قديم 10-03-2016, 05:48 PM
المشاركة 33
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
ثمرات طاعة الله ورسوله
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين، أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، يقول الله جلَّ وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً).
أخيَّ المسلم،
إنَّها آية تمحيص وابتلاء لتضع المؤمن على محك الإيمان الصحيح، ليتبين صادقُ الإيمان من ضده، وليتبين الكيس من العاجز، إنَّها تكشفُ حقيقةَ الإيمان عندما يصطدمُ أمر الله وأمر رسوله بهوى النفوس ومشتهياتها، إنَّها آيةٌ يتوقف عندها المسلمُ عند معانيها ثم يفكر في واقعيه وحياته، هل هو مُطبقٌ لهذه الآية؟ هل هو مقابلٌ لأوامر الله أم يختار ما يهواه ويرفض ما سواء ذلك؟ إنَّها آيةٌ تضمن الإسلام الصحيح هو الاستسلام لأوامر الله والانقياد لها، وأن أوامر الله ورسوله يقبلها المسلم، ويستجيب لها وإن خالفة الهوى وعادات مجتمع الناس وأيُّ اعتبار آخر فلا قيمة لذلك، أمرُ الله وأمرُ رسوله مُقدم عند المسلم على كلِ اعتبار.
أيُّها المسلم،
إن الله جلَّ وعلا أمرنا بطاعته وبطاعة رسوله، ونهانا عن اتباع الهوى، وخطوات الشيطان قال الله جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، وقال جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)، وقال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)، ونهانا عن اتباع الهوى قال الله جلَّ وعلا: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)، وقال جلَّ جلاله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)، وقال: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)، وحذرنا من خطوات الشيطان فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به".
أيُّها المسلم،
لطاعة الله وطاعة رسوله ثمرات عظيمة للمسلم فأول ذلك: أن طاعة الله وطاعة رسوله علامة الإيمان: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)، ومنها: أن طاعة الله وطاعة رسوله سببٌ في دخول الجنة قال جلَّ وعلا: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وطاعة الله وطاعة رسوله تجعل العبد مع النبين والصدقين والشهداء والصالحين قال جلَّ وعلا: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً)، طاعة الله وطاعة رسوله فيها الفوز والفلاح: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ)، وطاعة الله ورسوله سببٌ لرحمة الله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، طاعة الله وطاعة رسوله سبباً للقوة والثبات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وطاعة الله وسوله سببٌ لهداية: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، وسببٌ لقبول العمل فإنَّ الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)، فطاعة ورسوله سببٌ لقبول الأعمال بتوفيق الله وفضله.
أيَّها المسلم،
إن الله جعل دين الإسلام منهجاً عظيماً للمسلم يستضيئ به في حياته الفردية والجماعية، فعلى المسلم أن يتقي الله ويلزم شرع الله ويتخذه منهجاً له في حياته ليسير على منهج قويم والطريق المستقيم: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ* إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً)، فمن توفيق الله للعبد أن يقبل ما أمره الله به وما اختاره الله له، ولا يجعل خيرةً فيما أمره الله ورسوله، بل ينفذ أوامر الله، وينفذ أوامر رسوله على قدر استطاعته وطاقته.
أيَّها المسلم،
قضى الله، وأمرك بعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدينِ له، وأن تخصه بجميع العبادات فالدعاء والرجاء والخوف والذبح والنذر والتوجه القلوب، محبتاً وخوفاً ورجاء إنَّما هو لله وعملك بكل شؤونك تريد به وجه الله والدار الآخرة: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ).
أخيَّ المسلم،
قضى الله وأمرك بالصلوات الخمس في يومك وليلتك، فهل استجبت لله في أمرك؟ واطاعته في أمره؟ فأديت تلك الصلوات الخمس في أوقاتها كاملة الأركان والواجبات مُحافظاً عليها جُمعاً وجماعات، مُحاولاً الاقتداء بنبيك والتأسي به في صلواته القائل: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، أم أطاعته هواك والشيطان فتكاسلت عن هذه العبادة واستخبت بها وقلة المحافظة عليها، فتقي الله فيها، فإنَّ محافظك عليها دل الإيمان الصحيح (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، قضى الله لأنَّ الزكاة أحد أركان الإسلام وأنَّها الركن الثالث من أركان الإسلام، فهل استجبت لأمر الله؟ وأديتها كاملةً تامة، واخترت أمر الله لك فطهرت مالك من الزكاة، أما تهاونت بذلك وارتكبت الحيل المتعدية لكي تضيق أمر الزكاة، ولكي لا تؤديها على الوجه المطلوب، فعلم أنَّ الله سوى يحاسبك عن هذا كُله، فرض الله عليك الصوم والحج، فهل أديت هذين الركنين أداءً كاملا؟ أديت الصوم وأنت في صحة وسلامة، وتجنبت ما حرم الله عليك، وأخلصت لله، أديت ركن الحج في صحة من بدنك وعافية قبل أن يحاذ بينك وبين ذلك.
أخيَّ المسلم،
قضى الله، وأمرك بالبر بالأب والأم والإحسان إليهما، وخدمتهما، والقيام بحقهما خير قيام، وهل أمثلت أمر ربك؟ واخترت ما ختاره الله لك فبررت بالأبوين وأحسن إليهما ورفقة بهما وعاملتهما بلطف والإحسان والرحمة والرقة وكنت لهما مُطيعاً في أمر الله، باراً بهما محظياً بهما، أم اخترت لنفس الكسل والتهاون بهما وجعلتهما في أماكن الرعاية، فراراً وضجراً منهما وتلك أخلاق اللؤماء.
أخي المسلم،
أمرك الله بصلة رحمك، واختار لك الأمر العظيم وجعل الصلة سبباً لبركة عمرك ومالك وولدك وعزاً لك في الدنيا والآخرة، فهل قبلت هذا من الله؟ أمَّ تهاونت بالرحم وانصرفت عنهم وخدعك مالك وصحتك وصددت عنهم لفقرهم وعادتهم وذلك خلقٌ سيء.
أيُّها الشاب المسلم،
إنَّ الله جلَّ وعلا أمرك بغضِ بصرك، وتحصين فرجك (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، هل قبلت أمر الله؟ فغضت البصر، وحفظت الفرج، وصنت نفسك عما حرم الله عليك، وسعيت بالزواج الحلال الطيب، واستعنت بالله على ذلك، أم انشغلت نفسك بتطلع بصرك إلى هنا وهناك، ولم تحفظ فرجك عن محارم الله، فتقي الله فإن الله اختار لك ما في عزك وكرمتك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
أخي الشاب المسلم،
هل علمت أن المسكرات والمخدرات من أعظم البلايا، وأعظم داء وجودها وتعاطيها، نسأل الله السلامة والعافية، فيها إفساد دينك وإفساد عقلك وأخلاقك القضاء على كيانك، وتحويلك من إنسان ذا خلق ودين إلى إنسان منحل بعيدا عن كل الكرامة والفضيلة، فنتبه لنفسك، هل تعلم أن من يروج المخدرات ويُساهم فيها ويبثها في المجتمع أنَّه ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لكونه أعان على الباطل وساهم في الباطل، فتقي الله، ولا يخدعنك مكاسبها المادية فتضحي بدينك وأخلاقك في سبيل الحصول على هذه المادة التي تأتيك من هذا الطريق المعوج الذي لا خير فيه.
أخي المسلم،
أخي المسلم، دينك يدعوك إلى أن تكون متمسكاً بدين الإسلام في مظهرك في سلوكك في أقوالك وأفعالك، فهل استجبت لأمر الله ورسوله؟ ومثلت الإسلام في أقوالك وأعمالك، أم اخترت التغرير وتميع والأخلاق والبعد عن هذه الفضائل، فنتبه لنفسك أخي المسلم، أقبل من الله ما أمرك به ولا تختار غير المنهج الصحيح، فإن خلاف ذلك خطئٌ وضلال مبين.
أيُّها القاضي المسلم،
إن الله أمرك بالعدل بقوله: (حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) فهل كنت كذلك؟ قضيت بالعدل وأخذت الخصمين وتقيت الله، فلم تكن العلاقة الشخصية، والعلاقة الأسرية والمصالح المادية تحول بينك وبين العدل، فإنَّ الله أوجب عليك ذلك لتكون قاضياً عادلاً موائك في الجنة، والقاضي إذا قضى بعلمه واخلاص لله، فإنه بتوفيق الله في جنات النعيم.
أخي المسلم،
يا من منَّ الله عليه بالمال، واعطاه من المال ما أعطاه، اتقي الله، في مالك وفكر في نفسك فالله جلَّ وعلا أنَّعم عليك وبتلك بهذا المال، هل أنت من الشاكرين له؟ القائمين بحق المال خير قيام، هل هذا المال سببٌ لطاعة ربك وتواضعك لربك وشكرك لنعم الله عليك؟ أم كان هذا المال سببٌ للعصيان والطغيان والكبر والتعالي على الحق والتعالي على الخلق: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)، ونعم المال الصالح للرجل الصالح.
أيها المسئول في أي الدوائر الحكومية،
اتقي الله في نفسك، وعلم أن الله اختارك وأمرك بأن تكون عادلاً في أمورك متقياً الله في تعاملك ممنً تحت يديك بالعدل والإحسان والإنصاف بعيداً عن الميول الشخصي والذاتي، لا تقيم الناس على أسس عرقية، ولا على مصالح مادية، ولكن تقيمها على العدل وإعطاء كل ذي حق حقه، وتنفيذ الأوامر الصادرة بعدلِ ودقةٍ وأمانة لتكون ممن أداء الأمانات إلى أهلها فتكون من المتقين.
أيها المسئول
عن مشاريع الأمة وتنفيذ مصالحها، اتقي الله، أمرك الله بأداء الأمانة، والإخلاص والصدق وعدم الكذب والانحراف، فتقي الله، فيما تؤديه وما تنفذيه من مشاريع الأمة، اقتي الله وصدق في معاملتك وإيَّاك والكذب، وإيَّاك والخيانة وإيَّاك والغش، فإنها مصالح الأمة أوزاره عليك عظيمة فتقي الله وخلص نفسك وأدي ما أوكل إليك من مشروع بإخلاصٍ وصدقٍ وأمانةٍ، لأن الأمة ستنفع بهذه الطرق الطيبة، أما إن كان التنفيذ سيئاً وخيانةً ورشوةً وتساهلاً وتهاون بالمسئولية وخداع للأمة، فإنَّما يصيبُ للأمة من نقصٍ وخللٍ في أي مشروع نفذ فمسئوليته عليك حيا وميتا، فتقي الله في ذاتك تقواً تقيك عذاب الله.
أيَّها المسئولون
عن شركة التصنيع والتوريد، اتقوا الله في أنفسكم، وبما تقدموه للمجتمع من صناعة تصنعونها أو أشياء توردونها، فتقوا الله، فيها وكونوا مع الصادقين، فإن الله حرم عليكم الغش: "ومن غشنا فليس منا"، فمن الغش أن تكون الصناعة رديئة ضعيفة لا تحافظ على المواصفات المعتبرة أو يستورد أمور دنيئة يُسجلها ويكسوها بشعار قوي خداعاً للناس وتضليلاً عليهم، فتقي الله في نفسك، واعلم أن الله سألك عن كل هذا كله، فلنتقي الله، عن الله يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، فلا خيار لنا أمام أوامر الله إلا بالتنفيذ، ولا أمام ما نهى الله إلا بالاجتناب، فلا نختار إلا ما اختاره الله لنا، ولا نختار غير ما شرع الله لنا هذا الإيمان الصحيح، ثبتني الله وإيَّاكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنَّه وليٌ ذلك، والقادر عليه، أقولٌ قولي هذا واستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنْ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعد:
فيا أيُّها الناسُ،
اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، واقبلوا أوامر الله ورضوا بها ولتطمأن بها نفوسكم، أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) فأتى الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وجلسوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والحج وقد جاءت آية لا تطاق لنا بها، فقال: "ما هي؟" قالوا: قول الله (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) فإن حُسبنا على خطرات أنفسنا هلكنا قال: أتريدون أن تقولوا سمعنا وعصينا قولوا: سمعنا وأطعنا، فلما اقتراه القوم ورذلة به ألسنتهم أنزل الله عقبها: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ) الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدث بها أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا".
أختي المسلمة، اختي المؤمنة،
إن الله اختار لك الخير والصلاح، اختار لك عزاً وكرامة في الدنيا والآخرة، فأمرك الله بغض بصرك وحفظ فرجك قال تعالىوَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)، أمرك الله بالحجاب فقال: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)، نهاك نبيك صلى الله عليه وسلم أن تُسافر بلا محرم "فلا يحل لإمر إلا ومعها ذي محرم"، وحرم عليك الخلوة بمن ليس لك محرماً يقول صلى الله عليه وسلم: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" وقال: "إيَّاكم والدخول على النساء" فقال: الحمو، قال: "الحمو الموت"، هكذا حماك نبيك صلى الله عليه وسلم عن الرذال والأخلاق وحفظ كرامتك وعزك.
أيتها المرأة المسلمة،
إن الله أراد لك الخير والصلاح جعلك مسلمةً مؤمنةً قانتةً صادقةً صابرةً خاشعةً متصدقةً صائمةً ذاكرة الله كثيرا، وعدك بالثواب العظيم والحافظين فروجهم والحافظات: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)، أطيعِ الله ورسوله يُبارك لك في عمرك وعملك: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ).
أيتها المسلمة،
أن الله يريد لك الخير ويريد لك اجتناب الضلال واتباع الشهوات والميل مع الشهوات والشبهات.
أيتها المرأة المسلمة،
إن الله أمرك بطاعته وطاعة رسوله، وعدك الخير، والثواب العظيم، وأمرك الإقرار في بيتك وتربية الأولاد وناك عن تبرج الجاهلية الأولى، نهاك عن السفور والتبرج والتعري للرجال وحذرك من هذه المصائب، ونبيك صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت بالنساء".
أيتها المرأة المسلمة،
يدعوك إسلامك إلى الاستقامة على دين الله، والمحافظة على القيم والفضائل والمكارم، فهل كذا أولى بك؟ أم طاعة من يريدون تحررك من القيم والفضائل وإبعادك عن كل الأخلاق والمكارم، من يريد الزج بك في كل هاوية لا تحمدين عقباها تحت مضللة الطمع المادي فقط، فتقي الله في نفسك، ولزمِ شرع الله ففيه العزة والكرامة لك في الدنيا والآخرة، احذري طاعة من يريد أن يعرضك لذائب البشر، وضعفاء النفوس، وعباد الشهوات، اتقي الله تقواً يحفظك الله عن الحرام تكوني مسلمة مؤمنة تربين أجيال صالحة يخدم المجتمع بعزٍ وكرامة وتمسك بالقيم والفضائل، فتقي الله في نفسك تقواً تحمين به نفسك عن محارم الله، غضي البصر واحفظي الفرج، وابتعدي عن كل المغريات التي تغري بها البصائر وضعفاء الإيمان.
أسأل الله أن يحفظ الجميع بالإسلام وأنَّ يثبتنا وإيَّاكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنَّه على كل شيء قدير، واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.
وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمَّ هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح ولاة أمرنا، وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللَّهمّ أمده بالصحة والسلامة والعافية، وكُنَّ له عوناً ونصيراً في كل ما همه وجعله بركةً على أمته وعلى مجتمع المسلمين إنَّك على كل شيء قدير، اللهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبد العزيز لكل خير وسدده في أقواله وأعماله، وأعنَّه على مسئوليته إنَّك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
اللَّهمّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثتنا، اللّهمَّ سقيا رحمة لا سقيا بلاء، ولا هدم، ولا غرق، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ( مفتي المملكة )

قديم 10-03-2016, 05:48 PM
المشاركة 34
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
محبة الله عز وجل والعوامل الجالبة لها
خطبة جمعة بتاريخ / 8-5-1428 هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد معاشر المؤمنين عباد الله :
اتقوا الله ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
عباد الله :
اعلموا - رعاكم الله - أن أجلّ مقامات العابدين وأعظم منازل السائرين : محبةُ رب العالمين وخالق الخلق أجمعين . محبة الله الذي لا إله إلا هو ، محبة الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، محبة الخالق البارئ المصور ، محبة ذي الجلال والإكرام ، محبة الرب العظيم سبحانه الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا ، فإن هذه المحبة - عباد الله - روح الدين وغذاء الأرواح ، وأساس السعادة وقوام الأعمال وقوام الدين .
هذه المحبة - عبادَ الله –
هي الحياة التي من حُرمها كان من جملة الأموات ، والنورُ الذي من فقَده غرِق في بحار الظلمات ، والشفاءُ الذي من عُدمه توالت على قلبه أنواع الأسقام ، واللذةُ التي من حُرمها توالت عليه الهموم والآلام .
محبةُ الله - عباد الله –
هي أساس السعادة ، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة . محبة الله تبارك وتعالى هي الجالبة للأعمال ، المحقِّقةُ للكمال ، البالغةُ بالعبد إلى خير المقامات وعالي المنازل . محبة الله جل وعلا شأنها عظيم وأمرها جليل ومكانتها في دين الله رفيعة ، وكان من دعاء نبينا - عليه الصلاة والسلام - كما في سنن الترمذي وغيره ((أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ )) ، وجاء عنه - عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ، قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ )) ، وهذا هو معنى قول الله سبحانه ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم:٩٦].
وثمار المحبّة وآثارها وفوائدها وعوائدها على المحبِّين في الدنيا والآخرة لا حصر لها ولا عد ، ويكفي المحبَّ أن الله تبارك وتعالى معه مؤيّداً وحافظا ، ومسدِّداً وموفِّقا كما سيأتي دليل ذلك في كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
معاشر المؤمنين وفي خضم توالي الفتن وكثرة الصوارف وتنوّع الملهيات والصوادّ التي بُليَ بها الناس - في خضم ذلك كلّه - تضعف محبة الله في القلوب ويضعف تبعاً لذلك آثارُها وثمارُها وموجباتها ، وهذا مقامٌ - عبادَ الله- يتطلب من العبد عودةً صادقةً بنفسه إلى الله ؛ باحثاً عن سبيل نيل محبة الله تبارك وتعالى ، متطلباً الأمور الجالبة إلى قلبه محبةَ الله ، ليعود إلى قلبه صفاؤُه ونقاؤه ، وبهاؤه وضياؤه ، وذلك بعمارته بمحبة الله جل وعلا.
عباد الله :
وهذه وقفة أُذّكِر فيها بجملة من الأمور العظام التي تجلب إلى القلوب محبّة ذي الجلال والإكرام :
فأول ذلك عباد الله : عنايةٌ صادقة بكتاب الله تدبراً وتأملا ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[ص:٢٩] ، ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢]وعندما تقرأ القرآن لا يكن همك ختم السورة وليكن همك عقلُ الخطاب وفهمُ المراد ، فهذا - أيها المؤمن - من أعظم الأمور الجالبة لمحبّة الله جل وعلا ؛ أن تتأمل في كلامه العظيم وذكره الحكيم الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت:٤٢]
ومن الأمور الجالبة للمحبة - عباد الله –
العناية بالنوافل بعد الفرائض ؛ فهذا أمرٌ عظيم يجلب للقلوب المحبة ويغذي القلوب بها ، وتأمّلوا شاهد ذلك ودليله فيما جاء في صحيح البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلمفيما يرويه عن ربه أنه قال : ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ؛ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )) ، والمعنى أن الله سبحانه يؤيده ويسدده في سمعه وبصره وفي قدمه ويده وفي جميع أحواله .
ومن الأمور الجالبة للمحبة - عباد الله - : إيثار محابِّ الله على محابِّ نفسك ، وتقديمها على ما تحب مهما كانت رغبة النفس ومهما كان طلبها ، وقد جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )) .
ومن الأمور الجالبة للمحبة - عباد الله - :
معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ؛ فإن العبد كلما كان أعظم معرفة بالله كان لله أحب ولعبادته أطلب وعن معصيته أبعد ، وشاهِدُ ذلك في قول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:٢٨] .
ومن الأمور الجالبة للمحبة - عباد الله - :
تذكُر نعم الله وآلائه وإحسانه وبِرّه ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾[النحل:٥٣] فإذا تذكرتَ نعم الله عليك ومننه المتوالية وعطاياه المتتابعة تحركت في قلبك المحبة وزاد شأنها وارتفع مقامها . تأمل مَن الذي خلق لك هذا الجسم الجميل !! ومَن الذي شقّ لك سمعك وبصرك !! ومَن الذي منّ عليك بيديك وقدميك !! ومَن الذي منّ عليك بمطعمك ومشربك وصحتك وعافيتك !! مَن الذي منَّ عليك بالمسكن والأولاد !! والأمن والأمان !! إلى غير ذلك من النعم والعطايا ، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام - كما ثبت في الصحيح – إذا أوى إلى فراشه كل ليلة تذكر نعم الله جل وعلا وقال مثنياً وحامدا ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا ، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ ))
ومن الأمور الجالبة للمحبة - عباد الله - :
مجالسة أهل الصلاح والتقى والإيمان والاستقامة ، والاستفادة من أطايب أقوالهم ومحاسن أعمالهم وجميل أخلاقهم وآدابهم و ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ )) كما ثبت ذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود وغيره .
ومن الأمور الجالبة للمحبة - عباد الله - :
أن يبتعد المرء عن الأمور التي تحُول بين القلب وبين ربه ومولاه ، وما أكثرها في هذا الزمان ؛ كم هي الأمور الصارفة والأمور الصادة والأمور المبعدة للقلوب عن محبة الله !! ولنتأمل ذلك في تلك القنوات التي بُلي بها الناس في هذا الزمان ، والشبكات العنكبوتية التي عمَّت وطمَّت ، والمجلات الهابطة وغير ذلك من الوسائل والملهيات التي شغَلت القلوب وأمرَضت النفوس وأضعَفت الإيمان وحالت بين القلوب وبين محبة الرحمن ، فمن كان يريد لقلبه محبّةً صافية ومحبةً صادقة فليقطع كل طريق يحول بينه وبين المحبّة، ولا يكون حاله كحال من قال:
ألقاه في اليمِّ مكتوفاً وقال له إياكَ إياك أن تبتل بالماءِ
فهذا أمرٌ لا سبيل إلى نيله والحالة هذه إلا من عاد صادقاً إلى ربه طالبا رضاه وطالباً محبته سبحانه فبذلك تُنال وهذا هو سبيلها. ونسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرزقنا حبه . اللهم إنا نسألك حبك وحب كل من يحبك وكل عملٍ يقربنا إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام . اللهم اجعل حبك في قلوبنا أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وملذاتنا وأحب إلينا من الماء البارد في شدة الظمأ والعطش ، إنك سميع الدعاء وأنت أهل الرجاء وأنت حسبنا ونعم الوكيل .
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد :
عباد الله : روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ ؟ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا - تأملوا جوابه رعاكم الله - فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ )) ، وفي رواية ((حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ )) .
فانظر - أيها المؤمن - قراءة القرآن ومعرفة أسماء الرحمن وصفاته العليا والعناية بها تأملاً وتدبرا من أعظم الأمور الجالبة لمحبة للرحمن والموجبة لدخول الجنان والنجاة من النيران رزقنا الله جميعا ذلك إنه تبارك وتعالى سميع مجيب.
وصلوا وسلموا رعاكم الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وليس في عباد الله عبدٌ أعظم في تحقيق محبة الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهو إمام المحبين ، وقدوة الموحدين ، وسيد ولد آدم أجمعين .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي الحسنين علي , وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمنّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا . اللهم ولِّ علينا خيارنا يا ذا الجلال والإكرام . اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام . اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين .
اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى . اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور . اللهم وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا ، واجعلنا مباركين أينما كنا .
اللهم إنا نسألك حبك ، وحب من يحبك ، وحبَّ كل عمل يقربنا إلى حبك . اللهم إنا نسألك رضوانك والجنة ، اللهم إنا نسألك رضوانك والجنة ، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، وشكر نعمتك وحسن عبادتك ، وقلبا سليما ولسانا صادقا . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم )وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ( .
الشيخ عبدالرزاق البدر

قديم 10-03-2016, 05:49 PM
المشاركة 35
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
توضيح معنى الشرك بالله
ما هو الشرك وما تفسير قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )؟
الجواب :
الشرك على اسمه هو :
تشريك غير الله مع الله في العبادة كأن يدعو الأصنام أو غيرها ، يستغيث بها أو ينذر لها أو يصلي لها أو يصوم لها أو يذبح لها ، ومثل أن يذبح للبدوي أو للعيدروس أو يصلي لفلان أو يطلب المدد من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من عبد القادر أو من العيدروس في اليمن أو غيرهم من الأموات والغائبين فهذا كله يسمى شركا ، وهكذا إذا دعا الكواكب أو الجن أو استغاث بهم أو طلبهم المدد أو ما أشبه ذلك ، فإذا فعل شيئا من هذه العبادات مع الجمادات أو مع الأموات أو الغائبين صار هذا شركا بالله عز وجل ، قال الله جل وعلا :
( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[1] وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [2]ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة ، فإنه يسمى شركا ويسمى كفرا ، فمن أعرض عن الله بالكلية وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن أو بعض الأموات من الذين يسمونهم بالأولياء يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم وينسى الله بالكلية فهذا أعظم كفرا وأشد شركا ، نسأل الله العافية ، وهكذا من ينكر وجود الله ، ويقول ليس هناك إله والحياة مادة كالشيوعيين والملاحدة المنكرين لوجود الله هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا وضلالا نسأل الله العافية ، والمقصود أن أهل هذه الاعتقادات وأشباهها كلها تسمى شركا وتسمى كفرا بالله عز وجل ، وقد يغلط بعض الناس لجهله فيسمى دعوة الأموات والاستغاثة بهم وسيلة ، ويظنها جائزة وهذا غلط عظيم . لأن هذا العمل من أعظم الشرك بالله ، وإن سماه بعض الجهلة أو المشركين وسيلة ، وهو دين المشركين الذي ذمهم الله عليه وعابهم به ، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لإنكاره والتحذير منه ، وأما الوسيلة المذكورة في قول الله عز وجل :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) [3].
فالمراد بها التقرب إليه سبحانه بطاعته ، وهذا هو معناها عند أهل العلم جميعا ، فالصلاة قربة إلى الله فهي وسيلة ، والذبح لله وسيلة كالأضاحي والهدي ، والصوم وسيلة ، والصدقات وسيلة ، وذكر الله وقراءة القرآن وسيلة ، وهذا هو معنى قوله جل وعلا : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )
[4]
يعني ابتغوا القربة إليه بطاعته ، هكذا قال ابن كثير وابن جرير والبغوي وغيرهم من أئمة التفسير ، والمعنى التمسوا القربة إليه بطاعته واطلبوها أينما كنتم مما شرع الله لكم ، من صلاة وصوم وصدقات وغير ذلك ، وهكذا قوله في الآية الأخرى :
( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) [5] هكذا الرسل واتباعهم يتقربون إلى الله بالوسائل التي شرعها من جهاد وصوم وصلاة وذكر وقراءة قرآن إلى غير ذلك من وجوه الوسيلة ، أما ظن بعض الناس أن الوسيلة هي التعلق بالأموات والاستغاثة بالأولياءفهذا ظن باطل ، وهذا اعتقاد المشركين الذين قال الله فيهم : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) [6] فرد عليهم سبحانه بقوله : ( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [7].
[1] سورة الأنعام الآية 88.
[2] سورة الزمر الآية 65.
[3] سورة المائدة الآية 35.
[4] سورة المائدة الآية 35.
[5] سورة الإسراء الآية 57.
[6] سورة يونس الآية 18.
[7]سورة يونس الآية 18.

قديم 10-03-2016, 05:49 PM
المشاركة 36
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
ما هو الشرك الخفي؟ وما الفرق بينه وبين الشرك الأصغر؟ وكيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟
السؤال:
يقول في سؤال الأول: ما هو الشرك الخفي؟ وما الفرق بينه وبين الشرك الأصغر؟ وكيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟
الجواب:
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الشرك: شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي. أما الشرك الأكبر:
فمثل أن يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله عز وجل، ومن العبادة الدعاء فإذا دعا الإنسان غير الله كما لو دعا نبياً أو ولياً أو ملكاً من الملائكة أو دعا الشمس أو القمر لجلب نفع أو دفع ضرر كان مشركاً بالله شركاً أكبر، وكذلك لو سجد لصنم أو للشمس أو للقمر أو لصاحب القبر أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك شرك أكبر مخرج عن الملة والعياذ بالله:﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾، وهذا في الأعمال الظاهرة، وكذلك لو اعتقد بقلبه أن أحداً يشارك الله تعالى في خلقه أو يكون قادراً على ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل فإنه يكون مشركاً شركاً أكبر.
أما الشرك الأصغر:
فإنه ما دون الشرك الأكبر، مثل:
أن يحلف بغير الله غير معتقد أن المحلوف به يستحق من العظمة ما يستحقه الله عز وجل، فيحلف بغير الله تعالى تعظيماً له، أي للمحلوف به ولكنه يعتقد أنه دون الله عز وجل في التعظيم، فهذا يكون شركاً أصغر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك »، وهو محرم سواء حلف بالنبي أو بجبريل أو بغيرهما من الخلق، ويكون به مشركاً شركاً أصغر.
وأما الشرك الخفي:
فهو ما يتعلق بالقلب من حيث لا يطلع عليه إلا الله، وهو إما أن يكون أكبر، وإما أن يكون أصغر، فإذا أشرك في قلبه مع الله أحداً يعتقد أنه مساوٍ لله تعالى في الحقوق وفي الأفعال كان مشركاً شركاً أكبر وإن كان لا يظهر للناس شركه، فهو شرك خفي عن الناس لكنه أكبر فيما بينه وبين الله عز وجل، وإذا كان في قلبه رياء في عبادة يتعبد بها لله فإنه يكون مشركاً شركاً خفياً لخفائه عن الناس لكنه أصغر؛ لأن الرياء لا يخرج به الإنسان من الإسلام. نعم.
السؤال: يقول: كيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟
الشيخ: التخلص من الشرك الأصغر أو الأكبر بالرجوع إلي الله عز وجل، والتزام أوامره فعل،اً والتزام اجتناب نواهيه، وبهذه الاستقامة يعفيه الله تعالى من الشرك. نعم.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين

قديم 10-03-2016, 05:49 PM
المشاركة 37
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
حكم الحلف بغير الله نوع من أنواع الشرك
السؤال:
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا المستمع صلاح من العراق يقول: إن كثيراً من الناس عندنا في مجتمعنا يحلفون بغير الله علماً بأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من حلف بغير الله فقد أشرك؛ لذا أرجو أن تنصحوا هؤلاء الناس بارك الله فيكم؟
الجواب:

الشيخ: نعم الحلف بغير الله معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونوع من الشرك، قال النبي صلي الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»، فالواجب الحذر من ذلك، وأن يحلف الإنسان بالله إذا أراد أن يحلف، على أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الأيمان من الحلف؛ لقول الله تعالى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ فإن من أحد معانيها ألا تكثروا الحلف بالله عزَّ وجلَّ، ولكن ما يجيء على اللسان بلا قصد لا يؤاخذ عليه الإنسان لقول الله تعالى: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ وقوله في آية أخرى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم﴾ واعلم أن مَن حلف بغير الله أن يتوب إلى الله ويستغفره وألا يعود إلى مثل ما جرى منه.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين

قديم 10-03-2016, 05:49 PM
المشاركة 38
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
القول على الله بغير علم.
السؤال:
لمَاذا يجرأ بعض النَاس على إصدار تلك الأَحْكام والفتوى؟
الجواب:ـ
لعَدم الخَوف من الله وعدم الوْرَع وهو مَسؤول عن الفتوى هذا من القَول على الله بِغير علم والله –جل وعلا-جعل القول عليه بغير علم فوق الشرك (تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33)
(وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (النحل:116-117)
فالوَعيد في هذا شَديد والعياذ بالله لأنه قَول على الله بغير علم .
الشيخ صالح الفوزان

قديم 10-03-2016, 05:50 PM
المشاركة 39
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على عبده ورسوله وخليله، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فلا ريب أن سلامة العقيدة أهم الأمور، وأعظم الفرائض، ولهذا رأيت أن يكون عنوان هذه الكلمة: "القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها".
العقيدة:
هي ما يعتقده الإنسان ويدين به من خير وشر، من فساد وصلاح.
والمطلوب:
هو التمسك بالعقيدة الصحيحة، وما يجب على العبد في ذلك؛ لأن في هذا العالم عقائد كثيرة، كلها فاسدة إلا العقيدة التي جاء بها كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي العقيدة الإسلامية الصافية النقية من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، هذه هي العقيدة التي جاء بها كتاب الله، ودلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الإسلام.
قال الله تعالى( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ )[1]، وقال عز وجل( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا)[2].
فالإسلام هو دين الله لا يقبل من أحد سواه، قال الله عز وجل( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[3]، وهو دين الأنبياء كلهم.
فهو دين آدم أبينا عليه الصلاة والسلام، وهو دين الأنبياء بعده نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وداود، وسليمان، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ودين غيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو دين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي بعثه الله به للناس عامة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد))[4]، وفي لفظ: ((أولاد علّات)) والمعنى: أن دين الأنبياء واحد وهو توحيد الله، والإيمان بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق للعبادة دون كل ما سواه، والإيمان بالآخرة والبعث والنشور، والجنة والنار والميزان، وغير هذا من أمور الآخرة، أما الشرائع فهي مختلفة، وهذا معنى "أولاد علّات" أولاد لضرّات، كنى بهذا عن الشرائع، كما قال سبحانه:
(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا )[5]. إخوة الأب: أبوهم واحد وأمهاتهم متفرقات، هكذا الأنبياء دينهم واحد وهو توحيد الله والإخلاص له.
وهو معنى "لا إله إلا الله"، وهو إفراد الله بالعبادة، والإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وما يتفرع بعد ذلك من البعث والنشور، والجنة والنار، والميزان والحساب والصراط، وغير هذا.
هكذا الأنبياء دينهم واحد، كلهم جاءوا بهذا الأمر - عليهم الصلاة والسلام - ولكن الشرائع تفرقت، بمثابة الأولاد لأمهات العلات، فشريعة التوراة فيها ما ليس في شريعة الإنجيل، وفي الشرائع التي قبلها أشياء ليست فيها، وفي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أشياء غير ما في التوراة والإنجيل، فقد يسر الله على هذه الأمة وخفف عنها الكثير، كما قال جل وعلا: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)[6]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((بعثت بالحنيفية السمحة))، فالله بعثه بشريعة سمحة ليس فيها آصار، وليس فيها أغلال، وليس فيها حرج، كما قال سبحانه( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[7]، كان أتباع الشرائع الماضية قبل شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لا يتيممون عند فقد الماء، بل يؤخرون الصلوات ويجمعونها حتى يجدوا الماء، ثم يتوضئون ويصلون، وجاء في هذه الشريعة المحمدية التيمم، فمن عدم الماء أو عجز عنه تيمم بالتراب وصلى، وجاء في ذلك أنواع كثيرة من التيسير والتسهيل.
وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامة، إلى الجن والإنس، والعرب والعجم، وجعله الله خاتم الأنبياء. وكان من قبلنا لا يصلون إلا في بيعهم ومساجدهم ومحلات صلاتهم، أما في هذه الشريعة المحمدية فإنك تصلي حيث كنت، في أي أرض الله حضرت الصلاة صليت، في أي أرض الله من الصحاري والقفار، كما قال عليه الصلاة والسلام:
((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً))[8].
فالشريعة الإسلامية التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم شريعة واسعة ميسرة ليس فيها حرج ولا أغلال، ومن ذلك المريض لا يلزمه الصوم، بل له أن يفطر ويقضي، والمسافر يقصر الصلاة الرباعية، ويفطر في رمضان، ويقضي الصوم، كما قال الله عز وجل: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[9]، والمصلي إن عجز عن القيام صلى قاعداً، وإن عجز عن القعود صلى على جنبه، وإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا لم يجد من الأكل ما يسد رمقه من الحلال جاز له أن يأكل من الميتة ونحوها ما يسد رمقه حتى لا يموت.
فالعقيدة الإسلامية هي توحيد الله والإخلاص له سبحانه، والإيمان به، وبرسله، وبكتبه، وبملائكته، وباليوم الآخر من البعث والنشور، ومن الجنة والنار وغير ذلك من أمور الآخرة، والإيمان بالقدر خيره وشره، وأنه سبحانه قدر الأشياء، وعلمها وأحاط بها، وكتبها عنده سبحانه وتعالى. ومن أركان الإسلام الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج. ومن واجباته وفرائضه الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، إلى غير ذلك.
فالإسلام: هو الاستسلام لله، والانقياد له سبحانه بتوحيده، والإخلاص له والتمسك بطاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولهذا سمي إسلاماً؛ لأن المسلم يسلم أمره لله، ويوحده سبحانه، ويعبده وحده دون ما سواه، وينقاد لأوامره ويدع نواهيه، ويقف عند حدوده، هكذا الإسلام.
وله أركان خمسة وهي:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.
والشهادتان معناهما:
توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بأن محمداً رسوله عليه الصلاة والسلام إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وهاتان الشهادتان هما أصل الدين، وهما أساس الملة، فلا معبود بحق إلا الله وحده، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، كما قال عز وجل:
( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ)[10].
وأما شهادة أن محمداً رسول الله :
فمعناها أن تشهد عن يقين وعلم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي المكي ثم المدني هو رسول الله حقاً، وهو أشرف عباد الله، وقرابته وأسرته هم أفضل العرب على الإطلاق، فهو خيار من خيار من خيار عليه الصلاة والسلام، وهو أشرف الخلق وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه.
فعليك أن تؤمن بأن الله بعثه للناس عامة إلى الجن والإنس، إلى الذكور والإناث، إلى العرب والعجم، إلى الأغنياء والفقراء، إلى الحاضرة والبادية، هو رسول الله إلى الجميع، من اتبعه فله الجنة، ومن خالف أمره فله النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)) خرجه البخاري في صحيحه[11].
فهذه العقيدة الإسلامية العظيمة مضمونهاتوحيد الله، والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسوله حقاً، والإيمان بجميع المرسلين، مع الإيمان بوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، والإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، هذه هي العقيدة الإسلامية المحمدية، وقد وقع من بعض الناس قوادح فيها، ونواقض تنقضها يجب أن نبينها في هذه الكلمة.
والقوادح قسمان:
قسم ينقض هذه العقيدة ويبطلها، فيكون صاحبه كافراً نعوذ بالله. وقسم ينقص هذه العقيدة ويضعفها.
فالأول:
يسمى ناقضاً، وهو الذي يبطلها ويفسدها، ويكون صاحبه كافراً مرتداً عن الإسلام، وهذا النوع هو القوادح المكفرة، وهي نواقض الإسلام، وهي الموجبة للردة، هذه تسمى نواقض.
والناقض يكون قولاً، ويكون عملاً، ويكون اعتقاداً، ويكون شكاً، فقد يرتد الإنسان بقول يقوله أو بعمل يعمله، أو باعتقاد يعتقده، أو بشك يطرأ عليه، هذه الأمور الأربعة كلها يأتي منها الناقض الذي يقدح في العقيدة ويبطلها، وقد ذكرها أهل العلم في كتبهم وسموا بابها: "باب حكم المرتد".
فكل مذهب من مذاهب العلماء، وكل فقيه من الفقهاء ألف كتباً في الغالب عندما يذكر الحدود يذكر "باب حكم المرتد"، وهو الذي يكفر بعد الإسلام، ويسمى هذا مرتداً، يعني أنه رجع عن دين الله وارتد عنه، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) خرجه البخاري في الصحيح[12].
وفي الصحيحين[13]: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى الأشعري إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل رضي الله عنهما فلما قدم عليه قال: أنزل وألقي له وسادة، وإذا رجل عنده موثق قال: ما هذا؟ قال: هذا كان يهودياً فأسلم، ثم راجع دينه - دين السوء - فتهود، فقال معاذ: لا أنزل حتى يقتل قضاء الله ورسوله، فقال: انزل، قال: لا أنزل حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات، فأمر به أبو موسى رضي الله عنه فقتل))، فدل ذلك على أن المرتد عن الإسلام يقتل إذا لم يتب، يستتاب فإن تاب ورجع فالحمد لله، وإن لم يرجع وأصر على كفره وضلاله يقتل، ويعجل به إلى النار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه))[14].
فالنواقض التي تنقض الإسلام كثيرة منها:
الردة بالقول:
مثل سب الله، هذا قول ينقض الدين، وهكذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني اللعن والسب لله ولرسوله، أو للعيب والتنقص، مثل أن يقول: إن الله ظالم، إن الله بخيل، إن الله فقير، إن الله جل وعلا لا يعلم بعض الأمور، أو لا يقدر على بعض الأمور، كل هذه الأقوال وأشباهها سب وردة عن الإسلام.
فمن انتقص الله أو سبه أو عابه بشيء فهو كافر مرتد عن الإسلام - نعوذ بالله من ذلك - وهذه ردة قولية، إذا سب الله أو استهزأ به أو تنقصه أو وصفه بأمر لا يليق، كما تقول اليهود إن الله بخيل، إن الله فقير ونحن أغنياء، وهكذا لو قال إن الله لا يعلم بعض الأمور، أو لا يقدر على بعض الأمور، أو نفى صفات الله ولم يؤمن بها، فهذا يكون مرتداً بأقواله السيئة.
أو قال مثلاً: إن الله لم يوجب علينا الصلاة فهذه ردة عن الإسلام، فمن قال: إن الله لم يوجب الصلاة فقد ارتد عن الإسلام بإجماع المسلمين، إلا إذا كان جاهلاً بعيداً عن المسلمين لا يعرف فيعلم، فإن أصر كفر، وأما إذا كان بين المسلمين، ويعرف أمور الدين، ثم قال: ليست الصلاة بواجبة فهذه ردة، يستتاب منها فإن تاب وإلا قتل.
أو قال: الزكاة غير واجبة على الناس، أو قال: صوم رمضان غير واجب على الناس، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب على الناس، من قال هذه المقالات كفر إجماعاً، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل نعوذ بالله من ذلك، وهذه الأمور ردة قولية.
ومنها الردة بالفعل:
والردة الفعلية مثل ترك الصلاة، فكونه لا يصلي وإن قال: إنها واجبة، لكن لا يصلي هذه ردة على الأصح من أقوال العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) رواه الإمام أحمد، والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح[15]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) أخرجه مسلم في صحيحه[16].
وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي المتفق على جلالة قدره رحمه الله: (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) رواه الترمذي[17] وإسناده صحيح. وهذه ردة فعلية، وهي ترك الصلاة عمداً.
ومن ذلك لو استهان بالمصحف الشريف وقعد عليه مستهيناً به، أو لطخه بالنجاسة عمداً، أو وطأه بقدمه يستهين به، فإنه يرتد بذلك عن الإسلام.
ومن الردة الفعلية كونه يطوف بالقبور يتقرب لأهلها بذلك، أو يصلي لهم أو للجن، وهذه ردة فعلية، أما دعاؤه لهم والاستعانة بهم والنذر لهم فردة قولية.
أما من طاف بالقبور يقصد بذلك عبادة الله، فهو بدعة قادحة في الدين، ووسيلة من وسائل الشرك، ولا يكون ردة، إنما يكون بدعة قادحة في الدين إذا لم يقصد التقرب إليهم بذلك، وإنما فعل ذلك تقرباً إلى الله سبحانه جهلاً منه.
ومن الكفر الفعلي كونه يذبح لغير الله، ويتقرب لغيره سبحانه بالذبائح، يذبح البعير أو الشاة أو الدجاجة أو البقرة لأصحاب القبور تقرباً إليهم يعبدهم بها، أو للجن يعبدهم بها، أو للكواكب يتقرب إليها بذلك، وهذا مما أهل به لغير الله، فيكون ميتة، ويكون كفراً أكبر، نسأل الله العافية من ذلك، هذه كلها من أنواع الردة والنواقض عن الإسلام الفعلية.
ومنها: الردة بالاعتقاد:
ومن أنواع الردة العقدية التي يعتقدها بقلبه وإن لم يتكلم بها ولم يفعل، بل بقلبه يعتقد، إذا اعتقد بقلبه أن الله جل وعلا فقير، أو أنه بخيل، أو أنه ظالم، ولو أنه ما تكلم، ولو لم يفعل شيئاً، هذا كفر بمجرد هذه العقيدة بإجماع المسلمين. أو اعتقد بقلبه أنه لا يوجد بعث ولا نشور، وأن كل ما جاء في هذا ليس له حقيقة، أو اعتقد بقلبه أنه لا يوجد جنة أو نار، ولا حياة أخرى، إذا اعتقد ذلك بقلبه ولو لم يتكلم بشيء، هذا كفر وردة عن الإسلام نعوذ بالله من ذلك وتكون أعماله باطلة، ويكون مصيره إلى النار بسبب هذه العقيدة.
وهكذا لو اعتقد بقلبه ولو لم يتكلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بصادق، أو أنه ليس بخاتم الأنبياء وأن بعده أنبياء، أو اعتقد أن مسيلمة الكذاب نبي صادق، فإنه يكون كافراً بهذه العقيدة.
أو اعتقد بقلبه أن نوحاً أو موسى أو عيسى أو غيرهم من الأنبياء عليهم السلام أنهم كاذبون أو أحداً منهم هذا ردة عن الإسلام، أو اعتقد أنه لا بأس أن يدعي مع الله غيره كالأنبياء أو غيرهم من الناس، أو الشمس والكواكب أو غيرها، إذا اعتقد بقلبه ذلك صار مرتداً عن الإسلام؛ لأن الله تعالى يقول: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ )[18]، وقال سبحانه( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)[19]، وقال( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[20]، وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ)[21]، وقال( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[22]، وقال سبحانه( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[23]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فمن زعم أو اعتقد أنه يجوز أن يعبد مع الله غيره من ملك، أو نبي، أو شجر، أو جن، أو غير ذلك فهو كافر، وإذا نطق وقال بلسانه ذلك صار كافراً بالقول والعقيدة جميعاً، وإن فعل ذلك ودعا غير الله واستغاث بغير الله صار كافراً بالقول والعمل والعقيدة جميعاً، نسأل الله العافية من ذلك.
ومما يدخل في هذا ما يفعله عباد القبور اليوم في كثير من الأمصار من دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، وطلب المدد منهم، فيقول بعضهم: يا سيدي المدد المدد، يا سيدي الغوث الغوث، أنا بجوارك اشف مريضي، ورد غائبي، وأصلح قلبي، يخاطبون الأموات الذين يسمونهم الأولياء، ويسألونهم هذا السؤال، نسوا الله وأشركوا معه غيره - تعالى الله عن ذلك - فهذا كفر قولي وعقدي وفعلي.
وبعضهم ينادي من مكان بعيد وفي أمصار متباعدة يا رسول الله انصرني ونحو هذا، وبعضهم يقول عند قبره: يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله: المدد المدد، انصرنا على أعدائنا، أنت تعلم ما نحن فيه، انصرنا على أعدائنا. والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، إذ لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه، هذا من الشرك القولي والعملي، وإذا اعتقد مع ذلك أن هذا جائز وأنه لا بأس به صار شركاً قولياً وفعلياً وعقدياً نسأل الله العافية من ذلك. وهذا واقع في دول وبلدان كثيرة، وكان واقعاً في هذه البلاد، كان واقعاً في الرياض والدرعية قبل قيام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد كانت لهم آلهة في الرياض والدرعية وغيرهما، أشجار تعبد من دون الله، وأناس يقال: إنهم من الأولياء يعبدونهم مع الله، وقبور تعبد مع الله.
وكان قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه موجوداً في الجبيلة حيث قتل في حروب الردة أيام مسيلمة، كان قبره يعبد من دون الله حتى هدم ذلك القبر ونسي اليوم والحمد لله بأسباب دعوة الشيخ محمد قدس الله روحه وجزاه عنا وعن المسلمين أفضل الجزاء.
وقد كان في نجد والحجاز من الشرك العظيم والاعتقادات الباطلة، ودعوة غير الله ما لا يعد ولا يحصى، فلما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، أي قبل ما يزيد عن مائتي سنة، دعا إلى الله، وأرشد الناس، فعاداه كثير من العلماء الجهلة وأهل الهوى، لكن الله أيده بعلماء الحق، وبآل سعود - رحم الله الجميع - فدعا إلى الله، وأرشد الناس إلى توحيد الله، وبين لهم أن عبادة الجن والأحجار والأولياء والصالحين وغيرهم شرك من عمل الجاهلية، وأنها أعمال أبي جهل وأمثاله من كفار قريش في عبادتهم اللات والعزى، ومناة، وعبادة القبور، هذه هي أعمالهم، فبين رحمه الله للناس، وهدى الله على يديه من هدى، ثم عمت الدعوة بلاد نجد والحجاز وبقية الجزيرة العربية، وانتشر فيها التوحيد والإيمان، وترك الناس الشرك بالله وعبادة القبور والأولياء بعد أن كانوا يعبدونها إلا من رحم الله، بل كان بعضهم يعبد أناساً مجانين لا عقول لهم ويسمونهم أولياء، وهذا من عظيم جهلهم الذي كانوا واقعين فيه.

قديم 10-03-2016, 05:50 PM
المشاركة 40
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
تابع القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها
ومنها الردة بالشك:
عرضنا للردة التي تكون بالقول، والردة بالعمل، والردة بالعقيدة، أما الردة بالشك فمثل الذي يقول: أنا لا أدري هل الله حق أم لا؟ أنا شاك، هذا كافر كفر شك، أو قال: أنا لا أعلم هل البعث حق أم لا؟ أو قال: أنا لا أدري هل الجنة والنار حق أم لا؟ أنا لا أدري، أنا شاك.
فمثل هذا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافراً لشكه فيما هو معلوم من الدين بالضرورة وبالنص والإجماع.
فالذي يشك في دينه ويقول: أنا لا أدري هل الله حق؟ أو هل الرسول حق؟ وهل هو صادق أم كاذب؟ أو قال: لا أدري هل هو خاتم النبيين؟ أو قال: لا أدري مسيلمة كاذب أم لا؟ أو قال: ما أدري هل الأسود العنسي - الذي ادعى النبوة في اليمن - كاذب أم لا؟ هذه الشكوك كلها ردة عن الإسلام، يستتاب صاحبها ويبين له الحق، فإن تاب وإلا قتل. ومثل لو قال: أشك في الصلاة هل هي واجبة أم لا؟ أو الزكاة هل هي واجبة أم لا؟ وصيام رمضان هل هو واجب أم لا؟ أو شك في الحج مع الاستطاعة هل هو واجب في العمر مرة أم لا؟ فهذه الشكوك كلها كفر أكبر يستتاب صاحبها، فإن تاب وآمن وإلا قتل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) رواه البخاري في الصحيح[24].
فلا بد من الإيمان بأن هذه الأمور - أعني الصلاة والزكاة والصيام والحج - كلها حق وواجب على المسلمين بشروطها الشرعية، هذا الذي تقدم هو القسم الأول من القوادح، وهو القسم الذي ينقض الإسلام ويبطله، ويكون صاحبه مرتداً يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
أما النوع الثاني: فهو وجود القوادح دون الكفر، لكنها تضعف الإيمان وتنقصه، وتجعل صاحبها معرضاً للنار وغضب الله، لكن لا يكون صاحبها كافراً.
وأمثلة ذلك كثيرة منها: الزنا إذا آمن أنه حرام ولم يستحله، بل يزني ويعلم أنه عاص، هذا لا يكون كافراً وإنما يكون عاصياً، لكن إيمانه ناقص، وهذه المعصية قدحت في عقيدته لكن دون الكفر، فلو اعتقد أن الزنا حلال صار بذلك كافراً.
وهكذا لو قال: السرقة حلال، أو ما أشبه ذلك، يكون كافراً؛ لأنه استحل ما حرم الله، وكذلك الغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وأكل الربا وأشباه ذلك، كل هذه من القوادح في العقيدة المضعفة للدين والإيمان.
وهكذا البدع، وهي أشد من المعاصي، فالبدع في الدين تضعف الإيمان، ولا تكون ردة ما لم يوجد فيها شرك.
ومن أمثلة ذلك: بدعة البناء على القبور، كأن يبني على القبر مسجداً أو قبة، فهذه بدعة تقدح في الدين وتضعف الإيمان، لكن إذا بناها وهو لا يعتقد جواز الكفر بالله، ولم يقترن بذلك دعاء الميتين والاستغاثة بهم والنذر لهم، بل ظن أنه بفعله هذا يحترمهم ويقدرهم، فهذا العمل حينئذ ليس كفراً، بل بدعة قادحة في الدين تضعف الإيمان وتنقصه، ووسيلة إلى الشرك.
ومن أمثلة البدع: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي حيث يحتفل بعض الناس في الثاني عشر من ربيع الأول بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا العمل بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون، ولم يفعلها أهل القرن الثاني ولا الثالث، بل هذه بدعة محدثة[25].
أو الاحتفال بمولد البدوي، أو عبد القادر الجيلاني، أو غيرهما، فالاحتفال بالموالد بدعة من البدع، ومنكر من المنكرات التي تقدح في العقيدة؛ لأن الله ما أنزل بها من سلطان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) رواه مسلم[26]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته[27]، أي فهو مردود عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) خرجه مسلم في صحيحه[28]، وقال: ((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))[29]، فالبدع من القوادح في الدين التي دون الكفر، إذا لم يكن فيها كفر، أما إذا كان في الاحتفال بالمولد دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به وطلبه النصر صار شركاً بالله، وكذا دعاؤهم يا رسول الله انصرنا، المدد المدد يا رسول الله، الغوث الغوث، أو اعتقادهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب أو غيره، كاعتقاد بعض الشيعة في علي والحسن والحسين أنهم يعلمون الغيب، كل هذا شرك وردة عن الدين، سواء كان في المولد أو في غير المولد.
ومثل هذا قول بعض الرافضة: إن أئمتهم الإثني عشر يعلمون الغيب، وهذا كفر وضلال وردة عن الإسلام؛ لقوله تعالى( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ)[30]، أما إذا كان الاحتفال بمجرد قراءة السيرة النبوية، وذكر ما جرى في مولده وغزواته، فهذا بدعة في الدين تنقصه ولكن لا تنقضه.
ومن البدع: ما يعتقده بعض الجهال في شهر صفر من أنه لا يسافر فيه، فيتشاءمون به[31]، وهذا جهل وضلال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة)) متفق على صحته، وزاد مسلم: ((ولا نوء ولا غول))[32]؛ لأن اعتقاد العدوى والطيرة والتعلق بالأنواء، أو الغول[33]، كل هذه من أمور الجاهلية التي تقدح في الدين.
ومن زعم أن هناك عدوى فهذا باطل، ولكن الله جعل المخالطة لبعض المرضى قد تكون سبباً لوجود المرض في الصحيح، ولكن لا تعدي بطبعها، ولما سمع بعض العرب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى..)) قال: يا رسول الله الإبل تكون في الرمال كأنها الظباء فإذا دخلها الأجرب أجربها، قال صلى الله عليه وسلم ((فمن أعدى الأول))[34] أي: من الذي أنزل الجرب في الأول[35]. فالأمر بيد الله سبحانه وتعالى إذا شاء أجربها بسبب هذا الجرب، وإن شاء لم يجربها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يوردن ممرض على مصح))[36] يعني لا توردوا الإبل المريضة على الصحيحة، بل تكون هذه على حدة وهذه على حدة، وذلك من باب اتقاء الشر والبعد عن أسبابه، وإلا فالأمور بيد الله، لا يعدي شيء بطبعه إنما هو بيد الله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا[37]، فالخلطة من أسباب وجود المرض فلا تنبغي الخلطة، فالأجرب لا يخالط الصحيح، هكذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الاتقاء والحذر من أسباب الشر، لكن ليس المعنى أنه إذا خالط فإنه سيعدي لا، قد يعدي وقد لا يعدي، والأمر بيد الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((فمن أعدى الأول؟)).
ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد))[38]، والمقصود: أن تشاؤم أهل الجاهلية بالعدوى وبالتطير أو الهامة وهي روح الميت، يقولون: إنها تكون كأنها طائر حول قبره يتشاءمون بها، وهذا باطل لا أصل له، وروح الميت مرتهنة بعمله إما في الجنة أو النار.
والطيرة والتشاؤم بالمرئيات والسمعيات من عمل الجاهلية، حيث كانوا يتشاءمون إذا رأوا شيئاً لا يناسبهم مثل الغراب، أو الحمار الأسود، أو مقطوع الذنب، أو ما أشبه ذلك، فيتشاءمون به، هذا من جهلهم وضلالهم، قال الله جل وعلا في الرد عليهم: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ[39]، فالله بيده الضر والنفع، وبيده العطاء والمنع، والطيرة لا أصل لها، ولكنه شيء يجدونه في صدورهم ولا حقيقة له، بل هو شيء باطل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لا طيرة))، ولذا يجب على المسلم إذا رأى ما يتشاءم به ألا يرجع عن حاجته، فلو خرج ليسافر وصادفه حمار غير مناسب، أو رجل غير مناسب أو ما أشبه ذلك، فلا يرجع، بل يمضي في حاجته ويتوكل على الله، فإن رجع فهذه هي الطيرة، والطيرة قادحة في العقيدة ولكنها دون الشرك الأكبر، بل هي من الشرك الأصغر.
وهكذا سائر البدع كلها من القوادح في العقيدة، لكنها دون الكفر، إن لم يصاحبها كفر. فهذه البدع مثل بدعة الموالد، والبناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، ومثل صلاة الرغائب هذه كلها بدع، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج التي يحددونها بسبع وعشرين من رجب، هذه بدعة ليس لها أصل، وبعض الناس يحتفل بليلة النصف من شعبان ويعمل فيها أعمالاً يتقرب بها، وربما أحيا ليلها أو صام نهارها يزعم أن هذا قربة، فهذا لا أصل له، والأحاديث فيه غير صحيحة، بل هو من البدع.
والجامع في هذا أن كل شيء من العبادات يحدثه الناس ولم يأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ولم يقره فهو بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وقال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، وكان يقول في خطبة الجمعة: ((وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة))[40] يحذر الناس من البدع ويدعوهم إلى لزوم السنة صلى الله عليه وسلم.
فالواجب على أهل الإسلام أن يلزموا الإسلام ويستقيموا عليه، وفي هذا كفايتهم وكمالهم، فليسوا بحاجة إلي بدع، يقول الله تعالى:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا)[41]، فالله أكمل الدين وأتمه بحمده وفضله، فليس الناس بحاجة إلى بدع يأتون بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ))[42].
فليس الناس بحاجة إلى بدع زيد وعمرو، بل يجب التمسك بما شرعه الله، والسير على منهج الله، والوقوف عند حدوده، وترك ما أحدثه الناس، كما قال الله سبحانه وتعالى ذماً للبدع وأهلها: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ[43].
وفق الله الجميع لما فيه الخير، وأصلح أحوال المسلمين، ووفقهم للفقه في دينه، وجنبهم أسباب الزيغ والضلال والانحراف، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
[1] سورة آل عمران الآية 19.
[2] سورة المائدة الآية 3.
[3] سورة آل عمران الآية 58.
[4] جزء من حديث رواه البخاري (3442، 3443)، ومسلم (2365) (143، 144، 145) وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال في (مختار الصحاح): بنو العلات: أولاد الرجل من نسوة شتى، سميت بذلك لأن الذي تزوج أخرى على أولى قد كانت قبلها ناهل، ثم علَّ من هذه، والعلل: الشرب الثاني، يقال عَلَلُ بعد نهل ا. هـ. قال الحفظ ابن حجر رحمه الله: (معنى الحديث: أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع) انظر فتح الباري (6/ 489).
[5] سورة المائدة الآية 48.
[6] سورة الأعراف الآية 157.
[7] سورة الحج الآية 78.
[8] جزء من حديث رواه البخاري (335، 438، 3122)، ومسلم (521).
[9] سورة البقرة الآية 185.
[10] سورة الحج الآية 62.
[11] صحيح البخاري (8/ 139).
[12] صحيح البخاري (3017).
[13] صحيح البخاري (6923)، صحيح مسلم (1733، 15)، واللفظ هنا لمسلم في (باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها)، من كتاب الإمارة.
[14] صحيح البخاري (3017).
[15] المسند (5/ 346)، سنن الترمذي (2623)، سنن النسائي (1/ 231، 232)، سنن ابن ماجه (1079) من حديث بريدة رضي الله عنه.
[16] صحيح مسلم، كتاب الإيمان 35 ـ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (86)، ورواه الإمام أحمد بلفظ)) بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) المسند (3/ 389)
الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

قديم 10-03-2016, 05:51 PM
المشاركة 41
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
الذبح لغير الله شرك
التقرب بذبح الخرفان في أضرحة الأولياء الصالحين ما زال موجود في عشيرتي . . نهيت عنه ، لكنهم لم يزدادوا إلا عنادا قلت لهم : إنه شرك بالله ، قالوا : نحن نعبد الله حق عبادته ، لكن ما ذنبنا إن زرنا أولياءه وقلنا لله في تضرعاتنا: (بحق وليك الصالح فلان اشفنا أو أبعد عنا الكرب الفلاني . .) قلت: ليس ديننا دين واسطة قالوا : اتركنا وحالنا .
ما الحل الذي تراه صالحا لعلاج هؤلاء ؟
ماذا أعمل تجاههم ؟ وكيف أحارب البدعة ؟ وشكرا
من المعلوم بالأدلة من الكتاب والسنة أن التقرب بالذبح لغير الله من الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المخلوقات شرك بالله ومن أعمال الجاهلية والمشركين قال الله عز وجل (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[1]، والنسك هو الذبح وبين سبحانه في هذه الآية أن الذبح لغير الله شرك بالله كالصلاة لغير الله. وقال تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[2] أمر الله سبحانه نبيه في هذه السورة الكريمة أن يصلي لربه وينحر له خلافا لأهل الشرك الذين يسجدون لغير الله ويذبحون لغيره، وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ)[3]، وقال سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)[4]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، والذبح من العبادة فيجب إخلاصه لله وحده، وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله من ذبح لغير الله)).
وأما قول القائل :
أسأل الله بحق أوليائه أو بجاه أوليائه أو بحق النبي أو بجاه النبي فهذا ليس من الشرك ولكنه بدعة عند جمهور أهل العلم ومن وسائل الشرك لأن الدعاء عبادة وكيفيته من الأمور التوقيفية ولم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما يدل على شرعية أو إباحة التوسل بحق أو جاه أحد من الخلق فلا يجوز للمسلم أن يحدث توسلا لم يشرعه الله سبحانه وتعالى لقول الله عز وجل: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )[5]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري في صحيحه جازما بها: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))، ومعنى قوله: ((فهو رد)) أي مردود على صاحبه لا يقبل، فالواجب على أهل الإسلام التقيد بما شرعه الله والحذر مما أحدثه الناس من البدع، أما التوسل المشروع فهو التوسل بأسماء الله وصفاته وبتوحيده وبالأعمال الصالحات والإيمان بالله ورسوله ومحبة الله ورسوله ونحو ذلك من أعمال البر والخير، والله ولي التوفيق.
[1] سورة الأنعام الآية 162.
[2] سورة الكوثر الآية 1-2.
[3] سورة الإسراء الآية 23.
[4] سورة البينة الآية 5.
[5] سورة الشورى الآية 21.
الشيخ عبدالعزيز بن باز

قديم 10-03-2016, 05:51 PM
المشاركة 42
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
زيارة القبور والتوسل بالأضرحة وأخذ أموال التوسل
من جمهورية مصر العربية يقول فيه: ما حكم الدين الإسلامي في زيارة القبور والتوسل بالأضرحة وأخذ خروف وأموال للتوسل بها كزيارة السيد البدوي والحسين والسيدة زينب أفيدونا أفادكم الله.
زيارة القبور نوعان:
أحدهما:
مشروع ومطلوب لأجل الدعاء للأموات والترحم عليهم ولأجل تذكر الموت والإعداد للآخرة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)) وكان يزورها صلى الله عليه وسلم، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم، وهذا الفرع للرجال خاصة لا للنساء، أما النساء فلا يشرع لهن زيارة القبور بل يجب نهيهن عن ذلك. لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور من النساء، ولأن زيارتهن للقبور قد يحصل بها فتنة لهن أو بهن مع قلة الصبر وكثرة الجزع الذي يغلب عليهن، وهكذا لا يشرع لهن اتباع الجنائز إلى المقبرة. لما ثبت في الصحيح عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) فدل ذلك على أنهن ممنوعات من اتباع الجنائز إلى المقبرة لما يخشى في ذلك من الفتنة لهن وبهن، وقلة الصبر، والأصل في النهي: التحريم لقول الله سبحانه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[1]، أما الصلاة على الميت فمشروعة للرجال والنساء كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، أما قول أم عطية رضي الله عنها: (لم يعزم علينا)، فهذا لا يدل على جواز اتباع الجنائز للنساء؛ لأن صدور النهي عنه صلى الله عليه وسلم كاف في المنع، وأما قولها: (لم يعزم علينا) فهو مبني على اجتهادها وظنها، واجتهادها لا يعارض به السنة.
النوع الثاني:
بدعي وهو:
زيارة القبور لدعاء أهلها والاستغاثة بهم أو للذبح لهم أو للنذر لهم، وهذا منكر وشرك أكبر نسأل الله العافية، ويلتحق بذلك أن يزوروها للدعاء عندها والصلاة عندها والقراءة عندها، وهذا بدعة غير مشروع ومن وسائل الشرك، فصارت في الحقيقة ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
مشروع، وهو أن يزوروها للدعاء لأهلها أو لتذكر الآخرة.
الثاني:
أن تزار للقراءة عندها أو للصلاة عندها أو للذبح عندها فهذه بدعة ومن وسائل الشرك.
الثالث:
أن يزوروها للذبح للميت والتقرب إليه بذلك، أو لدعاء الميت من دون الله أو لطلب المدد منه أو الغوث أو النصر فهذا شرك أكبر نسأل الله العافية، فيجب الحذر من هذه الزيارات المبتدعة، ولا فرق بين كون المدعو نبيا أو صالحا أو غيرهما، ويدخل في ذلك ما يفعله بعض الجهال عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم من دعائه والاستغاثة به، أو عند قبر الحسين أو البدوي أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهم، والله المستعان.
[1] سورة الحشر الآية 7
الشيخ عبدالعزيز بن باز

قديم 10-03-2016, 05:51 PM
المشاركة 43
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
حكم طلب المدد من الرسول
نسمع أقواما ينادون: مدد يا رسول الله، أو مدد يا نبي، فما الحكم في ذلك؟
هذا الكلام من الشرك الأكبر، ومعناه طلب الغوث من النبي- صلى الله عليه وسلم-وقد أجمع العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم- وأتباعهم من علماء السنة على أن الاستغاثة بالأموات من الأنبياء وغيرهم، أو الغائبين من الملائكة أو الجن وغيرهم، أو بالأصنام والأحجار والأشجار أو بالكواكب ونحوها من الشرك الأكبر، لقول الله عز وجل:
( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[1]،
وقوله سبحانه: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير)ٍ[2].
وقول الله عز وجل:
(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)[3]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهذا العمل هو دين المشركين الأولين من كفار قريش وغيرهم، وقد بعث الله الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب بإنكاره والتحذير منه، كما قال الله سبحانه:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[4]،
وقال سبحانه( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[5]، وقال عز وجل( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ)[6]، وقال سبحانه( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)[7]، فأوضح سبحانه في هذه الآيات أنه أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده لا شريك له بأنواع العبادة من: الدعاء والاستغاثة والخوف والرجاء والصلاة والصوم والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة، وأخبر أن المشركين من قريش وغيرهم يقولون للرسل ولغيرهم من دعاة الحق ما نعبدهم - يعنون الأولياء- إلا ليقربونا إلى الله زلفى، والمعنى أنهم عبدوهم ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم، لا لأنهم يخلقون ويرزقون ويتصرفون في الكون، فأكذبهم الله وكفرهم بذلك فقال سبحانه( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )فبين سبحانه أنهم كذبة في قولهم: إن الأولياء المعبودين من دون الله يقربونهم إلى الله زلفى، وحكم عليهم أنهم كفار بذلك، فقال سبحانه( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) وبين سبحانه في آية أخرى من سورة يونس أنهم يقولون في معبوديهم من دون الله إنهم شفعاء عند الله، وذلك في قوله سبحانه( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)[8] فأكذبهم سبحانه فقال:
(قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[9].
وبين عز وجل في سورة الذاريات أنه خلق الثقلين الجن والإنس ليعبدوه وحده دون كل ما سواه، فقال عز وجل(
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ )
[10]فالواجب على جميع الجن والإنس أن يعبدوا الله وحده وأن يخلصوا له العبادة، وأن يحذروا عبادة ما سواه من الأنبياء وغيرهم، لا بطلب المدد ولا بغير ذلك من أنواع العبادة، عملا بالآيات المذكورات وما جاء في معناها، وعملا بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وعن غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام أنهم دعوا الناس إلى توحيد الله وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه، ونهوهم عن الشرك به وعبادة غيره، وهذا هو أصل دين الإسلام الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب وخلق من أجله الثقلين، فمن استغاث بالأنبياء أو غيرهم، أو طلب منهم المدد أو تقرب إليهم بشيء من العبادة، فقد أشرك بالله وعبد معه سواه، ودخل في قوله تعالى( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[11]، وفي قوله عز وجل( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[12]، وقوله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[13]، وقوله سبحانه( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[14]، ولا يستثنى من هذه الأدلة إلا من لم تبلغه الدعوة ممن كان بعيدا عن بلاد المسلمين، فلم يبلغه القرآن ولا السنة، فهذا أمره إلى الله سبحانه، والصحيح من أقوال أهل العلم في شأنه أنه يمتحن يوم القيامة، فإن أطاع الأمر دخل الجنة، وإن عصى دخل النار، وهكذا أولاد المشركين الذين ماتوا قبل البلوغ، فإن الصحيح فيهم قولان: أحدهما أنهم يمتحنون يوم القيامة، فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار. لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) متفق على صحته. فإذا امتحنوا يوم القيامة ظهر علم الله فيهم، والقول الثاني: أنهم من أهل الجنة؛ لأنهم ماتوا على الفطرة قبل التكليف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل مولود يولد على الفطرة))، وفي رواية: ((على هذه الملة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في روضة من رياض الجنة وعنده أطفال المسلمين وأطفال المشركين. وهذا القول هو أصح الأقوال في أطفال المشركين للأدلة المذكورة، ولقوله سبحانه: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)[15] ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله، في [الفتح] جـ 3 ص 347 في شرح باب: ما قيل في أولاد المشركين من كتاب الجنائز: إن هذا القول هو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون، انتهى المقصود.
ويستثنى من ذلك أيضا دعاء الحي الحاضر، فيما يقدر عليه، فإن ذلك ليس من الشرك لقول الله عز وجل في قصة موسى مع القبطي: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)
[16] ولأن كل إنسان يحتاج إلى إعانة إخوانه فيما يحتاج إليه في الجهاد وفي غيره مما يقدرون عليه، فليس ذلك من الشرك، بل ذلك من الأمور المباحة، وقد يكون ذلك التعاون مسنونا، وقد يكون واجبا على حسب الأدلة الشرعية. والله ولي التوفيق.
[1] سورة الجن الآية 18.
[2] سورة فاطر الآيتان 13 – 14.
[3] سورة المؤمنون الآية 117.
[4] سورة النحل الآية 36.
[5] سورة الأنبياء الآية 25.
[6] سورة هود الآيتان 1 – 2.
[7] سورة الزمر الآيات 1 – 3.
[8] سورة يونس الآية 18.
[9] سورة يونس الآية 18.
[10] سورة الذاريات الآية 56.
[11] سورة الأنعام الآية 88.
[12] سورة الزمر الآية 65.
[13] سورة النساء الآية 48.
[14] سورة المائدة الآية 72.
[15] سورة الإسراء الآية 15.
[16] سورة القصص الآية 15.
الشيخ عبدالعزيز بن باز

قديم 10-03-2016, 05:52 PM
المشاركة 44
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
الجمع بين حديثين متعلقين بالرقى والتمائم والتولة
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك))، وعن جابر رضي الله عنه قال: كان لي خال يرقي من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، قال فأتاه فقال: يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى وأنا أرقي من العقرب فقال: ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل))، ما هو الجمع بين أحاديث المنع والجواز في موضوع الرقى؟ وما حكم تعليق الرقى من القرآن على صدر المبتلى؟ ع. س. ف من الرياض.
الرقى المنهي عنها هي:
الرقى التي فيها شرك، أو توسل بغير الله، أو ألفاظ مجهولة لا يعرف معناها:
أما الرقى السليمة من ذلك فهي مشروعة ومن أعظم أسباب الشفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا))،وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه))خرجهما مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا رقية إلا من عين أو حمة))ومعناه لا رقية أولى وأشفى من الرقية من هذين الأمرين، وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورقي.
أما تعليق الرقى على المرضى أو الأطفال فذلك لا يجوز، وتسمى الرقى المعلقة: التمائم وتسمى الحروز والجوامع؛ والصواب فيها أنها محرمة ومن أنواع الشرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلق تميمة فقد أشرك))،وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)).
واختلف العلماء في التمائم إذا كانت من القرآن أو من الدعوات المباحة هل هي محرمة أم لا ؟ والصواب تحريمها لوجهين:
أحدهما:
عموم الأحاديث المذكورة، فإنها تعم التمائم من القرآن وغير القرآن.
والوجه الثاني:
سد ذريعة الشرك فإنها إذا أبيحت التمائم من القرآن اختلطت بالتمائم الأخرى واشتبه الأمر وانفتح باب الشرك بتعليق التمائم كلها، ومعلوم أن سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي من أعظم القواعد الشرعية. والله ولي التوفيق.
الشيخ عبدالعزيز بن باز

قديم 10-03-2016, 05:52 PM
المشاركة 45
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
حكم سؤال السحرة والمشعوذين
الأخ ص. ع. ب من الرياض يقول في سؤاله: يوجد في بعض جهات اليمن أناس يسمون (السادة) وهؤلاء يأتون بأشياء منافية للدين مثل الشعوذة وغيرها، ويدعون أنهم يقدرون على شفاء الناس من الأمراض المستعصية ويبرهنون على ذلك بطعن أنفسهم بالخناجر أو قطع ألسنتهم ثم إعادتها دون ضرر يلحق بهم، وهؤلاء منهم من يصلي ومنهم من لا يصلي. وكذلك يحلون لأنفسهم الزواج من غير فصيلتهم ولا يحلون لأحد الزواج من فصيلتهم، وعند دعائهم للمرضى يقولون (يا الله يا فلان) أحد أجدادهم.
وفي القديم كان الناس يكبرونهم ويعتبرونهم أناسا غير عاديين وأنهم مقربون إلى الله، بل يسمونهم رجال الله، والآن انقسم الناس فيهم: فمنهم من يعارضهم وهم فئة الشباب وبعض المتعلمين، ومنهم من لا يزال متمسكا بهم وهم كبار السن وغير المتعلمين. نرجو من فضيلتكم بيان الحقيقة في هذا الموضوع؟
هؤلاء وأشباههم من جملة المتصوفة الذين لهم أعمال منكرة وتصرفات باطلة، وهم أيضا من جملة العرافين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) وذلك بدعواهم علم الغيب وخدمتهم للجن وعبادتهم إياهم، وتلبيسهم على الناس بما يفعلون من أنواع السحر الذي قال الله فيه في قصة موسى وفرعون: (قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)[1] فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم لهذا الحديث الشريف، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))، وفي لفظ آخر: ((من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)).
وأما دعاؤهم غير الله واستغاثتهم بغير الله، أو زعمهم أن آباءهم وأسلافهم يتصرفون في الكون أو يشفون المرضى أو يجيبون الدعاء مع موتهم أو غيبتهم فهذا كله من الكفر بالله عز وجل، ومن الشرك الأكبر، فالواجب الإنكار عليهم وعدم إتيانهم، وعدم سؤالهم، وعدم تصديقهم؛ لأنهم قد جمعوا في هذه الأعمال بين عمل الكهنة والعرافين وبين عمل المشركين عباد غير الله والمستغيثين بغير الله، والمستعينين بغير الله من الجن والأموات وغيرهم ممن ينتسبون إليهم، ويزعمون أنهم آباؤهم وأسلافهم، أو من أناس آخرون يزعمون أن لهم ولاية أو لهم كرامة، بل كل هذا من أعمال الشعوذة، ومن أعمال الكهانة والعرافة المنكرة في الشرع المطهر.
وأما ما يقع منهم من التصرفات المنكرة من طعنهم أنفسهم بالخناجر، أو قطعهم ألسنتهم فكل هذا تمويه على الناس، وكله من أنواع السحر المحرم الذي جاءت النصوص من الكتاب والسنة بتحريمه والتحذير منه كما تقدم، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بذلك، وهذا من جنس ما قاله الله سبحانه وتعالى عن سحرة فرعون:
( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)[2]، فهؤلاء قد جمعوا بين السحر وبين الشعوذة والكهانة والعرافة وبين الشرك الأكبر. والاستعانة بغير الله والاستغاثة بغير الله وبين دعوى علم الغيب والتصرف في علم الكون، وهذه أنواع كثيرة من الشرك الأكبر والكفر البواح، ومن أعمال الشعوذة التي حرمها الله عز وجل، ومن دعوى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؛ كما قال سبحانه:
( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ)[3].
فالواجب على جميع المسلمين العارفين بحالهم الإنكار عليهم، وبيان سوء تصرفاتهم، وأنها منكرة، ورفع أمرهم إلى ولاة الأمور إذا كانوا في بلاد إسلامية حتى يعاقبوهم بما يستحقون شرعاً حسماً لشرهم وحماية للمسلمين من أباطيلهم وتلبيسهم. والله ولي التوفيق.
[1] سورة الأعراف الآية 116.
[2] سورة طه الآية 66.
[3] سورة النمل الآية 65.
الشيخ عبدالعزيز بن باز




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 01:28 PM.