل عَذْبًا زُلَالًا وَأَسْلَمْت وَجْهِي لِمَنْ
أَسْلَمَتْ لَهُ الْأَرْض تَحْمِل صَخْرًا ثِقَالًا وَقَوْله { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّت } أَيْ إِلَى أَرْض مَيِّتَة
مُجْدِبَة لَا نَبَات فِيهَا كَقَوْلِهِ { وَآيَة لَهُمْ الْأَرْض الْمَيْتَة أَحْيَيْنَاهَا } الْآيَة .
وَلِهَذَا قَالَ { فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلّ الثَّمَرَات كَذَلِكَ نُخْرِج الْمَوْتَى } أَيْ كَمَا أَحْيَيْنَا هَذِهِ
الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا كَذَلِكَ نُحْيِي الْأَجْسَاد بَعْد صَيْرُورَتهَا رَمِيمًا يَوْم الْقِيَامَة يُنْزِل اللَّه
سُبْحَانه وَتَعَالَى مَاء مِنْ السَّمَاء فَتُمْطِر الْأَرْض أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَتَنْبُت مِنْهُ الْأَجْسَاد فِي
قُبُورهَا كَمَا يَنْبُت الْحَبّ فِي الْأَرْض وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِير فِي الْقُرْآن يَضْرِب اللَّه مَثَلًا
لِيَوْمِ الْقِيَامَة بِإِحْيَاءِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا وَلِهَذَا قَالَ { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } .

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَشْكُرُونَ


قَوْله { وَالْبَلَد الطَّيِّب يَخْرُج نَبَاته بِإِذْنِ رَبّه } أَيْ وَالْأَرْض الطَّيِّبَة يَخْرُج نَبَاتهَا سَرِيعًا حَسَنًا
كَقَوْلِهِ { وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } { وَاَلَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُج إِلَّا نَكِدًا } قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره كَالسِّبَاخِ
وَنَحْوهَا وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْآيَة : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْمُؤْمِنِ
وَالْكَافِر وَقَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن أُسَامَة عَنْ اِبْن يَزِيد بْن
عَبْد اللَّه عَنْ أَبِي بُرْدَة عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ مَثَل مَا بَعَثَنِي اللَّه بِهِ مِنْ الْعِلْم وَالْهُدَى كَمَثَلِ الْغَيْث الْكَثِير أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا
نَقِيَّة قَبِلَتْ الْمَاء فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأ وَالْعُشْب الْكَثِير وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِب أَمْسَكَتْ الْمَاء فَنَفَعَ اللَّه
بِهَا النَّاس فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَة أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَان لَا تُمْسِك مَاء
وَلَا تُنْبِت كَلَأ فَذَلِكَ مَثَل مَنْ فَقِهَ فِي دِين اللَّه وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّه بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَل
مَنْ لَمْ يَرْفَع بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَل هُدَى اللَّه الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ
} .
رَوَاهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيّ مِنْ طُرُق عَنْ أَبِي أُسَامَة حَمَّاد بْن أُسَامَة بِهِ .

لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
عَذَابَ يَوْمٍ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه فَقَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْره إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم
} أَقْسَمَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُخَاطَبِينَ
بِهَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ أَرْسَلَ نُوحًا إِلَى قَوْمه مُنْذِرهمْ بَأْسه , وَمُخَوِّفهمْ سَخَطه عَلَى عِبَادَتهمْ
غَيْره , فَقَالَ لِمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ : { يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه } الَّذِي لَهُ الْعِبَادَة , وَذِلُّوا لَهُ بِالطَّاعَةِ
وَاخْضَعُوا لَهُ بِالِاسْتِكَانَةِ , وَدَعُوا عِبَادَة مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ مَعْبُود
يَسْتَوْجِب عَلَيْكُمْ الْعِبَادَة غَيْره , فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ..
{ عَذَاب يَوْم عَظِيم } يَعْنِي : عَذَاب يَوْم يَعْظُم فِيهِ بَلَاؤُكُمْ بِمَجِيئِهِ إِيَّاكُمْ بِسَخَطِ رَبّكُمْ .
وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { غَيْره } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة :
{ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِهِ } بِخَفْضِ " غَيْر " عَلَى النَّعْت لِإِلَهٍ . وَقَرَأَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل
الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرُهُ } بِرَفْعِ " غَيْر " , رَدّ الْهَاء عَلَى مَوْضِع
" مِنْ " لِأَنَّ مَوْضِعهَا رَفْع لَوْ نُزِعَتْ مِنْ الْكَلَام لَكَانَ الْكَلَام رَفْعًا , وَقِيلَ :
مَا لَكُمْ إِلَه غَيْر اللَّه , فَالْعَرَب لَمَّا وَصَفَتْ مِنْ أَنَّ الْمَعْلُوم بِالْكَلَامِ أَدْخَلَتْ " مِنْ "
فِيهِ أَوْ أَخْرَجَتْ , وَأَنَّهَا تُدْخِلهَا أَحْيَانًا فِي مِثْل هَذَا مِنْ الْكَلَام وَتُخْرِجهَا مِنْهُ أَحْيَانًا تَرُدّ
مَا نَعَتَتْ بِهِ الِاسْم الَّذِي عَمِلَتْ فِيهِ عَلَى لَفْظه , فَإِذَا خَفَضْتَ فَعَلَى كَلَام وَاحِد
لِأَنَّهَا نَعْت لِإِلَهٍ ; وَأَمَّا إِذَا رَفَعْتَ , فَعَلَى كَلَامَيْنِ : مَا لَكُمْ غَيْره مِنْ إِلَه , وَهَذَا قَوْل
يَسْتَضْعِفهُ أَهْل الْعَرَبِيَّة.

قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ الْمَلَأ مِنْ قَوْمه إِنَّا لَنَرَاك فِي ضَلَال مُبِين } وَهَذَا
خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَاب مُشْرِكِي قَوْم نُوح لِنُوح , وَهُمْ الْمَلَأ - وَالْمَلَأ :
الْجَمَاعَة مِنْ الرِّجَال لَا اِمْرَأَة فِيهِمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ حِين دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَة اللَّه وَحْده
لَا شَرِيك لَهُ : { إِنَّا لَنَرَاك } يَا نُوح { فِي ضَلَال مُبِين } يَعْنُونَ : فِي أَمْر زَائِل عَنْ الْحَقّ
مُبِين زَوَاله عَنْ قَصْد الْحَدّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ .

قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي ضَلَالَة وَلَكِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ
الْعَالَمِينَ
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ نُوح لِقَوْمِهِ مُجِيبًا لَهُمْ : يَا قَوْم لَمْ آمُرْكُمْ بِمَا أَمَرْتُكُمْ
بِهِ مِنْ إِخْلَاص التَّوْحِيد لِلَّهِ وَإِفْرَاده بِالطَّاعَةِ دُون الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة زَوَالًا مِنِّي عَنْ مَحَجَّة
الْحَقّ وَضَلَالًا لِسَبِيلِ الصَّوَاب , وَمَا بِي مَا تَظُنُّونَ مِنْ الضَّلَال , وَلَكِنِّي رَسُول إِلَيْكُمْ مِنْ
رَبّ الْعَالَمِينَ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ إِفْرَاده بِالطَّاعَةِ وَالْإِقْرَار لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَنْدَاد
وَالْآلِهَة .





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 09-11-2009, 01:05 AM
المشاركة 9

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَأَنْصَح لَكُمْ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ
ثَنَاؤُهُ عَنْ نَبِيّه نُوح عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَكَذَّبُوهُ : وَلَكِنِّي رَسُول
مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ , فَأَنَا أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي , وَأَنْصَح لَكُمْ فِي تَحْذِيرِي
إِيَّاكُمْ عِقَاب اللَّه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ وَتَكْذِيبكُمْ إِيَّايَ وَرَدّكُمْ نَصِيحَتِي .

وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

{ وَأَعْلَم مِنْ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } : مِنْ أَنَّ عِقَابه لَا يُرَدّ عَنْ الْقَوْم الْمُجْرِمِينَ .

أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْر مِنْ رَبّكُمْ عَلَى رَجُل مِنْكُمْ
لِيُنْذِركُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
} وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قِيل نُوح
لِقَوْمِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إِذْ رَدُّوا عَلَيْهِ النَّصِيحَة فِي اللَّه , وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون اللَّه بَعَثَهُ نَبِيًّا
وَقَالُوا لَهُ : { مَا نَرَاك إِلَّا بَشَرًا مِثْلنَا وَمَا نَرَاك اِتَّبَعَك إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا بَادِيَ الرَّأْي وَمَا
نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ
} : { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْر مِنْ رَبّكُمْ }
يَقُول : أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ تَذْكِير مِنْ اللَّه وَعِظَة , يُذَكِّركُمْ بِمَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ عَلَى رَجُل
مِنْكُمْ . قِيلَ : مَعْنَى قَوْله : { عَلَى رَجُل مِنْكُمْ } مَعَ رَجُل مِنْكُمْ ; { لِيُنْذِركُمْ } يَقُول :
لِيُنْذِركُمْ بَأْس اللَّه , وَيُخَوِّفكُمْ عِقَابه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ. { وَلِتَتَّقُوا } يَقُول : وَكَيْ تَتَّقُوا
عِقَاب اللَّه وَبَأْسه , بِتَوْحِيدِهِ وَإِخْلَاص الْإِيمَان بِهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ. { وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }
يَقُول : وَلِيَرْحَمكُمْ رَبّكُمْ إِنْ اِتَّقَيْتُمْ اللَّه وَخِفْتُمُوهُ وَحَذِرْتُمْ بَأْسه .
وَفُتِحَتْ الْوَاو مِنْ قَوْله : { أَوَعَجِبْتُمْ } لِأَنَّهَا وَاو عَطْف دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِف اِسْتِفْهَام .

فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْك } يَقُول تَعَالَى
ذِكْره : فَكَذَّبَ نُوحًا قَوْمه , إِذْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول إِلَيْهِمْ يَأْمُرهُمْ بِخَلْعِ الْأَنْدَاد وَالْإِقْرَار
بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَخَالَفُوا أَمْر رَبّهمْ وَلَجُّوا فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ
فَأَنْجَاهُ اللَّه فِي الْفُلْك وَاَلَّذِينَ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ . وَكَانُوا بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث
عَشْرَة , فِيمَا : 11481 - حَدَّثَنِي بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق :
نُوح وَبَنُوهُ الثَّلَاثَة : سَام , وَحَام , وَيَافِث وَأَزْوَاجهمْ , وَسِتَّة أَنَاسِيّ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ .
وَكَانَ حَمَلَ مَعَهُ فِي الْفُلْك مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ , كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :
{ وَمَنْ آمَنَّ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل } 11 40 وَالْفُلْك : هُوَ السَّفِينَة .

وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا

{ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } يَقُول : وَأَغْرَقَ اللَّه الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِهِ وَلَمْ يَتَّبِعُوا رُسُله
وَلَمْ يَقْبَلُوا نَصِيحَته إِيَّاهُمْ فِي اللَّه بِالطُّوفَانِ .

إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ

{ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ } يَقُول : عَمِينَ عَنْ الْحَقّ. كَمَا : 11482 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن
عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد
فِي قَوْل اللَّه : { عَمِينَ } قَالَ : عَنْ الْحَقّ . 11483 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن
وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { قَوْمًا عَمِينَ } قَالَ : الْعَمِي : الْعَامِي عَنْ الْحَقّ .

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ
مِنْ إِلَه غَيْره
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ; وَلِذَلِكَ نَصَبَ
" هُودًا " , لِأَنَّهُ مَعْطُوف بِهِ عَلَى نُوح عَلَيْهِمَا السَّلَام . { قَالَ } هُود :
{ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه } فَأَفْرِدُوا لَهُ الْعِبَادَة , وَلَا تَجْعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ إِلَه
غَيْره .

غَيْرُهُ أَفَلَا

{ أَفَلَا تَتَّقُونَ } رَبّكُمْ فَتَحْذَرُونَهُ وَتَخَافُونَ عِقَابه بِعِبَادَتِكُمْ غَيْره , وَهُوَ خَالِقكُمْ وَرَازِقكُمْ
دُون كُلّ مَا سِوَاهُ ؟

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمه إِنَّا لَنَرَاك فِي سَفَاهَة }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَمَّا أَجَابَ هُودًا بِهِ قَوْمه الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ :
{ قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا } يَعْنِي الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه , وَأَنْكَرُوا رِسَالَة هُود إِلَيْهِمْ :
{ إِنَّا لَنَرَاك } يَا هُود { فِي سَفَاهَة } يَعْنُونَ فِي ضَلَالَة عَنْ الْحَقّ وَالصَّوَاب , بِتَرْكِك دِيننَا
وَعِبَادَة آلِهَتنَا .

وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ

{ وَإِنَّا لَنَظُنّك مِنْ الْكَاذِبِينَ } فِي قِيلك إِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ .

قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي

{ قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي سَفَاهَة } : يَقُول : أَيْ ضَلَالَة عَنْ الْحَقّ وَالصَّوَاب .

سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ

{ وَلَكِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ } أَرْسَلَنِي , فَأَنَا أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبَّى وَأُؤَدِّيهَا إِلَيْكُمْ
كَمَا أَمَرَنِي أَنْ أُؤَدِّيَهَا .

أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي } يَعْنِي بِقَوْلِهِ :
{ أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي } : أُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَيْكُمْ أَيّهَا الْقَوْم .

وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ

{ وَأَنَا لَكُمْ نَاصِح } : يَقُول : وَأَنَا لَكُمْ فِي أَمْرِي إِيَّاكُمْ بِعِبَادَةِ اللَّه دُون مَا سِوَاهُ مِنْ
الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , وَدُعَائِكُمْ إِلَى تَصْدِيقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , نَاصِح
فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي , فَإِنِّي أَمِين عَلَى وَحْي اللَّه وَعَلَى مَا اِئْتَمَنَنِي اللَّه عَلَيْهِ مِنْ
الرِّسَالَة , لَا أَكْذِب فِيهِ وَلَا أَزِيد وَلَا أُبَدِّل , بَلْ أُبَلِّغ مَا أُمِرْت بِهِ كَمَا أُمِرْت .

أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ
بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ


{ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْر مِنْ رَبّكُمْ عَلَى رَجُل مِنْكُمْ لِيُنْذِركُمْ } أَيْ لَا تَعْجَبُوا أَنْ بَعَثَ
اللَّه إِلَيْكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسكُمْ لِيُنْذِركُمْ أَيَّام اللَّه وَلِقَاءَهُ بَلْ اِحْمَدُوا اللَّه عَلَى ذَاكُمْ
{ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِنْ بَعْد قَوْم نُوح } أَيْ وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ فِي جَعْلكُمْ
مِنْ ذُرِّيَّة نُوح الَّذِي أَهْلَكَ اللَّه أَهْل الْأَرْض بِدَعْوَتِهِ لَمَّا خَالَفُوهُ وَكَذَّبُوهُ{ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْق
بَسْطَة
} أَيْ زَادَ طُولكُمْ عَلَى النَّاس بَسْطَة أَيْ جَعَلَكُمْ أَطْوَل مِنْ أَبْنَاء جِنْسكُمْ كَقَوْلِهِ
فِي قِصَّة طَالُوت { وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } { فَاذْكُرُوا آلَاء اللَّه } أَيْ نِعَمه
وَمِنَّته عَلَيْكُمْ { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَالْآلَاء جَمْع أَلًى وَقِيلَ إِلًى .

قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا أَجِئَتنَا لِنَعْبُد اللَّه وَحْده وَنَذَر مَا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُنَا فَأْتِنَا
بِمَا تَعِدنَا إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَتْ عَاد لِهُودٍ : أَجِئْتنَا تَتَوَعَّدنَا
بِالْعِقَابِ مِنْ اللَّه عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الدِّين كَيْ نَعْبُد اللَّه وَحْده وَنَدِين لَهُ بِالطَّاعَةِ
خَالِصًا وَنَهْجُر عِبَادَة الْآلِهَة وَالْأَصْنَام الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَهَا وَنَتَبَرَّأ مِنْهَا ؟ فَلَسْنَا
فَاعِلِي ذَلِكَ وَلَا مُتَّبِعِيك عَلَى مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ , فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا مِنْ الْعِقَاب وَالْعَذَاب عَلَى
تَرْكنَا إِخْلَاص التَّوْحِيد لِلَّهِ , وَعِبَادَتنَا مَا نَعْبُد مِنْ دُونه مِنْ الْأَوْثَان إِنْ كُنْت مِنْ أَهْل
الصِّدْق عَلَى مَا تَقُول وَتَعِد !

قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ
وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ


قَالَ هُود عَلَيْهِ السَّلَام { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ رِجْس وَغَضَب } أَيْ قَدْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ
بِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ مِنْ رَبّكُمْ رِجْس قِيلَ هُوَ مَقْلُوب مِنْ رِجْز وَعَنْ اِبْن عَبَّاس مَعْنَاهُ سَخَط
وَغَضَب { أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ } أَيْ أَتُحَاجُّونَنِي فِي هَذِهِ
الْأَصْنَام الَّتِي سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ آلِهَة وَهِيَ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع وَلَا جَعَلَ اللَّه لَكُمْ
عَلَى عِبَادَتهَا حُجَّة وَلَا دَلِيلًا وَلِهَذَا قَالَ { مَا نَزَّلَ اللَّه بِهَا مِنْ سُلْطَان فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ
مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ
} . وَهَذَا تَهْدِيد وَوَعِيد مِنْ الرَّسُول لِقَوْمِهِ .






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 09-11-2009, 05:13 PM
المشاركة 10

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْجَيْنَاهُ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِر الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا
} يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْجَيْنَا نُوحًا وَاَلَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَتْبَاعه عَلَى الْإِيمَان بِهِ وَالتَّصْدِيق
بِهِ وَبِمَا عَادَ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَهَجْر الْآلِهَة وَالْأَوْثَان { بِرَحْمَة مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِر الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا
} يَقُول : وَأَهْلَكْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا مِنْ قَوْم هُود بِحُجَجِنَا جَمِيعًا عَنْ آخِرهمْ , فَلَمْ نُبْقِ
مِنْهُمْ أَحَدًا. كَمَا : 11497 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد
فِي قَوْله : { وَقَطَعْنَا دَابِر الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } قَالَ : اِسْتَأْصَلْنَاهُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى
مَعْنَى قَوْله : { فَقُطِعَ دَابِر الْقَوْم الَّذِينَ ظَلَمُوا } 6 45 بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ

{ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ } يَقُول : لَمْ يَكُونُوا مُصَدِّقِينَ بِاَللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ هُود .


وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ


"و" أَرْسَلْنَا {إلَى ثَمُود} بِتَرْكِ الصَّرْف مُرَادًا بِهِ الْقَبِيلَة {أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه
مَا لَكُمْ مِنْ إلَه غَيْره قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَة
} مُعْجِزَة {مِنْ رَبّكُمْ} عَلَى صِدْقِي
{هَذِهِ نَاقَة اللَّه لَكُمْ آيَة} حَال عَامِلهَا مَعْنَى الْإِشَارَة وَكَانُوا سَأَلُوهُ أَنْ يُخْرِجهَا لَهُمْ مِنْ
صَخْرَة عَيَّنُوهَا {فَذَرُوهَا تَأْكُل فِي أَرْض اللَّه وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} بِعَقْرٍ أَوْ ضَرْب .

وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِنْ بَعْد عَاد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره
مُخْبِرًا عَنْ قِيل صَالِح لِقَوْمِهِ وَاعِظًا لَهُمْ : { وَاذْكُرُوا } أَيّهَا الْقَوْم نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ
{ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء } يَقُول تَخْلُفُونَ عَادًا فِي الْأَرْض بَعْد هَلَاكهَا. وَخُلَفَاء : جَمْع خَلِيفَة
وَإِنَّمَا جَمْع خَلِيفَة خُلَفَاء وَفُعَلَاء إِنَّمَا هِيَ جَمْع فَعِيل , كَمَا الشُّرَكَاء جَمْع شَرِيك
وَالْعُلَمَاء جَمْع عَلِيم , وَالْحُلَمَاء جَمْع حَلِيم ; لِأَنَّهُ ذُهِبَ بِالْخَلِيفَةِ إِلَى الرَّجُل , فَكَانَ
وَاحِدهمْ خَلِيف , ثُمَّ جُمِعَ خُلَفَاء . فَأَمَّا لَوْ جُمِعَتْ الْخَلِيفَة عَلَى أَنَّهَا نَظِيرَة كَرِيمَة وَحَلِيلَة
وَرَغِيبَة قِيلَ خَلَائِف , كَمَا يُقَال : كَرَائِم وَحَلَائِل وَرَغَائِب , إِذْ كَانَتْ مِنْ صِفَات الْإِنَاث
وَإِنَّمَا جُمِعَتْ الْخَلِيفَة عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ جَاءَ بِهِمَا الْقُرْآن , لِأَنَّهَا جُمِعَتْ مَرَّة عَلَى
لَفْظهَا , وَمَرَّة عَلَى مَعْنَاهَا .

وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ

وَأَمَّا قَوْله : { وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْض } فَإِنَّهُ يَقُول : وَأَنْزَلَكُمْ فِي الْأَرْض , وَحَمَلَ لَكُمْ فِيهَا
مَسَاكِن وَأَزْوَاجًا .

تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا

{ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَال بُيُوتًا } ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْقُبُونَ الصَّخْر مَسَاكِن
كَمَا : 11509 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَاضِل , قَالَ :
ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَتَنْحِتُونَ الْجِبَال بُيُوتًا } كَانُوا يَنْقُبُونَ فِي الْجِبَال الْبُيُوت .

فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ

وَقَوْله : { فَاذْكُرُوا آلَاء اللَّه } يَقُول : فَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ .

وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

{ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ , مَا : 11510 -
حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . قَوْله :
{ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } يَقُول : لَا تَسِيرُوا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ .
وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِد . وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ
إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا
مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا
لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَل مِنْ رَبّه قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ
}
يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه } قَالَ الْجَمَاعَة الَّذِينَ
اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْم صَالِح عَنْ اِتِّبَاع صَالِح وَالْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِهِ , { لِلَّذِينَ اِسْتُضْعِفُوا }
يَعْنِي : لِأَهْلِ الْمَسْكَنَة مِنْ تُبَّاع صَالِح وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْهُمْ , دُون ذَوِي شَرَفهمَا وَأَهْل
السُّؤْدُد مِنْهُمْ : أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَل مِنْ رَبّه أَرْسَلَهُ اللَّه إِلَيْنَا وَإِلَيْكُمْ ؟
قَالَ الَّذِينَ آمَنُوا بِصَالِحٍ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْهُمْ : إِنَّا بِمَا أَرْسَلَ اللَّه بِهِ صَالِحًا مِنْ
الْحَقّ وَالْهُدَى مُؤْمِنُونَ - يَقُول : مُصَدِّقُونَ - مُقِرُّونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه وَأَنَّ اللَّه أَمَرَ بِهِ
وَعَنْ أَمْر اللَّه دَعَانَا صَالِح إِلَيْهِ.

قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ

قَالَ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا عَنْ أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله صَالِح : { إِنَّا } أَيّهَا الْقَوْم
{ بِاَلَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ } يَقُول : صَدَّقْتُمْ بِهِ مِنْ نُبُوَّة صَالِح , وَأَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ حَقّ مِنْ
عِنْد اللَّه { كَافِرُونَ } يَقُول جَاحِدُونَ مُنْكِرُونَ , لَا نُصَدِّق بِهِ وَلَا نُقِرّ .






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 09-11-2009, 05:46 PM
المشاركة 11

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير الطبري ))



فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَعَقَرُوا النَّاقَة وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره :
فَعَقَرَتْ ثَمُود النَّاقَة الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه لَهُمْ آيَة . { وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } يَقُول :
تَكَبَّرُوا وَتَجَبَّرُوا عَنْ اِتِّبَاع اللَّه , وَاسْتَعْلَوْا عَنْ الْحَقّ . كَمَا : 11511 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى
قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَتَوْا }
عُلُوًّا عَنْ الْحَقّ لَا يُبْصِرُونَهُ. * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج
عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { عَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } : عُلُوًّا فِي الْبَاطِل .
* حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله :
{ وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } قَالَ : عَتَوْا فِي الْبَاطِل وَتَرَكُوا الْحَقّ. * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو
قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه :
{ وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } قَالَ : عُلُوًّا فِي الْبَاطِل . وَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ : جَبَّار عَاتٍ :
إِذَا كَانَ عَالِيًا فِي تَجَبُّره .

وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا

{ وَقَالُوا يَا صَالِح اِئْتِنَا بِمَا تَعِدنَا } يَقُول : قَالُوا : جِئْنَا يَا صَالِح بِمَا تَعِدنَا مِنْ عَذَاب اللَّه
وَنِقْمَته ! اِسْتِعْجَالًا مِنْهُمْ لِلْعَذَابِ.

تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ

{ إِنْ كُنْت مِنْ الْمُرْسَلِينَ } يَقُول : إِنْ كُنْت لِلَّهِ رَسُولًا إِلَيْنَا , فَإِنَّ اللَّه يَنْصُر رُسُله عَلَى
أَعْدَائِهِ . فَعَجِّلْ ذَلِكَ لَهُمْ كَمَا اِسْتَعْجَلُوهُ , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة فَأَصْبَحُوا
فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ
}

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَخَذَتْ الَّذِينَ
عَقَرُوا النَّاقَة مِنْ ثَمُود الرَّجْفَة , وَهِيَ الصَّيْحَة , وَالرَّجْفَة : الْفَعْلَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل :
رَجَفَ بِفُلَانٍ كَذَا يَرْجُف رَجْفًا , وَذَلِكَ إِذَا حَرَّكَهُ وَزَعْزَعَهُ , كَمَا قَالَ الْأَخْطَل : إِمَّا تَرَيْنِي
حَنَانِي الشَّيْب مِنْ كِبَر كَالنَّسْرِ أَرْجُف وَالْإِنْسَان مَهْدُود . وَإِنَّمَا عَنَى بِالرَّجْفَةِ هَهُنَا :
الصَّيْحَة الَّتِي زَعْزَعَتهمْ وَحَرَّكَتْهُمْ لِلْهَلَاكِ , لِأَنَّ ثَمُود هَلَكَتْ بِالصَّيْحَةِ فِيمَا ذَكَرَ أَهْل الْعِلْم .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11512 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح
عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : الرَّجْفَة , قَالَ : الصَّيْحَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ :
ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 11513 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ
السُّدِّيّ : { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } وَهِيَ الصَّيْحَة. * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز
قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد : { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } قَالَ : الصَّيْحَة.

فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ

وَقَوْله : { فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ } يَقُول : فَأَصْبَحَ الَّذِينَ أَهْلَكَ اللَّه مِنْ ثَمُود فِي دَارهمْ
يَعْنِي فِي أَرْضهمْ الَّتِي هَلَكُوا فِيهَا وَبَلْدَتهمْ ; وَلِذَلِكَ وَحَّدَ الدَّار وَلَمْ يَجْمَعهَا فَيَقُول
" فِي دُورهمْ ". وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِهَا الدُّور , وَلَكِنْ وَجَّهَ بِالْوَاحِدَةِ إِلَى الْجَمْع
كَمَا قِيلَ : { وَالْعَصْر إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر } 103 1 : 2

جَاثِمِينَ

وَقَوْله : { جَاثِمِينَ } يَعْنِي : سُقُوطًا صَرْعَى لَا يَتَحَرَّكُونَ لِأَنَّهُمْ لَا أَرْوَاح فِيهِمْ قَدْ هَلَكُوا
وَالْعَرَب تَقُول لِلْبَارِكِ عَلَى الرُّكْبَة : جَاثِم , وَمِنْهُ قَوْل جَرِير : عَرَفْت الْمُنْتَأَى وَعَرَفْت
مِنْهَا مَطَايَا الْقِدْر كَالْحِدَإِ الْجُثُوم وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ
قَالَ ذَلِكَ : 11514 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد
فِي قَوْله : { فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ } قَالَ : مَيِّتِينَ.

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ

{الْقَوْل فِي تَأْوِيل أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَة رَبِّي وَنَصَحْت لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَدْبَرَ صَالِح
عَنْهُمْ حِين اِسْتَعْجَلُوهُ الْعَذَاب وَعَقَرُوا نَاقَة اللَّه خَارِجًا عَنْ أَرْضهمْ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ ;
لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَوْحَى إِلَيْهِ : إِنِّي مُهْلِكهمْ بَعْد ثَلَاثَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمْ تَهْلَك أُمَّة
وَنَبِيّهَا بَيْن أَظْهُرهَا , فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ خُرُوج صَالِح مِنْ بَيْن قَوْمه الَّذِينَ عَتَوْا
عَلَى رَبّهمْ حِين أَرَادَ اللَّه إِحْلَال عُقُوبَته بِهِمْ , فَقَالَ : فَتَوَلَّى عَنْهُمْ صَالِح , وَقَالَ
لِقَوْمِهِ ثَمُود : لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَة رَبِّي , وَأَدَّيْت إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَنِي بِأَدَائِهِ إِلَيْكُمْ رَبِّي مِنْ
أَمْره وَنَهْيه , وَنَصَحْت لَكُمْ فِي أَدَائِي رِسَالَة اللَّه إِلَيْكُمْ فِي تَحْذِيركُمْ بَأْسه بِإِقَامَتِكُمْ
عَلَى كُفْركُمْ بِهِ وَعِبَادَتكُمْ الْأَوْثَان .

لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ

{ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } لَكُمْ فِي اللَّه النَّاهِينَ لَكُمْ عَنْ اِتِّبَاع أَهْوَائِكُمْ الصَّادِّينَ
لَكُمْ عَنْ شَهَوَات أَنْفُسكُمْ .

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلُوطًا إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة } يَقُول تَعَالَى
ذِكْره : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا لُوطًا . وَلَوْ قِيلَ : مَعْنَاهُ : وَاذْكُرْ لُوطًا يَا مُحَمَّد إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ -
إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام صِلَة الرِّسَالَة كَمَا كَانَ فِي ذِكْر عَاد وَثَمُود - كَانَ مَذْهَبًا .
وَقَوْله : { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } يَقُول : حِين قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ سَدُوم , وَإِلَيْهِمْ كَانَ أُرْسِلَ
لُوط : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة } , وَكَانَتْ فَاحِشَتهمْ الَّتِي كَانُوا يَأْتُونَهَا الَّتِي عَاقَبَهُمْ اللَّه
عَلَيْهَا : إِتْيَان الذُّكُور .

مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ

{ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ } يَقُول : مَا سَبَقَكُمْ بِفِعْلِ هَذِهِ الْفَاحِشَة أَحَد
مِنْ الْعَالَمِينَ. وَذَلِكَ كَاَلَّذِي : 11515 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة
عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَوْله : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنْ
الْعَالَمِينَ
} قَالَ : مَا رُئِيَ ذَكَر عَلَى ذَكَر حَتَّى كَانَ قَوْم لُوط .

إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال شَهْوَة مِنْ دُون النِّسَاء بَلْ أَنْتُمْ
قَوْم مُسْرِفُونَ
} يُخْبِر بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ لُوط أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ , تَوْبِيخًا مِنْهُ لَهُمْ
عَلَى فِعْلهمْ : { إِنَّكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { لَتَأْتُونَ الرِّجَال } فِي أَدْبَارهمْ , { شَهْوَة }
مِنْكُمْ لِذَلِكَ , { مِنْ دُون } الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّه لَكُمْ وَأَحَلَّهُ مِنْ { النِّسَاء بَلْ أَنْتُمْ قَوْم
مُسْرِفُونَ
} يَقُول : إِنَّكُمْ لَقَوْم تَأْتُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ وَتَعْصُونَهُ بِفِعْلِكُمْ هَذَا
وَذَلِكَ هُوَ الْإِسْرَاف فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالشَّهْوَة : الْفَعْلَة , وَهِيَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل :
شَهِيت هَذَا الشَّيْء أَشْهَاهُ شَهْوَة ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَأَشْعَث يَشْهَى النَّوْم
قُلْت لَهُ اِرْتَحِلْ إِذَا مَا النُّجُوم أَعْرَضَتْ وَاسْبَطَرَّت فَقَامَ يَجُرّ الْبُرْد لَوْ أَنَّ نَفْسه يُقَال لَهُ
خُذْهَا بِكَفَّيْك خَرَّتْ

وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتكُمْ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا كَانَ جَوَاب قَوْم لُوط لِلُوطٍ إِذْ وَبَّخَهُمْ عَلَى فِعْلهمْ الْقَبِيح وَرُكُوبهمْ
مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَمَل الْخَبِيث إِلَّا أَنْ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَخْرِجُوا لُوطًا وَأَهْله !
وَلِذَلِكَ قِيلَ : أَخْرِجُوهُمْ , فَجَمَعَ وَقَدْ جَرَى قَبْل ذِكْر لُوط وَحْده دُون غَيْره. وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ
يَكُون إِنَّمَا جَمَعَ بِمَعْنَى : أَخْرِجُوا لُوطًا وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينه مِنْ قَرْيَتكُمْ , فَاكْتَفَى بِذِكْرِ
لُوط فِي أَوَّل الْكَلَام عَنْ ذِكْر أَتْبَاعه , ثُمَّ جَمَعَ فِي آخِر الْكَلَام , كَمَا قِيلَ :
{ يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء } 65 1 وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِر ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى
عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.

إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ

{ إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } يَقُول : إِنَّ لُوطًا وَمَنْ تَبِعَهُ أُنَاس يَتَنَزَّهُونَ عَمَّا نَفْعَلهُ نَحْنُ
مِنْ إِتْيَان الرِّجَال فِي الْأَدْبَار. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ
قَالَ ذَلِكَ : 11516 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا هَانِئ بْن سَعِيد النَّخَعِيّ , عَنْ
الْحَجَّاج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } قَالَ :
مِنْ أَدْبَار الرِّجَال وَأَدْبَار النِّسَاء . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان
عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } مِنْ أَدْبَار الرِّجَال وَأَدْبَار النِّسَاء .
* حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْقَاسِم
بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } قَالَ : يَتَطَهَّرُونَ مِنْ
أَدْبَار الرِّجَال وَالنِّسَاء . 11517 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ :
ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عِمَارَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد
عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } قَالَ : مِنْ أَدْبَار الرِّجَال وَمِنْ
أَدْبَار النِّسَاء . 11518 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل
قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } قَالَ : يَتَحَرَّجُونَ. 11519 -
حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة :
{ إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } يَقُول : عَابُوهُمْ بِغَيْرِ عَيْب , وَذَمُّوهُمْ بِغَيْرِ ذَمّ .

فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْله إِلَّا اِمْرَأَته كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا أَبَى قَوْم لُوط مَعَ تَوْبِيخ لُوط إِيَّاهُمْ عَلَى مَا يَأْتُونَ مِنْ
الْفَاحِشَة , وَإِبْلَاغه إِيَّاهُمْ رِسَالَة رَبّه بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , إِلَّا التَّمَادِي فِي غَيّهمْ
أَنْجَيْنَا لُوطًا وَأَهْله الْمُؤْمِنِينَ بِهِ إِلَّا اِمْرَأَته فَإِنَّهَا كَانَتْ لِلُوطٍ خَائِنَة وَبِاَللَّهِ كَافِرَة .
وَقَوْله : { مِنْ الْغَابِرِينَ } يَقُول : مِنْ الْبَاقِينَ. وَقِيلَ " مِنْ الْغَابِرِينَ " وَلَمْ يَقُلْ
" الْغَابِرَات " , لِأَنَّهُ يُرِيد أَنَّهَا مِمَّنْ بَقِيَ مَعَ الرِّجَال , فَلَمَّا ضُمَّ ذِكْرهَا إِلَى ذِكْر الرِّجَال
قِيلَ مِنْ الْغَابِرِينَ , وَالْفِعْل مِنْهُ : غَبَرَ يَغْبُر غُبُورًا وَغَبْرًا , وَذَلِكَ إِذَا بَقِيَ ;
كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : عَضَّ بِمَا أَبْقَى الْمَوَاسِي لَهُ مِنْ أُمّه فِي الزَّمَن الْغَابِر وَكَمَا قَالَ
الْآخَر : وَأَبِي الَّذِي فَتَحَ الْبِلَاد بِسَيْفِهِ فَأَذَلَّهَا لِبَنِي أَبَان الْغَابِر يَعْنِي : الْبَاقِي .
فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَانَتْ اِمْرَأَة لُوط مِمَّنْ نَجَا مِنْ الْهَلَاك الَّذِي هَلَكَ بِهِ قَوْم لُوط ؟
قِيلَ : لَا , بَلْ كَانَتْ فِيمَنْ هَلَكَ . فَإِنْ قَالَ : فَكَيْفَ قِيلَ :
{ إِلَّا اِمْرَأَته كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ } وَقَدْ قُلْت إِنَّ مَعْنَى الْغَابِر الْبَاقِي , فَقَدْ وَجَبَ أَنْ
تَكُون قَدْ بَقِيَتْ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْر الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ ; وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ :
إِلَّا اِمْرَأَته كَانَتْ مِنْ الْبَاقِينَ قَبْل الْهَلَاك وَالْمُعَمَّرِينَ الَّذِينَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِمْ دَهْر كَبِير
وَمَرَّ بِهِمْ زَمَن كَثِير , حَتَّى هَرِمَتْ فِيمَنْ هَرَم مِنْ النَّاس , فَكَانَتْ مِمَّنْ عُمِّرَ الدَّهْر
الطَّوِيل قَبْل هَلَاك الْقَوْم , فَهَلَكَتْ مَعَ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَوْم لُوط حِين جَاءَهُمْ الْعَذَاب .
وَقِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مِنْ الْبَاقِينَ فِي عَذَاب اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11520 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة :
{ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ } 26 171 فِي عَذَاب اللَّه.

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَمْطَرْنَا
عَلَى قَوْم لُوط الَّذِينَ كَذَّبُوا لُوطًا وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ مَطَرًا مِنْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل
أَهْلَكْنَاهُمْ بِهِ .

فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ

{ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرِمِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد إِلَى عَاقِبَة
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَوْم لُوط , فَاجْتَرَمُوا مَعَاصِي اللَّه وَرَكِبُوا
الْفَوَاحِش وَاسْتَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ أَدْبَار الرِّجَال , كَيْفَ كَانَتْ وَإِلَى أَيّ شَيْء
صَارَتْ ! هَلْ كَانَتْ إِلَّا الْبَوَار وَالْهَلَاك ؟ فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْ نَظِيره مِنْ الْعُقُوبَة , عَاقِبَة مِنْ
كَذَّبَك وَاسْتَكْبَرَ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقك إِنْ لَمْ يَتُوبُوا , مِنْ قَوْمك .

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ
بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ


قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : هُمْ مِنْ سُلَالَة مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم وَشُعَيْب هُوَ اِبْن ميكيل
بْن يَشْجُر قَالَ وَاسْمه بِالسُّرْيَانِيَّةِ يثرون . " قُلْت " مَدْيَن تُطْلَق عَلَى الْقَبِيلَة وَعَلَى
الْمَدِينَة وَهِيَ الَّتِي بِقُرْبِ مَعَان مِنْ طَرِيق الْحِجَاز قَالَ اللَّه تَعَالَى { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء
مَدْيَن وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّة مِنْ النَّاس يَسْقُونَ
} وَهُمْ أَصْحَاب الْأَيْكَة كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ
شَاءَ اللَّه وَبِهِ الثِّقَة { قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْره } هَذِهِ دَعْوَة
الرُّسُل كُلّهمْ { قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَة مِنْ رَبّكُمْ} أَيْ قَدْ أَقَامَ اللَّه الْحُجَج وَالْبَيِّنَات عَلَى
صِدْق مَا جِئْتُكُمْ بِهِ ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي مُعَامَلَتهمْ النَّاس بِأَنْ يُوفُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان
وَلَا يَبْخَسُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ أَيْ لَا يَخُونُوا النَّاس فِي أَمْوَالهمْ وَيَأْخُذُوهَا عَلَى وَجْه
الْبَخْس وَهُوَ نَقْص الْمِكْيَال وَالْمِيزَان خُفْيَة وَتَدْلِيسًا كَمَا قَالَ تَعَالَى
{ وَيْل لِلْمُطَفِّفِينَ - إِلَى قَوْله - لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } وَهَذَا تَهْدِيد شَدِيد وَوَعِيد أَكِيد
نَسْأَل اللَّه الْعَافِيَة مِنْهُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْب الَّذِي يُقَال لَهُ خَطِيب
الْأَنْبِيَاء لِفَصَاحَةِ عِبَارَته وَجَزَالَة مَوْعِظَته .





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 12-11-2009, 12:04 AM
المشاركة 12

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا
إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ


يَنْهَاهُمْ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ قَطْع الطَّرِيق الْحِسِّيّ وَالْمَعْنَوِيّ بِقَوْلِهِ
" وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ" أَيْ تَتَوَعَّدُونَ النَّاس بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يُعْطُوكُمْ أَمْوَالهمْ.
قَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره : كَانُوا عَشَّارِينَ وَعَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد " وَلَا تَقْعُدُوا
بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ
" أَيْ تَتَوَعَّدُونَ الْمُؤْمِنِينَ الْآتِينَ إِلَى شُعَيْب لِيَتَّبِعُوهُ وَالْأَوَّل أَظْهَر
لِأَنَّهُ قَالَ " بِكُلِّ صِرَاط " وَهُوَ الطَّرِيق وَهَذَا الثَّانِي هُوَ قَوْله " وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه
مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا
" أَيْ وَتَوَدُّونَ أَنْ تَكُون سَبِيل اللَّه عِوَجًا مَائِلَة " وَاذْكُرُوا إِذْ
كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ
" أَيْ كُنْتُمْ مُسْتَضْعَفِينَ لِقِلَّتِكُمْ فَصِرْتُمْ أَعِزَّة لِكَثْرَةِ عَدَدكُمْ فَاذْكُرُوا
نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ " وَانْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُفْسِدِينَ " أَيْ مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة
وَالْقُرُون الْمَاضِيَة وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ الْعَذَاب وَالنَّكَال بِاجْتِرَائِهِمْ عَلَى مَعَاصِي اللَّه وَتَكْذِيب
رُسُله .

وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ
بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ


قَوْله " وَإِنْ كَانَ طَائِفَة مِنْكُمْ آمَنُوا بِاَلَّذِينَ أُرْسِلْت بِهِ وَطَائِفَة لَمْ يُؤْمِنُوا " أَيْ قَدْ اِخْتَلَفْتُمْ
عَلَيَّ " فَاصْبِرُوا " أَيْ اِنْتَظَرُوا " حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْننَا " وَبَيْنكُمْ أَيْ يَفْصِل " وَهُوَ خَيْر
الْحَاكِمِينَ
" فَإِنَّهُ سَيَجْعَلُ الْعَاقِبَة لِلْمُتَّقِينَ وَالدَّمَار عَلَى الْكَافِرِينَ .

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا
أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا


هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَمَّا وَاجَهَتْ بِهِ الْكُفَّار نَبِيّه شُعَيْبًا وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي
تَوَعُّدهمْ إِيَّاهُ وَمَنْ مَعَهُ بِالنَّفْيِ عَنْ الْقَرْيَة أَوْ الْإِكْرَاه عَلَى الرُّجُوع فِي مِلَّتهمْ وَالدُّخُول
مَعَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ وَهَذَا خِطَاب مَعَ الرَّسُول وَالْمُرَاد أَتْبَاعه الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ عَلَى الْمِلَّة
وَقَوْله " أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ " يَقُول أَوْ أَنْتُمْ فَاعِلُونَ ذَلِكَ وَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ فَإِنَّا
إِنْ رَجَعْنَا إِلَى مِلَّتكُمْ وَدَخَلْنَا مَعَكُمْ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ فَقَدْ أَعْظَمْنَا الْفِرْيَة عَلَى اللَّه فِي
جَعْل الشُّرَكَاء مَعَهُ أَنْدَادًا وَهَذَا تَنْفِير مِنْهُ مِنْ اِتِّبَاعهمْ.

قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ
نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ


" وَمَا يَكُون لَنَا أَنْ نَعُود فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه رَبّنَا " وَهَذَا رَدّ إِلَى اللَّه مُسْتَقِيم فَإِنَّهُ
يَعْلَم كُلّ شَيْء وَقَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْمًا " عَلَى اللَّه تَوَكَّلْنَا " أَيْ فِي أُمُورنَا مَا نَأْتِي
مِنْهَا وَمَا نَذَر " رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ " أَيْ اُحْكُمْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا وَانْصُرْنَا
عَلَيْهِمْ " وَأَنْتَ خَيْر الْفَاتِحِينَ " أَيْ خَيْر الْحَاكِمِينَ فَإِنَّك الْعَادِل الَّذِي لَا يَجُور أَبَدًا .

وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ

يُخْبِر تَعَالَى عَنْ شِدَّة كُفْرهمْ وَتَمَرُّدهمْ وَعُتُوّهُمْ وَمَا هُمْ فِيهِ مِنْ الضَّلَال وَمَا جُبِلَتْ
عَلَيْهِ قُلُوبهمْ مِنْ الْمُخَالَفَة لِلْحَقِّ وَلِهَذَا أَقْسَمُوا وَقَالُوا " لَئِنْ اِتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا
لَخَاسِرُونَ
" .









عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 12-11-2009, 12:24 AM
المشاركة 13

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ

قَوْله " فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ" أَخْبَرَ تَعَالَى هُنَا أَنَّهُمْ أَخَذَتْهُمْ
الرَّجْفَة وَذَلِكَ كَمَا أَرْجَفُوا شُعَيْبًا وَأَصْحَابه وَتَوَعَّدُوهُمْ بِالْجَلَاءِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي سُورَة
هُود فَقَالَ " وَلَمَّا جَاءَ أَمْرنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ
ظَلَمُوا الصَّيْحَة فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارهمْ جَاثِمِينَ
" وَالْمُنَاسَبَة هُنَاكَ وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُمْ لَمَّا
تَهَكَّمُوا بِهِ فِي قَوْلهمْ " أَصَلَاتك تَأْمُرك " الْآيَة . فَجَاءَتْ الصَّيْحَة فَأَسْكَتَتْهُمْ وَقَالَ تَعَالَى
إِخْبَارًا عَنْهُمْ فِي سُورَة الشُّعَرَاء " فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم
عَظِيم
" وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ فِي سِيَاق الْقِصَّة " فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنْ السَّمَاء "
الْآيَة " فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة وَقَدْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ كُلّه
" أَصَابَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة
" وَهِيَ سَحَابَة أَظَلَّتْهُمْ فِيهَا شَرَر مِنْ نَار وَلَهَب وَوَهَج عَظِيم
ثُمَّ جَاءَتْهُمْ صَيْحَة مِنْ السَّمَاء وَرَجْفَة مِنْ الْأَرْض شَدِيدَة مِنْ أَسْفَل مِنْهُمْ فَزَهَقَتْ الْأَرْوَاح
وَفَاضَتْ النُّفُوس وَخَمَدَتْ الْأَجْسَام " فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ " .

الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ

قَالَ تَعَالَى " كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا " أَيْ كَأَنَّهُمْ لَمَّا أَصَابَتْهُمْ النِّقْمَة لَمْ يُقِيمُوا بِدِيَارِهِمْ الَّتِي
أَرَادُوا إِجْلَاء الرَّسُول وَصَحْبه مِنْهَا ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُقَابِلًا لِقِيلِهِمْ" الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا
هُمْ الْخَاسِرِينَ
" .

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ

أَيْ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَمَا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْعَذَاب وَالنِّقْمَة وَالنَّكَال
وَقَالَ مُقْرِعًا لَهُمْ وَمُوَبِّخًا " يَا قَوْم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَنَصَحْت لَكُمْ " أَيْ قَدْ أَدَّيْت
إِلَيْكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ فَلَا آسَف عَلَيْكُمْ وَقَدْ كَفَرْتُمْ بِمَا جِئْتُمْ بِهِ فَلِهَذَا قَالَ " فَكَيْف آسَى
عَلَى قَوْم كَافِرِينَ
" .

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا اِخْتَبَرَ بِهِ الْأُمَم الْمَاضِيَة الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ الْأَنْبِيَاء بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاء
يَعْنِي بِالْبَأْسَاءِ مَا يُصِيبهُمْ فِي أَبْدَانهمْ مِنْ أَمْرَاض وَأَسْقَام وَالضَّرَّاء مَا يُصِيبهُمْ مِنْ فَقْر
وَحَاجَة وَنَحْو ذَلِكَ " لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ" أَيْ يَدْعُوَن وَيَخْشَعُونَ وَيَبْتَهِلُونَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي
كَشْف مَا نَزَلَ بِهِمْ . وَتَقْدِير الْكَلَام أَنَّهُ اِبْتَلَاهُمْ بِالشِّدَّةِ لِيَتَضَرَّعُوا فَمَا فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ الَّذِي
أَرَادَ مِنْهُمْ فَقَلَبَ عَلَيْهِمْ الْحَال إِلَى الرَّخَاء لِيَخْتَبِرهُمْ فِيهِ .

ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ
بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ


قَالَ " ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَان السَّيِّئَة الْحَسَنَة " أَيْ حَوَّلْنَا الْحَال مِنْ شِدَّة إِلَى رَخَاء وَمِنْ مَرَض
وَسَقَم إِلَى صِحَّة وَعَافِيَة وَمِنْ فَقْر إِلَى غِنًى لِيَشْكُرُوا عَلَى ذَلِكَ فَمَا فَعَلُوا وَقَوْله
" حَتَّى عَفَوْا " أَيْ كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ يُقَال عَفَا الشَّيْء إِذَا كَثُرَ" وَقَالُوا قَدْ مَسَّ
آبَاءَنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَة وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " يَقُول تَعَالَى اِبْتَلَيْنَاهُمْ بِهَذَا وَهَذَا
لِيَتَضَرَّعُوا وَيُنِيبُوا إِلَى اللَّه فَمَا نَجَعَ فِيهِمْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا وَلَا اِنْتَهَوْا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا قَالُوا قَدْ
مَسَّنَا مِنْ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء ثُمَّ بَعْده مِنْ الرَّخَاء مِثْل مَا أَصَابَ آبَاءَنَا فِي قَدِيم الزَّمَان
وَالدَّهْر وَإِنَّمَا هُوَ الدَّهْر تَارَات وَتَارَات بَلْ لَمْ يَتَفَطَّنُوا لِأَمْرِ اللَّه فِيهِمْ وَلَا اِسْتَشْعَرُوا اِبْتِلَاء
اللَّه لَهُمْ فِي الْحَالَيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ حَال الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَشْكُرُونَ اللَّه عَلَى السَّرَّاء
وَيَصْبِرُونَ عَلَى الضَّرَّاء كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ " عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ لَا يَقْضِي اللَّه لَهُ قَضَاء إِلَّا
كَانَ خَيْرًا لَهُ إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاء صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاء شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
"
فَالْمُؤْمِن مَنْ يَتَفَطَّن لِمَا اِبْتَلَاهُ اللَّه بِهِ مِنْ الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث
" لَا يَزَال الْبَلَاء بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى يَخْرُج نَقِيًّا مِنْ ذُنُوبه وَالْمُنَافِق مَثَله كَمَثَلِ الْحِمَار لَا يَدْرِي
فِيمَ رَبَطَهُ أَهْله وَلَا فِيمَ أَرْسَلُوهُ
" أَوْ كَمَا قَالَ وَلِهَذَا عَقَّبَ هَذِهِ الصِّفَة بِقَوْلِهِ " فَأَخَذْنَاهُمْ
بَغْتَة وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
" أَيْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ بَغْتَة أَيْ عَلَى بَغْتَة وَعَدَم شُعُور مِنْهُمْ أَيْ
أَخَذْنَاهُمْ فَجْأَة كَمَا فِي الْحَدِيث " مَوْت الْفَجْأَة رَحْمَة لِلْمُؤْمِنِ وَأَخْذَة أَسَف لِلْكَافِرِ " .

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ


يُخْبِر تَعَالَى عَنْ قِلَّة إِيمَان أَهْل الْقُرَى الَّذِينَ أُرْسِلَ فِيهِمْ الرُّسُل كَقَوْلِهِ تَعَالَى " فَلَوْلَا كَانَتْ
قَرْيَة آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانهَا إِلَّا قَوْم يُونُس لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَاب الْخِزْي فِي الْحَيَاة
الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين
" أَيْ مَا آمَنَتْ قَرْيَة بِتَمَامِهَا إِلَّا قَوْم يُونُس فَإِنَّهُمْ آمَنُوا وَذَلِكَ
بَعْدَمَا عَايَنُوا الْعَذَاب كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ
إِلَى حِين
" وَقَالَ تَعَالَى " مَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير " الْآيَة وَقَوْله تَعَالَى " وَلَوْ أَنَّ أَهْل
الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا
" أَيْ آمَنَتْ قُلُوبهمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُل وَصَدَّقَتْ بِهِ وَاتَّبَعُوهُ وَاتَّقُوا بِفِعْلِ
الطَّاعَات وَتَرْك الْمُحَرَّمَات " لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض " أَيْ قَطْر السَّمَاء
وَنَبَات الْأَرْض قَالَ تَعَالَى " وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " أَيْ وَلَكِنْ كَذَّبُوا
رُسُلهمْ فَعَاقَبْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ عَلَى مَا كَسَبُوا مِنْ الْمَآثِم وَالْمَحَارِم .

أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ

قَالَ تَعَالَى مُخَوِّفًا وَمُحَذِّرًا مِنْ مُخَالَفَة أَوَامِره وَالتَّجَرُّؤ عَلَى زَوَاجِره " أَفَأَمِنَ أَهْل الْقُرَى"
أَيْ الْكَافِرَة " أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسنَا " أَيْ عَذَابنَا وَنَكَالنَا" بَيَاتًا " أَيْ لَيْلًا " وَهُمْ نَائِمُونَ " .

أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ

" أَوَأَمِنَ أَهْل الْقُرَى أَنْ يَأْتِيهِمْ بَأْسنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ " أَيْ فِي حَال شُغْلهمْ وَغَفْلَتهمْ .

أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ

" أَفَأَمِنُوا مَكْر اللَّه " أَيْ بَأْسه وَنِقْمَته وَقُدْرَته عَلَيْهِمْ وَأَخْذه إِيَّاهُمْ فِي حَال سَهْوهمْ
وَغَفْلَتهمْ" فَلَا يَأْمَن مَكْر اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْخَاسِرُونَ " وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه :
الْمُؤْمِن يَعْمَل بِالطَّاعَاتِ وَهُوَ مُشْفِق وَجِل خَائِف وَالْفَاجِر يَعْمَل بِالْمَعَاصِي وَهُوَ آمِن .

أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ


"أَوَلَمْ يَهْدِ" يَتَبَيَّن "لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْض" بِالسُّكْنَى "مِنْ بَعْد" هَلَاك "أَهْلهَا أَنْ" مُخَفَّفَة
وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ أَنَّهُ "لَوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُمْ" بِالْعَذَابِ "بِذُنُوبِهِمْ" كَمَا أَصَبْنَا مَنْ قَبْلهمْ
وَالْهَمْزَة فِي الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة لِلتَّوْبِيخِ وَالْفَاء وَالْوَاو الدَّاخِلَة عَلَيْهِمَا لِلْعَطْفِ وَفِي قِرَاءَة
بِسُكُونِ الْوَاو فِي الْمَوْضِع الْأَوَّل عَطْفًا بِأَوْ "وَنَطْبَع" نَحْنُ نَخْتِم
"عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ" الْمَوْعِظَة سَمَاع تَدَبُّر.






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 18-11-2009, 05:17 PM
المشاركة 14

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا
كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ


لَمَّا قَصَّ تَعَالَى عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَر قَوْم نُوح وَهُود وَصَالِح وَلُوط
وَشُعَيْب وَمَا كَانَ مِنْ إِهْلَاكه الْكَافِرِينَ وَإِنْجَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُ تَعَالَى أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ بِأَنْ
بَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسِنَة الرُّسُل صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَالَ تَعَالَى
" تِلْكَ الْقُرَى نَقُصّ عَلَيْك " أَيْ يَا مُحَمَّد " مِنْ أَنْبَائِهَا " أَيْ مِنْ أَخْبَارهَا " وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ
رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ
" أَيْ الْحُجَج عَلَى صِدْقهمْ فِيمَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى
" وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا " وَقَالَ تَعَالَى " ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاء الْقُرَى نَقُصّهُ عَلَيْك
مِنْهَا قَائِم وَحَصِيد وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ
" وَقَوْله تَعَالَى
" فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل " الْبَاء سَبَبِيَّة أَيْ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا جَاءَتْهُمْ
بِهِ الرُّسُل بِسَبَبِ تَكْذِيبهمْ بِالْحَقِّ أَوَّل مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ حَكَاهُ اِبْن عَطِيَّة رَحِمَهُ اللَّه وَهُوَ
مُتَّجَه حَسَن كَقَوْلِهِ" وَمَا يُشْعِركُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ
كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة
" الْآيَة وَلِهَذَا قَالَ هُنَا " كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الْكَافِرِينَ " .

وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ

" وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ " أَيْ لِأَكْثَر الْأُمَم الْمَاضِيَة " مِنْ عَهْد وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرهمْ لَفَاسِقِينَ"
أَيْ وَلَقَدْ وَجَدْنَا أَكْثَرهمْ فَاسْقِينَ خَارِجِينَ عَنْ الطَّاعَة وَالِامْتِثَال وَالْعَهْد الَّذِي أَخَذَهُ هُوَ
مَا جَبَلَهُمْ عَلَيْهِ وَفَطَرَهُمْ عَلَيْهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصْلَاب أَنَّهُ رَبّهمْ وَمَلِيكهمْ وَأَنَّهُ لَا إِلَه
إِلَّا هُوَ وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ بِهِ وَخَالَفُوهُ وَتَرَكُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ وَعَبَدُوا مَعَ
اللَّه غَيْره بِلَا دَلِيل وَلَا حُجَّة لَا مِنْ عَقْل وَلَا شَرْع وَفِي الْفِطَر السَّلِيمَة خِلَاف ذَلِكَ
وَجَاءَتْ الرُّسُل الْكِرَام مِنْ أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهمْ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم
" يَقُول اللَّه تَعَالَى : إِنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاء فَجَاءَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ
دِينهمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ
" وَفِي الصَّحِيحَيْنِ" كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة
فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ
" الْحَدِيث وَقَالَ تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز " وَمَا أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
" وَقَوْله تَعَالَى " وَاسْأَلْ مَنْ
أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ رُسُلنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُون الرَّحْمَن آلِهَة يُعْبَدُونَ
" وَقَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا
فِي كُلّ أُمَّة رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت " إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات وَقَدْ قِيلَ
فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى " فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل " مَا رَوَى أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ
عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب فِي قَوْله " فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا
كَذَّبُوا مِنْ قَبْل
" قَالَ كَانَ فِي عِلْمه تَعَالَى يَوْم أَقَرُّوا لَهُ بِالْمِيثَاقِ أَيْ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا
لِعِلْمِ اللَّه مِنْهُمْ ذَلِكَ وَكَذَا قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب عَنْ
أَنَس وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَقَالَ السُّدِّيّ " فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل " قَالَ ذَلِكَ يَوْم
أَخَذَ مِنْهُمْ الْمِيثَاق فَآمَنُوا كَرْهًا وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله " فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا
مِنْ قَبْل
" هَذَا كَقَوْلِهِ " وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا" الْآيَة .

ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُفْسِدِينَ

يَقُول تَعَالَى " ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدهمْ " أَيْ الرُّسُل الْمُتَقَدِّم ذِكْرهمْ كَنُوحٍ وَهُود وَصَالِح وَلُوط
وَشُعَيْب صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ وَعَلَى سَائِر أَنْبِيَاء اللَّه أَجْمَعِينَ" مُوسَى بِآيَاتِنَا "
أَيْ بِحُجَجِنَا وَدَلَائِلنَا الْبَيِّنَة إِلَى فِرْعَوْن وَهُوَ مَلِك مِصْر فِي زَمَن مُوسَى " وَمَلَئِهِ "
أَيْ قَوْمه " فَظَلَمُوا بِهَا " أَيْ جَحَدُوا وَكَفَرُوا بِهَا ظُلْمًا مِنْهُمْ وَعِنَادًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
" وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسهمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُفْسِدِينَ"
أَيْ الَّذِينَ صَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه وَكَذَّبُوا رُسُله أَيْ اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْف فَعَلْنَا بِهِمْ وَأَغْرَقْنَاهُمْ
عَنْ آخِرهمْ بِمَرْأًى مِنْ مُوسَى وَقَوْمه وَهَذَا أَبْلَغ فِي النَّكَال بِفِرْعَوْن وَقَوْمه وَأَشْفَى
لِقُلُوبِ أَوْلِيَاء اللَّه مُوسَى وَقَوْمه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ .

وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ

يُخْبِر تَعَالَى عَنْ مُنَاظَرَة مُوسَى لِفِرْعَوْن وَإِلْجَامه إِيَّاهُ بِالْحُجَّةِ وَإِظْهَاره الْآيَات الْبَيِّنَات
بِحَضْرَةِ فِرْعَوْن وَقَوْمه مِنْ قِبْط مِصْر فَقَالَ تَعَالَى " وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْن إِنِّي رَسُول
مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ
" أَيْ أَرْسَلَنِي الَّذِي هُوَ خَالِق كُلّ شَيْء وَرَبّه وَمَلِيكه .

حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ


" حَقِيق عَلَى أَنْ لَا أَقُول عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ " فَقَالَ بَعْضهمْ مَعْنَاهُ حَقِيق بِأَنْ لَا أَقُول
عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ أَيْ جَدِير بِذَلِكَ وَحَرِيّ بِهِ قَالُوا وَالْبَاء وَعَلَى يَتَعَاقَبَانِ يُقَال رَمَيْت
بِالْقَوْسِ وَعَلَى الْقَوْس وَجَاءَ عَلَى حَال حَسَنَة وَبِحَالٍ حَسَنَة وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ
مَعْنَاهُ حَرِيص عَلَى أَنْ لَا أَقُول عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ وَقَرَأَ آخَرُونَ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة حَقِيق
عَلَى بِمَعْنَى وَاجِب وَحَقّ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا أُخْبِر عَنْهُ إِلَّا بِمَا هُوَ حَقّ وَصِدْق لِمَا أَعْلَم
مِنْ جَلَاله وَعَظِيم شَأْنه " قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبّكُمْ" أَيْ بِحُجَّةٍ قَاطِعَة مِنْ اللَّه
أَعْطَانِيهَا دَلِيلًا عَلَى صِدْقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ " فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيل" أَيْ أَطْلِقْهُمْ
مِنْ أَسْرك وَقَهْرك وَدَعْهُمْ وَعِبَادَة رَبّك وَرَبّهمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ سُلَالَة نَبِيّ كَرِيم إِسْرَائِيل وَهُوَ
يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن .

قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

" قَالَ إِنْ كُنْت جِئْت بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ" أَيْ قَالَ فِرْعَوْن لَسْت بِمُصَدِّقِك
فِيمَا قُلْت وَلَا بِمُطِيعِك فِيمَا طَلَبْت فَإِنْ كَانَتْ مَعَك حُجَّة فَأَظْهِرْهَا لِنَرَاهَا إِنْ كُنْت صَادِقًا
فِيمَا اِدَّعَيْت .

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ

قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " ثُعْبَان مُبِين " الْحَيَّة الذَّكَر وَكَذَا قَالَ
السُّدِّيّ وَالضَّحَّاك وَفِي حَدِيث الْفُتُون مِنْ رِوَايَة يَزِيد بْن هَارُون بْن الْأَصْبَغ بْن زَيْد عَنْ
الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ" فَأَلْقَى عَصَاهُ "
فَتَحَوَّلَتْ حَيَّة عَظِيمَة فَاغِرَة فَاهَا مُسْرِعَة إِلَى فِرْعَوْن فَلَمَّا رَآهَا فِرْعَوْن أَنَّهَا قَاصِدَة إِلَيْهِ
اِقْتَحَمَ عَنْ سَرِيره وَاِسْتَغَاثَ بِمُوسَى أَنْ يَكُفّهَا عَنْهُ فَفَعَلَ وَقَالَ قَتَادَة : تَحَوَّلَتْ حَيَّة
عَظِيمَة مِثْل الْمَدِينَة . وَقَالَ السُّدِّيّ فِي قَوْله " فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين "
الثُّعْبَان الذَّكَر مِنْ الْحَيَّات فَاتِحَة فَاهَا وَاضِعَة لَحْيهَا الْأَسْفَل فِي الْأَرْض وَالْآخَر عَلَى
سُور الْقَصْر ثُمَّ تَوَجَّهَتْ نَحْو فِرْعَوْن لِتَأْخُذهُ فَلَمَّا رَآهَا ذُعِرَ مِنْهَا وَوَثَبَ وَأَحْدَثَ وَلَمْ يَكُنْ
يُحْدِث قَبْل ذَلِكَ وَصَاحَ يَا مُوسَى خُذْهَا وَأَنَا أُومِن بِك وَأُرْسِل مَعَك بَنِي إِسْرَائِيل
فَأَخَذَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَعَادَتْ عَصًا وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْو هَذَا
وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه لَمَّا دَخَلَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْن قَالَ لَهُ فِرْعَوْن أَعْرِفك قَالَ نَعَمْ قَالَ
" أَلَمْ نُرَبِّك فِينَا وَلِيدًا " قَالَ فَرَدَّ إِلَيْهِ مُوسَى الَّذِي رَدَّ فَقَالَ فِرْعَوْن خُذُوهُ فَبَادَرَ مُوسَى
" فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين " فَحَمَلَتْ عَلَى النَّاس فَانْهَزَمُوا مِنْهَا فَمَاتَ مِنْهُمْ
خَمْسَة وَعِشْرُونَ أَلْفًا قَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا وَقَامَ فِرْعَوْن مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ الْبَيْت .
رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَالْإِمَام أَحْمَد فِي كِتَابه الزُّهْد وَابْن أَبِي حَاتِم وَفِيهِ غَرَابَة فِي سِيَاقه
وَاَللَّه أَعْلَم .

وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ

قَوْله " وَنَزَعَ يَده فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ " أَيْ أَخْرَجَ يَده مِنْ دِرْعه بَعْدَمَا أَدْخَلَهَا فِيهِ
فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء تَتَلَأْلَأ مِنْ غَيْر بَرَص وَلَا مَرَض كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَأَدْخِلْ يَدك فِي جَيْبك
تَخْرُج بَيْضَاء مِنْ غَيْر سُوء
" الْآيَة وَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِي حَدِيث الْفُتُون مِنْ غَيْر سُوء يَعْنِي
مِنْ غَيْر بَرَص ثُمَّ أَعَادَهَا إِلَى كُمّه فَعَادَتْ إِلَى لَوْنهَا الْأَوَّل وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد . .

قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ

أَيْ قَالَ الْمَلَأ وَهُمْ الْجُمْهُور وَالسَّادَة مِنْ قَوْم فِرْعَوْن مُوَافِقِينَ لِقَوْلِ فِرْعَوْن فِيهِ بَعْدَمَا
رَجَعَ إِلَيْهِ رَوْعه وَاسْتَقَرَّ عَلَى سَرِير مَمْلَكَته بَعْد ذَلِكَ قَالَ لِلْمَلَأِ حَوْله
" إِنَّ هَذَا لَسَاحِر عَلِيم " فَوَافَقُوهُ وَقَالُوا كَمَقَالَتِهِ وَتَشَاوَرُوا فِي أَمْره كَيْف يَصْنَعُونَ فِي أَمْره
وَكَيْف تَكُون حِيلَتهمْ فِي إِطْفَاء نُوره وَإِخْمَاد كَلِمَته وَظُهُور كَذِبه وَافْتِرَائِهِ وَتَخَوَّفُوا أَنْ
يَسْتَمِيل النَّاس بِسِحْرِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ فَيَكُون ذَلِكَ سَبَبًا لِظُهُورِهِ عَلَيْهِمْ .






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 18-11-2009, 07:26 PM
المشاركة 15

  • غير متواجد
رد: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )


(( تفسير ابن كثير ))



يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ

إِخْرَاجه إِيَّاهُمْ مِنْ أَرْضهمْ وَاَلَّذِي خَافُوا مِنْهُ وَقَعُوا فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَنُرِيَ فِرْعَوْن وَهَامَان
وَجُنُودهمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ
" فَلَمَّا تَشَاوَرُوا فِي شَأْنه وَائْتَمَرُوا بِمَا فِيهِ اِتَّفَقَ رَأْيهمْ
عَلَى مَا حَكَاهُ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ.

قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس " أَرْجِهْ " أَخِّرْهُ وَقَالَ قَتَادَة اِحْبِسْهُ" وَأَرْسِلْ " أَيْ اِبْعَثْ " فِي الْمَدَائِن "
أَيْ فِي الْأَقَالِيم وَمَدَائِن مُلْكك " حَاشِرِينَ " أَيْ مَنْ يَحْشُر لَك السَّحَرَة مِنْ سَائِر الْبِلَاد
وَيَجْمَعهُمْ وَقَدْ كَانَ السِّحْر فِي زَمَانهمْ غَالِبًا كَثِيرًا ظَاهِرًا وَاعْتَقَدَ مَنْ اِعْتَقَدَ مِنْهُمْ
وَأُوهِمَ مَنْ أُوهِمَ مِنْهُمْ أَنَّ مَا جَاءَ مُوسَى بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ قَبِيل مَا تُشَعْبِذُهُ
سَحَرَتهمْ فَلِهَذَا جَمَعُوا لَهُ السَّحَرَة لِيُعَارِضُوهُ بِنَظِيرِ مَا أَرَاهُمْ مِنْ الْبَيِّنَات .

يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ

أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْن حَيْثُ قَالَ " أَجِئْتنَا لِتُخْرِجنَا مِنْ أَرْضنَا بِسِحْرِك يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّك
بِسِحْرٍ مِثْله فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك مَوْعِدًا لَا نُخْلِفهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى قَالَ مَوْعِدكُمْ
يَوْم الزِّينَة وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى فَتَوَلَّى فِرْعَوْن فَجَمَعَ كَيْده ثُمَّ أَتَى
" وَقَالَ تَعَالَى هَاهُنَا .

وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ

يُخْبِر تَعَالَى عَمَّا تَشَارَطَ عَلَيْهِ فِرْعَوْن وَالسَّحَرَة الَّذِينَ اِسْتَدْعَاهُمْ لِمُعَارَضَةِ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَام إِنْ غَلَبُوا مُوسَى لَيُثِيبَنَّهُمْ وَلَيُعْطِيَنَّهُمْ عَطَاء جَزِيلًا فَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ
أَنْ يُعْطِيهِمْ مَا أَرَادُوا وَيَجْعَلهُمْ مِنْ جُلَسَائِهِ وَالْمُقَرَّبِينَ عِنْده فَلَمَّا تَوَثَّقُوا مِنْ فِرْعَوْن
لَعَنَهُ اللَّه .

قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ

يُخْبِر تَعَالَى عَمَّا تَشَارَطَ عَلَيْهِ فِرْعَوْن وَالسَّحَرَة الَّذِينَ اِسْتَدْعَاهُمْ لِمُعَارَضَةِ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَام إِنْ غَلَبُوا مُوسَى لَيُثِيبَنَّهُمْ وَلَيُعْطِيَنَّهُمْ عَطَاء جَزِيلًا فَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ
أَنْ يُعْطِيهِمْ مَا أَرَادُوا وَيَجْعَلهُمْ مِنْ جُلَسَائِهِ وَالْمُقَرَّبِينَ عِنْده فَلَمَّا تَوَثَّقُوا مِنْ فِرْعَوْن
لَعَنَهُ اللَّه .

قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ

وَهَذِهِ مُبَارَزَة مِنْ السَّحَرَة لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْلهمْ " إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ
نَكُون نَحْنُ الْمُلْقِينَ
" أَيْ قَبْلك كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى" وَإِمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى " .

قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ

قَالَ لَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَلْقُوا أَيْ أَنْتُمْ أَوَّلًا قِيلَ الْحِكْمَة فِي هَذَا وَاَللَّه أَعْلَم
لِيُرِيَ النَّاس صَنِيعهمْ وَيَتَأَمَّلُوهُ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ بَهْرَجهمْ وَمُحَالهمْ جَاءَهُمْ الْحَقّ الْوَاضِح
الْجَلِيّ بَعْد التَّطَلُّب لَهُ وَالِانْتِظَار مِنْهُمْ لِمَجِيئِهِ فَيَكُون أَوْقَع فِي النُّفُوس وَكَذَا كَانَ
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ " أَيْ خَيَّلُوا إِلَى الْأَبْصَار
أَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَهُ حَقِيقَة فِي الْخَارِج وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا مُجَرَّد صَنْعَة وَخَيَال كَمَا قَالَ تَعَالَى
" فَإِذَا حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ يُخَيَّل إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة
مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينك تَلْقَف مَا صَنَعُوا إِنَّ مَا صَنَعُوا
كَيْد سَاحِر وَلَا يُفْلِح السَّاحِر حَيْثُ أَتَى
" قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد عَنْ
عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَلْقَوْا حِبَالًا غِلَاظًا وَخَشَبًا طِوَالًا قَالَ فَأَقْبَلَتْ يُخَيَّل إِلَيْهِ مِنْ
سِحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق صَفَّ خَمْسَة عَشَرَ أَلْف سَاحِر مَعَ كُلّ
سَاحِر حِبَاله وَعِصِيّه وَخَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَعَهُ أَخُوهُ يَتَّكِئ عَلَى عَصَاهُ حَتَّى
أَتَى الْجَمْع وَفِرْعَوْن فِي مَجْلِسه مَعَ أَشْرَاف أَهْل مَمْلَكَته ثُمَّ قَالَ السَّحَرَة
" يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِي وَإِمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ "
فَكَانَ أَوَّل مَا اِخْتَطَفُوا بِسِحْرِهِمْ بَصَر مُوسَى وَبَصَر فِرْعَوْن ثُمَّ أَبْصَار النَّاس بَعْد ثُمَّ أَلْقَى
كُلّ رَجُل مِنْهُمْ مَا فِي يَده مِنْ الْحِبَال وَالْعِصِيّ فَإِذَا حَيَّات كَأَمْثَالِ الْجِبَال قَدْ مَلَأَتْ
الْوَادِي يَرْكَب بَعْضهَا بَعْضًا وَقَالَ السُّدِّيّ : كَانُوا بِضْعَة وَثَلَاثِينَ أَلْف رَجُل لَيْسَ رَجُل مِنْهُمْ
إِلَّا وَمَعَهُ حَبْل وَعَصًا " فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ" يَقُول فَرَقُوهُمْ أَيْ
مِنْ الْفَرَق وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ هِشَام
الدَّسْتُوَائِيّ حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن أَبِي بَرَّة قَالَ جَمَعَ فِرْعَوْن سَبْعِينَ أَلْف سَاحِر فَأَلْقَوْا
سَبْعِينَ أَلْف حَبْل وَسَبْعِينَ أَلْف عَصًا حَتَّى جَعَلَ يُخَيَّل إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم " .

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ

يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى عَبْده وَرَسُوله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِكَ الْمَوْقِف الْعَظِيم
الَّذِي فَرَّقَ اللَّه تَعَالَى فِيهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل يَأْمُرهُ بِأَنْ يُلْقِي مَا فِي يَمِينه وَهِيَ عَصَاهُ
" فَإِذَا هِيَ تَلْقَف" أَيْ تَأْكُل " مَا يَأْفِكُونَ " أَيْ مَا يُلْقُونَهُ وَيُوهِمُونَ أَنَّهُ حَقّ وَهُوَ بَاطِل قَالَ
اِبْن عَبَّاس فَجَعَلَتْ لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ مِنْ حِبَالهمْ وَلَا مِنْ خَشَبهمْ إِلَّا اِلْتَقَمَتْهُ فَعَرَفَتْ السَّحَرَة
أَنَّ هَذَا شَيْء مِنْ السَّمَاء لَيْسَ هَذَا بِسِحْرٍ فَخَرُّوا سُجَّدًا وَقَالُوا " آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ
مُوسَى وَهَارُون
" وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق جَعَلَتْ تَتَّبِع تِلْكَ الْحِبَال وَالْعِصِيّ وَاحِدَة وَاحِدَة
حَتَّى مَا يُرَى بِالْوَادِي قَلِيل وَلَا كَثِير مِمَّا أَلْقَوْا ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَإِذَا هِيَ عَصًا فِي يَده
كَمَا كَانَتْ وَوَقَعَ السَّحَرَة سُجَّدًا " قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون " لَوْ كَانَ
هَذَا سَاحِرًا مَا غَلَبَنَا وَقَالَ الْقَاسِم بْن أَبِي بَرَّة : أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ عَصَاك فَأَلْقَى
عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين فَاغِر فَاهُ يَبْتَلِع حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ فَأُلْقِيَ السَّحَرَة عِنْد ذَلِكَ
سُجَّدًا فَمَا رَفَعُوا رُءُوسهمْ حَتَّى رَأَوْا الْجَنَّة وَالنَّار وَثَوَاب أَهْلهمَا .

فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

" فَوَقَعَ الْحَقّ وَبَطَل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى عَبْده وَرَسُوله مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِكَ الْمَوْقِف الْعَظِيم الَّذِي فَرَّقَ اللَّه تَعَالَى فِيهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل
يَأْمُرهُ بِأَنْ يُلْقِي مَا فِي يَمِينه وَهِيَ عَصَاهُ " فَإِذَا هِيَ تَلْقَف " أَيْ تَأْكُل
" مَا يَأْفِكُونَ"
أَيْ مَا يُلْقُونَهُ وَيُوهِمُونَ أَنَّهُ حَقّ وَهُوَ بَاطِل قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَجَعَلَتْ لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ مِنْ
حِبَالهمْ وَلَا مِنْ خَشَبهمْ إِلَّا اِلْتَقَمَتْهُ فَعَرَفَتْ السَّحَرَة أَنَّ هَذَا شَيْء مِنْ السَّمَاء لَيْسَ
هَذَا بِسِحْرٍ فَخَرُّوا سُجَّدًا وَقَالُوا" آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون " وَقَالَ مُحَمَّد
بْن إِسْحَاق جَعَلَتْ تَتَّبِع تِلْكَ الْحِبَال وَالْعِصِيّ وَاحِدَة وَاحِدَة حَتَّى مَا يُرَى بِالْوَادِي قَلِيل
وَلَا كَثِير مِمَّا أَلْقَوْا ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَإِذَا هِيَ عَصًا فِي يَده كَمَا كَانَتْ وَوَقَعَ السَّحَرَة
سُجَّدًا " قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون " لَوْ كَانَ هَذَا سَاحِرًا مَا غَلَبَنَا وَقَالَ
الْقَاسِم بْن أَبِي بَرَّة : أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ عَصَاك فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين
فَاغِر فَاهُ يَبْتَلِع حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ فَأُلْقِيَ السَّحَرَة عِنْد ذَلِكَ سُجَّدًا فَمَا رَفَعُوا رُءُوسهمْ
حَتَّى رَأَوْا الْجَنَّة وَالنَّار وَثَوَاب أَهْلهمَا .

فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ

يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى عَبْده وَرَسُوله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِكَ الْمَوْقِف الْعَظِيم
الَّذِي فَرَّقَ اللَّه تَعَالَى فِيهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل يَأْمُرهُ بِأَنْ يُلْقِي مَا فِي يَمِينه وَهِيَ عَصَاهُ
" فَإِذَا هِيَ تَلْقَف " أَيْ تَأْكُل " مَا يَأْفِكُونَ" أَيْ مَا يُلْقُونَهُ وَيُوهِمُونَ أَنَّهُ حَقّ وَهُوَ بَاطِل
قَالَ اِبْن عَبَّاس فَجَعَلَتْ لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ مِنْ حِبَالهمْ وَلَا مِنْ خَشَبهمْ إِلَّا اِلْتَقَمَتْهُ فَعَرَفَتْ
السَّحَرَة أَنَّ هَذَا شَيْء مِنْ السَّمَاء لَيْسَ هَذَا بِسِحْرٍ فَخَرُّوا سُجَّدًا وَقَالُوا
" آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون " وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق جَعَلَتْ تَتَّبِع تِلْكَ
الْحِبَال وَالْعِصِيّ وَاحِدَة وَاحِدَة حَتَّى مَا يُرَى بِالْوَادِي قَلِيل وَلَا كَثِير مِمَّا أَلْقَوْا ثُمَّ أَخَذَهَا
مُوسَى فَإِذَا هِيَ عَصًا فِي يَده كَمَا كَانَتْ وَوَقَعَ السَّحَرَة سُجَّدًا
" قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون " لَوْ كَانَ هَذَا سَاحِرًا مَا غَلَبَنَا وَقَالَ
الْقَاسِم بْن أَبِي بَرَّة : أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ عَصَاك فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان
مُبِين فَاغِر فَاهُ يَبْتَلِع حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ فَأُلْقِيَ السَّحَرَة عِنْد ذَلِكَ سُجَّدًا فَمَا رَفَعُوا
رُءُوسهمْ حَتَّى رَأَوْا الْجَنَّة وَالنَّار وَثَوَاب أَهْلهمَا .

وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ

يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى عَبْده وَرَسُوله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِكَ الْمَوْقِف الْعَظِيم
الَّذِي فَرَّقَ اللَّه تَعَالَى فِيهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل يَأْمُرهُ بِأَنْ يُلْقِي مَا فِي يَمِينه وَهِيَ عَصَاهُ
" فَإِذَا هِيَ تَلْقَف " أَيْ تَأْكُل " مَا يَأْفِكُونَ " أَيْ مَا يُلْقُونَهُ وَيُوهِمُونَ أَنَّهُ حَقّ وَهُوَ بَاطِل قَالَ
اِبْن عَبَّاس فَجَعَلَتْ : لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ مِنْ حِبَالهمْ وَلَا مِنْ خَشَبهمْ إِلَّا اِلْتَقَمَتْهُ فَعَرَفَتْ
السَّحَرَة أَنَّ هَذَا شَيْء مِنْ السَّمَاء لَيْسَ هَذَا بِسِحْرٍ فَخَرُّوا سُجَّدًا وَقَالُوا " آمَنَّا بِرَبِّ
الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون
" وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق جَعَلَتْ تَتَّبِع تِلْكَ الْحِبَال وَالْعِصِيّ
وَاحِدَة وَاحِدَة حَتَّى مَا يُرَى بِالْوَادِي قَلِيل وَلَا كَثِير مِمَّا أَلْقَوْا ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَإِذَا هِيَ
عَصًا فِي يَده كَمَا كَانَتْ وَوَقَعَ السَّحَرَة سُجَّدًا
" قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون " لَوْ كَانَ هَذَا سَاحِرًا مَا غَلَبَنَا وَقَالَ
الْقَاسِم بْن أَبِي بَرَّة : أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ عَصَاك فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين
فَاغِر فَاهُ يَبْتَلِع حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ فَأُلْقِيَ السَّحَرَة عِنْد ذَلِكَ سُجَّدًا فَمَا رَفَعُوا رُءُوسهمْ
حَتَّى رَأَوْا الْجَنَّة وَالنَّار وَثَوَاب أَهْلهمَا .

قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى عَبْده وَرَسُوله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِكَ الْمَوْقِف الْعَظِيم
الَّذِي فَرَّقَ اللَّه تَعَالَى فِيهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل يَأْمُرهُ بِأَنْ يُلْقِي مَا فِي يَمِينه وَهِيَ عَصَاهُ
" فَإِذَا هِيَ تَلْقَف " أَيْ تَأْكُل " مَا يَأْفِكُونَ " أَيْ مَا يُلْقُونَهُ وَيُوهِمُونَ أَنَّهُ حَقّ وَهُوَ بَاطِل
قَالَ اِبْن عَبَّاس فَجَعَلَتْ لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ مِنْ حِبَالهمْ وَلَا مِنْ خَشَبهمْ إِلَّا اِلْتَقَمَتْهُ فَعَرَفَتْ
السَّحَرَة أَنَّ هَذَا شَيْء مِنْ السَّمَاء لَيْسَ هَذَا بِسِحْرٍ فَخَرُّوا سُجَّدًا وَقَالُوا
" آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون " وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق جَعَلَتْ تَتَّبِع تِلْكَ
الْحِبَال وَالْعِصِيّ وَاحِدَة وَاحِدَة حَتَّى مَا يُرَى بِالْوَادِي قَلِيل وَلَا كَثِير مِمَّا أَلْقَوْا ثُمَّ أَخَذَهَا
مُوسَى فَإِذَا هِيَ عَصًا فِي يَده كَمَا كَانَتْ وَوَقَعَ السَّحَرَة سُجَّدًا " قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
رَبّ مُوسَى وَهَارُون
" لَوْ كَانَ هَذَا سَاحِرًا مَا غَلَبَنَا وَقَالَ الْقَاسِم بْن أَبِي بَرَّة :
أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ عَصَاك فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين فَاغِر فَاهُ يَبْتَلِع حِبَالهمْ
وَعِصِيّهمْ فَأُلْقِيَ السَّحَرَة عِنْد ذَلِكَ سُجَّدًا فَمَا رَفَعُوا رُءُوسهمْ حَتَّى رَأَوْا الْجَنَّة وَالنَّار
وَثَوَاب أَهْلهمَا .

رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ

يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى عَبْده وَرَسُوله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِكَ الْمَوْقِف الْعَظِيم
الَّذِي فَرَّقَ اللَّه تَعَالَى فِيهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل يَأْمُرهُ بِأَنْ يُلْقِي مَا فِي يَمِينه وَهِيَ عَصَاهُ
" فَإِذَا هِيَ تَلْقَف" أَيْ تَأْكُل " مَا يَأْفِكُونَ " أَيْ مَا يُلْقُونَهُ وَيُوهِمُونَ أَنَّهُ حَقّ وَهُوَ بَاطِل
قَالَ اِبْن عَبَّاس فَجَعَلَتْ لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ مِنْ حِبَالهمْ وَلَا مِنْ خَشَبهمْ إِلَّا اِلْتَقَمَتْهُ فَعَرَفَتْ
السَّحَرَة أَنَّ هَذَا شَيْء مِنْ السَّمَاء لَيْسَ هَذَا بِسِحْرٍ فَخَرُّوا سُجَّدًا وَقَالُوا " آمَنَّا بِرَبِّ
الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون
" وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق جَعَلَتْ تَتَّبِع تِلْكَ الْحِبَال وَالْعِصِيّ
وَاحِدَة وَاحِدَة حَتَّى مَا يُرَى بِالْوَادِي قَلِيل وَلَا كَثِير مِمَّا أَلْقَوْا ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَإِذَا هِيَ
عَصًا فِي يَده كَمَا كَانَتْ وَوَقَعَ السَّحَرَة سُجَّدًا
" قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون " لَوْ كَانَ هَذَا سَاحِرًا مَا غَلَبَنَا وَقَالَ
الْقَاسِم بْن أَبِي بَرَّة : أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ عَصَاك فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان
مُبِين فَاغِر فَاهُ يَبْتَلِع حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ فَأُلْقِيَ السَّحَرَة عِنْد ذَلِكَ سُجَّدًا فَمَا رَفَعُوا
رُءُوسهمْ حَتَّى رَأَوْا الْجَنَّة وَالنَّار وَثَوَاب أَهْلهمَا .

قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا
أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ


يُخْبِر تَعَالَى عَمَّا تَوَعَّدَ بِهِ فِرْعَوْن لَعَنَهُ اللَّه السَّحَرَة لَمَّا آمَنُوا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا
أَظْهَرَهُ لِلنَّاسِ مِنْ كَيْده وَمَكْره فِي قَوْله " إِنَّ هَذَا لَمَكْر مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَة لِتُخْرِجُوا
مِنْهَا أَهْلهَا
" أَيْ إِنْ غَلَبَته لَكُمْ فِي يَوْمكُمْ هَذَا إِنَّمَا كَانَ عَنْ تَشَاوُر مِنْكُمْ وَرِضًا مِنْكُمْ
لِذَلِكَ كَقَوْلِهِ فِي الْآيَة الْأُخْرَى " إِنَّهُ لَكَبِيركُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْر " وَهُوَ يَعْلَم وَكُلّ مَنْ
لَهُ لُبّ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ أَبْطَل الْبَاطِل فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِمُجَرَّدِ مَا جَاءَ
مِنْ مَدْيَن دَعَا فِرْعَوْن إِلَى اللَّه وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَات الْبَاهِرَة وَالْحُجَج الْقَاطِعَة عَلَى صِدْق
مَا جَاءَ بِهِ فَعِنْد ذَلِكَ أَرْسَلَ فِرْعَوْن فِي مَدَائِن مُلْكه وَمُعَامَلَة سَلْطَنَته فَجَمَعَ سَحَرَة
مُتَفَرِّقِينَ مِنْ سَائِر الْأَقَالِيم بِبِلَادِ مِصْر مِمَّنْ اِخْتَارَ هُوَ وَالْمَلَأ مِنْ قَوْمه وَأَحْضَرَهُمْ
عِنْده وَوَعَدَهُمْ بِالْعَطَاءِ الْجَزِيل وَلِهَذَا قَدْ كَانُوا مِنْ أَحْرَص النَّاس عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الظُّهُور
فِي مَقَامهمْ ذَلِكَ وَالتَّقَدُّم عِنْد فِرْعَوْن . وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَعْرِف أَحَدًا مِنْهُمْ وَلَا
رَآهُ وَلَا اِجْتَمَعَ بِهِ وَفِرْعَوْن يَعْلَم ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا تَسَتُّرًا وَتَدْلِيسًا عَلَى رَعَاع دَوْلَته
وَجَهَلَتهمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَاسْتَخَفَّ قَوْمه فَأَطَاعُوهُ " فَإِنَّ قَوْمًا صَدَّقُوهُ فِي قَوْله
" أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى " مِنْ أَجْهَل خَلْق اللَّه وَأَضَلّهمْ وَقَالَ السُّدِّيّ فِي تَفْسِيره بِإِسْنَادِهِ
الْمَشْهُور عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّحَابَة فِي قَوْله تَعَالَى
" إِنَّ هَذَا لَمَكْر مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَة " قَالَ اِلْتَقَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأَمِير السَّحَرَة
فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَرَأَيْتُك إِنْ غَلَبْتُك أَتُؤْمِنُ بِي وَتَشْهَد أَنَّ مَا جِئْت بِهِ حَقّ قَالَ السَّاحِر
لَآتِيَنَّ غَدًا بِسِحْرٍ لَا يَغْلِبهُ سِحْر فَوَاَللَّهِ لَئِنْ غَلَبْتنِي لَأُومِنَنَّ بِك وَلَأَشْهَدَنَّ أَنَّك حَقّ
وَفِرْعَوْن يَنْظُر إِلَيْهِمَا قَالُوا فَلِهَذَا قَالَ مَا قَالَ وَقَوْله " لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلهَا "
أَيْ تَجْتَمِعُوا أَنْتُمْ وَهُوَ وَتَكُون لَكُمْ دَوْلَة وَصَوْلَة وَتُخْرِجُوا مِنْهَا الْأَكَابِر وَالرُّؤَسَاء وَتَكُون
الدَّوْلَة وَالتَّصَرُّف لَكُمْ " فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ " أَيْ مَا أَصْنَع بِكُمْ .

لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ

فَسَّرَ هَذَا الْوَعِيد بِقَوْلِهِ " لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلكُمْ مِنْ خِلَاف " يَعْنِي يَقْطَع يَد الرَّجُل
الْيُمْنَى وَرِجْله الْيُسْرَى أَوْ بِالْعَكْسِ " وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ " وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى
" فِي جُذُوع النَّخْل" أَيْ عَلَى الْجُذُوع قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ أَوَّل مَنْ صَلَبَ وَأَوَّل مَنْ
قَطَعَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل مِنْ خِلَاف فِرْعَوْن.






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأعراف )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة المائدة ) | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 35 20-12-2009 01:41 AM
تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة النساء ) | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 46 20-12-2009 01:38 AM
تفسيرْ القرآنْ الكريمْ كاملاً.. ( سورة الأنعام ) | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 32 20-12-2009 01:35 AM
وقــفــة مــع اسماء ســـور الــقــرآن الـكــريــم التمساح14 ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 26 25-07-2008 05:56 PM

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 11:34 PM.