قديم 17-07-2014, 06:41 PM
المشاركة 2
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 1 )
الانتِسَاب للسَّلَفِيَّة




هل يجُوزُ للإنسان أن يَنسِبَ نَفسَهُ أنا سلفي على مَنهَج السَّلف؟!




هذهِ تَزكِيَة؛ لَكِن يُرجَى لِطَالبِ العلم أن يُعنَى بمذهب السَّلف عِلماً وعَمَلاً، ثُمَّ إذا انتسَبَ إليهِ، واشتَهَرَ بِهِدُونَ أن يَنسِب نَفسَهُ إليهِ في بادئ الأمر، ويَتَطَاول على النَّاس في ذلك، هذه تَزكِيَة، السَّلف، وش معنى السَّلف؟!



سَلَف هذهِ الأُمَّة وأئِمَّتُها، وخِيَارُها، مِنَ الصَّحابة والتَّابِعِين، ومَن تَبِعَهُم بإحسَانٍ، يعني الاقتداء بهم، والاحتذاء بهم،والاهتِدَاء بهديهم بسُنَّتِهِم، في هذهِ الأزمَان يعني أتَصَوَّر أنَّهُ لايَتَسَنَّى من كُلِّ وَجه؛ لأنَّنا ابتُلِينَا بِأُمُور، وعِندَنا خير؛ لكن فيهِ دَخَن، وعِندَنا طلب للعلم وفيهِ شيءٌ مِمَّا يَخدِشُ الإخلاص، فَكَونُنا نَجزِم بِأَنَّنا على المَنهَج السَّلَفِي، نَرجُو أن نَكُون، ونَحرِص أن نَكُون على مَذهَب السَّلَف، أمَّا أنَّنا نَجزِم أنَّا إلى مَذهَبِهِم وهَديِهِم، فالظُّرُوف التِّي نَعِيشُها تَختَلِفُ عَن ظُرُوفِهِم، وجَاءَت النُّصُوص ما يدُلُّ على أنَّهُ في آخر الزَّمان يُتَسَاهَل ويُتَسَامَح أكثَر مِمَّا كانَ في الزَّمَان الأَوَّل، وجَاءَ عَن بَعضِهِم: "إنَّكُم في زَمَانٍ إذا عَمِلتُم فيهِ تِسعَةِ أعشَارِ الخير؛ أُخِذتُم بذلك" بالعُشر، "وسَيَأتِي زمان إذاعَمِلُوا بالعُشر؛ نَجَوا" على كُلِّ حال العَمَل في مثلِ هذهِ الظُّرُوف التِّي نَعِيشُها إذا حَرِصَ الإنسَان، وصَار على الجَادَّة، وابتَعَد عن المُحدَثَات؛ لا سِيَّما التِّي تُزَاوَلُ من خِلَالِها العِبَادَات؛ فإنَّهُ يُرجَى أن يَكُون أَقرَب إلى مَنهَج السَّلف وهَديِهِم، أمَّا أن يَتَطَاوَل على النَّاس، ويَرمِي النَّاس بالأوصَاف، ويَنتَسِب هو لِمَذهَب السَّلف؛ هذا لا شَكَّ أنَّهُا تَزكِيَة للنَّفس، وإعجَابٌ بالنَّفس.



الشيخ عبدالكريم الخضير

قديم 18-07-2014, 06:42 PM
المشاركة 3
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 2 )
آيات ينبغي للمُسلم تأملها





فَعَلى المُسْلِم أنْ يَتَأَمَّلْ مِثْل هذهِ الآيَاتْ، وهذهِ السُّوَرْ القَصِيرَة فِيها العَجَائِبْ، فِيها العَجَائِبْ لاسِيَّما السُّوَرْ المَكِّيَّة التِّي فِيها هذهِ الأهْوال، السُّوَرْ المَدَنِيَّة فِيها شَيء مِمَّا ذُكِرْ مِمَّا يُوعظُ بِهِ ويُذَكَّرُ بِهِ؛ لَكِنْ الغالِب فيها بَيَانْ الأحكام والشَّرَائِع، أمَّا السُّور المَكِّيَّة فَعَلَى قِصَرِها فَفِيها ما يَسُوطُ القُلُوبْ، ويَزْجُرُ القُلُوبْ، ويَدْفَعُ القُلُوب إلى العَمَلْ؛ لَكِنْ قَلْبُ من؟
اللهُ-جلَّ وعَلا- يقُول: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآن ِمَن يَخَافُ وَعِيدِ}[(45) سورة ق]، فالذِّي يَخَافُ الوَعِيدْ هُو الذِّي يُذَكَّرْ بالقُرْآنْ، أمَّا الذِّي لا يَخَافْ مِمَّنْ مَاتَ قَلْبُهُ، نَسْأل الله السَّلامة والعَافِيَة، مِثل هذا يَقْرَأ قُرآنْ، أوْ يَسْمَع قُرآنْ، أوْيَسْمَعْ جَرِيدَة، ويَسْمَع تَحْلِيلْ صَحَفِي أوْ غَيْرُهُ لا فَرْق عِنْدَهُ، والله -جلَّ وعَلا-يقول:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}[(17) سورة القمر]، لَكِنْ لِمَنْ؟
يعنِي هَلْ هُو للغَافِلْ واللاَّهِي والسَّاهِي؟
أو كما قَال الله -جلَّ وعَلا-:{فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[(17) سورة القمر
يَعْنِي هل مِنْ مُتَذَكِّرْ؟ هل مِنْ مُتَّعِظْ؟ هل مِنْ مُنْزَجِرْ؟
نعم إذا وُجِدَ هذا فالقُرآنْ مُيَسَّرٌ عليهِ، يُسِّرَتْ قِرَاءَتُهُ، يُسِّرَ حِفْظُهُ، يُسِّرَ فَهْمُهُ، يُسِّرَ العَمَلُ بِهِ؛ لَكِنْ لِمَنْ أَرَادَ أنْ يَذَّكَّرْ، لِمَنْ أرادَ أنْ يَتَذَكَّر بالقُرآنْ، يَتَّعِظْ بالقُرآنْ يَسْتَفِيدْ، أمَّا الذِّي يَقْرَأ القُرآنْ لا بهذهِ النِّيَّة فَإنَّ فَائِدَتُهُ وإنْ اسْتَفَادَ أجْرَ قِرَاءةِ الحُرُوفْ فإنَّهُ لا يَسْتَفِيدْ قَلْبُهُ شيء من هذهِ القِرَاءة إلاَّ بِقَدْرِ مَا يَعْقِلُ منها.

الشيخ عبدالكريم الخضير

قديم 19-07-2014, 05:04 PM
المشاركة 4
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 3 )
حِرَاسَة القلب من المُؤَثِّرَات



يَقُولُ النَّبِيُّ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-:
((نِعْمَ الرَّجُل عَبدُ الله لو كان يقومُ من اللَّيل)) ((نِعْمَ الرَّجُل عَبدُ الله))
مَنْ عَبْدُ الله هَذَا؟
هَذَا ابْنُ عُمَر الصَّحَابِيّ المُقْتَدِي المُؤْتَسِي الحَرِيصْ عَلَى التَّطْبِيقْ ((نِعْمَ الرَّجُل عَبدُ الله لو كان يقومُ من اللَّيل))نَعْرِفْ حِرْصْ ابْن عُمَر على التَّطْبِيق تَطْبِيق السُّنَنْ حَتَّى أَدَّاهُ حِرْصُهُ هَذَا إِلَى الخُرُوج شَيْئًا يَسِيرًا عَمَّا يَفْعَلُهُ أَكَابِر الصَّحَابَة؛ لَكِنْ هَذَا مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الخَيْر، ومَعَ ذَلِك يُسْتَثْنَى فِي أَمْرِهِ ((لو كان يقومُ من اللَّيل))مَاذا فَعَل ابْنُ عُمَر؟

ابْنُ عُمَر بَعْدَذَلِك كَانَ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلاً، الصَّحابِيُّ المُبَادِر بالتَّطْبِيق، لمَّا سَمِعَ النَّبِي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يقُول:
((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبْ أَوْ عَابِرُ سَبِيل))...
مَاذَا قَال -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأَرْضَاهُ-؟ كان يقول:
"إذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِر المَسَاءْ، وإذا أَمْسَيْت فَلا تَنْتَظِر الصَّبَاح" نُصُوصْ فِي الكِتَابِ والسُّنَّة الصَّحِيحَة فِي البُخَارِي وغَيْرِهِ، ومع الأسف الشديد يأتي من يَكْتُب في الصُّحُف، يقول:
إنَّ الزُّهْد نَقْص وتَعْطِيل لِحيَوِيَّة هذهِ الحياة التِّي أُمِرْنا بِعِمَارَتِها!


ويَسْخَر ويَسْتَهْتِر من الذِّين دَوَّنُوا في تَرَاجِمِ أهلِ العِلْم أنَّهُم وُصِفُوا بالزُّهْد، والنُّصُوص القَطْعِيَّة بينَ أيْدِينا،
"إذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِر المَسَاءْ، وإذا أَمْسَيْت فَلا تَنْتَظِر الصَّبَاح" هذهِ النُّصُوص تُؤَكِّد قِيَام اللِّيل، وهو دَأْبُ الصَّالِحين، ومع الأسَف الشَّديد أنَّ كثيراً مِمَّن يَنْتَسِب إلى طلبِ العِلم نَصِيبُهُ في هذا الباب ضَعِيف إنْ وُجِدْ! فكثيرٌ ممَّن يَنْتَسِب إلى العِلم، وإلى طَلَبِهِ ابْتُلُوا بالمَوانِع وعدم بَذْلِ الأسْبَاب، فَتَرَى الوَاحِد مِنَّا يَسْهَر ويَسْهَر على ماذا؟

عَلَى القِيلِ والقَال مِنَ الكَلام المُبَاح -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى-، دَعُونَا مِمَّنْ يَسْهَر عَلَى المُحَرَّمْ؛ لَكِنْ المَسْأَلَة مُفْتَرَضَة فِي طُلَّابْ عِلْم، يَسْهَر عَلَى المُبَاح ثُمَّ بَعْد ذَلك إِذَا جَاءَ وَقْتُ القِيَام، رَجُل مُسْتَيْقِظ وبِكَامِل قِوَاهُ ولا يَحْتَاجْ إِلَى النَّوم، ويَحْضر الثُّلْث الأَخِير فَإِذا أَرَادَ أنْ يُوتِر بِثَلاث رَكَعَات أو خَمْسْ رَكَعَات، أَو سَبْع، أَوْ تِسِعْ تَجِدْهَا أَثْقَلْ مِنْ جَبَلْ؛ لِأَنَّ مَنْ يُمْضِي وَقْتَهُ فِي القِيلِ والقَالْ ولَوْ كَانَ مُبَاحًا لا يُعَان عَلَى مِثل هَذِهِ الأُمُور؛ فإنَّهُ فِي الغَالِبْ لا يُعَانْ عَلَى مِثْلِ هذِهِ الأُمُور، فَالمَسْأَلَة تَحْتَاج إِلَى احْتِيَاط، والقَلْب يَحْتَاج إِلَى حِرَاسَةٍ شَدِيدَة مِنَ المُؤَثِّرَات، ومِنْ أَعْظَمِ المُؤَثِّرَاتْ عَلَى القَلْب فُضُولُ الكَلام، دَعُونَا مِمَّن سَلَّطَ لِسَانَهُ عَلَى الأَخْيَارْ، ولَمْ يَحْتَطْ لِنَفْسِهِ وفَرَّقَ حَسَنَاتِهِ عَلَى فُلان وعَلَّانْ؛ لكنْ المَسْأَلَة فِيمَنْ لا يَقُول إلَّا مُبَاحاً، فِي الغَالِب لا يُعَان على القِيَام؛ فَإِنْ قَامْ لا يُعَانْ عَلَى حُضُور القَلْب، فَالمَسْأَلَة تَحْتَاج إِلَى اسْتِجْمَاع، والقَلْبُ يَحْتَاج إِلَى جَمعِيَّة،كَمَا قَالَ أَهْلُ العِلْم كابْنِ القَيِّم وغَيْرِهِ.






الشيخ عبدالكريم الخضير

قديم 24-07-2014, 05:29 PM
المشاركة 5
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 4 )
تَوْطِين النَّفْس على الشَّدَائِد




تَوْطِين النَّفْس على الشَّدَائِد، على شَدَائِدْ تَحْصِيلْ العِلْم لِتَعْلَمْ أنَّ هَذَا العِلْم مِمَّا حُفَّتْ بِهِ الجَنَّة، الجَنَّة حُفَّتْ بِمَا تَهْوَاهُ النُّفُوس أو مَا تَكْرَهُهُ النُّفُوس؟
- نعم - حُفَّتْ الجَنَّةبِالمَكَارِهْ... تَبِي الجَنَّة أَقْدِمْ عَلَى هَذِهِ المَكَارِهِ، والعِلْم لَيْسَ بِالأَمْر السَّهْل، ولا يُمْكِنْ أنْ يُسْتَطَاع أو يُنُال بِرَاحَةِ الجِسْم، لا يُمْكِنْ أنْ يُنَالْ العِلْم بِرَاحَة الجَسَدْ، وإلاّ لَوْ كان يُبَاع ويُشْتَرى صَاروا النَّاس كُلُّهُم عُلَمَاء، التُّجَّار كُلُّهُم عُلَمَاء، ولَوْ كان يُسْتَطَاع مَعَ الرَّاحَة والنَّوم كل النَّاس عُلَمَاء؛ لكنْ مَعَ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ العِلْم، ورَفْع مَنَازِلْ أَهْلِ العِلْم فِي الدُّنْيَا والآخِرَة، العُلَمَاء عَدَدُهُم يَسِير قَلِيلْ بِالنِّسْبَة للنَّاس ما الذِّي عَاقَ أُولَئِك عن تَحْصِيل العِلْم؛ لِيُحَصِّلُوا هذِهِ المَنَازِل وهذِهِ الدَّرَجَات العَالِيَة فِي الدُّنْيَا والآخِرَة الذِّي أَعَاقَهُم الشَّدائِد والعَقَبَات التِّي تَعُوق التَّحْصِيل، فَلا بُدَّ من تَوْطِينْ النَّفْس على هذِهِ الشَّدَائِد، أيضًا مِمَّا يُعِينْ عَلَى تَقْوِيَة الهِمَّة فِي نَفْسِ طَالِبِ العِلْم النَّظَر في سِيَر العُلَمَاء والعُظَمَاء الصَّالِحِينْ وسَيِّدُهُم ومُقَدَّمَهُم النَّبِي -صلَّى الله عليْهِ وسلَّم-، لا بُدّمِنْ إِدَامَة النَّظر فِي سِيرَتِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أَفْضَلُ الخَلْق، أَكْرَمُ الخَلْق، أَشْرَفُ الخَلْق، أَعْلَمُ الخَلْق بِالله أَشْجَع النَّاس أَخْشَاهُم وأَتْقَاهُم لله، ومع ذلك يَرْبُطُ الحَجَر على بَطْنِهِ، ويَنَام عَلَى حَصِير يُؤَثِّر فِي جَسَدِهِ ، وَوِسَاده مِنْ أَدَمْ حَشْوُها لِيفْ، هَذَا الذِّي يَعْرِف قَدْر الدُّنْيَا، وهُو أَعْلَمُ النَّاس وأَخْشَاهُم وأَتْقَاهُم وأَكْرَمُهُم على الله -جلَّ وعلا-، إذا قَرَأْتَ فِي سِيرَتِهِ عَرَفْتَ الغَايَة التِّي تُرِيدُها، والسَّبِيل الذِّي تَسْلُكُه مُقْتَدِيًا بِالأُسْوَة وهُو النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، يَعْنِي لَمَّا يُقَال فٌلان يُصَلِّي كذا أو يَصُوم كذا قد يقُول قَائِل والله عاد هذا شَقَّ على نَفْسِهِ، والدِّين يُسْر، وعَلَيْكُم من الدِّين ما تُطِيقُونْ؛ لَكِنْ إِذَا قِيل لهُ إنَّ النَّبِي -عليه الصَّلاة والسَّلام- الذِّي غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّم ومَا تَأَخَّر قَام حَتَّى تَفَطَّرت قَدَمَاهُ، هذا مغْفُور لَهُ مَا تَقَدَّمَ وما تَأَخَّر-عليه الصَّلاة والسَّلام-، ومع ذلك قَامَ هَذَا القِيَام، وجَاهَدَ فِي الله حَقَّ الجِهَاد، وأَدَّى الأَمَانَة، وبَلَّغَ الرِّسَالَة، وحَصَل لَهُ مِن الشَّدَائِد مَا حَصَل، ومع ذلك حينما قيل لهُ تَفْعَل هذا وأنْتَ غُفِرَ لَك؟؟؟تَرْجُوا مَغْفِرة ؟؟؟
((أَفَلا أَكُونُ عَبْدً اشَكُورًا)) اللهُ -جَلَّ وعلا- يُنْعِمُ عَلَيْكَ بِجَلائِلِ النِّعَم،ودَقَائِق النِّعَم، النِّعَم التِّي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، ومع ذلك تَبْخَل على نَفْسِك بالذِّكر الذِّي لا يُكَلِّفُكَ شيء، ولَوْ أَعْمَلْتَ لِسَانَكَ لَيْلَ نَهَار بِذِكْرِ الله ولَهَجْتَ بِشُكْرِهِ مَا اسْتَطَعْتَ أنْ تَفِ بِشُكْرِ نِعْمَة مِنْ نِعَمِ الله -جَلَّ وعلا-... فَكَيْفَ بجميع النِّعَم.
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[النحل / 18]،
فَمِثْلِ هذا يَحْتَاج إلى شُكْر، والشُّكْر يَحْتَاج إِلَى بَذْلِ من النَّفْسْ.




الشيخ عبدالكريم الخضير

قديم 24-07-2014, 05:31 PM
المشاركة 6
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 5 )
القابض على الجمر




حديث أنس بن مالك -رَضِيَ الله عنهُ- قال:
قال رسُولُ الله -صلَّى الله علي هِوسلَّم-:


((يَأْتِي على النَّاسِ زَمَان القَابِض على دينِهِ كالقَابِض على الجَمر))


نعم الشَّخص المُسْتَقِيم على دينِ الله-جلَّ وعلا- فِي بعضِ الأوْقَات، وفِي بعضِ الأَمَاكِنْ لا سِيَّمَا في آخِرالزَّمَان حِينَمَا تَكْثُرُ الفِتَنْ لا شَكَّ أنَّ المُلْتَزِم المُتَمَسِّك بِدِينِهِ وضْعُهُ شَدِيد، وحَيَاتُهُ مُقْلِقَة تَجِدُهُ فِي نِزَاع وفِي صِرَاع مَعَ أَهْلِهِ، مَع جِيرَانِهِ، مَع نَفْسِهِ الأَمَّارَة كالقَابِضْ عَلى الجَمْر، فهُو مع قَبْضِهِ على الجَمْر يُصَارع ويُعاني بس متى يُفْلِت من هذا الجَمْر على مَشَقَّة وعلى شِدَّةٍ شَدِيدَة؛ فَعَلَى الإنْسَان أنْ يَسْعَ جَاهِداً أنْ يُحَافِظْ على دِينِهِ، وأنْ لا يَتَنَازَلْ بِشَيْءٍ مِن دينِهِ مَهْمَا كَلَّفَهُ الأمْر حتَّى يَلْقَى الله -جلَّ وعلا-، وأمَّا مَنْ يَتَنَازَلُون عَن - نَسْأَل الله السَّلامة والعَافِيَة- عن دين، عن عِرْض في مُقَابِل عَرَض الدُّنْيا، وأَخْبَر النَّبِي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- عن فِتَنْ تَكُون فِي آخِر الزَّمَانْ يُصْبِح الرَّجُلُ مُؤمِنْ ويُمْسِي كَافِر، يُمْسِي مٌؤْمِنْ ويُصْبِحْ كَافِر،كُل هذا مِن المُغْرِيَات والمُلْهِيَات والضُّغُوط الشَّدِيدَة، الضُّغُوط النَّفْسِيَّة، الضُّغُوط الأُسَرِيَّة، الضُّغُوط الاجْتِمَاعِيَّة، لا يَجِد مَن يُعِينُهُ على الثَّبَات، فَلْيَحْرِص الإنسان على أنْ يَعْتَصِم بِكِتَابِ الله-جلَّ وعَلا-، وأنْ يَكُون دَيْدَنُهُ النَّظَر فِي كِتَاب الله، وأَنْ يَقْرَأ القُرْآن على الوَجْه المَأْمُور بِهِ، وهذا هو المُعِينْ، وهُو المُثَبِّتْ بإذنِالله -جلَّ وعَلا- والمَخْرَجْ فِيهِ مِنْ جَمِيع الفِتَنْ.


الشيخ عبدالكريم الخضير

قديم 24-07-2014, 05:39 PM
المشاركة 7
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 6 )
وفي أنفسكم أفلا تُبصرون

من الغفلة أنْ يَطلُب الإنسان الشَّيء البعيد ويترك القريب، يَطْلُب وينظر إلى الشَّيء البعيد والذِّي بين يديهِ يترُكُهُ، لا ينظُر في خَلْقِهِ لا يَتَفكَّر في خلْقِهِ لِيَرَى العَجَب العُجاب، ابن القيم -رحمهُ الله- أفَاض في هذه المسألة في مُفتاح دار السَّعادة، وذكر وظائف الجِسم، وأعضاء الجسم، ومفاصل الجِسم، يقول:
جَفْن العين هذا ما فائِدَتُهُ؟
يعني لو كانت العين مكشُوفة تصوَّر وش يصير الوضع؟
والحر والبرد والرِّياح تهبُّها!
لا يَقْدِر قَدْر هذا الجَفْنْ إلاّ من فَقَدَهُ، النّاس يعني أشبه ما يكون بالمسَّاحة، مساحة الزُجاج تجدها باستمرار تَمْسَح،وإلاّ تراكمت عليها الميكرُوبات والجراثيم وغيرها، وتعرَّض للحر والبرد والرِّياح فتأثَّرت؛ لكنَّها محفُوظة ومحْمِيَّة بهذا الجَفْن، وذَكر شيء لا يخطُر على البال؛ فعلى طالب العلم أنْ يُعنى بمثل هذه الأُمُور؛ لأنَّها مِمَّا يُثبِّتُهُ ويَزِيدُ في يَقِينِهِ، يعني في كُل عُضو كل سُلامى من جَسَدِ الإنسان، كُلمَفْصِل من المَفَاصل ثلاثمائة وسُتُّون مفصل كل واحد يحتاج إلى صدقة؛ لأنَّها نِعَم تحتاج إلى شُكر، تَصوَّر لو أنَّ إصبعك الصَّغير لا تستطيع أنْ تَثْنِيهُ!
كم تتأذَّى بهذا الإصبع؟
فكيف بالرِّجل؟ كيف باليد لو كانت ممدُودة هكذا لاتستطيعُ ثَنْيَها؟
كيف بالرَّقبة لا تستطيع أنْ تَلْتَفت يمين ولا شمال ولا ترفع رأسك ولا تخفِضُهُ؟
أُمُور على الإنسان أنْ يتفكَّر بها وينظُر فيها بِعَيْن الاعتبار، وأنْ يشكُر هذا الخالق المُنعم الرَّازق الذِّي تَفَضَّل عليهِ بهذه النِّعم الكثيرة،
يعني لو أنَّ إنساناً أُصيب بعرقٍ نابض ما يَهَنَأُ لهُ عيش، ولايطيبُ لهُ نوم، فهذه أُمُور كُلُّها تحتاج إلى شُكر، كُل نعمة من هذه النِّعم تحتاج إلى شُكر، ولو أنَّ إنساناً عَبَدَ الله -جلَّ وعلا- منذُ التَّكليف إلى أنْ مات بعد أنْ عُمِّر مئة سنة كل هذه العِبادة لا تُساوي نِعمة من النِّعم، فلو وُضعت في ميزان ووُضِع في مُقابِلِها نِعمة البصر أو السَّمع ما قامت لها، ولذا قال النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-
(لن يدخل أحدكم عملُهُ الجنَّة، قالوا: ولا أنت يا رسُول الله؟ قال:
ولا أنا إلاّ أنْ يتغمَّدني اللهُ برحمتِهِ))
فَدُخُول الجنَّة برحمة الله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ كما قال أهلُ العلم المنازل بالأعمال، أمَّا الدُّخُول فهو برحمة الله -جلَّ وعلا-، و إلاّ لو حُوسب الإنسان كما ذكرنا في الدرس السَّابق ((من نُوقش الحِساب عُذِّب أيًّا كان)) كما جاء في الحديث الصَّحيح.

الشيخ عبدالكريم الخضير

قديم 24-07-2014, 05:46 PM
المشاركة 8
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 7 )
من أصبح والدنيا همه شتت الله شمله




الإنسان إذا عَرف الهدف من وُجُودِهِ، الهدف... لماذا خُلِق؟


وحَدَّدَ الهدف، وسَعَى لِتَحْقِيق هذا الهدف، وما يَخْدم هذا الهدف، سَلِمَ مِن شَرٍّ كبير، وارْتَاح الرَّاحَة التَّامَّة، ونَعِمَ بَالُهُ، وسَلِمَ من كثير من الأُمُور التِّي يَتَعَرَّض لها كثير من النَّاس من أَسْبَاب الشَّقَاء في هذه الحَيَاة، إذا عَرَف الإنسان أنَّهُ مَخْلُوق للعِبَادة، مَخْلُوق لِعِبَادة الله -جلَّ وعلا-،{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات/ 56]



وسَعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدَف، وجاء من باب التَّبَع لِتَحْقِيق هذا الهَدف، ما يُعِينُهُ على البَقَاء في هذِهِ الدُّنيا لِتَحْقِيق هذا الهَدف، فالهَدف من الوُجُود ومن الخَلْق العِبَادة؛ لكنْ هل تستطيع أنْ تَعْبد الله -جلَّ وعلا- منْ غير أنْ تَأكل أو تَشْرب أو تَنَام أو تَلْبَس؟ لا تستطيع،
إذن هذِهِ الأُمُور وسائل لِتَحْقِيق الهَدَف الأعْظَم، هذه الوَسَائِل بعض النَّاس يَجْعَلُها هي الأهداف، لمَّا كانت هذِهِ الوسائل جاء التَّنْبِيه عليها بقوله-جلَّ وعلا-:
{وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص/77]
الذِّي يُقال لهُ هذا الكلام من تَصَوَّر الهَدَف وسَعَى لِتَحْقِيقِهِ، لو تَصَوَّر الهَدف مِنْ وُجُودِهِ، وسَعَى بِالفِعِل جَادًّا لِتَحْقِيقِهِ، يُقَ اللهُ:{وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص/77]؛
لكنْ الذِّي هَدَفُهُ الدُّنيا، يَنْبَغِي أنْ يُقَال لهُ: يا أخي:
لا تَنْسَ الآخِرَة، كما هُو حال كثيرٍ من النَّاس اليوم، وما أُصِيب النَّاس بالشَّقاء والأمْرَاض سواءً كانت العُضْوِيَّة أو النَّفْسِيَّة إلاّ لمَّا كان هَدَفُهُم وغَايَتُهُم الدنيا، أقول: من سَعَى لِتَحْقِيق الهدف من وُجُودُهُ ارْتَاح الرَّاحَة التَّامَّة من كثير مِمَّا يُعَانِيهِ النَّاس اليوم من أمراض عُضْوِيَّة ونَفْسِيَّة...لماذا؟
لأنَّ هَدَفَهُ مُحَدَّد غير مُشَتَّت، هَدَفُهُ أنْ يُرْضِي الله -جلَّ وعلا- بِعِبَادَتِهِ التِّي خُلِقَ منْ أَجْلِهَا، فهو يَسْعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدف، وما يُعِينْ على تَحْقِيق هذا الهَدَف من باب التَّبَع، لا على سبيل الاسْتِقْلال، لا على جِهَة الاسْتِقْلال ؛
لكنْ إِذَا كان هَدَفُهُ الدُّنْيَا تَشَتَّت، الدُّنْيَا كما يقول النَّاس لا يَلْحَق لها طرف،أُمُورُهَا لا تنتهي، مطالِبُها لا يُمْكن الإِحَاطَةُ بها، وجاءت الإشارةُ إلى هذا المَعْنَى في قولِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((مَنْ أَصْبَحَ والدُّنْيَا هّمُّه شَتَّتَ اللهُ شَمْلهُ...))
بلا شك يُريد أنْ يَحُوش الدُّنْيا بِحَذَافِيرِها، لا يستطيع، الدُّنيا لا يُمْكِن الإِحَاطَةُ بها، ونَهَم الإنسان إِذَا انْفَتَح على هذِهِ الدُّنْيَا لا يُمْكِنْ أنْ يَرْتَاح لهُ بَال؛ لأنَّهُ أيّ شيءٍ يَرَاهُ بحيث يُعْجِبُهُ عِنَد فُلان أوعَلَّان يُرِيدُهُ، ذُكِر عند فلان بيت قَصر مُنِيف، سَعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدف،ذُكِر عند عَلَّان سَيَّارة فَارِهَة سَعَى لِتَحِقِيق هذا الهَدف، ذُكِر عند فُلان امْرَأة جَمِيلَة أو بِنْت سَعَى لِتَحْقِيق هذا الهدف... كيف يُحِيط بهذهِ الأُمُور؟
لا يُمْكِن أنْ يُحِيط بهذِهِ الأُمُور، ولو بَذَل جميع ما أُوتِي ومامُدَّ لَهُ من عُمر، واسْتَغل جميع اللَّحظات من عُمُره لنْ يستطيع أنْ يُحَقِّق مثل هذه الأُمُور، ولَنْ يحصل لهُ منْ دُنْيَاهُ إلاَّ ما كُتِبَ لَهُ؛ لكنْ من جَعَل الهَدف الشَّرعي الحَقيقي وهُو عِبَادةُ الله -جلَّ وعلا- على مُرَادِهِ-جلَّ وعَلا- وعلى ضَوْءِ ما جَاءَ عن نَبِيِّه -عليه الصَّلاة والسَّلام-القُدْوَة والأُسْوَة، يَجْتَمع هَمُّهُ، ولا يَتَفَرَّق شَمْلُهُ، ويُحَدَّد مَسَارُهُ وحِينئذٍ يَرْتَاح يَمْشِي على نُور وعلى بَيِّنَة، وعلى بُرْهَان، وعل ىبَصِيرَة.

الشيخ عبدالكريم الخضير

قديم 26-07-2014, 01:42 PM
المشاركة 9
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 8 )
كلمات تكتب بماء الذهب




الكلام في النَّاس، وأعراض المُسلمين كما يقول ابن دقيق العيد حُفرة من حُفر النَّار، يقول:
وقف على شفيرها العُلماء والحُكَّام، ما دامُوا على شفيرها، وهُم مُضطرُّون للكلام في النَّاس فكيف بمن عافاهُ الله من هذه المسألة وهذه المُشكلة؟!
لأنَّ الذِّي يتكلَّم في النَّاس ولو لحاجة لا يكاد أنْ يَسْلم؛ فإمَّا أنْ يزيد أوينقص، فمن ابتُلي ونُصِبَ لهذا الأمر فليستعن بالله وليتحرَّ الإنصاف، ومن عافاهُ الله، فالسَّلامة لا يَعدلها شيء، وأَهَمُّ ما على الإنسان أنْ يُحافظ على مُكتسباتِهِ، فإذا كان يُنفق الأموال بالغَلَقِ والأبواب وخشية اللُّصُوص... فكيف بما يُنجيهِ يوم القيامة من الحسنات التِّي تعب على كسبها وتحصيلها ثُمَّ بعد ذلك فرَّقها على فُلان وعلاَّن ممّن لا يرتضيه؟!
لأنَّ الذِّي يرتضيهم لا يأتيه من حسناته شيء...لماذا؟
لأنَّهُ لا يغتابهم؛ إنَّما يغتاب أُناس لا يرتضيهم، وحسناتُهُ تذهب إلى هؤُلاء الأشخاص الذِّين لا يرتضيهم، فعلى الإنسان أنْ يُحافظ، لا يأتي مُفلساً يوم القيامة، فتُوزِّع حسناته على خُصُومُهُ، فإذا لم يبقَ لهُ شيء انتهى من الحسنات، وإنْ بقي لهُم شيء أُخِذَ من سيِّئاتهِم وأُلقِيَت عليهِ فَطُرِح في النَّار نسأل الله السَّلامة والعافية؛
فعلى الإنسان أنْ يُحافظ على مُكتسباتِهِ، فإذا كان التَّفريط بالدَّراهم والدَّنانير جُنُون... فكيف بمن يُفرِّط بما هو بأمسِّ الحاجة إليه في يوم يجعل الولدانِ شيباً.



الشيخ عبدالكريم الخضير

قديم 26-07-2014, 01:46 PM
المشاركة 10
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 9 )
شُكر النِّعم

لو حُوسب الإنسان على النِّعَم التِّي أولاهُ اللهُ إيَّاها في مُقابل أعمالِهِ الصَّالحة ما بَقِيَ لهُ شيئاً؛ لأنَّهُ مأمُورٌ بالشُّكْر على كُلِّ هذهِ النِّعَم، ثُمَّ إذا حُوسِب ووُضع السَّمع، البصر، العقل، جميع النِّعم التِّي لاتُعد ولا تُحصى، لو وُضِعت نِعمة من هذهِ النِّعم في مُقابِلِ أعمالِهِ لَرَجَحَتْبِها، وذكرنا في درسٍ مضى أنَّ الإنسان لو أنَّ الإصبع الصَّغير الخِنصر ظلَّ واقفاً لا ينثني تَعِبَ منهُ تعباً شديداً ما فيه ألم؛
لكنَّهُ لا ينثني، تَعِبَ منهُ تعباً شديداً؛ ترى ليس بالأمر السَّهل أنْ يستمر الإصبع واقف هكذا فضلاً عن اليد كُلها أو الرِّجل يتأذَّى بها، فكُلّ مفْصَل من المفاصل نِعمة من نِعم الله تعالى تحتاجُ إلى شُكرٍ في كُلِّ يوم، في كُلِّ صباح، وتحتاج إلى صدقة عن كُلِّ مَفْصِل، وعِدَّةُ هذا المَفَاصِل ثلاثمائة وسِتُّون مفصل، {وإنْ تَعُدُّوا نِعْمة الله لا تُحصُوها} [النحل/ 18]
ثُمَّ خُفِّفَ عنكُم عنْ هذه الصَّدقات ثلاثمائة وسِتِّينْ ويكفي من ذلك ركعتان تركَعُهُما من الضُّحى، إذا رَكَعت ركعتين خلاص إضافةً إلى أنَّك لو قُلت لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريك له مائة مرَّة، وسَبَّحت مائة مرَّة، وهلَّلْت مائة مرَّة انتهى، واللهُ المُستعان.

الشيخ عبدالكريم الخضير

قديم 26-07-2014, 01:53 PM
المشاركة 11
  • غير متواجد
رد: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير )
( 10 )
خطر اللسان




عَظَّم الإسلام شأن اللِّسان وأنَّهُ يُورد الإنسان مَوَارد الهلاك..



احفظ لسانك أيُّها الإنســ *** ــــانُ لا يلدغنَّك إنه ثعبان




كُفَّ عليك لسانك وإنا لمُآخَذُون بما نتكلَّمُ به؟ قال النَّبي -عليه الصلاةوالسلام-: ((ثكلتك أُمُّك يا معاذ!، وهل يُكَبُّ النَّاس على وُجُوهِهِم -أو قال على مناخِرِهم- إلاّحَصَائد ألْسنتهم))؛ فاللِّسان شأنُهُ عظيم إنْ تَكَلَّمَ بخير انتفع صاحبُهُ ونَفَعَ غيرهُ، وإنْ تكلَّم بِشَر تَضَرَّر صاحبُهُ، وإنْ سَكَتْ وكان لهُ في السُّكُوت مندوحة الحمدُ لله السُّكُوتُ هو الأصل، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أنْ يقُول كلمة الحَق، فأقلُّ الأحْوَال أنْ يَسْكت عن قول البَاطل، فاللِّسان شأنُهُ عظيم، وآفَاتُهُ كثيرة، ومنهُ تَجْتَمع السَّيِّئات الكثيرة؛ لِأَنَّ حَرَكَتَهُ أَخَفّ من حركة غيرِهِ؛ فالإِنْسَان قد يَعْصِي بِلِسَانِهِ؛ لِخِفَّة حركتهِ حيثُ لا يَحْتَاج إلى عناء ولا تعب يَفْتَح هذا الفم ويتكلَّم قال فُلان وقال علاَّن وفُلان فيه وعلان فيه، وأَعْراض المُسْلِمين حُفْرَة من حُفَر النَّار، يقول ابن دقيق العيد: "أعْرَاض المُسْلِمين حُفْرَة من حُفَر النَّار وَقَف على شَفِيرِهَا العُلَماء والحُكَّام"؛ فالعُلَماء مُضْطَرُّونَ للكلام في النَّاس جَرْحاً وتَعْدِيلاً وقَبُول للشَّهادات لا شكَّ أنَّها مَزِلِّة قَدَم، وهُم مع ذلك مُضْطَرُّون... فكيف بِشخصٍ لا تَدْعُ الضَّرُورة إلى أنْ يتكلَّم في فُلان أو عَلاّن، بِحيث يعمل الأعمال الصَّالحة أمثال الجِبَال؛ ثُمّ يَأْتِي مُفْلِساً يوم القيامة شَتَمَ هذا قَذَفْ هذا أَخَذَ مَالَ هذا تَكَلَّم في عِرْض هذا، هذا فُلان يأكل من حَسَناتِهِ وفُلان من حَسَناتِهِ، والله المُستعان.

حديث المُفْلِس لا يَخْفى عليكم فَلْنَنْتَبِه لِهَذا أشدّ الانتباه، ولِنَسْتَعْمِل هذِهِ النِّعْمة، نِعْمَة النُّطْق فِيمَا يُرْضِي الله -جلَّ وعَلا-، وهذا هو شُكْرها، ولو نَظَرْنَا إلى فِئَامٍ من النَّاس سُلِبُوا هذه النِّعْمَة لا يَتَكَلَّمُون، وفِي الغَالِب أنْ الذِّي لا يَتَكَلَّم أَصَم؛ فَإِذا سُلِبَ نِعْمَة السَّمع والكلام، في السَّابق وُجُودِهِ قريب من عَدَمِهِ، ورَأَيْنا الصُّم البُكْم رَأَيْنَاهُم في مَوَاضِع الخَير لا وُجُودَ لهُم يعني إلاّ نَادِراً ؛ لكن الآنْ وقَد تَيَسَّرت الأُمُور يُشَاركون مُشاركةً تامَّة الْتَقَيْنَا بهم في مُناسبات مِراراً لا يَنْقُصُهُم شيء يَفْهَمُون ويُعَبِّرُون بِطُرِقِهِم المُناسبة بالإِشَارات لا يَنْقُصُهُم شيء في كثيرٍ من تَصَرُّفَاتِهِم أسْرع من الذِّين يَتَكَلَّمُون؛ فإذا كان هذا الشَّخص لا يتكلَّم ولا يسمع، ومن العجائب أنَّهُ يُوجد شخص لا يتكلّم ولا يسمع وهو أعمى في الوقت نفسهِ... هذا كيف يصل إليه العلم والخير وقد حضر في مجلس كنت أنا موجُود فيه، فتكلَّم بكلمة أثَّرت في جميع الحاضرين لمُدَّة ساعة أمر عَجَب وهذا شخص يعني تكليفُهُ ما هو مثل تكليف الذِّي يَسَّر اللهُ لهُ النُّطْق... فلِمَاذا لا نَشْكُر هذِهِ النِّعْمَة ونَصْرفها فيما يَنْفَعنا في الدُّنْيا والآخِرَة، وبدلاً من القِيل والقال، قال الله وقال رَسُولُهُ، علَّم النَّاس الخَيْر تَعَلَّم أوَّلاً؛ ثُمّ عَلِّم غيرك وأسْدِ النَّصيحة لِغَيْرِك، واللهُ المُسْتَعان.


الشيخ عبدالكريم الخضير




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: درر الفوائد ( الشيخ عبدالكريم الخضير ) الجزء الأول
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تَمتمة عَلى قَارعةُ [ حُلم ] وعَبث أجُيده »--• كرستآله ●{ مٌدوٌنةَ آلآعضآء~ 272 16-12-2012 10:26 PM
(قصة جبل الجن / كاملة ) من نقلي وبصماتي آحســــآس شآعـــــر ●{ منتدى الأماكن العام ~ 23 04-06-2012 06:58 AM
"رَفيَقٌ دَربٌ ابَن بَآأز الىٌ رحَمَـةِ الله" تَعزَيه لِ كرسَتآله ...:"( ڪٌتلة مشَـآعِر «" ●{ مُلْتقىَ أعْضاءْ الأماكنْ 35 19-09-2011 02:28 AM
المسابقة الكبرى الشهرية للفوز ياللابتوب ( الحلقة الثانية ) | ▐الخلــود ▐| 彡● فعاليات المنتدى ( خاص بالمسابقات ) 500 08-01-2011 10:37 PM

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 12:40 PM.