قديم 10-03-2016, 05:53 PM
المشاركة 48
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
لطائف قرآنية ( 2 )
حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء :
أحدهما : رد الحق لمخالفته هواك ، فإنك تعاقب بتقليب القلب ، ورد ما يرد عليك من الحق رأساً ، ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك .

قال تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) .فعاقبهم على رد الحق أول مرة بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك .
الثاني : التهاون بالأمر إذا حضر وقته فإنك إن تهاونت به ثبطك الله و أقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك .
قال تعالى : ( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ) .فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فلتهنه السلامة .

ابن القيم ـ بدائع الفوائد .
قال ابن عقيل يوماً في وعظه : يا من يجد من قلبه قسوة ، احذر أن تكون نقضت عهداً فإن الله يقول :
( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ) .

ذم قسوة القلب لابن رجب .
لطائف قرآنية :
اعلم أن علم التفسير أجلّ العلوم على الإطلاق ، وأفضلها وأوجبها وأحبها إلى الله ؛ لأن الله أمر بتدبر كتابه والتفكر في معانية والاهتداء بآياته وأثنى على القائمين بذلك وجعلهم في أعلى المراتب ووعدهم أسنى المواهب . فلو أنفق العبد جواهر عمره في هذا الفن لم يكن ذلك كثيراً في جنب ما هو أفضل المطالب ، وأعظم المقاصد وأصل الأصول كلها وقاعدة أساسيات الدين وصلاح أمور الدين والدنيا والآخرة ، وكانت حياة العبد زاهرة بالهدى والخير والرحمة وطيب الحياة والباقيات الصالحات .
السعدي ـ القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن .

قال تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا ) .
من طلب من الفقراء الدعاء أو الثناء خرج من هذه الآية ، ولهذا كانت عائشة إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول للمرسول :اسمع ما دعوا به لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا ويبقى أجرنا على الله .
ابن تيمية ـ مجموع الفتاوى .
قال تعالى :
( فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً ) .

كان يقال : زيد بن محمد حتى نزل : ( ادعوهم لأبائهم ) فقال : أنا زيد بن حارثة ، وحرُم عليه أن يقول : أنا زيد بن محمد .فلما نزع عنه هذا الشرف وهذا الفخر ، وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي أنه سماه في القرآن فقال تعالى :
( فلما قضى زيد منها وطراً ) . ومن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم حتى صار اسمه قرآناً يتلى في المحاريب ، نوه به غاية التنويه ، فكان هذا تأنيس له وعوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم له .

عبدالرحمن السهيلي ـ الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام .
قال تعالى ( وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ) .ثم قال ( إني ءامنت بربكم فاسمعون ) . فكان جزاءه من قومه القتل ، فقيل له عند موته ( قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) .
في هذه الآيات تنبيه عظيم ، ودلالة على وجوب كظم الغيظ ، والحلم عن أهل الجهل ، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأسرار وأهل البغي ، والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه والاشتغال بذلك عن الشماتة والدعاء عليه .ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته ، والباغين له الغوائل ، وهم كفرة عبدة أصنام .
القرطبي ـ الجامع لأحكام القرآن .
لطائف قرآنية :
قيل لعامر بن عبد قيس : أما تسهو في صلاتك ؟ قال أوَ حديث أحب إلي من القرآن حتى أشتغل به ؟ !
المدهش لابن الجوزي .
لقد عظمت نعمة الله على عبد أغناه بفهم كتابه عن الفقر إلى غيره : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) .
ابن القيم ـ بدائع الفوائد .
قال تعالى :
( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون * واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ) .

ل
ما كان من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به ولم ينتفع ابتلي بالاشتغال بما يضره ، فمن ترك عبادة الرحمن ابتلي بعبادة الأوثان ، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجائه ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه ، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان ، ومن ترك الذل لربه ابتلي بالذل للعبيد ، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل .كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلوا الشياطين .
السعدي ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان .
قال تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) .
ينبغي للإنسان أن يتأول هذه الآية ولو مرة واحدة ، إذا أعجبه شيء من ماله فليتصدق به لعله ينال هذا البر .

ابن عثيمين ـ تفسير سورة آل عمران
لطائف قرآنية :
قال تعالى : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ) .
أعرف امرأة كبيرة في السن أصيبت بألم في جسدها فلما ذهبت للمستشفى قال الطبيب : إن في جسدك مجموعة من الحصوات وقرر إجراء عملية لإزالتها فرفضت المرأة إجراء العملية .بعد مدة راجعت الطبيب فتبين بعد الكشف عليها أن جميع الحصوات زالت ، سألها الطبيب متعجباً ما الذي عملتيه حتى زالت ؟ قالت : قرأت عليها القرآن ، هذا القرآن الذي لو قرأ على جبل لصدعه ما يصدع حصوات صغيرة في جسمي ! .
عبدالكريم الخضير ـ شرح العقيدة الواسطية ( مسموع ) .
قال تعالى : ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ) .
هذا هو السر الذي لأجله علقت القلوب على محبة الكعبة البيت الحرام ، حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هجر الأوطان والأحباب ، ولذّ لهم فيها السفر الذي هو قطعة من العذاب ، فركبوا الأخطار ، وجابوا المفاوز والقفار ، واحتملوا في الوصول غاية المشاق ، ولو أمكنهم لسعوا إليها على الجفون والأحداق .وسر هذه المحبة هي إضافة الرب سبحانه البيت إلى نفسه بقوله ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين ) .

ابن القيم ـ روضة المحبين .
قال تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
ليس في كتاب الله آية واحدة يمدح فيها أحد بنسبه ، ولا يذم بنسبه ، وإنما يمدح بالإيمان والتقوى ، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان .

ابن تيمية ـ مجموع الفتاوى .
قال تعالى ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) .
سُئل أنس بن مالك عن تفسير هذه الآية فقال : الرجل يشتمه أخوه فيقول :إن كنت صادقاً فغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك .
الدر المنثور للسيوطي .
لطائف قرآنية :
من مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر ، فيقول هذه مخاطرة حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعاً .
ابن هبيرة ـ ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب .
قال تعالى عن كتاب الفجار ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتب مرقوم * ويل يومئذ للمكذبين ) . وقال جلا وعلا عن كتاب الأبرار : ( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون ) .
خص تعالى كتاب الأبرار بأنه يكتب ويوقع لهم به بمشهد من الملائكة والنبيين وسادات المؤمنين ، ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار . تنويهاً بكتاب الأبرار وما وقع لهم به ، وإشهاراً له وإظهاراً بين خواص خلقه كما يكتب الملوك تواقيع من تعظمه بين الأمراء وخواص أهل المملكة تنويهاً باسم المكتوب له ، وإشادة بذكره ، وهذا نوع من صلاة الله سبحانه وتعالى وملائكته على عبده .
ابن القيم ـ حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قال تعالى عن مريم ( وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) .
جعلها سبحانه من خيرة نساء العالمين ، حتى ألحقها بالرجال في صلاحها . تأمل أنه قال : (من القانتين) ولم يقل : من القانتات لأنه كما جاء في الحديث ( كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا قليل ) .

ابن عثيمين ـ تفسير سورة آل عمران .
قال تعالى مخبراً عن المسيح ابن مريم عليه وسلم : ( وجعلني مباركاً أين ما كنت ) .
أي معلماً للخير داعياً إلى الله مذكراً به مرغباً في طاعته .فهذا من بركة الرجل ، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة ، ومحقت بركة لقائه والاجتماع به ، بل تمحق بركة من لقيه واجتمع به .
ابن القيم ـ رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ( الرسالة التبوكية ) .
لطائف قرآنية :
من استمع إلى القرآن إدراكاً وفهماً وتدبراً وإجابة ، لن يعدم من اختار هذا السماع إرشاداً لحجة وتبصرة لعبرة وتذكرة لمعرفة وفكرة في آية ودلالة على رشد وحياة لقلب وغذاءً ودواءً وشفاءً وعصمة ونجاة ، وكشف شبهة .
ابن القيم ـ مدارج السالكين .
قال تعالى : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) .
انظر إلى الفضل والكرم : هو الذي منّ علينا بالهداية ثم يقول : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ، فكأننا نحن الذين أحسنا فأحسن إلينا بالجزاء مع أنه له الإحسان أولاً و آخراً هو الذي أحسن إلينا أولاً ، وأحسن إلينا آخراً ولكن هذه منته سبحانه وتعالى، ومن شكره لسعي عبده .
ابن عثيمين ـ تفسير سورة البقرة .
قال تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً ) .
محبة المساكين والإحسان إليهم توجب إخلاص العمل لله عز وجل لأن نفعهم في الدنيا لا يرجى غالباً .
ابن رجب ـ اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى .
قال تعالى : ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) .
قال الحسن البصري ( هذا مثلٌ قلّ والله من يعقله من الناس : شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه أفقر ما كان إلى جنته ، وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا ) .
صدق والله الحسن هذا مثلٌ قلّ من يعقله من الناس ، ولهذا نبه الله سبحانه وتعالى على عظم هذا المثل ، وحدا القلوب إلى التفكر فيه لشدة حاجتها إليه فقال تعالى ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) .
فلو فكر العاقل في هذا المثل وجعله قبلة قلبه لكفاه و شفاه ، فكذلك العبد إذا عمل بطاعة الله ، ثم أتبعها بما يبطلها ويحرقها من معاصي الله كان كالإعصار ذي النار المحرق للجنة التي غرسها بطاعته وعمله الصالح .
فلو تصور العامل بمعصية الله بعد طاعته هذا المعنى حق تصوره وتأمله كما ينبغي لما سولت له نفسه والله إحراق أعماله الصالحة وإضاعتها . فتبارك من جعل كلامه حياة للقلوب و شفاء للصدور وهدى ورحمة للمؤمنين .

ابن القيم ـ طريق الهجرتين .
قال تعالى : ( فذكر إن نفعت الذكرى )
من ها هنا يؤخذ الأدب في نشر العلم ، فلا يضعه عند غير أهله .
ابن كثير ـ تفسير القرآن العظيم .

قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) .
عبّر جل ذكره بالتسبيح أمام ذكر الإسراء بنبيه وعبده محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان مقتضى الحال حسب ما يظهر لعقولنا الضعيفة أن يعبر بالحمد والثناء فما الحكمة في ذلك ؟من الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم صبيحة الإسراء بما حصل ، ولو كان كذباً ، لما تركه الله ، فإن الله ينزه أن يمكّن شخصاً يكذب عليه مثل هذا الكذب من غير أن ينتقم منه ، والله أعلم .
ابن عثيمين ـ المنتقى من فرائد الفوائد .
لطائف قرآنية :
إنما آيات القرآن خزائن ، فإذا دخلت خزانة فاجتهد أن لا تخرج منها حتى تعرف ما فيها .
سفيان بن عيينة ـ رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز للرسعني .
لما علم الله سبحانه أن قلوب المشتاقين إليه لا تهدأ إلا بلقائه ضرب لهم أجلاً للقاء تسكيناً لقلوبهم فقال تعالى ( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ) .
ابن القيم ـ روضة المحبين .
قال تعالى ( فاذكروني أذكركم ) .
قف عند هذه الآية ولا تعجل ، فلو استقر يقينها في قلبك ما جفت شفتاك .
خالد بن معدان ـ الدر المنثور للسيوطي .

قال تعالى ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) .
العبد لا يطمئن إلى نفسه فإن الشر لا يجيء إلا منها ، ولا يشتغل بملام الناس وذمهم ، ولكن يرجع إلى الذنوب فيتوب منها ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله ويسأل الله أن يعينه على طاعته فبذلك يحصل له الخير ويدفع عنه الشر ، ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة :
( اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .

ابن تيمية ـ مجموع الفتاوى .
قال تعالى عن يوسف عليه السلام ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) .
محبة الصور المحرمة وعشقها من موجبات الشرك ، وكلما كان العبد أقرب إلى الشرك وأبعد من الإخلاص كانت محبته بعشق الصور أشد ، وكلما كان أكثر إخلاصاً وأشد توحيداً كان أبعد من عشق الصور . ولهذا أصاب امرأة العزيز ما أصابها من العشق لشركها ونجا منه يوسف الصديق عليه السلام بإخلاصه .
ابن القيم ـ إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان .
قال تعالى ( ادعو ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ) .
في الآية دليل على أن من لم يدعه تضرعاً وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم .
ابن القيم ـ بدائع الفوائد .
قال تعالى ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) .
الإنسان إذا كان لا يشعر بالخوف عند الموعظة ولا بالإقبال على الله تعالى فإن فيه شبهاً من الكفار الذين لا يتعظون بالمواعظ ولا يؤمنون عند الدعوة إلى الله .
ابن عثيمين ـ تفسير سورة البقرة .

قديم 10-03-2016, 05:53 PM
المشاركة 49
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
حكم من قال القرآن مخلوق :
حكم من قال : إن القرآن مخلوق
س: تقول : ما حكم من ينتسب إلى مذهب يؤمن بأن القرآن مخلوق ، وأن الناس لا يرون الله يوم القيامة ، مع العلم أن من ينتسبون إلى هذا المذهب أغلبهم لا يقرون بخلق القرآن ، ولا يؤمنون به ، ويقولون : إنا لا نؤمن بأن القرآن مخلوق ، لكننا ننتسب إلى هذا المذهب ؛ لأن آباءنا كانوا ينتسبون إليه فقط ، وما حكم من يؤمن بخلق القرآن؟ أيعتبر خارجا عن ملة الإسلام ؟ وجهونا في هذا ، جزاكم الله خيرا .
(الجزء رقم : 1،الصفحة رقم: 154)
ج : نعم الذين يقولون : إن القرآن مخلوق ، معناه إنكار أنه كلام الله ، وهذا كفر أكبر ، وهكذا من قال : إن الله لا يرى ، فمن أنكر رؤية الله في الآخرة ، رؤيته في الجنة فهذا كفر أكبر ؛ لأنه كذب الله وكذب رسوله عليه الصلاة والسلام ، فكل طائفة أو شخص يقول : إن القرآن مخلوق ، معناه أنه ليس كلام الله بل هو كلام مخلوق ، والله صرح بأنه كلامه سبحانه وتعالى ؛ لقوله جل وعلا : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ )وقال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ).
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للناس : (ألا رجل يؤمنني حتى أبلغ كلام ربي )يطوف عليهم في مكة قبل الهجرة يطلب منهم أن يؤووه حتى يبلغ كلام الله ، المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم صرحوا بأن القرآن كلام الله ، والقرآن دل على أنه كلام الله ، فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه ليس كلام الله ، فيكون كافرا بذلك ، مكذبا لله ولرسوله ولإجماع المسلمين ، وهكذا من أنكر صفات الله ، وأنكر رؤيته ومن قال : إنه ليس بحكيم ولا حليم ، ولا عزيز ولا قدير ، فهو كافر كالجهمية ، وكذلك من أنكر رؤية الله ، وأن المؤمنين لا يرونه في
(الجزء رقم : 1،الصفحة رقم: 155)
الآخرة ولا في الجنة ، هذا كافر كفرا أكبر ، أعوذ بالله ؛ لأنه كذب الله ورسوله ، والله يقول جل وعلا في حق الكفرة : (كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) فإذا حجب الكفار ، معناه أن المؤمنين يرون ربهم ، سبحانه وتعالى ، قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ) ، ناضرة أي بهية جميلة ، (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) تنظر إلى الله سبحانه وتعالى ، وقال جل وعلا : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )، جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله )وجاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر في ليلة البدر لا تضامون في رؤيته )، وقال في حديث آخر : (كما ترون الشمس في صحراء ليس دونها سحاب )وكما قال في ليلة البدر ، لا تضامون في رؤيته ، يعني رؤية واضحة بارزة ظاهرة ، ليست فيها شبهة ولا شك ، فالمقصود أن
(الجزء رقم : 1،الصفحة رقم: 156)
المؤمنين يوم القيامة يرون ربهم رؤية ظاهرة كما ترى الشمس صحوا ، ليس دونها سحاب رؤية بارزة ، وهكذا في الجنة يرون ربهم جل وعلا ، فمن أنكر هذا ، وقال : إنه لا يرى فقد كذب الله ورسوله ، فيكون كافرا نسأل الله العافية .
الشيخ عبدالعزيز بن باز

قديم 10-03-2016, 05:53 PM
المشاركة 50
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ



خطبة جمعة بتاريخ / 17-4-1436 هـ
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ؛ إله الأولين والآخرين ، وقيُّوم السماوات والأرضين ، وخالق الخلق أجمعين ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، ما ترك خيرًا إلا دل أمته عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله :
اتقوا الله تعالى ؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه ، وتقوى الله جل وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون عباد الله :
إن أشرف الفقه وأعظم المعارف المعرفة بالرب العظيم وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا وحُسن التفقه في هذا الباب الجليل العظيم ، وهو الفقه الأكبر ، وهو يدخل دخولًا أوليا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) . ولما كان هذا الفقه بهذه المكانة العلية والمنزلة الرفيعة كانت الآيات والسور المشتملة على بيان أسماء الرب وصفاته العظيمة أعظم السور شأنًا وأجلَّ الآيات مكانة .
§فإن آية الكرسي أعظم آية في القرآن قد اشتملت من أسماء الله الحسنى على خمسة أسماء ، ومن صفاته العليا على ما يزيد على العشرين صفة .
§وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لأنها أخلصت لبيان صفة الرب تبارك وتعالى ، وقد قال الصحابي الذي كان يختم في صلاته كل ركعة بـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}عندما سُئل عن ذلك قال : «لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا»، قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ )) .
§وسورة الفاتحة أعظم سور القرآن فيها حمدٌ وثناء وتمجيدٌ وتعظيم لله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأنه الإله المتفرد بالألوهية ، الرب المتفرد بالخلق والتدبير ، الرحمن الرحيم المالك ليوم الدين الذي بيده هداية الخلائق وأزمَّة الأمور جل في علاه .
§والقرآن -عباد الله- في سوره وآياته لا تخلو آية من آيات القرآن من بيانٍ لأسماء الرب جل وعلا وصفاته العظيمة سبحانه وتعالى ، بل هناك آياتٌ في القرآن أُخلصت لبيان أوصاف الرب وأسمائه جل في علاه ؛ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[الحشر:22-24] .
أيها المؤمنون عباد الله :
وكلما عظمت عناية العبد بهذا الفقه العظيم والمعرفة الجليلة بأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا زاد إقبالًا على الله ومحبةً له جل في علاه وإقبالًا على طاعته سبحانه وتعظيمًا له جل وعلا وبُعدًا عما يسخطه سبحانه وتعالى . وكلما كان العبد بالله أعرف كان لعبادته أطلب وعن معصيته أبعد ومنه جل وعلا أقرب ، وكان الله جل وعلا أحب إليه من كل شيء ، وكان قلبه في شوق إلى لقاء الله جل في علاه ومحبةٍ لرؤيته سبحانه ، ومن أحب لقاء اللهُ أحب الله لقاءه .
أيها المؤمنون عباد الله :
إن معرفة الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا مقصود للخليقة وأساسٌ عظيم لوجود البرية ، يقول الله جل وعلا: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق:12] ؛ أي أن الله عز وجل خلق هذا الخلق وأوجد هؤلاء الناس ليعرفوا ربهم سبحانه بعظيم قدرته وشمول علمه وكمال تدبيره جل في علاه .
عباد الله :
ومما ينبغي أن يُعلم في هذا المقام أن أسماء الله الحسنى وصفاته العليا لكلٍّ منها عبودية تليق بها وهي من موجبات الإيمان بأسماء الله وصفاته جل في علاه .
§فيا أيها المؤمن إذا عرفتَ ربك سبحانه بأنه جل وعلا الذي بيده الأمر ، بيده الخفض والرفع ، والقبض والبسط، والعز والذُّل ، والحياة والموت ، والتدبير لهذه الخلائق ؛ أوجبت هذه المعرفة حسن توكلٍ عليه وتمام التجاءٍ إليه وتفويضًا للأمور كلها إليه جل في علاه .
§وإذا عرفت ربك بأنه سبحانه البَرُّ الرحيم الجواد الكريم المحسن المتفضل أوجبت لك هذه المعرفة افتقارًا إلى الله وحسن التجاء إليه في طلب الرزق وتحقيق جميع المصالح الدينية والدنيوية .
§وإذا عرفت ربك بأنه سبحانه تواب غفور يقبل توبة التائبين وإنابة المنيبين واستغفار المستغفرين لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ولا حاجةٌ يسألها أن يعطيها أوجب لك ذلك إنابة إلى الله وتوبةً إليه جل في علاه وملازمةً للاستغفار واستكثارًا منه { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }[الزمر:53] .
§وإذا عرفت ربك أيها المؤمن بالجمال والجلال والكمال والعظمة أوجبت لك هذه المعرفة شوقًا إلى الله جل وعلا ومحبةً له سبحانه ولرؤيته جل في علاه وأوجب لك ذلك حُسن إقبالٍ عليه جل وعلا .
§وإذا عرفت أيها المؤمن ربك جل وعلا بأنه سميعٌ بصيرٌ عليم ؛ أحاط بكل شيءٍ علما وأحصى كل شيء عددا وأنه سبحانه أحاط سمعه بجميع المسموعات وأحاط علمًا جل وعلا بجميع البريات وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماوات ؛ أوجب لك ذلك حياءً من الله جل وعلا وحفظًا لـنفسك في سمعك وبصرك وجميع حواسك ، كيف لا وأنت تعلم أن رب العالمين يراك وأنه سبحانه مطلع عليك وأنه لا تخفى عليه منك خافية ، يكفيك زاجرًا في ترك الذنوب والبعد عنها أن تعلم أن رب العالمين يراك { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى }[العلق:14] .
أيها المؤمنون عباد الله :
وهكذا إذا أحسن العبد التأمل والتدبر في أسماء الرب العظيمة وصفاته الجليلة أوجب ذلك له ذلًا واستكانةً وخضوعًا وتقربا وبُعدًا عن المعاصي والذنوب ، ما أجلَّه -عباد الله- من علم عظيم ومعارف جليلة العبد مفتقرٌ إليها وإلى معرفتها أشد من افتقاره إلى طعامه وشرابه وجميع حاجاته ، كيف لا !! وحياته الحقيقية إنما تقوم بذلك .
عباد الله :
نسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا أجمعين حُسن المعرفة به وتمام التعظيم له وكمال الانقياد والبعد عن معاصيه ومناهيه ، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين إنه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمد الشاكرين ، وأثني عليه ثناء الذاكرين ، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه .
أيها المؤمنون عباد الله :
ثبت في الصحيحين عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا ؛ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ)) ؛ تأمل رعاك الله في هذه المثوبة العظيمة والمكرمة الجليلة لمن وفقه الله تبارك وتعالى لإحصاء تسعة وتسعين اسمًا من أسماء الله مائة إلا واحد ، وأن ثواب ذلك جنات النعيم ، لتعلم من ذلك يا عبد الله أهمية هذا العلم وأهمية هذه المعرفة بالله جل في علاه وبأسمائه وصفاته سبحانه .
وكيف يستقيم عباد الله للبشرية صلاحٌ أو فلاحٌ أو نجاحٌ أو سعادة بغير معرفةٍ بخالقهم وفاطرهم ومولاهم سبحانه وتعالى !!
ولنعلم يا معاشر المؤمنين أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ((مَنْ أَحْصَاهَا)) : أي عدَّها وحفظها ، وفهم معانيها ومدلولاتها ، وحقق العبودية التي تقضيها تلك الأسماء عملًا بقول الله جل في علاه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:180] ، وقوله جل وعلا: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الإسراء:110] .
ثم اعلموا رعاكم الله أن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة .
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكرٍ الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيِّدا . اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك حبك وحب ومن يحبك والعمل الذي يقرب إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، علانيته وسره ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } .
الشيخ عبدالرزاق البدر

قديم 10-03-2016, 05:54 PM
المشاركة 51
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
معنى تقوى الله سبحانه وتعالى وثمراتها
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى سنته واهتدى بهديه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى وتعلموا معنى التقوى قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، فقد أمر الله جميع الخلق بتقواه الأولين والآخرين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [النساء:1]، وأمر بها المؤمنين خصوصاً كما في الآيات التي سمعتم بعضاً منها وأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) [الأحزاب:1]، وأمر بالتقوى عموم الناس الأفراد، أمر جميع أفراد الخلق أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأخبر أن التقوى هي خير الزاد للآخرة قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، والتقوى كلمة جامعة لأفعال الخير القولية والفعلية والاعتقادات والنيات فهي شاملة لكل أعمال العبد ظاهرها وباطنها عليه أن يتقيَ الله فيها أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله بأداء فرائضه وترك منهياته، يتق الله فيما بينه وبينه فيعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فليعلم أن الله يراه فيحسن العمل ويتقي ربه في جميع أحواله، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت"، فيتقي ربه في أي مكان، ويتقي ربه على كل حال في السراء والضراء، وقد اختلفت عبارات السلف في تفسير التقوى وهي تجتمع بمعنىًً واحد، فعل أوامر الله جل وعلا رغبة في ثوابه وترك المحرمات خوفاً من عقابه، ولهذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، قال السلف: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، أن يُطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر هذا معنى (حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، ولا شك أن الإنسان عرضة للخطأ وعرضة للمخالفات، ولذلك لما نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، شقت على المسلمين وقالوا أينا يُطيق ذلك أيُنا يتق الله حق تقاته فلا يحصل منه خطأ ولا يحصل منه مخالفة ولا يحصل منه غفلة فأنزل الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، ففسرت هذه الآية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] فسرت قوله: (حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، فمن اتقى الله حسب استطاعته فقد اتقى الله حق تقاته: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة:286]، (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286]، قال الله جل وعلا قد فعلت، فمن اتقى الله على حسب استطاعته فقد اتقاه حق تقاته وهذا تيسير من الله وتخفيف على عباده، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد للرحيل فمن فعل ذلك فقد اتقى الله حق تقاته، الخوف من الجليل وهو الله سبحانه وتعالى، والعمل بالتنزيل وهو الكتاب والسنة، والاستعداد للرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة وذلك بالعمل الصالح، وهذا كما في قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، لعمرك ما السعادة جمعَ مال ولكن التقيَ هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد فليكن شعار المؤمن دائماً وأبداً تقوى الله في السراء والضراء في حالة غيبته عن الناس وفي حالة وجوده معهم، يتق الله دائماً وأبداً فيترك ما حرم الله عليه، ويفعل ما أمره الله به، ويكثر من التوبة والاستغفار عما يحصل منه من التقصير، هذه هي تقوى الله سبحانه وتعالى، يستشعرها المسلم دائماً وأبداً في جميع أحواله في السراء والضراء في الشدة والرخاء في حال غيبته عن الناس وفي حال وجوده مع الناس يتقي الله، وإذا قيل له اتق الله فإنه ترتعد فرائصه من خوف الله سبحانه وتعالى هذا هو التقي، أما الشقي فإنه كما قال الله جل وعلا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة:206]، فعلى المسلم أن يتقيَ الله فيما بينه وبين الله وأن يتقيَ الله فيما بينه وبين نفسه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "قل الحق ولو على نفسك"، ويتق الله فيما بينه وبين الناس قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) [الأنعام:152]، فيتقي الله ولا يتكلم إلا بالكلام المسدد الصحيح يتجنب الكذب يتجنب الغيبة يتجنب النميمة يتجنب السباب يطهر لسانه يكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى هذا هو التقي الذي يتقي ربه ويتوب من ذنبه في كل حال وفي كل حين، يتقي الله إذا ولاه الله حكماً بين الناس، إذا حكم بين الناس في النزاعات، (وأن احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [المائدة:49]، فيحكم بين الناس بما أنزل الله رضوا أو سخطوا، فإنهم إن سخطوا فإن الله يرضى عنه سبحانه وتعالى، فيُراعي ربه فيحكم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا حصلت الفتن والخلافات والشدائد فلا يتكلم إلا بخير يوجه الناس إلى ما يُصلحهم ويُصلح أمورهم ولا يشُبُ الفتنة بكلامه وتحريضه أو تظاهره كما عليه الحال الآن فإن بعض الناس كثير من الناس خصوصاً المنافقون والذين في قلوبهم مرض إذا حصلت مثل هذه الأمور من الخوض ومن الفتن فإنهم ينشطون في شب الفتنة وإذكائها بين الناس ويوقظون الفتن النائمة، والواجب على المسلمين عموماً وعلى العلماء وطلبة العلم خصوصاً أن هذا دورهم إذا حصل مثل هذه الأمور أن يقوموا بالقسط وأن يقولوا الحق وأن يطمئنوا الناس وأن يعِدوا بالخير وأن يحذروا من الشر وأن يكفّوا الناس عما يوقد الفتنة ويسبب العداوة بين الراعي والرعية وبين الولاة وبين رعاياهم، على المسلم في مثل هذه المواقف أن يكون حازماً تقياً نقياً يوجه بالخير ويدعوا إلى الطمأنينة وإلى الألفة بين المسلمين وإلى حقن الدماء وصيانة الأعراض والأموال، عليه أن يُطفئ الفتنة ما استطاع، هذا فيما يعم المسلمين في مجتمعهم وكذلك ما يقع من النزاع بين المتخاصمين وبين الناس وبين الأفراد يسعى للإصلاح، (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114]، فعلينا جميعاً أن نطمأن وأن نطمئن من حولنا في هذه الأيام وفي هذه الفتن العظام كما تعلمون الدول المجاورة لكم ما يجري فيها كل هذا بسبب الأشرار وبسبب الكلام السيء والتحريض على الفتن خصوصاً ممن يدعون العلم يشبون الفتن ويحرضون عليها حتى تحصل الفوضى ويفسد الأمر وهذا من عمل الشيطان فإن الشيطان هو الذي يؤزهم، (أَلَمْ تَرَى أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً) [مريم:83]، فعلى المسلم إذا حصل شيء من هذه الأمور إما أمور عامة بين المسلمين أو أمور بين أفرادهم من سوء التفاهم أن يصلح بينهم، حتى الإصلاح بين الزوجين إذا اختلفا على المسلم أن يُصلح بين الزوجين وأن يُسوّي ما بينهما من سوء العشرة حتى تطمئن البيوت وحتى ترتاح الأسر، وكذلك بين الإخوة والأسرة إذا حصل بينهم شيء من سوء التفاهم على المسلم أن يسعى بالإصلاح بينهم وجمع شأنهم، فعلى المسلم أن يتقيَ الله ما استطاع في هذه الأمور وهذه المواقف الصعبة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسماءه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخير برياته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى، والشطر الثاني من الآية وهو قوله تعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، القول باللسان، فعليك أيها المسلم أن تخاف من لسانك، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به، قال: "ثكِلتك أمك يا معاذ وهل يَكُب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم"، ولهذا قال سبحانه فيه هذه الآية: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، فالإنسان لا بد أن يتكلم ولكن عليه أن يتكلم بالسداد، (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، والسديد هو الكلام الصالح المفيد للإنسان ولغيره، مفيد للإنسان أن يكثر من ذكر الله، قيل في تفسير هذه الآية (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70] هو لا إله إلا الله، فعلى المسلم أن يكثر من هذه الكلمة العظيمة وأن يكثر من الثناء على الله سبحانه وتعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70] أي مسدداً وفي ضمن ذلك النهي عن القول غير السديد وهذا كثير، القول غير السديد كثير بين الناس وخطره عظيم، هل قامت الحروب وسفكت الدماء وضاع الأمن إلا بسبب القول غير السديد، إلا بسبب التحريض والشماتات والكلام السيئ بين الراعي والرعية وبين أفراد الناس، هل سفكت الدماء هل انتهكت الأعراض هل ضاعت الأموال هل اختل الأمن إلا بسبب القول الباطل والقول غير السديد، فلنتق الله في أنفسنا، ثم بين سبحانه وتعالى الثمرات التي من وراء هاتين الوصيتين، (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب:71]، لأن الإنسان خطّاء يكثر من الوقوع في الذنوب، فإذا قال قولاً سديداً من ذكر الله والاستغفار والتسبيح والتهليل والتوبة وقال القول السديد بينه وبين الناس غفر الله له ما يحصل منه (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، أول شي (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، أما الذي يقول قولاً غير سديد فإن الله لا يصلح عمله كما قال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:81]، فالقول غير السديد فساد وهلاك على الإنسان وعلى المجتمع وعلى الأفراد، فعلى الإنسان أن يعتني بكلامه إن كان عنده كلام طيب فليتكلم وإن كان ليس عنده كلام فإنه يسكت، قال صل الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، إذا صمت الإنسان سلم لكنه إذا تكلم صار أسير كلامه إلا إذا تاب إلى الله واستغفر الله وإذا كان كلامه في حق الناس فإنه لا بد أن يستسمحهم وأن يطلب منهم المسامحة عما قاله فيهم وإلا فإنهم سيخاصمونه يوم القيامة، فعلينا أن نتقيَ الله سبحانه، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:71]، كما أنك أصلحت بين الناس بكلامك السديد فإن الله يصلح لك الأعمال جزاءً وفاقاً هذه واحدة، الثانية (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب:71]، وهذه فائدة عظيمة يغفر الله لك ذنوبك إذا اتقيت الله وقلت قولاً سديداً فإن الله يغفر لك ما يحصل منك، وعد من الله والله جل وعلا لا يخلف وعده، فعليك أيها المسلم أن تتخذ هذه الآية وأمثالَها سبيلًا تمشي عليه وميزاناً تزن به الأمور وطريقاً تسير عليه فيما بينك وبين الله وفي بينك وبين نفسك وفيما بينك وبين الناس، فعلى المسلم أن يتقي الله وأن يقول القول السديد حتى في الوصية إذا أراد المسلم أن يوصي بعد موته فليعدل في الوصية، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [النساء:9]، يعدل في الوصية ولا يجور والجور في الوصية هذا هو وقف الجنف الباطل، وقد جاء في الأثر أن الإنسان يحسن عمله ثم إذا حضرته الوفاة جنف في الوصية فيُختم له بالنار، فعلى المسلم أن يتقيَ الله دائماً وأن يلازم القول السديد في جميع كلامه وفي جميع منطقه ويحذر من زلات لسانه،يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِجل فعثرتُه بالقول تُذهب رأسه وعثرته بالرِجل تبرى على مهل احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تخاف لقائه الشجعان فتحفظ من لسانك أيها المسلم وتذكر قوله تعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70]، دائما وأبدا.
و اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المَهدِيِّين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، واجمع كلمة المسلمين على الدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي به عِصْمت أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، وتب علينا واغفر لنا وارحمنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم أصلح بطانتهم وجلسائهم ومستشاريهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين يا رب العالمين، اللهم أصلح شأن المسلمين في كل مكان واكفهم شر أعدائهم من الكفار والمنافقين والمشركين وسائر المفسدين يا رب العالمين ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ صالح الفوزان

قديم 10-03-2016, 05:54 PM
المشاركة 52
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ


خطبة جمعة بتاريخ / 7-4-1435 هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنين عباد الله :
اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه . وتقوى الله جلَّ وعلا هي خير زادٍ يلغ إلى رضوان الله ، قال الله تعالى : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197] .
أيها المؤمنونعباد الله: اعتصموا بالله ، واعتصموا بحبله المتين ؛ فهما نوعان من الاعتصام دعا الله تبارك وتعالى إليهما في كتابه ورتب على تحقيقهما سعادة الدنيا والآخرة ، فأمَّا أمْره جل وعلا بالاعتصام به ففي قوله جل وعلا { وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج:78] ، وأمَّا أمره جل وعلا بالاعتصام بحبله المتين ففي قوله جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103] . وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه في سياقة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عليه الصلاة والسلام قال في خطبته : ((تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ؛ كِتَابَ اللهِ)) ، وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا ؛ يَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)) .
أيها المؤمنون عباد الله : والاعتصام بالله هو التوكل عليه جل في علاه ، والاستعانة به ، والاعتماد عليه وحده ، وصدق الالتجاء إليه ، ودوام التوجه إليه بالدعاء والسؤال ذلًّا وافتقارا ، ورجاءً وطمعا ، وإلحاحًا وتضرعا .
وأما الاعتصام بحبله:
فهو التمسك بكتابه العظيم وشرعه القويم ولزوم هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والبُعد عن الأهواء والبدع المحدثات ، ومن اعتصم بالله نجا من الهلكة ، ومن اعتصم بحبل الله نجا من الضلال .
أيها المؤمنون عباد الله : وإن مثَل السائر إلى الله تبارك وتعالى كرجلٍ خرج مسافرًا إلى وِجهةٍ معيَّنة فهو يحتاج في سفره إلى هداية في الطريق لئلا يضل ، وإلى سلامةٍ في الطريق لئلا يهلك ؛ ولا بلوغ له إلى مقصده إلا بهذين الأمرين ، فالاعتصام بالله سبحانه نجاة وسلامة من الهلكة ، والاعتصام بحبل الله جل وعلا نجاةٌ ووقايةٌ من الضلال.
أما الثمار -عباد الله- للاعتصام بالله والاعتصام بحبله المتين فلا حدَّ لها ولا عد ، بل إن سعادة الدنيا والآخرة مدارها على هذين الاعتصامين ، ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا بهذين الاعتصامين ، قال الله تعالى: { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }[آل عمران:101] ، وقال الله جل وعلا: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}[النساء:175] .
اللهم يا ربنا اجعلنا أجمعين بك معتصمين ، وبشرعك متمسِّكين ، ولهدي نبيك صلى الله عليه وسلم ملازمين ، وعن البدع والأهواء مجانبين ومبتعدين ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرةً وأصيلا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أمَّا بعد عباد الله : اتّقوا الله تعالى.
عباد الله :
ما أعظم شأن الاعتصام بالله والاعتصام بحبله القويم ؛ إذ بهما نجاة العبد وفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة ، يقول الإمام الزهري رحمه الله تعالى : «قال من مضى من علمائنا الاعتصام بالسنة نجاة» . وقال الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى : «السنة سفينة نوح ؛ من ركبها نجا ، ومن تخلَّف عنها هلك» . وهذا حق فإن مثل من لزم السنة - سنة النبي عليه الصلاة والسلام- كمثل الذين ركبوا مع نوح وهم الذين صدَّقوا به واتبعوه ، ومثل الذين تركوا السنة كالذين تخلَّفوا عن نوح وهم الذين كذَّبوا به ولم يصدقوه ، وهذا يُظهِر لنا عباد الله أهمية السنة والاعتصام بها وأن بها نجاة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة ، وخطورة البدع والأهواء وأنها هلكةٌ للعبد في دنياه وأخراه . ونسأل الله جل وعلا أن يصلح لنا شأننا كله ، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما .
واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هُدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة. وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديِّين ؛ أبي بكرٍ الصديق وعمرَ الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم .
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها ، اللهم اهدنا وسددنا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، علانيته وسرَّه .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتنا ، واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا أحد يا صمد يا بديع السماوات والأرض يا رب العالمين ، يا مغيث المستغيثين نتوجه إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا بأن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا ، هنيئًا مريئًا ، سحًّا طبقا ، نافعًا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقصنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله :
اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزيدكم ، { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } .
الشيخ عبدالرزاق البدر

قديم 10-03-2016, 05:55 PM
المشاركة 53
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
ملازمة تقوى الله تعالى دائماً في جميع الأحوال


الخطبة الأولى



الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خاف أمره وعصاه، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن موالاه، وسلم تسليما كثير، أما بعد:


أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، لقد أمرنا الله جل وعلا بتقواه وحثنا على كثير من الآيات تقوى الله هي وصية للأولين والآخرين قال تعالى( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) أمر الله بها جميع الناس فقال سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) وأمر بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) وأمر بها عموم المؤمنين فقال سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) والتقوى معناه في اللغة العربية أن تجعل بينك وبين ما تحذر وقاية توقيك منه كما تجعل وقاية بينك وبين الشيء الحار وتجعل بينك وبين الشوك والحصى وقايةً لرجليك وتجعل وقاية لجسمك من الحر ووقاية له من البرد ووقاية له من السلاح، فالتقوى هي بهذا المعنى أن جعل بينك وبين ما تكره وقاية تقيه منه وأما معنى التقوى في الشرع فهي كما بينها أهل العلم بقولهم التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن ترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد للرحيل والقناعة بالقليل فتقوى الله كلمة جامعة تجمع خصال الخير وأعمال البر وهي شعار المؤمن وقد وعد الله المتقين بوعود عظيمة قال سبحانه وتعالى(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) التقوى هي شعار أولياء الله المخلصين قال سبحانه وتعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) ومتعلقات التقوى كثيرة أولها تقوى الله سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وتقوى الله جل وعلا هي بفعل أوامره وترك نواهيه والخوف منه سبحانه وتعالى، وكذلك أمرنا الله أن نتقي النار قال سبحانه وتعالى( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) وتقي النار يكون بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه فمن وقع في المحرمات أو ترك شيئاً من الواجبات وقد عرض نفسه لدخول النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتقوى الله سبحانه وتعالى، كذلك يستشعرها المسلم في كل تصرفاته وأعماله قال صلى الله عليه وسلم:"فاتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت النساء" فالمسلم يتقي المرأة التي لا تحل له لأن يتجنبها ويتجنب النظر إليها والخلوة بها وجميع ما يربطه بها ممن يخشى منه الفتنة فيبتعد عن المرأة التي لا تحل له من كل وجه، وكذلك الله سبحانه وتعالى أمر أن نتقي الشبهات وهي الأمور الملتبسة التي لا يدار هل هي من الحل أو من الحرام؟ قال صلى الله عليه وسلم:"إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه".


عباد الله، إن التقوى هي مضمون لا إله إلا الله (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) وكلمة التقوى هي لا إله إلا الله لأنها تقي صاحبها من الشرك وتقي صاحبها من البدع والمحدثات وتقي صاحبها من كل ما يسخط الله عز وجل فهي كلمة عظيمة ووقاية منيعة لمن عرف معناها وعمل بمقتضاها، وكذلك تقوى الله سبحانه وتعالى ينجي الله بها المؤمنين إذا مروا على الصراط يوم القيامة قال تعالى( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) قال الله جل وعلا( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) شق ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: من يستطيع أن يتقي الله حق تقاته لأن تقواه حق تقاته أمر عظيم فأنزل الله جل وعلا( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فقوله سبحانه(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) إما ناسخ لقوله(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) وإما مفسرة لها ومبينة لها وهذا هو الراجح أنها مفسرة وليست ناسخة فمن اتقى الله حق تقاته فمن اتقى الله حسب استطاعته لقد اتقى الله حق تقاته.


عباد الله، لازموا تقوى الله في كل تصرفاتكم وفي كل أحوالكم وحيث ما كنتم قال صلى الله عليه وسلم:"اتقي الله حيث ما كنت واتبع الحسنة السيئة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" لأن من الناس من يظهر التقوى إذا كان مع الناس أو حوله من ينظر إليه فإذا خلا عن الناس بارز الله بالمعاصي، من الناس من يظهر التقوى إذا كان في بلاد المسلمين فإذا ذهب إلى بلاد الكفار صار مثلهم يفعل فعلهم ويظهر بمظاهرهم ويظن أنه لا أحد يراه ولا أحد يطلع عليه ونسي الله سبحانه أنه يطلع عليه في كل مكان ولهذا يجب عليه أن يتقي الله حيث ما كان في بر أو بحر أو جو في بلاد المسلمين وخارج بلاد المسلمين وفي أي مكان من أرض الله يكون شعاره تقوى الله سبحانه وتعالى دائماً وأبدا.


فتقوا الله، عباد الله، لتكونوا من أهل التقوى وتكونوا من أهلها لتكونوا من أهل التقوى وأحق بها جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية


الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:


أيُّها الناس، اتقوا الله سبحانه وتعالى، واعلموا أن كلمة التقوى ليست لفظاً يقال في اللسان فقط وإنما هي كلمة عظيمة كلمة لها معناها ومدلولها، فيجب على المسلم أن يعرف معنى التقوى وأن يعمل بها في كل أحواله وفي أي مجال كان وبأي مكان وجود وفي أي وقت كان داماً وأبدا، فولي أمر المسلمين والولي العام وإمام المسلمين يجب عليه أن يتقي الله في رعيته، وكذلك صاحب البيت يجب عليه أن يتقي الله في أهل بيته فيجنبهم ما يسخط الله ويلزمهم بطاعة الله قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) مدير الدائرة الوظيفية يجب عليه أن يتقي الله في منسوبيه وفي دائرته فيقيم فيها طاعة الله ويجنبها معصية الله ويتفقد منسوبيه مع تقوى الله سبحانه وتعالى في أداء أعماله على الوجه المطلوب وفي أداء حق الله عليهم وفي محافظتهم على الصلوات وترك المحرمات، وكذلك أفراد الموظفين يجب عليه ان يتقوا الله في وظائفهم ويؤدوا أعمالهم ولا يتغيبوا بغير حق ولا يؤخروا أعمال الناس ويضطروهم إلى المشقة بل يبادروا ولا يحيفوا مع أحد ويقدموا ويؤخروا بعض المراجعين بل يلتزم العدالة ويتقوا الله سبحانه وتعالى، وحتى مالك البهائم يجب عليه أن يتقي الله فيها وأن لا يشق عليها وأن لا يحبس عنها طعامها وشرابها وحتى لو كانت غير مملوكة له يحسن إليها فقد دخلت النار امرأة في هره حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض وتاب الله على امرأة بغي في كلب سقته وجدته يلهث من العطش ويرى الثرى من العطش فنزلت في البئر وحملت له ماءاً في خفها فسقته للكلب فشكر الله لها ذلك وغفر لها، فالواجب على المسلم أن يتقي الله أولا في نفسه ثم أن يتقي الله فيمن ولاه الله عليه من الولايات على اختلاف أنواعها يتقي الله في جميع أحواله، وكذلك الذي يبيع ويشتري ويتعامل مع الناس عليه أن يتقي الله في حقوق الناس عليه ان يتجنب الربا أن يتجنب القمار والميسر أن يتجنب الرشوة أن يتجنب الكذب أن يلزم التقوى في تعاملاته مع الناس وأن يقنع بما أحل الله ويترك ما حرم الله فتقوا الله دائماً وأبدا شعار المسلم في أي مجال كان وفي أي عمل يكون يتقي الله ربه سبحانه وتعالى إذا عرضت له فتنة وشهوة فإنه يتقي الله ويتركها خوفاً من الله سبحانه وتعالى ولا يتبع نفسه هواها يتقي الله في نفسه فيحفظها مما يضر بها يتقي الله في كل أموره وفي كل شئونه.


ثم اعلموا رحمكم الله، أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.


اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح ولاة أمورنا اللهم اجعلهم هادة مهددين غير ضالين ولا مظلين، الله أصلح بطانته وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).


عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


الشيخ صالح الفوزان



قديم 10-03-2016, 05:56 PM
المشاركة 54
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
عبادة الله والأمور التي تعين على تحقيقها
خطبة جمعة بتاريخ / 12-8-1426 هـ
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد معاشر المؤمنين :
اتقوا الله تعالى ؛ فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
عباد الله : إن مقصود إيجاد الخليقة والغايةَ من خلق الثقلين معرفةُ الله تعالى وعبادته ، ودليل المعرفة قول الله تبارك وتعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق:١٢] ودليل العبادة قول الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦] ، فالله تعالى خلق الثقلين ليعرفوه بآياته وأسمائه وصفاته وعظمته وجلاله وكماله , وأنه الخالق المدبر والرّب العظيم والموجد لهذه الكائنات والمالك لجميع المخلوقات ؛ فيؤمن بذلك كله إقراراً وتوحيدا وإيماناً وإثباتا , وتوحيدٌ في العبادة بأن تُخلَص العبادة لله وأن يُفرد وحده سبحانه بالطاعة فلا يُعبد إلا الله ولا يُصرف شيء من العبادة لأحدٍ سواه.
عباد الله :
والعبادة التي خلق الله الخلق لأجلها وأوجدهم لتحقيقها هي اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة , والعبادة منها ما يكون بالقلب كالرجاء والخوف والإنابة والتوكل وغير ذلك , ومنها ما يكون باللسان كذكر الله جلّ وعلا وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل قول سديد يحبه الله , ومنها ما يكون بالجوارح من فعلٍ للطاعات وقيامٍ بالعبادات وتحقيقٍ للقربات التي أمر الله تبارك وتعالى عباده بها ودعاهم إلى فعلها . وكما أن العبادة - عباد الله - تتناول فعل المأمور فإنها كذلك تتناول ترك المحظور ؛ فتركُ المحرمات ومجانبتها والبعد عنها من العبادة التي أمر الله تبارك وتعالى عباده بها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ )) ، وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ )) .
عباد الله :
والعبادة لا يقبلها الله من العابد إلا إذا أقامها على شرطين عظيمين وأساسين متينين ؛ إخلاص للمعبود، ومتابعة للرسول كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:١١٠]. والله جلّ وعلا لا يقبل العبادة من العامل إذا لم تكن خالصة له , وفي الحديث القدسي يقول الله جلّ وعلا: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ )) ، وهو جلّ وعلا لا يقبل العبادة إن لم تكن موافقة هدي النبي الكريم ونهج الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه , والعبادة التي لا تكون موافقةً هدي النبي عليه الصلاة والسلام مردودة على صاحبها غير مقبولةٍ منه , وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )) ، والله تعالى يقول: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود:٧] ، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في معنى هذه الآية: " أخلصه وأصوبه " ، قيل يا أبا علي و ما أخلصه وأصوبه ؟ قال: " إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يُقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقبل ، والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة " .
عباد الله :
والعبادة أنواع كثيرة وصنوف عديدة جاء بيانها في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأعظم العبادة شأنا وأرفعها مكانة مباني الإسلام الخمسة المبيَّنة في قول النبي صلى الله عليه وسلم (( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ)) متفق عليه .
عباد الله :
ثم إن كل عبادة يتقرب بها العامل إلى الله من صلاة وصيام وحج وغير ذلك يجب أن تُقام على أركان قلبيةٍ ثلاثةٍ عظيمة وهي : حبُّ الله ، ورجاءُ ثوابه ، وخوفُ عقابه , فكل عبادة نأتي بها وكل طاعة نتقرب إلى الله بها لا بد أن تكون قائمة على هذه الأركان الثلاثة : الحب والرجاء والخوف . فنحن نعبد الله حباً لله ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه ، نصلي حباً لله ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه ، نصوم حباً لله ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه، وهكذا في كل الطاعات وجميع العبادات ، وهذا ما ذكره الله تعالى في قوله سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء:٥٧] .
عباد الله :
والعُبّاد وعُمّال الآخرة والسائرون في رضا الله تبارك وتعالى هم في حقيقة الأمر في مضمار سباق وفي ميدان منافسة ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ((سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ، قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ )) ؛ فالعاملون للآخرة و القائمون بعبادة الله هم في حقيقة الأمر أنهم يعيشون هذه الحياة الدنيا في ميدان سباق وفي ميدان مسارعة ، قال الله جلّ وعلا: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء:٩٠]وقال جلّ وعلا: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون:٦١] ، والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ عديدة .
عباد الله : ومن يعمل للآخرة مجتهداً في عبادة الله ساعياً في التقرب إلى الله بما يحبه الله ويرضاه من صالح الأعمال وسديد الأقوال فإنه يفوز بالأرباح العظيمة والمكاسب الكبيرة والنتائج المثمرة العظيمة في الدنيا والآخرة , وهذا من مِنّة الله جلّ وعلا على عباده المؤمنين وحزبه الصادقين وأوليائه المقربين ، وثمار العبادة والقيام بالطّاعة كثيرة عديدة يطول عدّها ويحتاج الأمر إلى وقت كثير لسردها والله تعالى يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:٩٧] .
اللهم وفقنا لعبادتك ، وأعنا على طاعتك ، واهدنا يا ربنا إلى سواء السبيل , اللهم وبصِّرنا بديننا ، وأعنا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام , وأصلح لنا إلهنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل والموت راحة لنا من كل شر .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
عباد الله :
وإن من مقامات عباد الله العظيمة في تقربهم إلى الله ومحافظتهم على طاعة الله عنايتهم الفائقة ورعايتهم الكبيرة لمنازل السائرين ومقامات العابدين ، ولهذا فإن العابد لله جلّ وعلا يحتاج إلى أمور عظيمة تعينه على القيام بالعبادة وتيسر له المحافظة على الطاعة ؛ ومن ذلك - عباد الله - الصبر بأنواعه الثلاثة : صبر على طاعة الله ، وصبر عن معصية الله ، وصبر على أقدار الله .
ومما يحتاج إليه العابد حاجةً عظيمة بل حاجة مُلحّة : التوكل على الله والاستعانة بالله والاعتماد على الله في طلب مصالحه الدينية والدنيوية , ولهذا قال النبي لمعاذ رضي الله عنه: ((يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) رواه أبو داود .
وإذا كانت العبادة ثقيلة على العبد فإن أعظم ما يسهلها ويليّنها على قلبه ذكر الله تبارك وتعالى ، وفي الترمذي عن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه ((أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ )) والحديث دليل على أن من فوائد الذِّكر العظيمة وآثاره العميمة أنه يسهِّل الطاعة ويعين على القيام بالعبادة ويذلِّلها للعبد تذليلاً بإذن الله جلّ وعلا .
ومن مقامات العابدين العظيمة :
شكر الله على نعمه وحمده على عطاياه ومننه ، وأعظم مِنن الله علينا - عباد الله- توفيقه لنا في الدّخول في هذا الدين وأن كنا من أهل الصلاة والصيام ؛ فهذه نعمة عظيمة ومنّة جسيمة , والمؤمن شاكرٌ لنعمة الله حامدٌ لله جلّ وعلا على نعمه وعطاياه والشكر مُؤذن بالمزيد ، والله جلّ وعلا يقول: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم:٧] .
اللهم أوزعنا شكر نعمك ,اللهم أوزعنا شكر نعمك , ووفقنا لاستعمال نعمك في طاعتك وما يقرب إليك , وجنِّبنا إلهنا منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء إنك سميع الدعاء وأنت أهل الرجاء وأنت وليُّنا ونعم الوكيل .
هذا وصلوا وسلموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي , وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين , اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين , اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وأعنه اللهم على البر والتقوى ، وسدّده في أقواله وأعماله وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين , اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين.
اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها , اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفة والغنى , اللهم لك أسلمنا وبك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا وبك خاصمنا نعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلنا فأنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك اللهم من كل شر خزائنه بيدك , ونسألك اللهم الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل , اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتبْ على التائبين ، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين , اللهم وفرج همّ المهمومين من المسلمين ، ونفّس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدنين ، اللهم وارفع عنا الغلاء والوباء والزلازل والفتن والمحن والفتن كلها ما ظهر منها وما بطن ؛ عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أرحم الراحمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار , ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
عباد الله :
اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، )وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ( .
الشيخ عبدالرزاق البدر

قديم 10-03-2016, 05:56 PM
المشاركة 55
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
الخطبة الأولى
الحمد لله أمر بتوحيده وطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في عبادته كما أنه لا شريك له في ربوبيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من جميع بريته، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا، أما بعد
أيُّها الناس، اتقوا الله وتعالى، وعبدوه حق عبادته قال الله جل وعلا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فأول ما أمر الله به عبادته وحده لا شريك له وهي حق الله على عبادته كما في حديث معاذ رضي الله عنه: "حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا".
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الإعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
فأنواعها كثيرة: كل ما شرع الله التقرب به إليه فهو عبادة.
فعلى المسلم أن يفعل ما يستطيع من عبادة الله سبحانه وتعالى لأنه الخالق الرازق المحي المميت المدبر للكون والعباد فهو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وفائدة العبادة راجعة للعبد، فإنه تقربه إلى الله سبحانه وتصله بالله الذي هو ربه وخالقه ومدبره الذي بيده جميع شؤونه فهي تربطه بالله وتقربه إلى الله وهي الوسيلة إلى الله: (اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) أي: الوسيلة بعبادته، فالوسيلة هي ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وفائدتها راجعة للعبد، أما الله سبحانه فإنه غني عن عبادته وغني عن عبادة غيره فلو كفر الناس جميعا ما نقص ذلك من ملكه شيئا سبحانه وتعالى، ولا يتضرر الرب سبحانه وتعالى بشرك المشركين وإنما الضرر يرجع عليهم بالخسران، أما الله جل وعلا فإنه يقول: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) ويقول سبحانه وتعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)، وفي الحديث: "يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ولَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا"، فنحن الذين بحاجة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، نحن الفقراء إلى الله ولا يقربنا إلى الله ولا يدر علينا الأرزاق ويدفع عنا الأضرار إلا عبادة الله، فهي الصلة بيننا وبينه سبحانه ولهذا أرسل به الرسل وأنزل بها الكتب قال سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فكل نبي يقول لقومه أول ما يخاطبه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) فهي أول ما يدعا إليه الناس من أمور الدين فإذا استقامة، استقامة بقية أمور الدين، وإذا لم تستقم العبادة لله فلا فائدة من بقية أمور الدين، فيبدأ بها لأنها الأساس وهي القاعدة التي تبنى عليها أمور الدين، وهي التي تقرب العبد من ربه سبحانه وتعالى، والإنسان عبد ولابد فإما أن يكون عبدا لله وإما أن يكون عبدا للشيطان، وإما أن يكون عبدا لهواه، وإما أن يكون عبدا لدنياه، وإما أن يكون عبدا للأصنام والأوثان والأنداد:
هربوامن الرق الذي خلقوا له *** فبلو ابرق النفس والشيطان
فالإنسان عبد ولابد؛ لكنه إذا عبد الله، تحرر من عبودية ما سواه، تحرر من عبودية الهوى، تحرى من عبودية الشياطين، تحرى من عبودية الأصنام، والأشجار والأحجار تحرر من كل مكروه ومن كل ذله، فصار عبدا لله سبحانه وتعالى، يحميه ويحرسه ويرزقه ويغفر له، فالذي لا يعبد الله أصلا هذا مستكبر، مستكبر عن عبادة الله: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، والذي يعبد الله ويعبد معه غيره هذا مشرك، والمشرك خالدٌ مخلد في النار: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) يعني: المشركين، (وَمَا لِلظَّالِمِينَ) يعني: المشركين، والله جل وعلا قال: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فأعظم الظلم الشرك بالله عز وجل لأنه وضع للعبادة في غير موضعها فهو أعظم الظلم، والمشرك لا يقبل منه عمل: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال ويخلد صاحبه في النار إذا مات عليه ولم يتب منه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) وأما إذا كان شركا أصغر كالريا والسمعة فإنه يبطل العمل الذي خالطه وقارنه حتى يتوب صاحبه منه، فالشرك خطير جدا، كثير من الناس لا يبالي بهذا ولا يسأل ما هو الشرك؟ وما هي أنواعه حتى يتجنبها؟ فهذا إهمال يقع في الشرك وهو لا يدري، يعمل أعمالا تضيع عليه وهو لا يدري.
فعلى المسلم أن يعرف ما هو الشرك؟ أولا يعرف ما هي عبادة الله؟ عبادة الله هي التقرب إليه بما شرعه على لسانه رسوله صلى الله عليه وسلم هذه عبادة الله عز وجل، فمن لا يعبد الله فهو مستكبر، من عبد الله وعبد معه غيره فهو مشرك، والمستكبر والمشرك كلاهما في النار خالدين مخلدين فيها إذا ماتا على ذلك، والذي يعبد الله بغير ما شرعه من البدع والمحدثات هذا مبتدع لا يقبل منه عمل قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" وفي رواية: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهْوَ رَدٌّ" قال صلى الله عليه وسلم: "وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ"، فليس الشأن أنك تتعبد وتزهد، الشأن أن تتعبد على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن العمل لا يقبل إلا بشرطين:
الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل فلا يكون فيه شرك.
والشرط الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يكون فيه بدعة، كثير من الناس يتعبدون لله بالبدع والمحدثات ويظنون أنها تقربهم إلى الله وهي تبعدهم من الله، يعبدون الله بالبدع إذا ما فائدة الرسل؟ ما فائدة الكتب المنزلة؟ إذا كنت تبتكر لنفسك أو يبتكر لك شياطين الإنس والجن عبادة لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، فأنت تسير في طريق النار إذا لم تتب إلى الله لأن في الحديث: "وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ".
فعلى المسلم أن يتفهم هذا وأن يخلص دينه لله، وأن يخلص المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يتابع أهل الضلال وأهل الشرك والقبورين الذين يعبدون الأموات ويستغيثون بهم لا يقلدهم ولا يمشي في طريقهم لئلا يحشر معهم يوم القيامة؛ بل يكون على الصراط المستقيم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)، تنبهوا لهذا فليس الشأن أن تعمل وتكثر من الأعمال إنما الشأن أن يكون عملك صحيحا ولا يكون صحيحا إلا إذا خلا من الشرك وخلا من البدعة.
فعلينا أن نتنبه لهذا الأمر لأنه خفي على كثير من الناس فصاروا يعبدون الله بالبدع والضلالات ويتبعون ما تخط لهم شياطين الإنس والجن ليضلوهم عن سبيل الله، فأنت عبد مهما كنت فإما أن تعبد الله فيكرمك الله سبحانه وتعالى بجنته، وإما أن تعبد غير الله فيهينك الله عز وجل في ناره.
فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا أعمالكم قال جل وعلا: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ولم يقل أيكم أكثر عملا، فليست العبرة بكثرة العمل إنما العبرة بحسن العمل، ولا يكون العمل حسننا إلا بالشرطين المذكورين:
الإخلاص لله عز وجل.
والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداًبارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسماءه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنكم لن تسلموا من الشرك والبدع إلا إذا تعلمتم العلم النافع على أيدي العلماء، العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن تتجنب الشرك حتى تعرف ما هو الشرك؟ لا يمكن أن تعبد الله عز وجل حتى تعرف ما هي عبادة الله؟ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
فعلى المسلم أن يتعلم أمور دينه ولو باختصار على العلماء الذين يوضحون له الطريق الصحيح ويبينون له، كثير من الناس يسمع الشرك في القرآن ويسمع الكفر لكن ما يدري ما هو الشرك؟ وما هو الكفر؟ ويظن أن الله يخاطب غيره ما يخاطبه هو ولا يوجهه هو فيستمر على ما هو عليه وما اعتاده وما قلد فيه الناس دون تمحيص وتخليص.
فعلى المسلم أن ينبه لهذا، أن يتعلم أمور دينه على أهل العلم، هناك مختصرات تحفظ وتشرح، هناك مطولات من الكتب فالأمر واضح - ولله الحمد-، ولكن الشأن في الذي يهتم بأمور دينه حتى يستقيم عليه، وفق الله الجميع لما يحب ويرضاه.
ثم اعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى به بملائكته وثلث بكم أيها المؤمنون: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللَّهُمَّ جعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين من أذى الكفار وشر الأشرار يا حي يا قيوم، اللَّهُمَّ من أردا الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه وردد كيده في نحره وجعل تدميره في تدبيره، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا، اللَّهُمَّ أمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا وكفنا شر شرارنا وقنا شر الفتن، اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا لما فيه صلاحه وصلاح الإسلام والمسلمين يا رب العالمين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله،(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.
الشيخ صالح الفوزان

قديم 10-03-2016, 05:57 PM
المشاركة 57
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
التوحيد حق الله على العبيد
التوحيد لغة:
((مصدر وَحدَ يُوحِد، أي جعل الشيء واحِداً))
وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحد، وإثباته له،
فمثلاً نقول:
إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فينفي الألوهية عما سوى الله عز وجل ويثبتها لله وحده، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم، فلو قلت مثلاً((فلان قائم)) فهنا أثبت له القيام لكنك لم توحده به،
لأنه من الجائز أن يشاركه غيره في هذا القيام، ولو قلت ((لا قائم)) فقد نفيت نفياً محضاً ولم تثبت القيام لأحد، فإذا قلت: ((لا قائم إلا زيد)) فحينئذٍ تكون وحدت زيداً بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع، أي أن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً .
وأنواع التوحيد بالنسبة لله-عز وجل- تدخل كلها في تعريف عام وهو ((إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به))
ينقسم التوحيد إلى عدة أقسام ..
وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة :
الأول:
توحيد الربوبية .
الثاني:
توحيد الألوهية .
الثالث:
توحيد الأسماء والصفات .
وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء، والنظر في الآيات والأحاديث، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن
هذه الأنواع الثلاثة.
( قلنا : وسيأتي تفصيل هذه الانواع تباعآ )
---------------------

قديم 10-03-2016, 05:58 PM
المشاركة 58
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
توحيد الربوبية :
وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى في أمور ثلاثة" في الخلق والملك والتدبير"
دليل ذلك قوله تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) (الأعراف: من الآية54)
ووجه الدلالة من الآية:
أنه قدم فيها الخبر الذي من حقه التأخير،
والقاعدة البلاغية :
أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. ثم تأمل افتتاح هذه الآية بـ( أَلا ) الدالة على التنبيه والتوكيد: ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)(الأعراف: من الآية54) ، لا لغيره، فالخلق هذا هو،
والأمر هو التدبير. أما الملك، فدليله مثل قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )(الجاثـية: من الآية27) ، فإن هذا يدل على انفراده سبحانه وتعالى بالملك، ووجه الدلالة من هذه الآية كما سبق تقديم ما حقه التأخير. إذاً، فالرب عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير.
فإن قلت: كيف تجمع بين ما قررت وبين إثبات الخلق لغير الله، مثل قوله تعالى(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون: من الآية14) ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: "(يقال لهم أحيوا ما خلقتم) ومثل قوله تعالى في الحديث القدسي: "(ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)، فكيف تجمع بين قولك: أن الله منفرد بالخلق، وبين هذه النصوص؟.
فالجواب أن يقال:
إن الخلق هو الإيجاد، وهذا خاص بالله تعالى، أما تحويل الشيء من صورة إلى أخرى، فإنه ليس بخلق حقيقة، وإن سمي خلقاً باعتبار التكوين، لكنه في الواقع ليس بخلق تام، فمثلا: هذا النجار صنع من الخشب باباً، فيقال: خلق باباً لكن مادة هذه الصناعة الذي خلقها هو الله عز وجل، لا يستطيع الناس كلهم مهما بلغوا في القدرة أن يخلقوا عود أراك أبداً، ولا أن يخلقوا ذرة ولا أن يخلقوا ذباباً.
واستمع إلى قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73) . [الذين]: اسم موصول يشمل كل ما يدعى من دون الله من شجر وحجر وبشر وملك وغيره، كل الذين يدعون من دون الله ( لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) (الحج:73) ولو انفرد كل واحد بذلك، لكان، عجزه من باب أولى ،(إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ) [ الحج :73 ] ، حتى الذين يدعون من دون الله لو سلبهم الذباب شيئاً، ما استطاعوا أن يستنقذوه من هذا الذباب الضعيف، ولو وقع الذباب على أقوى ملك في الأرض، ومص من طيبه، لا يستطيع هذا الملك أن يستخرج الطيب من هذا الذباب، وكذلك لو وقع على طعامه، فإذاً الله عز وجل هو الخالق وحده. فإن قلت: كيف تجمع بين قولك: إن الله منفرد بالملك وبين إثبات الملك للمخلوقين، مثل قوله تعالى: ( أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَه)(النور: من الآية61) (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم)(المؤمنون: من الآية6).
فالجواب: أن الجمع بينهما من وجهين:
الأول:
أن ملك الإنسان للشيء ليس عاماً شاملاً، لأنني أملك ما تحت يدي، ولا أملك ما تحت يدك والكل ملك الله عز وجل، فمن حيث الشمول: ملك الله عز وجل أشمل وأوسع، وهو ملك تام.
الثاني:
أن ملكي لهذا الشيء ليس ملكاً حقيقياً أتصرف فيه كما أشاء، وإنما أتصرف فيه كما أمر الشرع، وكما أذن المالك الحقيقي، وهو الله عز وجل، ولو بعت درهماً بدرهمين، لم أملك ذلك، ولا يحل لي ذلك، فإذا ملكي قاصر ، وأيضاً لا أملك فيه شيئاً من الناحية القدرية، لأن التصرف لله، فلا أستطيع أن أقول لعبدي المريض: ابرأ فيبرأ، ولا أستطيع أن أقول لعبدي الصحيح الشحيح: امرض فيمرض، لكن التصرف الحقيقي لله عز وجل، فلو قال له: ابرأ، برأ، ولو قال: امرض. مرض، فإذا لا أملك التصرف المطلق شرعاً ولا قدراً، فملكي هنا قاصر من حيث التصرف، وقاصر من حيث الشمول والعموم، وبذلك يتبين لنا كيف كان انفراد الله عز وجل بالملك.
وأما التدبير، فللإنسان تدبير، ولكن نقول: هذا التدبير قاصر، كالوجهين السابقين في الملك، ليس كل شيء أملك التدبير فيه وإنما أملك تدبير ما كان تحت حيازتي وملكي وكذلك لا أملك تدبيره إلا على وفق الشرع الذي أباح لي هذا التدبير.
وحينئذ يتبين أن قولنا: "إن الله عز وجل منفرد بالخلق والملك والتدبير": كلية عامة مطلقة، لا يستثنى منها شيء، لأن كل ما أوردناه لا يعارض ما ثبت لله عز وجل من ذلك.

قديم 10-03-2016, 05:58 PM
المشاركة 59
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
توحيد الألوهية :


وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة.


بألا تكون عبداً لغير الله، لا تعبد ملكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا شيخاً ولا أماً ولا أباً، لا تعبد إلا الله وحده، فتفرد الله عز وجل وحده بالتأله والتعبد، ولهذا يسمى: توحيد الألوهية، ويسمى: توحيد العبادة، فباعتبار إضافته إلى الله هو توحيد ألوهية، وباعتبار إضافته إلى العابد هو توحيد عبادة.


والعبادة مبنية على أمرين عظيمين، هما المحبة والتعظيم، الناتج عنهما: ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَبا)(الأنبياء: من الآية90) ، فبالمحبة تكون الرغبة، وبالتعظيم تكون الرهبة والخوف.


ولهذا كانت العبادة أوامر ونواهي:


أوامر مبنية على الرغبة وطلب الوصول إلى الآمر، ونواهي مبنية على التعظيم والرهبة من هذا العظيم.


فإذا أحببت الله عز وجل، رغبت فيما عنده ورغبت في الوصول إليه، وطلبت الطريق الموصل إليه، وقمت بطاعته على الوجه الأكمل، وإذا عظمته خفت منه، كلما هممت بمعصية، استشعرت عظمة الخالق عز وجل، فنفرت، (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء)(يوسف: من الآية24) ، فهذه من نعمة الله عليك، إذا هممت بمعصية، وجدت الله أمامك، فهبت وخفت وتباعدت عن المعصية، لأنك تعبد الله رغبة ورهبة.


فما معنى العبادة ؟


العبادة: تطلق على أمرين، على الفعل والمفعول.


تطلق على الفعل الذي هو التعبد، فيقال: عبد الرجل ربه عبادة وتعبداً وإطلاقها على التعبد من باب إطلاق اسم المصدر على المصدر، ونعرفها باعتبار إطلاقها على الفعل بأنها: "التذلل لله عز وجل حباً وتعظيماً، بفعل أوامره واجتناب نواهيه". وكل من ذل لله عز بالله ، ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه)(المنافقون: من الآية8) .


وتطلق على المفعول، أي: المتعبد به وهي بهذا المعنى تعَّرف بما عرفها به شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال رحمه الله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة[3].


هذا الشيء الذي تعبدنا الله به يجب توحيد الله به، لا يصرف لغيره، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والدعاء والنذر والخشية والتوكل.. إلى غير ذلك من العبادات.


فإن قلت: ما هو الدليل على أن الله منفرد بالألوهية؟


فالجواب:


هناك أدلة كثيرة، منها:


قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25) .


( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت)(النحل: من الآية36) .


وأيضاً قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ)(آل عمران: من الآية18) ، لو لم يكن من فضل العلم إلا هذه المنقبة، حيث إن الله ما أخبر أن أحداً شهد بألوهيته إلا أولو العلم، نسأل الله أن يجعلنا منهم : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ) ، بالعدل، ثم قرر هذه الشهادة بقوله: (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، فهذا دليل واضح على أنه لا إله إلا الله عز وجل، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنتم تشهدون أن لا إله إلا الله . هذه الشهادة الحق .


إذا قال قائل: كيف تقرونها مع أن الله تعالى يثبت آلهة غيره، مثل قوله تعالى: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر)(القصص: من الآية88) ، ومثل قوله: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِه)(المؤمنون: من الآية117) ، ومثل قوله( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْء)(هود: من الآية101) ، ومثل قول إبراهيم: (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) (الصافات:86) .. إلى غير ذلك من الآيات، كيف تجمع بين هذا وبين الشهادة بأن لا إله إلا الله ؟


فالجواب:


أن ألوهية ما سوى الله ألوهية باطلة، مجرد تسمية، (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان)(لنجم: من الآية23) ، فألوهيتها باطلة، وهي وإن عبدت وتأله إليها من ضل، فإنها ليست أهلا لأن تعبد، فهي آلهة معبودة، لكنها آلهة باطلة،(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ)(لقمان: من الآية30) .


وهذا النوعان من أنواع التوحيد لا يجحدهما ولا ينكرهما أحد من أهل القبلة المنتسبين إلى الإسلام، لأن الله تعالى موحد بالربوبية والألوهية، لكن حصل فيما بعد أن من الناس من ادعى ألوهية أحد من البشر، كغلاة الرافضة مثلاً، الذين يقولون: إن علياً إليه، كما صنع زعيمهم عبد الله بن سبأ، حيث جاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: أنت الله حقاً‍ لكن عبد الله بن سبأ أصله يهودي دخل في دين الإسلام بدعوى التشيع لآل البيت، ليفسد على أهل الإسلام دينهم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: "إن هذا صنع كما صنع بولص حين دخل في دين النصارى ليفسد دين النصارى"[4] .

هذا الرجل عبد الله بن سبأ قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الله حقاً وعلي ابن أبي طالب لا يرضى أن أحداً ينزله فوق منزلته هو حتى إنه رضي الله عنه من إنصافه وعدله وعلمه وخبرته كان يقول على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر[5] ، يعلن ذلك في الخطبة، وقد تواتر النقل عنه بذلك رضي الله عنه، والذي يقول هكذا ويقر بالفضل لأهله من البشر كيف يرضي أن يقول له قائل: إنك أنت الله؟‍ ولهذا عزرهم أبشع تعزير، أمر بالأخاديد فخدت، ثم ملئت حطباً وأوقدت، ثم أتى بهؤلاء فقذفهم في النار وأحرقهم بها، لأن فريتهم عظيمة ـ والعياذ بالله ـ وليست هينة، ويقال: إن عبد الله بن سبأ هرب ولم يمسكوه المهم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحرق السبئية بالنار، لأنهم ادعوا فيه الألوهية.



فنقول:


كل من كان من أهل القبلة لا ينكرون هذين النوعين من التوحيد: وهما: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وإن كان يوجد في بعض أهل البدع من يُؤَلِهُ أحداً من البشر.


المصدر:الشيخ بن عثيمين/ شرح العقيدة الواسطية




قديم 10-03-2016, 05:58 PM
المشاركة 60
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
توحيد الأسماء والصفات :
وهو ((إفراد الله - سبحانه وتعالى- بما سمى الله به نفسه ، ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل)) . فلا بد من الإيمان بما سمى الله به نفسه ووصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييف، ولا تمثيل،
وهذا النوع من أنواع التوحيد ضل فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة الذين ينتسبون للإسلام على أوجه شتى :
منهم من غلا في النفي والتنزيه غلواً يخرج به من الإسلام، ومنهم متوسط، ومنهم قريب من أهل السنة . ولكن طريقة السلف في هذا النوع من التوحيد هو أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة، لا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل .
مثال ذلك:
أن الله - سبحانه وتعالى- سمى نفسه بالحي القيوم فيجب علينا أن نؤمن بأن الحي اسم من أسماء الله تعالى ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء . وسمى الله نفسه بالسميع فعلينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله –سبحانه وتعالى- وبالسمع صفة من صفاته، وبأنه يسمع وهو الحكم الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة، فإن سميعاً بلا سمع، أو سمعاً بلا إدراك مسموع هذا شيء محال وعلى هذا فقس .
مثال آخر:
قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)(المائدة: الآية64). فهنا قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(المائدة: الآية64) فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط، وهو العطاء الواسع، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم، ولكن يجب علينا أن لا نحاول بقلوبنا تصوراً، ولا بألسنتنا نطقاً أن نكيف تلك اليدين، ولا أن نمثلهما بأيدي المخلوقين، لأن الله –سبحانه وتعالى- يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية11) ويقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33). ويقول عز وجل: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36). فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌُ).(الشورى: الآية11) وقد عصى الله تعالى في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ)(النحل: الآية74) ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أياً كانت هذه الكيفية، فقد قال على الله ما لا يعلم، وقفى ما ليس له به علم .
ونضرب مثالاً ثانياً في الصفات:
وهو استواء الله على عرشه فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه كلها بلفظ (استوى) وبلفظ (على العرش) وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) .(طـه:5) .وأمثالها من الآيات . أنه علا على عرشه علواً خاصاً، غير العلو العام على جميع الأكوان، وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة، فهو عالٍ على عرشه علواً يليق به –عز وجل- لا يشبه علو الإنسان على السرير، ولا علوه على الأنعام ،ولا علوه على الفلك الذي ذكره الله في قوله: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ)(الزخرف: من الآية12) .(لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف:13). (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) .(الزخرف:14) . فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء الله على عرشه؛ لأن الله ليس كمثله شيء .
وقد أخطأ خطأ عظيماً من قال إن معنى استوى على العرش استولى على العرش، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة –رضوان الله عليهم- والتابعون لهم بإحسان، ومستلزم للوازم باطلة لا يمكن لمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة لله –عز وجل- والقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك كما قال الله –سبحانه وتعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3) ومقتضى صيغة ((استوى على كذا)) في اللغة العربية العلو والاستقرار، بل هو معناها المطابق للفظ . فمعنى استوى على العرش أي: علا عليه علواً خاصاً يليق بجلاله وعظمته، فإذا فسر الاستواء بالاستيلاء فقد حرف الكلم عن مواضعه، حيث نفى المعنى الذي تدل عليه لغة القرآن وهو العلو وأثبت معنى آخر باطلاً .
ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك، وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه .




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 05:48 PM.